الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
34 - باب أفضل الصيام وغيره
203 -
عن عبد اللَّه بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: «أُخْبِرَ النبي صلى الله عليه وسلم (1) أَنِّي أَقُولُ: وَاَللَّهِ لأَصُومَنَّ النَّهَارَ وَلأَقُومَنَّ اللَّيْلَ مَا عِشْتُ، فَقَالَ النبي صلى الله عليه وسلم: «أَنْتَ الَّذِي قُلْتَ ذَلِكَ؟» (2) فَقُلْتُ لَهُ: قَدْ قُلْتُهُ، بِأَبِي أَنْتَ
وَأُمِّي يا رسول اللَّه (3)، قَالَ:«فَإِنَّكَ لا تَسْتَطِيعُ ذَلِكَ، فَصُمْ وَأَفْطِرْ، وَقُمْ وَنَمْ، وَصُمْ مِنَ الشَّهْرِ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ، فَإِنَّ الْحَسَنَةَ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا، وَذَلِكَ مِثْلُ صِيَامِ الدَّهْر» قُلْتُ (4): إِنِّي لأُطِيقُ (5) أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ، قَالَ:«فَصُمْ يَوْماً وَأَفْطِرْ يَوْمين» قُلْتُ: إِنِّي لأُطِيقُ (6) أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ، قَالَ:«فَصُمْ يَوْماً وَأَفْطِرْ يَوْماً، فَذَلِكَ صِيَامِ دَاوُد عليه السلام، وَهُوَ أَفْضَلُ الصِّيَامِ» قُلْتُ (7): إنِّي لأُطِيقُ (8) أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ. فقَالَ: «لا أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ» (9).
(1) في نسخة الزهيري: «أخبر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم» .
(2)
«فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «أنت الذي قلت ذلك؟» : ليست في نسخة الزهيري، وليست في البخاري في رقم 1976، وهي في مسلم، برقم 1159.
(3)
«يا رسول اللَّه» : ليست في نسخة الزهيري، وهي في مسلم، برقم 1159.
(4)
في نسخة الزهيري: «فقلت» .
(5)
في نسخة الزهيري: «أطيق» ، وهي في البخاري، برقم 1976، ومسلم، برقم 1159.
(6)
في نسخة الزهيري: «أطيق» ، وهي في البخاري، برقم 1976، ومسلم، برقم 1159.
(7)
في نسخة الزهيري: «فقلت» .
(8)
في نسخة الزهيري: «أطيق» ، وهي في البخاري، برقم 1976، ومسلم، برقم 1159.
(9)
رواه البخاري، كتاب الصوم، باب صوم الدهر، برقم 1976، ومسلم، كتاب الصيام، باب النهي عن صوم الدهر لمن تضرر به، أو فوّت به حقاً، أو لم يفطر العيدين والتشريق، وبيان تفضيل صوم يوم وإفطار يوم، برقم 1159.
وفي رواية: قال: «لا صَوْمَ فَوْقَ صَوْمِ أَخِي (1) دَاوُد عليه السلام ــ شَطْرَ الدَّهْرِ ــ صُمْ يَوْماً وَأَفْطِرْ يَوْماً» (2).
204 -
عن (3) عبد اللَّه بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: «إنَّ أَحَبَّ الصِّيَامِ إلَى اللَّهِ، صِيَامُ دَاوُد عليه السلام، وَأَحَبَّ الصَّلاةِ إلَى اللَّهِ صَلاةُ دَاوُد عليه السلام، كَانَ يَنَامُ نِصْفَ اللَّيْلِ، وَيَقُومُ ثُلُثَهُ، وَيَنَامُ سُدُسَهُ، وَكَانَ يَصُومُ يَوْماً، وَيُفْطِرُ يَوْماً» (4).
53 -
قال الشارح رحمه الله:
[هذه الأحاديث الأربعة تتعلق بالصيام](5).
الحديث الأول أنه عليه الصلاة والسلام نهى عن الوصال، والوصال،
(1)«أخي» : ليست في نسخة الزهيري.
(2)
رواه البخاري، كتاب الاستئذان، باب من أُلقي له وسادة، برقم 6277، ومسلم بنحوه، كتاب الصيام، باب النهي عن صوم الدهر لمن تضرر به، أو فوّت به حقاً، أو لم يفطر العيدين والتشريق، وبيان تفضيل صوم يوم وإفطار يوم، برقم 1159.
(3)
في نسخة الزهيري: «وعنه» ، ولم يذكر اسم عبد اللَّه بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما.
(4)
رواه البخاري، أبواب التهجد، باب من نام عند السحر، برقم 1131، وفي الطرف رقم 1979:«فَصُمْ صَوْمَ دَاوُدَ عليه السلام، كَانَ يَصُومُ يَوْمًا وَيُفْطِرُ يَوْمًا، وَلَا يَفِرُّ إِذَا لَاقَى» ، ورقم 3419، ومسلم، كتاب الصيام، باب النهي عن صوم الدهر لمن تضرر به، أو فوّت به حقاً، أو لم يفطر العيدين والتشريق، وبيان تفضيل صوم يوم وإفطار يوم، برقم 189 - (1159).
(5)
ما بين المعقوفين سقط كلمات يسيرة فأثبت هذه الكلمات على منهج الشيخ في
مقدمات شرح الأحاديث.
