الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
14 - بابُ صفةِ صلاةِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم
- (1)
86 -
(1) بداية الوجه الأول من الشريط الرابع، سُجِّل بتاريخ 29/ 3/ 1409هـ.
(2)
في نسخة الزهيري «رأيت» ، وما في المتن هو في مسلم، برقم 598.
(3)
في نسخة الزهيري: «بالثلج والماء» قدم الثلج على الماء، وهو لفظ مسلم، برقم 598، وما في المتن هو في البخاري، برقم 744.
(4)
رواه البخاري، كتاب الأذان، باب ما يقول بعد التكبير، برقم 744، ومسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب ما يقال بين تكبيرة الإحرام والقراءة، برقم 598.
87 -
17 -
قال الشارح رحمه الله:
هذان الحديثان الشريفان يتعلقان ببيان صفة صلاة النبي عليه الصلاة والسلام ، وقد جاء في ذلك أحاديث كثيرة ذكرها المؤلف، منها ما يأتي في هذا الباب.
والمشروع للمؤمن التأسي بالنبي صلى الله عليه وسلم في صلاته وسائر أفعاله، كما قال اللَّه عز وجل:{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} (2)، وقال عليه الصلاة والسلام:«صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلّي» (3)؛ ولهذا ذكر أهل العلم باباً خاصاً لبيان صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم؛ ليتأسى المؤمن به
(1) رواه مسلم، كتاب الصلاة، باب ما يجمع صفة الصلاة وما يفتتح به ويختتم به
…
، برقم 498، وليس الحديث عند البخاري.
(2)
سورة الأحزاب، الآية:21.
(3)
البخاري، كتاب الأذان، باب الأذان للمسافرين إذا كانوا جماعة، برقم 631.
في ذلك على بصيرة، ومن ذلك الاستفتاح في أولها، كان صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة كبر، يفتتحها بالتكبير، سواء كانت فريضة أو نافلة، ولهذا في الحديث:«مِفْتَاحُ الصَّلَاةِ الطُّهُورُ وَتَحْرِيمُهَا التَّكْبِيرُ وَتَحْلِيلُهَا التَّسْلِيمُ» (1).
فمفتاحها الطهارة الشرعية، والتحريم الذي يدخل به فيها التكبير، والتحليل التسليم.
ولهذا ذكر في حديث عائشة هنا «أنه كان يفتتح الصلاة بالتكبير» ، كما في حديث علي:«تحريمها التكبير» (2). وبعد التكبير يستفتح، قال أبو هريرة رضي الله عنه أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم قال:«أَرَأَيْتَ سُكُوتَكَ بَيْنَ التَّكْبِيرِ وَالْقِرَاءَةِ، مَا تَقُولُ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي؟ يعني أفديك بأبي وأمي، قوله: (بين التكبير والقراءة) دل على أنه يفتتح بالتكبير كما دل عليه حديث عائشة وغيره، قَالَ «أَقُولُ: اللَّهُمَّ بَاعِدْ بَيْنِي وَبَيْنَ خَطَايَايَ كَمَا بَاعَدْتَ بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ، اللَّهُمَّ نَقِّنِي مِنْ خَطَايَايَ كَمَا يُنَقَّى الثَّوْبُ الأَبْيَضُ مِنَ الدَّنَسِ، اللَّهُمَّ اغْسِلْنِي مِنْ خَطَايَايَ بِالثَّلْجِ وَالْمَاءِ وَالْبَرَدِ» (3) ، هذا نوع من الاستفتاحات
(1) أخرجه الإمام أحمد، برقم 1006، وأبو داود، برقم 618، والترمذي، برقم 3.وصححه لغيره محققو المسند، وقال الألباني في صحيح أبي داود، 1/ 102: «إسناده حسن صحيح». وتقدم تخريجه في شرح حديث المتن رقم 2.
(2)
أخرجه الإمام أحمد، 2/ 292، برقم 1006، وأبو داود، برقم 618، والترمذي، برقم 3. وتقدم تخريجه في شرح حديث المتن رقم 2.
(3)
أخرجه مسلم، برقم 598، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 86.
الصحيحة الثابتة عن رسول اللَّه عليه الصلاة والسلام.
وهو وحديث ابن عباس أصح ما ورد في ذلك (1) - وهناك استفتاحات عدة صحت عن رسول اللَّه عليه الصلاة والسلام، إذا استفتح المؤمن بواحدة منها أو المؤمنة - حصل المقصود، وهذا التأسي للرجال والنساء. عليهم أن يتأسوا بالنبي صلى الله عليه وسلم في ذلك:«صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلّي» (2).
ومن ذلك أن يستفتح إذا كبر في الصلاة يستفتح، ويقول:«اللَّهُمَّ بَاعِدْ بَيْنِي وَبَيْنَ خَطَايَايَ كَمَا بَاعَدْتَ بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ، اللَّهُمَّ نَقِّنِي مِنْ خَطَايَايَ كَمَا يُنَقَّى الثَّوْبُ الأَبْيَضُ مِنَ الدَّنَسِ، اللَّهُمَّ اغْسِلْنِي مِنْ خَطَايَايَ بِالثَّلْجِ وَالْمَاءِ وَالْبَرَدِ» (3). وهذا أصح ما ورد في استفتاحات الصلاة الفريضة.
وجاء عنه صلى الله عليه وسلم استفتاحات أخرى، منها حديث عمر وأبي سعيد،
(1) أخرج البخاري عَنْ طَاوُسٍ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا قَامَ مِنْ اللَّيْلِ يَتَهَجَّدُ قَالَ: «اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ، أَنْتَ قَيِّمُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ، وَلَكَ الْحَمْدُ، لَكَ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ، وَلَكَ الْحَمْدُ، أنتَ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ، وَلَكَ الْحَمْدُ أنتَ ملك السَّموَاتِ وَالأرْضٍ، وَلَكَ الحَمْدُ، أَنْتَ الْحَقُّ، وَوَعْدُكَ الْحَقُّ، وَلِقَاؤُكَ حَقٌّ، وَقَوْلُكَ حَقٌّ، وَالْجَنَّةُ حَقٌّ، وَالنَّارُ حَقٌّ، وَالنَّبِيُّونَ حَقٌّ، وَمُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم حَقٌّ، وَالسَّاعَةُ حَقٌّ، اللَّهُمَّ لَكَ أَسْلَمْتُ، وَبِكَ آمَنْتُ، وَعَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ، وَإِلَيْكَ أَنَبْتُ، وَبِكَ خَاصَمْتُ، وَإِلَيْكَ حَاكَمْتُ، فَاغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ، وَمَا أَسْرَرْتُ وَمَا أَعْلَنْتُ، أَنْتَ الْمُقَدِّمُ وَأَنْتَ الْمُؤَخِّرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، أَوْ لَا إِلَهَ غَيْرُكَ» . البخاري، أبواب التهجد، باب التهجد بالليل، برقم 1120، ومسلم، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب الدعاء في صلاة الليل وقيامه، برقم 769.
(2)
البخاري، برقم 630، وتقدم تخريجه في شرح حديث المتن رقم 86.
(3)
البخاري، برقم 744، ومسلم، برقم 598، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 86.
