المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌13 - كتاب القصاص - الإفهام في شرح عمدة الأحكام

[ابن باز]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة المحقق

- ‌وكان عملي على النحو الآتي:

- ‌نبذة عن حياة مؤلف العمدة: الإمام عبد الغني بن عبد الواحد المقدسي

- ‌أولاً: نسبه، ومولده، ونشأته، ومكانته العلمية:

- ‌ثانياً: عبادته وتضرعه، وأوقاته:

- ‌ثالثاً: شيوخه:

- ‌رابعاً: تلامذته:

- ‌خامساً: أقوال العلماء فيه:

- ‌سادساً: أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر:

- ‌سابعاً: جوده وكرمه:

- ‌ثامناً: تصانيفه:

- ‌تاسعاً: وفاته:

- ‌نبذة عن حياة الشارح الإمام عبد العزيز بن عبد الله بن باز

- ‌أولاً: ما قال سماحته عن نفسه

- ‌ثانياً: أوصافه الخَلْقية

- ‌ثالثاً: صفاته الخُلُقية:

- ‌رابعاً: دروسه العلمية في مدينة الرياض

- ‌خامساً: زوجات سماحة الشيخ:

- ‌سادساً: أولاده:

- ‌ثامناً: الجنازة وأصداء الوفاة

- ‌تاسعاً: مشاهد نادرة من جنازة الشيخ

- ‌مقدمة المؤلف

- ‌1 - كتاب الطهارة

- ‌1 - بابُ دخولِ الخلاءِ والاستطابةِ

- ‌2 - بابُ السواكِ

- ‌3 - بابُ المسحِ على الخفينِ

- ‌4 - بابٌ في المذيِ وغيرِهِ

- ‌5 - بابُ الغسل من الجنابةِ

- ‌6 - باب التَّيَمُّمِ

- ‌7 - بابُ الحيضِ

- ‌2 - كتاب الصلاة

- ‌8 - بابُ المواقيتِ

- ‌9 - باب فضلِ صلاة الجماعة ووجوبها

- ‌10 - بابُ الأَذانِ

- ‌11 - باب استقبالِ القبلة

- ‌12 - بابُ الصُّفوفِ

- ‌13 - بابُ الإِمامةِ

- ‌14 - بابُ صفةِ صلاةِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم

- ‌15 - باب وجوب الطمأنينة في الركوع والسجود

- ‌16 - باب القراءة في الصلاة

- ‌17 - بابُ تركِ الجَهرِ ببسمِ اللَّه الرَّحمنِ الرَّحيمِ

- ‌18 - بابُ سجودِ السَّهو

- ‌19 - بابُ المرورِ بينَ يديِ المصلي

- ‌20 - بابٌ جامعٌ

- ‌21 - بابُ التَّشهدِ

- ‌24 - باب الجمع بين الصلاتين في السفر

- ‌25 - باب قصر الصلاة في السفر

- ‌26 - باب الجمعة

- ‌27 - باب العيدين

- ‌28 - باب صلاة الكسوف

- ‌29 - باب صلاة الاستسقاء

- ‌30 - باب صلاة الخوف

- ‌31 - باب الجنائز

- ‌3 - كتاب الزكاة

- ‌32 - باب صدقة الفطر

- ‌4 - كتاب الصِّيَامِ

- ‌33 - باب الصوم في السفر وغيره

- ‌34 - باب أفضل الصيام وغيره

- ‌35 - باب ليلة القَدر

- ‌36 - باب الاعتكاف

- ‌5 - كتاب الحَجِّ

- ‌37 - باب المواقيت

- ‌38 - باب ما يلبس المُحرِم من الثياب

- ‌39 - باب الفدية

- ‌40 - باب حُرمة مكة

- ‌41 - باب ما يجوز قتله

- ‌42 - باب دخول مكة وغيره

- ‌43 - باب التمتُّع

- ‌44 - باب الهدي

- ‌45 - باب الغسل للمحرم

- ‌46 - باب فسخ الحج إِلى العمرة

- ‌47 - باب المحرم يأكل من صيد الحلال

- ‌6 - كتاب البيوع

- ‌48 - باب ما يُنهى عنه من البيوع

- ‌49 - باب العرايا وغير ذلك

- ‌50 - باب السَّلَم

- ‌51 - باب الشروط في البيع

- ‌52 - باب الربا والصَّرف

- ‌53 - باب الرهن وغيره

- ‌54 - بابُ اللُّقَطة

- ‌7 - كتاب الوصَايا

- ‌8 - كتاب الفرائض

- ‌9 - كتاب النكاح

- ‌55 - باب الصداق

- ‌10 - كتاب الطلاق

- ‌56 - باب العِدَّة

- ‌11 - كتاب اللعان

- ‌12 - كتاب الرضَاع

- ‌13 - كتاب القِصَاص

- ‌14 - [كتاب الحدُود

- ‌57 - باب حدِّ السرقة

- ‌58 - باب حدِّ الخمر

- ‌15 - كتاب الأيمان والنذور

- ‌59 - باب النذر

- ‌60 - باب الْقَضاء

- ‌16 - كتاب الأطعمة

- ‌61 - باب الصيد

- ‌62 - باب الأضاحي

- ‌17 - كتاب الأشربة

- ‌18 - كتاب اِللِّبَاس

- ‌19 - كتاب الجِهاد

- ‌20 - كتاب العتق

- ‌63 - باب بيع المدبَّر

- ‌الفهارس العامة

- ‌1 - فهرس الآيات القرآنية

- ‌2 - فهرس الأحاديث النبوية والآثار

- ‌3 - فهرس الألفاظ الغريبة

- ‌4 - فهرس الأشعار

- ‌5 - فهرس مصادر ومراجع التحقيق

الفصل: ‌13 - كتاب القصاص

‌13 - كتاب القِصَاص

343 -

عن عبد اللَّه بن مسعود رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم (1): «لا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ يَشْهَدُ أَنْ لا إلَهَ إِلَاّ اللَّهُ، وَأَنِّي رَسُولُ اللَّه إلَاّ بِإِحْدَى ثَلاثٍ: الثَّيِّبُ الزَّانِي، وَالنَّفْسُ بِالنَّفْسِ، وَالتَّارِكُ لِدِينِهِ الْمُفَارِقُ لِلْجَمَاعَةِ» (2).

