الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ويروى فى زواجه منها أنه عليه الصلاة والسلام عندما دخل بها وكان عليه الصلاة والسلام إذا تزوج امرأة طلب منها أن تهب نفسها له عليه الصلاة والسلام استيثاقا من رضاها به زوجا فقد كان يعقد أولياء المرأة وخشية ألا يكون ذلك برضا حر فيه اختيار كامل فلما اختلى بها قال لها هبى نفسك لى اعترتها نعرة جاهلية فقالت وهل تهب الملكة نفسها للسوقة ثم قالت أعوذ بالله فقال عليه الصلاة والسلام لقد عذت بمعاذ عظيم فطلقها وسرحها سراحا جميلا.
العبرة
730-
هذه زيجات النبى صلى الله تعالى عليه وسلم بلغت عدتهن ثلاثة عشر من الأزواج ماتت اثنتان فى حياته الكريمة الطاهرة وهما أم المؤمنين خديجة أفضلهن وأكثرهن عطفا وقد سمى عام موتها مع عمه الحانى الكريم عام الحزن والثانية زينب أم المساكين رضى الله عنها.
واثنتان لم يدخل بهما وطلقهما قبل الدخول لعيب جسمانى فى إحداهما ولنفرة من الثانية بدت فى قولها وقد عاشت إلى ستين عاما بعد الهجرة وكانت تسمى نفسها الشقية لحرمانها من جوار أكرم من فى الوجود من خلق الله سبحانه وتعالى.
وقد كان يعتزل بعضهن أحيانا ويرجيء الاتصال بهن أحيانا وعلى أى حال فقد انتهى الحل له صلى الله تعالى عليه وسلم بهذا العدد إذ تحققت فيه كل المقاصد الاجتماعية التى تتعلق بالدعوة وقال تعالى فى ذلك:
تُرْجِي مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشاءُ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلا جُناحَ عَلَيْكَ، ذلِكَ أَدْنى أَنْ تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ وَلا يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ بِما آتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ، وَاللَّهُ يَعْلَمُ ما فِي قُلُوبِكُمْ، وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً حَلِيماً. لا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ مِنْ بَعْدُ وَلا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْواجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلَّا ما مَلَكَتْ يَمِينُكَ، وَكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيباً.
وإن هذا النص الكريم يدل على أمرين جليلين:
أولهما: منع الحل بعد هذا العدد، إذا استوفى التعدد بالنسبة لتعدد النبى صلى الله تعالى عليه وسلم مقصده وإن هذا العدد خاص بالنبى صلى الله تعالى عليه وسلم فقد قال تعالى من قبل فى تحليل هذا القدر من العدد: خالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ عَلِمْنا ما فَرَضْنا عَلَيْهِمْ فِي أَزْواجِهِمْ وَما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ (الأحزاب) .
ثانيهما: أن النبى صلى الله تعالى عليه وسلم لم يكن يتصل بنسائه جميعا كل ليلة- كما توهم عبارات بعض المحدثين- مما أخذ منه أعداء الإسلام ادعاء أن النبى صلى الله تعالى عليه وسلم كان شهوانيا واستندوا إلى أقوال هؤلاء وإلى تهافت بعضهم فى القول حتى إنه ليقول كان عند النبى صلى الله تعالى عليه وسلم قوة أربعين رجلا، فالآية ترد كل هذا، فقد كان النبى صلى الله تعالى عليه وسلم يرجيء من يشاء منهن ويؤوى إليه من يشاء ويعتزل بعضهن ويبتغى من يعتزل من بعد ذلك، مما ينافى ما ادعاه بعض المحدثين من أنه عليه الصلاة والسلام كان يمر عليهن ويتصل بهن واحدة واحدة كل ليلة مما فتح الباب للمغرضين والكذابين من أعداء الإسلام والمنحرفين ممن تسموا بأسماء المسلمين.
