الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
11 - كتاب اللعان
329 -
عن عبد اللَّه بن عمر رضي الله عنهما، «أَنَّ فُلانَ ابْنَ فُلانٍ، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَرَأَيْتَ (1) لَوْ وَجَدَ أَحَدُنَا امْرَأَتَهُ عَلَى فَاحِشَةٍ، كَيْفَ يَصْنَعُ؟ إنْ تَكَلَّمَ تَكَلَّمَ بِأَمْرٍ عَظِيمٍ، وَإِنْ سَكَتَ سَكَتَ عَلَى مِثْلِ ذَلِكَ. قَالَ: فَسَكَتَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، فَلَمْ يُجِبْهُ، فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ أَتَاهُ، فَقَالَ: إنَّ الَّذِي سَأَلْتُكَ عَنْهُ قَدِ ابْتُلِيتُ بِهِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل هَؤُلاءِ الآيَاتِ فِي سُورَةِ النُّورِ {وَاَلَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ} (2) فَتَلاهُنَّ عَلَيْهِ، وَوَعَظَهُ وَذَكَّرَهُ، وَأَخْبَرَهُ، أَنَّ عَذَابَ الدُّنْيَا أَهْوَنُ مِنْ عَذَابِ الآخِرَةِ، فَقَالَ: لا، وَاَلَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ نبياً (3)، مَا كَذَبْتُ عَلَيْهَا، ثُمَّ دَعَاهَا، وَوَعَظَهَا، وَأَخْبَرَهَا (4)، أَنَّ عَذَابَ الدُّنْيَا أَهْوَنُ مِنْ عَذَابِ الآخِرَةِ، فَقَالَتْ (5):
لا، وَاَلَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ، إنَّهُ لَكَاذِبٌ، فَبَدَأَ بِالرَّجُلِ، فَشَهِدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاَللَّهِ إنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ، وَالْخَامِسَةُ، أَنَّ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَيْهِ إنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ، ثُمَّ ثَنَّى بِالْمَرْأَةِ، فَشَهِدَتْ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاَللَّهِ إنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ، وَالْخَامِسَةَ، أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ، ثُمَّ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا، ثُمَّ قَالَ: «اللَّهُ
(1) في نسخة الزهيري: «أرأيت أن لو وجد أحدنا» ، وهو لفظ مسلم، برقم 1493.
(2)
سورة النور، الآيات: 6 - 9، والآية في نسخة الزهيري:{وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إلَاّ أنْفُسُهُمْ} .
(3)
«نبياً» : ليست في نسخة الزهيري.
(4)
في نسخة الزهيري: «فوعظها، وذكرها، وأخبرها» ، وهذا لفظ مسلم، برقم 1493.
(5)
في نسخة الزهيري: «قالت» ، وهي التي في مسلم، برقم 1493 ..
يَعْلَمُ أَنَّ أَحَدَكُمَا كَاذِبٌ، فَهَلْ مِنْكُمَا تَائِبٌ؟ ــ ثَلاثاً ــ» (1).
وفي لفظٍ «لا سَبِيلَ لَكَ عَلَيْهَا» فقَالَ (2): يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَالِي؟ قَالَ:«لا مَالَ لَكَ، إنْ كُنْتَ صَدَقْتَ عَلَيْهَا، فَهُوَ بِمَا اسْتَحْلَلْتَ مِنْ فَرْجِهَا، وَإِنْ كُنْتَ كَذَبْتَ عليها، فَهُوَ أَبْعَدُ لَكَ مِنْهَا» (3).
330 -
331 -
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: «جَاءَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي فَزَارَةَ إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: إنَّ امْرَأَتِي وَلَدَتْ غُلاماً أَسْوَدَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «هَلْ لَك إبِلٌ (5)؟» قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: «فَمَا أَلْوَانُهَا» ؟ قَالَ: حُمْرٌ. قَالَ: «فَهَلْ (6) فِيهَا مِنْ أَوْرَقَ؟» قَالَ: إنَّ فِيهَا لَوُرْقاً، قَالَ:«فَأَنَّى أَتَاهَا ذَلِكَ؟» قَالَ: عَسَى
(1) رواه البخاري، كتاب الطلاق، باب صداق الملاعنة، برقم 5311، ورقم 5312، وبقيته برقم 5349، و5350، وأخرجه مسلم، كتاب اللعان، فاتحته، برقم 1493.
