الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
4 - كتاب الصِّيَامِ
184 -
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، «لا تَقَدَّمُوا رَمَضَانَ بِصَوْمِ يَوْمٍ، ولا يَوْمَيْنِ إلَاّ رَجُلٌ كَانَ يَصُومُ صَوْماً فَلْيَصُمْهُ» (1).
185 -
عن عبد اللَّه بن عمر رضي الله عنهما قال: سَمِعْتُ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقولُ: «إذَا رَأَيْتُمُوهُ فَصُومُوا، وَإِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَأَفْطِرُوا، فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدُرُوا لَهُ» (2).
186 -
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم «تَسَحَّرُوا، فَإِنَّ فِي السَّحُورِ بَرَكَةً» (3).
187 -
عن أنس بن مالك رضي الله عنه، عن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال:
(1) رواه البخاري، كتاب الصوم، باب لا يتقدمن رمضان بصوم يوم ولا يومين، برقم 1914، ومسلم، كتاب الصيام، باب لا تقدموا رمضان بصوم يوم ولا يومين، برقم 1082، واللفظ له.
(2)
رواه البخاري، كتاب الصوم، باب هل يقال: رمضان، أو شهر رمضان، برقم 1900، واللفظ له، وباب قول النبي صلى الله عليه وسلم:«إذا رأيتم الهلال فصوموا، وإذا رأيتموه فأفطروا» ، برقم 1906، ومسلم، كتاب الصيام، باب وجوب صوم رمضان لرؤية الهلال، والفطر لرؤية الهلال، وأنه إذا غمّ في أوله أو آخره أكملت عدة الشهر ثلاثين يوماً، برقم 1080، ولفظه:«عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ذَكَرَ رَمَضَانَ فَقَالَ: «لَا تَصُومُوا حَتَّى تَرَوُا الْهِلَالَ، وَلَا تُفْطِرُوا حَتَّى تَرَوْهُ، فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدُرُوا لَهُ» ..
(3)
رواه البخاري، كتاب الصوم، باب بركة السحور من غير إيجاب، برقم 1923، واللفظ له، ومسلم، كتاب الصيام، باب فضل السحور، وتأكيد استحبابه، واستحباب تأخيره، وتعجيل الفطر، برقم 1095، بلفظه أيضاً.
48 -
قال الشارح رحمه الله:
هذه الأحاديث تتعلق بالصيام، والصيام لغة: الإمساك عن الكلام، ومنه قوله جل وعلا عن مريم:{إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا} (2)، ومنه قول الشاعر:
خيل صيامٌ وخيل غير صائمة
يعني ممسكة عن الصهيل.
أما في الشرع، فهو: إمساك بنية عن المفطرات في نهار الصيام، يقال: الصيام إذا أمسك بنية الإمساك عن المفطرات في النهار، سواءً في رمضان، أو في غيره، يقال له صيام، وهو تعريف شرعي.
فالصيام شرعاً هو: الإمساك بنية التقرب بترك ما حرم اللَّه، وكرهه للصائم من المفطرات من أكل، وشرب، وجماع، ونحو ذلك.
والصيام قسمان: فرضٌ ونفل: فالفرض هو: صيام رمضان، وهو أحد أركان الإسلام الخمسة، وهو الركن الرابع من أركان الإسلام الخمسة، وهو شهرٌ واحد من السنة، فرضه اللَّه على المكلفين من
(1) رواه البخاري، كتاب مواقيت الصلاة، باب وقت الفجر، برقم 575، وكتاب الصوم، باب قدر كم بين السحور وصلاة الفجر، برقم 1921، واللفظ له، ومسلم، كتاب الصيام، باب فضل السحور، وتأكيد استحبابه، واستحباب تأخيره، وتعجيل الفطر، برقم 1097.
(2)
سورة مريم، الآية:(26).
