الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْوَجَعَ بَلَغَ بِكَ مَا أَرَى ـ أَوْ مَا كُنْتُ أُرَى الْجَهْدَ بَلَغَ بِكَ مَا أَرَى ـ أَتَجِدُ شَاةً؟ «فَقُلْتُ: لا، قَالَ: «فصُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ، أَوْ أَطْعِمْ سِتَّةَ مَسَاكِينَ، لِكُلِّ مِسْكِينٍ نِصْفُ صَاعٍ» (1).
وفي روايةٍ، «فَأَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أَنْ يُطْعِمَ فَرَقاً بَيْنَ سِتَّةِ مَسَاكِينَ (2)، أَوْ يُهْدِيَ شَاةً، أَوْ يَصُومَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ» (3).
40 - باب حُرمة مكة
225 -
عن أبي شُريح ــ خويلد بن عمرو الخزاعي العدوي ــ رضي الله عنه: أنه قال لعمرو بن سعيد بن العاص ــ وَهُوَ يَبْعَثُ الْبُعُوثَ إلَى مَكَّةَ ــ: ائْذَنْ لِي، أَيُّهَا الأَمِيرُ، أَنْ أُحَدِّثَكَ قَوْلاً قَامَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْغَدَ مِنْ يَوْمِ الْفَتْحِ، فَسَمِعَتْهُ أُذُنَايَ، وَوَعَاهُ قَلْبِي، وَأَبْصَرَتْهُ عَيْنَايَ، حِينَ تَكَلَّمَ بِهِ، «أَنَّهُ حَمِدَ اللَّهَ، وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: «إنَّ مَكَّةَ حَرَّمَهَا اللَّهُ تَعَالَى [يوم خلق السّمَوات والأرض](4)، وَلَمْ يُحَرِّمْهَا النَّاسُ، فَلا يَحِلُّ لامْرِئٍ
(1) رواه البخاري، كتاب المحصر، باب الإطعام في الفدية نصف صاع، برقم 1816، بلفظه، وكتاب التفسير، باب قوله:{فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَاسِهِ} [البقرة: 196]، برقم 4517، ومسلم، كتاب الحج، باب جواز حلق الرأس للمحرم إذا كان به أذى، ووجوب الفدية لحلقه، وبيان قدرها، برقم 1201.
(2)
«مساكين» : ليست في نسخة الزهيري، وهي ليست في البخاري، برقم 1817.
(3)
رواه البخاري، كتاب المحصر، باب النسك شاة، برقم 1817، واللفظ له، ومسلم بنحوه، برقم 82 - (1201).
(4)
ما بين المعقوفين لم أجده في روايات البخاري ومسلم عن أبي شريح، ولكنها في حديث ابن عباس الآتي بعد هذا الحديث، وقد نبَّه على ذلك محقق عمدة الأحكام الأرنؤوط، وقال:«ليست في طبعة الخطيب، ولا في نسخ الصحيحين التي بين يدي في هذا الحديث، وإنما هي في طبعة الفقي فقط، ولعل نظره سبق إلى الحديث الذي بعده، واللَّه أعلم» ا. هـ. وليست هذه الزيادة في نسخة الزهيري أيضاً.
يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ أَنْ يَسْفِكَ بِهَا دَماً، وَلا يَعْضِدَ بِهَا شَجَرَةً، فَإِنْ أَحَدٌ تَرَخَّصَ بِقِتَالِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فيها (1) فَقُولُوا: إنَّ اللَّهَ أَذِنَ لِرَسُولِهِ، وَلَمْ يَاذَنْ لَكُمْ. وَإِنَّمَا أَذِنَ (2) لرسوله (3)
سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ، وَقَدْ عَادَتْ حُرْمَتُهَا الْيَوْمَ كَحُرْمَتِهَا بِالأَمْسِ، فَلْيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ، فَقِيلَ لأَبِي شُرَيْحٍ: مَا قَالَ لَكَ عمرو (4)؟ قَالَ: أَنَا أَعْلَمُ بِذَلِكَ مِنْكَ، يَا أَبَا شُرَيْحٍ، إنَّ الْحَرَمَ لا يُعِيذُ عَاصِياً، وَلا فَارَّاً بِدَمٍ، وَلا فَارَّاً بِخَرْبَةٍ» (5).
الخَرْبة: بالخاء المعجمة والراء المهملة، قيل: الخيانة (6)، وقيل البلية، وقيل: التهمة، وأصلها في سرقة الإبل، قال الشاعر:
(1)«فيها» : ليست في نسخة الزهيري، وهي في البخاري، برقم 104.
(2)
في نسخة الزهيري: «وإنما أذن لي ساعة» ، وفي البخاري، برقم 104:«وإنما أذن لي فيها ساعة» .
(3)
«لرسوله» : ليست في نسخة الزهيري ..
(4)
«عمرو» : ليست في نسخة الزهيري، وهي في البخاري، برقم 104.
