المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌16 - كتاب الأطعمة - الإفهام في شرح عمدة الأحكام

[ابن باز]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة المحقق

- ‌وكان عملي على النحو الآتي:

- ‌نبذة عن حياة مؤلف العمدة: الإمام عبد الغني بن عبد الواحد المقدسي

- ‌أولاً: نسبه، ومولده، ونشأته، ومكانته العلمية:

- ‌ثانياً: عبادته وتضرعه، وأوقاته:

- ‌ثالثاً: شيوخه:

- ‌رابعاً: تلامذته:

- ‌خامساً: أقوال العلماء فيه:

- ‌سادساً: أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر:

- ‌سابعاً: جوده وكرمه:

- ‌ثامناً: تصانيفه:

- ‌تاسعاً: وفاته:

- ‌نبذة عن حياة الشارح الإمام عبد العزيز بن عبد الله بن باز

- ‌أولاً: ما قال سماحته عن نفسه

- ‌ثانياً: أوصافه الخَلْقية

- ‌ثالثاً: صفاته الخُلُقية:

- ‌رابعاً: دروسه العلمية في مدينة الرياض

- ‌خامساً: زوجات سماحة الشيخ:

- ‌سادساً: أولاده:

- ‌ثامناً: الجنازة وأصداء الوفاة

- ‌تاسعاً: مشاهد نادرة من جنازة الشيخ

- ‌مقدمة المؤلف

- ‌1 - كتاب الطهارة

- ‌1 - بابُ دخولِ الخلاءِ والاستطابةِ

- ‌2 - بابُ السواكِ

- ‌3 - بابُ المسحِ على الخفينِ

- ‌4 - بابٌ في المذيِ وغيرِهِ

- ‌5 - بابُ الغسل من الجنابةِ

- ‌6 - باب التَّيَمُّمِ

- ‌7 - بابُ الحيضِ

- ‌2 - كتاب الصلاة

- ‌8 - بابُ المواقيتِ

- ‌9 - باب فضلِ صلاة الجماعة ووجوبها

- ‌10 - بابُ الأَذانِ

- ‌11 - باب استقبالِ القبلة

- ‌12 - بابُ الصُّفوفِ

- ‌13 - بابُ الإِمامةِ

- ‌14 - بابُ صفةِ صلاةِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم

- ‌15 - باب وجوب الطمأنينة في الركوع والسجود

- ‌16 - باب القراءة في الصلاة

- ‌17 - بابُ تركِ الجَهرِ ببسمِ اللَّه الرَّحمنِ الرَّحيمِ

- ‌18 - بابُ سجودِ السَّهو

- ‌19 - بابُ المرورِ بينَ يديِ المصلي

- ‌20 - بابٌ جامعٌ

- ‌21 - بابُ التَّشهدِ

- ‌24 - باب الجمع بين الصلاتين في السفر

- ‌25 - باب قصر الصلاة في السفر

- ‌26 - باب الجمعة

- ‌27 - باب العيدين

- ‌28 - باب صلاة الكسوف

- ‌29 - باب صلاة الاستسقاء

- ‌30 - باب صلاة الخوف

- ‌31 - باب الجنائز

- ‌3 - كتاب الزكاة

- ‌32 - باب صدقة الفطر

- ‌4 - كتاب الصِّيَامِ

- ‌33 - باب الصوم في السفر وغيره

- ‌34 - باب أفضل الصيام وغيره

- ‌35 - باب ليلة القَدر

- ‌36 - باب الاعتكاف

- ‌5 - كتاب الحَجِّ

- ‌37 - باب المواقيت

- ‌38 - باب ما يلبس المُحرِم من الثياب

- ‌39 - باب الفدية

- ‌40 - باب حُرمة مكة

- ‌41 - باب ما يجوز قتله

- ‌42 - باب دخول مكة وغيره

- ‌43 - باب التمتُّع

- ‌44 - باب الهدي

- ‌45 - باب الغسل للمحرم

- ‌46 - باب فسخ الحج إِلى العمرة

- ‌47 - باب المحرم يأكل من صيد الحلال

- ‌6 - كتاب البيوع

- ‌48 - باب ما يُنهى عنه من البيوع

- ‌49 - باب العرايا وغير ذلك

- ‌50 - باب السَّلَم

- ‌51 - باب الشروط في البيع

- ‌52 - باب الربا والصَّرف

- ‌53 - باب الرهن وغيره

- ‌54 - بابُ اللُّقَطة

- ‌7 - كتاب الوصَايا

- ‌8 - كتاب الفرائض

- ‌9 - كتاب النكاح

- ‌55 - باب الصداق

- ‌10 - كتاب الطلاق

- ‌56 - باب العِدَّة

- ‌11 - كتاب اللعان