معناه أن يَصِل يومين أو أكثر مع لياليهما بدون أكل ولا شرب ولا مفطّر، هذا الوصال الذي يصل النهار والليل جميعاً، ولا يأكل شيئاً لا في الليل، ولا في النهار، ولا يشرب، ولا يتعاطى شيئاً من المفطرات، هذا يسمى الوصال؛ لأنه وصل يوماً بيوم، وجعل الليل كالنهار لا يأكل فيه، الرسول صلى الله عليه وسلم نهاهم عن الوصال لما فيه من المشقة والتعب، واللَّه شرع للأمة ما فيه الإحسان إليها، والرحمة لها، والرفق بها، فضلاً من اللَّه وإحساناً، كما قال عز وجل:{يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ} (1)، فاللَّه يسّر، ونهى عن الوصال؛ لما فيه من المشقة، فقالوا: يا رسول اللَّه إنك تواصل! أي إنك تفعل هذا؟ قال: «لَسْتُ مِثْلَكُمْ» ، وفي اللفظ الآخر:«لَسْتُ كَهَيْئَتِكُمْ إِنِّي أُطْعَمُ وَأُسْقَى» ، وفي اللفظ الآخر:«لي مُطْعِمٌ يُطْعِمُنِي وَسَاقٍ يَسْقِينِ» (2)، وفي اللفظ الآخر:«إِنِّي أَظَلُّ عِنْدَ رَبِّي يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِي» (3)،
هكذا جاء الحديث عن ابن عمر، وأبي هريرة، وعائشة، وأنس، وغيرهم رضي الله عنهم في النهي عن الوصال، وفي رواية أبي سعيد عند مسلم: «فَأَيُّكُمْ إِذَا أَرَادَ أَنْ يُوَاصِلَ فَلْيُوَاصِلْ إلى
(1) سورة البقرة، الآية:185.
(2)
البخاري، كتاب الصوم، باب الوصال، ومن قال: ليس في الليل صيام، برقم 1961، 1962، 1963، 1964، 1967، ومسلم، كتاب الصيام، باب النهي عن الوصال في الصيام، برقم 1102، 1110، 1103، 1104، 1105.
(3)
مسند أحمد، 14/ 480، برقم 8902، صحيح ابن خزيمة، 3/ 280، برقم 2072، والطبراني في المعجم الأوسط، 5/ 355، برقم 5539، وصححه محققو المسند، 14/ 480. وانظر: صحيح مسلم، حديث رقم 60 - (1104) ..
السَّحَرِ» (1)؛ فإذا كان لا بد من الوصال فليكن إلى السحر يعني يصوم النهار مع غالب الليل ثم يجعل سحوره عشاءه من السحور إلى السحور لا بأس بهذا ولكن كونه يفطر في أول الليل أفضل لقوله صلى الله عليه وسلم «لا يَزَالُ النَّاسُ بِخَيْرٍ مَا عَجَّلُوا الْفِطْرَ» (2)؛ ولقول اللَّه سبحانه: «أَحَبّ عِبَادِي إِلَيَّ، أَعْجَلُهُمْ فِطْرًا» (3).
فالسنة للصائم أن يبادر بالإفطار إذا غابت الشمس، لكن لو واصل إلى السحر، وترك الأكل والشرب إلى السحر، فلا حرج؛ لحديث أبي سعيد هذا، وما جاء في معناه، أما أنه يواصل الليل مع النهار، فهذا مكروه لا ينبغي، وليس بحرام، لكنه مكروه؛ ولهذا في حديث أبي هريرة: فواصل بهم يوماً ثم يوماً، ثم رأوا الهلال، فقال: «لَوْ تَأَخَّرَ الْهِلَالُ لَزِدْتُكُمْ
…
» (4) كالمنكِّل لهم حين أبوا أن ينتهوا، هذا يدل على أن الوصال صحيح جائز، لكن مكروه منهي عنه، وليس بحرام؛ لأنه واصل بهم، فلو كان حراماً ما واصل بهم،
(1) لم أجدها في صحيح مسلم، ولكنها في البخاري عن أبي سعيد رضي الله عنه، كتاب الصوم، باب الوصال، ومن قال: ليس في الليل صيام، برقم 1963، 1967.
(2)
رواه البخاري، برقم 1957، ومسلم، برقم 1098، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 199.
(3)
مسند أحمد، 12/ 182، برقم 7241، والترمذي، برقم 700، وابن خزيمة، برقم 2062، وصحيح ابن حبان، 4/ 558، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 199.
(4)
البخاري، كتاب الصوم، باب التنكيل لمن أكثر الوصال، برقم 1965، ومسلم، كتاب الصيام، باب النهي عن الوصال في الصوم، برقم 1103، واللفظ له.
ولا أوقعهم في الإثم، لكن يدل على أنه مكروه رفقاً بهم، ورحمةً لهم، فلا ينبغي لهم أن يواصلوا، ويكره لهم أن يواصلوا لهذا الحديث الصحيح، الذي فيه النهي عن ذلك، والزجر عن ذلك، رحمةً للعباد، وإحساناً إليهم، ورفقاً بهم، وتيسيراً عليهم من اللَّه سبحانه وتعالى.
