المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌6 - باب التيمم - الإفهام في شرح عمدة الأحكام

[ابن باز]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة المحقق

- ‌وكان عملي على النحو الآتي:

- ‌نبذة عن حياة مؤلف العمدة: الإمام عبد الغني بن عبد الواحد المقدسي

- ‌أولاً: نسبه، ومولده، ونشأته، ومكانته العلمية:

- ‌ثانياً: عبادته وتضرعه، وأوقاته:

- ‌ثالثاً: شيوخه:

- ‌رابعاً: تلامذته:

- ‌خامساً: أقوال العلماء فيه:

- ‌سادساً: أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر:

- ‌سابعاً: جوده وكرمه:

- ‌ثامناً: تصانيفه:

- ‌تاسعاً: وفاته:

- ‌نبذة عن حياة الشارح الإمام عبد العزيز بن عبد الله بن باز

- ‌أولاً: ما قال سماحته عن نفسه

- ‌ثانياً: أوصافه الخَلْقية

- ‌ثالثاً: صفاته الخُلُقية:

- ‌رابعاً: دروسه العلمية في مدينة الرياض

- ‌خامساً: زوجات سماحة الشيخ:

- ‌سادساً: أولاده:

- ‌ثامناً: الجنازة وأصداء الوفاة

- ‌تاسعاً: مشاهد نادرة من جنازة الشيخ

- ‌مقدمة المؤلف

- ‌1 - كتاب الطهارة

- ‌1 - بابُ دخولِ الخلاءِ والاستطابةِ

- ‌2 - بابُ السواكِ

- ‌3 - بابُ المسحِ على الخفينِ

- ‌4 - بابٌ في المذيِ وغيرِهِ

- ‌5 - بابُ الغسل من الجنابةِ

- ‌6 - باب التَّيَمُّمِ

- ‌7 - بابُ الحيضِ

- ‌2 - كتاب الصلاة

- ‌8 - بابُ المواقيتِ

- ‌9 - باب فضلِ صلاة الجماعة ووجوبها

- ‌10 - بابُ الأَذانِ

- ‌11 - باب استقبالِ القبلة

- ‌12 - بابُ الصُّفوفِ

- ‌13 - بابُ الإِمامةِ

- ‌14 - بابُ صفةِ صلاةِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم

- ‌15 - باب وجوب الطمأنينة في الركوع والسجود

- ‌16 - باب القراءة في الصلاة

- ‌17 - بابُ تركِ الجَهرِ ببسمِ اللَّه الرَّحمنِ الرَّحيمِ

- ‌18 - بابُ سجودِ السَّهو

- ‌19 - بابُ المرورِ بينَ يديِ المصلي

- ‌20 - بابٌ جامعٌ

- ‌21 - بابُ التَّشهدِ

- ‌24 - باب الجمع بين الصلاتين في السفر

- ‌25 - باب قصر الصلاة في السفر

- ‌26 - باب الجمعة

- ‌27 - باب العيدين

- ‌28 - باب صلاة الكسوف

- ‌29 - باب صلاة الاستسقاء

- ‌30 - باب صلاة الخوف

- ‌31 - باب الجنائز

- ‌3 - كتاب الزكاة

- ‌32 - باب صدقة الفطر

- ‌4 - كتاب الصِّيَامِ

- ‌33 - باب الصوم في السفر وغيره

- ‌34 - باب أفضل الصيام وغيره

- ‌35 - باب ليلة القَدر

- ‌36 - باب الاعتكاف

- ‌5 - كتاب الحَجِّ

- ‌37 - باب المواقيت

- ‌38 - باب ما يلبس المُحرِم من الثياب

- ‌39 - باب الفدية

- ‌40 - باب حُرمة مكة

- ‌41 - باب ما يجوز قتله

- ‌42 - باب دخول مكة وغيره

- ‌43 - باب التمتُّع

- ‌44 - باب الهدي

- ‌45 - باب الغسل للمحرم

