الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يذلوا من أهل أخبائك أو خبائك، ثم ما أصبح اليوم على ظهر الأرض أهل خباء أو خباء أحب إلى من أن يعزو من أهل أخبائك أو خبائك، وأيضا: والذى نفسى بيده، يا رسول الله، إن أبا سفيان رجل شحيح، فهل على حرج أن أطعم من المال الذى له، قال النبى صلى الله تعالى عليه وسلم بالمعروف.
وهذا الحديث مهما تختلف صيغة رواياته يدل على ثلاثة أمور:
أولها: أن نفقة الزوجة واجبة على الزوج سواء أكانت غنية أم كانت فقيرة، وسواء أكانت قادرة على الكسب أم عاجزة عنه، لأنها جزاء قيامها بحقوق الزوج ورعاية بيته وأولاده وهى تقسيم فى نظام الحياة الزوجية، المرأة تقوم بإدارة مملكة البيت، والرجل يكدح ويعمل للحصول على الرزق، ولذلك يقول صلى الله تعالى عليه وسلم فى حجة الوداع لهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف.
والثانى: الأمور التى تدل عليها الأحاديث الواردة عن هند وإجابة النبى صلى الله تعالى عليه وسلم أن على الزوج أن يمكنها من ماله الذى تتمكن به من أن تطعم وأولادها بالمعروف فى أمانة من غير خيانة.
ثالثها: أن نفقة الزوجية تثبت حقا لها ولأولادها من غير حكم من القضاء، أو أمر من ولى الأمر، بل تثبت بحكم الشرع على أنها حق من حقوقها بمقتضى الأحكام الشرعية لا بسبب الرضا، أو القضاء، وقد يكون تقديرها بالتراضي، ولكن أصل الوجوب يكون بحكم الشرع هذا ما اقتضى الحديث بيانه، وربما عاودنا القول فى حجة الوداع.
حكم الهجرة بعد الفتح
616-
روى أن النبى صلى الله تعالى عليه وسلم قام بعد تمام فتح مكة المكرمة، فقال صلى الله تعالى عليه وسلم:«لا هجرة بعد فتح مكة، ولكن جهاد ونية، وإذا استنفرتم فانفروا» ، وإن ذلك المعنى مستقيم بمنطق الوقائع، فقد كانت الهجرة قبل الفتح من مكة المكرمة إلى الحبشة، أو إلى المدينة النبوية فكانت فرارا من الاستضعاف فى مكة المكرمة، إلى حيث الأمن والاطمئنان وخصوصا إلى يثرب، حيث تتجمع القوى الإسلامية فى المدينة المنورة مجاهدة داعية.
وإن الهجرة بعد أن صارت مكة المكرمة دار إسلام، وبها البيت الحرام، فإن الهجرة منها لتقتضى خلوها من السكان. وهم أهل البيت الحرام.
ولكن معنى ذلك أن لا تمنع الهجرة من أى بلد إلى أخرى، ولكن لا يكون له ثواب المهاجر، إذا كان الخروج لمجرد طلب الرزق، والثواب إن كان فلا يكون ثواب هجرة، ولكن يكون ثواب طلب الرزق استجابة لقوله تعالى: وَمَنْ يُهاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُراغَماً كَثِيراً وَسَعَةً (النساء- 100) .
ولكن يكون بعد ذلك هجرة يكون فيها ثواب الهجرة وهى مطلوبة غير منهى عنها، بل يحاسب فيها المؤمن إن كان قادرا على الهجرة، ولم يهاجر، وذلك فى حال أن يعيش مستضعفا بين الكفار، يسومونه الذل والهوان، وإن خرج إلى أرض الإسلام كان التجمع القوى والوحدة الشاملة الكاملة.
ومن ذلك قول الله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ، قالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ، قالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ واسِعَةً فَتُهاجِرُوا فِيها فَأُولئِكَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ، وَساءَتْ مَصِيراً. إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ وَالْوِلْدانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا. فَأُولئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ، وَكانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُوراً فإن هذه الآية توجب الهجرة على كل مستضعف فى الأرض لتكون الجماعة الإسلامية له قوة، ويكون من انضمامه لجماعة المسلمين قوة بانضمام كل بعيد عنها إليها، فإن التجمع قوة فى ذاته، وقوة عامة للمسلمين، والانفراد مع الاستضعاف ذل لبعض المسلمين. وحرمان للمجموع من قوة التجمع.
ولذلك ورد أن النبى صلى الله تعالى عليه وسلم قال «الهجرة دائمة» وقال عن اجتماع الكافر بالمسلم «لا تتراءى ناراهما» .
فالهجرة التى انتهت هى الهجرة من مكة المكرمة.
أما الهجرة فلم تنته بإطلاق، ويقول فى ذلك الحافظ ابن كثير: إنه يعرض حالة تقتضى الهجرة بسبب مجاورة أهل الحرب، وعدم القدرة على إظهار الدين فتجب الهجرة إلى دار الإسلام، وهذا ما لا خلاف فيه بين العلماء. ولكن هذه الهجرة ليست كالهجرة قبل الفتح، كما أن كلا من الجهاد والإنفاق فى سبيل الله مشروع، ورغب فيه إلى يوم القيامة، وليس كالإنفاق، ولا الجهاد قبل الفتح فتح مكة المكرمة، كما قال تعالى: لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ، وَقاتَلَ أُولئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقاتَلُوا (الحديد- 10) وإنه بلا ريب الجهاد قبل الفتح، لإنشاء قوة للمسلمين، والجهاد بعد ذلك لبقاء الإسلام، والإبقاء أسهل من الإنشاء فكانت لذلك أفضل والله سبحانه وتعالى أعلم بموضع الفضل والخير.