(2)
في نسخة الزهيري: «قال» بدون فاء، وهو لفظ البخاري، برقم 5350.
(3)
رواه البخاري، كتاب الطلاق، باب المتعة للتي لم يفرض لها، برقم 5350، ومسلم، كتاب اللعان، برقم 5 - (1493).
(4)
رواه البخاري، كتاب التفسير، باب قوله:{والخامسةَ أنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إنْ كانَ منَ الصَّادِقِينَ} ، برقم 4748 بلفظه، وكتاب الطلاق، باب يلحق الولد بالملاعنة، برقم 5315، وبقيته في 5306، و5313، و5314، و6748، ومسلم، كتاب اللعان، فاتحته، برقم 1494.
(5)
في نسخة الزهيري: «هل لك من إبل» ، وهو لفظ البخاري، برقم 5305، ومسلم، برقم 1500.
(6)
في نسخة الزهيري: «هل» بدون فاء، وهو لفظ البخاري، برقم 5305، ومسلم، برقم 1500.
أَنْ يَكُونَ نَزَعَهُ عِرْقٌ، قَالَ:«وَهَذَا، عَسَى أَنْ يَكُونَ نَزَعَهُ عِرْقٌ» (1).
94 -
قال الشارح رحمه الله:
هذه الأحاديث الثلاثة الثابتة عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم تتعلق باللعان، واللعان مصدر لاعن يلاعن لعاناً وملاعنةً إذا لاعن زوجته بسبب تُهمتِه إيَّاها بالزنى، وهي: أن يشهد أربع شهادات أنها زانية، والخامسة أن لعنة اللَّه عليه إن كان كاذباً، ثم تشهد أربع شهادات هي باللَّه أنه كاذب، والخامسة أن عليها غضب اللَّه إن كان صادقاً، ثم يُفرق بينهما، فإذا ادَّعى الرجل عند الحاكم، أو القاضي: أنه رأى امرأته تزني، فهو بين أمرين: إما أن يُحضر شهوداً أربعة لذلك، ويسلم من حد القذف، ويثبت عليها الحد هي، وهو الرجم إذا كانت محصنة، وإما أن تُقرّ هي، إذا أقرت سلم من الحد: حد القذف [ورجمت](2) هي بإقرارها، وإن أنكرت ولم يكن عنده شهود، فهو بين أمرين:
إمَّا أن يرضى بحد القذف إذا طلبت ذلك، وهو أن يجلد ثمانين جلدة عن قذفه لها.
وإما أن يلاعنها كما قال جل وعلا: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ
(1) رواه البخاري، كتاب الطلاق، باب إذا عرَّض بنفي الولد، برقم 5305، وكتاب الحدود، باب ما جاء في التعريض، برقم 6847، ومسلم، كتاب اللعان، برقم 1500، بلفظه أيضاً.
(2)
ما بين المعقوفين كلمة غير واضحة، والظاهر أنها:«ورجمت» .
وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ * وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ * وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ * وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ} (1).
هذا هو اللِّعَان، وقد حدث لبعض الأنصار ذلك، وحضر عند النبي صلى الله عليه وسلم، وسأله عن ذلك، قال: يا رسول اللَّه الرجل يرى مع امرأته رجلاً- يعني يزني بها- فماذا يفعل؟ إن تكلم تكلم بأمر عظيم، وإن سكت سكت على مثل ذلك، فسكت النبي صلى الله عليه وسلم حتى جاءه الرجل مرة أخرى، وقال: إن الذي سألتك عنه قد ابتليت به، يعني قد وقعت فيه، فأنزل اللَّه الآيات من سورة النور:{وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ} الآيات، فأحضره النبي صلى الله عليه وسلم، وامرأته، ووعظهما، وذكرهما، وأخبرهما أن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة، لعلهما يرجعان، لعله يرجع عن قوله، أو هي ترجع وتقّر، فصمَّما على قولهما، فشهد الرجل أربع شهادات باللَّه أنه صادق، والخامسة أن لعنة اللَّه عليه إن كان كاذباً، وهي شهدت أربع شهادات أنه كاذب، والخامسة أن غضب اللَّه عليها إن كان صادقاً، فلما شهدا هذه الشهادات، فرق النبي صلى الله عليه وسلم بينهما، وقال:«اللَّه يعلم أن أحدكما كاذب، فهل منكما تائب» حثهما على التوبة، فقال
(1) سورة النور، الآيات: 6 - 9.