(5)
رواه البخاري، كتاب العلم، باب ليبلغ العلم الشاهد الغائب، برقم 104، وفي كتاب جزاء الصيد، باب لا يعضد شجر الحرم، برقم 1832، ولفظ الحديث من الموضعين، ومن كتاب المغازي، باب (51)، برقم 4295، ومن لفظ مسلم، كتاب الحج، باب تحريم مكة، وصيدها، وخلاها، وشجرها، ولقطتها، إلا لمنشد على الدوام، برقم 1354، وليس في جميع هذه الروايات قوله:«يوم خلق السموات والأرض» .
(6)
في نسخة الزهيري: «الجناية» .
226 -
عن عبد اللَّه بن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ - «لا هِجْرَةَ بَعْدَ الفَتْحِ (1) وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ، وَإِذَا اُسْتُنْفِرْتُمْ فَانْفِرُوا» ، وَقَالَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ:«إنَّ هَذَا الْبَلَدَ حَرَّمَهُ اللَّهُ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ والأَرْضَ، فَهُوَ حَرَامٌ بِحُرْمَةِ اللَّهِ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَإِنَّهُ لَمْ يَحِلَّ الْقِتَالُ فِيهِ لأَحَدٍ قَبْلِي، وَلَمْ يَحِلَّ لِي إلَاّ سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ ــ وهي ساعتي هذه (2) ــ فَهُوَ حَرَامٌ بِحُرْمَةِ اللَّهِ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، لا يُعْضَدُ شَوْكُهُ، وَلا يُنَفَّرُ صَيْدُهُ، وَلا يَلْتَقِطُ لُقْطَتَهُ إلَاّ مَنْ عَرَّفَهَا، وَلا يُخْتَلَى خَلاهُ» فَقَالَ الْعَبَّاسُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إلَاّ الإِذْخِرَ، فَإِنَّهُ لِقَيْنِهِمْ وَبُيُوتِهِمْ، فَقَالَ:«إلَاّ الإِذْخِرَ» (3).
القين: الحداد.
60 -
قال الشارح رحمه الله:
هذه الأحاديث الثلاثة الأول في الفدية، والثاني والثالث في تحريم مكة. يقول كعب بن عجرة رضي الله عنه إن آية الفدية نزلت فيّ، ولكنها لا تخصّه، بل للناس عامّة، وذلك أنه أُصيب بمرض في رأسه، وتكاثر عليه القمل، فلما رآه النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما كنت أظن
(1)«بعد الفتح» : ليست في نسخة الزهيري، وهي في البخاري، برقم 2783، ورقم 2825.
(2)
«وهي ساعتي هذه» : ليست في نسخة الزهيري.
(3)
رواه البخاري، كتاب الجزية والموادعة، باب إثم الغادر للبر والفاجر، برقم 3189، وأطراف جميع رواياته في الحديث، رقم 1349وأخرجه مسلم، كتاب الحج، باب تحريم مكة وصيدها وخلاها وشجرها ولقطتها إلا لمنشد على الدوام، برقم 1353.
الوجع بلغ بك ما أرى»، ثم أمره أن يفدي شاة، أو يصوم ثلاثة أيام، أو يطعم ستة مساكين. وأنزل اللَّه في ذلك:{فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَاسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} (1)، فهي فدية مخيَّرة لمن تأذى بمرضٍ في رأسه، واحتاج إلى الحلق، فيحلقه، ويفدي بهذه الفدية، يذبح شاة، ويقوم مقامه سُبع بدنة، أو سبع بقرة، أو يصوم ثلاثة أيام، أو يُطعم ستة مساكين، لكل مسكين نصف صاع من التمر، أو غيره من قوت البلد، وهكذا إذا احتاج إلى أمثال ذلك عند أهل العلم، ألحقوه بهذا لو احتاج إلى الطيب، أو إلى لبس المخيط، أو إلى أن يغطِّي رأسه من برْدٍ أو مرَضٍ، فإنه يفدي بهذه الفدية؛ لأن هذه الأمور من جنس حلق الرأس، كلها معناها الترفه، فإذا احتاج إلى شيء من ذلك، أو دعت الضرورة إلى شيء من ذلك؛ فإنه يفدي بهذه الفدية، وهكذا لو احتاج إلى قلم أظفاره لمرض، لو احتاج إليه حال الإحرام يفدي بهذه الفدية.
أما الحرم فهو مُحرّم بحرمة اللَّه إلى يوم القيامة، حرّم اللَّه مكة يوم خلق السموات والأرض، ولم يحرمها الناس، فهي حرام بحرمة اللَّه إلى يوم القيامة، هكذا أخبر صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة، وقال:«فإن أحد ترخّص بقتال رسول اللَّه» ، يعني إنْ أحدٌ احتج بأني قاتلت فيها يوم الفتح، «فقولوا له: إن اللَّه أذن لرسوله، ولم يأذن لكم، وأنه لم يُحلِّها
(1) سورة البقرة، الآية:196.