وفي حديث عبداللَّه بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: أنَّه بلَغَ النبي صلى الله عليه وسلم أَنّه يقُولُ: «لأَصُومَنَّ النَّهَارَ وَلأَقُومَنَّ اللَّيْلَ مَا عِشْتُ، فَقَالَ له النبي صلى الله عليه وسلم: «أَنْتَ قُلْتَ ذَلِكَ؟» قَالَ: نَعَمْ، بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي، معنى بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي: يعني أفديك بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي، فقَالَ:«إِنَّكَ لا تُطِيقُ ذَلِكَ» ، الإنسان يتعب من هذا، كونه يصوم يوماً ويفطر يوماً دائماً، هذا فيه مشقة؛ ولهذا قال:«إِنَّكَ لا تُطِيقُ ذَلِكَ، فَصُمْ وَأَفْطِرْ، وَنَمْ وَقُمْ، وَصُمْ مِنَ الشَّهْرِ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ، فَإِنَّ الْحَسَنَةَ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا» ، يعني يكفيك هذا، تصوم يوماً، وتفطر يوماً [
…
] (1) حسب التيسير، وتصوم من الشهر ثلاثة أيام، فالحسنة بعشر أمثالها، ثلاثة أيام بثلاثين، كأنه صام الدهر، قال: إني أطيق أفضل من ذلك، قال:«صُمْ يَوْماً وَأَفْطِرْ يَوْمين» ، قال: إِنِّي أُطِيقُ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ، قال:«فَصُمْ يَوْماً وَأَفْطِرْ يَوْماً، قال: إني أطيق أفضل من ذلك، قال: «لا أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ» (2)، يعني: هَذَا هُوَ أَفْضَلُ الصِّيَامِ، صَوْمُ دَاوُد عليه السلام، كان يصُومُ يَوْماً، وَيَفْطِرُ يَوْماً.
(1) ما بين المعقوفين: كلمة ليست واضحة في التسجيل، لكنها لا تؤثر في المعنى.
(2)
البخاري، برقم 1976، ومسلم، برقم 1159، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 203.
وفي اللفظ الآخر: «إِنَّ أَحَبَّ الصِّيَامِ، صِيَامُ دَاوُدَ، وَإنَّ أَحَبَّ الصَّلَاةِ إِلَى اللَّهِ، صَلَاةُ دَاوُدَ» ، أي أن النبي داود عليه الصلاة والسلام كَانَ يَصُومُ يَوْمًا، وَيُفْطِرُ يَوْمًا، وَكَانَ يَنَامُ نِصْفَ اللَّيْلِ، وَيَقُومُ ثُلُثَهُ، وَيَنَامُ سُدُسَهُ (1)،
هذه صلاة داود ينام النصف الأول، ويقوم السدس الرابع والخامس، وينام السدس الأخير، يتقوى به على عمل النهار، وهذا هو أفضل الصلاة صلاة جوف الليل مع نصف الثلث الأخير، وأحب الصيام إلى اللَّه صيام داود؛ لأنه يصوم يوماً ويفطر يوماً، هذا أفضل الصيام وأعدله، وإن صام الإثنين والخميس، أو ثلاثة أيام من كل شهر كفى، ولم يكلِّف نفسه أن يصوم يوماً، ويفطر يوماً، كما قاله النبي عليه الصلاة والسلام، قال عَبْدُ اللَّهِ لَمَّا كَبِرَت سِنّه:«يَا لَيْتَنِي قَبِلْتُ رُخْصَةَ رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم» (2)،
لما كبر عبد اللَّه، وضعفت قوته تأسَّف، وقال: ياليتني قبلت رخصة رسول اللَّه عليه الصلاة والسلام، ولم يحبَّ أن يدَعَ السُّنّة التي فارق النبي عليها عليه الصلاة والسلام، فكان يصوم أياماً
(1) البخاري، برقم 1131، ومسلم، برقم 1159، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 204. وفي لفظ في الصحيحين، البخاري، برقم 1977، ومسلم، برقم 186 - (1159): عن عَبْدِ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو رضي الله عنهما بَلَغَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَنِّي أَسْرُدُ الصَّوْمَ وَأُصَلِّي اللَّيْلَ، فَإِمَّا أَرْسَلَ إِلَيَّ، وَإِمَّا لَقِيتُهُ، فَقَالَ: «أَلَمْ أُخْبَرْ أَنَّكَ تَصُومُ وَلَا تُفْطِرُ، وَتُصَلِّي، فَصُمْ وَأَفْطِرْ، وَقُمْ وَنَمْ؛ فَإِنَّ لِعَيْنِكَ عَلَيْكَ حَظًّاً، وَإِنَّ لِنَفْسِكَ وَأَهْلِكَ عَلَيْكَ حَظًّاً»، قَالَ: إِنِّي لَأَقْوَى لِذَلِكَ، قَالَ: «فَصُمْ صِيَامَ دَاوُدَ عليه السلام»، قَالَ: وَكَيْفَ؟ قَالَ: «كَانَ يَصُومُ يَوْمًا، وَيُفْطِرُ يَوْمًا، وَلَا يَفِرُّ إِذَا لَاقَى»، قَالَ: مَنْ لِي بِهَذِهِ يَا نَبِيَّ اللَّهِ؟ قَالَ عَطَاءٌ: لَا أَدْرِي كَيْفَ ذَكَرَ صِيَامَ الْأَبَدِ؟ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «لَا صَامَ مَنْ صَامَ الْأَبَدَ مَرَّتَيْن» ..
(2)
البخاري، كتاب الصوم، باب حق الجسم في الصوم، برقم 1975 ..
