المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌1 - باب دخول الخلاء والاستطابة - الإفهام في شرح عمدة الأحكام

[ابن باز]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة المحقق

- ‌وكان عملي على النحو الآتي:

- ‌نبذة عن حياة مؤلف العمدة: الإمام عبد الغني بن عبد الواحد المقدسي

- ‌أولاً: نسبه، ومولده، ونشأته، ومكانته العلمية:

- ‌ثانياً: عبادته وتضرعه، وأوقاته:

- ‌ثالثاً: شيوخه:

- ‌رابعاً: تلامذته:

- ‌خامساً: أقوال العلماء فيه:

- ‌سادساً: أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر:

- ‌سابعاً: جوده وكرمه:

- ‌ثامناً: تصانيفه:

- ‌تاسعاً: وفاته:

- ‌نبذة عن حياة الشارح الإمام عبد العزيز بن عبد الله بن باز

- ‌أولاً: ما قال سماحته عن نفسه

- ‌ثانياً: أوصافه الخَلْقية

- ‌ثالثاً: صفاته الخُلُقية:

- ‌رابعاً: دروسه العلمية في مدينة الرياض

- ‌خامساً: زوجات سماحة الشيخ:

- ‌سادساً: أولاده:

- ‌ثامناً: الجنازة وأصداء الوفاة

- ‌تاسعاً: مشاهد نادرة من جنازة الشيخ

- ‌مقدمة المؤلف

- ‌1 - كتاب الطهارة

- ‌1 - بابُ دخولِ الخلاءِ والاستطابةِ

- ‌2 - بابُ السواكِ

- ‌3 - بابُ المسحِ على الخفينِ

- ‌4 - بابٌ في المذيِ وغيرِهِ

- ‌5 - بابُ الغسل من الجنابةِ

- ‌6 - باب التَّيَمُّمِ

- ‌7 - بابُ الحيضِ

- ‌2 - كتاب الصلاة

- ‌8 - بابُ المواقيتِ

- ‌9 - باب فضلِ صلاة الجماعة ووجوبها

- ‌10 - بابُ الأَذانِ

- ‌11 - باب استقبالِ القبلة

- ‌12 - بابُ الصُّفوفِ

- ‌13 - بابُ الإِمامةِ

- ‌14 - بابُ صفةِ صلاةِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم

- ‌15 - باب وجوب الطمأنينة في الركوع والسجود

- ‌16 - باب القراءة في الصلاة

- ‌17 - بابُ تركِ الجَهرِ ببسمِ اللَّه الرَّحمنِ الرَّحيمِ

- ‌18 - بابُ سجودِ السَّهو

- ‌19 - بابُ المرورِ بينَ يديِ المصلي

- ‌20 - بابٌ جامعٌ

- ‌21 - بابُ التَّشهدِ

- ‌24 - باب الجمع بين الصلاتين في السفر

- ‌25 - باب قصر الصلاة في السفر

- ‌26 - باب الجمعة

- ‌27 - باب العيدين

- ‌28 - باب صلاة الكسوف

- ‌29 - باب صلاة الاستسقاء

- ‌30 - باب صلاة الخوف

- ‌31 - باب الجنائز

- ‌3 - كتاب الزكاة

- ‌32 - باب صدقة الفطر

- ‌4 - كتاب الصِّيَامِ

- ‌33 - باب الصوم في السفر وغيره

- ‌34 - باب أفضل الصيام وغيره

- ‌35 - باب ليلة القَدر

- ‌36 - باب الاعتكاف

- ‌5 - كتاب الحَجِّ

- ‌37 - باب المواقيت

- ‌38 - باب ما يلبس المُحرِم من الثياب

- ‌39 - باب الفدية

- ‌40 - باب حُرمة مكة

- ‌41 - باب ما يجوز قتله

- ‌42 - باب دخول مكة وغيره

- ‌43 - باب التمتُّع

- ‌44 - باب الهدي

- ‌45 - باب الغسل للمحرم

- ‌46 - باب فسخ الحج إِلى العمرة

- ‌47 - باب المحرم يأكل من صيد الحلال

- ‌6 - كتاب البيوع

- ‌48 - باب ما يُنهى عنه من البيوع

- ‌49 - باب العرايا وغير ذلك

- ‌50 - باب السَّلَم

- ‌51 - باب الشروط في البيع

- ‌52 - باب الربا والصَّرف

- ‌53 - باب الرهن وغيره

- ‌54 - بابُ اللُّقَطة

- ‌7 - كتاب الوصَايا

- ‌8 - كتاب الفرائض

- ‌9 - كتاب النكاح

- ‌55 - باب الصداق

- ‌10 - كتاب الطلاق