الرجل: يا رسول اللَّه مالي، قال «لا مال لك» يعني المهر «إن كنت صادقاً - صدقت عليها - فهو بما استحللت من فرجها، وإن كنت كذبت عليها فهو أبعد لك منها» ، فَفَرَّق بينهما النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يعطه المهر: كالذي طلقها بعد الدخول، ليس له مهر، مهرها بما استحل من فرجها، وتحرم عليه أبداً، أبد الآباد، ما تحلّ له أبداً، ولو بعد زوج تحريماً مؤبداً.
وهكذا حديث ابن عمر: في الذي لاعن امرأته وهي حامل: وانتفى من ولدها: فأمرهما النبي صلى الله عليه وسلم بالملاعنة: وفرق بينهما: ونسب الولد إلى أمه: فإذا لاعنها على أن الولد ليس منه، وأنه من الزاني، ولاعنها على هذا، فإن الولد للأم ينسب إليها، ويكون بريئاً منه الزوج، وتقع الفرقة بينهما، فرقة مؤبدة إذا كان بينهما ولد، فيصرح بأنها زانية، وأن الولد ليس منه، فإذا كمل اللعان على هذا تمت الفرقة بينهما، وصار الولد لها، وبرئ من الولد؛ لأنه قذفها بالزنى، ولاعنها، وليس عنده بينة ولم تقر، فهذا هو اللعان.
وفي الحديث الثالث: أن رجلاً قال: يا رسول اللَّه إن امرأتي ولدت غلاماً أسود، وهو يعرِّض بأن ينفيه، يستنكر، استنكره، يعني [
…
] (1) الزوج والزوجة ليسا بأسودين، فجاء الولد أسود فاستنكره، وهو يُعرِّض بأن ينفيه ويتبرأ منه، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:«هل لك من إبل» قال: نعم. قال: «فما ألوانها» قال: حمر. قال: «فهل فيها من أورق» يعني أسود، قال: إن فيها
(1) ما بين المعقوفين أصله: «هم ما هم بسود» حذفته ليتضح المعنى.
لورقاً، يعني فيها جماعة ورق: سود، وأمهاتها وآباؤها حمر، قال:«فأنى أتاها ذلك؟!» . قال لعله نزعه عرق، لعل في إبلنا السابقة شيء أسود، فنزع هذا الولد، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:«لعل ولدك هذا نزعه عرق» يعني ما ينفَى الولد من أجل اللون، فهذا صار على جد له قديم، أو خال، أو عم، أو عم عم، قد يُنزع الولد إلى بعض أقربائه في الشبه من أجداده، أو أعمامه، فإذا كان اللون غير لون الزوج ما يقذفها ولا يلاعنها من أجل هذا، فاللون قد يتغير، قد يكون لون الولد على غير لون أبيه، وقد كان زيد بن حارثة أبيض، وأُسامة بن زيد أسود ما كان على لون أبيه، وهذا يقع كثيراً، يكون لون الأب غير لون الولد، وغير لون الأم، فلا يُوجِبُ هذا التهمة، ولا يوجب لعاناً كما بينه النبي صلى الله عليه وسلم: «لعله نزعه عرق
…
» (1).