الرجال والنساء، ويُلحق بذلك صوم الكفَّارات، فهو فرضٌ أيضاً: كفارة الظهار، وكفارة الوطء في نهار رمضان، وكفارة القتل، هذا فرض، هذا ما شرعه اللَّه لكفارة القتل إذا عجز عن العتق، وكفارة الظهار إذا عجز عن العتق، وكفارة الوطء في [نهار] رمضان إذا عجز عن العتق، يكون عليه الصيام إذا استطاع (1).
ومن الفرض أيضاً النذور إذا نذر، مثل: للَّه عليّ أن أصوم كذا مثل يوم الإثنين، أو يوم الخميس، أو أصوم كذا، هذا [هو](2) الوفاء بالنذر.
ويكون نفلاً مثل: صوم الإثنين، والخميس، وصيام ثلاثة أيام من كل شهر، صيام ست من شوال، صيام يوم، وفطر يوم، هذا يسمى صوم تطوع.
يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تَقَدَّمُوا رَمَضَانَ بِصَوْمِ يَوْمٍ، ولا يَوْمَيْنِ إلَاّ رَجُلٌ كَانَ يَصُومُ صَوْماً فَلْيَصُمْهُ» (3).
لا يجوز للمسلمين أن يتقدموا رمضان بصوم يوم أو يومين على سبيل الاحتياط، يخشون أن يفوتهم شيء، ليس لهم ذلك، بل عليهم أن يتحرّوا دخول الشهر، إما بالرؤية، أو بإكمال شعبان، وليس لهم التقدم على رمضان، كما فعلت النصارى وغيرهم، لا، الواجب
(1) ومن الصيام الفرض أيضاً: كفارة اليمين، إذا عجز عن الإطعام، والكسوة، والعتق، صام ثلاثة أيام.
(2)
ما بين المعقوفين في أصل الكلام «هي» .
(3)
رواه البخاري، برقم 1914، ومسلم برقم 1082، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 184.
التقيد الشرعي، فلا يُصام يوم الشك، ولا صوم اليوم الذي قبله، بل على المسلم التحرِّي، فيُصام لرؤيته، ويُفطَر لرؤيته، فإن غُمَّ الهلال وجب إكمال عدة شعبان ثلاثين يوماً، ثم يصوم المسلمون، ولا يجب التحري في ذلك فيصوم يوم الشك، بل لابد إكمال العدة إن لم يُرَ الهلال، فإن رُؤي الهلال لثلاثين من شعبان صام الناس، فإن لم يُر أكملوا شعبان ثلاثين، هذا هو الواجب كما في الشرع.
وقد جاء عن النبي أنه قال صلى الله عليه وسلم: «إذا انتصف شعبان فلا تصوموا» (1)،
وهذا أبلغ في التحذير، فإذا بقي النصف من شعبان لا يمكن صيام التطوع، أما إذا صام أكثر شعبان فلا بأس، كان النبي عليه الصلاة والسلام يصوم أكثره (2).
(1) أخرجه أبو داود، كتاب الصيام، باب في كراهية ذلك، برقم 2337، والترمذي، كتاب الصوم، باب ما جاء في كراهية الصوم في النصف الثاني من شعبان لحال رمضان، برقم 738، وقال:«حسن صحيح» ، والنسائي في الكبرى، 2/ 172، برقم 2911، وابن ماجه، كتاب الصيام، باب ما جاء في النهي أن يتقدم رمضان بصوم، إلا من صام صوماً فوافقه، برقم 1651، والبيهقي، 4/ 209، برقم 7750، وأحمد، 15/ 441، برقم 9707، ولفظه: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِذَا كَانَ النِّصْفُ مِنْ شَعْبَانَ فَأَمْسِكُوا عَنْ الصَّوْمِ حَتَّى يَكُونَ رَمَضَانُ» ، وقال الشيخ الألباني في صحيح أبي داود، 7/ 101، برقم 2025:«إسناده صحيح على شرط مسلم» ، ومثله قال محققو المسند، 15/ 444 ..