- ‌46 - باب فسخ الحج إِلى العمرة

- ‌47 - باب المحرم يأكل من صيد الحلال

- ‌6 - كتاب البيوع

- ‌48 - باب ما يُنهى عنه من البيوع

- ‌49 - باب العرايا وغير ذلك

- ‌50 - باب السَّلَم

- ‌51 - باب الشروط في البيع

- ‌52 - باب الربا والصَّرف

- ‌53 - باب الرهن وغيره

- ‌54 - بابُ اللُّقَطة

- ‌7 - كتاب الوصَايا

- ‌8 - كتاب الفرائض

- ‌9 - كتاب النكاح

- ‌55 - باب الصداق

- ‌10 - كتاب الطلاق

- ‌56 - باب العِدَّة

- ‌11 - كتاب اللعان

- ‌12 - كتاب الرضَاع

- ‌13 - كتاب القِصَاص

- ‌14 - [كتاب الحدُود

- ‌57 - باب حدِّ السرقة

- ‌58 - باب حدِّ الخمر

- ‌15 - كتاب الأيمان والنذور

- ‌59 - باب النذر

- ‌60 - باب الْقَضاء

- ‌16 - كتاب الأطعمة

- ‌61 - باب الصيد

- ‌62 - باب الأضاحي

- ‌17 - كتاب الأشربة

- ‌18 - كتاب اِللِّبَاس

- ‌19 - كتاب الجِهاد

- ‌20 - كتاب العتق

- ‌63 - باب بيع المدبَّر

- ‌الفهارس العامة

- ‌1 - فهرس الآيات القرآنية

- ‌2 - فهرس الأحاديث النبوية والآثار

- ‌3 - فهرس الألفاظ الغريبة

- ‌4 - فهرس الأشعار

- ‌5 - فهرس مصادر ومراجع التحقيق

الفصل: ‌6 - باب التيمم

الثَّوْبِ الْوَاحِدِ لَيْسَ عَلَى عَاتِقَيْهِ شَيْءٌ» (1)،

فالواجب أنه يصلي في إزار ورداء أو في إزار يخالف بين طرفيه، أطرافه على عاتقيه كما أمر به النبي عليه الصلاة والسلام، إلا إذا كان عاجزاً، ما عنده إزار، قاصر لا يصل إلى عاتقيه، أو ما عنده إلا سراويل صلى فيها والحمد للَّه، {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} ، لكن إذا كان عنده سعة فالسنة أن يكون على عاتقيه شيء رداء، أو يلبس قميصاً على إزار، هذا هو الواجب، إذا كان عنده قدرة، وجب عليه أن يلبس رداء، أو يلبس قميصاً، أو يلبس شيئاً مما يستر عاتقيه كالفنيلة، وما أشبهها، الفنيلة الساترة لعاتقيه، وما أشبه ذلك، أو أحدهما، فبهذا يحصل المقصود، لكونها على العاتقين جميعاً: كالرداء، أو الفنيلة الساترة للمنكبين، يكون هذا هو الواجب عند القدرة.

‌6 - باب التَّيَمُّمِ

40 -

عن عمران بن حصين رضي الله عنه: «أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم رَأَى رَجُلاً مُعْتَزلاً لَمْ يُصَلِّ فِي الْقَوْمِ؟ فَقَالَ: «يَا فُلانُ، مَا مَنَعَكَ أَنْ تُصَلِّيَ فِي الْقَوْمِ؟» فَقَالَ: يَا رَسُولَ، اللَّهِ أَصَابَتْنِي جَنَابَةٌ، وَلا مَاءَ، فَقَالَ (2):«عَلَيْك بِالصَّعِيدِ، فَإِنَّهُ يَكْفِيَكَ» (3).

(1) أخرجه، البخاري، كتاب الصلاة، باب إذا صلى في الثوب الواحد فليجعل على عاتقيه، برقم 359، مسلم، كتاب الصلاة، باب الصلاة في ثوب واحد وصفة لبسه، برقم 516 ..

(2)

في نسخة الزهيري: «قال» .

