الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
نقض قريش لصلح الحديبية:
589-
هذا هو السبب الجوهرى، لقد نقضوا فقرة من فقراته، فنقضوه كله، على النحو الذى بيناه من أن كل عهد كل لا يتجزأ، نقض بعضه نقض لكله.
ذلك أنه كان فى العقد أن من أراد أن يدخل فى عقد قريش وعهدهم دخل، ومن أحب أن يدخل فى عقد محمد صلى الله تعالى عليه وسلم دخل، فيكون من يدخل فى عقد أحد الفريقين له حقوق العقد، وعليه التزاماته، فدخلت خزاعة فى عهد محمد صلى الله تعالى عليه وسلم، ودخل بنو بكر فى عقد قريش.
وكان بهذا حقا على قريش ألا تعتدى على خزاعة، وكذلك على الرسول صلى الله تعالى عليه وسلم وكان ثمة إحن جاهلية بين بنى بكر وخزاعة، عدت فيها خزاعة على بنى بكر فقتلت، وعدت مثلها على خزاعة فقتلت، ثم كانت من بعد ذلك معركة، كان الغلب فيها لخزاعة.
وكانت العداوة قائمة، فلما جاء الإسلام وحاربت قريش النبى صلى الله تعالى عليه وسلم والذين آمنوا، شغلوا بحربه، وكانوا على ضغن.
فلما كانت الهدنة، كانت خزاعة تحس من قريش نفرة ومعاونة لعدوها، فدخلت فى عقد النبى صلى الله تعالى عليه وسلم، وكان بهذا العهد عليه حمايتها فى دائرة العقد، وكان بنو بكر على وداد مع قريش فدخلوا فى عقدها.
وكان صلح الحديبية مغريا بالانتقام اتخذه بنو بكر فرصة انتهزوها ولم يعلموه عهدا عليهم يلتزمون بمبادئه.
اعتدى بنو بكر على خزاعة، ورفدتهم قريش بالسلاح، ثم قاتلوا معهم مستخفين ليلا، منهم صفوان بن أمية، وحويطب بن عبد العزى، ومكرز بن حفص.
وما زالوا يقاتلون حتى انحازوا إلى البيت، وكان حقا عليهم أن يمنعوا القتال فى البيت الحرام الذى جعله الله حرما آمنا ويتخطف الناس من حولهم، ولكن قائدهم نوفل بن معاوية قاتل مع اعتراض بنى بكر، إذ قالوا له: يا نوفل إنا دخلنا الحرم إلهك.
فقال كلمة كبيرة، بل فاجرة، قال: لا إله اليوم، يا بنى بكر أصيبوا ثأركم فلعمرى إنكم لتشرقون فى الحرم، فلا تصيبون ثأركم فيه.
ولجأ بنو خزاعة إلى داخل دار بديل بن ورقاء الخزاعى ودار مولى لهم وكانت هذه مقتلة فاجرة.
وخرج رجل من بنى خزاعة اسمه عمرو بن سالم الخزاعى حتى قدم على رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم.
وبذلك حدثت أمور استوجبت أن يقف النبى صلى الله تعالى عليه وسلم مع الذين فى عهده ضد بنى بكر ابتداء، ومن أعانوهم.
لقد ارتكب بنو بكر خيانة العهد. والقتال فى البيت الحرام. وعاونتهم قريش فيما ارتكبوا من خيانة عهد وإصابة للحرمات.
فما كان للنبى صلى الله تعالى عليه وسلم أن يسكت على هذا الضيم الذى ينزل بأهل عهده من أعدائهم، وبمعاونة قريش.
خرج بديل بن ورقاء الخزاعى إلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم الذى لجأوا إلى داره فى نفر من خزاعة بعد عمرو بن سالم، فأخبروه كما أخبره من قبل عمرو بن سالم بما أصيبوا به من بكر، ومظاهرة قريش لهم.
وعاد بديل، فالتقى بأبى سفيان وقد جاء يجس النبض، ويطلب شد العقد، ومد المدة. وظن أبو سفيان أنه جاء للنبى صلى الله تعالى عليه وسلم.
جاء أبو سفيان، وقد أدرك كبر ما فعلت قريش، وما كان قد تحرك لمنع هذا، ولكن قد وقعت الواقعة، ولعله لم يكن لما حدث كارها.
استمر أبو سفيان فى مسيره حتى التقى بابنته أم حبيب قادما للقاء رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم.
أراد أن يجلس على فراش رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فطوته فقال: يا بنية ما أدرى أرغبت بى عن هذا الفراش أم رغبت به عنى، فقالت: هو فراش رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، وأنت مشرك نجس، فلم أحب أن تجلس على فراشه، فقال: يا بنية، والله لقد أصابك بعدى شر.
ظن أن ابنته وهى زوج رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم قد تكون شفيعا عند رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، ولكنها بادرته بما ألقى فى نفسه اليأس، فالتمس الشفاعة عند غيرها ذهب إلى أبى بكر، فكلمه فى أن يكلم رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، فقال: ما أنا بفاعل، ذهب
إلى عمر بن الخطاب رضى الله تعالى عنه، فكلمه، فقال عمر رضى الله عنه: أنا أشفع إلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، فوالله لو لم أجد لكم إلا الذر لجاهدتكم به، ترك عمر يائسا، كما يئس من أبى بكر.
فذهب إلى على بن أبى طالب، وله به رحم، فدخل على على وعنده الزهراء فاطمة بنت رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، وعنده حسن ابنها غلام يدب بينهما.
قال أبو سفيان يا على إنك أمس القوم بى رحما، وأقربهم منى قرابة، وقد جئت فى حاجة فلا أرجعن كما جئت خائبا فاشفع لى إلى رسول الله.
قال على: ويحك أبا سفيان، والله لقد عزم رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم على أمر ما نستطيع أن نكلمه فيه.
التفت أبو سفيان إلى الزهراء فاطمة فقال لها: يا بنت محمد هل لك أن تأمرى ابنك هذا فيجير بين الناس، فيكون سيد العرب إلى آخر الدهر.
قالت الزهراء فاطمة: والله ما بلغ بابنى ذلك أن يجير بين الناس، وما يجير أحد على النبى صلى الله تعالى عليه وسلم.
اتجه أبو سفيان مرة ثانية، وقال له: يا أبا الحسن إنى أرى الأمور قد اشتدت على، فانصحنى، فقال على: والله ما أعلم شيئا يغنى عنك، ولكنك سيد بنى كنانة، فقم فأجر بين الناس، ثم الحق بأرضك.
قال أبو سفيان: أو ترى ذلك مغنيا عنى شيئا، قال على: لا والله ما أظن، ولكن لا أجد عملا غير ذلك. قام أبو سفيان فى المسجد، فقال: أيها الناس إنى قد أجرت بين الناس. ثم ركب بعيره فانطلق حتى قدم على قريش، وقد أحسوا كبر ما فعلوا، وحمق ما صنعوا، سألوه، فأخبرهم بأن أحدا لم يردوا عليه شيئا، لا النبى صلى الله تعالى عليه وسلم، ولا أبو بكر ولا عمر، ثم ما أشار به على من أنه أجير بين يدى الناس، فسألوه هل أجاره النبى صلى الله تعالى عليه وسلم. قال: لا.