- ‌56 - باب العِدَّة

- ‌11 - كتاب اللعان

- ‌12 - كتاب الرضَاع

- ‌13 - كتاب القِصَاص

- ‌14 - [كتاب الحدُود

- ‌57 - باب حدِّ السرقة

- ‌58 - باب حدِّ الخمر

- ‌15 - كتاب الأيمان والنذور

- ‌59 - باب النذر

- ‌60 - باب الْقَضاء

- ‌16 - كتاب الأطعمة

- ‌61 - باب الصيد

- ‌62 - باب الأضاحي

- ‌17 - كتاب الأشربة

- ‌18 - كتاب اِللِّبَاس

- ‌19 - كتاب الجِهاد

- ‌20 - كتاب العتق

- ‌63 - باب بيع المدبَّر

- ‌الفهارس العامة

- ‌1 - فهرس الآيات القرآنية

- ‌2 - فهرس الأحاديث النبوية والآثار

- ‌3 - فهرس الألفاظ الغريبة

- ‌4 - فهرس الأشعار

- ‌5 - فهرس مصادر ومراجع التحقيق

الفصل: ‌1 - باب دخول الخلاء والاستطابة

المنكب، أو فوق المنكب، ولا يشرع له الإطالة في غسل الرجلين إلى الركبتين، أو ما حولهما، هذا خلاف السنة.

بل السنة أن يغسل الرجلين مع الكعبين، واليدين مع المرفقين من غير إطالة فوق ذلك، وقد ثبت في صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:«كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا غسل يديه أشرع في العضد، وإذا غسل رجليه أشرع في الساق» (1). معنى أشرع: يعني أخذ بعض العضد حين غسل اليدين، وهكذا بعض الساق حين غسل الرجلين، وذلك لإدخال المرافق وإدخال الكعبين في الوضوء. فيكون معنى الآية:{إِلَى الْمَرَافِقِ} (2) يعني مع المرافق، و {إِلَى الْكَعْبَيْنِ} (3) يعني مع الكعبين، كما قال تعالى:{وَلَا تَاكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ} (4) يعني مع أموالكم، وهذا هو الصواب.

‌1 - بابُ دخولِ الخلاءِ والاستطابةِ

(5)(6)

13 -

عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا دخل الخلاء

(1) مسلم، برقم 246، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 11.

(2)

سورة المائدة، الآية:6.

(3)

سورة المائدة، الآية:6.

(4)

سورة النساء، الآية:2.

(5)

في نسخة الزهيري: «باب الاستطابة» .

(6)

بداية الوجه الثاني من الشريط الأول.

ص: 79

قال: «اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْخُبُثِ وَالْخَبَائِثِ» (1). (2).

14 -

عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: «إذَا أَتَيْتُمُ الْغَائِطَ، فَلا تَسْتَقْبِلُوا الْقِبْلَةَ بِغَائِطٍ وَلا بَوْلٍ، وَلا تَسْتَدْبِرُوهَا، وَلَكِنْ شَرِّقُوا أَوْ غَرِّبُوا» .

قال: أبو أيوب: «فَقَدِمْنَا الشَّامَ، فَوَجَدْنَا مَرَاحِيضَ قَدْ بُنِيَتْ نَحْوَ الْكَعْبَةِ، فَنَنْحَرِفُ عَنْهَا، وَنَسْتَغْفِرُ اللَّهَ عز وجل» (3). (4).

15 -

عن عبد اللَّه بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما قال: «رَقِيْتُ يَوْماً عَلَى بَيْتِ حَفْصَةَ، فَرَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقْضِي حَاجَتَهُ مُسْتَقْبِلَ الشَّامِ، مُسْتَدْبِرَ الْكَعْبَةِ» (5).

(1) رواه البخاري، كتاب الوضوء، باب ما يقول عند الخلاء، برقم 142، ومسلم، كتاب الطهارة، باب ما يقول إذا أراد دخول الخلاء، برقم 375.

(2)

في نسخة الزهيري: «الخبث: بضم الخاء والباء: جمع خبيث، والخبائث: جمع خبيثة: استعاذ من ذكران الشيطان وإناثهم» .