وعائشة وغيرهم: أنه كان يستفتح بـ «سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ تَبَارَكَ اسْمُكَ وَتَعَالَى جَدُّكَ وَلَا إِلَهَ غَيْرُكَ» (1) وهذا الاستفتاح جاء من عدة أحاديث عن عدد من الصحابة، وهو أخصرها، وهو مختصر يسهل على كل مؤمن ومؤمنة حفظه:«سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ تَبَارَكَ اسْمُكَ وَتَعَالَى جَدُّكَ وَلَا إِلَهَ غَيْرُكَ» ، وهو نوع من الاستفتاحات الصحيحة، ومعنى:«سبحانك اللَّهم وبحمدك» أي أنزهك تنزيهاً يليق بجلالك عن كل نقص، وعن كل عيب، «وبحمدك» أي أثني عليك. الحمد: الثناء، «وتبارك اسمك» يعني: البركة تنال بذكرك سبحانه وتعالى، قد بلغت البركة النهاية سبحانه وتعالى، فكل بركة فهي منه جل وعلا، تبارك اللَّه رب العالمين. «وتعالى جدك» يعني: عظمتك وكبرياؤك، جد اللَّه: عظمته؛ لأن اللَّه لم يلد ولم يولد، ليس له أبٌ ولا جد، إنما هي عظمته، تعالى جدك يعني: عظمتك، وكبرياؤك. «ولا إله غيرك» أي: لا معبود بحق سواك سبحانه وتعالى، هذا معنى «لا إله»: لا معبود بحق سواك جل وعلا.
هناك آلهة باطلة كثيرة: من أصنام، وأشجار، وأموات، والجن، وغير ذلك، لكنها باطلة يعبدها الناس وهي باطلة، لا تجوز عبادتهم، الإله الحق هو اللَّه سبحانه وتعالى رب السموات، ورب الأرض، ورب كل شيء، كما قال اللَّه:{ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ} (2).
(1) مسلم، كتاب الصلاة، باب حجة من قال لا يجهر بالبسملة، برقم 399.
(2)
سورة الحج، الآية:62.
وهناك استفتاحات أخرى، كان يستفتح بها في الليل عليه الصلاة والسلام، ولا مانع من استعمالها بالنهار، وفي كل فريضة، ومنها حديث عائشة رواه مسلم في الصحيح، كان يستفتح إذا قام من الليل:«اللَّهُمَّ رَبَّ جِبْرَائِيلَ، وَمِيكَائِيلَ، وَإِسْرَافِيلَ، فَاطِرَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ، عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ، أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ، اهْدِنِي لِمَا اخْتُلِفَ فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِكَ، إِنَّكَ تَهْدِي مَنْ تَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ» (1)، هذا استفتاح عظيم، كان يستعمله النبي صلى الله عليه وسلم في قيام صلاة الليل، ولا مانع من الاستفتاح به حتى في النهار: تشريعاته صلى الله عليه وسلم تعمّ الليل والنهار في الصلاة.
كذلك حديث ابن عباس في الصحيحين: كان يستفتح إذا قام في التهجد يقول: «اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ، أَنْتَ قَيّومُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ، وَلَكَ الْحَمْدُ، أَنْتَ ملك السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ، وَلَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ، وَلَكَ الحَمْدُ أَنْتَ الْحَقُّ، وَوَعْدُكَ الْحَقُّ، وَقَوْلُكَ الْحَقُّ، وَلِقَاؤُكَ حَقُّ، وَالْجَنَّةُ حَقٌّ، وَالنَّارُ حَقٌّ، وَالسَّاعَةُ حَقٌّ، وَالنَّبِيُّونَ حَقٌّ، وَمُحَمِّدٌ حَقٌ، اللَّهُمَّ لَكَ أَسْلَمْتُ، وَبِكَ آمَنْتُ، وَعَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ، وَإِلَيْكَ أَنَبْتً، وَبِكَ خَاصَمْتُ، وَإِلَيْكَ حَاكَمْتُ، فَاغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ، وَمَا أَخَّرْتُ، وَمَا
(1) صحيح مسلم، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب الدعاء في صلاة الليل وقيامه، برقم 770.
أَسْرَرْتُ، وَمَا أَعْلَنْتُ، وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي، أَنْتَ المُقَدِّمُ، وأنْتَ المُؤَخِّرً، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ» (1).
(1) البخاري، أبواب التهجد، باب التهجد من الليل، برقم 1120، وكتاب التوحيد، باب قول اللَّه تعالى:{وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَواتِ وَالأرْضَ بِالحَقِّ} ، برقم 7385، كتاب التوحيد، باب قول اللَّه تعالى:{وُجُوهٌ يَوْمَئِذِ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} ، برقم 7442، ومسلم، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب الدعاء في صلاة الليل وقيامه، برقم 769، وكله بألفاظ متقاربة، وهي على النحو الآتي، بدءاً بروايات البخاري:
1 -
2 -
3 -
4 -
وهناك استفتاحات أخرى، فإذا استفتح الإنسان بواحد منها فيما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم حصلت السنة، ولكن أصحها ما تقدم عن أبي هريرة في صلاة الفريضة:«اللَّهُمَّ بَاعِدْ بَيْنِي وَبَيْنَ خَطَايَايَ كَمَا بَاعَدْتَ بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ، اللَّهُمَّ نَقِّنِي مِنَ الْخَطَايَا كَمَا يُنَقَّى الثَّوْبُ الأَبْيَضُ مِنَ الدَّنَسِ، اللَّهُمَّ اغْسِلْ خَطَايَايَ بِالْمَاءِ وَالثَّلْجِ وَالْبَرَدِ» (1)، يسأل ربه أن يطهره من الذنوب بأنواع التطهير، ويباعد بينه وبين الذنوب أشد مباعدة؛ لأن شرها عظيم، والذنوب هي سبب الخسارة والنقص والهلاك في الدنيا والآخرة؛ ولهذا كان يسأل ربه أن يباعد بينه وبينها وينقيه منها.
والحديث الثاني حديث عائشة لعن النبي صلى الله عليه وسلم: «أنه كَانَ يَسْتَفْتِحُ الصَّلاةَ بِالتَّكْبِيرِ، وَالْقِرَاءَةِ بـ {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}» ، وهذا رواه مسلم في الصحيح (2) ليس على شرط المؤلف، بل من رواية مسلم، شرط المؤلف ما اتفق عليه الشيخان، لكن هذا رواه مسلم في الصحيح، كان يفتتح الصلاة بالتكبير كما تقدم، بقوله:«اللَّه أكبر» هذا أول شيء في الصلاة، لا تنعقد إلا بهذا إذا قام بنية الصلاة
(1) صحيح البخاري، كتاب الأذان، باب ما يقول بعد التكبير، برقم 744، ومسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب ما يقال بين تكبيرة الإحرام والقراءة، برقم 598.
(2)
رواه مسلم، برقم 498، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 87.
