الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
س: يسأل سائل: الطفل الصغير هل يقطع الصلاة؟
ج- يُمنع من المرور، ولا يقطع حتى الرجل الكبير ما يقطع، والمرأة الصغيرة التي لم تبلغ لا تقطع، لكن يمنع من المرور، لا يمر، ولو لم يقطع؛ ولهذا جاء في الحديث:«فَأَرَادَ أَحَدٌ أَنْ يَجْتَازَ بَيْنَ يَدَيْهِ فَلْيَدْفَعْهُ» (1)، كان النبي صلى الله عليه وسلم رأى دابة تريد أن تمر، فتقدم حتى يمنعها من المرور (2).
20 - بابٌ جامعٌ
116 -
عن أبي قتادة ــ الحارث (3) بن ربعي ــ الأنصاري رضي الله عنهما قال: قال رسول صلى الله عليه وسلم: «إذَا دَخَلَ أَحَدُكُمُ الْمَسْجِدَ فَلا يَجْلِسْ حَتَّى يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ» (4).
117 -
عن زيد بن أرقم قال: «كُنَّا نَتَكَلَّمُ فِي الصَّلاةِ، يُكَلِّمُ الرَّجُلُ
(1) رواه البخاري، برقم 509، ومسلم، برقم 505، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 113.
(2)
أخرج الإمام أحمد، 11/ 439، برقم 6852، والبزار في مسنده البحر الزخار، 6/ 453، برقم 2494، والطبراني في مسند الشاميين، 2/ 380، برقم 1540، ولفظ أحمد: عن عمرو بن شعيب عن أبيه، عن جده:«أَنَّهُ [صلى الله عليه وسلم] حِينَ هَبَطَ بِهِمْ مِنْ ثَنِيَّةِ أَذَاخِرَ إِلَى جَدْرٍ اتَّخَذَهُ قِبْلَةً، فَأَقْبَلَتْ بَهْمَةٌ تَمُرُّ بَيْنَ يَدَيِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَمَا زَالَ يُدَارِئُهَا، وَيَدْنُو مِنَ الْجَدْرِ، حَتَّى نَظَرْتُ إِلَى بَطْنِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَدْ لَصِقَ بِالْجِدَارِ، وَمَرَّتْ مِنْ خَلْفِهِ» ، وصحح إسناده محققو المسند، 11/ 440.
(3)
«الحارث» : ليست في نسخة الزهيري.
(4)
رواه البخاري، كتاب الصلاة، باب إذا دخل أحدكم المسجد فليركع ركعتين، برقم 444، وفي أبواب التهجد، باب ما جاء في التطوع مثنى مثنى، واللفظ له، برقم 1163، ومسلم، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب استحباب تحية المسجد بركعتين، وكراهة الجلوس قبل صلاتهما وأنها مشروعة في جميع الأوقات، برقم 714.
منا (1) صَاحِبَهُ، وَهُوَ إلَى جَنْبِهِ فِي الصَّلاةِ، حَتَّى نَزَلَتْ {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلَاةِ الْوُسْطَى (2) وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} (3)، فَأُمِرْنَا بِالسُّكُوتِ وَنُهِينَا عَنِ الْكَلامِ» (4).
118 -
عن عبد اللَّه بن عمر، وأبي هريرة رضي الله عنهم عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم (5) أنه قال:«إذَا اشْتَدَّ الْحَرُّ فَأَبْرِدُوا عَنِ الصَّلاةِ. فَإِنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ مِنِ فَيْحِ جَهَنَّمَ» (6).
26 -
قال الشارح رحمه الله:
هذه الأحاديث الثلاثة: الأول منها يتعلق بتحية المسجد، والثاني يتعلق بالكلام في الصلاة، والثالث يتعلق بتأخير صلاة الظهر عند شدة الحر.
يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إذَا دَخَلَ أَحَدُكُمُ الْمَسْجِدَ فَلا يَجْلِسْ حَتَّى يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ» (7)، وقد جاء في عدة أحاديث تدل على شرعية وتأكد صلاة ركعتين لمن دخل المسجد، وهو على وضوء، وهو طاهر، وهذا محل وفاق بين أهل العلم إذا كان الوقت ليس وقت نهي، كالضحى، والظهر، والليل، أما إذا كان الوقت وقت نهي كبعد صلاة الفجر، وبعد صلاة العصر، اختلف العلماء في ذلك على قولين: أصحهما، وأصوبهما أنه يفعلها، ولو في وقت النهي؛ لأنها من ذوات الأسباب: كصلاة الطواف بعد العصر والصبح، وصلاة الكسوف، وقضاء الفوائت، تُفعل في كل وقت؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: «فَلا يَجْلِسْ حَتَّى يُصَلِّيَ
(1)«منا» : ليست في نسخة الزهيري.
(2)
«حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى» : ليست في نسخة الزهيري، وهي في البخاري، برقم 4534.
(3)
سورة البقرة، الآية:238.
(4)
رواه البخاري، كتاب العمل في الصلاة، باب ما ينهى من الكلام في الصلاة، برقم 1200، وكتاب التفسير، باب وقوموا للَّه قانتين، برقم 4534، وجملة:«ونهينا عن الكلام» ليست في البخاري، وإنما هي لمسلم فقط، ومسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب تحريم الكلام في الصلاة، ونسخ ما كان من إباحة، برقم 35 - (538).
(5)
في نسخة الزهيري: «عن النبي صلى الله عليه وسلم» .
(6)
رواه البخاري، كتاب مواقيت الصلاة، باب الإبراد بالظهر في شدة الحر، برقم 533، واللفظ له، و536، ومسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب استحباب الإبراد بالظهر في شدة الحر لمن يمضي إلى جماعة، ويناله الحر في طريقه، برقم 615.
(7)
رواه البخاري، برقم 1163،ومسلم، برقم 714،وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 116.
رَكْعَتَيْنِ»، هذا يعم جميع الأوقات، وهكذا ثبت عنه صلى الله عليه وسلم لما رأى رجلاً دخل وهو يخطب يوم الجمعة، قال:«قُمْ فَصَلِّ رَكْعَتَيْنِ» (1). وهو يخطب عليه الصلاة والسلام مع أنهم مشغولون بسماع الخطبة، ومع ذلك أمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يصلي ركعتين، وقال:«إِذَا دَخَل أَحَدُكُمْ الْمَسْجِدَ، وَالإِمَامُ يَخْطُبُ، فَلْيُصَلِّ رَكْعَتَيْنِ، وَلْيَتَجَوَّزْ فِيهِمَا» (2).
وهذا كله إذا كان الداخل للمسجد على وضوء، أما إذا كان ليس على وضوء فإنه يجلس، ولا يجوز أن يصلي وهو على غير وضوء؛ لأن شرط الصلاة الطهارة.
(1) البخاري، كتاب الجمعة، باب من جاء والإمام يخطب، برقم 930، و931، ومسلم، كتاب الجمعة، باب التحية والإمام يخطب، برقم 875.
(2)
أخرجه مسلم، كتاب الجمعة، باب التحية والإمام يخطب، برقم 59 - (875)، وأخرجه البخاري، في جزء القراءة، برقم 161، وفي صحيحه، برقم 1166 بنحوه.
الحديث الثاني: حديث زيد بن أرقم الأنصاري رضي الله عنه قال: كُنَّا نَتَكَلَّمُ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم في الصَّلَاةِ، يُكَلِّمُ أَحَدُنَا صَاحِبَهُ، لحاجته حَتَّى نَزَلَ قوله تعالى:{وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} (1) فَأُمِرْنَا بِالسُّكُوتِ، ونُهينا عن الكلام» (2)، وهكذا جاء عن ابن مسعود، وكانوا يتكلمون والنبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة، ثم إنه قال:«إِنَّ اللَّهَ قَدْ أحْدث مِنْ أَمْرِهِ مَا شَاءَ (3)، وَإِنَّ مِمَّا أَحْدَثَ أَنْ لَا تَكَلَّمُوا فِي الصَّلَاةِ» (4)، وكانوا يسلمون عليه فيرد عليهم [
…
] (5).
ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: «إِذَا نَابَ أحدكُمْ شيْءٌ فِي (6) صَلَاتِهِ، فَلْيُسَبِّحِ الرِّجَالُ، وَلْتُصَفِّقِ النِّسَاءُ» (7).
(1) سورة البقرة، الآية:238.