(2)
فعن عَائِشَةَ رضي الله عنها، قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «يَصُومُ حَتَّى نَقُولَ: لَا يُفْطِرُ، وَيُفْطِرُ حَتَّى نَقُولَ: لَا يَصُومُ، فَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم اسْتَكْمَلَ صِيَامَ شَهْرٍ إِلَّا رَمَضَانَ، وَمَا رَأَيْتُهُ أَكْثَرَ صِيَامًا مِنْهُ فِي شَعْبَانَ» ، صحيح البخاري، كتاب الصوم، باب صوم شعبان، برقم 1969، ومسلم، 1156، ولفظه: عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ شَقِيقٍ، قَالَ: قُلْتُ لِعَائِشَةَ رضي الله عنها: هَلْ كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَصُومُ شَهْرًا مَعْلُومًا سِوَى رَمَضَانَ؟ قَالَتْ: «وَاللهِ، إِنْ صَامَ شَهْرًا مَعْلُومًا سِوَى رَمَضَانَ، حَتَّى مَضَى لِوَجْهِهِ، وَلَا أَفْطَرَهُ حَتَّى يُصِيبَ مِنْهُ» ، وفي رواية: كانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَصُومُ حَتَّى نَقُولَ: لَا يُفْطِرُ، وَيُفْطِرُ حَتَّى نَقُولَ: لَا يَصُومُ، وَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم اسْتَكْمَلَ صِيَامَ شَهْرٍ قَطُّ إِلَّا رَمَضَانَ وَمَا رَأَيْتُهُ فِي شَهْرٍ أَكْثَرَ مِنْهُ صِيَامًا فِي شَعْبَانَ».
حديث ابن عمر رضي الله عنه، يقول ابن عمر عن الرسول صلى الله عليه وسلم قال:«صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ، وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ، فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا العِدَّةَ ثَلَاثِينَ» (1)، معنى هذا الكلام: أن الواجب أن يصوموا لرؤية الهلال، وأن يُفطروا لرؤية الهلال، وليس لهم الصوم بالحساب، ولا بالاحتياط، لابد من الرؤية، أو إكمال العدة؛ ولهذا:«فإن غُمَّ عليكم فأكملوا العدة» ، أي ثلاثين، وفي رواية أخرى:«فإن غُمَّ عليكم فأكملوا العدة ثلاثين يوماً» ، وفي اللفظ الآخر:«فإن غُمَّ عليكم فأكملوا ثلاثين» ، «فعدوا ثلاثين» (2)، والمعنى واحد، فإذا غم هلال شعبان يكمّل ثلاثين، غُمّ هلال رمضان، يُكَّمل رمضان ثلاثين.
فالشهر إما تسعة وعشرون وإما ثلاثون، فإن رؤي الهلال في ثلاثين من شعبان صام الناس، وإن رؤي في الثلاثين من رمضان أفطر الناس، فإن لم يُرَ كمَّلوا شعبان ثلاثين وصاموا، وكمَّلوا رمضان ثلاثين وأفطروا.
(1) البخاري، كتاب الصوم، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم:«إذا رأيتم الهلال فصوموا» ، ومسلم، كتاب الصيام، باب فضل شهر رمضان، برقم 1080، ولفظ البخاري عن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، أَوْ قَالَ: قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ صلى الله عليه وسلم: «صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ، وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ، فَإِنْ غُبِّيَ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا عِدَّةَ شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ» .
(2)
هذه الروايات كلها في مسلم، برقم 1080، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 185.
والأحاديث في هذا كثيرة تدل على وجوب اعتماد الرؤية ولا يجوز اعتماد الحساب، ولا الصوم بمجرَّد التحري والظن، بل لا بد من الرؤية أو إكمال العدة، هكذا شرع اللَّه عز وجل، وقد أجمع علماء الإسلام على أنه لا يُعتمد الصيام بالحساب.
والحديث الثاني يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «تَسَحَّرُوا، فَإِنَّ فِي السَّحُورِ بَرَكَةً» (1). السَّحور: ما يؤكل في آخر الليل، يقال له: سَحور
[بالفتح]، والتسحُّر: سُحور - بالضم-: الفعل التسحُّر والأكل، وبالفتح طعام يؤكل يقال له سَحور، مثل الوَضُوء والوُضُوء، والطَّهُور والطُّهُور، فالطُّهور والوُضوء فعل، والوَضوء والطَّهور بالفتح الماء المعد للطهارة، يقال له: وَضُوء وطَهُور.