استقبل القبلة، يقول:«اللَّه أكبر» ؛ لهذا قال النبي للمسيء في صلاته: «إذَا قُمْتَ إلَى الصَّلاةِ فَكَبِّرْ» (1) هذا أول شيء، يستفتح به مع النية «اللَّه أكبر» حال كونه طاهراً مستقبل القبلة؛ ولهذا في الحديث الصحيح:«إِذَا قُمْتَ إِلَى صَلَاتِك فَأَسْبِغِ الْوُضُوءَ، ثُمَّ اسْتَقْبِلِ الْقِبْلَةَ، ثم كَبِّرْ، ثمَّ اقْرا مَا تَيَسَّرَ لكَ مِنَ القُرْآنِ» (2)، فكان يستفتح الصلاة بالتكبير، والقراءة بالحمد للَّه رب العالمين، وهذا يدل على أنه يُسرّ بالاستفتاح، ويُسرّ بالتعوذ والتسمية يأتي بها سراً، ولهذا [قالت عائشة رضي الله عنها] كان يستفتح الصلاة بالتكبير، والقراءة بالحمد للَّه، يعني جهراً، أما الاستفتاح والتعوذ والتسمية هذه تكون سراً.
وكان إذا ركع لم ينكس رأسه، ولم يصوِّبه، إذا ركع يسوي ظهره برأسه، ما يصح رفع رأسه ولا خفضه، ولكن بين ذلك، رأسه حيال ظهره، «لم يشخصه» يعني: يرفعه، و «لم يصوبه» يعني: يخفضه، ولكنه يجعله حيال ظهره عليه الصلاة والسلام هذه السنة، ويقول:«سُبْحَانَ رَبِّيَ الْعَظِيمِ، سُبْحَانَ رَبِّيَ الْعَظِيمِ» (3)، «سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا
(1) البخاري، كتاب الأذان، باب أمر النبي صلى الله عليه وسلم الذي لا يتم ركوعه بالإعادة، برقم 793، ومسلم، كتاب الصلاة، باب وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة، وإنه إذا لم يحسن الفاتحة ولا أمكنه تعلمها قرأ ما تيسر له من غيرها، برقم 397.
(2)
هو حديث المسيء صلاته السابق، البخاري، برقم 793، ومسلم، برقم 397.
(3)
انظر: صحيح مسلم، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب استحباب تطويل القراءة في صلاة الليل، برقم 772، ومسند الإمام أحمد، 38/ 392، برقم 23375، وسنن أبي داود، كتاب الصلاة، باب ما يقول الرجل في ركوعه وسجوده، برقم 874، وسنن النسائي، كتاب التطبيق، نوع آخر، برقم 1133، صححه محققو المسند، 38/ 393، والألباني في صحيح أبي داود، 4/ 28.
وَبِحَمْدِكَ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي» (1)، هكذا يقال في الركوع.
فالواجب مرة سبحان ربي العظيم، والباقي سنة مؤكدة، ومن السنن قول:«سُبُّوحٌ قُدُّوسٌ، رَبُّ الْمَلَائِكَةِ وَالرُّوحِ» (2)، «سُبْحَانَ ذِي الْجَبَرُوتِ وَالْمَلَكُوتِ، وَالْكِبْرِيَاءِ وَالْعَظَمَةِ» (3)، ثم يرفع بعدما يأتي بما تيسر من الذكر بعدما يستقر ويطمئن، ويرجع كل فقار إلى مكانه، يرفع رأسه قائلاً:«سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ» (4)، هكذا يقول الإمام والمنفرد، والمأموم يقول:«رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ» (5) عند الرفع فإذا استوى، يقول: «مِلْءَ السَّمَوَاتِ
…
» (6) إلى آخره.
والأفضل أن يقول: «رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا
(1) البخاري، كتاب الأذان، باب الدعاء في الركوع، برقم 794، ومسلم، كتاب الصلاة، باب ما يقال في الركوع والسجود، برقم 484.
(2)
مسلم، كتاب الصلاة، باب ما يقال في الركوع والسجود، برقم 487.
(3)
مسند أحمد، 39/ 405، برقم 23980، وأبو داود، كتاب الصلاة، باب ما يقول الرجل في ركوعه وسجوده، برقم 873، والنسائي، كتاب التطبيق، نوع آخر من الذكر في الركوع، برقم 1149، وقوّى إسناده محققو المسند، 39/ 405، وصحح إسناده الألباني في صحيح أبي داود، 4/ 27.
(4)
البخاري، كتاب الأذان، باب ما يقول الإمام ومن خلفه إذا رفع رأسه من الركوع، برقم 795، ومسلم، كتاب الصلاة، باب إثبات التكبير في كل خفض ورفع في الصلاة، إلا رفعه من الركوع، فيقول فيه: سمع اللَّه لمن حمده، برقم 392.
(5)
رواه البخاري، برقم 1113، ومسلم، برقم 411، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 81.
(6)
مسلم، كتاب الصلاة، باب اعتدال أركان الصلاة وتخفيفها في تمام، برقم 471.
فِيهِ» (1) ، «مِلْءَ السَّمَوَاتِ وَمِلْءَ الأَرْضِ وَمِلْءَ مَا بَيْنَهُمَاوَمِلْءَ مَا شِئْتَ مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ» (2)، والواجب «ربنا ولك الحمد» ، أو «اللَّهم ربنا ولك الحمد» ، والباقي سنة وكمال، وإن زاد «أَهْلُ الثَّنَاءِ وَالْمَجْدِ أَحَقُّ مَا قَالَ الْعَبْدُ، وَكُلُّنَا لَكَ عَبْدٌ، اللَّهُمَّ لَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ، وَلَا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ، وَلَا يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْكَ الْجَدُّ» (3)، هذا أكمل، كما كان يفعل عليه الصلاة والسلام.
وإذا سجد اطمأن في سجوده واعتدل، حتى يرجع كل فقار إلى مكانه، وإذا رفع من السجدة الأولى اعتدل بين السجدتين ولا يعجل، مثل ما يعتدل بعد الركوع، ويطمئن ولا يعجل، وهكذا بين السجدتين يفرش رجله اليسرى، وينصب رجله اليمنى يجلس على رجله اليسرى، وينصب اليمنى، ويعتدل ولا يعجل، يقول:«سُبحانَ رَبِّيَ الأعْلَى، سُبحانَ رَبِّيَ الأعْلَى» (4) والواجب مرة، والباقي سنة، يكرر ذلك: ثلاثاً، أو خمساً، أو أكثر: سنة، ويقول أيضاً: «سُبْحَانَكَ
(1) البخاري، كتاب الأذان، باب، برقم 799.
(2)
مسلم، كتاب الصلاة، باب ما يقول إذا رفع رأسه من الركوع، برقم 206 - (477)، وأبو داود، كتاب الصلاة، باب ما يستفتح به الصلاة من الدعاء، برقم 760، وبنحوه مسند أحمد، 5/ 450، برقم 3498، والترمذي، كتاب الدعوات، باب ما جاء في الدعاء عند افتتاح الصلاة، برقم 3423.
(3)
مسلم، كتاب الصلاة، باب ما يقول إذا رفع رأسه من الركوع، برقم 478.
(4)
مسلم، برقم 772 بالتسبيح مرة واحدة، وهذا لفظ الإمام أحمد، 38/ 392، برقم 23375، وتقدم تخريجه في تخريج أحاديث شرح حديث المتن رقم 87.
اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَبِحَمْدِكَ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي» (1)، «سُبُّوحٌ قُدُّوسٌ، رَبُّ الْمَلَائِكَةِ وَالرُّوحِ» (2)، ويقول ما تيسر مع ذلك:«سُبْحَانَ ذِي الْجَبَرُوتِ وَالْمَلَكُوتِ، وَالْكِبْرِيَاءِ وَالْعَظَمَةِ» (3) ، يدعو في سجوده بما تيسر من الدعاء، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو في السجود يقول:«اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي كُلَّهُ: دِقَّهُ، وَجِلَّهُ، وَأَوَّلَهُ، وَآخِرَهُ، وَعَلَانِيَتَهُ وَسِرَّهُ» (4).