متعددة، ثم يفطر مثلها، يتقوَّى بذلك، وبهذا يُعلم أن الوصال كما تقدم مكروه، لا ينبغي، لكن إذا أراد أن يواصل إلى السَّحَر، فلا بأس، ويُعلم أن أفضل الصيام صيام داود، يصوم يوماً ويفطر يوماً، وإذا اكتفى بصوم يومي الإثنين والخميس، أو ثلاثة أيام من كل شهر فحسن؛ لأنه قد يشق عليه صيام يوم، وفطر يوم، لكن من قوي على هذا فهو أفضل الصيام، فيصوم يوماً، ويفطر يوماً، ويبين الحديث أن صلاة التهجد في الليل أفضله أن ينام نصف الليل الأول، ويقوم الثلث يعني: السدس الرابع والخامس، ويستريح السدس الأخير، يتقوى به على العمل، وإن صلى في الثلث الأخير، ونام في الثلثين الأولين بعد صلاة العشاء، كله طَيّب، كله حَسَن، فإن شقَّ عليه القيام في آخر الليل، فالأفضل أن يوتر في أول الليل قبل أن ينام بعد صلاة العشاء، يوتر ثم ينام، حتى لا يفوته قيام الليل، لقوله صلى الله عليه وسلم:«مَنْ خَافَ أَنْ لَا يَقُومَ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ، فَلْيُوتِرْ أَوَّلَهُ، وَمَنْ طَمِعَ أَنْ يَقُومَ آخِرَهُ فَلْيُوتِرْ آخِرَ اللَّيْلِ، فَإِنَّ صَلَاةَ آخِرِ اللَّيْلِ مَشْهُودَةٌ، وَذَلِكَ أَفْضَلُ» (1)، آخر الليل أفضل لمن قوي على ذلك، ومن عجز وخاف ألا يقوم، أوتر أوّل الليل.
205 -
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: «أَوْصَانِي خَلِيلِي رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم (2)
(1) مسلم، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب من خاف ألا يقوم من آخر الليل، فليوتر أوله، برقم 755.
(2)
«رسول اللَّه» : ليست في نسخة الزهيري.
بِثَلاثٍ: صِيَامِ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ، وَرَكْعَتَيِ الضُّحَى، وَأَنْ أُوتِرَ قَبْلَ أَنْ أَنَامَ» (1).
206 -
عن محمد بن عَبَّادِ بن جعفر قال: «سَأَلْتُ جَابِرَ بْنَ
عَبْدِ اللَّهِ أَنَهَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ صَوْمِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ؟ قَالَ: نَعَمْ» (2).
وزاد مسلم: «وَرَبِّ الْكَعْبَةِ» (3).
207 -
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (4) يَقُولُ: «لا يَصُومَنَّ أَحَدُكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، إلَاّ أَنْ يَصُومَ يَوْماً قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ (5)» (6).
(1) رواه البخاري، كتاب الصوم، باب صيام البيض: ثلاث عشرة وأربع عشرة، وخمس عشرة، برقم 1981، ومسلم، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب استحباب صلاة الضحى، وأن أقلها ركعتان، وأكملها ثمان ركعات، وأوسطها أربع ركعات أو ست، والحث على المحافظة عليها، برقم 721.
(2)
رواه البخاري، كتاب الصوم، باب صوم يوم الجمعة، وإذا أصبح صائماً يوم الجمعة فعليه أن يفطر، برقم 1984، بلفظه، ومسلم، كتاب الصيام، باب كراهة صيام يوم الجمعة منفرداً، برقم 1143.
(3)
مسلم، كتاب الصيام، باب كراهة صيام يوم الجمعة منفرداً، برقم 1143، ولفظه:«سَأَلْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما، وَهُوَ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ: أَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ صِيَامِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ؟ فَقَالَ: نَعَمْ، وَرَبِّ هَذَا الْبَيْتِ» .
(4)
في نسخة الزهيري: «النبي صلى الله عليه وسلم» .
(5)
في نسخة الزهيري: «أو يوماً بعده» .
(6)
رواه البخاري، كتاب الصوم، باب صوم يوم الجمعة، وإذا أصبح صائماً يوم الجمعة فعليه أن يفطر، برقم 1985، واللفظ له، ومسلم، كتاب الصيام، باب كراهة صيام يوم الجمعة منفرداً، برقم 1144.
54 -
قال الشارح رحمه الله:
هذه الأحاديث الثلاثة تتعلق بأنواعٍ من العبادة، الحديث الأول فيه: الدلالة على شرعية صيام ثلاثة أيام من كل شهر، وسُنة الضحى، والإيتار قبل النوم، وقد أوصى النبي صلى الله عليه وسلم بذلك أبا هريرة، وأوصى بذلك أبا الدرداء أيضاً (1)، وعبداللَّه بن عمرو بن العاص أوصاه بأن يصوم ثلاثة أيام من كل شهر، وقال له:«الحسنة بعشر أمثالها، وذلك مثل صيام الدهر» (2)،
وأوصى بذلك أبا ذر أيضاً (3)، وهذا يدل على شرعية صيام ثلاثة أيام من كل شهر، سواء في العشر
(1) أخرجه مسلم، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب استحباب صلاة الضحى، وأن أقلها ركعتان، وأكملها ثمان ركعات، وأوسطها أربع كعات، أو ست، والحث على المحافظة علها، برقم 722، ولفظه: عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رضي الله عنه، قَالَ:«أَوْصَانِي حَبِيبِي صلى الله عليه وسلم بِثَلَاثٍ، لَنْ أَدَعَهُنَّ مَا عِشْتُ: بِصِيَامِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ، وَصَلَاةِ الضُّحَى، وَبِأَنْ لَا أَنَامَ حَتَّى أُوتِرَ» ، وأخرج الإمام أحمد، 45/ 474، برقم 27481، ولفظه: عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، قَالَ: أَوْصَانِي خَلِيلِي أَبُو الْقَاسِمِ صلى الله عليه وسلم بِثَلَاثٍ لَا أَدَعُهُنَّ لِشَيْءٍ: «أَوْصَانِي بِصِيَامِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ، وَأَنْ لَا أَنَامَ إِلَّا عَلَى وِتْرٍ، وَسُبْحَةِ الضُّحَى فِي الْحَضَرِ، وَالسَّفَرِ» ، وأخرجه - أيضاً- أبو داود، كتاب الصلاة، باب في الوتر قبل النوم، برقم 1435، والبزار، 10/ 72، برقم 4136، وصححه لغيره محققو المسند، 45/ 475، وصححه الألباني في صحيح أبي داود، 5/ 175، برقم 1287.
