الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عندما جاء ذلك الكتاب إلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم سر سرورا لا حد له، لأنهم جاؤه مسلمين، ولم تكن حرب تخرب الديار، وأمر بأن ينادى: الصلاة جامعة، فقرأ على المسلمين كتاب صخر، ثم دعا لقبيلة أحمس التى منها صخر هذا، وقال عشر مرات:«اللهم بارك لأحمس فى خيلها ورجالها» .
ولقد جاء صخر هذا ببعض ثقيف، ولكن لم يكن هو الوفد الذى جاء النبى صلى الله تعالى عليه وسلم، وقد ذكرنا أننا سنتكلم فى وفد ثقيف من بعد عند الكلام فى الوفود فى سنة الوفود.
عود إلي غنائم هوازن
632-
تكلمنا فى توزيع غنائم هوازن، ولعلها كانت أكبر غنائم غنمها من العرب، أو لعلها تماثل غنائم خيبر أو تقاربها، وفعلنا ذلك عقب هزيمة هوازن، ولكن لم نسر سيرا زمانيا، لأن النبى صلى الله تعالى عليه وسلم لم يوزعها إلا بعد الانتهاء من حرب الطائف، فلم ننتظر حتى يجيء الزمان الذى وزعها النبى صلى الله تعالى عليه وسلم فيه، بل ذكرنا توزيعها فور الانتهاء منها.
والآن نبين زمان التوزيع، وإن كان متأخرا عن الغزوة لرأى النبى صلى الله تعالى عليه وسلم.
وقد ذكرنا ما أعطاه النبى صلى الله تعالى عليه وسلم المؤلفة قلوبهم، ولم يكن فى المؤلفة قلوبهم أحد من بنى عبد المطلب قط، فلم يكن فيهم العباس، ولا أولاد الحارث بن عبد المطلب ولا غيرهم ممن ثبتوا مع النبى صلى الله تعالى عليه وسلم هم وأبو بكر وعمر ولم يثبت أحد غيرهم، ولم يجد أحد من المهاجرين فى نفسه شيئا، لأنهم يريدون عز الإسلام، ولا يريدون مالا ولا نسبا بل يريدون عزة الإسلام، فلم يجد فى نفسه أبو عبيدة، ولا عبد الرحمن بن عوف، ولا غير هؤلاء.
ولكن وجد الأنصار فى أنفسهم موجدة لا من أجل المال، ولكنهم حسبوا أن النبى صلى الله تعالى عليه وسلم، نسيهم بقومه إذ التقى بهم، فقد كان الأنصار الذين آووا ونصروا لا يريدون المال، ولكن يريدون الرسول عليه الصلاة والسلام ذاته، يريدونه هم والمهاجرون، يريدون بقاء محبته لهم.
هؤلاء الأنصار كانوا أطهارا حتى فى موجدتهم، ولكن وجد ناس ليسوا مهاجرين ولا أنصارا، وليست الدعوة الإسلامية فى حسابهم، ولا تأليف القلوب التى لا يدخلها الإيمان فى نفوسهم قد تكلموا فى هذا ناكرين مما يدل على أنهم لم يكونوا أنصارا بل كانوا منافقين، وعدهم القرآن الكريم منهم.
لقد أعطى النبى صلى الله تعالى عليه وسلم المؤلفة، فقام ذو الخويصرة من بنى تميم، فقال للنبى صلى الله عليه وسلم: يا محمد لقد رأيت ما صنعت فى هذا اليوم، فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه
وسلم: فما رأيت؟ قال: لم أرك عدلت- فغضب النبى صلى الله عليه وسلم ولكنها غضبة الرفيق الحكيم، فقال: ويحك إذا لم يكن العدل عندى، فعند من يكون؟.
فقال عمر بن الخطاب: ألا نقتله؟ فقال الهادى الأمين صلى الله تعالى عليه وسلم: دعوه فإنه سيكون له شيعة، يتعسفون فى الدين حتى يخرجوا منه كما يخرج السهم من الرمية.
وإن قائل هذا القول لا يمكن أن يكون مؤمنا، كما يبدو من لحن قوله فهو يقول فى ندائه للنبى صلى الله تعالى عليه وسلم بقوله: يا محمد، ولم يقل يا رسول الله عليه الصلاة والسلام، وكذلك قال قوله واحد مثله، فقد رأى بلالا فى ثوبه مال يوزعه النبى صلى الله تعالى عليه وسلم فقال اعدل يا محمد فقال النبى صلى الله تعالى عليه وسلم «ويلك من يعدل إذا لم أكن أعدل، لقد خبت وخسرت إذا لم أكن أعدل» .