وكان يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ، فَأَكْثِرُوا الدُّعَاءَ» (5).
ويقول عليه الصلاة والسلام: «أَمَّا الرُّكُوعُ فَعَظِّمُوا فِيهِ الرَّبَّ، وَأَمَّا السُّجُودُ فَاجْتَهِدُوا فِي الدُّعَاءِ، فَقَمِنٌ أَنْ يُسْتَجَابَ لَكُمْ» (6)، أي: حري أن يُستجاب لكم.
«وَكَانَ يَقُولُ فِي كُلِّ رَكْعَتَيْنِ التَّحِيَّةَ» (7)، كل ركعتين يقرأ فيهما التحيات في الفريضة، يقرأ التحيات، ثم يرفع للثالثة، ثلاثية المغرب أو
(1) البخاري، برقم 794، ومسلم، برقم 484، وتقدم تخريجه في تخريج أحاديث شرح حديث المتن رقم 87.
(2)
مسلم، برقم 487، وتقدم تخريجه في تخريج أحاديث شرح حديث المتن رقم 87.
(3)
مسند أحمد، 39/ 405، برقم 23980، وأبو داود، برقم 873، والنسائي، برقم 1149، وتقدم تخريجه في تخريج أحاديث شرح حديث المتن رقم 87.
(4)
مسلم، كتاب الصلاة، باب ما يقال في الركوع والسجود، برقم 483.
(5)
مسلم، كتاب الصلاة، باب ما يقال في الركوع والسجود، برقم 482.
(6)
مسلم، كتاب الصلاة، باب النهي عن قراءة القرآن في الركوع والسجود، برقم 479.
(7)
مسلم، كتاب الصلاة، باب ما يجمع صفة الصلاة وما يفتتح به، ويختم به، وصفة الركوع
…
، برقم 498.
رباعية: الظهر، والعصر، والعشاء، يعني لها تشهُّدان، إذن هذه الصلوات الأربع فيها تشهدان بعد الركعتين، يجلس يقرأ التحيات، والأفضل يُصلِّي على النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم ينهض في الثالثة رافعاً يديه كما يرفع يديه عند الإحرام، وعند الركوع، وعند الرفع منه، هكذا يفعل بيديه حيال منكبيه، أو حيال أُذنيه عند الإحرام، وعند الركوع، وعند الرفع منه، وعند قيامه إلى الثالثة بعد التشهد الأول، وفي النافلة يُسلِّم من كل ثنتين:«صَلَاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى» (1)، وفي اللفظ الآخر:«صَلَاةُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مَثْنَى مَثْنَى» (2)
، والأفضل أن يسلم من كل ثنتين، وإن أوتر في الليل بخمس، أو ثلاث سرداً فلا بأس، لكن الأفضل أن يسلم من كل ثنتين، فلا يصلي أربعاً جميعاً، ويسلم من كل ثنتين.
«صلاة الليل مثنى مثنى» هذا بمعنى الأمر ورد في السنن «صلاة الليل والنهار» ، فهذه الزيادة صحيحة، زيادة (النهار)، فالسنة في النهار والليل أن يصلي ثنتين ثنتين تطوعاً.
وكان يفرش رجله اليسرى وينصب اليمنى» يعني بين السجدتين
(1) البخاري، كتاب الوتر، باب ما جاء في الوتر، برقم 990، ومسلم، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب صلاة الليل مثنى مثنى، والوتر ركعة من آخر الليل، برقم 749.
(2)
مسند أحمد، 9/ 130، برقم 5122، وسنن أبي داود، كتاب التطوع، باب في صلاة النهار، برقم 1297، وسنن الترمذي، باب ما جاء أن صلاة الليل والنهار مثنى مثنى، برقم 597، وابن ماجه، كتاب الصلاة، باب ما جاء في صلاة الليل والنهار مثنى مثنى، برقم 1322، وصححه محققو المسند، 9/ 130، دون كلمة «النهار» ، وصححه الألباني في صحيح أبي داود، 1/ 240 ..
والتشهد الأول، أما التشهد الأخير كان يتورك، يخرج رجله اليسرى من جهة اليمين، ويجلس على مقعدته، كما ثبت هذا في حديث أبي حميد في الصحيحين، وكان ينهى عن عقبة الشيطان، عقبة الشيطان، أو يقال: عقب الشيطان (1): الإقعاء يشبه إقعاء الكلب: ينصب ساقيه وفخذيه، ويعتمد على يديه على الأرض، هذه عقبة الشيطان، وهي إقعاء الكلب والسبع، لا يفعل هذا، لا يقعي كما يقعي الكلب، يعني: ينصب ساقيه وفخذيه، ويعتمد على يديه، هذا الجلوس لا، لكن يفرش اليسرى وينصب اليمنى، ويجعل يديه على فخذيه، أو ركبتيه بين السجدتين وحال التشهد، إلا أنه في حال التشهد يقبض الخنصر والبنصر من يمناه، ويشير بالسبابة، أو يقبض أصابعه كلها، ويشير بالسبابة، هكذا السنة، بين السجدتين يبسطهما على فخذيه، أو على فخذيه وركبتيه، كما ثبت هذا عن النبي عليه الصلاة والسلام.
وكان يختم الصلاة بالتسليم في النهاية بالسلام، كما بدأ بالتكبير يختم بالتسليم، تقدم قوله صلى الله عليه وسلم:«مِفْتَاحُ الصَّلَاةِ الطُّهُورُ، وَتَحْرِيمُهَا التَّكْبِيرُ، وَتَحْلِيلُهَا التَّسْلِيمُ» (2).
(1) أخرج مسلم، كتاب الصلاة، باب ما يجمع صفة الصلاة وما يفتتح به، ويختم به، وصفة الركوع
…
، برقم 498 عن عائشة رضي الله عنها: «
…
كَانَ يَفْرِشُ رِجْلَهُ الْيُسْرَى وَيَنْصِبُ رِجْلَهُ الْيُمْنَى وَكَانَ يَنْهَى عَنْ عُقْبَةِ الشَّيْطَانِ وَيَنْهَى أَنْ يَفْتَرِشَ الرَّجُلُ ذِرَاعَيْهِ افْتِرَاشَ السَّبُعِ وَكَانَ يَخْتِمُ الصَّلَاةَ بِالتَّسْلِيمِ. وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ نُمَيْرٍ عَنْ أَبِي خَالِدٍ وَكَانَ يَنْهَى عَنْ عَقِبِ الشَّيْطَانِ».
(2)
رواه أحمد، 2/ 292، برقم 1006، وأبو داود، برقم 618، والترمذي، برقم 3، وابن ماجه، برقم 275، وتقدم تخريجه في شرح حديث المتن رقم 3.
الصلاة تبدأ بالتكبير، وتختم بالسلام، هذه الصلاة الشرعية: أقوال وأفعال، تبدأ بالتكبير، وتختم بالتسليم، هذه هي الصلاة، ومنها صلاة الجنازة، تبدأ بالتكبير، وتختم بالتسليم.
