الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وزَّعه صلى الله عليه وسلم لمصلحة الإسلام والمسلمين؛ فلهذا طيَّب نفوسهم، واعتذر لهم بهذا العذر الواضح، وبيّن لهم منزلتهم عنده، وأن لهم المنزلة العالية الرفيعة، وذلك بما يطيب النفوس، ويزيل ما قد يقع في نفس بعض الشباب من استئثار.
32 - باب صدقة الفطر
182 -
عن عبد اللَّه بن عمر رضي الله عنهما قال: «فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (1) صَدَقَةَ الْفِطْرِ ــ أَوْ قَالَ: رَمَضَانَ ــ عَلَى الذَّكَرِ وَالأُنْثَى، وَالْحُرِّ وَالْمَمْلُوكِ: صَاعاً مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعاً مِنْ شَعِيرٍ قَالَ: فَعَدَلَ النَّاسُ بِهِ نِصْفَ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ عَلَى الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ» (2).
وفي لفظ، «أَنْ تُؤَدَّى قَبْلَ خُرُوجِ النَّاسِ إلَى الصَّلاةِ» (3).
183 -
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: «كُنَّا نُعْطِيهَا فِي زَمَنِ (4) الرسولِ صلى الله عليه وسلم (5) صَاعاً مِنْ طَعَامٍ، أَوْ صَاعاً مِنْ تمرٍ، أَوْ صَاعاً مِنْ شَعِيرٍ، أَوْ صَاعاً مِنْ أَقِطٍ، أَوْ صَاعاً مِنْ زَبِيبٍ، فَلَمَّا جَاءَ مُعَاوِيَةُ، وَجَاءَتِ السَّمْرَاءُ (6).
(1) في نسخة الزهيري: «النبي» ، وهي هكذا في البخاري، برقم 1511.
(2)
رواه البخاري، كتاب الزكاة، باب صدقة الفطر على الحر والمملوك، برقم 1511، واللفظ له، وقوله:«على الصغير والكبير» ليست في لفظ الحديث، وإنما هي في آخر الرواية: «فَكَانَ ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما يُعْطِي عَنِ الصَّغِيرِ، وَالكَبِيرِ
…
»، ومسلم، كتاب الزكاة، باب زكاة الفطر على المسلمين من التمر والشعير، برقم 984.
(3)
رواه البخاري، كتاب الزكاة، باب فرض صدقة الفطر، برقم 1503، وفي أوله: «وَأَمَرَ بِهَا
…
».
(4)
في نسخة الزهيري: «في زمان» ، وهي في البخاري، برقم 1508.
(5)
في نسخة الزهيري: «النبي صلى الله عليه وسلم» ، وهي في البخاري، برقم 1508.
(6)
أي الحنطة.
قَالَ: أَرَى مُدَّاً مِنْ هَذِهِ (1) يَعْدِلُ مُدَّيْنِ. قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: أَمَّا أَنَا فَلا أَزَالُ أُخْرِجُهُ كَمَا كُنْتُ أُخْرِجُهُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (2)» (3).
47 -
قال الشارح رحمه الله:
هذان الحديثان الصحيحان عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في شأن زكاة الفطر: زكاة الفطر فريضة فرضها رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، وأجمع عليها المسلمون، وهي صاعٌ من طعام، صاع من قوت البلد، تُعطى للفقراء، والمساكين عن كل رأس من أهل البيت، الرجل وزوجته وأهل بيته جميعاً من أولاد، وأيتام، ونحو ذلك، من أهل بيته عن الذكر والأنثى، والصغير والكبير، والحر والعبد من المسلمين، أما
(1) في نسخة الزهيري: «من هذا» وهي في البخاري، برقم 1508.
(2)
«على عهد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم» : ليست في نسخة الزهيري.
(3)
رواه البخاري، كتاب الزكاة، باب صاع من زبيب، برقم 1508، وقوله:«أو صاعاً من أقط» ليست في هذه الرواية، وهي في الحديث رقم 1506، ومسلم، كتاب الزكاة، باب زكاة الفطر على المسلمين من التمر والشعير، برقم 985، و18 - (985).