(2)
مسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب تحريم الكلام في الصلاة، ونسخ ما كان من إباحة، برقم 539، وأخرجه البخاري، كتاب العمل في الصلاة، باب ما ينهى من الكلام في الصلاة، برقم 1200، ورقم 4534 مختصراً،
(3)
آخر الوجه الأول من الشريط الخامس.
(4)
البخاري معلقاً، كتاب التوحيد، باب قول اللَّه تعالى:{كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَانٍ} ، قبل الحديث رقم 7522، وأحمد، 7/ 210، برقم 4145، وابن حبان، 6/ 15، برقم 2243، وأبو داود، كتاب الصلاة، باب رد السلام في الصلاة، برقم 925، وصححه محققو المسند، 7/ 210، والشيخ الألباني في صحيح أبي داود، 4/ 79.
(5)
ما بين المعقوفين في الكلام سقط يسير: قال الشيخ: يقول: سبحان اللَّه، سبحان اللَّه حتى ينتبه من يريد كلامه، والذي يظهر أن الشيخ قال: أما بعد النهي عن الكلام في الصلاة فإن من أراد تنبيه المصلَّي يقول: سبحان اللَّه، سبحان اللَّه حتى ينتبه من يريد كلامه، وقد راجعته في أشرطة المؤسسة، وفي غيرها فلم أجده.
(6)
أول الوجه الثاني من الشريط الخامس.
(7)
أخرجه البخاري، كتاب الأذان، باب من دخل ليؤم الناس فجاء الإمام الأول فتأخر الآخر أو لم يتأخر جازت صلاته، برقم 684، 1204، 2690، 7190، ومسلم، كتاب الصلاة، باب تقديم الجماعة من يصلي بهم إذا تأخر الإمام ولم يخافوا مفسدة بالتقديم، برقم 421، وغيرهما عن سهل بن سعد بنحوه.
أما الكلام فممنوع في الصلاة حتى يُسلم، وهذا مما استقرت عليه الشريعة، وكان ناسخاً لما قبله من إباحة الكلام في الحاجة.
والحديث الثالث حديث ابن عمر وأبي هريرة في شدة الحر، يقول صلى الله عليه وسلم:«إِذَا اشْتَدَّ الْحَرُّ فَأَبْرِدُوا بِالصَّلَاةِ فَإِنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ» (1) ، وكان في بعض أسفاره يأمرهم بالإبراد، حتى يرى فيء التلول وهم في السفر، ثم يصلون صلاة الظهر، هذا هو السنة في شدة الحر في المدن والقرى وللمسافر أيضاً، فالسنة للجميع أن يؤخروا الصلاة بعض الشيء، حتى ينكسر الحر، وحتى يخف الحر بعض الشيء، معلوم أنه يتأخر إلى ما بعد العصر شدة الحر، لكن المقصود أنه يؤخرها بعض الشيء، حتى يكثر الظل في الأسواق، وحتى يتسهل للناس المشي إلى المساجد في الظل في ظل الحيطان، بعدما تميل الشمس إلى جهة الغرب كثيراً، ليتيسر لهم الظل وينكسر الحر والشدة؛ ولهذا قال أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ رضي الله عنه:«كُنَّا نُصَلِّي مَعَ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم فِي شِدَّةِ الْحَرِّ، حتى إِذَا لَمْ يَسْتَطِعْ أحدُنا أَنْ يُمَكِّنَ جَبْهَتَهُ مِنَ الأَرْضِ بَسَطَ ثَوْبَهُ وَسَجَدَ عَلَيْهِ» (2) فدل على أن هناك حرًّا شديداً، ولكن
(1) صحيح البخاري، برقم 536، ومسلم، برقم 615، وتقدم تخريجه في شرح حديث المتن رقم 52.
(2)
رواه البخاري، كتاب العمل في الصلاة، باب بسط الثوب في الصلاة للسجود، برقم 1208، ومسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب استحباب تقديم الظهر في أول الوقت في غير شدة الحر، برقم 620.
بعدما ينكسر بعض الشيء، ويؤخر بعض الوقت، مثل نصف ساعة أو ساعة، وما يقارب ذلك، حتى ينكسر الحر بعد الزوال في شدة الحر، سواء كان في مدينة أو قرية أو في سفر.