- ‌12 - كتاب الرضَاع

- ‌13 - كتاب القِصَاص

- ‌14 - [كتاب الحدُود

- ‌57 - باب حدِّ السرقة

- ‌58 - باب حدِّ الخمر

- ‌15 - كتاب الأيمان والنذور

- ‌59 - باب النذر

- ‌60 - باب الْقَضاء

- ‌16 - كتاب الأطعمة

- ‌61 - باب الصيد

- ‌62 - باب الأضاحي

- ‌17 - كتاب الأشربة

- ‌18 - كتاب اِللِّبَاس

- ‌19 - كتاب الجِهاد

- ‌20 - كتاب العتق

- ‌63 - باب بيع المدبَّر

- ‌الفهارس العامة

- ‌1 - فهرس الآيات القرآنية

- ‌2 - فهرس الأحاديث النبوية والآثار

- ‌3 - فهرس الألفاظ الغريبة

- ‌4 - فهرس الأشعار

- ‌5 - فهرس مصادر ومراجع التحقيق

الفصل: ‌16 - كتاب الأطعمة

‌16 - كتاب الأطعمة

382 -

عن النعمان بن بَشير رضي الله عنه قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ ــ وَأَهْوَى النُّعْمَانُ بِإِصْبَعَيْهِ إلَى أُذُنَيْهِ ــ: «إنَّ الْحَلالَ بَيِّنٌ، وإنَّ الْحَرَامَ بَيِّنٌ، وَبَيْنَهُمَا أمورٌ (1) مُشْتَبِهَاتٌ، لا يَعْلَمُهُنَّ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، فَمَنِ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ، وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ وَقَعَ فِي الْحَرَامِ: كَالرَّاعِي يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يَرْتَعَ فِيهِ، أَلا وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى، أَلا وَإِنَّ حِمَى اللَّهِ مَحَارِمُهُ، أَلا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً، إذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، أَلا وَهِيَ الْقَلْبُ» (2).

383 -

عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: «أَنْفَجْنَا أَرْنَباً بِمَرِّ الظَّهْرَانِ، فَسَعَى الْقَوْمُ فَلَغَبُوا، وَأَدْرَكْتُهَا (3)، فَأَخَذْتُهَا، فَأَتَيْتُ بِهَا أَبَا طَلْحَةَ، فَذَبَحَهَا، وَبَعَثَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِوَرِكِهَا، أوَفَخِذهَا (4)، فَقَبِلَهُ» (5).

(1)«أمور» : ليست في نسخة الزهيري، وهي في البخاري، برقم 2051.

(2)

رواه البخاري، كتاب الإيمان، باب فضل من استبرأ لدينه، برقم 52، ومسلم، كتاب المساقاة والمزارعة، باب أخذ الحلال وترك الشبهات، برقم 1599، بلفظه إلا كلمة:«أمور» ، فهي في البخاري، برقم 2051.

(3)

في نسخة الزهيري: «فأدركتها» ، وهذه في البخاري، برقم 2572.

(4)

في نسخة الزهيري: «وفخذيها» ، وهي في جميع روايات البخاري، ومسلم بلفظ:«فخذيها» .

(5)

رواه البخاري، كتاب الهبة، بلفظه في باب قبول هدية الصيد، برقم 2572، وفي لفظه: «

بِوَرِكِهَا أَوْ فَخِذَيْهَا - قَالَ الراوي: فَخِذَيْهَا لَا شَكَّ فِيهِ»، وفي كتاب الصيد والذبائح، باب ما جاء في التصيد، برقم 5489، بلفظ: «

بِوَرِكَيْهَا أَوْ فَخِذَيْهَا»، بالتثنية، وباب الأرنب، برقم 5535، بتثنية الفخذ، وتثنية الورك كذلك، ومسلم، كتاب الصيد والذبائح، وما يؤكل من الحيوان، باب إباحة الأرنب، برقم 1953، وفي لفظه:«فَذَبَحَهَا، فَبَعَثَ بِوَرِكِهَا وَفَخِذَيْهَا» ، بدون شك في إفراد الورك وتثنية الفخذ، وفي لفظ لمسلم:«بِوَرِكِهَا أَوْ فَخِذَيْهَا» ، بإفراد الورك، وتثنية الفخذ، فاتضح من جميع الروايات أن الفخذين بالتثنية.