(3)

رواه البخاري، كتاب التيمم، باب: برقم 348، واللفظ له، ومسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب قضاء الصلاة الفائتة واستحباب تعجيل قضائها، برقم 682.

ص: 124

41 -

عن عمار بن ياسر رضي الله عنهما قال: «بَعَثَنِي النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي حَاجَةٍ. فَأَجْنَبْتُ. فَلَمْ أَجِدِ المَاءَ، فَتَمَرَّغْتُ فِي الصَّعِيدِ، كَمَا تَمَرَّغُ (1) الدَّابَّةُ، ثُمَّ أَتَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ. فَقَالَ: «إنَّمَا كان يَكْفِيَكَ أَنْ تَقُولَ بِيَدَيْكَ هَكَذَا» ــ ثُمَّ ضَرَبَ بِيَدَيْهِ الأَرْضَ ضَرْبَةً وَاحِدَةً، ثُمَّ مَسَحَ الشِّمَالَ عَلَى الْيَمِينِ، وَظَاهِرَ كَفَّيْهِ وَوَجْهَهُ» (2).

42 -

عن جابر بن عبد اللَّه الأنصاري (3) رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أُعْطِيتُ خَمْساً، لَمْ يُعْطَهُنَّ أَحَدٌ مِنَ الأَنْبِيَاءِ قَبْلِي: نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ، وَجُعِلَتْ لِي الأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا. فَأَيُّمَا رَجُلٍ مِنِ أُمَّتِي أَدْرَكَتْهُ الصَّلاةُ فَلْيُصَلِّ، وَأُحِلَّتْ لِي الْمَغَانِمُ (4)، وَلَمْ تَحِلَّ لأَحَدٍ قَبْلِي، وَأُعْطِيتُ الشَّفَاعَةَ، وَكَانَ النَّبِيُّ يُبْعَثُ إلَى قَوْمِهِ خَاصَّةً (5)، وَبُعِثْتُ إلَى النَّاسِ عَامَّةً» (6).

(1) في نسخة الزهيري: «تتمرغ» ، ولفظ البخاري، برقم 347 موافق لما في المتن.

(2)

رواه البخاري، كتاب التيمم، باب التيمم ضربة، برقم 347، ومسلم، كتاب الحيض، باب التيمم، برقم 368، واللفظ له.

(3)

«الأنصاري» : ليست في نسخة الزهيري، وهي في صحيح مسلم، برقم 3 - (521).

(4)

في نسخة الزهيري: «الغنائم» ، والذي في صحيح البخاري، برقم 335:«المغانم» ، وفي صحيح رقم 438:«الغنائم» .

(5)

«خاصة» ليست في نسخة الزهيري، وهي في صحيح البخاري، برقم 335.

(6)

رواه البخاري، كتاب التيمم، باب، برقم 335، وكتاب الصلاة، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم:«جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً» ، برقم 438، واللفظ من الموضعين، ومسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، برقم 521، وفيه:«وبعثت إلى كل أحمر وأسود» .

ص: 125

12 -

قال الشارح رحمه الله:

هذه الأحاديث الثلاثة تتعلق بالتيمم، والتيمم رحمة من اللَّه لعباده، وتيسيرٌ عليهم، إذا فقدوا الماء، أو عجزوا عن استعماله أن يستعملوا التيمم، والتيمم مصدر تيمم يتيمم تيمماً، وهو قصد الصعيد، يعني وجه الأرض بضربه بيديه على وجه الأرض، يعني بكفيه ثم يمسح بهما وجهه وكفيه بدلاً من الوضوء بالماء، عند فقد الماء، أو عند العجز عن الماء لمرض ونحوه. فإنه يضرب التراب بيديه بكفيه، ويقول: بسم اللَّه، ثم يمسح بهما وجهه وكفيه، ويقوم هذا مقام الماء، ويكون طهوراً.