119 -
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم (1): «مَنْ نَسِيَ صَلاةً فَلْيُصَلِّهَا إذَا ذَكَرهَا، لا كَفَّارَةَ لَهَا إلَاّ ذَلِكَ، وتَلَا قوله تعالى (2): {أَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي} (3)» (4).
ولمسلمٍ «مَنْ نَسِيَ صَلاةً، أَوْ نَامَ عَنْهَا، فَكَفَّارَتُهَا أَنْ يُصَلِّيَهَا إذَا ذَكَرَهَا» (5).
120 -
عن جابر بن عبد اللَّه رضي الله عنهما: «أَنَّ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ رضي الله عنه كَانَ يُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم العِشَاءَ (6) الآخِرَةِ، ثُمَّ يَرْجِعُ إلَى قَوْمِهِ، فَيُصَلِّي بِهِمْ تِلْكَ الصَّلاةَ» (7).
(1) في نسخة الزهيري: «عن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال» .
(2)
«وتلا قوله تعالى» : ليست في نسخة الزهيري.
(3)
سورةطه، الآية:14.
(4)
رواه البخاري، كتاب مواقيت الصلاة، باب من نسي صلاة فليصلها إذا ذكرها، ولا يعيد إلا تلك الصلاة، برقم 597، ومسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب قضاء الصلاة الفائتة، واستحباب تعجيل قضائها، واللفظ له، برقم 684.
(5)
رواه مسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب قضاء الصلاة الفائتة، واستحباب تعجيل قضائها، برقم 315 - (684).
(6)
في نسخة الزهيري: «عشاء الآخرة» ، وهي في مسلم، برقم 180 - (465).
(7)
رواه البخاري، كتاب الأدب، باب من لم يرَ إكفار من قال ذلك متأولاً أو جاهلاً، برقم 6106، ومختصراً في كتاب الأذان، باب إذا طول الإمام، وكان للرجل حاجة فخرج فصلى، برقم 700، ومسلم، كتاب الصلاة، باب القراءة في العشاء، برقم 80 - (465)، واللفظ له.
121 -
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: «كُنَّا نُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي شِدَّةِ الْحَرِّ، فَإِذَا لَمْ يَسْتَطِعْ أَحَدُنَا أَنْ يُمَكِّنَ جَبْهَتَهُ مِنَ (1) الأَرْضِ، بَسَطَ ثَوْبَهُ، فَسَجَدَ عَلَيْهِ» (2).
27 -
قال الشارح رحمه الله:
هذه الأحاديث الثلاثة عن النبي صلى الله عليه وسلم تدل على أنه ينبغي للمؤمن إذا فاتته الصلاة، أو نام عنها، أو نسيها أن يبادر بالقضاء؛ لقوله تعالى:{وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي} (3).
ولهذا لما سُئل عليه الصلاة والسلام عن ذلك أجاب: «من نام عن الصلاة، أو نسيها، فليصلها إذا ذكرها، لا كفارة لها إلا ذلك» (4)، فإذا عرض للمسلم نسيان أو نوم عن أي صلاة، فليبادر إلى قضائها من حين يتذكر أو من حين يستيقظ: فجراً، أو ظهراً، أو عصراً، أو
(1) في نسخة الزهيري: «في الأرض» ، و» «من الأرض» في البخاري، برقم 1208، ومسلم، برقم 620.
(2)
رواه البخاري، كتاب العمل في الصلاة، باب إذا بسط الثوب في الصلاة للسجود، برقم 1208، ومسلم، كتاب المساجد، باب استحباب تقديم الظهر في أول الوقت، برقم 620، واللفظ له.
(3)
سورة طه، الآية:14.
(4)
البخاري، برقم 597، ومسلم، برقم 684، ولفظه: عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ نَسِيَ صَلَاةً فَلْيُصَلِّ إِذَا ذَكَرَهَا، لَا كَفَّارَةَ لَهَا إِلَّا ذَلِكَ {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي} [طه: 14].
مغرباً، أو عشاءً، والواجب عليه عند النوم أن يتثبت في الأمر، وأن يعمل ما يلزم مما يعينه على الاستيقاظ في الوقت: كالساعة، أو تكليف أهله بأن يوقظوه، حتى لا ينام عنها، سواء كانت الفجر، أو غيرها، وليس له التساهل في هذا، بل يجب عليه أن يعمل ما يلزم حتى يتيسر له اليقظة وقت الصلاة.