344 -

عن عبد اللَّه بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: «أَوَّلُ مَا يُقْضَى بَيْنَ النَّاسِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي الدِّمَاءِ» (3).

345 -

عن سهل بن أبي حَثْمةَ رضي الله عنه قال: «انْطَلَقَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَهْلٍ، وَمُحَيِّصَةُ بْنُ مَسْعُودٍ، إلَى خَيْبَرَ ــ وَهِيَ يَوْمَئِذٍ صُلْحٌ ــ فَتَفَرَّقَا، فَأَتَى مُحَيِّصَةُ إلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَهْلٍ، وَهُوَ يَتَشَحَّطُ فِي دَمِهِ قَتِيلاً، فَدَفنه ثُمَّ قَدِمَ الْمَدِينَةَ، فَانْطَلَقَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَهْلٍ، وَمُحَيِّصَةُ وَحُوَيِّصَةُ ابْنَا مَسْعُودٍ إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَذَهَبَ عَبْدُالرَّحْمَنِ يَتَكَلَّمُ، فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: «كَبِّرْ، كَبِّرْ» ــ وَهُوَ أَحْدَثُ الْقَوْمِ ــ فَسَكَتَ، فَتَكَلَّمَا، فَقَالَ: «أَتَحْلِفُونَ

(1) في نسخة الزهيري: «قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم» ، وهذا في البخاري، برقم 6878.

(2)

رواه البخاري، كتاب الديات، بابُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى:{أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالعَيْنَ بِالعَيْنِ وَالأَنْفَ بِالأَنْفِ وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [المائدة: 45]، برقم 6878، ومسلم، كتاب القسامة والمحاربين والقصاص والديات، باب ما يباح به دم المسلم، برقم 1676، بلفظه.

(3)

رواه البخاري، كتاب الرقاق، باب القصاص يوم القيامة، برقم 6533، ورقم 6864، بلفظ:«أول ما يقضى بين الناس في الدماء» ، ومسلم، كتاب القسامة والمحاربين والقصاص والديات، باب المجازاة بالدماء في الآخرة، وأنها أول ما يقضى فيه بين الناس يوم القيامة، برقم 1678، بلفظه أيضاً.

ص: 672

وَتَسْتَحِقُّونَ قَاتِلَكُمْ، أَوْ صَاحِبَكُمْ؟» قَالُوا: وَكَيْفَ نَحْلِفُ، وَلَمْ نَشْهَدْ، وَلَمْ نَرَ؟ قَالَ:«فَتُبْرِئُكُمْ يَهُودُ بأيَمِان خَمْسِينَ منهم (1)» . فقَالُوا: كَيْفَ نأخذ بِأَيْمَانِ قَوْمِ كُفَّارٍ؟ فَعَقَلَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مِنْ عِنْدِهِ» (2).

99 -

قال الشارح رحمه الله:

هذه الأحاديث الثلاثة كلها تتعلق بالدماء والقصاص (3) والقسامة.

في الحديث الأول: يقول عليه الصلاة والسلام: «لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا اللَّه، وأني رسول اللَّه، إلا بإحدى ثلاث» ثم فسرها، فقال:«الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة» ، يجوز الرفع، ويجوز الجر، النفس بالنفس، بدل من الثلاث، والرفع خبر لمبتدأ آخر محذوف.

فهذه الخصال الثلاث تجوِّز سفك الدم، قتل صاحبها: الثيب الزاني، معناه الذي قد تزوج ووطئَ الزوجة، يقال له: ثيب، فإذا زنى يقتل، يرجم بالحجارة حتى يموت، إذا ثبت زناه بأربعة شهود عدول

(1) في نسخة الزهيري: «فتبرئكم يهود بخمسين يميناً» ، وهذا لفظ البخاري، برقم 3173، إلا قوله:«يميناً» .

(2)

رواه البخاري، كتاب الجزية والموادعة، باب الموادعة والمصالحة مع المشركين بالمال وغيره

، برقم 3173، بلفظه «إلا أنه قال:«فتبرئكم يهود بخمسين» ، وقد جاءت الجملة في كتاب الأدب، باب إكرام الكبير، ويبدأ الأكبر بالكلام والسؤال، برقم 6143، فقال:«فتبرئكم يهود في أيمان خمسين منهم» ، ومسلم، كتاب القسامة والمحاربين والقصاص والديات، باب القسامة، برقم 1669.

(3)

القَصاص: هو أن يُفعل به مثل فعله: من قتل، أو قطع، أو ضرب، أو جرح، والقصاص الاسم. النهاية في غريب الحديث والأثر، 4/ 72، مادة (قصّ).

ص: 673

أو بإقراره، والنفس بالنفس هذا القصاص، وهذا الشاهد في الترجمة كتاب القصاص: والقصاص مصدر قاص قصاصاً، وهو الأخذ بالمقابل، المقاصة المماثلة، قال اللَّه جل وعلا:{وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ} (1)، فاللَّه شرع المقاصة: النفس بالنفس، والعين بالعين، والأُذن بالأُذن، واليد باليد، والرجل بالرجل، وهكذا إذا تمت الشروط والمكافأة بينهما، فإذا قتل إنسانٌ آخر عمداً عدواناً وجب القصاص، إلا أن يعفو ولي القتيل، إذا عفا من الدية، أو عفا مطلقاً، سقط القصاص؛ فإن لم يعفُ، وطالب بالقصاص، وجب القصاص، وجب أن يُقتل به، إذا كان مكافئاً له، المسلم يقتل بالمسلم، أما إذا كان كافراً؛ فإنه لا يُقتل به المسلم، ولكن يؤدي الدية ويعزر ويؤدب، أو كان رقيقاً مملوكاً لا يقتل به الحر، ولكن يعزر ويؤدي الدية وهي قيمته، ويقتل الرجل بالمرأة، والمرأة بالرجل إذا قتلها عمداً عدواناً قتل بها، أو قتلته قُتلت به.

