المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌31 - باب الجنائز - الإفهام في شرح عمدة الأحكام

[ابن باز]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة المحقق

- ‌وكان عملي على النحو الآتي:

- ‌نبذة عن حياة مؤلف العمدة: الإمام عبد الغني بن عبد الواحد المقدسي

- ‌أولاً: نسبه، ومولده، ونشأته، ومكانته العلمية:

- ‌ثانياً: عبادته وتضرعه، وأوقاته:

- ‌ثالثاً: شيوخه:

- ‌رابعاً: تلامذته:

- ‌خامساً: أقوال العلماء فيه:

- ‌سادساً: أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر:

- ‌سابعاً: جوده وكرمه:

- ‌ثامناً: تصانيفه:

- ‌تاسعاً: وفاته:

- ‌نبذة عن حياة الشارح الإمام عبد العزيز بن عبد الله بن باز

- ‌أولاً: ما قال سماحته عن نفسه

- ‌ثانياً: أوصافه الخَلْقية

- ‌ثالثاً: صفاته الخُلُقية:

- ‌رابعاً: دروسه العلمية في مدينة الرياض

- ‌خامساً: زوجات سماحة الشيخ:

- ‌سادساً: أولاده:

- ‌ثامناً: الجنازة وأصداء الوفاة

- ‌تاسعاً: مشاهد نادرة من جنازة الشيخ

- ‌مقدمة المؤلف

- ‌1 - كتاب الطهارة

- ‌1 - بابُ دخولِ الخلاءِ والاستطابةِ

- ‌2 - بابُ السواكِ

- ‌3 - بابُ المسحِ على الخفينِ

- ‌4 - بابٌ في المذيِ وغيرِهِ

- ‌5 - بابُ الغسل من الجنابةِ

- ‌6 - باب التَّيَمُّمِ

- ‌7 - بابُ الحيضِ

- ‌2 - كتاب الصلاة

- ‌8 - بابُ المواقيتِ

- ‌9 - باب فضلِ صلاة الجماعة ووجوبها

- ‌10 - بابُ الأَذانِ

- ‌11 - باب استقبالِ القبلة

- ‌12 - بابُ الصُّفوفِ

- ‌13 - بابُ الإِمامةِ

- ‌14 - بابُ صفةِ صلاةِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم

- ‌15 - باب وجوب الطمأنينة في الركوع والسجود

- ‌16 - باب القراءة في الصلاة

- ‌17 - بابُ تركِ الجَهرِ ببسمِ اللَّه الرَّحمنِ الرَّحيمِ

- ‌18 - بابُ سجودِ السَّهو

- ‌19 - بابُ المرورِ بينَ يديِ المصلي

- ‌20 - بابٌ جامعٌ

- ‌21 - بابُ التَّشهدِ

- ‌24 - باب الجمع بين الصلاتين في السفر

- ‌25 - باب قصر الصلاة في السفر

- ‌26 - باب الجمعة

- ‌27 - باب العيدين

- ‌28 - باب صلاة الكسوف

- ‌29 - باب صلاة الاستسقاء

- ‌30 - باب صلاة الخوف

- ‌31 - باب الجنائز

- ‌3 - كتاب الزكاة

- ‌32 - باب صدقة الفطر

- ‌4 - كتاب الصِّيَامِ

- ‌33 - باب الصوم في السفر وغيره

- ‌34 - باب أفضل الصيام وغيره

- ‌35 - باب ليلة القَدر

- ‌36 - باب الاعتكاف

- ‌5 - كتاب الحَجِّ

- ‌37 - باب المواقيت

- ‌38 - باب ما يلبس المُحرِم من الثياب

- ‌39 - باب الفدية

- ‌40 - باب حُرمة مكة

- ‌41 - باب ما يجوز قتله

- ‌42 - باب دخول مكة وغيره

- ‌43 - باب التمتُّع

- ‌44 - باب الهدي

- ‌45 - باب الغسل للمحرم

- ‌46 - باب فسخ الحج إِلى العمرة

- ‌47 - باب المحرم يأكل من صيد الحلال

- ‌6 - كتاب البيوع

- ‌48 - باب ما يُنهى عنه من البيوع

- ‌49 - باب العرايا وغير ذلك

- ‌50 - باب السَّلَم

- ‌51 - باب الشروط في البيع

- ‌52 - باب الربا والصَّرف

- ‌53 - باب الرهن وغيره

- ‌54 - بابُ اللُّقَطة

- ‌7 - كتاب الوصَايا

- ‌8 - كتاب الفرائض

- ‌9 - كتاب النكاح

- ‌55 - باب الصداق

- ‌10 - كتاب الطلاق

- ‌56 - باب العِدَّة

- ‌11 - كتاب اللعان

- ‌12 - كتاب الرضَاع

- ‌13 - كتاب القِصَاص

- ‌14 - [كتاب الحدُود

- ‌57 - باب حدِّ السرقة

- ‌58 - باب حدِّ الخمر

- ‌15 - كتاب الأيمان والنذور

- ‌59 - باب النذر

- ‌60 - باب الْقَضاء

- ‌16 - كتاب الأطعمة

- ‌61 - باب الصيد

- ‌62 - باب الأضاحي

- ‌17 - كتاب الأشربة

- ‌18 - كتاب اِللِّبَاس

- ‌19 - كتاب الجِهاد

- ‌20 - كتاب العتق

- ‌63 - باب بيع المدبَّر

- ‌الفهارس العامة

- ‌1 - فهرس الآيات القرآنية

- ‌2 - فهرس الأحاديث النبوية والآثار

- ‌3 - فهرس الألفاظ الغريبة

- ‌4 - فهرس الأشعار

- ‌5 - فهرس مصادر ومراجع التحقيق

الفصل: ‌31 - باب الجنائز

المغرب للضرورة، وهذا قد يقع إذا اشتد القتال وحمي الوطيس، ولم يتمكنوا من الصلاة، فلا مانع من تأخيرها حتى ينتهي القتال، ثم يصلي المسلمون، ولو خرج الوقت للضرورة، ومن هذا ما فعله الصحابة في قتال العراق أهل الفرس، يوم حاصروا تستر، لما برق الفجر إذا هم في قتال، وهم محاصرو البلد، بعضهم على السور، وبعضهم قد دخل البلد، وبعضهم على الأبواب، والقتال قد حمي بينهم، فأخرّوها حتى انتهى القتال، وصلّوها ضحىً، صلوا الفجر ضحى، قال أنس: ما أحبّ أن لي بها حمر النعم، أو كما قال رضي الله عنه وأرضاه (1)؛ لأنهم أخروّها قهراً لشدة القتال، فهذا نوع من أنواع صلاة الخوف، وهو التأخير للضرورة، ولو فات الوقت عند عدم إمكان الصلاة، بسبب اختلاطهم مع العدو، واشتغالهم بالضرب والكر والفر، وعدم تمكن المؤمن أن يؤدي الصلاة في تلك الحال.

‌31 - باب الجنائز

(2)

162 -

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: «نَعَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم النَّجَاشِيَّ فِي الْيَوْمِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ، وخَرَجَ بِهِمْ إلَى الْمُصَلَّى فَصَفَّ بِهِمْ، وَكَبَّرَ أَرْبَعاً» (3).

(1) انظر: البداية والنهاية لابن كثير، 7/ 86.

(2)

في نسخة الزهيري: «كتاب الجنائز» .

(3)

رواه البخاري، كتاب الجنائز، باب التكبير على الجنازة أربعاً، برقم 1333، وفي آخره:«وَكَبَّرَ عَلَيْهِ أرْبَعَ تَكْبِيرَاتٍ» ، ومسلم، كتاب الجنائز، باب في التكبير على الجنازة، برقم 951.

ص: 336

163 -

عن (1) جابر رضي الله عنه، «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم (2) صَلَّى عَلَى النَّجَاشِيِّ، فَكُنْتُ فِي الصَّفِّ الثَّانِي، أَوِ الثَّالِثِ» (3).

164 -

عن عبد اللَّه بن عباس رضي الله عنهما، «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم (4) صَلَّى عَلَى قَبْرٍ، بَعْدَ مَا دُفِنَ، فَكَبَّرَ عَلَيْهِ أَرْبَعاً» (5).

41 -

قال الشارح رحمه الله:

هذه الأحاديث تتعلق بالجنائز، والجنائز جمع جِنازة -بكسر الجيم وفتحها-، جِنازة وجَنازة، والمراد بالجنازة هي الميت، سميت جنازة؛ لأنها مستورة بالأكفان وغيرها.

والجنائز لها أحكام، ذكر المؤلف رحمه الله أحاديث في ذلك، تدل على كثير من أحكام الجنائز.

من ذلك الصلاة على الغائب؛ لحديث أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم «نَعَى النَّجَاشِيَّ فِي الْيَوْمِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ، وخَرَجَ بِهِمْ إلَى الْمُصَلَّى

(1) في نسخة الزهيري: «وعن جابر بن عبد اللَّه» بزيادة الواو، وابن عبد اللَّه.

(2)

في نسخة الزهيري: «أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم» .

(3)

رواه البخاري، كتاب الجنائز، باب من صف صفين، أو ثلاثة خلف الإمام، برقم 1317، وكتاب مناقب الأنصار، باب موت النجاشي، برقم 3878، ولم أجده في صحيح مسلم.