(3)

رواه البخاري، كتاب الصلاة، باب قبلة أهل المدينة، وأهل الشام، والمشرق، برقم 394، ومسلم، كتاب الطهارة، باب الاستطابة، برقم 264.

(4)

في نسخة الزهيري زيادة: «قال المصنف: الغائظ: الموضع المطمئن من الأرض، كانوا ينتابونه للحاجة، فكنوا به عن نفس الحدث، كراهة لذكره بخاص اسمه، والمراحيض: جمع مرحاض، وهو المغتسل، وهو أيضاً كناية عن موضع التخلي» .

(5)

رواه البخاري، كتاب الوضوء، باب التبرز في البيوت، برقم 148، ومسلم، كتاب الطهارة، باب الاستطابة، برقم 266، وعندهما:«القبلة» بدل «الكعبة» ، واللفظ لفظ الترمذي، حديث رقم 11.

ص: 80

4 -

قال الشارح رحمه الله:

هذه الأحاديث الثلاثة تتعلق بآداب قضاء الحاجة، والرسول عليه الصلاة والسلام بعثه اللَّه للدعوة إلى مكارم الأخلاق، ومحاسن الأعمال، والنهي عن سفساف الأخلاق، وسيئ الأعمال، فهو صلى الله عليه وسلم يدعو إلى كل خير، وينهى عن كل شر، وقد دعا إلى الآداب الشرعية في قضاء الحاجة، والصلاة، والصوم، والصدقات، والحج، والجهاد، وغير هذا من سنن الإسلام، وقد دعا إلى كل خلق كريم، ونهى عن كل ما يخالف ذلك.

ومن ذلك أنه كان عليه الصلاة والسلام إذا أراد دخول الخلاء قال: «أعوذ باللَّه من الخبث والخبائث» (1)، عند دخول محل قضاء الحاجة لبول أو غائط، يقول:«اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْخُبُثِ وَالْخَبَائِثِ» (2)، وفي بعضها:«بسم اللَّه أعوذ باللَّه من الخبث والخبائث» (3).

الخبث: جمع خبيث، والمراد بذلك ذكور الشياطين.

والخبائث: جمع خبيثة، والمراد بذلك إناث الشياطين.

يعني من الشياطين: ذكورهم، وإناثهم.

(1) رواه مسلم، كتاب الطهارة، باب ما يقول إذا أراد دخول الخلاء، برقم 375.

(2)

رواه البخاري، برقم 142، ومسلم، برقم 375، وتقدم تخريجه.

(3)

قال الحافظ في فتح الباري، 1/ 196:«رواه العمري، وإسناده على شرط مسلم، وفيه زيادة التسمية، ولم أرها في غير هذه» .

ص: 81

قال آخرون من أهل العلم: معنى ذلك من الشر وأهله.

فالخبث بالتسكين الشر، والخبائث أهله.

ومعنى هذا: الاستعاذة باللَّه من الشر وأهله من الشياطين وغيرهم. هذا هو السنة لمن أراد أن يقضي حاجته عند دخول الخلاء: أن يقدم رجله اليسرى عند الدخول، ويقول: بسم اللَّه، أعوذ باللَّه من الخبث والخبائث، وإن كان في الصحراء عندما يريد قضاء الحاجة، إذا أراد المكان الذي يمكث فيه لقضاء الحاجة، قال عند ذلك: بسم اللَّه أعوذ باللَّه من الخبث والخبائث، وعند الخروج يقدم رجله اليمنى، ويقول:«غفرانك» (1)، أي أسألك غفرانك؛ لأن قضاء الحاجة من نعم اللَّه، والعبد من شأنه التقصير في شكر اللَّه، فيقول عند خروجه [

] (2): «غفرانك» ، أي أسألك غفرانك عما قصرت فيه من شكر نعمك، وعما قدمت من الذنوب.

والحديث الثاني: حديث أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال: «إذا أتيتم الغائط» أي محل قضاء الحاجة: «فَلا تَسْتَقْبِلُوا الْقِبْلَةَ بِغَائِطٍ وَلا بَوْلٍ، وَلا تَسْتَدْبِرُوهَا، وَلَكِنْ شَرِّقُوا أَوْ

(1) أخرجه أبو داود، كتاب الطهارة، باب ما يقول إذا خرج من الخلاء، برقم 30، والترمذي، أبواب الطهارة، باب ما يقول إذا خرج من الخلاء، برقم 7، وابن ماجه، كتاب الطهارة وسننها، باب ما يقول إذا خرج من الخلاء، برقم 300، والنسائي أخرجه في عمل اليوم والليلة، برقم 79، وصححه الألباني في صحيح أبي داود، 1/ 59.