والتارك لدينه المفارق للجماعة: المرتد الناقض للإسلام إذا فعل ما يوجب ردته قُتِل؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من بدل دينه فاقتلوه» (2)، فإذا أشرك: عَبدَ غير اللَّه، كأن يستغيث بالأصنام، أو بالنجوم، أو بالأموات، أو بالجن، أو يدعو غير اللَّه، يُستتاب؛ فإن تاب، وإلا قُتِل ردة، أو يترك

(1) سورة المائدة، الآية:45.

(2)

البخاري، كتاب الجهاد والسير، باب لا يعذب بعذاب اللَّه، برقم 3017.

ص: 674

الصلاة يُستتاب؛ فإن تاب وإلا قُتِل ردة، أو سبَّ اللَّه، أو يسبُّ الرسول، أو يستهزئ بالدين ردة يُقتل:«من بدل دينه فاقتلوه» .

وقد ذكر العلماء في كل مذهب باب حكم المرتد، وهو المسلم يكفر بعد إسلامه، فإذا ارتد عن دينه، فهذا حكمه القتل بعد الاستتابة، وبعض النواقض لا يُستتاب بها، كالذي يسب اللَّه، ويسب الرسول، هذا يقتل بغير استتابة عند جمع من أهل العلم لعظم جريمته.

الحديث الثاني: يقول صلى الله عليه وسلم: «أول ما يقضى بين الناس يوم القيامة في الدماء» ، هذا يدل على عظم شأن الدماء، وأنه أول ما يقضى بين الناس في الدماء، لما بينهم من الحقوق، فهذا فيه الحذر من سفك الدم الحرام، والعدوان على الناس، فيجب على المؤمن أن يحذر العدوان على الناس وسفك الدم بغير الحق؛ لأن جريمة القتل عظيمة، قال تعالى:{وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا} (1)، وفي الحديث يقول صلى الله عليه وسلم:«لا يَزَالُ الرَّجُلُ فِي فُسْحَةٍ مِنْ دِينِهِ مَا لَمْ يُصِبْ دَمًا حَرَامًا» (2) ، نسأل اللَّه السلامة.

والحديث الثالث: قصة عبداللَّه بن سهل الأنصاري توجه إلى

(1) سورة النساء، الآية:93.

(2)

أخرجه البخاري، كتاب الديات، باب قول اللَّه تعالى:{وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنَاً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ} [الناسء: 93]، برقم 6862، عن ابن عمر رضي الله عنهما بلفظ:«لَن يَزَالُ المؤمن» ، وأخرجه أحمد، 9/ 493، برقم 5681 بلفظ:«لَنْ يَزالَ المَرْء» .

ص: 675

خيبر لحاجة مع أخيه ابن عمه مُحيصة فقُتل، وجدوه قتيلاً، ولم يعلموا من قتله في خيبر، وخيبر تسكنها اليهود ذاك الوقت، وهم أعداء المسلمين بعدما فتحها النبي صلى الله عليه وسلم، وصالحهم على أنهم يبقوا فيها عمالاً فلاحين بالنصف، سافر عبداللَّه بن سهل إليها لحاجة فوجدوه قتيلاً، فلم يعرفوا من قتله، فاشتكوا اليهود إلى النبي صلى الله عليه وسلم، واشتكاهم عبدالرحمن بن سهل أخو عبداللَّه بن سهل، وابنا عمه محيصة وحُويصة ابنا مسعود أبناء عم القتيل، فتقدموا إلى النبي صلى الله عليه وسلم يشتكون، أراد عبدالرحمن أن يتكلم وكان أصغر القوم، وقال له النبي:«كبّر كبّر» ، فتكلم حُويِّصة، ثم تكلم محيصة، فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم:«عندكم بيّنة» قالوا: لا. قال: «تحلفون» خمسين يميناً على قاتله، قالوا: لم نشهده، ولم نره، كيف نحلف! قال:«فتبرئكم يهود بخمسين يميناً» قالوا: قوم كفار كيف نقبل أيمانهم، فعقله النبي صلى الله عليه وسلم من عنده وداه النبي صلى الله عليه وسلم من عنده صلحاً بين الجميع، وسَدَّدهم مائة من الإبل عليه الصلاة والسلام دية لعبد اللَّه بن سهل، وحقناً للفتنة والدماء.

هذا يدل على فوائد: منها أن الخصومة إذا كانت بين جماعة، فإنه يتكلم الأكبر «كبّر، كبّر» ، وكان الخصوم جماعة يتكلم الأكبر، ثم يُكمِّل الباقون، إن كان لهم زيادة يكملون، ثم تُسمع دعوى المدعى عليه بعد ذلك، المدعي يتكلم أولاً، ويتكلم الأكبر، ثم ينظر في دعوى المدعى عليه.

وفيه من الفوائد: أنه إذا كان القتيل عند قوم يُتهمون به: فإنه

ص: 676

يُدَّعى عليهم فيه: ويطلب من المدعين البينة: فإن وجدوا بينة، وإلا فلهم القسامة، لهم: أن يحلفوا على واحد منهم بسبب اللَّوث، بسبب العداوة والبغضاء، أو لأسباب أخرى، تدل على أنهم قتلوه، كأن يوجد جماعة يشهدون أنهم قتلوه، لكن لا تطبق فيهم الشروط: إما لأنهم غير عدول، أو نساء أو صبيان، فإذا توافر عند أولياء القتيل ما يدل على أن القاتل فلان فيحلفون عليه؛ ولهذا قال: يُقسم خمسون منكم على رجل منهم، فيدُفع برمته، فإذا كان الخصوم يدعون على واحد معين بينه وبين القتيل عداوة، أو عندهم ما يدل على أنه قاتله؛ لأنهم رأوه قائماً عليه بسكين، أو معه السيف، أو آثار الدم في سكينه، أو شهد عليه نساء، أو صبيان، أو فساق، واقتنع أولياء الدم أنه هو قاتله، فلهم أن يحلفوا خمسين يميناً إذا كانت العصبةُ خمسين كل واحد يحلف يميناً؛ فإن كانت العصبةُ خمساً وعشرين، كل واحد يحلف يمينين، فإن كانوا عشرة كل واحد يحلف خمساً: خمسة أيمان على عددهم ويدفع إليهم برمته (1).