لو كان عنده مماليك كفار ليس عليهم زكاة فطر، إنما الزكاة على المسلمين، وهي تُسمَّى بزكاة الفطر، وصدقة الفطر، وصدقة رمضان، من كان موجوداً عند نهاية رمضان، وجبت عليه الزكاة؛ لأنها زكاة الفطر، سواء كان ممن يصوم، أو من الصغار الذين لا يصومون، فهي عامة: صاعاً من تمرٍ، أو صاعاً من شعير، ودل حديث أبي سعيد على أن جميع هذه الأنواع من الأطعمة، كذلك من البُرّ والأرز، لأنه قال: صاعاً من طعام، فيعم الأرز، والتمر، وكل طعام يقتاته الناس، مما يُكال، ويُقتات.
فإذا كان في البلد الذرة، أو الدخن، أو أشباه ذلك، زكَّوا من طعامهم، وهكذا الأقط، البادية يستعملون الأقط كثيراً، يُزكَّى من الأقط لا بأس، أو الزبيب؛ ولهذا في حديث أبي سعيد: صاعاً من طعام، أو صاعاً من تمر، أو صاعاً من شعير، أو صاعاً من زبيب، أو صاعاً من أَقِطٍ، هذه خمسة، ولو كان هناك نوع آخر: كالذرة، أو كالدخن، أو العدس، أو ما أشبه مما يقتاتونه، زكَّوا منه من طعامهم؛ لأنه مواساة للفقراء، والمواساة تكون فيما يأكله المؤدِّي، مما يتملكه من الطعام.
والواجب إخراجها قبل صلاة العيد، كما قال في الحديث:«وأمر أن تؤدَّى قبل خروج الناس إلى الصلاة» ، فيؤديها المسلمون قبل خروجهم إلى صلاة العيد، ويجب أن تؤدَّى قبل العيد بيوم، أو بيومين، كما كان الصحابة يؤدونها بإذن النبي عليه الصلاة والسلام، يعني من اليوم الثامن والعشرين، والتاسع والعشرين، وإن تم الشهر فالثلاثون
، فالشهر يكون تسعاً وعشرين، ويكون ثلاثين، فقبل العيد بيومين، هو اليوم الثامن والعشرون، واليوم التاسع والعشرون، وإذا تم الشهر صارت ثلاثة، ولهذا كان ابن عمر يؤديها قبل العيد بيومين، أو ثلاثة؛ لأنه في الحادث الغالب تكفي الفقير، ولو جاءت قبل العيد بيومٍ أو يومين يبقى له بقية تكفيه ليوم العيد، والسنة أن تكون من الشيء الطيب، كما قال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ} (1)، فالمؤمن يختار الشيء الطيِّب النظيف، ولا يجوز أن يتصدق من الشيء المعيب الرديء؛ لأن اللَّه قال:{وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ} (2)، أي ولا تقصدوا الخبيث الرديء منه تنفقون، ولكن تيمموا الطيب، أي اقصدوا الطيِّب، ولا يلزم منه الأطيب، أطيب شيء لا يلزمه، يلزمه الطيب الوسط، لا الرديء، ولا الأطيب، ولكن يلزمه الوسط من طعامه من التمر، أو من الحنطة، أو من الأقط، أو من الزبيب، من الشيء الطيب، فيخرج منه زكاة الفطر، ويكون ذلك يوم العيد قبل الصلاة أفضل، وإن أخرجها يوم التاسع والعشرين، أو يوم الثامن والعشرين، أو أخرجها في الليل ليلة التاسع والعشرين، أو ليلة الثلاثين، أو ليلة العيد أجزأه، لأنها مواساة، وهذه الأوقات متقاربة: العيد، وما قبله بيومٍ، أو يومين متقارب، والمقصود إغناؤهم عن
(1) سورة البقرة، الآية:(267).
(2)
سورة البقرة، الآية:(267).
الطوفان أيام العيد حتى يحصل لهم السرور مع الناس، والغبطة، وعدم الحاجة إلى التَّجوُّلِ في الأسواق يوم العيد للسؤال، وطلب الحاجة.