(2)

ما بين المعقوفين: حذفت كلمة زائدة هي: «يقول» .

ص: 82

غَرِّبُوا» (1). هذا بالنسبة للمدينة، ومن كان على سمتها يشرِّق أو يغرِّب، وهكذا في الجنوب، أما إن كان في الشرق أو الغرب، فإنه يجنب أو يشمل حتى لا يستقبل القبلة ولا يستدبرها عند قضاء الحاجة.

قال أبو أيوب رضي الله عنه: فقدمنا الشام فوجدنا مراحيض قد بنيت نحو الكعبة، فننحرف عنها ونستغفر اللَّه عز وجل. أبو أيوب حمل الحديث على العموم، وأنه عام للمباني والصحراء: أنه يشرع للمؤمن في قضاء حاجته سواءً في المباني أو في الصحراء: أن ينحرف عن القبلة ويجعلها عن يمينه أو شماله عند قضاء الحاجة؛ لعموم الحديث الذي رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تستقبلوها لا بغائط ولا بول» ، وأنه حديث عام، فالأولى والأفضل للمؤمن حتى في بيته أن يجعل محل قضاء الحاجة إلى غير القبلة، حتى إذا جلس يقضي حاجته، فإذا القبلة عن يمينه أو شماله، هذا هو المشروع وهذا الذي ينبغي، لكن في البناء يُتساهل في ذلك ليس بلازم في البناء، إنما هذا في الصحراء عن جمع من أهل العلم؛ لحديث عبداللَّه بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما أنه قال:«رقيت يوماً» رقيت: صعدت. يوماً على بيت حفصة: يعني بهذا أخته حفصة رضي الله عنها: «رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يقضي حاجته مستقبل الشام مستدبر الكعبة» ، هذا يدل على أن الاستدبار والاستقبال في المبنى، أو في محل مستور، ليس بلازم، وإنما ذلك

(1) رواه البخاري، برقم 394، ومسلم، برقم 264، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 14.

ص: 83

في الصحراء، وهذا حجة جمع من أهل العلم على أنه لا بأس أن يستقبل ويستدبر في المبنى، وهو قول البخاري، وجماعة من أهل العلم؛ لهذا الحديث: حديث عبداللَّه بن عمر.

لكن الأفضل والأولى بالمؤمن أن لا يستقبلها مطلقاً؛ لأن حديث عبداللَّه بن عمر يحتمل أنه كان قبل النهي، ويحتمل أنه خاص كما قال جماعة، فالأولى بالمؤمن أن تكون مراحيضه منحرفة عن القبلة، فلا يستقبلها ولا يستدبرها، عملاً بحديث أبي أيوب العام، وما جاء في معناه، ولكنه في المبنى أسهل وأقل، يعني تَبِعَة، بسبب حديث عبداللَّه بن عمر المذكور، فيكون خاصاً، وحديث أبي أيوب عاماً.

والقاعدة: أن الخاص يقضي على العام في النصوص.

16 -

عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه (1) قال: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَدْخُلُ الْخَلاءَ، فَأَحْمِلُ أَنَا وَغُلامٌ نَحْوِي معي (2) إدَاوَةً مِنِ مَاءٍ وَعَنَزَةً، فَيَسْتَنْجِي بِالْمَاءِ» (3).

العنزة: الحربة الصغيرة. والإداوة: إناء صغير من جلد (4).

(1)«أنه» : ليست في نسخة الزهيري.

(2)

«معي» : ليست في نسخة الزهيري.

(3)

رواه البخاري، كتاب الوضوء، باب حمل العنزة مع الماء في الاستنجاء، برقم 152، ومسلم، كتاب الطهارة، باب الاستنجاء بالماء من التبرز، برقم 271.

(4)

«الصغيرة، والإداوة: إناء صغير من جلد» ليست في نسخة الزهيري، وليس فيها إلا:«العنزة: الحربة» .

