الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحجة ــ فِي بَلَدِكُمْ هَذَا ــ يعني مكة ــ» (1) يبين شدة الأمر عليه الصلاة والسلام، وإذا كان من الأراضي، فإنه يطوق يوم القيامة من سبع أرضين، وهذا أيضاً وعيد شديد، وعقوبة عظيمة، أي يُجعل ما ظلم به من الأرض طوقاً له يعذب به يوم القيامة، هذا أيضاً من باب التشديد والتحذير والعاقبة الوخيمة، نسأل اللَّه السلامة.
54 - بابُ اللُّقَطة
299 -
عن زيد بن خالد الْجُهَنِيِّ رضي الله عنه قال: «سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ لُقَطَةِ (2) الذَّهَبِ، أَوِ الْوَرِقِ؟ قَالَ (3): «اعْرِفْ وِكَاءَهَا وَعِفَاصَهَا، ثُمَّ عَرِّفْهَا سَنَةً، فَإِنْ لَمْ تُعْرَفْ فَاسْتَنْفِقْهَا، وَلْتَكُنْ وَدِيعَةً عِنْدَكَ، فَإِنْ جَاءَ طَالِبُهَا يَوْماً مِنَ الدَّهْرِ فَأَدِّهَا إلَيْهِ» وَسَأَلَهُ عَنْ ضَالَّةِ الإِبِلِ؟ فَقَالَ: «مَا لَك وَلَهَا؟ دَعْهَا، فَإِنَّ مَعَهَا حِذَاءَهَا وَسِقَاءَهَا، تَرِدُ الْمَاءَ، وَتَاكُلُ الشَّجَرَ، حَتَّى يَجِدَهَا رَبُّهَا» وَسَأَلَهُ عَنِ الشَّاةِ؟ فَقَالَ: «خُذْهَا، فَإِنَّمَا هِيَ لَكَ، أَوْ لأَخِيك، أَوْ لِلذِّئْبِ» (4).
(1) البخاري، كتاب العلم، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم:«رب مبلغ أوعى من سامع» ، برقم 67، ومسلم، كتاب القسامة والمحاربين والقصاص والديات، باب تغليظ تحريم الدماء، برقم 1679.
(2)
في نسخة الزهيري: «اللقطة» ، وهي لفظ البخاري، برقم 91.
(3)
في نسخة الزهيري: «فقال» ، وهي لفظ البخاري، برقم 91.
(4)
رواه البخاري، كتاب العلم، باب الغضب في الموعظة والتعليم، إذا رأى ما يكره، برقم 91، ومسلم، كتاب اللقطة [في فاتحته]، برقم 5 - (1722)، واللفظ له.
83 -
قال الشارح رحمه الله
هذا الحديث الصحيح يتعلق باللُقطة والضوال، والنبي صلى الله عليه وسلم بيّن أحكام اللُقطة، وأحكام الضوال في هذا الحديث، وفي أحاديث أخرى.
أما اللُّقطة: فهي ما عدا الضوال من الحيوانات، من النقود وغيرها، من قطع الأموال: كالملابس والمفارش، وأشباه ذلك من اللقطات: هذه أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن اللاقط يعرِّفها سنة، فإن عُرِفت سلَّمها لصاحبها، وإلا صارت ملكاً له: كالوديعة متى جاء طالبها يوماً من الدهر، وعَرَفَها أدَّاها إليه، وعليه أن يعرف عِفاصها: ووكاءها، عفاصها: وعاؤها، ووكاؤها: رباطها إن كانت مربوطة، وعددها إن كانت معدودة، وهكذا بقية الصفات إذا كان لها صفات أخرى، يكفي أن يعرف صفاتها، حتى يكتبها عنده، ويحفظها عنده، ويُشهد عليها، متى جاء طالبها يوماً من الدهر أعطاها إياه، وبين أهل العلم: أن التعريف يكون في مجامع الناس، مثل الأسواق، إن كان فيها اجتماع، وأبواب الجوامع والمحلات، التي يكون فيها اجتماع: من له لقطة، من له دراهم، من له الذهب، من له قطعة كذا، من دون أن يبين الصفات، فإذا جاء من يطلب، سأله عن الصفات الدقيقة، والخفية، فإذا عرفها، وضبطها، أو جاء بالبينة عليها، أعطاه إياه، ويكون ذلك في الشهر مرتين، ثلاثاً أو أكثر، وكلما كان أكثر، فهو أبرأ للذمة، وأحسن حتى تكمل السنة، وبعد كمال السنة تكون له اللقطة كسائر ماله، لكنها لا تكون مالاً كلياً، بل مالاً في حكم
الوديعة، يعني في حكم الدَّين الذي عليه، متى جاء صاحبها يوماً من الدهر، وعَرَفَها أدَّاها إليه، كأنها أمانة، وما نما منها كأولاد، كما نما من الربح، أو من أولاد الشاة، ونحوها، فهو له، وليس لصاحبها إلا الأصل بعد السنة. ما نما بعد السنة من أرباح، أو أولاد للشاة، أو نحوها، فهو للملتقط، لا لصاحبها؛ لأنها ملكه ونموها له.