وقد يسّر اللَّه السّاعات الآن، ففيها إعانة على هذا الأمر إذا ركبها (1) في الوقت بأن ينبه على الوقت؛ فإن هذا مما يعينه، وكذلك البكرة وعدم السهر، لأنه إذا سهر قد لا يسمع صوت الساعة من شدة النوم، ولكن ينبغي له أن يبكر ولا يسهر، حتى يعينه ذلك على اليقظة وأداء الصلاة في وقتها مع المسلمين.
وفي الحديث الثاني حديث صلاة معاذ بأصحابه: كان يصلي بأصحابه العشاء، وبعد ما صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم ، وهذا يدل على أنه لا بأس أن يصلي الإنسان الفريضة مع إمام، ثم يصلي بجماعته نافلة له، وهي لهم فريضة، لا حرج في ذلك.
وكان معاذ يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم ليتعلم وليستفيد، ثم يرجع فيصلي بأصحابه صلاة العشاء، والنبي عليه الصلاة والسلام أقره على هذا، فدل ذلك على أنه لا بأس أن يكون الإمام متنفلاً والجماعة مفترضين، ولا حرج في ذلك.
(1) ركبها: أي وقّتها على الوقت الذي يريد.
ومن هذا أيضاً في صلاة الخوف أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بطائفة ركعتين في بعض أسفاره وبعض غزواته، ثم صلى بآخرين ركعتين، وكانت الأولى له فريضة، والثانية له نافلة، ولأصحابه فريضة رضي الله عنهم وأرضاهم.
هذا كله يدل على جواز مثل هذا، ولا حرج، وفي ذلك أن يكون الإمام متنفلاً ويكون الجماعة مفترضين، لا حرج في ذلك، النية هي العمدة، فـ «الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى» (1).
وكذلك كان الصحابة رضي الله عنهم، ربما صلوا في شدة الحر والأرض حارة، فيبسط أحدهم ثوبه ليسجد عليه، لا حرج في ذلك إذا كانت الأرض باردة أو حارة، وبسط رداءه، أو سجادة، أو أطراف أكمامه عن الحرارة والبرودة، أو عمامته، لا حرج في ذلك.
122 -
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (2): «لا يُصَلِّي أَحَدُكُمْ فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ، لَيْسَ عَلَى عَاتِقِهِ مِنْهُ شَيْءٌ» (3).
123 -
عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ (4): «مَنْ أَكَلَ ثُوماً
(1) رواه البخاري، برقم 1، ومسلم، برقم 1907، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 1.
(2)
في نسخة الزهيري: «قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم» .
(3)
رواه البخاري، كتاب الصلاة، باب إذا صلى في الثوب الواحد فليجعل على عاتقيه، برقم 359، بلفظ:«ليس على عاتقيه منه شيء» ، ومسلم، كتاب الصلاة، باب الصلاة في ثوب واحد، وصفة لبسه، برقم 516 بلفظ:«عاتقيه» ، وأما لفظ:«عاتقه» فرواه الشافعي في مسنده، ص 23، وأحمد، 16/ 51، برقم 9980، والنسائي، كتاب القبلة، صلاة الرجل في الثوب الواحد ليس على عاتقه منه شيء، برقم 769، وصحح إسناده محققو مسند أحمد، والألباني في إرواء الغليل، 1/ 304.
(4)
في نسخة الزهيري: «أنه قال» :.
أَوْ بَصَلاً، فَلْيَعْتَزِلْنَا ــ أَوْ (1) لِيَعْتَزِلْ مَسْجِدَنَا ــ وَلْيَقْعُدْ فِي بَيْتِهِ»، وَأُتِيَ بِقِدْرٍ فِيهِ خَضِرَاتٌ مِن بُقُولٍ، فَوَجَدَ لَهَا رِيحاً. فَسَأَلَ عنها (2)؟ فَأُخْبِرَ بِمَا فِيهَا مِنَ الْبُقُولِ، فَقَالَ:«قَرِّبُوهَا» ــ إلَى بَعْضِ أَصْحَابِه كان معه (3) ــ فَلَمَّا رَأَىهُ كَرِهَ أَكْلَهَا، قَالَ:«كُلْ، فَإِنِّي أُنَاجِي مَن لا تُنَاجِي» (4).