(4)

في نسخة الزهيري: «أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم» .

(5)

رواه البخاري، كتاب الجنائز، باب الإذن بالجنازة، برقم 1247، وباب الصفوف على الجنازة، برقم 1319، وذكره مفرقاً في مواضع، منها: رقم 857، و1219، و1247، و1321، و1322، و1326، و1336، و1340، ومسلم - واللفظ له-، كتاب الجنائز، باب الصلاة على القبر، برقم 954.

ص: 337

فَصَفَّ بِهِمْ، وَكَبَّرَ عليه أَرْبَعاً» (1)، هذا يدل على جواز الإخبار عن الميت، وأنه مات فلان ليحضر أقاربه وأصدقاؤه حتى يصلوا عليه، وأن هذا يسمى نعياً، يعني خبراً، وهو لا بأس به إذا كان من جنس هذا الذي فعله النبي صلى الله عليه وسلم، كونه يُخّبِّرُ أصحابه وأقاربه، ويُخَبِّر جيرانه أنه مات فلان، حتى يصلوا عليه، فهذا لا بأس به، أما الذي نُهي عنه فهو الذي تفعله الجاهلية، كونه ينادي على المنابر، كالأذان مات فلان، أو يبعث سياراته أو دوابّ تنادي في القبائل: مات فلان، هذا من أعمال الجاهلية، وهذا هو المنهي عنه.

أما كون أهل الميت يخبرون أصحابه وأقاربه حتى يحضروا، هذا لا بأس به، كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه بأن النجاشي قد مات، ثم خرج بهم إلى المصلى، وصفّ بهم، وكبّر أربعاً عليه الصلاة والسلام.

ويدل هذا الحديث على أنه يكبر على الجنازة أربع تكبيرات، وهذا آكد ما ورد عنه عليه الصلاة والسلام أربع تكبيرات، لا يجوز النقص منها، يقرأ في الأولى بفاتحة الكتاب، ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم في الثانية، وإن قرأ مع الفاتحة شيئاً: سورة قصيرة، أو آيات فحسن، فقد ثبت عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قرأ الفاتحة وقرأ معها سورة (2)، هذا كله لا بأس

(1) البخاري، برقم 1333، ومسلم، برقم 951، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 162.

(2)

أخرج النسائي في الكبرى، كتاب الجنائز، الدعاء، برقم 2125، وفي السنن (المجتبى) له، كتاب الجنائز، الدعاء، 1987، وأبو يعلى في مسنده، 5/ 67، برقم 2661، وابن المنذر في الأوسط، 5/ 480، برقم 3135،:«عن طلحة بن عبد اللَّه بن عوف قال: صليت خلف ابن عباس على جنازة، فقرأ بفاتحة الكتاب وسورة وجهر حتى أسمعنا فلما فرغ أخذت بيده، فسألته، فقال: سنة وحق» ، وصحح إسناده الشيخ الألباني في أحكام الجنائز، ص 119، برقم 77.

ص: 338

به، وإن اقتصر على الفاتحة كفى، وإن زاد فهو الأفضل زيادة خفيفة، ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم في الثانية، كما يصلي على النبي في الصلاة: «اللَّهم صلَّ على محمدٍ، وعلى آل محمدٍ، كما صليت على إبراهيم، وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد، وبارك على محمد

» الخ، وفي الثالثة يدعو للميت، يقول:«اللهُمَّ اغْفِرْ لِحَيِّنَا وَمَيِّتِنَا، وَشَاهِدِنَا وَغَائِبِنَا، وَصَغِيرِنَا وَكَبِيرِنَا، وَذَكَرِنَا وَأُنْثَانَا -الدعاء عام-، اللهُمَّ مَنْ أَحْيَيْتَهُ مِنَّا فَأَحْيِهِ عَلَى الْإِسْلَامِ، وَمَنْ تَوَفَّيْتَهُ مِنَّا فَتَوَفَّهُ عَلَى الْإِيمَانِ» (1)،

هذا دعاء عام، وهي أدعية ثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم، ثم يقول: اللَّهم اغفر لفلان الميت، اللَّهم اغفر له وارحمه، اللَّهم اغفر لها إن كانت امرأة

إلى آخره، «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ، وَارْحَمْهُ، وَعَافِهِ، وَاعْفُ عَنْهُ، وَأَكْرِمْ نُزُلَهُ، وَوَسِّعْ مُدْخَلَهُ، وَاغْسِلْهُ بِالْمَاءِ وَالثَّلْجِ وَالْبَرَدِ، وَنَقِّهِ مِنَ الْخَطَايَا، كَمَا ينَقَّىَ الثَّوْبَ الأَبْيَضَ مِنَ الدَّنَسِ، اللَّهُمَّ أَبْدِلْهُ بدَارٍ خَيْرٍ مِنْ دَارِهِ، وَزَوْجًا خَيْرًا مِنْ زَوْجِهِ

» إلخ. كما جاء في حديث عوف بن مالك عند مسلم (2)، «اللَّهُمَّ لَا تَحْرِمْنَا أَجْرَهُ وَلَا

(1) أخرجه أحمد، 14/ 406، برقم 8809، وأبو داود، كتاب الجنائز، باب الدعاء للميت، برقم 3201، واللفظ له، والترمذي، كتاب الجنائز، باب ما يقول في الصلاة على الميت من حديث أبي هريرة، وصححه بطرقه وشواهده محققو المسند، 14/ 406، وصححه الألباني في أحكام الجنائز، ص 124 ..

(2)

صحيح مسلم، كتاب الجنائز، باب الدعاء للميت في الصلاة، برقم 963، ولفظه:«اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ وَارْحَمْهُ وَعَافِهِ وَاعْفُ عَنْهُ، وَأَكْرِمْ نُزُلَهُ، وَوَسِّعْ مُدْخَلَهُ، وَاغْسِلْهُ بِالْمَاءِ وَالثَّلْجِ وَالْبَرَدِ، وَنَقِّهِ مِنَ الْخَطَايَا كَمَا نَقَّيْتَ الثَّوْبَ الأَبْيَضَ مِنَ الدَّنَسِ، وَأَبْدِلْهُ دَارًا خَيْرًا مِنْ دَارِهِ، وَأَهْلاً خَيْرًا مِنْ أَهْلِهِ وَزَوْجًا خَيْرًا مِنْ زَوْجِهِ» .

ص: 339

تُضِلَّنَا بَعْدَهُ» (1)، هذه دعوات واردة يدعو بها للميت.

س: يرفع فيها صوته؟

ج: يقولها سراً، لكن إذا رفع بعض الشيء حتى يعلم الناس بعض الدعاء، ولا بأس من باب التعليم، وقد جهر النبي صلى الله عليه وسلم بالفاتحة في بعض الأحيان للتعليم، وجهر ابن عباس بذلك للتعليم، قال: لِتَعْلَمُوا أَنَّهَا سُنَّةٌ (2).

ثم يكبر الرابعة، ويُسلم تسليمة واحدة، هذا هو السنة، ويقف بعد الرابعة قليلاً؛ لأنه قد جاء في بعض الأحاديث مثل حديث

عبد اللَّه بن أبي أوفى (3)، وحديث آخر مما يدل على أن الأفضل أن يقف قليلاً، ثم يُسلم بعد الرابعة، وليس فيها ذكر، ولا دعاء، وهذا لا

(1) أخرجه أبو داود، برقم 3201، وابن ماجه، برقم 1498، والحاكم 1/ 359 في حديث طويل عن أبي هريرة رضي الله عنه، وتقدم تخريجه قبل التعليق السابق.

(2)

مسند الشافعي، ص 359، والمستدرك، 1/ 357، والسنن الكبرى للبيهقي، 4/ 39، وصححه الألباني في تلخيص أحكام الجنائز، ص 54، برقم 78.

(3)

أخرج ابن ماجه، كتاب الجنائز، باب ما جاء في التكبير على الجنازة أربعاً، برقم 1503: حَدَّثَنَا الْهَجَرِيُّ، قَالَ:«صَلَّيْتُ مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى الأَسْلَمِيِّ ، صَاحِبِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى جِنَازَةِ ابْنَةٍ لَهُ، فَكَبَّرَ عَلَيْهَا أَرْبَعًا، فَمَكَثَ بَعْدَ الرَّابِعَةِ شَيْئًا، قَالَ: فَسَمِعْتُ الْقَوْمَ يُسَبِّحُونَ بِهِ، مِنْ نَوَاحِي الصُّفُوفِ، فَسَلَّمَ، ثُمَّ قَالَ: أَكُنْتُمْ تَرَوْنَ أَنِّي مُكَبِّرٌ خَمْسًا؟ قَالُوا: تَخَوَّفْنَا ذَلِكَ، قَالَ: لَمْ أَكُنْ لأَفْعَلَ، وَلَكِنْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُكَبِّرُ أَرْبَعًا، ثُمَّ يَمْكُثُ سَاعَةً، فَيَقُولُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَقُولَ، ثُمَّ يُسَلِّمُ» ، وحسنه الألباني في صحيح ابن ماجه، برقم 1220.