فإذا لم يحلفوا، حلف أولئك المدعى عليهم، حلفوا خمسين أنهم لم يقتلوا، ولم يعرفوا قاتله، فيبرؤوا فإن أصلح بينهم ولي الأمر، ودفع الدية ولي الأمر، وأصلح بينهم، أو أصلح بينهم بنصف

(1) رمته: الرُّمة - بالضم-: قطعة حبل يشد بها الأسير، أو القاتل إذا قيد إلى القصاص، أي يسلم إليهم بالحبل الذي شُدَّ به، تمكيناً لهم منه لئلا يهرب، ثم اتسعوا فيه حتى قالوا: أخذت الشيء برمته، أي كله. النهاية في غريب الحديث والأثر، 2/ 267، مادة (رم).

ص: 677

الدية، أو بأقل أو بأكثر، فلا بأس، فالصلح جائز؛ ولهذا أصلح النبي صلى الله عليه وسلم بأن دفع الدية عن اليهود، دفعها من بيت المال، وأنهى الدعوى بينهم عن الفتنة، وهذه يقال لها قسامة، وهي أن يدعي قوم على شخص أنه قتل موروثه، ويحتجون على ذلك بأشياء، تُغلِّب على الظن أنه قتله: لعداوة بينهما، أو شهادة من لا يكتمل به النصاب، أو غير هذا من القرائن والدلائل، التي تدل على أنه قتله، هذه يقال لها: قسامة، فيطالبون بخمسين يميناً من العصبة، فإن لم يحلفوا فلهم أيمان المدعى عليهم، إلا إذا لم يوجد بينة علامة تشهد بالقتل.

وفي حديث حماد بن زيد: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «يُقْسِمُ خَمْسُونَ مِنْكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ، فَيُدْفَعُ بِرُمَّتِهِ» ؟ قَالُوا: أَمْرٌ لَمْ نَشْهَدْهُ، كَيْفَ، نَحْلِفُ؟ قَال:«فَتُبْرِئُكُمْ يَهُودُ بِأَيْمَانِ خَمْسِينَ مِنْهُمْ؟» ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَوْمٌ كُفَّارٌ فوداه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم من قبله (1)» (2).

وفي حديث سعيد بن عبيد: «فَكَرِهَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُبْطِلَ دَمَهُ، فَوَدَاهُ بِمِائَةٍ مِنْ إبِلِ الصَّدَقَةِ» (3).

346 -

عن أنس بن مالك رضي الله عنه، «أَنَّ جَارِيَةً وُجِدَ رَاسُهَا مَرْضُوضاً

(1)«فوداه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم من قبله» ليست في نسخة الزهيري، وهي في المتن، وفي البخاري، برقم 6143، وفي مسلم، برقم 4 - (1669).

(2)

البخاري، برقم 6143، ومسلم، برقم 2 - (1669)، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 345.

(3)

رواه البخاري، برقم 6898، ومسلم، برقم 5 - (1669)، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 345.

ص: 678

بَيْنَ حَجَرَيْنِ، فَقِيلَ: مَنْ فَعَلَ هَذَا بِك: فُلانٌ، فُلانٌ؟ حَتَّى ذُكِرَ يَهُودِيٌّ، فَأَوْمَأَتْ بِرَاسِهَا، فَأُخِذَ الْيَهُودِيُّ، فَاعْتَرَفَ، فَأَمَرَ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أَنْ يُرَضَّ رَاسُهُ بَيْنَ حَجَرَيْنِ» (1).

347 -

ولمسلم والنسائي عن أنس، «أَنَّ يَهُودِيّاً قَتَلَ جَارِيَةً عَلَى أَوْضَاحٍ، فَأَقَادَهُ بها (2) رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم» (3).

348 -

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: «لَمَّا فَتَحَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم مَكَّةَ، قَتَلَتْ خُزَاعَةُ (4) رَجُلاً مِنْ بَنِي لَيْثٍ بِقَتِيلٍ كَانَ لَهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَقَامَ النبي صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: «إنَّ اللَّهَ عز وجل قَدْ حَبَسَ عَنْ مَكَّةَ الْفِيلَ،

(1) رواه البخاري، كتاب الخصومات، باب ما يُذكر في الأشخاص والخصومة بين المسلم واليهود، برقم 2413، وجميع أطرافه في هذا الحديث، وأخرجه مسلم، كتاب القسامة والمحاربين والقصاص والديات، باب ثبوت القصاص في القتل بالحجر وغيره، من المحددات، والمثقلات، وقتل الرجل بالمرأة، برقم 17 - (1672).

(2)

في نسخة الزهيري: «فأقاده رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بها» .

(3)

رواه البخاري، كتاب الديات، باب من أقاد بالحجر، برقم 6879، ولفظه: عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه، أَنَّ يَهُودِيًّا قَتَلَ جَارِيَةً عَلَى أَوْضَاحٍ لَهَا، فَقَتَلَهَا بِحَجَرٍ، فَجِيءَ بِهَا إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَبِهَا رَمَقٌ، فَقَالَ:«أَقَتَلَكِ فُلَانٌ؟» فَأَشَارَتْ بِرَاسِهَا: أَنْ لَا، ثُمَّ قَالَ الثَّانِيَةَ، فَأَشَارَتْ بِرَاسِهَا: أَنْ لَا، ثُمَّ سَأَلَهَا الثَّالِثَةَ، فَأَشَارَتْ بِرَاسِهَا: أَنْ نَعَمْ، فَقَتَلَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِحَجَرَيْنِ،، وقد أخرجه في عدة مواضع، برقم 2413، وفي آخره:«فأمر به النبي صلى الله عليه وسلم فرُضَّ رأسه بين حجرين» ، وبرقم 2746، و6876، و6877، 6879، و6884، و6885، وبنحوه مسلم، كتاب القسامة والمحاربين والقصاص والديات، باب ثبوت القصاص في القتل بالحجر وغيره، من المحددات، والمثقلات، وقتل الرجل بالمرأة، برقم 17 - (1672)، وفي آخره:«فَقَتَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَيْنَ حَجَرَيْنِ» ، والنسائي، واللفظ له، 8/ 22، برقم 4740.

(4)

في نسخة الزهيري: «هذيل» .