332 -
عن عائشة رضي الله عنها (2) قالت: «اخْتَصَمَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ، وَعَبْدُ بْنُ زَمْعَةَ فِي غُلامٍ، فَقَالَ سَعْدٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَذَا ابْنُ أَخِي عُتْبَةَ بْنِ
أَبِي وَقَّاصٍ، عَهِدَ إلَيَّ، أَنَّهُ ابْنُهُ، اُنْظُرْ إلَى شَبَهِهِ، وَقَالَ عَبْدُ بْنُ
زَمْعَةَ: هَذَا أَخِي يَا رَسُولَ اللَّهِ، وُلِدَ عَلَى فِرَاشِ أَبِي مِنْ وَلِيدَتِهِ، فَنَظَرَ
رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إلَى شَبَهِهِ، فَرَأَى شَبَهًا بَيِّنًا بِعُتْبَةَ، فَقَالَ: «هُوَ لَك يَا عَبْدُ بْنَ زَمْعَةَ، الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ، وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ، وَاحْتَجِبِي مِنْهُ يَا سَوْدَةُ، فَلَمْ يَرَ
(1) آخر الوجه الأول من الشريط الخامس عشر، والوجه الثاني لهذا الشريط فارغ.
(2)
أول الوجه الأول من الشريط السادس عشر.
(1)
سَوْدَةَ قَطُّ» (2).
333 -
عن عائشة لأنها قالت: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ عَلَيَّ مَسْرُوراً، تَبْرُقُ أَسَارِيرُ وَجْهِهِ، فَقَالَ:«أَلَمْ تَرَيْ؟ أَنَّ مُجَزِّزاً نَظَرَ آنِفاً إلَى زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ، وَأُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، فَقَالَ: إنَّ بَعْضَ هَذِهِ الأَقْدَامِ لَمِنْ بَعْضٍ» (3).
وفي لفظٍ «وَ (4) كَانَ مُجَزِّزٌ قَائِفاً» (5).
334 -
عن أبي سعيد الخُدْرِي رضي الله عنه قال: ذُكِرَ الْعَزْلُ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ:«وَلِمَ يَفْعَلُ (6) أَحَدُكُمْ؟» وَلَمْ يَقُلْ: فَلا يَفْعَلْ ذَلِكَ أَحَدُكُمْ ــ «فَإِنَّهُ لَيْسَتْ نَفْسٌ مَخْلُوقَةٌ إلَاّ اللَّهُ خَالِقُهَا» (7).
(1) في نسخة الزهيري: «فلم تره سودة قط» ، وهذا لفظ البخاري، برقم 2218، ولفظ المتن لمسلم، برقم 1457.
(2)
رواه البخاري، كتاب الحدود، باب للعاهر الحجر، برقم 6817، وانظر أطرافه، وأخرجه في الحديث رقم 2053، ولفظه في كتاب البيوع، باب شراء المملوك من الحربي، وهبته، وعتقه، برقم 2218، ومسلم، كتاب الرضاع، باب الولد للفراش، وتوقي الشبهات، برقم 1457، بلفظه أيضاً.
(3)
رواه البخاري، كتاب فضائل الصحابة، باب مناقب زيد بن حارثة مولى النبي صلى الله عليه وسلم، برقم 3731، وأطرافه في الحديث رقم 3555، وأخرجه بلفظه في كتاب الفرائض، باب القائف، برقم 6770، ومسلم، كتاب الرضاع، باب العمل بإلحاق القائف الولد، برقم 1459، بنحوه.
(4)
«و» : ليست في نسخة الزهيري.
(5)
رواه مسلم، كتاب الرضاع، باب العمل بإلحاق القائف الولد، برقم 40 - (1459).
(6)
في نسخة الزهيري: «ولم يفعل ذلك أحدكم؟» ، وهو لفظ مسلم، برقم 132 - (1438).
(7)
رواه البخاري، كتاب التوحيد، باب قول الله تعالى:{هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ} [الحشر: 24]، برقم 7409، ولفظه:«عليكم أن لا تفعلوا فإن اللَّه قد كتب من هو خالق إلى يوم القيامة» ، وجميع أطراف الحديث في البخاري، برقم 2229، وأخرجه مسلم، كتاب النكاح، باب حكم العزل، برقم 1438، واللفظ له.
95 -
قال الشارح رحمه الله:
هذه الأحاديث الصحيحة الثابتة ..
