الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولقد كان ابن عباس رضى الله تعالى عنه ينكر ربا البيوع، ويقول أنه لم يثبت، وكان يقول مسندا لقول النبى صلى الله تعالى عليه وسلم! «إنما الربا ربا النسيئة، وهو ربا الجاهلية» ولقد سئل الإمام أحمد ابن حنبل: ما الربا الذى لا يسع مسلما أن يجهله، فقال: أن يعطى الرجل دينا ويزيده فى الأجل فى نظير الزيادة فى الدين، وأن من ينكر أمرا علم من الدين بالضرورة يكون خارجا عن الإسلام.
الأمر الثالث: أنه مع الأسف أن كثيرين ممن كتبوا فى الربا، وحللوا وحرموا بغير ما أنزل الله، ومنهم من بلغوا مناصب تجعلهم مسئولين عن أقوالهم أمام الله وأمام الناس، من خلطوا بين ربا البيوع، وربا الجاهلية الذى ثبت بالقرآن الكريم، فضل عنهم فهم الربا، وضلوا فى أنفسهم، وأضلوا الناس ضلالا بعيدا، ولم يكن جهلهم لضرورة يعذرون فيها، بل كانت بين أيديهم أسباب العلم، فتركوها ليتعلقوا بما يرضى الناس ولا يرضى الله.
شرعية الجزية
554-
كان أول تطبيق للجزية فى تيماء التى كان فتحها بعد خيبر، فقد جاء فى الصحيح أنها فرضت فيها الجزية على أهلها، فكان على أهلها جزية الرؤس، وعلى أرضها الخراج وهى جزية الأرض، والجزية فرضت بنص القرآن الكريم إذ يقول الله سبحانه وتعالى: قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَلا يُحَرِّمُونَ ما حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ، وَهُمْ صاغِرُونَ أى خاضعون للحكم الإسلامى غير متمردين بل مندمجون، لهم ما للمسلمين وعليهم ما على المسلمين، وإن قتال خيبر ووادى القرى، واستسلام تيماء، كان من قتال أهل الكتاب، وقد بين الغاية وهى أن يسلموا أو يستسلموا، وفى الحال الأخيرة يدفعون الجزية عن يد، وهم خاضعون طائعون، وأنه يظهر أن أول جزية فرضت كانت فى تيماء.
وقبل أن نذكر ما عمله النبي صلي الله تعالي عليه وسلم في الجزية، نقول أنها ليست للإذلال، كما أخذ بعض الناس من ظاهر لفظ وهم صاغرون، إنما هى لأمرين:
أولهما: إظهار الطاعة للحاكم المسلم، وإمام المسلمين غير مضارين في دينهم، ولا مغيرين لعقائدهم ومبادئهم الدينية، ولا مرهقين فى أمرها.
ثانيهما: أنها تكون في مقابل ما يفرض علي المسلمين من فرائض مالية ليسهموا بها فى بناء المجتمع الإسلامي، فالمسلم يفرض عليه بحكم الإسلام أداء الزكاة، والدولة هي التي تجمعها، وتفرقها علي الفقراء والمساكين والعالمين عليها والمؤلفة قلوبهم، وفي الرقاب، والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل، وفي سبيل الله تعالي يشمل الجهاد، وكل المصالح والمرافق العامة للدولة.
وعلى المسلم كذلك زكاة الفطر وكفارات النذور والأيمان والقتل الخطأ، والظهار، وفدية الصيام وكفارته، وكل هذه مغارم تصرف لعلاج آفات الفقر فى المجتمع.
فكان العدل يوجب أن يفرض على غير المسلم الذى يعيش فى ظل الإسلام فرائض تقابل ذلك، فكانت الجزية، وكان الخراج، يصرف منها على المصارف العامة للدولة الإسلامية التى تظل المسلم والكتابى على سواء، ولذلك كانت حاجات أهل الذمة تسد من بيت مال الجزية والخراج، من أجل هذين الأمرين فرضت الجزية، وإنها أمر عادل لا إذلال فيه، ولا شبه إذلال. ولكن طاعة وتسليم وخضوع للدولة ونظامها مع حرية التدين.
555-
ولننظر فى نظام الجزية كما طبقه النبى صلى الله تعالى عليه وسلم، وكان أول تطبيقه فى تيماء عقب خيبر، فنجد الحافظ ابن كثير فى تاريخه الكبير يذكر أن النبى صلى الله تعالى عليه وسلم حمل أهل تيماء على الجزية وقال فى ذلك نقلا عن الواقدى «لما بلغ يهود تيماء ما وطئ به رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم خيبر وفدك ووادى القرى صالحوا رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم على الجزية، وقدموا بأيديهم أموالهم» .
وهذا الخبر من الواقدى فى تاريخه، وزكاه أن الحافظ ابن كثير نقله واعتمده، وهو يدل على أن الجزية فرضت عقب خيبر أو فورها، ولم تطبق عليها لأنها فتحت عنوة، ولم تفتح صلحا، وكان المفروض أن يجلوهم النبى صلى الله تعالى عليه وسلم، ولكنه أبقاهم كما طلبوا، واحتفظ لنفسه بحق الإجلاء فى أى وقت شاء، وأجلاهم عمر من بعد ذلك عملا بما احتفظ به النبى صلى الله تعالى عليه وسلم، فلم يكن تطبيق الجزية عليهم لأنها لم تكن قد نزلت آية الجزية، وإنما كان ذلك، لأن النبى صلى الله تعالى عليه وسلم رأى تأجيل الجلاء فى حقهم، لأنهم كانوا أقوياء، ولو أبقوا بالجزيرة العربية لاستطاعوا بكثرتهم أن يكون لهم سلطان، ولكيلا يجتمع فى جزيرة العرب دينان.
أما أهل تيماء فقد انتهوا مع النبى صلى الله تعالى عليه وسلم صلحا، ولم يقرر إجلاءهم، وكانوا فى أطراف الشام والجزيرة العربية، ولذلك لم يخرجهم الإمام عمر رضى الله تبارك وتعالى عنه، إذ هم ليسوا فى داخل الجزيرة، ولم يحتفظ النبى صلى الله تعالى عليه وسلم بحق إخلائهم.
وننتهى من هذا الجزء إلى أن الجزية فرضت قبل الفتح، ولم تكن شرعيتها بعد الفتح، ولكن الإمام ابن القيم يقرر أن الجزية لم تقرر إلا بعد الفتح «وأما هديه فى أخذ الجزية فما أخذ من الكفار إلا بعد نزول سورة براءة فى السنة الثامنة من الهجرة، فلما نزلت آية الجزية أخذها من المجوس، وأخذها من أهل