ص: 679

وَسَلَّطَ عَلَيْهَا رَسُولَهُ وَالْمُؤْمِنِينَ، أَلا (1) وَإِنَّهَا لَمْ تَحِلَّ لأَحَدٍ (2) قَبْلِي، وَلا تَحِلُّ لأَحَدٍ بَعْدِي، وَإِنَّمَا أُحِلَّتْ لِي سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ، وَإِنَّهَا سَاعَتِي هَذِهِ حَرَامٌ، لا يُعْضَدُ شَجَرُهَا، وَلا يُخْتَلَىُ شَوْكُهَا، وَلا تُلْتَقَطُ سَاقِطَتُهَا إلَاّ لِمُنْشِدٍ، وَمَنْ قُتِلَ لَهُ قَتِيلٌ فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ: إمَّا أَنْ يُقْتَلَ، وَإِمَّا أَنْ يفدى» فَقَامَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ ــ يُقَالُ لَهُ أَبُو شَاهٍ ــ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، اُكْتُبُوا لِي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«اُكْتُبُوا لأَبِي شَاهٍ» ، ثُمَّ قَامَ الْعَبَّاسُ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إلَاّ الإِذْخِرَ، فَإِنَّا نَجْعَلُهُ فِي بُيُوتِنَا وَقُبُورِنَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«إلَاّ الإِذْخِرَ» (3).

100 -

قال الشارح رحمه الله:

هذه بقية حديث عبداللَّه بن سهل الذي قتله اليهود في خيبر، تقدم في حديث الدرس الماضي، وهذه بقيته كان ينبغي أنها قرئت مع أوله، لأنه بقية الحديث، والنبي صلى الله عليه وسلم كما تقدم خيَّرهم: إما أن يثبتوا عليهم أنهم قتلوه، فإن لم يثبتوا فعليهم أن يحلفوا خمسين يميناً على قاتلهم ويُعيِّنوه، فإن لم يقيموا بذلك، فلهم أيمان خمسين من اليهود، على أنهم ما قتلوه، ولا عرفوا قاتله، وتقدم الكلام في هذا، وأن الأنصار اعتذروا، وقالوا: لم نشهد، ولم نرَ، فكيف نحلف؟ وليس

(1)«ألا» : ليست في نسخة الزهيري، وهي في البخاري، برقم 112، وفي مسلم، برقم 448 - (1355).

(2)

في نسخة الزهيري: «وأنها لم تحل لأحد كان قبلي» .

(3)

رواه البخاري، كتاب العلم، باب كتابة العلم، برقم 112، ومسلم، كتاب الحج، باب تحريم مكة وصيدها وخلاها وشجرها ولقطتها، إلا لمنشد، على الدوام، برقم 1355.

ص: 680

عندهم بينة وقالوا أيضاً: كيف نقبل أيمان قوم كفار؟! فعند هذا عقله النبي صلى الله عليه وسلم من عنده، حسماً للنزاع، وإنهاءً للفتنة، وحقناً للدماء، وتقدم أن هذا يُسمَّى القسامة، هذا الحكم يسمى حكم القسامة، وهي أن يدعي قومٌ على قوم قتلاً بدون بينة تشهد لذلك، ويكون هناك لَوَث وهو عداوة، أو ما يقوم مقامها من الدلائل على أنهم قتلوه، كأن يشهد عليهم من لا تُقبل شهادته كالنساء والصبيان والفساق، فيحصل لأهل القتيل طمأنينة إلى أن قاتلهم فلان، فيحلفون بموجب ما دل عليه شهادة من ذُكر، أو العداوة البينة بينهم وبين القتيل، فإن لم يحلفوا فلهم أيمان المتهمين، يحلف المتهمون أنهم ما قتلوه، وما عرفوا قاتلاً، فيبرأوا منه، وهذا يقال له حكم القسامة، وهي معروفة في الجاهلية، وأقرها الإسلام.

الحديث الثاني: حديث أنس: أن يهودياً قتل جارية على أوضاح لها: فرضَّ رأسها بحجر، وأخذ أوضاحها، وهي الحلي من الذهب والفضة، فجيء إليها [بالمتهمين](1) في الجريمة، وكانت قد عجزت عن الكلام بسبب الجريمة العظيمة، رضّ رأسها، فعرض عليها جماعة من اليهود المتهمين، فأشارت برأسها بالنسبة إلى أحدهم: أنه هو القاتل، أومأت برأسها أي هذا هو الذي رضّ رأسها، فلما أخذوه اعترف بأنه هو الذي فعل الجريمة، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يُرضّ رأسه بين حجرين، جزاءً وفاقاً، وهذا هو القصاص.

(1) ما بين المعقوفين كلمة غير واضحة، والأظهر أنها:«المتهمين» .

ص: 681

وفي هذا فوائد منها: أنه يقتل الرجل بالمرأة، وقوله جل وعلا:{الأُنْثَى بِالأُنْثَى} (1)، لا مفهوم له، بل تقتل الأنثى بالرجل، والرجل بالأنثى.

ومنها أن الإشارة يعمل بها في تعيين المتهم، وفي المسائل الأخرى التي لا يترتب عليها التعدي على آخر؛ ولهذا كان يشير في صلاته [بيده](2) صلى الله عليه وسلم في أشياء كثيرة، كما أشار في صلاته عليه الصلاة والسلام لما سلموا عليه، أشار بيده عليه الصلاة والسلام، وأشار إليهم لما صلوا قياماً وهو جالس، أي اجلسوا (3).

والإشارة لا بأس بها عند الحاجة إليها، يعمل بها ما لم يكن فيها دعوى على أحد، فلا يكتفى بالإشارة، وإنما تقتضي الدعوى: أي لا بد مع الدعوى من بينةٍ، أو إقرارٍ؛ ولهذا لما أشارت مدعية على اليهودي، لم يكتفِ النبي صلى الله عليه وسلم بإشارتها، ولكنها تضمنت الدعوى على هذا الشخص، فأخذوه فاعترف، فلما اعترف حُكِمَ عليه بالقصاص باعترافه، لا بمجرد إشارتها، بل باعترافه، وهذا يُسمَّى غِيلة، قتل غيلة، وفي الصحيح: أن قتل الغيلة يجب فيه القود (4)، ولا يُستشار فيه

(1) سورة البقرة، الآية:178.