الحديث الأول: في قصة عبد بن زمعة، وسعد بن أبي وقاص بفي قصة ابن زمعة، فيها أن سعداً ادّعى أنه ابن أخيه عتبة من وليدة زمعة، وأن أخاه اعتدى عليها، وجامعها، فهو ولده، وقال عبد: إنه أخوه، ولد على فراش أبيه من وليدته، فحكم بينهما النبي صلى الله عليه وسلم بأنه لعبد بن زمعة، يعني بأنه ولدٌ لابن زمعة، وقال:«الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ، وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ» ، مع وجود الشبه البيّن في عتبة، فدلّ ذلك على أن المولود على فراش الزوج من زوجته، أو من سُرّيته، فهو له، ولو وطئت، ولو زنى بها أحد، ولو صار الشبه للثاني، فلا عبرة بوطء الزنى، ولا بالشبه بالزاني، فصاحب الفراش أحق به، وهو ولده، سواء شابهه، أو لم يشبهه، وهذا يدل على أن الفراش بينةٌ قوية، لا تعارض بالشبه، ولا تلحق بالزنى! الزاني ظالم معتد، ليس له إلا العقوبة، وليس له النسب، صاحب الفراش هو الأحق بالنسب مطلقاً، ومع هذا قضى النبي صلى الله عليه وسلم أن سودة لا تكشف له من أجل الشبه، هذا حكم بينهم كما قال بعض أهل العلم راعى الحكم الشرعي اللازم وقضى به، وأمر سودة بأمر احتياطي درءاً للشبهة، قال:«احتجبي عنه يا سودة» ؛ للشبه البيِّن في عتبة؛ فهذا فيه تنفيذ الأحكام اللازمة، والعمل بالحيطة
في مسائل الاشتباه وأمهات المؤمنين لهن شأن في وجوب الحفاظ على حرمتهن، وبعدهن عن أسباب الرِّيب وعن كل ما قد يتنزه عنه؛ لأنهن خير النساء، وأكمل النساء مع النساء اللاتي فضلن: كمريم، وفاطمة، وآسية ابنة مزاحم، فعائشة من جملة النساء المفضلات، وهي من أُمهات المؤمنين [وقديرة إلى ذلك](1) فالحاصل أنهن خيرة النساء ولهن من الحيطة ما هو أكمل من غيرهن.
والحديث الثاني: حديث مُجَزِّز فيه: أن الشبه يعتبر إذا لم يكن هناك بينة، الذي معه بينة، أو الفراش، فلا يُلتفت إليه، فالفراش مقدم، وهكذا البينة، العادلة، فاثنان فأكثر في إثبات النسب مقدمة.
فإذا لم يكن بينة، ولا فراش استعمل الشبه، وأُخذ به، لئلا تضيع الأنساب، ومما يدل على اعتبار الشبه حديث عبد بن زمعة كما تقدم؛ فإن النبي راعاه في قصة سودة، وراعاه في قصة أسامة بن زيد، وأبيه؛ فإنه كان مما يقال فيه شيء؛ لأنه أسود، وأبوه أبيض، وإن كان النسب ثابتاً، لكن لما قال مجزز: إن هذه الأقدام بعضها من بعض، كان هذا مما يؤيد ما وقع من الحكم الشرعي، وأن السواد والبياض لا يؤثر شيئاً في النسب، اختلاف اللون لا يؤثر، وتقدم قصة الرجل الذي ولدت امرأته غلاماً أسود، وهو يعرِّض بأن ينفيه، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:«هل لك من إبل؟» قال: نعم. فقال: «ما ألوانها؟» ، فقال: حمر. قال: «فهل فيها من أورق؟» ، قال: نعم، إن فيها لوُرقاً، قال: «فأنى أتاها
(1) ما بين المعقوفين جملة غير واضحة، والأظهر أنها:«وقديرة إلى ذلك» .
ذلك؟» قال: لعله نزعها عرق، قال:«فلعل ولدك هذا نزعه عرق» ، وهو السواد، فهكذا مسألة أسامة وأبيه، نسبهما ثابت، ولكن كلام مجزز مما يؤيد الحكم الشرعي، ومما يبطل شبهة المشبِّهين، والملبِّسين، والشاكِّين، قال: إن هذه الأقدام بعضها من بعض، كانا مستورَين، وقد بدت أقدامهما، فلما رأى الأقدام مجزز قال: إن هذه الأقدام بعضها من بعض، فسُرّ النبي بهذا عليه الصلاة والسلام.
