الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قدوم وفد عذرة
680-
فى صفر سنة تسع قدم اثنا عشر رجلا هم وفد قبيلة عذرة، ولهم بقصى جد النبى صلى الله تعالى عليه وسلم صلة، لأنه كان أخاهم من أمه.
ولذلك لما سأل النبى صلى الله تعالى عليه وسلم: من القوم؟ قال متكلمهم من لا تنكره، نحن بنو عذرة إخوة قصى لأمه، نحن الذين عضدوا قصيا، وأزاحوا من بطن مكة المكرمة خزاعة وبنى بكر، ولنا قرابات وأرحام. قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: أهلا بكم، ورحبا ما أعرفنى بكم، فأسلموا
وقد بشرهم النبى صلى الله تعالى عليه وسلم، ونهاهم عن بعض أوهام الجاهلية، بشرهم بفتح الشام، وفرار هرقل حيث امتنع فى ممتنع من بلاده، وقد حدث ذلك فقد خلصت الشام من قبضة هرقل بعد واقعة اليرموك التى قال فيها وقد علا نشزا من الأرض: سلام عليك يا سوريا، سلام لا لقاء بعده، ونهاهم عن سؤال الكهنة، فان الله وحده هو الذى اختص بعلم الغيب، ونهاهم عن الذبائح التى كانوا يذبحونها تقربا لله فى زعمهم، وأخبرهم أنه ليس عليهم إلا الأضحية قربانا لله، وما عداها طعام يطعمونه.
وفد بلى
681-
قدم هذا الوفد فى ربيع الأول من سنة تسع، فأنزلهم رويفع بن ثابت البلوى عنده، ولم يذكر عدد هذا الوفد، ولكن يظهر أنه لم يكن عددا كبيرا، يضيق بضيافته رويفع بن ثابت، وقد قدم بهم على رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، وقال له: هؤلاء قومى، فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: مرحبا بك وبقومك وقد أسلموا، فقال لهم الرسول عليه الصلاة والسلام:«الحمد لله الذى هداكم للإسلام، فكل من مات على غير الإسلام فهو فى النار» .
وكان فى الوفد رجل مضياف، هو شيخه، وهو أبو الضبيب فسأل الرسول صلى الله تعالى عليه وسلم عن الضيافة فقال: يا رسول الله إنى رجل لى رغبة فى الضيافة فهل لى فى ذلك أجر، قال عليه الصلاة والسلام: نعم، وكل معروف صنعته إلى غنى أو فقير فهو صدقة، قال: يا رسول الله ما وقت الضيافة. قال: ثلاثة أيام، فما كان بعد ذلك فهو صدقة، ولا يصح للضيف أن يقيم عندك فيحرجك، ثم سأل فى أمر آخر، وهو ما يضل من الشاء أو البعير، فقال: يا رسول الله، رأيت الضالة من الغنم أجدها فى الفلاة من الأرض؟ قال: هى لك أو لأخيك أو للذئب، قال فالبعير، قال: مالك وله، دعه حتى يجده صاحبه.
وقد انتقلوا بعد ذلك إلى منزل من استضافهم وهو رويفع بن ثابت البلوي، فكان الرسول صلى الله تعالى عليه وسلم يأتى هذا المنزل يحمل تمرا، ويقول:«استعن بهذا التمر» وكانوا يأكلون منه ومن غيره.
وإن كلام النبى صلى الله تعالى عليه وسلم مع هذا الوفد اشتمل على أدب كريم من آداب الاسلام، وعلى حكم شرعى، يتعلق باللقطة، ومن الحق علينا أن نشير إلى أمرين.
لقد قال النبى صلى الله تعالى عليه وسلم فيما يروى عنه «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق» وإن من مكارم الأخلاق الضيافة، وإنها فى ذاتها ترابط إنسانى، وتعاون ومحبة بين الناس، وهى ضرورة اجتماعية فى البوادى وما يشبه البوادى، فالرجل يسير فى البادية قد ينبتّ به الطريق، فلا يجد مأوى يأوى إليه، إلا أن تكون ضيافة كريم، ولذلك تكون فضيلة الضيافة ضرورة إنسانية فى البادية، ثم تخف ضرورتها كلما ابتعدت عن البادية، فهى فى القرى شبه ضرورة، وهى فى الحواضر حيث تتوافر الحاجات من طعام ومنام تكون معروفا، أو مروءة.
وهى تأخذ الحكم الشرعى على حسب هذه الأحوال، فهى واجبة إذا كان الإنسان لا يجد له مأوى، وقريب من الواجب إذا كان لا يجد المأوى إلا بعسر، وهى معروف يوجد ألفة ومحبة إذا كان يجد.
هذا ما يكون شرعا بالنسبة للمضيف، أما الضيف فإن عليه ألا يطيل الإقامة، بحيث يحرج رب البيت بل إنه لا يقبل المبيت إذا كان فيه حرج لرب البيت، ولم تكن ثمة ضرورة ملجئة، ولا حاجة تدفعه.
وفى حديث اتفقت عليه الصحاح أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم قال: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره ويعطه جائزة، قالوا وما جائزة يا رسول الله؟ قال يوم وليلة، والضيافة ثلاثة أيام، فما كان وراء ذلك فهو صدقة، ولا يحل له أن يثوى عنده حتى يحرجه» .
وفى خبر هذا الوفد أنه سأله صلى الله تعالى عليه وسلم أحدهم عن الضالة من الغنم، وعن البعير، فقال عن البعير مالك وله، دعه حتى يجده صاحبه، فلا يأخذه، لأنه إذا غاب عن صاحبه طلبه، وبحث عنه، ولأن البعير يقوم بذاته أمدا طويلا، ولأنه إن أخذه غيبة عن صاحبه، فلا يهتدى إليه، إذ يطلبه.
وعن الشاة الضالة التى يجدها الرجل فى الصحراء، حيث لا مرعى وحيث لا مأوي، قال النبى صلى الله تعالى عليه وسلم: هى لك أو لأخيك أو للذئب، وهذا النص يفيد أنها حلال له، وهو نص فيه حكمته. ذلك أن الشاة وجدت فى الصحراء، حيث يصعب التعريف، وفرض أن لها صاحبها يمكن أن يعثر عليها بالتعريف بعيد، لأنه لا يوجد من يعرف بها، إذ هى فلاة، وفرض أنها تخلفت من قافلة مضت هو الأقرب.