ص: 84

17 -

عن أبي قتادة الحارث بن ربعي الأنصاري (1) رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا يُمْسِكَنَّ أَحَدُكُمْ ذَكَرَهُ بِيَمِينِهِ وَهُوَ يَبُولُ، وَلا يَتَمَسَّحْ مِنَ الْخَلاءِ بِيَمِينِهِ، وَلا يَتَنَفَّسْ فِي الإِنَاءِ» (2).

18 -

عن عبداللَّه بن عباس رضي الله عنهما قال: مر النبي صلى الله عليه وسلم بقبرين فقال: «إنَّهُمَا لَيُعَذَّبَانِ، وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ: أَمَّا أَحَدُهُمَا: فَكَانَ لا يَسْتَتِرُ مِنَ الْبَوْلِ، وَأَمَّا الآخَرُ: فَكَانَ يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ فَأَخَذَ جَرِيدَةً رَطْبَةً، فَشَقَّهَا نِصْفَيْنِ، فَغَرَزَ فِي كُلِّ قَبْرٍ وَاحِدَةً، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لِمَ فَعَلْتَ هَذَا؟ قَالَ: لَعَلَّهُ يُخَفَّفُ عَنْهُمَا مَا لَمْ يَيْبَسَا» (3).

5 -

قال الشارح رحمه الله:

هذا الحديث الصحيح حديث أنس رضي الله عنه عن النبي عليه الصلاة والسلام: أنه كان يدخل الخلاء، فيحمل أنس، قال: وغلام معه. وفي رواية أخرى: «من الأنصار إدَاوَةً مِنِ مَاءٍ وَعَنَزَةً» (4)، فيستنجي بالماء عليه الصلاة والسلام. هذا يدل على فوائد:

(1)«الأنصاري» : ليست في نسخة الزهيري.

(2)

رواه البخاري، كتاب الوضوء، باب لا يمسك ذكره بيمينه، برقم 154، ومسلم، كتاب الطهارة، باب النهي عن الاستنجاء باليمين، برقم 267، واللفظ له.

(3)

رواه البخاري، كتاب الوضوء، باب من الكبائر أن لا يستتر من بوله، برقم 216، واللفظ له برقم 218، ومسلم، كتاب الطهارة، باب الدليل على نجاسة البول، ووجوب الاستبراء منه، برقم 292.

(4)

رواه البخاري، كتاب الوضوء، باب الاستنجاء بالماء، برقم 150.

ص: 85

[1]

منها: شرعية الاستنجاء بالماء في غسل الدبر، والذكر من آثار البول، والغائط. وأن النبي عليه الصلاة والسلام كان يستعمله في بعض الأحيان، وكان في بعض الأحيان يستجمر عليه الصلاة والسلام ، وكلاهما جائز، إن شاء المؤمن استجمر بالحجارة ونحوها، وإن شاء استنجى بالماء، وإن شاء جمع بينهما، الاستنجاء بالماء أنقى، وأذهب لآثار النجاسة، والاستجمار بالحجارة، واللَّبِن، والمناديل الطاهرة الخشنة، ونحوها مما يزيل الأذى جائز أيضاً عند أهل العلم، وقد دلت عليه أحاديث كثيرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إِذَا ذَهَبَ أَحَدُكُمْ إِلَى الْغَائِطِ فَلْيَذْهَبْ مَعَهُ بِثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ، فَإِنَّهَا تُجْزِئُ عَنْهُ» (1)، قال سلمان رضي الله عنه:«نهى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أن يستنجى بأقل من ثلاثة أحجار» (2).

فإذا استنجى الإنسان بثلاثة أحجار، أو أكثر، أو لبن، أو أخشاب، أو غير هذا مما يزيل الأذى، أو مناديل، أو تراب، أو نحو ذلك مما يزيل الأذى، حتى ينقى المحل ثلاثة فأكثر، أجزأه ذلك عن الماء، وإن

(1) رواه الإمام أحمد في المسند، 41/ 470، برقم 25012، وأبو داود، كتاب الطهارة، باب الاستنجاء بالحجارة، برقم 40، والنسائي، كتاب الطهارة، باب الاجتزاء في الاستطابة بالأحجار دون غيرها، برقم 44، كلهم بزيادة: «يَسْتَطِيبُ بِهِنَّ، فإنها

». قال محققو المسند، 41/ 470:«صحيح لغيره» ، وحسنه الألباني في صحيح أبي داود، 1/ 70.