كذلك حديث أبي سعيد في العزل، فحديث أبي سعيد يدل على أن العزل لا يمنع ما أمر اللَّه بقضائه من النفوس، فقال:«فَإِنَّهُ لَيْسَتْ نَفْسٌ مَخْلُوقَةٌ إلَاّ اللَّهُ خَالِقُهَا» ، ولهذا قال:«وَلِمَ يَفْعَلُ أَحَدُكُمْ ذلك؟» يعني أن قدر اللَّه ماضٍ، ولكنهم يفعلونه من باب تعاطي الأسباب في عدم النسل في ذلك الوقت، أو تأجيله، أو من جهة المرأة، فلم ينههم، لم يقل لا يفعل.
وأقرهم النبي صلى الله عليه وسلم على العزل، فدل على جوازه، ولكن يظهر من كلامه صلى الله عليه وسلم أن تركه أفضل؛ لأنه يَحرِمُ لذَّة الجماع على التمام، فينبغي تركه، إلا إذا دعت الحاجة إليه، فلا بأس، والعزل معناه: أنه إذا جامع المرأة، وأحس بخروج المني أخرج ذكره، وألقى منيه خارجاً، حتى لا تحمل، وغالب ما يُفعل هذا في الجواري، يخشون أن تحمل، حتى يمتنع بيعهن، قد يريد بيعها، فإذا ولدت امتنع من بيعها، فغالب ما يفعله الناس مع الجواري المملوكات، وقد يفعلونه مع الحرة لأسباب: إما لمرضها، أو لكثرة أولادها؛ أو لأنه يرغب فراقها، أو ما أشبه ذلك من
الأسباب، فتركه أولى، وإن فعله فلا حرج للمصلحة.
335 -
عن جابر بن عبد اللَّه رضي الله عنهما قال: «كُنَّا نَعْزِلُ وَالْقُرْآنُ يَنْزِلُ» (1).
قَالَ سُفْيَان (2): «لَوْ كَانَ شَيْئاً يُنْهَى عَنْهُ، لَنَهَانَا عَنْهُ الْقُرْآنُ» (3).
336 -
عن أبي ذَرٍّ رضي الله عنه: أنه سمع رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: «لَيْسَ مِنْ رَجُلٍ ادَّعَى لِغَيْرِ أَبِيهِ وَهُوَ يَعْلَمُهُ، إلَاّ كَفَرَ، وَمَنِ ادَّعَى مَا لَيْسَ لَهُ فَلَيْسَ مِنَّا، وَلْيَتَبَوَّا مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ، وَمَنْ دَعَا رَجُلاً بِالْكُفْرِ، أَوْ قَالَ: يا عَدُوَّ اللَّهِ (4)، وَلَيْسَ كَذَلِكَ إلَاّ حَارَ عَلَيْهِ» .
كذا عند مسلم، وللبخاري نحوه (5).
و «حار» بمعنى رجع (6).
(1) رواه البخاري، كتاب النكاح، باب العزل، برقم 5208، واللفظ له، ومسلم، كتاب النكاح، باب حكم العزل، برقم 1440، بلفظه أيضاً.
(2)
«قال سفيان» : ليست في نسخة الزهيري.
(3)
مسلم، برقم 1440، وتقدم تخريجه في الذي قبله.
(4)
في نسخة الزهيري: «أو قال: عدوّ اللَّه» .
(5)
رواه مسلم، عن أبي ذر رضي الله عنه في كتاب الإيمان، باب بيان حال إيمان من رغب عن أبيه وهو يعلم، برقم 61، والبخاري، عن أبي ذر رضي الله عنه أيضاً بلفظ:«ليس من رجل ادعى لغير أبيه وهو يعلمه إلا كفر باللَّه، ومن ادعى قوماً ليس له فيهم نسب، فليتبوأ مقعده من النار» في كتاب المناقب، باب، برقم 3508، وكتاب الأدب، باب ما يُنهى من السباب واللعن، برقم 6045، بلفظ:«لا يرمي رجل رجلاً بالفسوق، ولا يرميه بالكفر، إلا ارتدت عليه إن لم يكن صاحبه كذلك» .