ص: 747

«لغبوا» تعبوا (1) وَأَعْيَوْا.

384 -

عن أسماء بنت أبي بكرٍ رضي الله عنهما قالت: «نَحَرْنَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَرَسًا فَأَكَلْنَاهُ» (2).

وفي روايةٍ «وَنَحْنُ في الْمَدِينَةِ (3)» (4).

113 -

قال الشارح رحمه الله:

هذا كتاب الأطعمة، والأطعمة هي ما يؤكل ويُشرب، يقال له طعام، وجمعه أطعمة، ويقال: المأكول والمشروب، وقد جاءت الأدلة الشرعية من الآيات الكريمات والأحاديث الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم ببيان ما يحل وما يحرم، فاللَّه أحل في كتابه لعباده بهيمة الأنعام من الإبل، والبقر، والغنم، والصيد، وجاءت السنة عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بأشياء كثيرة، أحلها اللَّه لعباده، وحرّم أشياء، بينّها سبحانه لعباده، وبيَّنها رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، كما قال تعالى:{حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ} (5) الآية،

(1) في نسخة الزهيري: «لغبوا: أعيوا» .

(2)

رواه البخاري، كتاب الذبائح والصيد، باب النحر والذبح، برقم 5510، و5511، و5512، بلفظه، ومسلم، كتاب الصيد والذبائح، وما يؤكل من الحيوان، باب في أكل لحوم الخيل، برقم 1942.

(3)

في نسخة الزهيري: «بالمدينة» ، وهذا لفظ البخاري، برقم 5511.

(4)

رواه البخاري، كتاب الذبائح والصيد، باب النحر والذبح، برقم 5511.

(5)

سورة المائدة، الآية:3.

ص: 748

وجاءت أمور مشتبهة يجب على المؤمن التثبت فيها، حتى يعرف حكم اللَّه فيها، ولا يعتدي حتى يعرف الحكم، وفي هذا الباب حديث النعمان بن بشير بن سعد الأنصاري رضي الله عنهما، قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول، وأشار إلى أذنيه، يعني: سمعت بأُذني لتأكيد السماع، يقول:«إن الحلال بينٌ، والحرام بينٌ، وبينهما مشتبهات، لا يعلمهن كثير من الناس، فمن اتقى الشبهات استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام: كالراعي يرعى حول الحمى، يوشك أن يقع فيه، ألا وإن لكل ملكٍ حمى، ألا وإن حمى اللَّه محارمه، ألا وإن في الجسد مضغة، إذا صَلَحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب» .

هذا الحديث العظيم دل على فوائد، وهو متفق على صحته عند البخاري ومسلم رحمة اللَّه عليهما، وهو من أصول الدين، قال بعض أهل العلم:

«عمدة الدين عندنا كلمات

أربع من كلام خير البرية

اتق الشبهات، وازهد

ودع ما ليس يعنيك واعملن بنية»

قوله: «اتق الشبهات» ، يريد هذا الحديث يشير إلى هذا الحديث:«الحلال بين والحرام بين» ، أي بيّن اللَّه ورسوله الحلال والحرام، فالحلال مثل ما تقدم من الإبل، والبقر، والغنم، والحبوب من الحنطة، والشعير، والأرز، والذرة، والفواكه من التمر، والعنب، وغيرهما من الفواكه حلالٌ بيّن.

ص: 749

والحرام بيّن، مثل: الميتة، والخنزير، والسباع، وأشباه ذلك، مما حرمه اللَّه.

«وبينهما مشتبهات، لا يعلمهن كثير من الناس» ، يعني يعلمها الراسخون في العلم، تشتبه على بعض الناس، فالمشروع للمؤمن عند اشتباهها أن لا يعجل، وأن يتقيها براءةً لدينه وبراءةً لعرضه، حتى يسأل عنها، أو يعرف حكم اللَّه فيها بالأدلة.