ص: 340

فرق [فيه](1) بين الرجل والمرأة، والجماعة إذا كانوا جماعة صلى عليهم جميعاً اثنين، أو ثلاثة، أو أربعة، يصلي عليهم جميعاً، هذا هو الأفضل؛ لأن الصلاة مبنية على السرعة، النبي صلى الله عليه وسلم قال:«أَسْرِعُوا بِالْجِنَازَةِ» (2)،

فإذا كانوا جماعة صلى عليهم جميعاً ذكوراً وإناثاً، ويقف عند رأس الرجل، وعند وسط المرأة، موقف الإمام عند رأس الرجل، وعند وسط المرأة، هذا هو السنة، أما قول بعض الفقهاء: عند صدر الرجل فلا دليل عليه، بل السنة أن يقف عند رأس الرجل، وعند وسط المرأة، وأما إذا كانوا جماعة جُعل وسط المرأة عند رأس الرجل حتى يقف في موقف واحد إذا كانوا جماعة رجالاً ونساءً جعلت المرأة وسطها حيال رأس الرجل حتى يكون موقفه منهما موقفاً شرعياً.

وفي حديث جابر: أَنَّهم صَفُّوا عَلَى النَّجَاشِيِّ صُفُوفاً، قال: كُنْتُ فِي الصَّفِّ الثَّانِي، أَوِ الثَّالِثِ» (3)، هذا يدل على أنه يشرع الصفوف أي يكونوا صفوفاً: كصلاة الفريضة، يصفون صفوفاً أولاً، وثانياً، وثالثاً، وهكذا.

قال مالك بن هُبيرة -صحابي جليل-: إذا كانوا قليلين صفهم ثلاثاً، ولو كانوا اثنين اثنين أو ثلاثة ثلاثة؛ لأنه روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه

(1) ما بين المعقوفين: أضيفت لتوضيح الكلام.

(2)

رواه البخاري، كتاب الجنائز، باب السرعة بالجنازة، برقم 1315، ومسلم، كتاب الجنائز، باب الإسراع بالجنازة، برقم 944 ..

(3)

رواه البخاري، برقم 3878، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 163.

ص: 341

قال: «مَنْ صَلَّى عَلَيْهِ ثَلَاثَةُ صُفُوفٍ فَقَدْ أَوْجَبَ» (1)، أي يصلون ثلاثة صفوف أو أكثر كان أفضل.

وفي حديث ابن عباس رضي الله عنهما الدلالة على أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَبَّرَ عَلَى الميِّتِ بَعْدَ الدَّفْنِ أَرْبَعاً» (2)، فدّل على أنه يُصلَّى على الميت بعد الدفن الذي ما صُلِّي عليه في المسجد، أو المصلى، يُصلَّى عليه بعد الدفن، كما صلى النبي صلى الله عليه وسلم على بعض الأموات بعد الدفن، فيذهب إلى القبر، ويصلي عليه بعد الدفن، كما يفعل لو صلى عليه وهو حاضر بين يديه في المسجد، أو في المصلى، يكبر أربعاً، يقرأ في الأولى، ويصلي على النبي في الثانية، ويدعو في الثالثة، ثم يُكبر ويسلم، كما لو صلى عليه وهو بين يديه، والمعروف عند أهل العلم أن يكون ذلك في حدود الشهر فأقل، أما إذا كان أكثر من ذلك كثيراً فلا يُشرع الصلاة عليه، إذا مضى عليه أكثر من شهر، لم تشرع الصلاة عليه؛ لأن هذا لم يرد، إنما ورد في حدود الشهر فأقل، شهر

(1) أخرجه الترمذي، كتاب الجنائز، باب ما جاء في الصلاة على الجنازة الشفاعة للميت، برقم 1028، ومن طريقه ابن عساكر، 56/ 510، وأبو داود، كتاب الجنائز، باب الصف على الجنازة، برقم 3166، وابن ماجه، كتاب الجنائز، باب ما جاء فيمن صلى عليه جماعة من المسلمين، 1490، قال الألباني في ضعيف سنن أبي داود، ص 259:«ضعيف، لكن الموقوف حسن» ، وقال عصام بن موسى محقق سنن أبي داود:«الحديث أعلّه شيخنا [يعني الألباني] بعنعنة ابن إسحاق، لكنه صرح بالتحديث عند الطوسي في مستخرجه، والروياني في مسنده، والحديث حسنه الإمام النووي [في المجموع، 5/ 212]، والحافظ ابن حجر [في فتح الباري، 3/ 186]» .

(2)

رواه مسلم، برقم 954، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 164.

ص: 342

تقريباً، وما كان أقل منه صلى على الميت، والغائب كذلك، وفي صلاة الغائب كلام لأهل العلم:

منهم من قال: لا يصلى على الغائب مطلقاً؛ لأن النبي إنما صلى على النجاشي، لأنه ما صُلي عليه في بلاده؛ لأنهم كفار ونصارى، ما صلوا عليه؛ ولهذا صلى عليه النبي صلى الله عليه وسلم.

وقال آخرون من أهل العلم: يُصلى على كل غائب، وجاء عن النبي أنه صلى على النجاشي، قالوا: وهذا يدل على أنه يصلى على كل غائب.

والقول الثالث التفصيل: قالوا: إن كان الغائب له أهمية في الإسلام كالنجاشي، كالعالم المعروف الداعي إلى اللَّه له شأن في الإسلام، أو أمير له شأن في الإسلام، أو ملك له شأن في الإسلام، ونفع للمسلمين، يُصلَّى عليه كما صلى النبي صلى الله عليه وسلم على النجاشي، من أجل مزيد الخير له، بسبب أعماله الطيبة: من علم، وقولٍ، ودعوةٍ إلى اللَّه، أو كونه ملكاً له شأن في الإسلام، أو رئيس جمهورية له شأن في الإسلام، فلا بأس أن يُصلَّى عليه إظهاراً لفضله وإحساناً إليه بالدعاء، أما العاديون الذين ليس لهم شأن فهؤلاء لا يُصلى عليهم، لأن الرسول ما كان يصلي على كل غائب، إنما صلى على واحد، وهو النجاشي، والناس يموتون في كل مكان في عهده صلى الله عليه وسلم، يموت في مكة ناس، وفي غير مكة، ولم يصلِّ على الغائبين، إنما صلى على النجاشي خاصة، فدل على أنه إنما يصلي على من كان مثله، أما أن يقال بالخصوصية فلا، فهذا لا يخص النجاشي، كما قاله بعض أهل

ص: 343

العلم، ولا دليل على التخصيص، ولكن إذا صُلي على من له شأن في الإسلام، إلحاقاً له بالنجاشي، لقيامه بالدعوة إلى اللَّه، أو لحمايته للمسلمين أو لنشره العلم بين المسلمين أو غيرهم، ونحو ذلك، فهذا يُلحق بالنجاشي، ويصلَّى عليه إذا كان غائباً.

165 -

عن عائشة رضي الله عنها: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كُفِّنَ فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ يَمَانِيَّةٍ بِيضٍ سَحُولِيَّةٍ (1)، لَيْسَ فِيهَا قَمِيصٌ وَلا عِمَامَةٌ» (2).

166 -

عن أمِّ عطية الأنصارية قالت: «دَخَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، حِينَ تُوُفِّيَتْ بِنْتُهُ (3) زَيْنَبُ. فَقَالَ: «اغْسِلْنَهَا ثَلاثاً، أَوْ خَمْساً، أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ ــ إنْ رَأَيْتُنَّ ذَلِك ــ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ وَاجْعَلْنَ فِي الآخِرَةِ كَافُوراً ــ أَوْ شَيْئاً مِنْ كَافُورٍ ــ فَإِذَا فَرَغْتُنَّ فَآذِنَّنِي» ، فَلَمَّا فَرَغْنَا آذَنَّاهُ، فَأَعْطَانَا حَقْوَهُ، فَقَالَ:«أَشْعِرْنَهَا إياه (4)» . يعني إزَارَه (5).

وفي رواية، أَوْ سَبْعاً (6).

(1)«سحولية» : ليست في نسخة الزهيري، وهي في البخاري، برقم 1264.

(2)

رواه البخاري، كتاب الجنائز، باب الثياب البيض للكفن، برقم 1264، ومسلم، كتاب الجنائز، باب في كفن الميت، برقم 941.

(3)

في نسخة الزهيري: «ابنته» ، وهي في البخاري، برقم 1253.

(4)

في نسخة الزهيري: «به» .

(5)

رواه البخاري، كتاب الجنائز، باب غسل الميت، ووضوئه بالماء والسدر، برقم 1253، بلفظه، وباب هل تكفن المرأة في إزار الرجل، برقم 1257، ومسلم، كتاب الجنائز، باب في غسل الميت، برقم 939.

(6)

رواه البخاري، كتاب الجنائز، باب يجعل الكافور في آخره، برقم 1259، وفيه:«أَوْ سَبْعًا، أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، إِنْ رَأَيْتُنَّ» ، ومسلم، كتاب الجنائز، باب في غسل الميت، برقم 39 - (939)، وفيه: «

أو سبعاً، أو أكثر من ذلك إن رأيتن».

ص: 344

وقال: «ابْدَانَ بِمَيَامِنِهَا، وَمَوَاضِعِ الْوُضُوءِ مِنْهَا (1)» (2).