كما في الحديث الآخر يقول صلى الله عليه وسلم: «الصَّعِيدُ وُضُوءُ اَلْمُسْلِمِ، وَإِنْ لَمْ يَجِدِ اَلْمَاءَ عَشْرَ سِنِينَ» (1)، وهو يقوم مقام الماء في رفع الحدث، وفي جواز الصلاة به، والطواف، ومس المصحف، ونحو ذلك: كالماء، هذا هو الصواب.

قال بعض أهل العلم: إنه مبيح لا رافع، والصواب أنه يرفع الحدث إلى وجود الماء، أو إلى انتقاض الطهارة بما ينقض الوضوء.

(1) أخرجه البزار، 17/ 309، قال الهيثمي في مجمع الزوائد، 1/ 261:«رجاله رجال الصحيح» ، وصحح إسناده الشيخ الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة، 7/ 24، وبنحوه عن أبي ذر رضي الله عنه، سنن أبي داود، كتاب الطهارة، باب الجنب يتيمم، برقم 332.

ص: 126

الحديث الأول: حديث عمران بن حصين بن عبيد الخزاعي رضي الله عنه وعن أبيه، أن النبي صلى الله عليه وسلم في السفر رأى رجلاً معتزلاً لم يصل مع القوم، فقال:«ما منعك يا فلان؟» قال: يا رسول اللَّه أصابتني جنابة ولا ماء، يعني عليَّ جنابة ولا وجدت ماء، فلهذا تأخرت عن الصلاة مع الناس. فقال له المصطفى عليه الصلاة والسلام:««عَلَيْك بِالصَّعِيدِ، فَإِنَّهُ يَكْفِيَكَ» (1)، عليك بالتيمم: قصد الصعيد، والصعيد: وجه الأرض، فإنه يكفيك، يعني يقوم مقام الماء عند فقد الماء، وهذا من رحمة اللَّه، وتيسيره جل وعلا، ودل على هذا قوله تعالى:{فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ} (2).

والصعيد يشمل: التراب، والرمل، والحصى، والنورة، وجميع وجه الأرض، لكن إذا تيسر التراب فهو مُقدم للحديث الصحيح:«وَجُعِلَ التُّرَابُ لِي طَهُورًا» (3) إذا تيسر التراب يتيمم من التراب، وإن لم يتيسر، وصار في أرض فيها رمل، أو أرض صفا ما فيها رمل، ولا شيء يتيمم من وجه الأرض، يضرب وجه الأرض ويكفي.

وفي حديث عمار الدلالة على أنه يكفي أن يضرب التراب بيديه،

(1) رواه البخاري، برقم 348، ومسلم، برقم 682، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 40.

(2)

سور المائدة، الآية:6.

(3)

رواه الإمام أحمد، 2/ 156، برقم 763، وابن أبي شيبة في المصنف، 11/ 434، برقم 32304، والضياء المقدسي في الأحاديث المختارة، 1/ 384، وحسن إسناده محققو المسند، 2/ 156، والشيخ الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة، 18/ 44.

ص: 127

ويمسح وجهه وكفيه، وكان عمار رضي الله عنه لما أصابته جنابة تمرَّغ في الصعيد كما تمرَّغ الدابة، ظناً منه أن التيمم عن الجنابة مثل الغسل، يعني يعم البدن كله، قاس هذا على هذا، فلما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بما فعل، قال:«إنَّمَا كَانَ يَكْفِيَكَ أَنْ تَقُولَ بِيَدَيْكَ هَكَذَا» (1) ، ثم ضرب بهما التراب، ومسح بهما وجهه وكفيه، يكفي هذا، ولا حاجة إلى أن يتمرغ في الأرض أو يمسح ذراعيه أو قدميه، لا حاجة إلى هذا. الوجه والكفان يكفيان (2)؛ ولهذا قال:«إنَّمَا يَكْفِيَكَ أَنْ تَقُولَ بِيَدَيْكَ هَكَذَا» . ثم ضرب بيديه الأرض، ومسح بهما وجهه وكفيه، وهذا معنى ما دل عليه القرآن؛ لقوله تعالى:{فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ} (3)، واليد إذا أطلقت المراد بها الكف من مفصل الكف إلى أطراف الأصابع، هذه اليد عند الإطلاق كما في قوله جل وعلا:{وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا} (4)، والمقطوع هو الكف، ما يقطع الذراع ولا العضد، اليد التي تقطع من أطراف الأصابع إلى الكف، يعني مفصل الكف من الذراع، فهكذا في التيمم يمسح الكفين، أما في الوضوء فإلى المرافق، يغسل الذراعين إلى المرافق؛ ولهذا قال: {وَأَيْدِيَكُمْ

(1) رواه البخاري، برقم 347، ومسلم، برقم 368، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 41.