(2)
البخاري، برقم 1976، ومسلم، برقم 1159، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 203 ..
(3)
وصية النبي صلى الله عليه وسلم لأبي ذر، أخرجها ابن خزيمة، 2/ 144، برقم 1083، ولفظه: عَنْ أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه، قَالَ:«أَوْصَانِي حَبِيبِي بِثَلَاثٍ، لَا أَدَعُهُنَّ إِنْ شَاءَ اللَّهُ أَبَدًا، أَوْصَانِي: بِصَلَاةِ الضُّحَى، وَبِالْوِتْرِ قَبْلَ النَّوْمِ، وَبِصَوْمِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ» . والنسائي، كتاب الصيام، صوم ثلاثة أيام من الشهر، برقم 2404، وصححه محقق ابن خزيمة، 2/ 144، وصحح إسناده الشيخ الألباني في إرواء الغليل، 2/ 212، برقم 946.
الأول، أو في العشر الوسط، أو في الأخيرة، وسواء كانت متتابعة، أو مفرقة، كل ذلك حسن، والحسنة بعشر أمثالها، فالمعنى أن كل يوم بعشرة، فكأنه صام الدهر كله، وهذا من فضل اللَّه عز وجل.
وإن صام أيام البيض الثالث عشر، والرابع عشر، والخامس عشر، فهذا هو الأفضل كما في حديث أبي ذر (1)
، كذلك سنة الضحى، صلاة الضحى سنة، أوصى بها النبي صلى الله عليه وسلم أبا الدرداء، وأبا هريرة، وأوصى بها آخرين، وقال عليه الصلاة والسلام:«يُصْبِحُ عَلَى كُلِّ سُلَامَى من الناس صدقة ــ يعني على كل مفصل من الناس صدقة ــ فَبِكُلِّ تَهلِيلَةٍ صَدَقَةٌ، وَبِكُلِّ تَسْبِيحَةٍ صَدَقَةٌ، والتَّحْمِيدُ صَدَقَةٌ، وَالتَّكْبِيرُ صَدَقَةٌ وَأَمْرٌ بِالْمَعْرُوفِ صَدَقَةٌ، وَنَهْيٌ عَنِ الْمُنْكَرِ صَدَقَةٌ، قال: وَيَكْفِي مِنْ ذَلِكَ رَكْعَتَانِ تَرْكَعُهُمَا مِنَ الضُّحَى» (2)،
فإذا ركعت من الضحى
(1) عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «يَا أَبَا ذَرٍّ، إِذَا صُمْتَ مِنَ الشَّهْرِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَصُمْ: ثَلَاثَ عَشْرَةَ، وَأَرْبَعَ عَشْرَةَ، وَخَمْسَ عَشْرَةَ» [الترمذي، كتاب الصوم، باب ما جاء في صيام ثلاثة أيام من كل شهر، برقم 761 بلفظه، والنسائي، كتاب الصوم، ذكر الاختلاف على موسى بن طلحة، في صيام ثلاثة أيام من كل شهر، برقم 2421 - 2425، وفي لفظ من هذه الروايات للنسائي:«أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ نَصُومَ مِنْ الشَّهْرِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ الْبِيضَ: ثَلَاثَ عَشْرَةَ، وَأَرْبَعَ عَشْرَةَ، وَخَمْسَ عَشْرَةَ» ، وقال الألباني في صحيح الترمذي، 1/ 402، وفي صحيح النسائي، 2/ 170:«حسن صحيح» ..
(2)
مسلم، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب استحباب صلاة الضحى، وأن أقلها ركعتان، وأكملها ثمان ركعات، وأوسطها أربع ركعات، أو ست، والحث على المحافظة عليه، برقم 720، ولفظه:«يُصْبِحُ عَلَى كُلِّ سُلَامَى مِنْ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ، فَكُلُّ تَسْبِيحَةٍ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ تَحْمِيدَةٍ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ تَهْلِيلَةٍ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ تَكْبِيرَةٍ صَدَقَةٌ، وَأَمْرٌ بِالْمَعْرُوفِ صَدَقَةٌ، وَنَهْيٌ عَنِ الْمُنْكَرِ صَدَقَةٌ، وَيُجْزِئُ مِنْ ذَلِكَ رَكْعَتَانِ يَرْكَعُهُمَا مِنَ الضُّحَى» ..