والسحور مشروع للمسلمين أن يتسحروا حتى يتقووا به على طاعة اللَّه، كان النبي صلى الله عليه وسلم يتسحر، كما قال زيد بن ثابت: «تسحرنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان، فقيل: كم كان بين الأذان والسحور؟ قال: قدر خمسين آية
…
» (2) كان سحوره متأخراً في آخر الليل عليه الصلاة والسلام، وهذا هو السنة: تأخير السحور حتى يكون أقوى للصائم على طاعة اللَّه، فيكون السحور قرب الأذان، يتحرى قبل الأذان بقليل؛ ولهذا قال
(1) رواه البخاري، برقم 1923، ومسلم، برقم 1095، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 186.
(2)
رواه البخاري، برقم 1921، ومسلم، برقم 1097، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 187.
زيد لما سُئل: «كم كان بين السحور والأذان؟ قال: قدر خمسين آية» . لما سأله أنس عن ذلك قال: قدر خمسين آية، خمسين آية متأنِّيَة مرتَّلة، نحو خمس دقائق، أو سبع دقائق إلى عشر دقائق.
والحاصل في هذا أن السُّنة تأخير السحور.
وفي الحديث الآخر: «لَا يَزَالُ النَّاس بِخَيْرٍ مَا عَجَّلُوا الْفِطْرَ، وَأَخَّرُوا السُّحُورَ» (1)، وفي صحيح مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:«فَصْلُ مَا بَيْنَ صِيَامِنَا وَصِيَامِ أَهْلِ الْكِتَابِ أَكْلَةُ السَّحَرِ» (2).
ولكن السحر فيه إقامة للسنة (3)، ومخالفة لأهل الكتاب، فالمسلمون يحرصون على السحور في آخر الليل، لا في وسط الليل، كما يفعل بعض الناس، بل السنة أن يتسحّر في آخر الليل، تأسياً بالنبي صلى الله عليه وسلم، وسيراً على منهجه، وعملاً بسنته، وهذا في النفل والفرض جميعاً.
(1) مسند أحمد، 35/ 241، برقم 21312، بلفظ:«لَا تَزَالُ أُمَّتِي بِخَيْرٍ مَا عَجَّلُوا الْإِفْطَارَ، وَأَخَّرُوا السُّحُورَ» ، وهو في الصحيحين دون الجملة الأخيرة، البخاري، كتاب الصوم، باب تعجيل الإفطار، برقم 1957، ومسلم، كتاب الصيام، باب فضل السحور، وتأكيد استحبابه، واستحباب تأخيره، وتعجيل الفطر، برقم 1098، وصحح محققو المسند إسناد رواية أحمد على شرط مسلم، 35/ 241، بينما ضعفها الشيخ الألباني في ضعيف الجامع، برقم 6213.
(2)
مسلم، كتاب الصيام، باب فضل السحور، وتأكيد استحبابه، واستحباب تأخيره، وتعجيل الفطر، برقم 1096.
(3)
في أصل كلام سماحة الشيخ رحمه الله: «ولكن في السحر فيه إقامة للسنة» .
188 -
(1) عن عائشةَ، وَأُمِّ سَلَمَةَ رضي الله عنهما، «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُدْرِكُهُ الْفَجْرُ وَهُوَ جُنُبٌ مِنْ أَهْلِهِ، ثُمَّ يَغْتَسِلُ وَيَصُومُ» (2).
189 -
عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم (3) قَالَ:«مَنْ نَسِيَ وَهُوَ صَائِمٌ فَأَكَلَ أَوْ شَرِبَ، فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ، فَإِنَّمَا أَطْعَمَهُ اللَّهُ وَسَقَاهُ» (4).