وأَنَّ أُمَّ عَطِيَّةَ قَالَتْ: «وَجَعَلْنَا رَاسَهَا ثَلاثَةَ قُرُونٍ» (3).

167 -

عن عبد اللَّه بن عباس رضي الله عنهما قال: «بَيْنَمَا رَجُلٌ وَاقِفٌ بِعَرَفَةَ، إذْ وَقَعَ عَنْ رَاحِلَتِهِ، فَوَقَصَتْهُ ــ أَوْ قَالَ: فَأَوْقَصَتْهُ ــ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «اغْسِلُوهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ، وَكَفِّنُوهُ فِي ثَوْبَيْنِ، وَلا تُحَنِّطُوهُ، وَلا تُخَمِّرُوا رَاسَهُ، فَإِنَّهُ يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُلَبِّياً» (4).

وفي رواية «وَلا تُخَمِّرُوا وَجْهَهُ (5) وَرَاسَهُ» (6).

(1)«منها» : ليست في نسخة الزهيري، وهي في البخاري، برقم 256، ومسلم، برقم 42 - (939).

(2)

رواه البخاري، كتاب الجنائز، باب مواضع الوضوء من الميت، برقم 1256، ومسلم، برقم 42 - (939).

(3)

رواه البخاري، كتاب الجنائز، باب في غسل الميت، برقم 1259، ومسلم، كتاب الجنائز، باب في غسل الميت، برقم 39 - (939).

(4)

رواه البخاري، كتاب الجنائز، باب الكفن في ثوبين، بلفظه، برقم 1265، ومسلم، كتاب الاعتكاف، باب ما يفعل بالمحرم إذا مات، برقم 93 - (1206)، ولفظه: «اغسلوه بماء وسدر، وكفنوه في ثوبيه

» الحديث، وبرقم 98 - (1206)، وفيه: «

ولا تخمِّروا رأسه، ولا وجهه، فإنه يبعث يوم القيامة ملبياً»، وفي لفظ لمسلم برقم 103 - (1206):«ولا تغطوا وجهه» ، ولفظ:«وكفنوه في ثوبين» في البخاري، برقم 1265، و1266، و1268، و1849، و1850، ولفظ:«وكفنوه في ثوبيه» في البخاري، برقم 1851، وفي مسلم، برقم 94 - (1206).

(5)

في نسخة الزهيري: «وجهه ولا رأسه» بزيادة «ولا» .

(6)

رواه البخاري، كتاب الجنائز، باب الحنوط للميت، برقم 1266، وزيادة:«ولا تخمروا رأسه، ولا وجهه» عند مسلم، كتاب الحج، باب ما يفعل بالمحرم إذا مات، برقم 98 - (1206).

ص: 345

قال المصنّف (1): الوَقْص: كسر العنق.

42 -

قال الشارح رحمه الله:

هذه الأحاديث الثلاثة تتعلق بتكفين الميت وتغسيله، وقد دلت السنة عن رسول اللَّه عليه الصلاة والسلام على وجوب تغسيل الميت، وعلى وجوب تكفينه، وأنه يُغسّل ويُكفن، ويُصلى عليه، يعني الميت المسلم، فيجب أن يُغسل، ويجب أن يكفن، ويجب أن يُصلى عليه ثم يدفن، وهذه من كرامة اللَّه للمسلم، ورحمته له ولأهله أنه يُغسل وينظف ويطيب، ويُصلى عليه بعد التكفين ويُدفن، ولا يجعل كالجيف على الطرقات، بل أكرمه اللَّه بتغسيله وتكفينه وتطييبه، والصلاة عليه، ثم دفنه وموارته في الأرض، حتى يخرج يوم البعث والنشور.

وفي حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كُفِّنَ فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ بِيضٍ سَحُولِيَّةٍ من اليمن، لَيْسَ فِيهَا قَمِيصٌ وَلا عِمَامَةٌ» (2).

وفق اللَّه الصحابة وكفنوه في ثلاثة أثواب، في ثلاث قطع: ثلاث لفائف، بسطت واحدة فوق واحدة من سحول يسمونها مريكاني، بلدة يقال لها سحول في اليمن، وضعوه على هذه اللفائف، ثم ردوها عليه وربطوها وطيبوه عليه الصلاة والسلام، وصلى عليه المسلمون فراداً، ثم دُفِنَ عليه الصلاة والسلام، وليس فيها قميص ولا عمامة، هذا هو

(1)«قال المصنف» : ليست في نسخة الزهيري.

(2)

رواه البخاري، برقم 1264، ومسلم، برقم 941، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن 165.

ص: 346

الأفضل، وإن جُعل فيها قميص وعمامة فلا بأس، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم مع عبداللَّه بن أُبي حين كفنوه في قميص، فإذا جُعل في قميص وعمامة ولفافة أجزأ ذلك، وكفى، أو بلفافة واحدة كفت واحدة، يلف فيها كله، ويربط ما فوق الرأس، ويربط ما تحت الأرجل، ويربط الوسط حتى لا ينتشر، ثم يُوضع في لحده مربوطاً، وتُحل الربط بعد ذلك، العُقد تُحل، وتبقى في محلها الرباط، تبقى في محلها لكنها محلولة.

وهذا الذي اختاره اللَّه للنبي صلى الله عليه وسلم على أيدي الصحابة، هو الأفضل، للرجل أن يُكفن في ثلاثة أثواب لفائف، واحدة فوق واحدة، ضافية تغطي رأسه ورجليه وركبتيه، بيض من سحول، أو غير سحول أبيض كرسف يعني من قطن، هذا هو الأفضل، وإن كُفن في لفافة واحدة، فلا بأس إذا كانت ساترة تكفي، الواجب أن يُكفن ولو في واحدة، لكن إذا جعل في ثلاث، أو في ثنتين، يكون أفضل وأكمل، والثلاث أفضل.

وقد روي عن علي أنه كُفن في سبعة أثواب عليه الصلاة والسلام، لكن في سنده ضعف (1)، والمحفوظ ما روته عائشة رضي الله عنها، أنه كُفن في ثلاثة أثواب، أما الرواية عن علي أنه كُفن عليه الصلاة والسلام في سبعة، فهي رواية

(1) أخرجه ابن أبي شيبة، 2/ 465، برقم 11084، وأحمد، (2/ 132، برقم 728، وابن سعد في الطبقات 2/ 187، والضياء، 2/ 351، برقم 733، والبزار، 2/ 245، وضعفه محققو المسند، 2/ 132، والشيخ الألباني في أحكام الجنائز، ص 64.

ص: 347

فيها ضعف من طريق عبداللَّه بن محمد بن عقيل، وهو ليّن الحديث.

وفي حديث أم عطية رضي الله عنها، وهي نسيبة الأنصارية، دلالة على أن تكرار الغسل أفضل؛ ولهذا لما ماتت بنت النبي زينب رضي الله عنها قال النبي صلى الله عليه وسلم لغاسلاتها:«اغسلنها ثلاثاً أو خمساً أو أكثر من ذلك إن رأيتن ذلك» (1)، يعني حسب الحاجة، الثلاثة أفضل، وإن غسل واحدة كفى، إذا أجري عليه الماء مرة واحدة كفى، هذا الواجب، لكن إذا كرر الغسل ثلاث مرات، أو خمس مرات، أو سبع مرات، إذا دعت الحاجة إليه فهو أفضل، والأفضل ثلاث، إذا كان ما هناك حاجة، الأفضل ثلاث، فإن دعت الحاجة إلى الزيادة لوسخٍ كثير، أو لصوقات كثيرة، يُزال هذا وينظف، والسنة أن يكون بماءٍ وسدر؛ لأنه أبلغ في التنظيف، والتليين بماء وسدر، وإن لم يوجد السدر يكون فيه غير السدر، كالأشنان، والصابون، والشامبو، ونحو ذلك، مما ينظف، والسدر أفضل إذا تيسر، والأفضل أن يكون فيه كافور، يعني الغسلة الأخيرة، يكون فيها كافور طيب، معروف يصلب الجسد، ويطيب الرائحة، يكون في الغسلة الأخيرة شيء من الكافور لتطييب رائحة الجسم، ولتصليبه، وتقويته بعد الغسل.

ويُطيَّب في مغابنه، وأُذنيه، وآباطه، ومغابن رجليه، وترقوته، ورأسه، يطيب بمسك أو غيره من أنواع الطيب، أو العود، أو الورد، السنة أن يطيب، ويطيب أيضاً الأكفان، كل هذا مشروع، إلا المحرم، فلا يطيب إذا كان مات وهو محرم، فلا يطيب، بل يُكفن

(1) رواه البخاري، برقم 1257، ومسلم، برقم 939، وتقدم تخريحه في تخريج حديث المتن رقم 167.

ص: 348

في ثوبيه، كما يأتي في حديث ابن عباس أنه مات رجل وهو محرم في عرفات، فأمر أن يغسل بماء وسدر، ولم يأمر بالتكرار قال:«اغسلوه بماءٍ وسدر» (1)، ولم يقل ثلاثاً، فدّل على أن يكفيه مرة واحدة، إذا غُسِل مرة واحدة كفى، إذا أجري عليه الماء مرة واحدة كفاه، وإن كرر ثلاثاً فهو أفضل، كما تقدم في حديث أم عطية.