قامت مقام هذه الأعمال التي تُؤدِّي عن مفاصله، فسنة الضحى عبادة مؤكدة، وأقلها ركعتان بعد ارتفاع الشمس إلى وقوف الشمس، كله صلاة ضحى ما بين ارتفاعها قيد رُمح إلى وقوفها في كبد السماء، وأفضل ذلك عند شدة الحر، إذا اشتد الضحى قبل الظهر بساعة، أو ساعة ونصف، أو ساعتين، فهذا أفضل، وهي صلاة الأوَّابين (1)
حين شدة الضحى، وإذا صلى أربعاً، أو ستاً، أو ثمانياً، أو أكثر؟ فكله حسن، وقد صلى النبي صلى الله عليه وسلم يوم الفتح ثماني ركعات في الضحى، عليه الصلاة والسلام، وروي عن عائشة أنه صلى عندها ثمان ركعات صلاة الضحى (2)
، فهي سنة مؤكدة من قول النبي صلى الله عليه وسلم، ومن فعله، وهكذا الوتر قبل النوم، الوتر سنة مؤكدة، ما بين صلاة العشاء
(1) أخرج مسلم، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب صلاة الأوابين حين ترمض الفصال، برقم 748، عَنْ أَيُّوبَ، عَنِ الْقَاسِمِ الشَّيْبَانِيِّ، أَنَّ زَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ رَأَى قَوْمًا يُصَلُّونَ مِنَ الضُّحَى، فَقَالَ: أَمَا لَقَدْ عَلِمُوا أَنَّ الصَّلَاةَ فِي غَيْرِ هَذِهِ السَّاعَةِ أَفْضَلُ، إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«صَلَاةُ الأَوَّابِينَ حِينَ تَرْمَضُ الْفِصَالُ» ..
(2)
روى مالك في الموطأ، 2/ 213، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها:«أَنَّهَا كَانَتْ تُصَلِّي الضُّحَى ثَمَانِىَ رَكَعَاتٍ، ثُمَّ تَقُولُ: لَوْ نُشِرَ لِي أَبَوَاي مَا تَرَكْتُهُنَّ» وصححه الألباني في مشكاة المصابيح، 1/ 294، برقم 1319، وروى أبو داود عَنْ أُمِّ هَانِئٍ بِنْتِ أَبِي طَالِبٍ، «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ الْفَتْحِ صَلَّى سُبْحَةَ الضُّحَى ثَمَانِيَ رَكَعَاتٍ، يُسَلِّمُ مِنْ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ» ، كتاب التطوع، باب صلاة الضحى، برقم 1290، وروى البخاري، ومسلم، وغيره عن أُمِّ هَانِئٍ:«أنَّهَا حَدَّثَتْ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ بَيْتَهَا يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ، فَصَلَّى ثَمَانِي رَكَعَاتٍ، مَا رَأَيْتُهُ صَلَّى صَلَاةً قَطُّ أَخَفَّ مِنْهَا» ، البخاري، أبواب تقصير الصلاة، باب من تطوع في السفر، برقم 1103، ومسلم، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب استحباب صلاة الضحى، وأن أقلها ركعتان، وأكملها ثمان ركعات، وأوسطها أربع ركعات، أو ست، والحث على المحافظة عليها، برقم 336 ..
إلى طلوع الفجر، وأفضل ذلك في آخر الليل، هذا هو الأفضل، وإن خاف أن لا يقوم من آخر الليل أوتر في أوله، ولعل السر في وصية النبي صلى الله عليه وسلم لأبي ذر، ولأبي هريرة، وأبي الدرداء في الوتر في أول الليل، لأنهم كانوا لا يستطيعون فعل ذلك في آخر الليل؛ إما لدرس الحديث، أو لأسباب أخرى، فلهذا أوصاهما بالوتر في أول الليل، أما من قدر واستطاع أن يصلي في آخر الليل، فهو أفضل، كما ثبت في الحديث الصحيح عن رسول اللَّه عليه الصلاة والسلام أنه قال:«مَنْ خَافَ أَنْ لَا يَقُومَ في آخِرِ اللَّيْلِ، فَلْيُوتِرْ أَوَّلَهُ، وَمَنْ طَمِعَ أَنْ يَقُومَ في آخِرِ الليل، فَلْيُوتِرْ آخِرَ اللَّيْلِ، فَإِنَّ صَلَاةَ آخِرِ اللَّيْلِ مَشْهُودَةٌ، وَذَلِكَ أَفْضَلُ» رواه مسلم في الصحيح (1).
ولقوله صلى الله عليه وسلم: «يَنْزِلُ رَبُّنَا إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا كُلَّ لَيْلَةٍ حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرُ، وينادي: هَلْ مِنْ سَائِلٍ فيُعْطَى سُؤْلَهُ؟ هَلْ مِنْ دَاعٍ فيُسْتَجَابُ له؟ هَلْ مِنْ مُسْتَغْفِرٍ يُغْفَرُ لَهُ؟ حَتَّى يَطْلُعَ الفَجْرُ» (2)،
هذا
(1) مسلم، برقم 755، تقدم تخريجه في شرح أحديث حديث المتن رقم 204.
(2)
انظر: البخاري، برقم 1145، ومسلم، برقم 758، والسنة لابن أبي عاصم، 1/ 222، وروايات مسلم متعددة، قد تجمع كل ما في المتن، وهي على النحو الآتي:
1 -
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:«يَنْزِلُ رَبُّنَا تبارك وتعالى كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرُ، فَيَقُولُ: مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ، وَمَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ، وَمَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ» .
2 -
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:«يَنْزِلُ اللَّهُ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا كُلَّ لَيْلَةٍ حِينَ يَمْضِي ثُلُثُ اللَّيْلِ الأَوَّلُ، فَيَقُولُ: أَنَا الْمَلِكُ، أَنَا الْمَلِكُ، مَنْ ذَا الَّذِي يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ، مَنْ ذَا الَّذِي يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ، مَنْ ذَا الَّذِي يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ، فَلَا يَزَالُ كَذَلِكَ حَتَّى يُضِيءَ الْفَجْرُ» .