«ومن وقع في الشبهات» يعني من تساهل، ووقع في الشبهات «وقع في الحرام» ، يعني من تساهل في الشبهات، ولم يبالِ جرَّه ذلك للوقوع في الحرام. «كالراعي يرعى حول الحمى، يوشك أن يقع فيه» ، مثل الراعي الذي يرعى إبله، أو غنمه، أو بقره عند الزروع، عند حمى الناس، عند زروعهم، يوشك أن يقع فيه، يعني يقرب أن يقع فيه؛ لأنه قريب إذا غفل، أو نام رتعت غنمه، أو إبله في حمى الناس؛ لأنه قريب، لكن إذا كان بعيداً عن الحمى، في الغالب تسلم زروع الناس من ماشيته، لو غفل، أو نام، وهو بعيد يمكن أن ينتبه قبل أن تصل ماشيته إلى حمى الناس، ثم بين الرسول صلى الله عليه وسلم أن الملوك يغضبون إذا انتهكت حماهم، قال:«ألا وإن لكل ملك حمى» ، يعني يحمون الأراضي، الإبل، والخيل، وغير ذلك لمصالح المسلمين، ويغضبون إذا انتهكت وتُعدِّي عليها، قال:«ألا وإن حمى اللَّه محارمه» ، حمى اللَّه سبحانه، وهو ملك الملوك، حماه محارمه، التي حرمها على عباده، فالواجب الحذر منها، وعدم انتهاكها، كما أن الملوك ملوك الدنيا يغضبون إذا

ص: 750

انتهكت أحميتهم، فاللَّه ملك الملوك، ملك الجميع، يغضب إذا انتهك حماه، إذا تعدى الناس على محارمه، وارتكبوا معاصيه، حمى اللَّه هو محارمه التي حرم على عباده مثل: الزنى، السرقة، العقوق، قطيعة الرحم، الربا، شهادة الزور، القتل بغير حق، إلى غير هذا مما حرمه اللَّه، فالواجب الحذر من ذلك، وعدم انتهاكه، ثم بيّن حال القلب، وأن مدار الصلاح والفساد على القلب، وأن هذه المضغة متى صلحت صلح الإنسان، ومتى فسدت فسد الإنسان، وهي قلبه، إذا صلح القلب، وكان معموراً بخشية اللَّه، والإخلاص له، وتعظيمه، ومحبته صلحت أعمال الجسد، واستقام الجسد، ومتى خبث القلب، وامتلأ بالشكوك، والأوهام، أو بالنفاق، والشرك، فسد الجسد لأسبابه، والمعنى أنه يجب على المؤمن أن يعتني بقلبه، ويحرص على سلامة قلبه، ويسأل ربه التوفيق، والهداية، وصلاح قلبه، وأن يعمره

اللَّه بمحبة اللَّه، والخشية للَّه، وتعظيمه، والإخلاص له حتى لا يفسد.

حديث أنس فيه الدلالة على حِل الأرنب؛ لأنهم أنفجوا (1) أرنباً، وهم مع النبي صلى الله عليه وسلم، وسبق إليها أنس، وأخذها، وصادها، وأتى بها إلى أبي طلحة، فذبحها أبو طلحة، وأهدى للنبي صلى الله عليه وسلم منها بعضها، فقبله النبي صلى الله عليه وسلم، فدل على حِل الأرنب، والأرنب من الصيد الحلال،

(1) نفج: في حديث قيلة: فانتفجت منه الأرنب، أي وثبت، ومنه الحديث:«فأنفجنا أرنباً» أي أثرناه. النهاية في غريب الحديث والأثر، 5/ 86، مادة (نفج).

ص: 751

وكذا الظباء، وتسمى الغزلان، وهكذا الوضيحي (1): حمار الوحش، وهكذا الوعول، كلها صيد.

وهكذا الطيور المعروفة: كالحُبارى، والدجاج، والحمام، وسائر أنواع الطيور المعروفة الحلال من القُمري، والعصفور، وما أشبهه، مما أحله اللَّه.

أما ذات المخالب، فهي محرمة، كالصقور، والحدأة، وأشباهها، لا تجوز، وكل ذوات المخالب، وهكذا كل ذي ناب من السباع: كالأسد، والنمر، والذئب كلها حرام، وهكذا مما يأكل الجيف، وما أمر الرسول بقتله: كالغراب، والرخم، هذه من الطيور التي تأكل الجيف لا تحل لخبثها، والنسور كذلك من الطيور الخبيثة لا تحل.