وأمر أن يُكفن في ثوبيه، يعني إزاره ورداءه، ولا يغطى رأسه، ولا وجْهُهُ، بل يكشفان، أي وجهه ورأسه لأنه محرم، ولأنه يُبعث يوم القيامة ملبياً، ولا يحنط، والحنوط الطيب، لا يحنط، أي لا يطيب إذا كان محرماً، بل يغسل ويكفن في ثوبيه: إزاره، ورداءه، ولا يغطى رأسه، ولا وجهه ولا يطيب؛ لأنه محرم، وأما غير المحرم فإنه يغسَّل، ويطيب، كما تقدم، والأفضل أن يكون ثلاث غسلات، وإن دعت الحاجة إلى خمسٍ أو أكثر فلا بأس أن يزاد في غسله، إذا كان هناك حاجة لأوساخٍ به، أو لصوقات به، ونحو ذلك، فلا بأس ويكون غسله بماء وسدر، إن تيسر السدر، فإن لم يتيسر فبغيره من المزيلات: كالأشنان، وكالصابون، والشامبو ونحوه مما يغسل به، وينظف، ويجعل في الأخيرة كافوراً، طيب معروف، يجعل في الغسلة الأخيرة.

والسنة أن يُبدأ بالميامن غاسل الجنازة يرفعها قليلاً، فإن خرج منه

(1) رواه البخاري، برقم 1265، ومسلم، برقم 1206، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 167.

ص: 349

شيء نجَّاه بخرقة، إن خرج منه بول أو غائط نظفه بخرقة، ثم صب عليه الماء، ثم وضَّأه وضوء الصلاة، نظف فمه بالماء بأصابعه وبالماء القليل، وينظف أنفه أيضاً بالماء، ويغسل وجهه ثلاثاً هو الأفضل، ثم يديه ثلاثاً ثلاثاً يمسح رأسه وأُذنيه، ويغسل قدميه وضوء الصلاة، ثم يصب الماء على رأسه مع السدر، يغسل رأسه بالسدر، رغوة السدر، ثم يفيض الماء على جنبه الأيمن ثم الأيسر، ثم يكمل غسله ثلاث مرات على هذه الحالة، وإن دعت الحاجة ورأى الغاسل أنه يحتاج إلى أكثر إذا كان رجلاً، أو غاسلة إذا كانت المرأة، تحتاج إلى أكثر زادوه في الغسلات إلى خمس أو سبع حسب الحاجة، وإذا كانت امرأة أو رجل له رأس يجعل ثلاثة قرون، يعني يجمع القرنان، والذؤابة تجعل واحدة، والقرنان عميلتان، وتجعل كلها خلف ظهره، كما فعل الغاسلات ببنت النبي عليه الصلاة والسلام.

وفيه أنه صلى الله عليه وسلم أعطاهم حَقْوَهُ أي إزاره، وقال: أشعرْنَها إيّاها، لما جعل اللَّه فيه من البركة، لما في الإزار من البركة، من مسِّ جسده عليه الصلاة والسلام، فأحب أن يكون إزاراً لها، والمرأة تُكفن في خمسة أثواب هذا أفضل: إزار، ورداء، وقميص، وخمار، ولفافتان، هذا هو الأفضل، وإن كفنت في لفافة واحدة كفى، أو في قميص ولفافة كفى، أو في قميص ولفافة وخمار كفى، والأفضل: قميص، وإزار، ورداء، وخمار على رأسها، ولفافتان، هذا الأكمل في حقها.

168 -

عن أم عطية الأنصارية قالت: «نُهِينَا عَنِ اتِّبَاعِ الْجَنَائِزِ، وَلَمْ

ص: 350

يُعْزَمْ عَلَيْنَا» (1).

169 -

عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: «أَسْرِعُوا بِالْجِنَازَةِ، فَإِنَّهَا (2) إنْ تَكُ (3) صَالِحَةً، فَخَيْرٌ تُقَدِّمُونَهَا إلَيْهِ، وَإِنْ تَكُ سِوَى ذَلِكَ فَشَرٌّ تَضَعُونَهُ عَنْ رِقَابِكُمْ» (4).

170 -

عن سَمُرة بن جُنْدُب رضي الله عنه قال: «صَلَّيْت وَرَاءَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَلَى امْرَأَةٍ مَاتَتْ فِي نِفَاسِهَا فَقَامَ وَسَطَهَا» (5).

171 -

وعن أبي موسى ــ عبد اللَّه بن قيس ــ الأشعري (6) رضي الله عنه، «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ بَرِئَ مِنَ الصَّالِقَةِ، وَالْحَالِقَةِ، وَالشَّاقَّةِ» (7).

(1) رواه البخاري، كتاب الجنائز، باب اتباع النساء الجنازة، برقم 1278، واللفظ له، ومسلم، كتاب الجنائز، باب نهي الناس عن اتباع الجنائز، برقم 938.

(2)

«فإنها» : ليست في نسخة الزهيري، وليست في البخاري، ولا في مسلم.

(3)

في نسخة الزهيري: «فإن تك» ، وهي في البخاري، برقم 1315.

(4)

رواه البخاري، كتاب الجنائز، باب السرعة بالجنازة، برقم 1315، واللفظ له، وأوله: ««أَسْرِعُوا بِالْجِنَازَةِ، فَإِنْ تَكُ

»، ومسلم، كتاب الجنائز، باب الإسراع بالجنازة، برقم 944.

(5)

رواه البخاري، كتاب الجنائز، باب الصلاة على النفساء إذا ماتت في نفاسها، برقم 1331، وباب أين يقوم من المرأة والرجل، برقم 1332، وطرفه رقم 332، ومسلم، كتاب الجنائز، باب أين يقوم الإمام من الميت للصلاة عليه، برقم 964.

(6)

«الأشعري» : ليست في نسخة الزهيري.

(7)

رواه البخاري، كتاب الجنائز، باب ما ينهى عن الحلق عند المصيبة، برقم 1296، ومسلم، كتاب الإيمان، باب تحريم ضرب الخدود وشق الجيوب والدعاء بدعوى الجاهلية، برقم 104، ولفظه عند البخاري، ومسلم:«حَدَّثَنِي أَبُو بُرْدَةَ بْنُ أَبِي مُوسَى، قَالَ: وَجِعَ أَبُو مُوسَى وَجَعًا فَغُشِيَ عَلَيْهِ، وَرَاسُهُ فِي حِجْرِ امْرَأَةٍ مِنْ أَهْلِهِ فَصَاحَتِ امْرَأَةٌ مِنْ أَهْلِهِ، فَلَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهَا شَيْئًا، فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ: أَنَا بَرِيءٌ مِمَّا بَرِئَ مِنْهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، «فَإِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم بَرِئَ مِنَ الصَّالِقَةِ، وَالْحَالِقَةِ، وَالشَّاقَّةِ» ، إلا أن في البخاري: «أَنَا بَرِيءٌ مِمَّنْ بَرِئَ

»، وفي مسلم:«أَنَا بَرِيءٌ مِمَّا بَرِئَ» .

ص: 351

الصالقة: التي ترفع صوتها عند المصيبة.

43 -

قال الشارح رحمه الله:

هذه الأحاديث الأربعة كلها تتعلق بأحكام الجنائز والميت، يقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الأول:[قول أم عطية رضي الله عنها](1): «نهينا عن اتباع الجنائز، ولم يعزم علينا» ، هذا يدل على أنه لا يجوز اتباع الجنائز للنساء إلى المقابر، أما الصلاة عليها فلا بأس، المرأة تصلي على الجنائز في المسجد، أو في المصلى، أو في البيت، الصلاة مشتركة بين الرجال والنساء، أما الذهاب إلى المقابر فلا تذهب، لا تزور المقابر، ولا تتبع الجنائز؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام نهاهن عن ذلك، أما قولها:«ولم يُعزم علينا» ، فهذا فيما تظنه، وفيما ظهر لها إذ لم يكن في ذلك تأكيد للعنهن، أو لغضب اللَّه عليهن، أو نحو ذلك، بل فيه النهي المطلق وهو كافٍ، النهي المطلق من النبي صلى الله عليه وسلم كافٍ في المنع، لمنع النساء من اتباع الجنائز إلى المقابر، وذلك لأن صبرهن قليل، ولأنهن فتنة، فمن رحمة اللَّه ومن إحسانه، ومن فضله على عباده، أن منع النساء من الذهاب إلى القبور، وإتباع الجنائز، لئلا يفتن الناس.

الحديث الثاني: «أَسْرِعُوا بِالْجِنَازَةِ، فَإِنْ تَكُ صَالِحَةً، فَخَيْرٌ

(1) شرح الشيخ الحديث الثاني قبل الأول، فأخرنا شرح الحديث من كلام الشيخ على ترتيب الأحاديث، ولم نغير من كلامه شيئاً.

ص: 352

تُقَدِّمُونَهَا إلَيْهِ، وَإِنْ يَكُ سِوَى ذَلِكَ فَشَرٌّ تَضَعُونَهُ عَنْ رِقَابِكُمْ» (1).