88 -
عن عبد اللَّه بن عمر رضي الله عنهما: «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَرْفَعُ بيَدَيْهِ (1) حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ، إذَا افْتَتَحَ الصَّلاةَ، وَإِذَا كَبَّرَ لِلرُّكُوعِ، وَإِذَا رَفَعَ رَاسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ رَفَعَهُمَا كَذَلِكَ، وَقَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ، وَكَانَ لا يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي السُّجُودِ» (2).
89 -
عن ابن عباس (3) رضي الله عنهما قال:: قال: رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: «أُمِرْتُ أَنْ أَسْجُدَ عَلَى سَبْعَةِ أَعْظُمٍ، عَلَى الْجَبْهَةِ ــ وَأَشَارَ بِيَدِهِ إلَى أَنْفِهِ ــ وَالْيَدَيْنِ، وَالرُّكْبَتَيْنِ، وَأَطْرَافِ الْقَدَمَيْنِ» (4).
(1) في نسخة الزهيري: «يديه» ، وهي في صحيح البخاري، برقم 735، ومسلم، برقم 390.
(2)
رواه البخاري، كتاب الأذان، باب رفع اليدين في التكبيرة الأولى مع الافتتاح سواء، برقم 735، بلفظ: «أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه
…
»، وبرقم 736، ورقم 738، ورقم 739، ومسلم، كتاب الصلاة، باب استحباب رفع اليدين حذو المنكبين مع تكبيرة الإحرام والركوع، وفي الرفع من الركوع، وأنه لا يفعله إذا رفع من السجود، برقم 390 بلفظ:«رأيت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إذا افتتح الصلاة رفع يديه» ، كل ألفاظ البخاري ومسلم بلفظ:«يديه» ، وليس فيها:«بيديه» ، فلعلها في نسخة عند المؤلف، أو خطأ من الناسخ، واللَّه أعلم.
(3)
في نسخة الزهيري: «عن عبد اللَّه بن عباس» .
(4)
رواه البخاري، كتاب الأذان، باب السجود على سبعة أعظم، برقم 809، ورقم 810، وفي باب السجود على الأنف بلفظه، برقم 812، وفيه:«ولا نكفت الثياب ولا الشعر» ، ومسلم، كتاب الصلاة، باب أعضاء السجود والنهي عن كف الشعر والثوب وعقص الرأس في الصلاة، برقم 230 - (490)، وفيه:«وَلَا نَكْفِتَ الثِّيَابَ وَلَا الشَّعْرَ» ، وفي مسلم، برقم
28 -
(490)، «ولَا أكُفّ ثَوْباً، وَلَا شَعْراً» ، وفي البخاري، برقم 810:«أمرنا أن نسجد على سبعة أعظم، ولا نكف ثوباً، ولا شعراً» .
90 -
18 -
قال الشارح رحمه الله:
هذه الأحاديث الثلاثة كلها تتعلق ببيان صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم ، وقد تقدم أن الواجب على الأمة التأسي به عليه الصلاة والسلام، وأن يصلوا كما صلى؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:«صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلّي» (4)، ومن ذلك أنه «كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ حَيالَ مَنْكِبَيْهِ، إذا افتتح الصَّلاة، وَإِذَا كَبَّرَ لِلرُّكُوعِ،
(1) في نسخة الزهيري: «من الركعة» ، وهي في البخاري، برقم 789.
(2)
«ساجداً» : ليست في نسخة الزهيري، وهي في صحيح مسلم، برقم 28 - (392).
(3)
رواه البخاري، كتاب الأذان، باب التكبير إذا قام من السجود، برقم 789، ومسلم، كتاب الصلاة، باب إثبات التكبير في كل خفض ورفع في الصلاة إلا رفعه من الركوع، فيقول فيه: سمع اللَّه لمن حمده، برقم 28 - (392).
(4)
البخاري، برقم 630، وتقدم تخريجه في شرح حديث المتن رقم 86.
وَإِذَا رَفَعَ رَاسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ» (1)، هكذا رواه ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم متفق على صحته.
زاد في رواية: «ويرفع يديه إذا قام من الثنتين بعد الجلوس» (2) وهكذا جاء من حديث علي (3) وغيره. فدلَّ ذلك على أن السنة للمصلي إماماً، أو مأموماً، أو منفرداً، أن يرفع يديه حيال منكبيه عند الإحرام، إذا كبر عند الإحرام، وإذا ركع، وإذا رفع رأسه من الركوع، وإذا قام إلى الثالثة من الثنتين. هذه أربعة مواضع، يرفع يديه فيها حيال منكبيه، أو حيال أُذنيه، جاء هذا وهذا عن النبي عليه الصلاة والسلام، وربما فعل هذا، وربما فعل هذا.
ولا يفعل هذا في السجود، ما كان يرفع يديه في السجود، لا انخفاضاً ولا رفعاً، ومثل هذا في صلاة الجنازة، يرفع يديه في التكبيرات الأربع، وهو السنة في الأولى والثانية والثالثة والرابعة، يكبر رافعاً يديه حيال منكبيه، أو حيال أُذنيه كما يفعل النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الفريضة.
الثاني حديث ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «أُمِرْتُ أَنْ
(1) رواه البخاري، برقم 735، ومسلم، برقم 390، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 88.
(2)
أخرجه أبو داود، كتاب الصلاة، باب رفع اليدين في الصلاة، برقم 741، وباب من ذكر أنه يرفع يديه إذا قام من الثنتين، برقم 744، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود، 3/ 331.
(3)
أخرجه أبو داود، كتاب الصلاة، باب افتتاح الصلاة، برقم 744، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود، 3/ 331.
أَسْجُدَ عَلَى سَبْعَةِ أَعْظُمٍ: عَلَى الْجَبْهَةِ ــ وَأَشَارَ بِيَدِهِ إلَى أَنْفِهِ ــ وَرُكْبَتَيْهِ، وَأَطْرَافِ الْقَدَمَيْنِ، وَالْيَدَيْنِ» (1)، هذه سبعة: الوجه مع الأنف، الجبهة مع الأنف واحد، والكفين يبسطهما على الأرض ويرفع ذراعيه، والركبتين هذه خمسة، وأطراف القدمين يعني أطراف الأصابع: أصابع الرجلين، يعتمد عليها، هذا هو السنة، هذه سبعة، والسجود على الأعضاء السبعة فرض لا بد منه؛ لأن الأمر يقتضي الوجوب، «أُمِرْتُ» والأمر له أمرٌ للأمة، وقد قال عليه الصلاة والسلام:«صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلّي» (2)، فالواجب على المصلي في الفريضة والنافلة أن يسجد على سبعة الأعظم، يعني على هذه الأعضاء السبعة: وجهه: يعني جبهته وأنفه، وعلى كفيه، وعلى ركبتيه، وعلى أطراف قدميه، يعني: أصابع قدميه، وهذا للرجال والنساء جميعاً، تعمُّ الرجال والنساء جميعاً، ليس خاصاً بالرجال؛ بل هذا للجميع، وهكذا.
الحديث الثالث: حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وهو عبدالرحمن بن صخر الدوسي من دوس، يُخبِّر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا قام إلى الصلاة كبَّر أول ما يقوم، هذه تكبيرة الإحرام، وهي الأولى، هذه فريضة، لا بد منها عند جميع أهل العلم، لا بد من التكبيرة الأولى
(1) رواه البخاري، برقم 809، ومسلم، برقم 230 - (490)، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 91.