3 -
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «إِذَا مَضَى شَطْرُ اللَّيْلِ، أَوْ ثُلُثَاهُ، يَنْزِلُ اللَّهُ تبارك وتعالى إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، فَيَقُولُ: هَلْ مِنْ سَائِلٍ يُعْطَى؟ هَلْ مِنْ دَاعٍ يُسْتَجَابُ لَهُ؟ هَلْ مِنْ مُسْتَغْفِرٍ يُغْفَرُ لَهُ؟ حَتَّى يَنْفَجِرَ الصُّبْحُ» .
4 -
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «يَنْزِلُ اللَّهُ فِي السَّمَاءِ الدُّنْيَا لِشَطْرِ اللَّيْلِ، أَوْ لِثُلُثِ اللَّيْلِ الآخِرِ، فَيَقُولُ: مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ، أَوْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ، ثُمَّ يَقُولُ: مَنْ يُقْرِضُ غَيْرَ عَدِيمٍ، وَلَا ظَلُومٍ» .
وقت عظيم إذا تيسّر فيه: القيام، والقراءة، والدعاء، والصلاة.
أما الحديث الثاني والثالث، فهما يدلان على أنه لا يجوز إفراد الجمعة بالتطوّع؛ لأن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم نهى عن إفرادها بالتطوع.
أما إذا صام قبلها يوماً أو بعدها يوماً فلا بأس، إذا صام الخميس مع الجمعة، أو الجمعة مع السبت فلا بأس، أما إفرادها، فقد نهى النبي عن ذلك عليه الصلاة والسلام، فهي عيد الأسبوع فلا تُفرد، ولمَّا رأى بعض أزواجه صامت يوم الجمعة، وهي جويرية بنت الحارث، قال لها:«أصُمتِ أمس؟» قالت: لا، قال:«أتريدين أن تصومي غداً؟» قالت: لا. قال: «أفطري» (1)، فدل ذلك على أن يوم الجمعة لا يُصام وحده، ولا يُتطوع به وحده، ولكن يُصام قبله يوم، أو بعده يوم، كما أمر النبي عليه الصلاة والسلام بذلك، ونهى عن إفراده.
208 -
عن أبي عبيد مولى ابن أزهر ــ واسمه سعد بن عبيد ــ قال:
(1) أخرج البخاري، عَنْ جُوَيْرِيَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ عَلَيْهَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَهِيَ صَائِمَةٌ، فَقَالَ:«أَصُمْتِ أَمْسِ؟» قَالَتْ: لَا، قَالَ:«تُرِيدِينَ أَنْ تَصُومِي غَدًا؟» قَالَتْ: لَا، قَالَ:«فَأَفْطِرِي» . البخاري، كتاب الصوم، باب صوم يوم الجمعة، برقم 1986.
209 -
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ صَوْمِ يَوْمَيْنِ: النَّحْرِ، وَالْفِطْرِ (3)، وَعَنِ اشتمال (4) الصَّمَّاءِ، وَأَنْ يَحْتَبِيَ الرَّجُلُ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ، وَعَنِ الصَّلاةِ بَعْدَ الصُّبْحِ وَالْعَصْرِ» .
أخرجه مسلم بتمامه، وأخرج البخاري الصوم فقط (5).
210 -
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: «مَنْ صَامَ يَوْماً فِي سَبِيلِ اللَّهِ بَعَّدَ اللَّهُ وَجْهَهُ عَنِ النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفاً» (6).
(1) في نسخة الزهيري: «تأكلون فيه» ، وهي في البخاري، برقم 1990، ومسلم، برقم 1137.
(2)
رواه البخاري، كتاب الصوم، باب صوم يوم الفطر، برقم 1990، ومسلم، كتاب الصيام، باب النهي عن صوم يوم الفطر ويوم الأضحى، برقم 1137، واللفظ له.
(3)
في نسخة الزهيري: «الفطر والنحر» .
(4)
«اشتمال» : ليست في نسخة الزهيري، وهي في البخاري، برقم 367.
(5)
رواه البخاري، كتاب الصوم، باب صوم يوم الفطر، برقم 1991، و1992، ومسلم، كتاب الصيام، باب النهي عن صوم يوم الفطر ويوم الأضحى، برقم 140، و141 - (827)، ورواية البخاري بلفظ:«عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رضي الله عنه قَالَ: نَهَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ صَوْمِ يَوْمِ الْفِطْرِ، وَالنَّحْرِ، وَعَنِ الصَّمَّاءِ، وَأَنْ يَحْتَبِيَ الرَّجُلُ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ، وَعَنْ صَلَاةٍ (وَعَنِ الصَّلَاةِ) بَعْدَ الصُّبْحِ وَالْعَصْرِ» .
تنبيه: وهم المؤلف رحمه الله في قوله: «أخرجه مسلم بتمامه، وأخرج البخاري الصوم فقط» ، والعكس هو الصواب، فقد رواه البخاري بتمامه، وأخرج مسلم النهي عن الصوم فقط، فقال:«نهى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عن صومين: يوم الفطر، ويوم الأضحى» ، مسلم، برقم 1140.
(6)
رواه البخاري، كتاب الجهاد والسير، باب فضل الصوم في سبيل اللَّه، برقم 2840، واللفظ له، ومسلم، كتاب الصيام، باب فضل الصيام في سبيل اللَّه لمن يطيقه، بلا ضرر، ولا تفويت حق، برقم 1153.
55 -
قال الشارح رحمه الله:
هذه الأحاديث الثلاثة تتعلق بمسائل في الصوم، وفي مسائل أخرى.