هذا يدل على شرعية المسارعة بالجنازة، والبدار بها، وعدم حبسها بين أظهر أهلها؛ لأنها إما أن تكون صالحة، فخيرٌ تُقدم إليه إلى روضة من رياض الجنة، وإلى خير عظيم، والراحة من الدنيا وشرها، وإن تك غير صالحة فإبعاد لها عن الأهل، وشرٌّ يوضع عن الرقاب، رقاب الحاملين لها، وفي الرواية الأخرى: أن الجنازة تتكلم إذا حملوها تقول: «إِنْ كَانَتْ صَالِحَةً: قَدِّمُونِي قدموني - لما بشرت به من الجنة والكرامة- وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ صَالِحَةٍ قَالَتْ: يَا وَيْلَهَا أَيْنَ يَذْهَبُونَ بِهَا» (2)؟! لأنها قد بشرت بالشر، لا حول ولا قوة إلا باللَّه، وهذا يوجب لأهل الإسلام أن يُعنوا بجنائزهم، وأن يحرصوا على البدار بها والإسراع بها، وعدم تأخيرها، إلا لعلةٍ شرعية.

وفيه أيضاً من الفوائد: وجوب الاستعداد للآخرة، والحذر من هذا الموقف العظيم، فإن الأجل يهجم على غِرَّة، فينبغي للمؤمن أن يستعد لهذا اليوم، وأن يحرص على الاستقامة على طاعة اللَّه، ولزوم التوبة من معاصيه وتقصيره، حتى إذا هجم الأجل فإذا هو على خير حال.

الحديث الثالث: حديث سمرة بن جندب رضي الله عنه يقول: إنه صلى مع

(1) رواه البخاري، برقم 1315، ومسلم، برقم 944، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 169.

(2)

رواه البخاري بلفظ: «

فَإِنْ كَانَتْ صَالِحَةً قَالَتْ قَدِّمُونِي وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ صَالِحَةٍ قَالَتْ يَا وَيْلَهَا أَيْنَ يَذْهَبُونَ بِهَا يَسْمَعُ صَوْتَهَا كُلُّ شَيْءٍ إِلَّا الْإِنْسَانَ وَلَوْ سَمِعَهُ صَعِقَ»، كتاب الجنائز، باب السرعة بالجنازة، برقم 1314.

ص: 353

النبي صلى الله عليه وسلم على جنازة امرأة فقام وَسَطَها، السنة إذا صلى الإمام على المرأة يقوم حيال وسطها، حيال عجيزتها، وإذا صلى على الرجل يقوم حيال رأسه، هذا السنة، أما قول بعض الفقهاء: يقوم حيال صدرها فلا دليل عليه، وإنما السنة أن يقوم عند رأس الرجل وعند وسَطِ المرأة، هذا هو السنة، والناس خلفه، إلا أن يكون واحداً فيكون عن يمينه، أما إذا كانوا جماعة اثنين أو أكثر يقومون خلفه.

والأفضل أن يكونوا صفوفاً، ثلاثة إذا تيسر ذلك؛ لما جاء في الحديث، روي عنه صلى الله عليه وسلم قال:«مَنْ صَلَّى عَلَيْهِ ثَلَاثَةُ صُفُوفٍ فَقَدْ أَوْجَبَ» (1).

يعني وجبت له الجنة، وفي الحديث الآخر:«مَا مِنْ رَجُلٍ يُصَلِّي عَلَيْهِ أَرْبَعُونَ رَجُلاً، لَا يُشْرِكُونَ بِاللَّهِ شَيْئًا، كُلُّهم يَشْفَعُونَ لهُ، إِلَاّ شَفَّعَهُمُ اللَّهُ» (2).

والحديث الرابع: حديث أبي موسى الأشعري عبداللَّه بن قيس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه «بَرِئَ مِنَ الصَّالِقَةِ، وَالْحَالِقَةِ، وَالشَّاقَّةِ» (3).

النبي صلى الله عليه وسلم حذَّر من النياحة على الموتى بشق الثياب، ولطم

(1) أخرجه الترمذي، برقم 1028، ومن طريقه ابن عساكر، 56/ 510، وأبو داود، برقم 3166، وابن ماجه، برقم 1490، وضعفه الألباني، برقم 1495، وتقدم تخريجه في شرح حديث المتن رقم 163، و164.

(2)

صحيح مسلم، كتاب الجنائز، باب من صلى عليه أربعون شفعوا فيه، برقم 948، ولفظه:«مَا مِنْ رَجُلٍ مُسْلِمٍ يَمُوتُ، فَيَقُومُ عَلَى جَنَازَتِهِ أَرْبَعُونَ رَجُلاً، لَا يُشْرِكُونَ بِاللَّهِ شَيْئًا، إِلَاّ شَفَّعَهُمُ اللَّهُ فِيهِ» .

(3)

رواه البخاري، برقم 1296، ومسلم، برقم 104، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 171.

ص: 354

الخدود، وبرئ من الصالقة، وهي التي ترفع صوتها عند المصيبة، هذه يقال لها صالقة، وهي النائحة، والشاقة هي التي تشق ثوبها، أو خمارها، قال برئ الرسول صلى الله عليه وسلم من الصالقة والحالقة والشاقة، والحالقة هي التي تحلق شعرها، وتنتفه، كل هذا ممنوع، كله من الكبائر، فيجب الحذر من ذلك، فلا يجوز شق الثياب على الموتى، ولا لطم الخدود، ولا رفع الأصوات بالنياحة، ولا حلق الرؤوس، ولا نتفها؛ كل هذا لا يجوز، بل هذا من الجزع المحرم.

وفي حديث ابن مسعود رضي الله عنه، يقول النبي صلى الله عليه وسلم:«لَيْسَ مِنَّا مَنْ ضَرَبَ الْخُدُودَ، أوْشَقَّ الْجُيُوبَ، وَدَعَا بِدَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ» (1).

فالواجب على المؤمن الصبر، وهكذا المؤمنة، عليهم بالصبر والاحتساب، والحذر من الجزع، والجزع يكون بشق الثياب، أو رفع الصوت بالبكاء، أو ضرب الخدود، أو حلق الشعر، أو ما أشبه ذلك من الجزع والتسخط. أما البكاء من دون صوت، بدمع العين فلا بأس، يقول النبي صلى الله عليه وسلم لما مات ولده إبراهيم:«الْعَيْن تَدْمَعُ، وَالْقَلْب يَحْزَنُ، وَلَا نَقُولُ إِلَّا مَا يَرْضَى رَبُّنَا، وَإِنَّا بِفِرَاقِكَ يَا إِبْرَاهِيمُ لَمَحْزُونُونَ» (2)، ويقول صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللَّهَ لَا يُعَذِّبُ بِدَمْعِ الْعَيْنِ، وَلَا بِحُزْنِ

(1) رواه البخاري، برقم 1294، ومسلم، برقم 103، وسيأتي تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 174.

(2)

رواه البخاري، كتاب الجنائز، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم:(إنا بك لمحزونون)، برقم 1303، ومسلم بنحوه، كتاب الفضائل، باب رحمته صلى الله عليه وسلم الصبيان والعيال وتواضعه وفضل ذلك، برقم 2315.

ص: 355

الْقَلْبِ» (1) [

] (2) ، (3).

172 -

عن عائشة رضي الله عنها قالت: «لَمَّا اشْتَكَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ذَكَرَتْ (4) بَعْضُ نِسَائِهِ كَنِيسَةً رَأَتْهَا (5) بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ يُقَالُ لَهَا: مَارِيَةُ، وَكَانَتْ أُمُّ سَلَمَةَ، وَأُمُّ حَبِيبَةَ رضي الله عنهما أَتَتَا أَرْضَ الْحَبَشَةِ ــ فَذَكَرَتَا مِنْ حُسْنِهَا وَتَصَاوِيرَ فِيهَا، فَرَفَعَ رَاسَهُ صلى الله عليه وسلم وَقَالَ (6): «أُولَئِكِ إذَا مَاتَ فِيهِمُ الرَّجُلُ الصَّالِحُ بَنَوْا عَلَى قَبْرِهِ مَسْجِداً، ثُمَّ صَوَّرُوا فِيهِ تِلْكَ الصُّوَرَ (7)، أُولَئِكِ شِرَارُ الْخَلْقِ عِنْدَ اللَّهِ» (8).

173 -

عن (9) عائشة رضي الله عنها قالت قال: رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ــ فِي مَرَضِهِ الَّذِي لَمْ يَقُمْ مِنْهُ ــ: «لَعَنَ اللَّهُ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ» .

(1) رواه البخاري، كتاب الجنائز، باب البكاء عند المريض، برقم 1304، ومسلم، كتاب الجنائز، باب البكاء على الميت، برقم 924.

(2)

آخر الوجه الثاني من الشريط السابع، سجل بتاريخ 19/ 5/ 1409هـ، وقد سقط من آخر الشريط كلمات لا تؤثر على المعنى.

(3)

أول الشريط الثامن، سجل بتاريخ 21/ 5/ 1409هـ.

(4)

[ت]: ليست في نسخة الزهيري، وهي في البخاري، برقم 1341.

(5)

في نسخة الزهيري: «رأينها» ، وهي في البخاري، برقم 1341.

(6)

في نسخة الزهيري: «فقال» ، وهي في البخاري، برقم 1341.