190 -
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: «بَيْنَمَا نَحْنُ جُلُوسٌ عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إذْ جَاءَهُ رَجُلٌ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّه، هَلَكْتُ، فقَالَ (5): «مَا لك؟» قَالَ: وَقَعْتُ عَلَى امْرَأَتِي في رَمَضَانَ، وَأَنَا صَائِمٌ ــ وَفِي رِوَايَةٍ: أَصَبْتُ أَهْلِي فِي رَمَضَانَ ــ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «هَلْ تَجِدُ رَقَبَةً تُعْتِقُهَا؟» قَالَ: لا، قَالَ:«فَهَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ؟» قَالَ: لا، قَالَ:«فَهَلْ تَجِدُ إطْعَامَ سِتِّينَ مِسْكِيناً؟» قَالَ: لا، قَالَ: فسكت (6) النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، فَبَيْنمَا (7) نَحْنُ عَلَى ذَلِكَ إذ أُتِيَ (8) النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِعَرَقٍ فِيهِ تَمْرٌ ــ وَالْعَرَقُ
(1) أول الوجه الأول من الشريط التاسع، سجّل في درس الشيخ في 29/ 5/ 1409هـ.
(2)
رواه البخاري، كتاب الصوم، باب الصائم يصبح جنباً، واللفظ له، برقم 1926، وبنحوه مسلم، كتاب الصيام، باب صحة صوم من طلع عليه الفجر وهو جنب، برقم 1109.
(3)
في نسخة الزهيري: «عن النبي صلى الله عليه وسلم» .
(4)
رواه البخاري، كتاب الصوم، باب الصائم إذا أكل أو شرب ناسياً، برقم 1933، ومسلم، كتاب الصيام، باب أكل الناسي وشربه وجماعه لا يفطر، برقم 1155، واللفظ له.
(5)
في نسخة الزهيري: «قال» .
(6)
في نسخة الزهيري: «فمكث» ، وهي في البخاري، برقم 1936.
(7)
في نسخة الزهيري: «فبينا» ، وهي في البخاري، برقم 1936.
(8)
في نسخة الزهيري: «أُتي» بدون «إذ» .
الْمِكْتَلُ ــ قَالَ: «أَيْنَ السَّائِلُ؟» قَالَ: أَنَا، قَالَ:«خُذْ هَذَا، فَتَصَدَّق بِهِ» . فَقَالَ (1):
عَلَى أَفْقَرَ مِنِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَوَاَللَّهِ مَا بَيْنَ لابَتَيْهَا ــ يُرِيدُ الْحَرَّتَيْنِ ــ أَهْلُ بَيْتٍ أَفْقَرُ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي، فَضَحِكَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم حَتَّى بَدَتْ أَنْيَابُهُ، ثُمَّ قَالَ:«أَطْعِمْهُ أَهْلَكَ» (2).
الحَرَّة: الأرض (3) تركبها حجارة سود.
49 -
قال الشارح رحمه الله:
حديث عائشة وما جاء في معناه عن أم سلمة رضي الله عنهما يدلان على أنه لا حرج على من أصبح جنباً أن يغتسل بعد الصبح، ويصوم، وأن المحرّم إنما هو الجماع (4).
إذا جامع في الليل، أو في آخر الليل، وأخّر الغسل إلى بعد طلوع الفجر؛ فلا حرج في ذلك، وقد كان النبي عليه الصلاة والسلام يفعله، يُصبح جنباً، ثم يغتسل، ويصوم عليه الصلاة والسلام، وفي رواية أم
(1) في نسخة الزهيري: «فقال الرجل» ، وهي في البخاري، برقم 1936 ..
(2)
رواه البخاري، كتاب الصوم، باب إذا جامع في رمضان فتصدق عليه، فليكفِّر، برقم 1936، وباب المجامع في رمضان هل يطعم؟، برقم 1937، ومسلم، كتاب الصيام، باب تغليظ تحريم الجماع في نهار رمضان على الصائم، ووجوب الكفارة الكبرى وبيانها، وأنها تجب على الموسر والمعسر، وتثبت في ذمة المعسر حتى يستطيع، برقم 1111، ورواية:«أصبت أهلي» ، برقم 87 - (1112).
(3)
في نسخة الزهيري: «أرض» .
(4)
أي بعد طلوع الفجر.
