الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
في وقته، هذا هو الذي فعله الصحابة بأمر النبي صلى الله عليه وسلم، والنبي حج قارناً؛ لأن معه الهدي، فمن كان معه الهدي شُرع له أن يفعل ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم من البقاء على إحرامه، ويطوف، ويسعى، ويبقى على إحرامه حتى يحل يوم النحر، ومن لم يكن معه هدي، فالسنة أن يفعل كما فعل الصحابة يطوف، ويسعى، ويقصّر، ويتحلّل، ولو كان سمّى حجاً يجعلها عمرة، فإذا طاف، وسعى، وقصّر تحلّل، وصارت عمرة شرعية، وعليه الهدي، إن قَدِر، فإن لم يستطع صام عشرة أيام، كما في حديث ابن عمر ثلاثة في الحج، وسبعة إذا رجع إلى أهله، ثلاثة في الحج أي قبل يوم عرفة، وسبعة إذا رجع إلى أهله، فهذه هي السُّنة كما قال جل وعلا:{فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ} (1)، هذا هو السُّنة، وإن صام الثلاثة في أيام النحر أجزأه، خاصة للمُهدي [أي: من عليه هدي] إذا عجز عن الهدي، صام أيام النحر، جازت له خاصة، دون بقية الناس، ولكن الأفضل أن يقدمها على عرفة، ويصومها قبل الحج، ثم السبعة عند أهله إذا رجع، تيسيراً من اللَّه، وتسهيلاً منه سبحانه وتعالى.
44 - باب الهدي
240 -
عن عائشة رضي الله عنها قالت: «فَتَلْتُ قَلائِدَ هَدْيِ النبي صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ
(1) سورة البقرة، الآية:96.
أَشْعَرَهَا وَقَلَّدَهَا ــ أَوْ قَلَّدْتُهَا ــ ثُمَّ بَعَثَ بِهَا إلَى الْبَيْتِ، وَأَقَامَ بِالْمَدِينَةِ، فَمَا حَرُمَ عَلَيْهِ شَيْءٌ كَانَ لَهُ حِلاًّ» (1).
241 -
عن عائشة رضي الله عنها قالت: «أَهْدَى النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم مَرَّةً غَنَماً» (2).
242 -
عن أبي هريرة رضي الله عنه: «أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَأَى رَجُلاً يَسُوقُ بَدَنَةً، فَقَالَ (3): «ارْكَبْهَا «قَالَ: إنَّهَا بَدَنَةٌ؟ قَالَ: «ارْكَبْهَا» ، فَرَأَيْتُهُ (4) رَاكِبَهَا، يُسَايِرُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم والنَّعلُ في عنقها (5)» (6).
وفي لفظٍ قال في الثَّانِيَةِ، أَوِ الثَّالِثَةِ:«ارْكَبْهَا، وَيْلَكَ، أَوْ وَيْحَكَ» (7).
(1) رواه البخاري، كتاب الحج، باب إشعار البدن، برقم 1699، وفيه:«فما حَرُم عليه شيء كان له حلٌّ» ، ومسلم، كتاب الحج، باب استحباب بعث الهدي إلى الحرم لمن لا يريد الذهاب بنفسه، واستحباب تقليده، وفتل القلائد، وأن باعثه لا يصير محرماً، ولا يحرم عليه شيء بسبب ذلك، برقم 362 - (1321)، وفيه:«فما حَرُمَ عليه شيء كان له حِلاًّ» .
(2)
رواه البخاري، كتاب الحج، باب تقليد الغنم، برقم 1701، ومسلم، كتاب الحج، باب استحباب بعث الهدي إلى الحرم لمن لا يريد الذهاب بنفسه، واستحباب تقليده، وفتل القلائد، وأن باعثه لا يصير محرماً، ولا يحرم عليه شيء بسبب ذلك، برقم 367 - (1321).