(7)

في نسخة الزهيري: «الصورة» ، وهي في البخاري، برقم 1341.

(8)

رواه البخاري، كتاب الجنائز، باب بناء المسجد على القبر، برقم 1341، واللفظ له، ومسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب النهي عن بناء المساجد على القبور، واتخاذ الصور فيها، والنهي عن اتخاذ القبور مساجد، برقم 528، وفيه: «

وصَوَّرُوا فيه تلك الصور

».

(9)

في نسخة الزهيري: «وعنها» .

ص: 356

قالت: ولَوْلَا ذلِكَ لأُبْرِزَ قبرُه، غير أنه خُشِيَ أَنْ يُتَّخَذَ مسْجداً (1).

174 -

عن عبد اللَّه بن مسعود رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنَه (2) قَال:«لَيْسَ مِنَّا مَنْ ضَرَبَ الْخُدُودَ، وَشَقَّ الْجُيُوبَ، وَدَعَا بِدَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ» (3).

175 -

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: «مَنْ شَهِدَ الْجَنَازَةَ حَتَّى يُصَلَّى عَلَيْهَا، فَلَهُ قِيرَاطٌ، وَمَنْ شَهِدَهَا حَتَّى تُدْفَنَ، فَلَهُ قِيرَاطَانِ» ، قِيلَ: وَمَا الْقِيرَاطَانِ؟ قَالَ: «مِثْلُ الْجَبَلَيْنِ الْعَظِيمَيْنِ» (4).

ولمسلم: «أَصْغَرُهُمَا: مِثْلُ جَبَلِ أُحُدٍ» (5).

44 -

قال الشارح رحمه الله:

هذه الأحاديث الأربعة بعضها يتعلق بالبناء على القبور، واتخاذ

(1) رواه البخاري، كتاب الجنائز، باب ما يكره من اتخاذ المساجد على القبور، برقم 1330، وباب ما جاء في قبر النبي صلى الله عليه وسلم، وأبي بكر، وعمر رضي الله عنهما، برقم 1390، واللفظ له في هذا الموضع، وأطرافه في البخاري في الحديث رقم 435، ومسلم، كتاب المساجد، باب النهي عن بناء المساجد على القبور، واتخاذ الصور فيها، والنهي عن اتخاذ القبور مساجد، برقم 530.

(2)

«أنه» : ليست في نسخة الزهيري، وهو في البخاري بدون أنه، برقم 1294، وكذلك في مسلم، برقم 103.

(3)

رواه البخاري، كتاب الجنائز، باب ليس منا من شق الجيوب، برقم 1294، ومسلم، كتاب الإيمان، باب تحريم ضرب الخدود وشق الجيوب والدعاء بدعوى الجاهلية، برقم 103، واللفظ له.

(4)

رواه البخاري، كتاب الجنائز، باب من انتظر حتى تدفن، برقم 1325، ومسلم، كتاب الجنائز، باب فضل الصلاة على الجنازة واتباعها، برقم 945.

(5)

رواه مسلم، كتاب الجنائز، باب فضل الصلاة على الجنازة واتباعها، برقم 53 - (945)، ولفظه: «

أَصْغَرُهُمَا مِثْلُ أُحُدٍ».

ص: 357

المساجد عليها، وبيان شدة التحريم في ذلك، وبعضها يتعلق بالجزع عند المصيبة، وعدم الصبر، والرابع يتعلق بشهود الجنازة، والصلاة على الجنازة وباتباعها.

الحديث الأول: ذكر بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم للنبي صلى الله عليه وسلم كنيسةً في أرض الحبشة، وكانت أم سلمة وأم حبيبة بنت أبي سفيان رضي الله عنهما رأتاها في أرض الحبشة، وكانتا ممن هاجر إلى الحبشة، كل واحدة مع زوجها في الهجرة الأولى، قبل الهجرة إلى المدينة، وذكرتا للنبي صلى الله عليه وسلم ما رأتاها من حسنها، وتصاوير فيها، فقال عليه الصلاة والسلام:«أُولَئِكِ إذَا مَاتَ فِيهِمُ الرَّجُلُ الصَّالِحُ بَنَوْا عَلَى قَبْرِهِ مَسْجِداً، ثُمَّ صَوَّرُوا فِيهِ تِلْكَ الصُّوَرَ، أُولَئِكِ شِرَارُ الْخَلْقِ عِنْدَ اللَّهِ» (1)، يخاطب المرأة التي ذكرت له الكلام، هذا يبين لنا أن البناء على القبور من شأن النصارى واليهود، ومن أعمالهم الخبيثة، وأنهم بهذا من شرار الخلق، فينبغي للمؤمن الحذر من ذلك، وأن لا يتشبه بأعداء اللَّه اليهود والنصارى بالبناء على القبور، واتخاذ المساجد عليها، ووضع الصور فوقها، كل هذا من أعمالهم الخبيثة، ومن وسائل الشرك؛ ولهذا قال:«أولئك إذا مات فيهم الرجل الصالح بنوا على قبره مسجداً، وصوروا فيه تلك الصور، أولئك شرار الخلق عند اللَّه» ؛ لأنهم فعلوا أشياء تجرّ الناس إلى الشرك، فإن البناء على القبور من وسائل الشرك، وهكذا اتخاذ الصور عليها صور الصالحين، أو صور

(1) رواه البخاري، برقم 1341، ومسلم، برقم 528، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 172.

ص: 358

الأنبياء، من وسائل الشرك؛ فلهذا نهى النبي عن هذا، ولعن عليه الصلاة والسلام من فعله.

ولهذا في الحديث الثاني لما كان في مرضه عليه الصلاة والسلام جعل يقول: ««لَعَنَ اللَّهُ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى، اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ» (1)، يحذر ما صنعوا. وهو في مرض موته، خوفاً على أمته أن تقع فيما وقعت به أولئك الأشرار، ومع هذا التحذير واللعن، وقع كثير من الناس في هذا البلاء، وبنوا على القبور، واتخذوا عليها المساجد، كما يوجد في دول كثيرة، حتى عُبدت من دون اللَّه، وصارت أوثاناً تُعبد من دون اللَّه، نعوذ باللَّه من ذلك.

فالواجب على أهل الإسلام أن يحذروا ذلك، وأن يزيلوا ما على القبور من المساجد، أو أن يتركوها ضاحية شامسة تحت السماء، ليس عليها بناء، كما كانت في عهد النبي صلى الله عليه وسلم في البقيع وغيره، هكذا؛ لأن البناء عليها، واتخاذ المساجد عليها، والصلاة عندها، كل هذا من وسائل الشرك، ومن وسائل عبادتها من دون اللَّه عز وجل، كما وقع ذلك في دول كثيرة، وفي جهات كثيرة عظموا القبور، وبنوا عليها المساجد، وجصَّصُوها، وزخرفوها، فعُبدت من دون اللَّه عز وجل، وصارت أوثاناً تُعبد من دون اللَّه، نسأل اللَّه السلامة.

والحديث الثالث يقول عليه الصلاة والسلام: «لَيْسَ مِنَّا مَنْ ضَرَبَ

(1) رواه البخاري، برقم 1330، ومسلم، برقم 530، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 173.

ص: 359

الْخُدُودَ، وَشَقَّ الْجُيُوبَ، وَدَعَا بِدَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ» (1)، وفي اللفظ الآخر:«لَيْسَ مِنَّا مَنْ ضَرَبَ الْخُدُودَ، أوْشَقَّ الْجُيُوبَ، وَدَعَا بِدَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ» (2). فكله من أعمال الجاهلية: ضرب الخدود جزعاً عند المصيبة، شق الثوب كذلك، حلق الشعر كذلك أو نتفه، الدعاء بدعوى الجاهلية من الكلام الرديء: وا ناصراه! وا كاسياه! وا عضداه، وافاجعة قلباه، وا وا

،

كل هذا من دعاء الجاهلية وأعمالهم، فيجب على المؤمن إذا وقعت عليه الحادثة، وهكذا المؤمنة الصبر والاحتساب وعدم الجزع، لا يشق ثوباً، ولا يلطم خداً، ولا ينتف شعراً، ولا يحلقه، ولا [يتكلم] بالكلام السيئ كلام الجاهلية، ولكن يصبر ويحتسب، ولا بأس بدمع العين، دمع العين لا يضر، وحزن القلب لا يضر، إنما المنكر هو رفع الصوت بالنياحة، أو شق الثياب، أو لطم الخدود، أو نتف الشعر وحلقه، هذا هو المنكر الذي هو من أعمال الجاهلية، ولهذا لما مات إبراهيم ابن النبي عليه الصلاة والسلام قال عليه الصلاة والسلام:«الْعَيْن تَدْمَعُ، وَالْقَلْب يَحْزَنُ، وَلَا نَقُولُ إِلَّا مَا يَرْضَى الرَبّ، وَإِنَّا لِفِرَاقِكَ يَا إِبْرَاهِيمُ لَمَحْزُونُونَ» (3)،

فدمع العين لا يضر وحده، فلما حضر وفاة ابن لإحدى

(1) رواه البخاري، كتاب الجنائز، باب ليس منا من ضرب الخدود، برقم 1297، ومسلم، كتاب الإيمان، باب تحريم ضرب الخدود وشق الجيوب والدعاء بدعوى الجاهلية، برقم 103.

