الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ويتبين من هذا البيان أمران:
أحدهما: أن الحصون التى أحصيناها كان كل واحد منها عنوانا لمجموعة حصون، وقد توالى سقوطها مجموعة مجموعة، بلا تخريب، ولكن يقاتل من فيها حتى يفروا إلى حصن آخر وراءها، ولذلك يقول ابن إسحاق: كان النبى صلى الله تعالى عليه وسلم يتدنى، أى يحارب الأدنى، فالذى يليه، حتى إذا تجمعوا فى الحصون الأخيرة، التقت فيها جموعهم الفارة، وتقاتلوا مستميتين، وبذلك طال الحصار، واشتد من خارجها. كما اشتدوا هم فى الدفاع من داخلها. فهم النبى صلى الله تعالى عليه وسلم بعمل المنجنيق، إذ لا يمكن الوصول إلى المقاتلين إلا بالهدم، ولا يلجأ إليه بمقتضى قانون الإسلام فى الحرب إلا عند الضرورة، إذا تترس به العدو ولا سبيل للوصول إليه، إلا بهدمه.
فلما رأوا أنهم مقتولون لا محالة سلموا.
الأمر الثانى: أن أشد قتال لقيه المسلمون كان فى خيبر، لأنهم قاتلوا قوما فى حصون، ولم يكن القتال فى العراء، والأعداء لا يواجهون المؤمنين، بل يقاتلون من وراء حصونهم: وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ (الحشر: 2) .
وقد انتصر المسلمون فى هذه الموقعة، فكان آخر انتصار على معقل اليهود فى البلاد العربية، ولم يستطيعوا فيها تدميرا من بعد، ولكن كان خبثهم فيما وراءها وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ (آل عمران: 54) وكان قتلى المسلمين: 21 شهيدا وسبى وقتل كثيرون من اليهود.
الصلح والغنائم
525-
لما هم رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم بنصب المنجنيق، وأيقنوا بالهلكة نزل إليه ابن الحصين مستسلما طالبا الصلح على النجاة بأنفسهم وتسليم ما بأيديهم، فصالحه بالإجمال على حقن دمائهم، وسيرهم، ويخلون بين رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، وبين ما كان لهم من الأرض والأموال، الصفراء والبيضاء والكراع والحلقة، وعلى أنه ليس لهم إلا ما كان على ظهر الناس يعنى لباسهم، فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم قابلا عرضهم:«وبرئت منكم ذمة الله، وذمة رسوله، إن كتمتم شيئا» ، فصالحوه على ذلك.
قال ابن كثير: ولما كذبوا على رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، وأخفوا المسك (الجلد) الذى كان فيه أموال كثيرة لحيى بن أخطب، فتبين أنه لا عهد لهم فقتل ابن أبى الحقيق وطائفة من أهله بسبب نقض العهود والمواثيق.
هذا إجمال يجب أن نذكره بشيء من التفصيل معتمدين على السنة الصحيحة خصوصا فى التفرقة بين الأرض والنخيل والأموال المنقولة من صفراء وبيضاء وسبايا فإن لذلك موضعا فى الأحكام الشرعية.
إنه كان الاتفاق على أن يجلوا على أن يحملوا معهم ما تحمله الركائب ويتركوا الأموال المنقولة والنخيل وأن النبى صلى الله تعالى عليه وسلم أحصى أموالهم المنقولة من النقود والمتاع والجواهر، وقسمها بين القائمين على أساس أن الفارس له سهم ولفرسه سهمان، ومن لا فرس له وهو راجل فى الحرب سهم واحد، ولم يسهم للنساء بل رضخ لهن، والعبيد، فقد رضخ لهم بأن أعطاهم قدرا من الغنائم غير معين بتعيين ولا سهم.
روى أبو داود والإمام أحمد عن عمير مولى أبى اللحم قال: شهدت مع سادتى، فكلموا فىّ رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، فقلدنى سيفا، فإذا أنا أجره، فأخبر أنى أنا مملوك لى شىء من المتاع، وهذا الخبر يدل بظاهره على أن العبد يجوز له أن يملك، ولا يقال العبد وما ملكت يداه لسيده، وهذا رأى الظاهرية.
وذكر محمد بن إسحق أنه حضر فى غزوة خيبر بعض النساء يحملن الماء، ويداوين الجراح فرضخ النبى صلى الله تعالى عليه وسلم لهن، وقد روى عن امرأة من غفار، قالت: أتيت رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فى نسوة من بنى غفار، فقلنا: يا رسول الله قد أردنا أن نخرج معك إلى وجهك فنداوى الجرحى، ونعين المسلمين بما استطعنا، قال: على بركة الله تعالى، فخرجنا معه.
فلما فتح الله تعالى خيبر رضخ لنا من الفيء
…
وروى الامام أحمد عن بعض النساء أنها قالت: خرجنا مع رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فى غزوة خيبر وأنا سادسة ست نسوة، فبلغ رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، فأرسل إلينا فدعانا، فقال ورأينا فى وجهه الغضب، فقال: «ما أخرجكن؟ وبأمر من خرجتن؟ قلنا: خرجنا، نناول السهام، ونسقى السويق ومعنا دواء للجرحى، ونغزل الشعر، فنعين به فى سبيل الله، فأمرنا فانصرفنا، فلما فتح الله خيبر أخرج لنا سهاما كسهام الرجال، ولعل المراد أنه أعطاهن، كما أسهم للرجال، لا أن سهامهن مساوية لسهام الرجال.
هذا التقسيم كان فى الأموال المنقولة، من صفراء وبيضاء وتمر ومتاع وغير ذلك من الأموال التى تنقل، أو الأموال السائلة، كما يعبر علماء المال فى عصرنا هذا.