وهكذا الشاة حكمها حكم النقود، يعرِّفها سنة، كما في الحديث الآخر:«مَنْ آوَى ضَالَّةً فَهُوَ ضَالٌّ، مَا لَمْ يُعَرِّفْهَا» (1) يعرفها سنة؛ لأنها لا تدفع عن نفسها، فهي بمنزلة السجادة، والوسادة، وأشباه ذلك، لابد من تعريفها، فإن عُرِفت، وإلا فهي له، ثم هو بالخيار، إن شاء باعها، وحفظ صفاتها، وإن شاء جعلها عند من يرعاها، كعند من يرعى غنماً جعلها مع غنمه [
…
] (2) تبقى مع الغنم، وإن شاء ثمَّنها قيمة عدل بواسطة أهل الخبرة، وَأَكَلَها إن كان أصلح من بيعها.
ويضبط الصفات، ويحفظها، متى جاء طالبها يوماً من الدهر أداها إليه، والتعريف سنة كاملة، كالنقود؛ لأن الشاة ونحوها لا تدفع عن نفسها، سواء كانت من الماعز، أو من الضأن ذكراً أو أنثى، لا تدفع عن نفسها، فهي له، أو لأخيه، أو للذئب، فيأخذها إن شاء إذا أمن نفسه عليها، وإن لم يأمن نفسه تركها، لكن الأفضل له أن يأخذها، لقول النبي:«خذها» . لئلا تضيع.
(1) مسلم، كتاب اللقطة، باب في لقطة الحاج، برقم 1725.
(2)
ما بين المعقوفين كلمتان غير واضحة، ولا يؤثر سقوطهما في المعنى.
أما الإبل ونحوها، فهذه لا يلتقطها، بل يدعها؛ لأنها ترد الماء، وتأكل الشجر، حتى يجدها ربها، تدفع عن نفسها من ذئب ونحوه، فلا عليها خطر، فإن كانت في محل فيه خطر، ذكر أهل العلم أنها تؤخذ، وتسلَّم لولي الأمر، حتى يحفظها مع إبل المسلمين، وإن كانت في محل ليس فيه خطر، فيه الشجر، وفيه الماء، وليس فيه خطر، تركها؛ لأن الرسول قال:«دعها» ، وكلام النبي صلى الله عليه وسلم محمول على أنها في أرض تستطيع أن تعيش فيها، فيها الماء، وفيها الشجر، أما في أرض مسبعة، فيها الأسود والنمور، أو فيها سُرَّاق لا يُؤمَن عليها في أرض لا تؤمن، فإن قواعد الشرع تقتضي أنه يأخذها، ويسلمها لولي الأمر: أمير البلد، أو حاكم المسلمين [
…
] (1)، حتى يجعلها مع إبل المسلمين، أو يبيعها، ويحفظ ثمنها لمن يعرفها، ويعرف صفاتها، أو أوسامها.
ومثل الإبل: البقر، وأشباهها ممن يدفع عن نفسه، أما الذي لا يدفع عن نفسه، كالحمار، وأشباه ذلك، فإنه له حكم كحكم الشاة يباع، أو يُجعل مع الرعية التي عنده [
…
] (2)، حتى يجدها ربها، أو يباع، ويحفظ الثمن والصفات، فإذا جاء طالبها، أعطاه إياه ويعرفها: كالشاة.
(1) ما بين المعقوفين غير واضح، ولكن لا يؤثر في المعنى.
(2)
ما بين المعقوفين غير واضح، ولكن لا يؤثر في المعنى.