الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
خرج رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم معه اثنا عشر ألفا، منهم عشرة آلاف دخل بهم، وهو جيشه الأول، ولم يكن كله من المهاجرين والأنصار، وألفان من أهل مكة المكرمة الذين أسلموا بعد الفتح، أو لم يظهر إسلامهم إلا فى الفتح، وفيهم أبو سفيان بن حرب، وأمثاله. وخلف فى مكة المكرمة عتاب بن أسيد من بنى عبد شمس، ثم مضى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم على وجهه نحو هوازن، أو حنين أو أوطاس، وكلها أسماء لهذه المعركة.
ولا شك أن الجيش كان فيه ألفان قريبا عهد بالجاهلية، كما أشرنا من قبل، ولقد روى ابن إسحاق بسنده عن الحارث بن مالك، أن الحارث هذا قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم إلى حنين ونحن حديثو عهد بالجاهلية.
ولقد رأى الجيش شجرة عظيمة خضراء يقال لها ذات أنواط كانت قريش ومن حولهم يقدسونها ويأتون كل سنة يذبحون عندها تقديسا لها.
فراعهم منظرها، ورأوها سدرة عظيمة. ويقول الحارث بن مالك: تنادينا من جنبات الطريق: يا رسول الله اجعل لنا ذات أنواط (أى شجرة عظيمة نقدسها، وننحر عندها) .
قال لهم رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: الله أكبر قلتم والذى نفس محمد بيده كما قال قوم موسى اجعل لنا إلها كما لهم آلهة؛ قال إنكم قوم تجهلون. إنها السنن لتركبن سنن من كان قبلكم.
كان من الألفين اللذين ضمهما النبى صلى الله تعالى عليه وسلم إلى الجيش الذى غزا به مكة المكرمة، من فيهم هذه العقلية وكلهم أو جلهم حديث عهد بالجاهلية لما يدخل الإيمان فى قلوبهم.
الانهزام ثم الانتصار:
621-
تقدم جيش الإسلام إلى وادى حنين، وكان ذا أودية وطرق مختلفة، فتقدم المسلمون فى واد من أودية تهامة، وانحدر فيه انحدارا حتى أو غلوا فى باطن الوادى، وكان جيش هوازن قد سبقهم إلى الوادى وادى حنين، وكمنوا فى شعابه، وأحنائه ومضايقه.
وكانوا محميين مهيئين، وكان فى المتقدمين من جيش المسلمين على رأس بنى سليم خالد ابن الوليد، وما أن تقدم المسلمون وسط هذا الكمين المتعدد النواحى، وهم فى عماية الصبح، وهو الظلام الذى يسبقه!.
وفى هذه الحال راع جيش المسلمين انقضاض هوازن عليهم كتائب قد تعددت، فشدوا شدة رجل واحد، فكانت المفاجأة مروعة عنيفة، وانتثر الناس راجعين لا يلوى أحد على أحد.
وقد انحاز رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ذات اليمين، ثم قال: أيها الناس هلم إلى أنا رسول الله محمد بن عبد الله.
ولكن الناس يفرون، وحمل بعضهم على بعض، وكان الفرار من غير المؤمنين الأولين قد أفسد نظام الجيش واضطرب الأمر، واختلط الحابل بالنابل.
ولقد ثبت مع النبى صلى الله تعالى عليه وسلم أبو بكر وعمر، وثمانية من بنى هاشم صدقوا وآمنوا، وعلى رأسهم على بن أبى طالب، والعباس بن عبد المطلب، ولا نعد ثبات على للقرابة، بل لأن الثبات من شيمته أولا إذ هو فارس الإسلام كما قال النبى صلى الله عليه وسلم، ولإيمانه ثانيا، وقد يكون لقرابته ثالثا، فهى فى المرتبة الأخيرة من الأسباب.
وأما السبعة الباقون فإنا قد نقول للرحم دخل فيها، ولكن لا نحرمهم من الإيمان، خصوصا العباس فقد آمن بمحمد صلى الله تعالى عليه وسلم فى أعقاب بدر وخرج مكرها فى بدر، فرضى الله تعالى عنه، وفى الوقت الذى كانت فيه الكفة راجحة لهوازن، وقبل أن يلبى نداء رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم المهاجرون الأولون والأنصار جرت أمور تدل على سبب الهزيمة.
أولها: وحدتهم فى الفكرة، وإن كانوا على ضلال، فالوحدة مع الشرك تثمر فى الحرب أكثر من العقيدة السليمة عند تفرق الأهواء والمنازع، ووجود ضعاف الإيمان مع أقويائه.