بقى أن نتكلم فى بعض أسباب هذا التعدد:
قد أشرنا من قبل إلى أن تعدد زوجات النبى صلى الله تعالى عليه وسلم كان لإيواء الضعيفات من أزواج المهاجرين اللائى لا مأوى لهن فى هذه الغربة التى انقطعن فيها عن أهليهن، ولربط الصلات بينه وبين كبار أصحابه، ولمنع تحكم الوثنيين فيمن تربطهم رابطة نسب من نساء المهاجرين الذين يقتلون أو يموتون أو يرتدون وقد أشار الله سبحانه وتعالى إلى ذلك فى قوله تعالى: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنا لَكَ أَزْواجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَما مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ وَبَناتِ عَمِّكَ وَبَناتِ عَمَّاتِكَ وَبَناتِ خالِكَ وَبَناتِ خالاتِكَ اللَّاتِي هاجَرْنَ مَعَكَ وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَها لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَها خالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ عَلِمْنا ما فَرَضْنا عَلَيْهِمْ فِي أَزْواجِهِمْ وَما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ (الأحزاب)
ويستفاد من هذا النص أن زواج المهاجرات كان للرحم التى تربطه بهن من عمومة أو خؤولة وأن ذلك يشمل قرابته لقريش فلا يضيعهن عند موت أزواجهن شهداء بل لا بد أن يتولى هو إيواءهن فى ظله الظليل.
وقد رأيت أن بعضهن تزوجها النبى صلى الله تعالى عليه وسلم بأمر ربه تبيينا للشرع وتنفيذا لأحكامه وقد تعرض النبى صلى الله تعالى عليه وسلم بأمر ربه لمجابهة العرب فيما كانوا يألفون ويرونه أمرا طبيعيا لا يخالف وقد تأثر به بعض المؤمنين حتى إن النبى صلى الله تعالى عليه وسلم قد حدث منه ذلك قبل الحكم بالمنع فبين الله تعالى أنه ضد الحقيقة وأن البنوة تكون من الصلب لا من الادعاء وأشار سبحانه وتعالى إلى أنه إدخال فى النسب ما ليس منه إذ قال سبحانه: ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آباءَهُمْ فَإِخْوانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوالِيكُمْ (الأحزاب) .
731-
وهناك أمران آخران فى حكمة تعدد زوجات النبى صلى الله تعالى عليه وسلم غير ما
سبق ذكره أو أشير إليه من أن النبى صلى الله تعالى عليه وسلم كان يتزوج لتوثيق المعاونة بمن يحب من أصحابه وإعانة الضعيفات من النساء حتى إنه كان يتحمل عبء من ليس له ولى من قريب أو ذى حسب ولكيلا ترتد بعد إيمان، والارتباط بالمصاهرة بين من تنأى ديارهم وقد يلحون فى العداوة بينهم وبينه صلى الله تعالى عليه وسلم.
نقول هناك أمران غير هذا الذى ذكرناه أو أشرنا إليه.
أحدهما: أن يتولى نساء النبى صلى الله تعالى عليه تعليم نساء المسلمين فى أمور دينهن فما كان النساء بعد النبى صلى الله تعالى عليه وسلم فى عهد الصحابة والتابعين يغشين مجالس العلم يتعلمن أمور الدين بل كن يذهبن إلى النبى صلى الله تعالى عليه وسلم يسألنه فى حياته، ومن بعده كن يسألن أزواجه أمهات المؤمنين، كعائشة وأم سلمة وغيرهما ممن عمرن بعد الرسول صلى الله تعالى عليه وسلم ولعله من فضول القول أن نقول إن كثيرا من الأحكام الخاصة بالمرأة رويت عن أم المؤمنين عائشة رضى الله تعالى عنها وعن أبيها الصديق.
وإن حفصة أم المؤمنين كانت الأمينة على المصحف الذى انتهت كتابته فى عصر أبيها الإمام الفاروق رضى الله تعالى عنه وجزاه عن الإسلام خيرا.
