الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كان عليه الأحبار والرهبان، فقال الله تعالى: اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ، وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ، وَما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلهاً واحِداً، لا إِلهَ إِلَّا هُوَ سُبْحانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ. يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِؤُا نُورَ اللَّهِ بِأَفْواهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ، وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ. هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ. يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيراً مِنَ الْأَحْبارِ وَالرُّهْبانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوالَ النَّاسِ بِالْباطِلِ، وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ، وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ، وَلا يُنْفِقُونَها فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ. يَوْمَ يُحْمى عَلَيْها فِي نارِ جَهَنَّمَ، فَتُكْوى بِها جِباهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هذا ما كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ، فَذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ.
(التوبة)
وإن الله تعالى إذ بين وجوب الجهاد لكل من يعتدى على الحق ويعاند أهله، وينابذهم على سواء، بين سبحانه وتعالى أن الأشهر الحرم القتال فيها حرام، فذكر السنة فى التقويم المتصل بالقمر والشمس والأشهر الحرم منها. فقال تعالى: إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ، ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ، فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ، وَقاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَما يُقاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ. إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عاماً، وَيُحَرِّمُونَهُ عاماً، لِيُواطِؤُا عِدَّةَ ما حَرَّمَ اللَّهُ، فَيُحِلُّوا ما حَرَّمَ اللَّهُ، زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمالِهِمْ، وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ (التوبة)
غزوة تبوك فى سورة براءة:
701-
قلنا إن سورة براءة من آخر السور نزولا، ويبدو من سياقها كما قلنا أنها نزلت دفعة واحدة، لمناسبة ما كان من العهود فيها ابتداء وما كان من عمل المنافقين، ولمناسبة تطهير البيت من رجس الجاهلية ومنع المشركين من دخوله، ولكن الشطر الأكبر منها كان يتعلق بغزوة تبوك التى كانت آخر غزوات النبى صلى الله تعالى عليه وسلم.
وقد امتازت هذه الغزوة أنها كانت بعد أن أوشك الإسلام أن يعم البلاد العربية أو عمها، وإنها كانت وقد خفض العرب الذين كانوا يتاخمون الفرس والرومان من نفوذهم، ورضوا بالإسلام دينا، وخلصوا بذلك من ربق الفرس والرومان واعتزوا بعزة الإسلام.
وامتازت أيضا هذه الغزوة بأن ظهر التخاذل فى أولها، حتى كان التثاقل، وبث الظنون فى المسلمين من المنافقين، وضعاف الإيمان، ثم فيها بيان حال الذين ينتحلون الأعذار ولا عذر لهم، وحال الذين يستأذنون فى التخلف، فيؤذن لهم أو لا يؤذن، وفيها عمل التخذيل فى جيوش الحق من أين تجيء، وإلى أين تتجه.
وإذا كانت غزوة تبوك آخر الغزوات المحمدية ففيها العبر التى توجب على كل جيش أن يتعرفها، ويأخذ بعظاتها، حتى يكون الجيش الإسلامى قويا، قد تجنب أسباب الخور وأسباب التردد والهزيمة، والتخاذل، والآفات التى تعترى الجيوش من أهل التردد والنفاق، وما يحدثه من تخاذل.
وقد كانت سورة براءة وعاء هذه التجارب النبوية فى تلك الغزوة التى لم تشتمل على قتال، ولكن كشفت فيها النفوس كشفا، وابتلى فيها المؤمنون بالنفاق، والتثاقل ودعاة الخذلان، وكيف عالج محمد صلى الله تعالى عليه وسلم تلك الأحوال بهداية ربه.
وإذا كان الجهاد ماضيا إلى يوم القيامة، فقد كانت سورة براءة تصويرا للآفات التى تعترى الجيوش فى تكوينها، وفى سيرها، وفى الاتجاه إلى غايتها من غير التواء.
ولقد بينت نفوس المترددين، وعدم إيمانهم بالحق الذى يؤيدونه، وفيها بيان للمجاهدين المعتز بهم وأول الآفات عدم العزيمة الموجهة المدافعة، والتثاقل عندما يحق الجهاد، وقد قال تعالى فى ذلك: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ما لَكُمْ إِذا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ، أَرَضِيتُمْ بِالْحَياةِ الدُّنْيا مِنَ الْآخِرَةِ فَما مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ. إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذاباً أَلِيماً، وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ وَلا تَضُرُّوهُ شَيْئاً وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ. إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُما فِي الْغارِ إِذْ يَقُولُ لِصاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْها، وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلى، وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيا، وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ. انْفِرُوا خِفافاً وَثِقالًا، وَجاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (التوبة)
وتستمر الآيات الكريمة السامية فى بث الهمم ودفع العزائم، لأن تكوين الجيش يكون بإيجاد دفعة قوية عازمة، والاستعداد لتحمل المكاره والوثوق بتأييد الله تعالى إن خلصت النيات، واستحصدت العزائم.
ولقد بين سبحانه وتعالى بالإشارة السبب فى تثاقل حركتهم وهو توقع المشقة، وإن توقع المشقة يجب أن يكون فى تقدير المجاهد، وعزمه الحديد.