124 -
عَنْ جَابِرٍ، عن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم (5) قَالَ:«مَنْ أَكَلَ الْبَصَلَ أو الثُّومَ أو الْكُرَّاثَ (6)، فَلا يَقْرَبَنَّ مَسْجِدَنَا، فَإِنَّ الْمَلائِكَةَ تَتَأَذَّى مِمَّا يَتَأَذَّى مِنْهُ بنو آدمَ» (7).
28 -
قال الشارح رحمه الله:
هذه الأحاديث الثلاثة كلها تتعلق بالصلاة.
الحديث الأول يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «لا يُصَلِّي أَحَدُكُمْ فِي الثَّوْبِ
(1) في نسخة الزهيري: «وليعتزل مسجدنا» بواو، بدون الألف، ولفظ المتن في مسلم، برقم 73 - (564).
(2)
«عنها» : ليست في نسخة الزهيري.
(3)
«كان معه» : ليست في نسخة الزهيري، وهي في البخاري، برقم 855.
(4)
رواه البخاري، كتاب الأذان، باب ما جاء في الثوم النيئ والبصل والكراث، برقم، 855، ومسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب نهي من أكل ثوماً وبصلاً أو كراثاً أو نحوها، برقم 73 - (564).
(5)
في نسخة الزهيري: «عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم» .
(6)
في نسخة الزهيري: «من أكل البصل، والثوم، والكراث» ، وهي رواية لمسلم، برقم 74 - (564).
(7)
رواه مسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب نهي من أكل ثوماً وبصلاً أو كراثاً أو نحوها، برقم 74 - (564)، وراه البخاري، كتاب الأذان، باب ما جاء في الثوم النيئ والبصل والكراث، برقم 854، وباب ما يكره من الثوم والبقول، برقم 5452، بنحوه دون ذكر الملائكة.
الْوَاحِدِ، لَيْسَ عَلَى عَاتِقِهِ مِنْهُ شَيْءٌ» (1)، وفي الرواية الأخرى:«لَيْسَ عَلَى عَاتِقَيْهِ مِنْهُ شَيْءٌ» (2)، هذا يدل على وجوب ستر العاتقين، أو أحدهما في الصلاة، وقد ذهب بعض أهل العلم إلى أن ذلك واجب في الفرض والنفل، وذهب آخرون إلى أنه واجبٌ في الفرض فقط، وذهب الأكثرون إلى أنه سنة، ويجزئه أن يصلي في الإزار فقط أو السراويل فقط؛ لأنه ستر العورة المغلظة ما بين السرة والركبة.
والصواب ما دل عليه الحديث، وأنه لا يجوز أن يصلي في الثوب الواحد ليس على عاتقه منه شيء: إن كان واسعاً يلتحف به، وإن كان ضيقاً يأتزر به، فيجعل على عاتقه رداءً مستقلاً مع القدرة، أو يلبس قميصاً، أو ما أشبه ذلك مما يستر العاتقين أو أحدهما، عملاً بهذا الحديث الصحيح، الذي رواه الشيخان في الصحيح.
ولا فرق بين الفرض والنفل؛ لعموم الحديث؛ لأن «لا يصلي» عام يعم الفرض والنفل، وهذا القول هو الصواب من الأقوال الثلاثة، يجب ستر العاتقين أو أحدهما في الفرض والنفل؛ لهذا الحديث الصحيح، وما جاء في معناه من الأحاديث الدالة على أنه كان صلى الله عليه وسلم يصلي في ثوب واحد يشتمله، قال لجابر: «إِنْ كَانَ وَاسِعًا
(1) البخاري، برقم 359، ومسلم، برقم 516، والشافعي في مسنده، ص 23 بلفظه، وتقدم تخريجه في حديث المتن رقم 122.
(2)
رواه البخاري، برقم 359، ومسلم، برقم 516، وتقدم تخريجه في حديث المتن رقم 122.
فَالْتَحِفْ بِهِ، وَإِنْ كَانَ ضَيِّقًا فَاتَّزِرْ بِهِ» (1)، فهذا كله دليل على أنه مع القدرة يصلي يستر العاتقين أو أحدهما، ومع العجز يكفي المئزر أو السراويل؛ لأن اللَّه لا يكلف نفساً إلا وسعها.