(6)
«وحار: بمعنى رجع» : ليس في نسخة الزهيري.
96 -
قال الشارح رحمه الله:
هذه الأحاديث فيما يتعلق بالعزل عن المرأة وفي مسائل أخرى.
تقدم حديث أبي سعيد رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لما ذكروا له العزل قال: «لم يفعل أحدكم ذلك؟» ولم يقل: (فلا يفعل أحدكم ذلك) ثم قال: «إِنَّهُ لَيْسَ نَفْسٌ مَخْلُوقَةٌ إلَاّ اللَّهُ خَالِقُهَا» (1)، ويقول جابر رضي الله عنه:«كنا نعزل والقرآن ينزل ولو كان شيئاً يُنهى عنه ــ أي العزل ــ لنهانا عنه القرآن» .
وفي لفظ لمسلم: فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فلم ينهنا، هذا يدل على أنه لا بأس بالعزل، إذا رأوا مصلحة في ذلك، بإذن المرأة الحرة، ولا بأس أن يعزل عن جاريته مملوكته، وهو إخراج ذكره عند الإحساس بنزول المني، حتى يقذفه في الخارج، لئلا تحمل، هذا هو العزل، كونه ينزع ذكره من فرجها عند الإحساس بخروج المني حتى يلقيه خارج الفرج؛ كراهة أن تحمل لأسباب توجب ذلك، فإذا كانت الزوجة راضية بذلك، أو كان العزل عن مملوكته فلا بأس، وتَرْكُه أفضل؛ ولهذا قال صلى الله عليه وسلم:«لم يفعل أحدكم ذلك؟؛ فإنه ليس من نفس مخلوقة إلا اللَّه خالقها» ، يعني ما كتب اللَّه أنه يقع يقع، وهو من جملة الأسباب لعدم الحمل، لكن اللَّه إذا أراد الحمل يسر ذلك،
(1) رواه البخاري، برقم 7409، ومسلم، برقم 1438، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 334.
إما بسبق المني، ولا يستطيع إخراجه؛ لأنه سبقه، ونزل، أو سبق بعضه؛ لأن الولد ليس من كل المني، بل من بعض المني؛ فإذا أراد اللَّه وقوع الولد، والحمل سبق المني، أو سبق بعض المني، فكان الحمل، فليس من كل المني يكون الحمل، بل من بعضه.
ومن ذلك تعاطي الحبوب المانعة من الحمل، إذا كان لحاجة، ومصلحة، أو إبر تمنع للحاجة، للمصلحة، إذا كانت المرأة مريضة، أو يضرها الحمل، أو معها صبية صغار كثيرون، يشق عليها التربية، فتريد أن تمنع الحمل إلى وقت آخر، كسنة أو سنتين، حتى تستطيع أن تربي أولادها، أو حتى تبرأ من المرض، فلا بأس بذلك: كالعزل.
أما حديث أبي ذر رضي الله عنه، فيقول فيه النبي صلى الله عليه وسلم:«لَيْسَ مِنْ رَجُلٍ يدَّعي لِغَيْرِ أَبِيهِ وَهُوَ يَعْلَمُهُ، إلَاّ كَفَرَ» ما يجوز للإنسان أن يقول: أنا ولد فلان، وهو يكذب ما يحل له أن ينتسب لغير أبيه، بل يجب عليه أن ينتسب إلى أبيه، رضي أو كره، ولو كان أبوه كافراً، ولو كان أبوه فاسقاً، فيجب عليه أن يقول: أنا ولد فلان {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} (1)، ولو كان أبوه كافراً، أو عاصياً، فذنبه عليه، ولا يحل له أن ينتسب إلى غير أبيه، هذا من المحرمات ومن الكبائر،. قوله:«إلا كفر» يعني كفراً دون كفر، كفراً أصغر، إذا لم يستحل ذلك، أما إذا استحل ذلك، وجعله أن اللَّه ما حرمه يكون كفراً أكبر، نسأل اللَّه
(1) سورة فاطر، الآية:18.