(2)

أخرج مسلم عَنْ سَلْمَانَ رضي الله عنه، قَالَ: قِيلَ لَهُ: قَدْ عَلَّمَكُمْ نَبِيُّكُمْ صلى الله عليه وسلم كُلَّ شَيْءٍ حَتَّى الْخِرَاءَةَ؟ قَالَ: فَقَالَ: أَجَلْ، لَقَدْ نَهَانَا أَنْ نَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ لِغَائِطٍ، أَوْ بَوْلٍ، أَوْ أَنْ نَسْتَنْجِيَ بِالْيَمِينِ، أَوْ أَنْ نَسْتَنْجِيَ بِأَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ، أَوْ أَنْ نَسْتَنْجِيَ بِرَجِيعٍ، أَوْ بِعَظْمٍ». كتاب الطهارة، باب الاستطابة، برقم 262.

ص: 86

جمع بينهما كان أكمل: الاستنجاء بالحجارة، ثم إتباعها الماء.

[2]

وفيه من الفوائد: جواز خدمة الشخص لحمل الماء معه لحاجته، أو الحجارة، لحديث عبداللَّه بن مسعود: لا بأس أن يأمر الإنسان بعض أولاده، أو خدامه أن يتبعوه بما يحتاج إليه من ماء أو حجارة، ليستنجي بذلك.

[3]

وفيه من الفوائد أيضاً: استصحاب العنزة، وهي عصا صغيرة لها حربة تركز أمامه، إذا جاء يصلي عليه الصلاة والسلام. العنزة: حربة صغيرة، يعني عصا لها حربة، تركز أمام المصلي، سترة كان يستعملها في السفر صلى الله عليه وسلم، إذا أراد أن يصلي ركزت أمامه سترة له، والصلاة بالسترة سنة مؤكدة، قال عليه الصلاة والسلام:«إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلْيُصَلِّ إِلَى سُتْرَةٍ وَلْيَدْنُ مِنْهَا» (1).

والحديث الثاني: حديث أبي قتادة الأنصاري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا يُمْسِكَنَّ أَحَدُكُمْ ذَكَرَهُ بِيَمِينِهِ وَهُوَ يَبُولُ، وَلا يَتَمَسَّحْ مِنَ الْخَلاءِ بِيَمِينِهِ، وَلا يَتَنَفَّسْ فِي الإِنَاءِ» (2).

الحديث فيه مسائل، والحديث متفق على صحته عند البخاري ومسلم.

(1) سنن أبي داود، كتاب الصلاة، باب ما يؤمر المصلي أن يدرأ عن الممر بين يديه، برقم 699، وابن ماجه، كتاب إقامة الصلوات، باب ادرأ ما استطعت، برقم 954، وابن خزيمة في صحيحه، 2/ 27، برقم 841، والحاكم، 1/ 251، وصححه، ووافقه الذهبي، وصحح إسناده الشيخ الألباني في صحيح أبي داود، 3/ 281.

(2)

رواه البخاري، برقم 153، ومسلم، برقم 267، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 17.

ص: 87

المسألة الأولى: أنه لا يجوز للمسلم أن يمسك ذكره بيمينه وهو يبول؛ لأنه قد يناله شيء من النجاسة، واليمنى يجب أن تبعد عن هذا، لأن اليمنى للمصافحة، والأكل، والأخذ، والعطاء، فينبغي أن تكون بعيدة عن التلطخ بالنجاسة، وإذا أراد أن يمسك ذكره يمسكه باليسرى لا باليمنى.

والمسألة الثانية: ليس للمؤمن والمؤمنة أن يتمسح في الخلاء باليمين، بل باليسار، يستجمر بها، ويستنجي بها.

وهذا من الآداب الشرعية، والرسول صلى الله عليه وسلم علم أمته الآداب الشرعية في الوضوء، وفي الاستجمار، وفي الصلاة، وفي غير ذلك عليه الصلاة والسلام، فقد دعا الأمة إلى كل خلق كريم، ونهاها عن كل خلق ذميم، واللَّه جل وعلا شرع لعباده مكارم الأخلاق، ومحاسن الأعمال، ونهاهم عن سفاسف الأخلاق، وسيئ الأعمال.

ومن الآداب الشرعية في الشرب: أن يشرب بيمينه، وأن لا يتنفس في الإناء، والأفضل أن يكون بثلاثة أنفاس، يفصل الإناء عن فمه، ويتنفس ثلاثاً إذا شرب الماء، أو اللَّبن، ولا يتنفس في الإناء؛ لأنه قد يُشرب منه، أو يخرج من فمه شيء يقذر الماء، والسنة الفصل يفصل الإناء عن فمه، ويتنفس.