في حديث أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما تقول رضي الله عنهما: إنهم نحروا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم فرساً، وأكلوه في المدينة ــ هذا يدل على أن الخيل حلال، ومباحة لا بأس بذبحها، وأكلها، إلا إذا دعت الحاجة إليها في الجهاد لا تُذبح، إذا دعت الحاجة إليها في الجهاد، وإلا فهي حلال تذبح، وتؤكل، بخلاف الحمر والبغال فلا، فهي حرام: البغال، والحمر الأهلية المعروفة هذه لا تذبح؛ لأنها محرمة، أما الخيل فهي مباحة، الرسول رخَّص لهم في الخيل، ونهى عن الحمر والبغال.

385 -

عن جابر بن عبد اللَّه رضي الله عنهما «أَنَّ رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ

(1) حمار الوحش: يسمّيه بعض الناس من أهل نجد: الوضيحي.

ص: 752

لُحُومِ الْحُمُرِ الأَهْلِيَّةِ، وَأَذِنَ فِي لُحُومِ الْخَيْلِ» (1).

ولمسلم وحده قال: «أَكَلْنَا زَمَنَ خَيْبَرَ الْخَيْلَ، وَحُمُرَ الْوَحْشِ، وَنَهَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنِ الْحِمَارِ الأَهْلِيِّ» (2).

386 -

وعن عبد اللَّه بن أبي أوفَى رضي الله عنه قال: «أَصَابَتْنَا مَجَاعَةٌ لَيَالِيَ خَيْبَرَ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ خَيْبَرَ، وَقَعْنَا فِي الْحُمُرِ الأَهْلِيَّةِ، فَانْتَحَرْنَاهَا فَلَمَّا غَلَتْ بِهَا الْقُدُورُ، نَادَى مُنَادِي رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أَنْ أَكْفِئُوا الْقُدُورَ، وَلا تَاكُلُوا مِنْ لُحُومِ الْحُمُرِ الأهلية (3) شَيْئاً» (4).

387 -

عن أبي ثَعْلَبة الْخُشَنِيِّ (5) رضي الله عنه قال: «حَرَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لُحُومَ الْحُمُرِ الأَهْلِيَّةِ» (6).

(1) رواه البخاري، كتاب المغازي، باب غزوة خيبر، برقم 4219، ولفظه:«نهى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يوم خيبر عن لحوم الحمر الأهلية، ورخص في الخيل» ، وكتاب الذبائح والصيد، باب لحوم الخيل، برقم 5520، بلفظ:«نهى النبي صلى الله عليه وسلم يوم خيبر عن لحوم الحمر، ورخص في لحوم الخيل» ، ومسلم، كتاب الصيد والذبائح، وما يؤكل من الحيوان، باب في أكل لحوم الخيل، برقم 1941، بلفظه، إلا جملة:«يوم خيبر» ، ليست في هذا الحديث في العمدة.

(2)

رواه مسلم، كتاب الصيد والذبائح، وما يؤكل من الحيوان، باب في أكل لحوم الخيل،

برقم 37 - (1941)، وعنده:«ونهانا» بدل: «ونهى» .

(3)

«الأهلية» : ليست في نسخة الزهيري.

(4)

رواه البخاري، كتاب فرض الخمس، باب ما يصيب من الطعام في أرض الحرب، برقم 3155، والمغازي، باب غزوة خيبر، برقم 4220، 5528، ومسلم، كتاب الصيد والذبائح، وما يؤكل من الحيوان، باب تحريم أكل لحوم الحمر الإنسية، برقم 27 - (1937) بلفظه إلا أن عنده:«ولا تأكلوا من لحوم الحمر شيئاً» ، ولم تذكر كلمة:«الأهلية» .

(5)

«الخشني» : ليست في نسخة الزهيري.

(6)

رواه البخاري، كتاب الذبائح والصيد، باب لحوم الحمر الإنسية، برقم 5527، بلفظه، إلا أنه لم يذكر كلمة:«الخشني» ، ومسلم، كتاب الصيد والذبائح، وما يؤكل من الحيوان، باب تحريم أكل لحم الحمر الإنسية، برقم 1936، بلفظه، إلا كلمة:«الخشني» .