سلمة: «ولا يقضي» (1)، فدّل ذلك على أنه لا مانع من تأخير الغسل، قد يحتاج إلى الشغل في السحور أو غير ذلك، فإذا أخر الغسل فلا بأس، يغتسل ولو بعد طلوع الفجر، وصومه صحيح، وليس عليه قضاء، المُحرّم الجماع بعد طلوع الفجر، أما الغسل بعد طلوع الفجر فلا بأس.
وهكذا الحائض، إذا طهرت في آخر الليل، وصامت وانشغلت بالسحور، وأخرت الغسل إلى بعد طلوع الفجر، فلا حرج في ذلك، فترك الغسل لا يضرّ، لا من الحائض، ولا من النفساء، ولا من الجنب، وعليهم المبادرة بالغسل حتى يصلوا الصلاة في وقتها، فعلى الحائض، وعلى النفساء أن تبادر بالغسل بعد طلوع الفجر إذا رأت الطهارة في آخر الليل، تصوم رمضان، وتغتسل قبل طلوع الشمس، وهكذا الرجل الجنب يجب عليه أن يغتسل، ويبادر حتى يصلي مع الجماعة، ولا يضر التأخير إلى بعد الأذان بعد طلوع الفجر.
والحديث الثاني: حديث أبي هريرة رضي الله عنه يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «مَنْ نَسِيَ وَهُوَ صَائِمٌ فَأَكَلَ أَوْ شَرِبَ، فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ، فَإِنَّمَا أَطْعَمَهُ اللَّهُ وَسَقَاهُ» (2)، وهذا من فضل اللَّه عز وجل، فالإنسان يعتريه النسيان، كما قال
(1) مسلم، كتاب الصيام، باب صحة صوم من طلع عليه الفجر وهو جنب، برقم 76 - (1109).
(2)
رواه البخاري، برقم 1933، ومسلم، برقم 1155، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 190.
النبي صلى الله عليه وسلم: «إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ أَنْسَى كَمَا تَنْسَوْنَ» (1).
فالبشر من طبيعتهم النسيان، فإذا نسي وهو صائم في رمضان، أو في كفارة، أو في غيرهما، فأكل، أو شرب، أو تعاطى مفطراً آخر نسياناً، فصومه صحيح؛ لهذا الحديث الصحيح.
وفي رواية أخرى عند الحاكم: «مَنْ أَفْطَرَ في رَمَضَانَ نَاسِيًا، فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ، وَلَا كَفَّارَةَ» (2)، فلو جامع ناسياً، أو أكل ناسياً، أو شرب ناسياً؛ فإن صومه صحيح، ولا كفارة عليه، ولا عتق عليه، ولا قضاء عليه إذا كان ناسياً، واللَّه أعلم بالحقائق، فاللَّه يعلم بالحقيقة، واللَّه يعامل هذا على ما هو عليه من صدق أو كذب، لكن إن كان الإنسان صادقاً في أنه ناسٍ، فلا قضاء عليه، فصومه صحيح، أما إذا كان يكذب، فهذا أمره إلى اللَّه، لا تنفعه الفُتيا، ولو أفتاه رجل، إذا كان كاذباً، فعليه إثم ما فعله، لكن ما دام صادقاً في أنه ناسٍ؛ فإن صومه صحيح.
والإنسان يُبتلى بالنسيان وهو معذور حتى في الصلاة التي هي أعظم الواجبات فقد ينسى، وقد يُسلم عن نقص، وقد يترك بعض الأركان، فيعمل ما شرعه اللَّه تعالى في الصلاة، إذا نسي ركعة أتى بركعة أخرى، وكمل صلاته بسجود السهو، إذا نسي ركناً أتى به،
(1) رواه مسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب السهو في الصلاة والسجود له، برقم 572.
(2)
المستدرك، 1/ 430، والبيهقي في السنن الكبرى، 4/ 229، وابن حبان، 8/ 288، وحسنه الألباني في إرواء الغليل، 4/ 87.