والحديث الثالث: حديث ابن عباس رضي الله عنه: هو عبداللَّه بن عباس بن عبدالمطلب ابن عم النبي عليه الصلاة والسلام يقول: إنه صلى الله عليه وسلم مر بقبرين

ص: 88

، فقال:«إنَّهُمَا لَيُعَذَّبَانِ، وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ» ، وفي رواية قال:«بلى إنه لكبير» : «أَمَّا أَحَدُهُمَا: فَكَانَ لا يَسْتَتِرُ مِنَ الْبَوْلِ» ، وفي اللفظ الآخر:«لايستنزه من البول» ، وَأَمَّا الآخَرُ: فَكَانَ يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ» (1)، هذا فيه دلالة على:

[1]

تحريم النميمة.

[2]

وتحريم التساهل بالبول.

وأن الواجب العناية بالنزاهة من البول، والتطهر من البول، في بدنه وثيابه، فلا يتلطخ بشيء من ذلك.

وفي الحديث الآخر: «اسْتَنْزِهُوا مِنَ الْبَوْلِ فَإِنَّ عَامَّةَ عَذَابِ الْقَبْرِ مِنْهُ» (2).

النميمة فيها فساد عظيم؛ لأنها تثير الفتن بين الناس والشحناء، والنميمة: نقل كلام زيد إلى عمرو، كلاماً سيئاً، ينقل كلاماً من زيد إلى عمرو، أو من جماعة إلى جماعة، أو من قبيلة إلى قبيلة، كلاماً سيئاً، ويورث الشحناء، ويثير العداوة، ويفتح باب الشحناء، هذا يقال له نميمة، كل كلام تنقله من قوم إلى قوم، أو من شخص إلى شخص، لا يرضى به المنقول إليه، فيسبب فتنة، هذا يسمى النميمة.

(1) رواه البخاري، برقم 216، ومسلم، برقم 292، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 18.

(2)

رواه الدارقطني، كتاب الطهارة، باب نجاسة البول والأمر بالتنزه منه والحكم في بول ما يؤكل لحمه، 1/ 127، برقم 7، المنهيات للحكيم الترمذي، ص: 7، وقال الشيخ الألباني في إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل، 1/ 311:«وهذا سند رجاله ثقات» .

ص: 89

في الحديث الصحيح يقول النبي عليه الصلاة والسلام: «لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ نَمَّامٌ» (1)، والنميمة من الكبائر؛ ولهذا استحق العقاب من تعاطاها في قبره مقدماً على عقاب النار، نعوذ باللَّه. والتنزه من البول أمرٌ واجب، والتلطخ به أمرٌ محرم. ولهذا استحق من تلطخ بالبول ولم يتنزه منه استحق العذاب في القبر مقدماً، نسأل اللَّه السلامة.

وفيه: أنه أخذ جريدة رطبة فشقها نصفين، وغرس على كل قبرٍ واحدة قال:«لعله يخفف عنهما ما لم ييبسا» . هذا خاصٌّ بالقبرين، ولا يُشرع أن يفعل مع القبور؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام ما فعلها إلا مع القبرين الذين أطلعه اللَّه على عذابهما، لم يفعل هذا مع القبور الأخرى. دل ذلك على أنه لا يشرع أن تغرز الجرائد أو الأغصان أو الشجر أو غيرها على القبور لأن الرسول عليه الصلاة والسلام ما فعل هذا، إنما هذا بشأن هذين القبرين اللذين أطلعه اللَّه على عذابهما، فلا يشرع غرس الجرائد على القبور لعدم الدليل؛ لأن الرسول ما فعله مع قبور أهل البقيع ولا مع غيرهم، وإنما فعله مع القبرين. نعم لو اطلع الإنسان على عذاب صاحب القبر وغرز عليه هذا يمكن له أن يفعل كما فعل الرسول صلى الله عليه وسلم لكن اللَّه جل وعلا أخفى عنا عذاب القبور رحمة من اللَّه لنا، ولم يطلعنا على ذلك رحمة منه

(1) رواه البخاري، كتاب الأدب، باب ما يكره من النميمة، برقم 6056، بلفظ:«قتات» ، ومسلم، كتاب الإيمان، باب بيان غلظ تحريم النميمة، برقم 105.

ص: 90