(2)

ما بين المعقوفين «بيده» أضفته ليتم المعنى.

(3)

أخرج البخاري، كتاب الأذان، باب إنما جعل الإمام ليؤتم به، برقم 688، ومسلم، كتاب الصلاة، باب ائتمام المأموم بالإمام، برقم 412، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ المُؤْمِنِينَ رضي الله عنها، أَنَّهَا قَالَتْ: صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي بَيْتِهِ وَهُوَ شَاكٍ، فَصَلَّى جَالِسًا، وَصَلَّى وَرَاءَهُ قَوْمٌ قِيَامًا، فَأَشَارَ إِلَيْهِمْ أَنِ اجْلِسُوا، فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ:«إِنَّمَا جُعِلَ الإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ، فَإِذَا رَكَعَ، فَارْكَعُوا وَإِذَا رَفَعَ، فَارْفَعُوا، وَإِذَا صَلَّى جَالِسًا فَصَلُّوا جُلُوسًا» .

(4)

القَوَد: القصاص، وقتل القاتل بدل القتيل، وقد أقدته به أقيده إقادة، واستقدت الحاكم: سألته أن يقيدني، واقتدت منه أقتاد. النهاية في غريب الحديث والأثر، 4/ 119، مادة (قود).

ص: 682

الورثة (1) حقناً للدماء، وحسماً لمادة الفساد في الأرض؛ فلهذا قتله النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يسأل ورثة الجارية، ولم يستشرهم؛ لأنه خدعها فقتلها.

وفي حديث أبي هريرة الدلالة على أن القتيل لأهله الخيرة: إن شاءوا قتلوا، وإن شاءوا أخذوا الدية، وإن شاءوا عفوا؛ ولهذا قال رسول صلى الله عليه وسلم:«ومن قُتل له قتيل فهو بخير النظرين: إما أن يقتل، وإما أن يُفدَى» ، فهذا هو الحكم في القتل العمد، الذي يوجب القصاص بين المتكافئَين، فأهله لهم الخيرة في ثلاثة أشياء: القصاص، والدية والعفو.

وفيه من الفوائد: أن البلد الحرام محرم لا يحل فيه القتال، لا قبل النبيّ صلى الله عليه وسلم، ولا بعده، وإنما أُحل للنبي صلى الله عليه وسلم ساعة من نهار.

وفيه من الفوائد: أنه لا يعضد شجره، ولا شوكه، ولا ينفّر صيده، ولا يختلى خلاها، وهو الحشيش الأخضر، ولا تُلتقط ساقطته، إلا للمنشد، إلا لمعرِّف.

وفي حديث أنس من الفوائد أيضاً: أن القاتل يُقتل بمثل ما قتل، فإن قتل بالرضّ في الرأس يرض رأسه، وإن قتل بالتغريق غُرِّق في

ص: 683

الماء، وإن كان قتل بالسيف قتل بالسيف: الجروح قصاص، القصاص: المماثلة، والنبي صلى الله عليه وسلم قتله بمثل ما فعل، فرض رأسه بين حجرين، فيقتل بمثل ما قتل، إلا أن يكون قتله بمعصية فلا، كأن يكون قتله بسقي الخمر، أو باللواط، فلا يقتل بذلك بمعصية اللَّه، وأما إن كان قتله بغير معصية: بالسيف، بالرض، بالتغريق، بغير ذلك من أسباب القتل، يُقتل قصاصاً.

349 -

عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، «أَنَّهُ اسْتَشَارَ النَّاسَ فِي إمْلاصِ الْمَرْأَةِ، فَقَالَ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ: «شَهِدْت النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَضَى فِيهِ بِغُرَّةٍ: عَبْدٍ، أَوْ أَمَةٍ، فَقَالَ: ائْتِنِي (1) بِمَنْ يَشْهَدُ مَعَك، فَشَهِدَ مَعَهُ (2) مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ» (3).

إملاص المرأة: أن تُلْقيَ جنينها ميتاً (4).

350 -

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: «اقْتَتَلَتِ امْرَأَتَانِ مِنْ هُذَيْلٍ، فَرَمَتْ إحْدَاهُمَا الأُخْرَى بِحَجَرٍ، فَقَتَلَتْهَا وَمَا فِي بَطْنِهَا، فَاخْتَصَمُوا إلَى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، فَقَضَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أَنَّ دِيَةَ جَنِينِهَا غُرَّةٌ: عَبْدٌ، أَوْ

(1) في نسخة الزهيري: «لتأتين» .

(2)

في نسخة الزهيري: «فشهد له» .

(3)

رواه البخاري، كتاب الاعتصام، باب ما جاء في اجتهاد القضاء بما أنزل اللَّه تعالى، برقم 7317، وأطرافه في البخاري، برقم 6905، و6906، و6907، و6908، ومسلم، كتاب القسامة والمحاربين والقصاص والديات، باب دية الجنين ووجوب الدية في قتل الخطأ وشبه العمد على عاقلة الجاني، برقم 1683، واللفظ له.

(4)

«إملاص المرأة: أن تلقي جنينها ميتاً» : ليست في نسخة الزهيري.

ص: 684

وَلِيدَةٌ، وَقَضَى بِدِيَةِ الْمَرْأَةِ عَلَى عَاقِلَتِهَا، وَوَرَّثَهَا وَلَدَهَا وَمَنْ مَعَهُمْ، فَقَامَ حَمَلُ بْنُ النَّابِغَةِ الْهُذَلِيُّ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَيْفَ أَغْرَمُ مَنْ لا شَرِبَ، وَلا أَكَلَ، وَلا نَطَقَ وَلا اسْتَهَلَّ، فَمِثْلُ ذَلِكَ يُطَلُّ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«إنَّمَا هُوَ مِنْ إخْوَانِ الْكُهَّانِ» مِنْ أَجْلِ سَجْعِهِ الَّذِي سَجَعَ (1).

351 -

عن عمران بن حُصين رضي الله عنه، «أَنَّ رَجُلاً عَضَّ يَدَ رَجُلٍ، فَنَزَعَ يَدَهُ مِنْ فَمِهِ، فَوَقَعَتْ ثَنِيَّتاهُ، فَاخْتَصَمَا (2) إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: «يَعَضُّ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ (3) كَمَا يَعَضُّ الْفَحْلُ؟ لا دِيَةَ لَك» (4).