ولعل الأمر الإلهى بألا ينكحن من بعده أبدا كما تلونا من قبل كان لهذا المعنى وليتفرغن لتعليم النساء أحكام الدين وفضائله وآدابه وروحه ومعناه وأخبار النبى صلى الله تعالى عليه وسلم فى أهله وفى ذاته الطاهرة وإنك لترى من ذلك الشئ الكثير فى رواية عائشة رضى الله عنها فقد كان لها ذكاء يندر فى نساء العرب وإنه قد نزكى ما روى من أنه يؤخذ منها نصف الدين وهو النصف الخاص بأحكام النساء.
ثانيها: أن نساء النبى صلى الله تعالى عليه وسلم كن يتخذن قدرة حسنة للنساء فى عفتهن واحتسابهن وآدابهن لأنهن أخذن باداب النبوة والمرأة تتأثر بالمرأة أكثر مما تتأثر بالرجال وتصلح بصلاح صواحبها من النساء وتفسد بفساد صواحبها منهن، فالمرأة تصلح المرأة أو تفسدها. وإنا لنرى ذلك واضحا اليوم وإنه كان كذلك فى الماضى فالإنسان ابن الإنسان.
وإن الله تعالى تعهد نساء النبى صلى الله تعالى عليه وسلم بالإرشاد والتأديب لأنهن الأسوة والقدوة قال تعالى: وهو أصدق القائلين: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها فَتَعالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَراحاً جَمِيلًا. وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِناتِ مِنْكُنَّ أَجْراً عَظِيماً. يا نِساءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضاعَفْ لَهَا الْعَذابُ ضِعْفَيْنِ وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً. وَمَنْ
يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صالِحاً نُؤْتِها أَجْرَها مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنا لَها رِزْقاً كَرِيماً.
يا نِساءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّساءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفاً. وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجاهِلِيَّةِ الْأُولى وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً. وَاذْكُرْنَ ما يُتْلى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آياتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كانَ لَطِيفاً خَبِيراً.
فنساء النبى صلى الله تعالى عليه وسلم بهذا التأديب الإلهى الذى لم يخرجن عن نطاقه كن بالنسبة للنساء الصورة المثالية والقدوة القائمة الثابتة لنساء المؤمنين بل نساء العالمين ولأنهن المثل السامى عقب ذلك بما يجب أن تكون عليه المؤمنات المقتديات بنساء النبى صلى الله تعالى عليه وسلم فقال تعالى عقب ما أمر به نساء النبى صلى الله تعالى عليه وسلم بما أمر به من إرشاد. وتهذيب. وتوجيه للعلو:
إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِماتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ وَالْقانِتِينَ وَالْقانِتاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقاتِ. وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِراتِ. وَالْخاشِعِينَ وَالْخاشِعاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِماتِ وَالْحافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحافِظاتِ. وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِراتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً (الأحزاب) .
هذا وإن الاقتران فى التلاوة بين إرشاد نساء النبى صلى الله تعالى عليه وسلم ومنزلتهن وبين أوصاف المؤمنات يشير إلى أن أخلاق نساء النبى صلى الله تعالى عليه وسلم مثل أعلى لنساء المؤمنين ويوعز باتباعهن واتخاذهن مثلا ساميا غاليا لأنهن القدوة الصالحة الطيبة.
وإذا كان فى الآيات أمر بأن يقرن فى بيوتهن بألا يخرجن إلى الطرقات متبرجات متزينات يبدين زينتهن ما ظهر منها وما خفى، بل يلتزمن القرار فى البيت لا يخرجن إلا لمصلحة تقتضى الخروج فلا يقررن فى البيت إلا للاستعداد للخروج فتغص الطرقات بهن. هذا وإن النبى صلى الله تعالى عليه وسلم بتفرق نسائه فى القبائل والعشائر من بعض وفائه قد عم تعليمه وعمت الآداب الإسلامية والأخلاق الكريمة نساء المسلمين. وكلما كثر العدد عم الهدى المحمدى وشاع وسار فى الأمة سريان النور فى الأرضين.