(3)
في نسخة الزهيري: «قال» ، وهي في البخاري، برقم 1706، ولفظ المتن:«فقال» في صحيح مسلم، برقم 1322.
(4)
في نسخة الزهيري: «قال: فرأيته راكبها» .
(5)
«والنعل في عنقها» : ليست في نسخة الزهيري، وهي في البخاري، برقم 1706.
(6)
رواه البخاري، كتاب الحج، باب تقليد النعل، برقم 1706، ومسلم، كتاب الحج، باب جواز ركوب البدنة المهداة لمن احتاج إليها، برقم 371 - (1322).
(7)
رواه البخاري، كتاب الوصايا، باب هل ينتفع الواقف بوقفه، برقم 2755، ومسلم، كتاب الحج، باب جواز ركوب البدنة المهداة لمن احتاج إليها، برقم 1322، ولفظ: «
…
أو ويحك» عند البخاري، برقم 2754، فحسب.
243 -
عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: «أَمَرَنِي النبيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ أَقُومَ عَلَى بُدْنِهِ، وَأَنْ أَتَصَدَّقَ بِلَحْمِهَا، وَجُلُودِهَا، وَأَجِلَّتِهَا، وَأَنْ لا أُعْطِيَ الْجَزَّارَ مِنْهَا شَيْئًا، وَقَالَ: «نَحْنُ نُعْطِيهِ مِنْ عِنْدِنَا» (1).
244 -
عن زياد بن جُبير قال: «رَأَيْتُ ابْنَ عُمَرَ قد أَتَى عَلَى رَجُلٍ قَدْ أَنَاخَ بَدَنَتَهُ يَنَحَرُهَا (2)، فَقَالَ: ابْعَثْهَا قِيَاماً مُقَيَّدَةً، سُنَّةَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم» (3).
64 -
قال الشارح رحمه الله:
هذه الأحاديث الخمسة كلها تتعلق بالهدي، وهو ما يُهدى إلى مكة من الهدي، تقرباً إلى اللَّه عز وجل، ليذبح هناك في الحرم.
والهدي إلى مكة سُنة وقربة، وقد أهدى النبي صلى الله عليه وسلم غنماً، وأهدى إبلاً، فالسُّنة ذبحها هناك، يعني في الحرم تقرباً إلى الله عز وجل، وتوزَّع بين الفقراء والمساكين: مساكين الحرم، وهذا الهدي سُنة وقُربة وطاعة، أما الهدي الذي يجب بالتمتع، والقران، أو بشيء من ترك الواجبات، أو فعل المحرمات، فيُسمَّى هدي واجب، ويُسمَّى فدية أيضاً، أما هذا الهدي الذي ذكرت عائشة، وذكر علي وغيره، هذا الهدي الذي يتطوع به المؤمن من بلاده، أو يشتريه من الطريق ويهديه إلى هناك هدياً بالغ
(1) رواه البخاري، كتاب الحج، باب يتصدق بجلود الهدي، برقم 1717، ومسلم، كتاب الحج، باب في الصدقة بلحوم الهدي وجلودها وجلالها، برقم 1317، واللفظ له.
(2)
في نسخة الزهيري: «فنحرها» ، والذي في المتن هو لفظ البخاري، برقم 1713.
(3)
رواه البخاري، كتاب الحج، باب نحر الإبل مقيدة، برقم 1713، واللفظ له، ومسلم، كتاب الحج، باب نحر البدن قياماً مقيدة، برقم 1320.
الكعبة يتقرب به إلى الله عز وجل.
تقول عائشة رضي الله عنها: «إنها فتلت قلائد هدي الرسول صلى الله عليه وسلم بيديها، ثم أشعرها» ، وتقول:«إنه أهدى مرة غنماً» ، هذا يدلّ على أنه يُشرع الهدي من الغنم، والإبل، والبقر، كله قربة، وكله طاعة، وأن السُّنّة أن تُقلّد بقلائد تُعرف، وتُشعر الإبل، والإشعار هو أن تجرح في سنامها جرحاً يُبين أنها هدي، حتى لو عطبت، أو ضلت يُعرف أنها هدي، وهذا في الإبل خاصة.