352 -

وعن الحسن بن أبي الحسن البصري قال: حدّثنا جُنْدُبٌ رضي الله عنه في هذا المسجد، وما نسينا منه حديثاً، وَمَا نَخْشَى أَنْ يَكُونَ جُنْدُبٌ كَذَبَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ــ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «كَانَ فِيمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، رَجُلٌ بِهِ جُرْحٌ فَجَزِعَ، فَأَخَذَ سِكِّيناً، فَحَزَّ بِهَا يَدَهُ، فَمَا رَقَأَ الدَّمُ حَتَّى مَاتَ، قَالَ اللَّهُ -

(1) رواه البخاري، كتاب الطب، باب الكهانة، برقم 5758، 5759، و5760، و6440، و6904، و6909، و6910، ومسلم، كتاب القسامة والمحاربين والقصاص والديات، باب دية الجنين، ووجوب الدية في قتل الخطأ، وشبه العمد على عاقلة الجاني، برقم 36 - (1681).

(2)

في نسخة الزهيري: «فاختصموا» ، وهذا لفظ البخاري، برقم 6892، ولفظ المتن:«اختصما» ، لفظ مسلم، برقم 1673.

(3)

في نسخة الزهيري خطأ مطبعي: «أحاه» بالحاء.

(4)

رواه البخاري، كتاب الديات، باب إذا عضّ رجلاً فوقعت ثناياه، برقم 6892، بلفظه، ومسلم، كتاب القسامة والمحاربين والقصاص والديات، باب الصائل على نفس الإنسان، أو عضوه، إذا دفعه المصول عليه، فأتلف نفسه أو عضوه، لا ضمان عليه، برقم 1673.

ص: 685

عز وجل -: (عَبْدِي بَادَرَنِي بِنَفْسِهِ، حَرَّمْتُ (1) عَلَيْهِ الْجَنَّةَ)» (2).

101 -

قال الشارح رحمه الله:

هذه الأحاديث الأربعة الثابتة عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم تتعلق بأحكام، كلها تتعلق بالقتل، وبإملاص المرأة، وبالعدوان، أما الإملاص فإملاصها: إسقاطها جنينها ميتاً، يقال: أملصت، يعني أسقطت، والعامة (3)(تعوّرت)، يعني أسقطت جنيناً قبل أن يتم ميتاً، سأل عمر الناس عن حكمه، فشهد عنده المغيرة بن شعبة الثقفي: أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى فيه بالغُرَّة عبد أو أَمة، قال: من يشهد معك؟ قال محمد بن سلمة، هذا فيه الدلالة على أن المرأة إذا أسقطت بضربة أحد ضربها، فإن الولد يُؤدى بغرة عبد أو أمة، إذا سقط ميتاً بسبب العدوان عليه. قال العلماء: قيمتها خمس من الإبل: عُشر الدية خِنصر بِنصر خمسٌ من الإبل عشر دية أمّه أم الطفل.

فإذا أسقطت جنيناً في هذا الوقت مثلاً ميتاً بالعدوان على أمّه (4)[ففيه غرة: عبد أو أمة: قيمتها خمس من الإبل](5).

(1) في نسخة الزهيري: «فحرمت» ، والمتن هو لفظ البخاري، برقم 1364، ورقم 3463.

(2)

رواه البخاري، أحاديث الأنبياء، باب ما ذكر عن بني إسرائيل، برقم 3463، بلفظه، ومسلم، كتاب الإيمان، باب بيان غلظ تحريم قتل الإنسان نفسه، وإن من قتل نفسه بشيء عُذب به في النار، وأنه لا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة، برقم 113.

(3)

والعامة «تعورت» أي يقول العامة: تعوَّرت.

(4)

آخر الوجه الثاني من الشريط الساس عشر.

(5)

ما بين المعقوفين أضفته ليكتمل المعنى؛ لأنه حصل سقط في الشريط.

ص: 686

وقول عمر للمغيرة: من يشهد معك؟ من باب التثبت والحرص، وإلا فالواحد (1) يكفي كما تقدم، لما سأل ابن عمر سعد بن أبي وقاص عن مسح الخفين، قال ابن عمر: إذا قال لك سعد شيئاً فلا تسأل غيره.

فالقاعدة أن الواحد من الصحابة تقوم به الحجة، وهكذا الثقات من الرواة، الواحد الثقة، تقوم به الحجة، ولكن إذا جاء من طريق ثان يكون أثبت وأكمل، وهذه عادة عمر في بعض الأحيان يتثبت ويطلب شاهداً ثانياً من باب التثبت في الأمور، كما قال لأبي سعيد لما سُئل أن الرسول صلى الله عليه وسلم لما قال أبو موسى لعمر أنه استأذن ثلاثاً، فلم يؤذن له فانصرف، وقال: إني سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «إِذَا اسْتَاذَنَ أَحَدُكُمْ ثَلَاثًا فَلَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فَلْيَنْصَرِفْ» قال: ائتني بمن يشهد معك، فشهد معه أبو سعيد الخدري (2)، هذا من باب التثبت في الأمور، وإلا فالواحد يكفي، إذا ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من طريق واحدة، أنه قال كذا أو فعل كذا كفى.

(1) أول الوجه الأول من الشريط السابع عشر.

(2)

أخرج البخاري، كتاب الاستئذان، باب التسليم والاستئذان ثلاثاً، برقم 6245، ومسلم، كتاب الآداب، باب الاستئذان، برقم 2153:«عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: كُنْتُ فِي مَجْلِسٍ مِنْ مَجَالِسِ الْأَنْصَارِ، إِذْ جَاءَ أَبُو مُوسَى كَأَنَّهُ مَذْعُورٌ، فَقَالَ: اسْتَاذَنْتُ عَلَى عُمَرَ ثَلَاثًا، فَلَمْ يُؤْذَنْ لِي، فَرَجَعْتُ فَقَالَ: مَا مَنَعَكَ؟ قُلْتُ: اسْتَاذَنْتُ ثَلَاثًا فَلَمْ يُؤْذَنْ لِي فَرَجَعْتُ، وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِذَا اسْتَاذَنَ أَحَدُكُمْ ثَلَاثًا فَلَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فَلْيَرْجِعْ» ، فَقَالَ: وَاللَّهِ لَتُقِيمَنَّ عَلَيْهِ بِبَيِّنَةٍ، أَمِنْكُمْ أَحَدٌ سَمِعَهُ مِنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ: وَاللَّهِ لَا يَقُومُ مَعَكَ إِلَّا أَصْغَرُ الْقَوْمِ، فَكُنْتُ أَصْغَرَ الْقَوْمِ، فَقُمْتُ مَعَهُ فَأَخْبَرْتُ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ ذَلِكَ». ولفظةُ:«فلينصرف» وجدتها عند أبي يعلى، 13/ 192، برقم 7257.