العافية، وهكذا ليس له أن ينتسب إلى غير مواليه، أو إلى غير قبيلته، ولا إلى غير من أعتقه، لما جاء من النهي عن ذلك وتحريم ذلك. ويقول صلى الله عليه وسلم:«مَنِ ادَّعَى مَا لَيْسَ لَهُ فَلَيْسَ مِنَّا، وَلْيَتَبَوَّا مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ» (1)
هذا فيه تحذير من الدعاوى الباطلة، وفي الحديث الآخر:«مَنِ ادَّعَى دَعْوَى يَستَكَثر منهَا ، لَمْ يَزِدْهُ اللَّهُ إِلَّا قِلَّة» (2)، وفي اللفظ الآخر:«مَنِ ادَّعَى مَا لَيْسَ لَهُ فَلْيَتَبَوَّا مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ» (3).
فليس للإنسان أن يخاصم في شيء لا حق له فيه، يدعي هذا ظلماً بغير حق، في أرض ما له فيها حق، في ميراث ما له فيه حق، في غير ذلك، ليس له أن يدعي في شيء يعلم أنه لا حق له فيه، وهذا من كبائر الذنوب، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم:«مَنِ ادَّعَى مَا لَيْسَ لَهُ فَلَيْسَ مِنَّا، وَلْيَتَبَوَّا مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ» (4).
والمسألة الثالثة: قال: «ومن قال لأخيه: يا عدو اللَّه. أو يا كافر.
(1) البخاري بنحوه، برقم 3508، ومسلم، بلفظه، برقم 61، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 336 ..
(2)
مسلم، كتاب الإيمان، باب بيان غلظ تحريم قتل الإنسان نفسه، وأن من قتل نفسه بشيء عُذب به في النار، وأنه لا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة، برقم 110، ولفظه: أَنَّ أَبَا قِلَابَةَ أَخْبَرَهُ أَنَّ ثَابِتَ بْنَ الضَّحَّاكِ، أَخْبَرَهُ أَنَّهُ بَايَعَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تَحْتَ الشَّجَرَةِ، وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ بِمِلَّةٍ غَيْرِ الْإِسْلَامِ كَاذِبًا فَهُوَ كَمَا قَالَ، وَمَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِشَيْءٍ عُذِّبَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَلَيْسَ عَلَى رَجُلٍ نَذْرٌ فِي شَيْءٍ لَا يَمْلِكُهُ» مَنْ ادَّعَى دَعْوَى كَاذِبَةً لِيَتَكَثَّرَ بِهَا ، لَمْ يَزِدْهُ اللَّهُ إِلَّا قِلَّة».
(3)
ابن ماجه، كتاب الأحكام، باب من ادعى ما ليس له وخاصم فيه، برقم 2319، ولفظه: عَنْ أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:«مَنِ ادَّعَى مَا لَيْسَ لَهُ فَلَيْسَ مِنَّا، وَلْيَتَبَوَّا مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ» ، وهو جزء من حديث رواه مسلم، برقم 61، والبخاري، برقم 3508، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 336 ..
(4)
البخاري، برقم 3508، ومسلم، برقم 61، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 336.
وليس كذلك إلا باء بها أحدهما». إذا قال لأخيه: يا عدو اللَّه. أو يا كافر. أو يا فاجر؛ فإنها ترجع عليه، ويكون هو الأولى بهذه الكلمة، إن كان المقول له ليس أهلاً لذلك، فالواجب الحذر إذا قال: يا عدو اللَّه، أو: يا كافر، أو: يا فاجر، أو: يا خبيث، وهو ليس كذلك بريءٌ مما قال، رجعت كلماته عليه وصار إثمه عليه.
فينبغي للمؤمن أن يصون لسانه، وأن يحفظ لسانه إلا من الخير، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح:«مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا، أَوْ لِيَصْمُتْ» (1)، العاقل الحازم القوي الإيمان يحفظ لسانه، ويصون لسانه إلا من الخير.
(1) البخاري، كتاب الأدب، باب من كان يؤمن باللَّه واليوم الآخر فلا يؤذِ جاره، برقم 6018، ومسلم، كتاب الإيمان، باب الحث على إكرام الجار والضيف ولزوم الصمت إلا عن الخير، وكون ذلك كله من الإيمان، برقم 74 - (47).