الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كانوا فى حاجة إلى ذلك، لحداثة عهدهم بالجاهلية، ولم يعيشوا فى ظل القرآن الكريم كأهل المدينة المنورة، بل كانوا يناوئون أهل القرآن الكريم، وإن علم بلغاؤهم مكانته، وأنه يعلو ولا يعلى عليه.
وقد عاد رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم إلى الجعرانة بعد عمرته، ولم يمكث بها إلا قليلا، وفيها وزع بقية الفيء والغنائم، ومنها سافر إلى المدينة المنورة حتى بلغها لليال ست بقيت من ذى القعدة.
وقد ترك الطائف على شركه، وإن أخذت تميل نحو الاسلام على عنجهية الجاهلية.
وكان مالك بن عوف يغير عليها آنا بعد آن، فإن النبى صلى الله تعالى عليه وسلم أدناه منه وأسلم وحسن إسلامه، فكان من بعد ذلك يرهقها بالغارات ويجيء إلى النبى صلى الله تعالى عليه وسلم بما يدل على أنها تلين إلى الإسلام شيئا فشيئا، حتى لانوا كما سنبين فى وفدهم.
قدوم كعب بن زهير
634-
قدم كعب بن زهير على رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم بعد عودته من عمرته، وما كان لنا أن نهتم بما نكتب بشاعر أو كاهن، وما كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم يحتاج إلى داعية يدعو بمفاخره، فرسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم مقامه عند الله العظيم، وما كان يحتاج إلى شاعر يشيد بمنصبه فرسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، وقد دان بالطاعة له كبراء العرب، وغيرهم هو فى مكانته رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم الذى كان يلقى عليه أبو جهل فرث الجزور، فمكانته عند الله وفى نفسه، وعند كل ذى لب واحدة.
ولكنا ذكرناه لأن قدومه يدل على بلوغ الدعوة الإسلامية كل نواحى البلاد العربية قاصيها ودانيها، وإن فتح مكة المكرمة جعل القلوب تتجه إليه، والمنكرين يصدقون، والنافرين يدنون، ويأوون.
لقد كان كعب هذا يشارك المنكرين وينشد شعره فى ذم النبى صلى الله تعالى عليه وسلم، فلما ظهر النور الذى لا ينطفيء مال إلى أن يتقدم إلى النبى صلى الله تعالى عليه وسلم مهديا، بعد أن جافاه، وهو ابن زهير بن أبى سلمى حكيم الشعراء فى الجاهلية، فهو من بيت جاهلى فيه شعر الحكمة.
وعندما هم بأن يذهب إلى النبى صلى الله تعالى عليه وسلم حذره أخوه بجير بن زهير بن أبى سلمى، وكتب إليه يخبره أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم قتل رجالا بمكة المكرمة ممن كان يهجوه ويؤذيه، وأن من بين شعراء قريش ابن الزبعرى وهبيرة بن أبى وهب، قد هربوا منه فى كل وجه،
فإن كانت فى نفسك حاجة، فسر إلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم تائبا، فإنه لا يقتل أحدا جاء إليه تائبا، وإن أنت لم تفعل، فانج إلى نجاتك من الأرض.
وكان قد قال قصيدة فيها ذم للإسلام، وقد أسلم أخوه، وأرسل إليه الكتاب المذكور آنفا.
ولما بلغ زهيرا هذا الكتاب ضاقت به الأرض، وأشفق على نفسه من قصيدته، ويقول ابن إسحاق أرجف به من كان فى حاضره من عدوه وقالوا هو مقتول، أى أنهم أرادوا أن يحذروه إيفاده على النبى صلى الله تعالى عليه وسلم، ولذا قال قصيدته التى يمدح فيها رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وذكر فيها خوفه، وإرجاف الوشاة من عدوه.
ولقد خرج وقدم المدينة المنورة فنزل على رجل كان يعرفه فغدا به إلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، ثم أشار به إلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، فقال: هذا رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، فقم إليه فاستأمنه.
فقام إلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم حتى جلس إليه، ورسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم لا يعرفه، فقال: يا رسول الله إن كعب بن زهير جاء يستأمن منك تائبا مسلما، فهل أنت قابل منه، إن أنا جئتك به، فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: نعم- فقال يا رسول الله أنا كعب بن زهير، وكان فى المجلس بعض الأنصار، فوثب عليه رجل منهم، فقال: يا رسول الله دعنى وعدو الله أضرب عنقه.
فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: «دعه عنك، فإنه قد جاء تائبا، نازعا مما كان عليه» وغضب كعب على الحى من الأنصار كما يقال، وما يضر غضبه على هؤلاء الذين آووا ونصروا ولم يقل فيه أحد من المهاجرين إلا خيرا.
ولقد مدح رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم بقصيدة هزت أعطاف رسول الله عليه الصلاة والسلام، وكان كريما يقبل طيب القول.
ولقد روى أنه قال إن من الشعر لحكمة، ولننشد أبياتا منها، لكرم موضوعها.
يقول فى مطلعها:
بانت سعاد فقلبى اليوم متبول
…
متيم إثرها لم يفد مكبول
وبعد أن يذكر سعاد وهى كما قيل زوجته، وغربته عنها، يقول متجها إلى النبى صلى الله تعالى عليه وسلم.
وقال كل صديق كنت آمله
…
لا ألهينك إني عنك مشغول
فقلت خلوا سبيلى لا أبا لكم
…
فكل ما قدر الرحمن مفعول
كل ابن أنثي وإن طالت سلامته
…
يوما على آلة حدباء محمول
نبئت أن رسول الله أوعدني
…
والعفو عند رسول الله مأمول
مهلا هداك الذى أعطاك نافلة
…
القرآن فيها مواعيظ وتفصيل
لا تأخذني بأقوال الوشاة ولم
…
أذنب ولو كثرت في الأقاويل
ثم يقول فى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم:
إن الرسول لنور يستضاء به
…
مهند من سيوف الله مسلول
فى عصبة من قريش قال قائلهم
…
ببطن مكة لما أسلموا زولوا
ويقول فى وصف أصحاب الرسول:
ليسوا مفاريح إن نالت رماحهم
…
قوما وليسوا مجازيعا إذا نيلوا
لا يقع الطعن إلا فى نحورهم
…
وما لهم عن حياض الموت تهليل
وفى هذه القصيدة لم يذكر الأنصار، لأن رجلا منهم أراد قتله، فيروى أن النبى صلى الله تعالى عليه وسلم بعد أن أنشد قصيدته قال: لولا ذكر الأنصار فإنهم لذلك أهل، فقال مادحا الأنصار:
من سره كرم الحياة فلا يزل
…
فى مقنب من صالح الأنصار
ورثوا المكارم كابرا عن كابر
…
إن الخيار هم بنو الأخيار
إلى آخر قصيدة ليست مهلهلة طويلة، بل هى موجزة قصيرة.
وإنا نذكر أننا ذكرنا كعب بن زهير لبيان أنه إذا كان الإسلام قد فقد عبد الله بن رواحة شاعر الدعوة الإسلامية والذود عنه وعن الرسول الكريم صلى الله تعالى عليه وسلم، فقد جاء الشاعر كعب بن زهير، والشعراء كانوا ألسنة الدعوة إلى المكارم ونشر الفضل والفضلاء فى الجزيرة العربية.