(2)

والمعنى: مسح الوجه والكفين يكفيان.

(3)

سور المائدة، الآية:6.

(4)

سورة المائدة، الآية:38.

ص: 128

إِلَى الْمَرَافِقِ} يعني في الوضوء، أما في التيمم فإنه يكفيه الكفان.

وما ورد عن بعض الصحابة أنهم مسحوا الذراعين، وبعضهم مسح العضدين إلى الآباط، هذا قياساً منهم على الماء، وبعضهم اجتهاداً منه، وجاءت الشريعة تبين الحكم الشرعي، وأنه ليس هناك مسح على الذراعين ولا على العضدين، إنما المسح يكون في الكفين في التيمم، كما أوضح النبي صلى الله عليه وسلم بفعله وبقوله في حديث عمار.

والحديث الثالث حديث جابر الأنصاري رضي الله عنه وعن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال «أُعطيت خمساً» يعني خمس خصال «لم يعطهن أحد قبلي» أي من الأنبياء، هذه الخمس من خصائصه عليه الصلاة والسلام ، وله خصائص كثيرة عليه الصلاة والسلام، وهذه الخمس هي:

الأولى منها: «نصرت بالرعب مسيرة شهر» نصره اللَّه بالرعب منه مسيرة شهر، يعني اللَّه يُنزِلُ في قلوب العدو الرعب منه مسيرة شهر، وهم عنه مسيرة شهر، وهكذا يحصل لمن اتبعه، واستقام على دينه، ينصرهم اللَّه بقوته، وبالرعب مسافة شهر؛ لأن من اتبعه أعطاه اللَّه هذا الخير، وهذه منحة عظيمة في إنزال الرعب في قلوب الأعداء مسافة شهر.

الثانية: «جُعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً، فأيما رجل أدركته الصلاة فليصل» فاللَّه جعل له الأرض مسجداً وطهوراً، كان الأولون إذا حضرت الصلاة وليسوا في مساجدهم أو في بِيَعِهِم أخروها حتى يأتوا إلى موضع الصلاة عندهم من البيع والصوامع

ص: 129

والمساجد، فاللَّه وسّع لهذه الأمة، ويسّر لها، فجعل الأرض كلها مسجداً لها، والحمد للَّه إذا كان في السفر، أو في أي مكان بعيداً عن المسجد، صلى في أي مكان، والحمد للَّه. ولهذا قال:«وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً، فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل» ، وفي اللفظ الآخر:«فعنده مسجده وطهوره» مسجده الأرض، وطهوره التراب، وهذا من تيسير اللَّه ورحمته سبحانه وتعالى.

الثالثة: «أُحلت لي المغانم، ولم تحل لأحدٍ قبلي» المغانم حلال لهذه الأمة، وهي المال المأخوذ من الكفار إذا استولى المسلمون على الكفار، فإن المغانم التي هي أموالهم حل للمسلمين، يُنزع منها الخمس لبيت المال وأربعة أخماس تقسم بين الغانمين، يعني الجنود، للراجل سهم، وللفارس ثلاثة أسهم إذا كان عنده فرس، إذا كان في القتال خيل، والفارس يعطى ثلاثة أسهم، سهم له، وسهمان لفرسه، والراجل يعطى سهماً واحداً، وهكذا صاحب المطية (1) يعطى سهماً واحداً.

كان الأولون إذا فرغوا من القتال وسلمت مغانمهم تأتي نار فتأكل المغانم إذا قُبِلَتْ.