والقلائد كونها تقلّد بقلادة يعرف أنها هدي، بقلادة معروفة: نعل، أو من النعل، شيء يعرف أنه هدي، شيء تعارف الناس فيه أنه يجعل على الهدي، حتى إذا ضلّ أو عطب ينحر ويؤكل.
وفيه أن المهدي لا يَحرُمُ عليه شيء كان له حلالاً، وفي هذا قالت: فما حرم عليه شيء كان له حلالاً عليه الصلاة والسلام، فإذا أهدى فله أن يأتي أهله، وله أن يقلّم أظفاره، وله أن يحلق شعره، لا بأس عليه، أما المُضحِّي إذا أراد أن يُضحِّي مع دخول شهر ذي الحجة، فإنه لا يأخذ من شعره، ولا من أظفاره شيئاً، هذا للمضحي خاصة، الذي يسوق المال من ماله، يبذل المال، ويشتري الضحية يتطوع بها، هذا لا يأخذ من شعره، ولا من أظفاره شيئاً، أما زوجته، وأهله، فليس عليهم بأس من ذلك، هو الذي أخرج المال من ماله، وأراد أن يضحي إذا دخل الشهر شهر ذي الحجة، فلا يأخذ شيئاً حتى
يضحي، أما إن كان وكيلاً على أن يذبح ضحايا سبالة (1)، فليس بمضحٍ، ما عليه شيء، له أن يأخذ من شعره؛ لأنه ليس بمضحٍ، وإنما هو وكيل.
كذلك حديث البدنة، ركوب البدنة لا بأس للإنسان إذا أهدى بدنة له أن يركبها عند الحاجة إذا احتاج إليها له أن يركب ركوباً لا يضرها، وله أن يضع عليها الشيء الخفيف الذي لا يضرها، لا بأس بذلك؛ ولهذا قال له النبي:«اركبها ويلك، أو ويحك» ، فإذا احتاج إليها لا يمشي على الأرض، يركبها حتى يصل، ركوباً لا يضرها.
كذلك حديث علي فيه أن الهدي يُقسَّم كله: لحومه، وجلوده، وأجِلَّته (2)، ولهذا قسم علي هدي النبي صلى الله عليه وسلم، قسم: لحمها، وجلودها، وأجلتها، والجلال إذا كان نواه المهدي أنه هدي يقسم، وإن كان ما نواه إنما أراد تجليلها به ثم أخذه، فله نيَّته، فإذا نوى أنه هدي، فإنه يوزع على الفقراء مع جلدها، أو مع لحمها، أما إذا ما نواه هدي، وإنما جعله مؤقتاً حتى تصل البلد، أو حتى تنحر، فله نيته، وهذا التقسيم واجب؛ لأنها للفقراء والمساكين، فتقسم عليهم في الحرم:
(1) السبالة: «في حديث وقف عمر: «احبس أصلها، وسبّل ثمرتها» أي اجعلها وقفاً، وأبح ثمرتها لمن وقفتها عليها، سبلت الشيء: إذا أبحته، كأنك جعلت إليه طريقاً مطروقة. انظر: النهاية في غريب الحديث والأثر، 2/ 339.
(2)
الأجلّة: الأغطية التي تغطى بها الإبل المهداة، قال النووي في شرح النووي على مسلم، 9/ 66:«كان [ابن عمر] يجلِّل الجلال المرتفعة من الأنماط، والبرود، والحِبَر، قال: وكان لا يُجلِّل حتى يغدو من منى إلى عرفات، قال: وروي عنه أنه كان يجلِّل من ذي الحليفة، وكان يعقد أطراف الجلال على أذنابها، فإذا مشى ليلة نزعها، فإذا كان يوم عرفة جلَّلها» .