(2)
البخاري، برقم 630، وتقدم تخريجه في شرح حديث المتن رقم 86.
بنية الصلاة: «اللَّه أكبر» ويقال لها تكبيرة الإحرام، وفي الحديث «تَحْرِيمُهَا التَّكْبِيرُ، وَتَحْلِيلُهَا التَّسْلِيمُ» (1)، وهذه لا بد منها في الفرض والنفل، ثم يكبر ثانية حين يركع، ثم يقول «سمع اللَّه لمن حمده» حين يرفع من الركوع، ثم بعد أن يستوي يقول:«ربنا ولك الحمد» ، أو «اللَّهم ربنا لك الحمد» ، وجاء في الأحاديث الأخرى أنّه يزيد: «مِلْءَ السَّمَوَاتِ، وَمِلْءَ الأَرْضِ، وَمِلْءَ مَا بَيْنَهُمَا، وَمِلْءَ مَا شِئْتَ مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ
…
» (2)، وجاء في الحديث الآخر أنه يقول:««رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ» (3) ، «مِلْءَ السَّمَوَاتِ، وَمِلْءَ الأَرْضِ، وَمِلْءَ مَا بَيْنَهُمَا، وَمِلْءَ مَا شِئْتَ مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ
…
» (4).
هذا كله من كمال الحمد، والواجب: ربنا ولك الحمد، أو اللَّهم ربنا ولك الحمد، والباقي من كمال السنة، وزاد في رواية:«أَهْلَ الثَّنَاءِ وَالْمَجْدِ (يعني يا أهل الثناء والمجد) أَحَقُّ مَا قَالَ الْعَبْدُ، وَكُلُّنَا لَكَ عَبْدٌ، اللَّهُمَّ لَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ، وَلَا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ، وَلَا يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْكَ الْجَدُّ» (5)، كل هذا جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم، حال انتصابه بعد الركوع، والمأموم والمنفرد، كذلك المأموم يأتي بهذا، إلا إذا انحط
(1) رواه أحمد، 2/ 292، برقم 1006، وأبو داود، برقم 618، والترمذي، برقم 3، وابن ماجه، برقم 275، وتقدم تخريجه في شرح حديث المتن رقم 87.
(2)
مسلم، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب الدعاء في صلاة الليل وقيامه، برقم 771.
(3)
البخاري، برقم 799، وتقدم تخريجه في شرح حديث المتن رقم 87.
(4)
مسلم، برقم 771، وتقدم تخريجه في شرح حديث المتن رقم 87.
(5)
مسلم، برقم 478، وتقدم تخريجه في شرح حديث المتن رقم 87.
الإمام ساجداً تبعه، ولو ما تمم هذا الشيء، ثم يكبر حين يهوي ساجداً، ولا يرفع يديه، يكبر دون رفع يديه، ثم يكبر حين يرفع رأسه من السجدة الأولى، ثم يكبر للسجدة الثانية، ثم يكبر حين يرفع رأسه من السجدة الثانية، وهكذا في جميع صلاته حتى يقضيها، يكبر لكل خفض ورفع، وهكذا يجب على المأمومين والمنفرد أن يصلي كما صلى النبي عليه الصلاة والسلام:«صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلّي» (1).
ويقول بين السجدتين: (رب اغفر لي، رب اغفر لي، رب اغفر لي، اللَّهم اغفر لي، وارحمني، واهدني واجبرني، وارزقني وعافني) يدعو ويقول في الركوع: «سبحان ربي العظيم، سبحان ربي العظيم، سبحان ربي العظيم، سبحانك اللَّهم ربنا وبحمدك، اللَّهم اغفر لي، سبوح قدوس رب الملائكة والروح، سبحان ذي الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمة» كل هذا جاء في الركوع، وهكذا السجود يقول مثل ذلك، إلا أنه يقول في السجود:«سبحان ربي الأعلى» بدل «سبحان ربي العظيم» يقول في السجود: سبحان ربي الأعلى، سبحان ربي الأعلى، سبحان ربي الأعلى؛ فإن السجود حال ذل وانخفاض، يناسب أن يقول: سبحان ربي الأعلى. لأنه سبحانه العالي فوق خلقه، فيقول: سبحان ربي الأعلى، يكررها ثلاثاً أو أكثر، ويقول: سبحانك اللَّهم ربنا وبحمدك، اللَّهم اغفر لي، ويقول سبحان ذي الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمة، سبوح
(1) البخاري، برقم 630، وتقدم تخريجه في شرح حديث المتن رقم 86.
قدوس رب الملائكة والروح، يقول ما يتيسر من ذلك، ويدعو في السجود، والدعاء في السجود حري بالإجابة في الفرض والنفل؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:«أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ، فَأَكْثِرُوا الدُّعَاءَ» (1)، يستحب إكثار الدعاء في السجود، لأنه حالة خضوعٍ، وَذُلٍّ، وانكسارٍ، فناسب فيه الدعاء.
91 -
92 -
عن البراء بن عازب رضي الله عنهما قال: «رَمَقْتُ الصَّلاةَ مَعَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، فَوَجَدْتُ قِيَامَهُ، فَرَكْعَتَهُ، فَاعْتِدَالَهُ بَعْدَ رُكُوعِهِ، فَسَجْدَتَهُ، فَجِلْسَتَهُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ، فَسَجْدَتَهُ فَجِلْسَتَهُ مَا بَيْنَ التَّسْلِيمِ وَالانْصِرَافِ: قَرِيباً مِنَ السَّوَاءِ» (4).
(1) مسلم، برقم 482، وتقدم تخريجه في شرح حديث المتن رقم 87.
(2)
في نسخة الزهيري: «صليت خلف عليِّ بن أبي طالب أنا وعمران بن حصين» فيها تقديم وتأخير، وهي في البخاري، برقم 786، والذي في المتن في البخاري، برقم 826.
(3)
رواه البخاري، كتاب الأذان، باب إتمام التكبير في السجود، برقم 786، ومسلم، كتاب الصلاة، باب إثبات التكبير في كل خفض ورفع في الصلاة، إلا رفعه من الركوع فيقول فيه: سمع اللَّه لمن حمده، برقم 393.
(4)
رواه البخاري، كتاب الأذان، باب حد إتمام الركوع، والاعتدال فيه، والطمأنينة، برقم 792، ومسلم، كتاب الصلاة، باب اعتدال أركان الصلاة، وتخفيفها في تمام، برقم 471، واللفظ له.
وفي رواية البخاري: «مَا خَلا الْقِيَامَ وَالْقُعُودَ: قَرِيباً مِنَ السَّوَاءِ» (1).
93 -
عن ثابت البناني عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: «إنِّي لا آلُو أَنْ أُصَلِّيَ بِكُمْ كَمَا كَانَ (2) رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي بِنَا ــ قَالَ ثَابِتٌ: ــ فَكَانَ أَنَسٌ يَصْنَعُ شَيْئاً لا أَرَاكُمْ تَصْنَعُونَهُ، كَانَ إذَا رَفَعَ رَاسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ، انْتَصَبَ قَائِماً، حَتَّى يَقُولَ الْقَائِلُ: قَدْ نَسِيَ، وَإِذَا رَفَعَ رَاسَهُ مِنَ السَّجْدَةِ، مَكَثَ، حَتَّى يَقُولَ الْقَائِلُ: قَدْ نَسِيَ» (3).