فقال عمر بن الخطاب: يا رسول الله، أفأقتل هذا الرجل؟
فقال الرسول الحكيم صلى الله تعالى عليه وسلم «معاذ الله أن يتحدث الناس أنى أقتل أصحابى، إن هذا وأصحابه يقرأون القرآن الكريم لا يتجاوز حناجرهم، يمرقون من الدين، كما يمرق السهم من الرمية» .
ولقد بلغه أن بعض الناس عندما أعطى رسول الله المؤلفة قلوبهم قال: هذه قسمة ما أريد بها وجه الله تعالى، فلما بلغ ذلك رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، قال:«رحم الله تعالى موسى، لقد أوذى بأكثر من ذلك» وهذه إشارة إلى قول الله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قالُوا، وَكانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهاً.
وأن هؤلاء أساس كلامهم، وإن كنت أحسب أنهم جميعا لم يدخل الإيمان قلوبهم، وهم من الأعراب الذين قال الله فيهم: الْأَعْرابُ أَشَدُّ كُفْراً وَنِفاقاً، وَأَجْدَرُ أَلَّا يَعْلَمُوا حُدُودَ ما أَنْزَلَ اللَّهُ (التوبة: 97) .
لقد فهموا خطأ طواعية لأهوائهم ومطامعهم، أن كل من حضر القتال له حق فيها يساوى غيره ممن حضروا، وظنوا أن هذه المساواة عادلة، وأخطأوا إذ أن المساواة قد تكون ظلما، فالمساواة بين العامل المجاهد، ومن وقف ينتظر النتيجة تكون لأى الفريقين تكون ظلما.
وفهموا خطأ أن الذين يحضرون الحرب فى الغنيمة لهم حقوق، وأن من يحول بينهم وبين ما زعموه حقا لهم يكون قد ظلمهم، وتلك أوهام قد أوجدتها المطالع، وهى باطلة، إن النبى صلى الله تعالى
عليه وسلم قد وضع الله تحت تصرفه خمس الغنيمة، والغنائم كلها تحت تصرف النبى صلى الله تعالى عليه وسلم، يقيم القسطاس والعدل والرحمة فيها، ألم تره عندما رأى الرحمة ونظام الإسلام أن ترد السبايا إلى أهلهن، وأن يطلق سراحهن نفذ ذلك، وقد صارت السبايا إلى من هى فى أيديهن، فنزعها منهم بحكمته، قدمها المؤمنون طوعا واختيارا واتباعا للنبى صلى الله تعالى عليه وسلم، ونفذها على بنى عبد المطلب، ولم يحاول أن يأخذ بغير رضا منهم ومن امتنع من المسلمين الذين لم يدخل الإيمان قلوبهم حملهم على رد السبايا وعوضهم.
فالغنائم كلها فى يده يتصرف فيها بما توجب النبوة والدعوة الإسلامية، والرحمة والعدل الإسلامى، لا طلب الأهواء الذى هو الظلم ذاته.
لقد وجد أن الدعوة الإسلامية توجب تأليف قلوب، لهم فى قومهم منزلة وليس لهم فى الإسلام جهاد ولم يدخل الإيمان قلوبهم، وقد أكلتهم الضغينة وقتل الجهاد والمجاهدون من قتل منهم، ويريد تأليفهم إلى الإسلام، ونسيان الإحن، فأعطى أبا سفيان وأولاده، وأعطى الأقرع بن حابس وغيره. لقد قال بعض أصحاب رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: أعطيت الأقرع بن حابس، وعيينة بن حصن، وتركت جعيل بن سراقة الضمرى، فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم مبينا سبب العطاء، وهو لم يمنع أحدا حقا له:
هذا هو أساس العطاء، وهؤلاء نظروا إلى الأموال، ولم ينظروا إلى واجب النبى صلى الله تعالى عليه وسلم فى نشر الدعوة، وما يراه طريقا لتأليف القلوب.
وإن قوله تعالي: وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقاتِ، فَإِنْ أُعْطُوا مِنْها رَضُوا، وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْها إِذا هُمْ يَسْخَطُونَ (التوبة- 58) فهذه الآية نزلت فى المنافقين، والذين اعترضوا كانوا من الأعراب الذين هم أَشَدُّ كُفْراً وَنِفاقاً، وَأَجْدَرُ أَلَّا يَعْلَمُوا حُدُودَ ما أَنْزَلَ اللَّهُ
(التوبة- 97) .
وما كان الرسول صلى الله تعالى عليه وسلم ليخضع فى أمر الدعوة ومقتضياتها لناس حديثى عهد بجاهلية، وحسبه أن يكون معه المهاجرون والأنصار، والذين أخلصوا دينهم لله سبحانه وتعالى.