الحديث الأول النهي عن صوم يومي عيد الفطر والنحر؛ لأن اللَّه نهى عن صيامهما، وهكذا في حديث أبي سعيد النهي عن صيامهما أيضاً، وهما لا يُصامان: يوم عيد الفطر ويوم عيد النحر، ومن صامهما فصومه باطل، وعليه التوبة إلى اللَّه من ذلك لأنها معصية، وهكذا أيام النحر أيام التشريق: الحادي عشر، والثاني عشر، والثالث عشر من ذي الحجة، يقال لها: أيام التشريق، ويقال لها: أيام النحر، فهذه لا تُصام أيضاً؛ لأنها أيام عيد، فهي خمسة أيام من السنة: يوم عيد الفطر، ويوم عيد النحر، وأيام التشريق الثلاثة، فالجميع خمسة، هذه لا تُصام، يجب على المسلم إفطارها، إلا من عجز عن الهدي: هدي التمتع والقران، هذا له أن يصوم أيام التشريق لصفة خاصة مستثناة، وكما في حديث عائشة، وابن عمر رضي الله عنهما قالا:«لَا يُرَخَّص فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ أَنْ يُصَامَا، إِلَّا لِمَنْ لَمْ يَجِدِ الْهَدْيَ» (1)، أي هدي التمتع، ومن سواه، لا يصوم أيام التشريق، أما
(1) أخرج البخاري في كتاب الصوم، باب صيام أيام التشريق، برقم 1997، 1998: عن عروة عن عائشة، وعن سالم عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهم قَالَا:«لَمْ يُرَخَّصْ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ أَنْ يُصَمْنَ إِلَّا لِمَنْ لَمْ يَجِدْ الْهَدْيَ» .
يوم العيد: عيد النحر، وعيد الفطر، فهذان لا يُصامان لجميع الناس، لا لصاحب الهدي، ولا غيره.
وفي حديث أبي سعيد النهي عن اشتمال الصماء، واشتمال الصماء كونه يتلفَّف في ثوب واحد، يُخشى أنه إذا تحرك أو أراد أخذ حاجة ظهرت عورته، وسميت صماء؛ لأنها لا منفذ لها يتلفْلَف فيها تلفلفاً غير مضبوط، بخلاف إذا كان متزر ثوب يربطه عليه، أو يجعل أطرافه على عاتقيه، كل هذا لا بأس به، أما إذا اشتملها، لفّ الثوب عليه من غير ضبط له، ولا عناية، فإن هذا قد تبدو منه العورة، فلا يجوز التلفلف في الثوب على وجه يخشى منه ظهور العورة وفُسِّرت أيضاً بجعل الثوب على أحد عاتقيه، ويسدله على جانبين من غير ضبطٍ للعورة، ولا ستر للعورة؛ لأن الواجب ستر العورة، «وأن يحتبي الرجل في ثوب واحد» ، احتباءه كونه ينصب فخذيه وساقيه، ويربط الثوب على ساقيه، وعلى أسفل ظهره، يقال له احتباء؛ لأنه يبدي العورة إلى جهة السماء إذا صارت العورة غير مستورة، قد يقف عليه من ينظر عليه، أو يقف يكلمه فيرى عورته، فلا بد أن يكون عليه ثوب آخر، يعني عليه إزار أو سراويل، حتى إذا احتبى تكون العورة مستورة، أما أن يحتبي ويربط الثوب على أسفل ظهره، وعلى رجليه، وتبقى عورته بارزة إلى جهة السماء غير مستورة هذا لا يجوز.
الوصية الرابعة: «نهى صلى الله عليه وسلم عن الصلاة بعد الصبح وبعد العصر،
نهى عن الصلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس، وبعد العصر حتى تغيب الشمس»، هذان وقتان نُهِيَ عن الصلاة فيهما، إذا صلى الناس الفجر نُهي عن الصلاة حتى تطلع الشمس قيد رمح، وهكذا بعد طلوع الفجر، لا يصلي إلا ركعتي الفجر؛ سنة الفجر ثم الفريضة يصليها، لكن يستثنى من ذلك: لو أتى المسجد صلى تحية المسجد، لو دخل بعد الصبح، أو بعد العصر يصلي تحية المسجد، وصلاة الجنازة يُصلَّى عليها بعد الفجر، وبعد العصر في الوقتين الطويلين، وصلاة الكسوف، وصلاة الطواف، هذه مستثناة؛ لأنها من ذوات الأسباب، لو طاف بمكة بعد العصر، أو بعد الصبح جاز له أن يصلي ركعتي الطواف، لقوله صلى الله عليه وسلم:«لا تمنعوا أحداً طاف بالبيت، وصلى أي ساعة شاء من الليل أو النهار» (1).
والحديث الثالث حديث أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من صام يوماً في سبيل اللَّه بعّد اللَّه عن وجهه النار سبعين خريفاً» ، هذا معناه واللَّه أعلم في سبيل اللَّه: يعني في طاعة اللَّه، أي من صام يوماً يبتغي وجه اللَّه والدار الآخرة، فله هذا الأجر العظيم، وهو من أسباب بعده
(1) أحمد، 27/ 297، برقم 17632، وأبو داود، كتاب المناسك، باب الطواف بعد العصر، برقم 1894، والترمذي، كتاب الحج، باب ما جاء في الصلاة بعد العصر وبعد الصبح لمن يطوف، برقم 868، وقال:«حسن صحيح» ، والنسائي، كتاب المواقيت، إباحة الصلاة في الساعات كلها بمكة، برقم 585، وابن ماجه، كتاب الصلاة، باب ما جاء في الرخصة في الصلاة بمكة في كل وقت، برقم 1254، وصحح إسناده محققو المسند، 27/ 297، والألباني في إرواء الغليل، 2/ 238.