19 -
قال الشارح رحمه الله:
[
…
] (4) ونحن مأمورون بالتأسي به، وأن نصلي كما صلى، كما قال اللَّه:{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} (5)، وفي صحيح البخاري رحمه الله عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال:«صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلّي» (6).
في حديث عمران بن حصين عن عَلِيِّ أنه كان صلى بهم مثل
(1) البخاري، برقم 792
(2)
في نسخة الزهيري: «كما رأيت» ، وهي في البخاري، برقم 821، ومسلم، برقم 472.
(3)
رواه البخاري، كتاب الأذان، باب الطمأنينة حين يرفع رأسه من الركوع، برقم 800، ومسلم، كتاب الصلاة، باب اعتدال أركان الصلاة، وتخفيفها في تمام، برقم 472، واللفظ له.
(4)
سقط كلمات من آخر الوجه الأول من الشريط الرابع، ولم أجدها في تسجيل مؤسسة الشيخ، ولا في غيرها.
(5)
سورة الأحزاب، الآية:21.
(6)
البخاري، برقم 630، وتقدم تخريجه في شرح حديث المتن رقم 86.
صلاة النبي صلى الله عليه وسلم. وَقَالَ عمران: قَدْ ذَكَّرَنِي هَذَا صَلاةَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم كَانَ عليٌّ إذَا سَجَدَ كَبَّرَ، وَإِذَا رَفَعَ كَبَّرَ، وَإِذَا قام مِنَ الثنتين بعد الجلوس إلى الثالثة كَبَّرَ (1).
وتقدم أن أبا هريرة رضي الله عنه قد أخبر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكبر في كل خفض ورفع، يكبر عند الإحرام، يكبر عند الركوع وإذا رفع من الركوع قال:«سمع اللَّه لمن حمده» ، وإذا هوى ساجداً كبر، وإذا رفع من السجدة كبر، وإذا سجد للثانية كبر، وإذا رفع كبر، حتى قضى صلاته عليه الصلاة والسلام (2).
هذا هو المشروع: هذه التكبيرات تكبيرات النقل مشروعة بإجماع المسلمين: للإمام، والمأموم، والمنفرد، وإنما الخلاف في وجوبها هل تجب أم لا تجب؟
أما الأولى: تكبيرة الإحرام هذه فرض عند الجميع، وهي تكبيرة الإحرام لا تنعقد الصلاة إلا بها.
وأما التكبيرات الأخرى كتكبيرة الركوع والسجود (3): [فذهب أكثر الفقهاء إلى عدم وجوبها؛ لأن الواجب عندهم من أعمال الصلاة ما ذكر في حديث المسيء في صلاته، وهذه التكبيرات لم
(1) رواه البخاري، برقم 786، ومسلم، برقم 393، وتقدم تخريجه في حديث المتن رقم 91.
(2)
انظر: البخاري، برقم 789، ومسلم، برقم 28 - (392)، وتقدم تخريجه في حديث المتن رقم 91.
(3)
آخر الوجه الأول من الشريط الرابع، وسقط ما يقارب ثمانية أسطر ما بين المعقوفين الآتيين وزيادة، وكذلك لم أجدها في أصول مؤسسة الشيخ رحمه الله.
تذكر فيه، وذهب الإمام أحمد وداود الظاهري إلى وجوب تكبيرات الانتقال مستدلين بإدامة النبي صلى الله عليه وسلم لها وقوله:«صلوا كما رأيتموني أُصلي» وأمره في حديث المسيء] (1)(2).
وفي حديث البراء بن عازب الأنصاري رضي الله عنه وعن أبيه قال: «رَمَقْتُ الصَّلاةَ مَعَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، فَوَجَدْتُ قِراءتَهُ، فَرَكْعَتَهُ، فَاعْتِدَالَهُ بَعْدَ الرُّكُوعِ، فَسَجْدَتَهُ، فَجِلْسَتَهُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ، وَجِلْسَتَهُ بَيْنَ التَّسْلِيمِ وَالانْصِرَافِ: قَرِيباً مِنَ السَّوَاءِ» (3)، وفي رواية البخاري:«ما خلا القيام والقعود» (4)، هذا يدل على أن صلاته عليه الصلاة والسلام كانت معتدلة متقاربة إذا طوّل في القراءة طوّل في الركوع والسجود، وإذا خفّف القراءة خفّف الركوع والسجود، لكن مع التمام، صلاته تامة، ولهذا قال أنس رضي الله عنه فيما صح عنه:«مَا صَلَّيْتُ خَلْفَ إِمَامٍ أتَمَّ صَلَاةً وَلاً أَخَفَّ مِنْ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم» (5)، والمعنى: كانت صلاته
(1) ما بين المعقوفين ليس في أول الوجه الثاني من الشريط الرابع، وراجعت أصول مؤسسة الشيخ، فلم أجدها أيضاً في الشريط الرابع، ووجدته في الأصل الخطي المفرَّغ لشرح سماحة الشيخ رحمه الله لعمدة الأحكام فأثبته.
(2)
أول الوجه الثاني من الشريط الرابع.
(3)
رواه البخاري، برقم 792، ومسلم برقم 471، واللفظ له، وتقدم تخريجه في حديث المتن رقم 92.
(4)
رواه البخاري، برقم 792، وتقدم تخريجه في حديث المتن رقم 92.
(5)
رواه البخاري بنحوه، برقم 708، ومسلم، برقم 469، وسيأتي تخريجه برقم 94 من أحاديث المتن، وهذا أخرجه أحمد، 21/ 117، برقم 13445، بلفظ:«مَا صَلَّيْتُ خَلْفَ إِمَامٍ أَخَفَّ صَلَاةً مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَلَا أَتَمَّ» ، وابن حبان، 5/ 510، برقم 2138، والمقدسي في المختارة، 2/ 456، برقم 2141، وصححه محققو المسند، 21/ 117، والألباني في التعليقات الحسان، 4/ 35.
- عليه الصلاة والسلام تخفيفاً في تمام.
قوله: «ما خلا القيام والقعود» يعني القيام أطول، والقعود للتشهد أطول التشهد الأخير أطول بعض الشيء، فصلاته متقاربة، والسنة للإمام والمنفرد أن يكون هكذا، تكون صلاته متقاربة، تأسياً بالنبي عليه الصلاة والسلام ، فيعتدل في الركوع والسجود يطمئن، وهكذا الاعتدال بعد الركوع يعتدل يطمئن، وكان بين السجدتين يعتدل ويطمئن، وتكون هذه الجَلَسَاتُ مع السَّجَدَاتِ متقاربة، وهكذا قيامه من الركوع، واعتداله بعد الركوع متقارب، إن طول القيام طول في الركوع والسجود، والاعتدال بعد الركوع، والجلسة بين السجدتين، وإن لم يطوِّل في القيام فهكذا في الركوع والسجود حتى تكون الصلاة معتدلة متقاربة متناسقة، ولكن يجب الحذر من النقر والتخفيف، الذي يخل بها، هذا لا يجوز؛ لأنه خلاف الطمأنينة: والطمأنينة لا بد منها في هذه العبادة، في ركوعه وسجوده واعتداله بعد الركوع وبين السجدتين، لا بد من الطمأنينة وعدم العجلة، ولهذا ذكر أنس رضي الله عنه أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يفعل شيئاً في الصلاة ما رأى الناس يفعلونه، ثم بين ما رأى، وهو أنه كان إذا رفع رأسه من الركوع اعتدل حتى يقول القائل: قد نسي، يعني يطول تطويلاً بيّناً، ويطمئن اطمئناناً بيِّناً، وهكذا بين السجدتين، يعتدل ولا يعجل،
حتى يقول القائل: قد نسي، هذا يبيّن لنا أنه كان يطول بعد الركوع وبين السجدتين حتى يفصل بين الركوع والسجود، حتى يفصل بين السجدتين فصلاً واضحاً فيه طمأنينة، وفيه اعتدال، هكذا يشرع للمسلمين أن يفعلوا، هكذا.