ص: 753

388 -

عن ابن عباس (1) رضي الله عنهما قال: «دَخَلْتُ أَنَا وَخَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَيْتَ مَيْمُونَةَ، فَأُتِيَ بِضَبٍّ مَحْنُوذٍ، فَأَهْوَى إلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِيَدِهِ، فَقَالَ بَعْضُ النِّسْوَةِ اللَاّتِي فِي بَيْتِ مَيْمُونَةَ: أَخْبِرُوا رَسُولَ اللَّهِ بِمَا يُرِيدُ أَنْ يَاكُلَ، فقالوا: هو ضب يا رسول اللَّه (2). فَرَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَدَهُ. فَقُلْتُ: أَحَرَامٌ هُوَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «لا، وَلَكِنَّهُ لَمْ يَكُنْ بِأَرْضِ قَوْمِي، فَأَجِدُنِي أَعَافُهُ» قَالَ خَالِدٌ: فَاجْتَرَرْتُهُ، فَأَكَلْتُهُ، وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَنْظُرُ» (3).

«المحنوذ» المشويُّ بالرَّضْفِ، وهي الحجارة المحماة.

114 -

قال الشارح رحمه الله:

هذه الأحاديث الصحيحة عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم تدل على حِل لحوم الخيل، وأنها حلال، وعلى حِلّ حمر الوحش، وهي التي تُسمَّى الوضيحي، وهي صيد، لها خِلقة خاصة ومنقشة جلدها، ليس من جنس الحمر الأهلية، فهذه حلال: كالوعل، والظباء، والأرنب، وأشباه ذلك، فلهذا رخص لهم النبي صلى الله عليه وسلم في الخيل وحمر الوحش،

(1) في نسخة الزهيري: «عباس» بدون لفظة: ابن.

(2)

«فقالوا: هو ضبٌّ يا رسول اللَّه» : ليست في نسخة الزهيري، وهي في صحيح البخاري، برقم 5537.

(3)

رواه البخاري، كتاب الذبائح والصيد، باب الضب، بنحوه، برقم 5537، ومسلم، كتاب الصيد والذبائح، وما يؤكل من الحيوان، باب إباحة الضب، برقم 1945، بلفظه.

ص: 754

التي هي الوضيحي، ونهاهم عن لحوم الحمر الأهلية، ولما اشتد بهم الجوع في خيبر ذبحوها وطبخوها، أمرهم بإكفاء القدر، وأن لا يأكلوا من لحمها شيئاً، فدل ذلك على تحريم الحمر الأهلية، وهي الحمر الموجودة الآن المعروفة، لا يجوز أكلها.

أما الخيل وحمر الوحش: كالظباء والأرنب والوعل، كل هذه حلال، وهكذا الضب، وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه ليس بحرام، وأُكل على مائدته عليه الصلاة والسلام، سأله خالد: أحرام؟ فقال: «لَا، وَلَكِنَّهُ لَمْ يَكُنْ بِأَرْضِ قَوْمِي فَأَجِدُنِي أَعَافُهُ» (1) كان النبي لا يشتهيه ولا يأكله، ولكنه أباحه للأمة، وهو حلال، والضب معروف، فهذا فيه بيان حله كالخيل وحمر الوحش والظباء التي هي [الصيد](2) المعروف، كما يحل الأرنب، الدجاج، الحمام، وأشباهها من الصيود المعروفة، وكما أحل اللَّه بهيمة الأنعام: من الإبل، والبقر، والغنم، كل هذا بفضل اللَّه وإحسانه جل وعلا، وحرم كل ذي ناب من السباع: كالأسد، والنمر، هذه حرام، والذئب، والكلب، والسنّور، والثعلب، كل هذه محرمة، كلها من ذوات الناب، هكذا ذوات المخالب من الطير محرمة: كالصقور، والحدأة، والباز، والعُقاب، كل هذه طيور محرمة؛ لأنها من ذوات المخالب، كما أن ذوات الناب من السباع

(1) البخاري، كتاب الأطعمة، باب ما كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يأكل حتى يُسمّى له، فيعلم ما هو، برقم 5391، ومسلم، كتاب الصيد والذبائح وما يؤكل من الحيوان، برقم 1946.

(2)

ما بين المعقوفين كلمة غير واضحة، والأظهر أنها:«الصيد» .

ص: 755

محرمة: كالأسود، والنمر، والذئب، والكلب، والفهد، والسِّنَّوْر، والثعلب، كل هذه من السباع، وفي حكم السباع محرمة.

389 -

عن عبد اللَّه بن أبي أوفَى رضي الله عنه قال: «غَزَوْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سَبْعَ غَزَوَاتٍ، نَاكُلُ الْجَرَادَ» (1).