وإذا نسي واجباً سقط عنه، وسجد للسهو، فهكذا في الصوم، فالأمر ليس بخيار الإنسان، فإنه مخلوق على هذه الصفة ينسى، وقد نسي النبي صلى الله عليه وسلم، وهو أفضل الخلق، وسها في الصلاة، عليه الصلاة والسلام، وهكذا بنو آدم، يُبتلون بالنسيان في الصلاة وغيرها، وقد بين الرسول صلى الله عليه وسلم أحكام النسيان في الصلاة، وهكذا في الصوم، أخبر صلى الله عليه وسلم أنه لا يضرّه أكله وشربه ناسياً، وهكذا جماعه، وهكذا حجامته، وكل ما مرّ من المفطرات، إذا فعله ناسياً، ولم ينتبه إلا بعد ذلك، فصومه صحيح، وهكذا لو جامع عامداً عليه كفارة؛ ولهذا لما جاءه الرجل وقال: يا رسول اللَّه هلكت. قال: «ما أهلكك؟» قال: وقعت على امرأتي وأنا صائم، فيعد هذا عامداً، حمله الهوى، والشيطان حتى وقع عليها، فأخبره النبي صلى الله عليه وسلم أن عليه الكفارة، وهي عتق رقبة مؤمنة، فإن عجز صام شهرين متتابعين، فإن عجز أطعم ستين مسكيناً كالظهار، كالذي يظاهر من امرأته يُحرّمها، عليه كفارة مرتبة: العتق، ثم الصيام، ثم الإطعام، حسب طاقته، فإن استطاع العتق، وجب عليه العتق، عتق رقبة مؤمنة، ذكراً، أو أثنى، فإن لم يستطع صام شهرين متتابعين، وهي مثله إذا كانت مطاوعة، مثله عليها الكفارة، أما إذا كانت مقهورة بالقوة، ليس لها اختيار، وليست موافقة فهي معذورة، فإن عجز يطعم ستين مسكيناً.
وفي هذا الحديث أن هذا الرجل قال له النبي صلى الله عليه وسلم: هل تجد كذا؟ هل تجد كذا؟ قال: لا أستطيع. حتى قال له: «أطعم ستين مسكيناً» .
قال: لا أستطيع، فجلس، وسكت النبي صلى الله عليه وسلم، ثم جيء للنبي صلى الله عليه وسلم بِعَرَقٍ من تمر، ودفعه له، وقال:«أطعم بهذا، تصدق بهذا» . فقال الرجل: يا رسول اللَّه، واللَّه ما بين لابتيها أي (المدينة) أهل بيت أفقر من أهل بيتي، يعني أني أولى بهذا الطعام، فضحك النبي صلى الله عليه وسلم تعجباً من أمره في كونه يستفتي عن كفارته، ثم طمع فيها لنفسه لحاجته، ثم قال له:«اذهب فأطعمه أهلك» ، هذا يدل على أن الإنسان مصدَّق في عجزه، وأنه أعلم بنفسه، قد لا يستطيع الصوم، ولا يستطيع العتق، لا يستطيع الإطعام، هو أعلم بنفسه، اللَّه يحاسبه على ما كذب فيه، ويدل على أنه إذا عجز عن الإطعام، والصيام، والعتق في الوطء في رمضان (1) يسقط عنه؛ فإن الرسول صلى الله عليه وسلم ما قال له: إذا قدرت، وإذا أيسرت فكفِّر، بل قال:«اذهب فأطعمه أهلك» ، وسكت عنه، فدل على سقوطه عنه، وأنه إذا عجز عن هذه الكفارة، سقطت عنه رحمةً من اللَّه.
أما في الظهار، فلا تسقط عنه، بل تبقى في ذمته حتى يستطيع واحداً من ثلاثة: العتق، أو الصيام، أو الإطعام؛ حسب التيسير، أما في هذا، فقد بيَّن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لا تلزمه في هذه، قال:«أطعمه أهلك» ، وأهل الإنسان [ليسوا](2) مصرفاً للكفارات، فدل على سقوطها عنه لعجزه.
(1) أي في نهار رمضان.
(2)
في الأصل المسجل: «ما هم» .