أما هذه الأمة فرحمها اللَّه، وأحل لها المغانم، فضلاً منه وإحساناً سبحانه وتعالى، ولهذا قال «ولم تحل لأحد قبلي»

(1) يعني صاحب البعير، أو الناقة.

ص: 130

- عليه الصلاة والسلام.

الرابعة: «أُعطيت الشفاعة» أعطاه اللَّه الشفاعة، وهي الشفاعة العظمى لأهل الموقف يوم القيامة، يشفع فيهم حتى يقضى بينهم. هذه من خصائصه عليه الصلاة والسلام ، ليست لبقية الأنبياء، إذا كان يوم القيامة، واجتمع الناس، واشتد الأمر، تقدم صلى الله عليه وسلم وحمد ربه، وسجد بين يديه، وحمده بمحامد عظيمة، حتى يؤذن له، ثم يَأذن له سبحانه، فيقال له: اشفع تشفع، وسل تعط، فيشفع عند ذلك، ويسأل ربه أن يقضي بين الناس.

وهذا هو المقام المحمود الذي ذكره اللَّه في كتابه في سورة بني إسرائيل: {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} (1)، هذا هو المقام المحمود، يحمده به الأولون والآخرون؛ لأنه يقوم مقاماً عظيماً، يحمد اللَّه فيه، ويثني عليه، ويسجد، ثم يقال له: ارفع رأسك وقل تسمع، واشفع تشفع. فيرفع رأسه صلى الله عليه وسلم من سجوده، فيشفع إلى اللَّه أن يقضي بين الناس، وله شفاعات أخرى لمن دخل النار من أمته - عليه الصلاة والسلام -، وله شفاعات في دخول أهل الجنة الجنة، لكن هذه الشفاعة العظمى خاصة به عليه الصلاة والسلام ، وهكذا الشفاعة في دخول أهل الجنة الجنة خاصة به، لا يدخلونها إلا بشفاعته - عليه الصلاة والسلام -، وله شفاعة ثالثة خاصة به، وهي الشفاعة في عمه أبي طالب، كان في دركات النار، وفي غمرات النار، والسبب أنه مات على الكفر باللَّه، فشفع فيه حتى يجعله اللَّه في ضحضاح من

(1) سورة الإسراء، الآية:79.

ص: 131

النار، يغلي منه دماغه - نسأل اللَّه العافية -؛ لأنه نَصَرَ النبي، وأحاطه، وحماه في حياته، لكنه مات على الكفر نعوذ باللَّه؛ ولهذا صار من أهل النار، صارت الشفاعة في التخفيف عنه تخفيفاً لا يخرجه من النار، بل يجعله في الطبقة الأولى منها في ضحضاح منها، وهذه الشفاعة خاصة بأبي طالب، وخاصة بالنبي صلى الله عليه وسلم، وهي مستثناة من قوله عز وجل:{فَمَا تَنْفَعُهُمْ} يعني الكفار {شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ} (1) الكفار ما تنفعهم شفاعة الشافعين إلا هذه الخاصة التي في أبي طالب مستثناة، جاء بها النص، يعني نفعته بعض النفع، وإن كان مخلَّداً في النار، ومعذَّباً في النار، لكنه خُفِّفَ عنه بعض الشيء لأسباب شفاعته عليه الصلاة والسلام.

الخصلة الخامسة: أنه بُعث للناس عامة، والأنبياء يبعثون إلى أقوامهم، كل نبي يُبعث إلى قومه، أما نبينا محمد صلى الله عليه وسلم بُعث إلى الناس عامة الجن والإنس، يدعوهم إلى اللَّه، وإلى توحيد اللَّه من آمن به واتبعه، فله الجنة من الإنس والجن والعرب والعجم والذكور والإناث، ومن لم يقبل منه ولم يصدقه فله النار، نعوذ باللَّه.

كما قال اللَّه سبحانه: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا} (2)، وقال سبحانه: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا

(1) سور المدثر، الآية:48.

(2)

سورة الأعراف، الآية:158.

ص: 132