390 -

عن زَهْدَمِ بن مُضَرِّبٍ الْجَرْمِيِّ قَال: «كُنَّا عِنْدَ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ (2) رضي الله عنه فَدَعَا بِمَائِدَةٍ (3)، وَعَلَيْهَا لَحْمُ دَجَاجٍ، فَدَخَلَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي تَيْمِ اللَّهِ، أَحْمَرُ شَبِيهٌ بِالْمَوَالِي. فَقَالَ له: هَلُمَّ، فَتَلَكَّأَ، فَقَالَ (4): هَلُمَّ، فَإِنِّي (5) رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَاكُلُ مِنْهُ» (6).

391 -

عن ابن عباس رضي الله عنهما، أَنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال:«إذَا أَكَلَ أَحَدُكُمْ طَعَامًا فَلا يَمْسَحْ يَدَهُ، حَتَّى يَلْعَقَهَا أَوْ يُلْعِقَهَا» (7).

(1) رواه البخاري، كتاب الذبائح والصيد، باب أكل الجراد، برقم 5495، بنحوه، ومسلم، كتاب الصيد والذبائح، وما يؤكل من الحيوان، باب إباحة الجراد، برقم 1952، بلفظه.

(2)

«الأشعري» : ليست في نسخة الزهيري، وهي في البخاري، برقم 5518.

(3)

في نسخة الزهيري: «بمائدته» ، وهي عند مسلم، برقم 9 - (1649).

(4)

في نسخة الزهيري: «فقال له» ، والذي في المتن لفظ مسلم، برقم 9 - (1649).

(5)

في نسخة الزهيري: «فإني قد» ، وهي في مسلم، برقم 9 - (1649).

(6)

رواه البخاري، كتاب الذبائح والصيد، باب لحم الدجاج، برقم 5518، وهو طرف من الحديث رقم 3133 عند البخاري، ومسلم، كتاب الأيمان والنذور، باب ندب من حلف يميناً، فرأى غيرها خيراً منها، أن يأتي الذي هو خير، ويكفر عن يمينه، برقم 9 - (1649)، بلفظه في حديث طويل.

(7)

رواه البخاري، كتاب الأطعمة، باب لعق الأصابع ومصها قبل أن تمسح بالمنديل، برقم 5456، بنحوه، ومسلم، كتاب الأشربة، باب استحباب لعق الأصابع والقصعة، وأكل اللقمة الساقطة بعد مسح مايصيبها من أذى، وكراهة مسح اليد قبل لعقها، برقم 2031، بلفظه.

ص: 756

115 -

قال الشارح رحمه الله:

هذه الأحاديث الصحيحة تدل على حِل الجراد، وحِلَّ لحم الدجاج.

في الحديث الأول: يقول عبداللَّه بن أبي أوفى رضي الله عنه قال: «غزونا مع النبي صلى الله عليه وسلم سبع غزوات نأكل الجراد» ، فدل على حِل الجراد، وأنه لا بأس به، والجراد بأنواعه طيب حياً، وميتاً، حتى ميته حلال، فالجراد حياً وميتاً حلال، لحديث ابن عمر «أُحِلَّتْ لَنَا مَيْتَتَانِ، وَدَمَانِ، فَأَمَّا الْمَيْتَتَانِ: فَهي الْحُوتُ وَالْجَرَادُ» (1)، فالجراد كالسمك حياً وميتاً إن طُبِخ جاز وإن شوي جاز، فلو وجد ميتاً حلّ أكله، يُطبخ ويؤكل، وإن وجد حياً وطبخ وشوي جاز ذلك، فميِّته حلال كحيه، كالسمك حيه حلال وميْته حلال، والدجاج، ذكر أبو موسى أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يأكله، فدل على حِلِّ الدجاج، وهو طير طيب كالحمام، ونحوه من الطيور الطيبة، فهو حلالٌ طيبٌ، ومن ذلك أنواع الطيور، التي ليس لها مِخْلَب، وليست مما يأكل الخبائث: كالعصافير، والقُمري، وسائر أنواع الطيور الطيبة التي ليست من ذوات المخالب، وليست من أكلة الجيف: كالرخم، والغراب، لأن الرخم،

(1) أخرجه الإمام أحمد، 10/ 16، برقم 5723، والشافعي في مسنده، ص 340، وابن ماجه، كتاب الأطعمة، باب الكبد والطحال، برقم 3314، وحسن إسناده محققو المسند، 10/ 16، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه، 2/ 232، برقم 3305، وتقدم تخريجه في تخريج أحاديث شرح حديث المتن 275.

ص: 757