الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وفد صداء
685-
جاء هذا الوفد مكونا من نحو 100 من أهل صداء باليمن.
ويرجع أمر هذا الوفد إلى سنة ثمان من الهجرة عندما اعتمر النبي صلي الله تعالي عليه وسلم عمرة الجعرانة، فإنه أرسل إلي صداء باليمن جيشاً مكونا من نحو أربعمائة مقاتل بقيادة قيس بن سعد بن عبادة.
فقدم علي رسول الله صلي الله تعالي عليه وسلم رجل منهم قد علم بأمر الجيش ويظهر أنه كان يعلم من قومه أنهم يميلون إلى الإسلام خصوصا بعد أن فتح الله تعالي على نبيه الكريم صلى الله تعالي عليه وسلم مكة المكرمة.
فجاء رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، وقال: يا رسول الله جئتك وافدا علي من ورائى فاردد الجيش، وأنا آتى لك بقومى.
فرد رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم الجيش. وقد ذهب الرجل الصدائي واسمه زياد بن الحارث، كما ذكر الواقدى فى تاريخه إلي قومه فأتي منهم بوفد عدده خمسة عشر رجلا، وقد قال سعد ابن عبادة. دعهم يا رسول الله ينزلوا علي فنزلوا عنده، فحياهم وأكرمهم، وكساهم، ثم ذهب بهم إلي رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، فبايعوه على الإسلام، وقالوا: نحن لك علي من وراءنا من قومنا.
رجعوا إلي قومهم ففشا فيهم الإسلام، وقد توافرت أسباب فشوه، فهو حق في ذاته، ولا غرابة فى أن يفشو دين الفطرة، بين قوم أرادوا الحق إذ لم يعاندوا، أو يفرضوا خصومة، ولأنه قد تم فتح مكة المكرمة التي كانت تناوئ النبي صلي الله تعالى عليه وسلم، وتبالغ فى مناوأته، ولأن السلطان في البلاد العربية صار للإسلام وما لعربي أن ينأي بجانبه عن دين ساد البلاد العربية إلا لأنه رأي أن في غيره ما هو خير منه، والإسلام خير الأديان، وهو الحق الباقي.
فشا الإسلام في صداء، ويظهر أنه كانت لهم صلة بالخزرج بدليل ضيافة سعد بن عبادة.
ولذلك جاء من بعد ذلك مائة رجل منهم وافدين علي الرسول صلي الله تعالى عليه وسلم فى حجة الوداع، ويظهر أنه الوفد الذي جاء في النهاية مسلما.
وعلى ذلك نقول، إنه جاء إلي النبي صلي الله تعالى عليه وسلم من صداء ثلاثة وفود.
أولها: زياد بن الحارث الذى جاء إلى النبى صلى الله تعالى عليه وسلم وطلب إليه أن يرد الجيش، وقد قال له رسول الله صلي الله تعالى عليه وسلم. يا أخا صداء إنك مطاع في قومك. فقال له:
بلي. منّ من الله عز وجل ومن رسوله.
وثانيها: الوفد الذى حضر مع زياد وعدده خمسة عشر رجلا، قد استضافهم سعد بن عبادة، وأولئك بايعوا النبى صلى الله تعالى عليه وسلم على الإسلام، وأن ينشروه فى قومهم.
وثالثها: وفد الجماعة الذين جاؤا إلي النبي صلي الله تعالي عليه وسلم والتقوا به فى حجة الوداع، حيث يودع رسول الله أمته، وقد أودعها أمانته، وحملها رسالته.
ولقد صحب زياد بن الحارث الصدائى رسول الله صلي الله عليه وسلم فى بعض غدواته وروحاته، ورأي من الخوارق الحسية والمادية التى جرت على يديه ما زاده إيمانا.
ويروى أن الرسول صلي الله تعالي عليه وسلم سأل زيادا في سيره في الصحراء: أمعك ماء يا أخا صداء؟ قال معي شئ في إداوة، قال عليه الصلاة والسلام هاته. فجاء به. ويقول زياد: صببت ما في الإداوة. فجعل أصحابه يتلاحقون ثم وضع كفه علي الإناء، فرأيت بين كل أصبعين من أصابعه عينا تفور، ثم توضأ رسول الله صلى الله تعالي عليه وسلم، وأذن للصلاة، أذن لها زياد وأقامها؛ وأراد بلال أن يقيمها، فقال النبى صلي الله تعالي عليه وسلم: من أذن للصلاة يقيمها.
ولقد سأل زياد بن الحارث أن يوليه عليه الصلاة والسلام إمرة قومه فولاه، لأنه وجده كفئا لذلك إذ كان مطاعا في قومه، كما وصفه النبي صلي الله تعالي عليه وسلم، ولأنه كان داعية الإسلام فيهم فكان من الخير للإسلام ولهم أن يتولي هو ولايتهم، ولأنه لم يرد الولاية لذاتها، ليكون له سيطرة وسلطان، بل أراد الإمرة علي قومه لغاية رأى النبي صلى الله تعالي عليه وسلم تحققها، وذلك جائز، ولا يعارض قول النبي صلى الله تعالى عليه وسلم «وإنا لن نولي علي عملنا من أراده» ، لأن نص الحديث يمنع الولاية ممن أرادها للسلطان والسيطرة لا للعمل، وإقامة الحق.
ولكن زيادا لم يستبق الولاية، بل استقالها وأعطي النبي صلي الله تعالي عليه وسلم كتابي الإمارة، وولاية الصدقات.
وذلك لأن سائلا شكا إلي النبى صلي الله تعالي عليه وسلم أن واليه طغي عليهم، ويقول إن عاملنا أخذنا بذحول الجاهلية أو بثاراتها، ويفهم من القصة أنه عزله، وقال: لا خير في الإمارة لرجل مسلم. سأل رجل النبي صلي الله تعالي عليه وسلم أن يعطيه من الصدقة فقال عليه الصلاة والسلام «إن الله لم يكلها إلي ملك مقرب، ولا لنبي مرسل حتي جزأها ثمانية أجزاء، فإن كنت جزآ منها أعطيتكها، وإن كنت غنيا، فإنما هي صداع في الرأس وداء في القلب» .
فهم زياد بن الحارث من هذا أن الولاية لا تأتي بخير للمسلم، بل هى ابتلاء له، فاستقال منهما، وقال للنبي صلي الله تعالي عليه وسلم: «يا رسول الله هذان كتابان (كتاب الإمارة، وولاية الصدقات)