لي إلا ساعة من نهار، وهي ساعتي، هذه» ساعة دخوله مكة عليه الصلاة والسلام يوم الفتح، وبيّن صلى الله عليه وسلم أنه لا ينفَّر صيدها، ولا يُسفك فيها الدم، ولا يُعضد فيها الشجر، ولا يُختلى خلاها، والخلى: هو الحشيش الأخضر، قال العباس: يا رسول اللَّه، إلا الإذخر؛ فإنه لقينهم وبيوتهم، والإذخر نبت معروف طيب الرائحة حشيش، فلا بأس، وليس داخل في التحريم، فهم يستعملونه في الحدادة ما يحتاجه صاحب الكير، وهو القين الحداد، ولبيوتهم كذلك، قد يسقفون به مع الخشب ونحوه، ويجعل منه في القبور في الألحاد، لأن الأرض رديئة، فيجعل الإذخر هذا يقيه التراب؛ فلا بأس بقطع الإذخر، ومثله ما ينبته الآدمي: ما أنبته الآدمي: من الزروع، والشجر له أخذه، لو زرع حنطة، أو زرع فواكه في بيته، أو قَتٍّ (1)،
أو ما أشبه ذلك، فله أخذ ذلك، وهكذا الثمار التي تكون في الشجر البري مثل: السدر، أخذ النبق من السدر؛ لأنها خُلقت للمسلمين، فيأخذ الثمر يستفيد منه، ومثله لو نبت حناط (2) أو غيره يأخذ الثمر لا بأس، لكن لا يحصد الشجرة، ولا يعضدها، ولا يعضد النبات الذي أخرجه اللَّه من العشب، بل يترك للدواب، لرعي الدواب، واستفادة الدواب، ولا
(1) القت: الفِصْفِصَة وهي الرَّطْبة من عَلَف الدَّوابّ. النهاية في غريب الحديث والأثر،
4 -
/ 11، مادة (قتت).
(2)
الحِنَاط: هو ما يُخْلط من الطِّيب لأكفان الموْتَى وأجْسَامِهم خاصَّة. انظر: النهاية في غريب الحديث والأثر، 1/ 449، مادة (حنط).
ينفر الصيد إذا وجده في ظل لا ينفره، ولا يقتله، من باب أولى لا يقتل صيده، ولا ينفر، ولا يعضد شوكه حتى الشوك لا يعضد، إذا كان شوك في بعض الأرض إذا كان ولا بد يطرح عليه التراب الذي يقيه شرّه، ولا يعضد؛ لأن الرسول نصّ على: أنه لا يُعضد شوكها، والظاهر - واللَّه أعلم - سد الباب، يعني سد الذريعة؛ لأنه قد يعضد الشوك، فيتوسل به إلى عضد غيره، فسد الباب عليه الصلاة والسلام في عدم عضد شيء من نباتها، ويكون هذا النبات لحاجة العمَّار والحجَّاج؛ لأن دوابهم تحتاج لهذا الشيء فتبلغَ دوابهم تأكل حاجاتها من هذا النبات، ولا يأخذه، لا الحاج، ولا غيره، لا يحصده، بل يترك يرعون فيه دوابهم - أهل مكة - وأنعامهم، ودوابهم الأخرى، لا بأس، أما عَضْدُهُ (1)، وحصده (2)
فلا، وكذلك لا يقاتل أهلها إذا جاء إليها أحد لا يُقاتل، ولا يسفك فيه الدم، حتى يخرج منها، إلا إذا أفسد فيها يقتل لإفساده فيها، إذا زنى يقام عليه الحد، وإذا سرق يقام عليه الحد، كما أقام النبي صلى الله عليه وسلم الحد على المخزومية في مكة (3)، [فمن](4)
قتل نفساً في مكة يُقتل بها؛ لأنه جنى،
(1) يعضد: أي يُقْطع، يقال: عَضَدْتُ الشجرَ أعْضِدُه عَضْداً، والعَضَد بالتحريك: المعْضُود. النهاية في غريب الحديث والأثر، 3/ 251، مادة عضد.
(2)
الحصاد - بالفتح والكسر-: قطع الزرع، واستئصاله، وإنما نهى عنه لمكان المساكن حتى يحضروه. انظر: النهاية في غريب الحديث والأثر، 1/ 394، مادة حصد ..
(3)
أخرج البخاري ومسلم، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ قُرَيْشًا أَهَمَّهُمْ شَانُ الْمَرْأَةِ الْمَخْزُومِيَّةِ الَّتِي سَرَقَتْ، فَقَالُوا: وَمَنْ يُكَلِّمُ فِيهَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالُوا: وَمَنْ يَجْتَرِئُ عَلَيْهِ إِلَّا أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ حِبُّ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَكَلَّمَهُ أُسَامَةُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«أَتَشْفَعُ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ؟» ، ثُمَّ قَامَ فَاخْتَطَبَ، ثُمَّ قَالَ:«إِنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ قَبْلَكُمْ، أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ فِيهِمْ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ، وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمْ الضَّعِيفُ أَقَامُوا عَلَيْهِ الْحَدَّ، وَايْمُ اللَّهِ لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا» . البخاري، كتاب الأنبياء، باب حدثنا أبو اليمان، برقم 3475، ومسلم، كتاب الحدود، باب قطع السارق الشريف وغيره، والنهي عن الشفاعة في الحدود، برقم 1688.
(4)
ما بين المعقوفين: أضفتها لتوضيح الكلام ..