ص: 687

وهكذا حديث حمل بن النابغة عن أبي هريرة في قصة المرأتين اللتين اقتتلتا، وأسقطت إحداهما المضروبة جنيناً، فقضى فيه النبي صلى الله عليه وسلم بغرة قضى بالدية: دية المقتولة على عاقلة القاتلة.

لأنه قتل شبه عمد، وليس فيه عمد، بل هو ملحق بالخطأ؛ فلهذا قضى فيه النبي صلى الله عليه وسلم بالدية على العاقلة، ولم يحكم فيه بالقصاص، فدل ذلك على أن القتل إذا كان شبه عمد، مثل أن ضرب أحدهما الآخر بعصاً، أو ضربت إحداهما الأخرى بعصاً، وصار في ذلك موت المضروب، هذا يكون شبه عمد، ما فيه إلا الدية والكفارة، إذا كان مثله لا يقتل، إذا كانت الآلة التي تضرب بها مثلها لا يقتل غالباً، فهذا هو شبه العمد، وفيه الدية، وفيه الكفارة، وإن كان هناك جنين سقط، فهذا فيه الغرة عبد أو أمة، ولما قضى النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، قال حمل بن النابغة الهذلي: كيف أغرم من لا شرب، ولا أكل، ولا نطق، ولا استهل، فمثل ذلك يطل! يعني يهدر، فأنكر عليه النبي صلى الله عليه وسلم وقال:«إنما هو سجعٌ من سجع الكهان» .

هذا يدل على أنه ما يجوز معارضة الحق بالسجع، أو غير السجع، وأن السجع مذموم إذا كان فيه معارضة للحق، أما إذا كان سجعاً لا يعارض الحق، ولا فيه تكلف، فلا بأس به [

] (1).

السجع الذي ليس فيه تكلف، وينصر الحق، ويعين على الحق، لا بأس به، أما إذا كان السجع يعارض الحق، ويقف في طريق

(1) ما بين المعقوفين سقط يسير لا يؤثر على المعنى.

ص: 688

الحق، هذا لا يجوز، وهو من سجع الكهان، الذين يلبّسون به على الناس، ويخدعون به الناس.

وهكذا حديث عمران الذي عضّ يد أخيه حتى نزع يده من فمه، فسقطت ثنيته، فقال فيه النبي صلى الله عليه وسلم:«إنها هدر، أيدع يده في فمه يقضمها كما يقضم الجمل» ، فأهدر ثنيته، هذا يفيد أن الإنسان إذا عض أخاه، وانتزع المعضوض يده، فسبب سقوط شيء من العاض يكون هدراً؛ لأنه ظالم، الظالم لا يستحق العوض عما جرى بظلمه، فإذا عض يده وانتزعها منه، وسقطت بعض أسنانه، فإنها تكون هدراً، كما قال النبي:«يعض أحدكم أخاه كما يعض الفحل ــ يعني الجمل ــ اذهب، فلا دية لك» ، هذه عقوبةٌ له على عدوانه وظلمه.

وهكذا لو أمسكه ظلماً وعدواناً، فدفعه حتى سقط فمات بسبب ذلك لا شيء عليه؛ لأنه هو المعتدي، بسبب ظلمه لأخيه، وعدوانه عليه، فالحاصل أنه إذا كانت الجناية سبب الدفاع عن إنسان مثل دفاع الصائل، أراد أن يقتلك فامتنعت منه فقتلته، أو أراد أن يتعدَّى على أهلك فدفعته بالقتل؛ لأنه لا يندفع إلا بالقتل ظالم، وهكذا بالكلام والوعيد، ولا يندفع عن أهلك بالعدوان عليهم بالزنى وغيره إلا بالقتل، والطعن، فليس له قصاص لعدوانه وظلمه إذا ثبت مثلما أهدر النبي سن هذا الذي اعتدى، والمعتدي في حكم الصائل [

] (1).

وهكذا حديث جندَب، يقال جندَب بفتح الدالـ وجندُب بضم

(1) ما بين المعقوفين كلام يسير غير واضح، لا يؤثر في المعنى.

ص: 689

الدال: لغتان، ذكر النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان فيمن كان قبلنا رجل به جرح، فلما آلمه جَزِع، فأخذ سكيناً فقطع يده، فما رقأ الدم حتى مات، فقال اللَّه عز وجل:«بادرني عبدي بنفسه، فحرمت عليه الجنة» ، هذا يفيد أن الذي يقتل نفسه متوعد بالنار نعوذ باللَّه ــ يعني إذا كان في يده جراح أو آلام وانتحر، يكون متوعداً بالنار، نعوذ باللَّه من الحرمان من الجنة، فلا يجوز للإنسان أن ينتحر، فالإنسان الذي فيه مرض، في بطنه في يده، في رأسه، لا يجوز أن ينتحر، يعالج، يسأل ربه العافية، ويصبر ويتحمل، أما أنه ينتحر، يطعن نفسه بالسكين، أو يقتل نفسه بمسدس، أو يلقي نفسه في الغرق: في البحر، أو في الماء، أو في النار، هذا ما يجوز، هذا يسمى انتحار، قتل للنفس، ما يجوز، عليه أن يصبر ويتحمل ويتعاطى العلاج، حتى يفرّج اللَّه، حتى يشفيه اللَّه أو يموت دون إيذاءٍ منه. أما أن يتعمد قتل نفسه بزعم أنه أذاه هذا الألم، هذا لا يجوز.

ص: 690