قال أبو سعيد: «فلما قدم معاوية المدينة [
…
] (1) قال: أرى أن مداً من هذا يعدل مُدين» (2)، أي مداً من الحنطة [
…
] (3) تعدل مدين من التمر، والشعير، والزبيب والأقط، هذا اجتهادٌ منه رضي الله عنه، هذا من باب الاجتهاد.
والصواب مثلما قال أبو سعيد: إخراج صاع، كما كان النبي عليه الصلاة والسلام يأمر بذلك: صاعاً من جميع الأقوات: من تمر، أو برٍ، أو غيرهما، وقد يكون البُر في بعض الأحيان أقلَّ قيمة من التمر، وقد يكون أقلَّ قيمة من الزبيب، وقد يكون أقلَّ قيمة من الأقط، هذا شيء لا يُنظر إليه، فالواجب إخراج صاع من الجميع، كما أخبر به النبي عليه الصلاة والسلام.
وأما ما رآه معاوية، وبعض أهل العلم، فهو قول مرجوح يخالف ظاهر النص؛ ولهذا قال أبو سعيد:«أما أنا فلا أُخرج إلا صاعاً، كما كنت أخرجها على عهد النبي عليه الصلاة والسلام» . والواجب على أهل الزكاة أن يتحرَّوا الفقراء، ولا يعطوها الأغنياء، يتحروا الناس
(1) ما بين المعقوفين كلمة غير واضحة في التسجيل، والظاهر أنها:«في ولايته» ، ولا تؤثر في المعنى.
(2)
البخاري، برقم 1508، ومسلم، برقم 985، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 183.
(3)
ما بين المعقوفين كلمة غير واضحة في التسجيل، والظاهر أنها:«تعدل هذه الأشياء» ، وسقوطها لا يؤثر في المعنى.
المحتاجين الفقراء حتى يدفعوها إليهم، والواجب أيضاً أن يبادروا بها قبل العيد، ولا يجوز تأخيرها بعد العيد [
…
] (1)؛ ولهذا في حديث ابن عباس عند الحاكم، وأبي داود وغيرهما بسندٍ جيد، يقول ابن عباس:«إن رسولَ اللَّه فَرَضَ زَكَاةَ الْفِطْرِ طُهْرَةً لِلصَّائِمِ، وَطُعْمَةً لِلْمَسَاكِينِ، فَمَنْ أَدَّاهَا قَبْلَ الصَّلَاةِ، فَهِيَ زَكَاةٌ مَقْبُولَةٌ، وَمَنْ أَدَّاهَا بَعْدَ الصَّلَاةِ فَهِيَ صَدَقَةٌ مِنَ الصَّدَقَاتِ» (2)، هذا يفيد أنه إذا أداها قبل الصلاة صار له ثواب الزكاة كاملة، وإذا أداها بعد الصلاة صار له ثواب الصدقات العادية المعروفة؛ لأنه أخلَّ بالواجب، فالواجب أن يبادر بها، ويخرجها قبل صلاة العيد، هذا هو الواجب، وإن قدّمها قبل العيد بيوم أو يومين، فلا حرج في ذلك من باب التوسعة.
س: هل تُخرج القيمة؟
ج: عند جمهور أهل العلم لا يخرج القيمة (3)، يُخرج الطعام؛ كما أمر النبي عليه الصلاة والسلام.
(1) ما بين المعقوفين كلمة غير واضحة، والظاهر أنها:«هذه مبادرة» ، وهي لا تؤثر في المعنى.
(2)
أبو داود، كتاب الزكاة، باب زكاة الفطر، برقم 1611، والحاكم، 1/ 409، ولفظ أبي داود والحاكم:«فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم زَكَاةَ الْفِطْرِ، طُهْرَةً لِلصَّائِمِ مِنَ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ، وَطُعْمَةً لِلْمَسَاكِينِ، مَنْ أَدَّاهَا قَبْلَ الصَّلَاةِ فَهِي زَكَاةٌ مَقْبُولَةٌ، وَمَنْ أَدَّاهَا بَعْدَ الصَّلَاةِ فَهِي صَدَقَةٌ مِنَ الصَّدَقَاتِ» . وحسنه الألباني في صحيح أبي داود، 5/ 317، برقم 1427.
(3)
ومعنى السؤال: هل تخرج القيمة في زكاة الفطر؟