والحديث الثاني والثالث فيما يتعلق بالثوم والبصل والكراث، وأن من أكل شيئاً منها فإن عليه أن يعتزل المساجد، ويعتزل المسلمين، ولا يصلي معهم، لأنه يؤذيهم بذلك، ولهذا قال:«وَلْيَعْتَزِلْنَا وَلْيَقْعُدْ فِي بَيْتِهِ» (2)، هذا يدل على أنه لا يجوز له حضور المساجد؛ لأنه يؤذي المسلمين، ويؤذي الملائكة؛ ولهذا قال:«فإنَّ الْمَلَائِكَةَ تَتَأَذَّى مِمَّا يَتَأَذَّى مِنْهُ الإِنْسَانُ» (3)، فلا ينبغي له أن يحضر في المساجد حتى ولو في غير الجماعة، ولو لمجرد القراءة في المسجد، أو نحو ذلك؛ لأنه يؤذي الملائكة؛ ولهذا قال:«فَإِنَّ الْمَلائِكَةَ تَتَأَذَّى مِمَّا يَتَأَذَّى مِنْهُ بنو آدمَ» (4).
ولا ينبغي له أن يأكله ما دام يعوقه عن الصلاة في الجماعة، إلا من حاجة إذا أكله لحاجة من جوع، ومن دواء فلا بأس، وإذا تيسر
(1) رواه البخاري، كتاب الصلاة، باب إذا كان الثوب ضيقاً، برقم 361، وبنحوه مسلم، كتاب الزهد والرقائق، باب حديث جابر الطويل، وقصة أبي اليسر، برقم 3010.
(2)
رواه البخاري، برقم، 855، ومسلم، برقم 564، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 123.
(3)
سنن ابن ماجه، كتاب الأطعمة، باب أكل الثوم والبصل والكراث، برقم 3365، وابن خزيمة، 3/ 85، برقم 1668، وصحيح ابن حبان، 4/ 524، برقم 1646، والسنن الكبرى للبيهقي، 3/ 76، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه، برقم 2713.
(4)
مسلم، برقم 564، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 123 ..
أن يتعاطى ما يزيل الرائحة من الأدوية التي تزيل الرائحة، فذلك كافٍ، وإذا أماته طبخاً فإنه يزيل الرائحة، إذا أماته طبخاً جيداً فإنه يزيل الرائحة، وإذا بقي شيء فيتعاطى ما يزيل الباقي من أنواع المزيلات التي يعرفها الأطباء، ونحوهم ممن جرب هذه الأمور.
وفيه أنه عُرض عليه طبق من خضرات: قدر فيه خضرات، فوجد لها ريحاً، فقال لبعض أصحابه: قدموها لبعض أصحابه، فلما رآه لم يأكل منها ذلك الصحابي كره أن يتعاطاها، فقال:«كُلْ، فَإِنِّي أُنَاجِي مَن لا تُنَاجِي» (1)، يعني جبرائيل عليه الصلاة والسلام.
فهذه البقول غير الثوم والبصل بقول وجد فيها ريحاً ما ناسبته عليه الصلاة والسلام فتركها؛ لئلا يتأذى بها جبرائيل عليه الصلاة والسلام ، وأذن لأصحابه في أكلها، فالبقول التي ليس فيها رائحة كالثوم والبصل والكراث، لا بأس أن يأكلها الإنسان، لا حرج في ذلك: كأنواع البقول: الجرجير، والخس، وأشباه ذلك مما ليس له رائحة كريهة، فلا حرج في أكله، وإن كرهه بعض الناس لبعض رائحته، لكن ليس مثل الثوم والبصل والكراث، فهذه ينبغي تركها إلا من حاجة، وإذا أكلها فلا يحضر إلى المساجد، ولا يصلي مع الناس، لئلا يؤذيهم بها، وفي معنى ذلك كل رائحة كريهة: كالصنان (2) الذي يبتلى به بعض الناس،
(1) رواه البخاري، برقم، 855، ومسلم، برقم 564، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 123.
(2)
الصنان: الذفر تحت الإبط وغيره، وأَصَنَّ الشيء بالألف صار له: صُنَانٌ. المصباح المنير في غريب الشرح الكبير، 1/ 349، مادة:(صن).