لقد كان فيهم رجل على جمل أحمر معه رمح طويل، فإن وجد هدفا لرمحه ضرب، وإن لم يجد هدفا رفع رمحه أمام جيش هوازن، والناس من خلفه يتبعونه.
ثانيها: أن التردد وروح الهزيمة ظهر من رجال من الألفين، فتكلم ناس من جفاة أهل مكة المكرمة. قال ابن إسحاق: لما انهزم الناس، ورأى من كان مع رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم من جفاة أهل مكة المكرمة الهزيمة تكلم رجال بما فى نفوسهم من الضغن، فقال أبو سفيان بن حرب:
«لا تنتهى هزيمتهم دون البحر» ، تلك أمانيه، وأخذ الطالع فى الأزلام رجاء أن تنبئه فى زعمه بأنها هزيمة ساحقة.
ولقد صرخ كلدة بن الحنبل، وهو مع صفوان بن أمية الذى كان لا يزال مشركا، إذ لم تمض المدة التى أخذ الخيار لنفسه فيها، صرخ كلدة هذا: ألا بطل السحر اليوم، فقال صفوان الذى لم يعلن بعد إسلامه لهذا الذى ظهر فى الجيش مسلما، وقال ما قال. قال صفوان: اسكت فض الله فاك، فوالله لأن يربنى رجل من قريش أحب إلى من أن يربنى رجل من هوازن.
ثالثها: أنه وجد من بين هذين الألفين من كان يحاول فى زحمة الاضطراب أن يغتال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، فلقد قال شيبة بن عثمان بن أبى طلحة أخو بنى عبد الدار قال ذلك الحاقد: اليوم أدرك ثأرى من محمد، وكان أبوه من حملة اللواء الذين قتلوا فى أحد «1» ، وهو غير عثمان بن طلحة الذى أسلم مع خالد، وأعطاه النبى صلى الله تعالى عليه وسلم مفتاح الكعبة الشريفة، ولم يعطه على بن أبى طالب مهلة، إذ طلبه.
622-
هذه ظواهر بدت بعد الانهزام وهى تعلن سبب الانهزام، وهو أن الجيش الإسلامى الكبير كان فيه دعاة التردد والهزيمة من بين الألفين الذين كان الكثيرون منهم حديثى عهد بالجاهلية، ولما يدخل الإيمان قلوبهم.
ونعود إلى الانتصار بعد الهزيمة، لم يزلزل قلب المؤمن، والرسول عليه الصلاة والسلام لم تؤثر فيه هذه الحال، بل اشتد بأسه، وقال: لقد حمى الوطيس، وأخذ يدعو المهاجرين الأولين ليعلموا مكانه، ويقول: مناديا لهم، أين أيها الناس، ثم قال: يا عباس اصرخ، وكان جهير الصوت: يا معشر أصحاب الشجرة، يا معشر أنصار الله وأنصار رسوله، يا معشر الخزرج، فأجابوه لبيك لبيك، فكان الرجل يذهب ليعطف بعيره، فلا يقدر على ذلك، فيقذف درعه فى عنقه ثم يأخذ سيفه وترسه، ويؤم الصوت، حتى اجتمع عند رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم نحو مائة ولكنهم بقية من بقايا بدر، وكما قال على بطل بدر وأحد، والخندق: بقية السيف أبقى عددا وأكثر ولدا، والنبى صلى الله تعالى عليه وسلم راكب بغلته، وأخذ بزمامها العباس وهو يقول ومعه هذا الجمع المؤمن:
أنا النبى لا كذب أنا ابن عبد المطلب اللهم أنزل نصرك
ثم تجمعت الجموع المؤمنة حول النبى صلى الله تعالى عليه وسلم، وهو يقول: الآن حمى الوطيس، عادت الجولة لجيش المؤمنين بعد أن مازت الهزيمة الخبيث من الطيب.
رأى على كرم الله وجهه الرجل الذى يحمل الرمح الطويل الذى يضرب به الهدف، إن وجده، ووراءه جيش هوازن، رأى على الرجل، وهوى إليه مع أنصارى، فضرب على عرقوبى الجمل فوقع على عجزه، ووثب الأنصارى على الرجل وضربه ضربة أطن بها قدمه.
وإذا كان كما يبدو الرجل حامل لوائهم فهذا لواؤهم قد سقط.
(1) لكن هذا الرجل حسن إسلامه وأحب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ وجد أنه ممنوع- ولقد أخرج البيهقي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ضرب يده في صدر شيبة ثم قال: - اللهم اهد شيبة ثلاثا.. فيقول شيبة: فوالله ما رفع يده عن صدري في الثالثة حتي ما كان أحد من خلق الله أحب إلى منه..