(2)

رواه مسلم، برقم 103، وتقدم تخريجه في الحديث السابق.

(3)

رواه البخاري، كتاب الجنائز، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم:(إنا بك لمحزونون)، برقم 1303، ولفظه: عنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه، قَالَ: دَخَلْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى أَبِي سَيْفٍ القَيْنِ، وَكَانَ ظِئْرًا لِإِبْرَاهِيمَ عليه السلام، فَأَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِبْرَاهِيمَ، فَقَبَّلَهُ، وَشَمَّهُ، ثُمَّ دَخَلْنَا عَلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ وَإِبْرَاهِيمُ يَجُودُ بِنَفْسِهِ، فَجَعَلَتْ عَيْنَا رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تَذْرِفَانِ، فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ رضي الله عنه: وَأَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَقَالَ: «يَا ابْنَ عَوْفٍ إِنَّهَا رَحْمَةٌ» ، ثُمَّ أَتْبَعَهَا بِأُخْرَى، فَقَالَ صلى الله عليه وسلم:«إِنَّ العَيْنَ تَدْمَعُ، وَالقَلْبَ يَحْزَنُ، وَلَا نَقُولُ إِلَّا مَا يَرْضَى رَبُّنَا، وَإِنَّا بِفِرَاقِكَ يَا إِبْرَاهِيمُ لَمَحْزُونُونَ» .. ومسلم بنحوه، كتاب الفضائل، باب رحمته صلى الله عليه وسلم الصبيان والعيال وتواضعه وفضل ذلك، برقم 2315، ولفظه: عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «وُلِدَ لِي اللَّيْلَةَ غُلَامٌ، فَسَمَّيْتُهُ بِاسْمِ أَبِي إِبْرَاهِيمَ» ثُمَّ دَفَعَهُ إِلَى أُمِّ سَيْفٍ، امْرَأَةِ قَيْنٍ يُقَالُ لَهُ أَبُو سَيْفٍ، فَانْطَلَقَ يَاتِيهِ وَاتَّبَعْتُهُ، فَانْتَهَيْنَا إِلَى أَبِي سَيْفٍ وَهُوَ يَنْفُخُ بِكِيرِهِ، قَدِ امْتَلَأَ الْبَيْتُ دُخَانًا، فَأَسْرَعْتُ الْمَشْيَ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقُلْتُ: يَا أَبَا سَيْفٍ أَمْسِكْ، جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَأَمْسَكَ فَدَعَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِالصَّبِيِّ، فَضَمَّهُ إِلَيْهِ، وَقَالَ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَقُولَ، فَقَالَ أَنَسٌ: لَقَدْ رَأَيْتُهُ وَهُوَ يَكِيدُ بِنَفْسِهِ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَدَمَعَتْ عَيْنَا رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ:«تَدْمَعُ الْعَيْنُ وَيَحْزَنُ الْقَلْبُ، وَلَا نَقُولُ إِلَّا مَا يَرْضَى رَبَّنَا، وَاللَّهِ يَا إِبْرَاهِيمُ إِنَّا بِكَ لَمَحْزُونُونَ» .

ص: 360

بناته، ورأى نفسه تقعقع دمعت عيناه عليه الصلاة والسلام رحمةً له، فسأله بعض الصحابة: يا رسول اللَّه تبكي؟! قال: «إنَّهَا رَحْمَةٌ وَإِنَّمَا يَرْحَمُ اللَّهُ مِنْ عِبَادِهِ الرُّحَمَاءَ» (1)، فدمع العين من الرحمة، وإنما المنكر: الصياح، والنياح، وشق الثياب، ولطم الخدود والكلام السيئ من كلام الجاهلية.

وفي حديث أبي موسى يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: أنه «أنا بَرِيء مِنَ الصَّالِقَةِ، وَالْحَالِقَةِ، وَالشَّاقَّةِ» (2) كما تقدم.

تبرأ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ممن حلق، أو صلق، أو شق، الصالقة التي ترفع صوتها عند المصيبة، والحالقة: التي تحلق شعرها عند

(1) رواه البخاري، كتاب الجنائز، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم:«يعذب الميت ببعض بكاء أهله عليه» ، برقم 1284، ومسلم، كتاب الجنائز، باب البكاء على الميت، برقم 923، وكلاهما بلفظ:«هَذِهِ رَحْمَةٌ جَعَلَهَا اللَّهُ فِي قُلُوبِ عِبَادِهِ وَإِنَّمَا يَرْحَمُ اللَّهُ مِنْ عِبَادِهِ الرُّحَمَاءَ» .

(2)

رواه البخاري، برقم 1296، ومسلم، برقم 104، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 171.

ص: 361

المصيبة، والشاقة التي تشق ثوبها عند المصيبة، نسأل اللَّه السلامة.

الحديث الرابع: يقول صلى الله عليه وسلم: «مَنْ شَهِدَ الْجَنَازَةَ حَتَّى يُصَلَّى عَلَيْهَا، فَلَهُ قِيرَاطٌ، وَمَنْ شَهِدَهَا حَتَّى تُدْفَنَ، فَلَهُ قِيرَاطَانِ» ، قِيلَ: يا رسول الله مَا الْقِيرَاطَانِ؟ قَالَ: «مِثْلُ الْجَبَلَيْنِ الْعَظِيمَيْنِ» (1) أي من الأجر، وفي رواية مسلم:««أَصْغَرُهُمَا: مِثْلُ جَبَلِ أُحُدٍ» (2)، هذا فيه دلالة على عِظَم أجر من شهد الجنازة حتى يُصلى عليها، وعِظَم أجر من شهدها حتى تُدفن، أن له أجرين كبيرين عظيمين، فينبغي للمؤمن أن لا يفوِّت هذا الخير، فيتبع الجنائز، ويحضر الصلاة عليها والدفن، حيثما استطاع ذلك، لما فيه من الخير العظيم.

وفي اللفظ الآخر يقول صلى الله عليه وسلم: «مَنْ تَبعَ الجَنَازَةَ حَتَّى يُصَلَّى عَلَيْهَا، وَيَفْرُغَ مِنْ دَفْنِهَا، فَإِنَّه يَرْجِعُ مِنَ الأَجْرِ بِقِيرَاطَيْنِ كُلّ قِيراطٍ مِثْلُ جَبَلِ أُحُدٍ» (3).

ويقول البراء بن عازب: «أَمَرَ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بِسَبْعٍ، ذكر منها: اتِّبَاعَ الجَنَائِزِ» (4). اتباع الجنائز فيه عِظة، وفيه ذكرى للموت، وفيه ترقيق

(1) رواه البخاري، برقم 1325، ومسلم، برقم 945، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 175.

(2)

رواه مسلم، برقم 35 - (945)، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 175.

(3)

رواه البخاري، كتاب الإيمان، باب اتباع الجنائز من الإيمان، برقم 47، ومسلم بنحوه، كتاب الجنائز، باب فضل الصلاة على الجنازة واتباعها، برقم 56 - (945)، ولفظ البخاري:«عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ اتَّبَعَ جَنَازَةَ مُسْلِمٍ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، وَكَانَ مَعَهُ حَتَّى يُصَلَّى عَلَيْهَا، وَيَفْرُغَ مِنْ دَفْنِهَا، فَإِنَّه يَرْجِعُ مِنَ الْأَجْرِ بِقِيرَاطَيْنِ، كُلُّ قِيرَاطٍ مِثْلُ أُحُدٍ، وَمَنْ صَلَّى عَلَيْهَا ثُمَّ رَجَعَ قَبْلَ أَنْ تُدْفَنَ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ بِقِيرَاطٍ» .

(4)

متفق عليه، البخاري، كتاب الجنائز، باب الأمر باتباع الجنائز، برقم 1339، ومسلم، كتاب اللباس والزينة، باب تحريم استعمال إناء الذهب والفضة على الرجال والنساء

، برقم 2066، ولفظ البخاري:«عَنِ البَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رضي الله عنه، قَالَ: أَمَرَنَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِسَبْعٍ، وَنَهَانَا عَنْ سَبْعٍ: أَمَرَنَا بِاتِّبَاعِ الجَنَائِزِ، وَعِيَادَةِ المَرِيضِ، وَإِجَابَةِ الدَّاعِي، وَنَصْرِ المَظْلُومِ، وَإِبْرَارِ القَسَمِ، وَرَدِّ السَّلَامِ، وَتَشْمِيتِ العَاطِسِ، وَنَهَانَا عَنْ: آنِيَةِ الفِضَّةِ، وَخَاتَمِ الذَّهَبِ، وَالحَرِيرِ، وَالدِّيبَاجِ، وَالقَسِّيِّ، وَالإِسْتَبْرَقِ» .

ص: 362

للقلوب، وفيه جبر للمصابين ومساعدةٌ لهم، فيه مصالح كثيرة، فيُشرع للمسلم اتباع الجنائز والصلاة عليها والدفن، لما في ذلك من العِظة له، والتذكير بالموت، الذي سوف يمر عليه، كما مر على من قبله، وحث على الإعداد لهذا المصرع العظيم، مصرع الموت وما بعده، ثم بعد ذلك يعزي إخوانه، ويجبر مصابهم ويواسيهم.

ص: 363