والمأموم تبع لإمامه: إن طول إمامه طول، وإن خفف إمامه خفف، تبعاً للإمام، لكن لا يجوز له أن يصلي مع إمام ينقر الصلاة لا؛ لأن من نقرها بطلت صلاته؛ ولأنه لا يطمئن في ركوعها وسجودها؛ ولهذا لما رأى النبي رجلاً لا يطمئن في ركوعه، ولا في سجوده، أمره بالإعادة، وقال:«ارْجِعْ فَصَلِّ، فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ» ، حتى فعلها «ثَلَاثًا ثم قَالَ: يا رسول اللَّه، وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ، مَا أُحْسِنُ غَيْرَ هذا فَعَلِّمْنِي، فعلمه النبي صلى الله عليه وسلم كيف يفعل، فقَالَ:«إِذَا قُمْتَ إِلَى الصَّلَاةِ فَأَسْبِغِ الْوُضُوءَ، ثُمَّ اسْتَقْبِلْ الْقِبْلَةَ، ثمَّ كَبِّرْ، ثُمَّ اقْرَا بِمَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ» ، وفي اللفظ الآخر:«ثم اقرأ بِأُمِّ الْقُرْآنِ، وبما شاء اللَّه، ثُمَّ ارْكَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ رَاكِعًا، ثُمَّ ارْفَعُ حَتَّى تَعْتَدِلَ قَائِمًا، ثم اسْجُدُ حَتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِدًا، ثُمَّ ارْفَعُ حَتَّى تَطْمَئِنَّ جَالِسًا، ثم اسجد حتى تطمئن ساجداً، ثُمَّ افْعَلُ ذَلِكَ فِي صَلَاتِكَ كُلِّهَا» (1)، فعلمه النبي
(1) رواه بنحوه البخاري، كتاب الأذان، باب أمر النبي صلى الله عليه وسلم الذي لا يتم ركوعه بالإعادة، برقم 757، وكتاب الاستئذان، باب من رد فقال عليك السلام، برقم 6251، و6252، ومسلم، كتاب الصلاة، باب وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة، وإنه إذا لم يحسن الفاتحة ولا أمكنه تعلمها قرأ ما تيسر له من غيرها، برقم 397، والبيهقي في السنن الكبرى، 2/ 373.
كيف يصلي، وأنه لا بد من طمأنينة.
94 -
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: «مَا صَلَّيْتُ وَرَاءَ إمَامٍ قَطُّ أَخَفَّ صَلاةً، وَلا أَتَمَّ صّلاةً مِنْ رَسُولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم (1)» (2).
95 -
عن أبي قلابة - عبد اللَّه بن زيد - الجرمي البصري قال: «جَاءَنَا مَالِكُ بْنُ الْحُوَيْرِثِ فِي مَسْجِدِنَا هَذَا، فَقَالَ: إنِّي لأُصَلِّي بِكُمْ، وَمَا أُرِيدُ الصَّلاةَ، أُصَلِّي كَيْفَ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي، فَقُلْتُ لأَبِي قِلابَةَ: كَيْفَ كَانَ يُصَلِّي؟ قَالَ: مِثْلَ صَلاةِ شَيْخِنَا هَذَا، وَكَانَ يَجْلِسُ إذَا رَفَعَ رَاسَهُ مِنَ السُّجُودِ قَبْلَ أَنْ يَنْهَضَ في الركعة الأولى (3)» .
أراد بشيخِهم: أَبا بُرَيد، عمرو بنَ سَلِمَة الجرمي (4) ــ ويقال: أبو يزيد (5).
96 -
عن عبد اللَّه بن مالك ــ ابن بُحينة ــ رضي الله عنه: «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ إذَا صَلَّى فَرَّجَ بَيْنَ يَدَيْهِ، حَتَّى يَبْدُوَ بَيَاضُ إبْطَيْهِ» (6).
(1) في نسخة الزهيري: «من النبي صلى الله عليه وسلم» .
(2)
رواه البخاري، كتاب الأذان، باب الإيجاز في الصلاة وإكمالها، برقم 708، ومسلم، كتاب الصلاة، باب أمر الأئمة بتخفيف الصلاة في تمام، برقم 190 - (469)، واللفظ له.
(3)
رواه البخاري، كتاب الأذان، باب من صلى بالناس وهو لا يريد إلا أن يعلمهم صلاة النبي صلى الله عليه وسلم وسنته، برقم 677، ورقم 802، ورقم 818، ورقم 824، ومسلم، بنحوه، كتاب الصلاة، باب استحباب رفع اليدين حذو المنكبين مع تكبيرة الإحرام والركوع
…
برقم 391.
(4)
البخاري، برقم 824.
(5)
من قوله: «في الركعة الأولى» إلى: «ويقال: أبو يزيد» ليست في نسخة الزهيري.
(6)
رواه البخاري، كتاب الصلاة، باب يبدي ضبعيه، ويجافي في السجود، برقم 390، بلفظه، ومسلم، كتاب الصلاة، باب الاعتدال في السجود، ووضع الكفين على الأرض، ورفع المرفقين عن الجنبين، ورفع البطن عن الفخذين في السجود، برقم 495.
20 -
قال الشارح رحمه الله:
هذه الأحاديث الثلاثة كلها تتعلق ببيان صفة صلاة النبي عليه الصلاة والسلام؛ لأن اللَّه شرع لنا التأسي به، بقوله جل وعلا:{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} (1)؛ ولأنه صلى الله عليه وسلم قال: «صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلّي» (2)؛ ولهذا بين الصحابة رضي الله عنهم صفة صلاته عليه الصلاة والسلام؛ ليَعْلَمَهَا الناس؛ وليأخذوا بها، وليتأسوا به عليه الصلاة والسلام فيها، ومن ذلك قول أنس في هذا الحديث، يقول رضي الله عنه:«مَا صَلَّيْتُ خَلْفَ أَحَدٍ أتَمَّ صَلَاةً، وَلا أَخَفَّ صَلاةً مِنَ النَّبيِّ عليه الصلاة والسلام» (3)، يعني كانت صلاته تخفيفاً في تمام، فلم يكن يطول على الناس تطويلاً يشق عليهم، ولم يكن يعجِّل وينقر، ولكن صلاته متوسطة بين الطول المتعب وبين التقصير المخل، وهكذا ينبغي للأئمة أن يصلوا صلاة يتأسون فيها بالنبي الكريم عليه الصلاة والسلام ، فيطمئنوا ويركدوا في القراءة، والركوع، والسجود، والاعتدال بعد الركوع، والاعتدال بين السجدتين، هكذا كان عليه الصلاة والسلام إذا ركع اطمأن حتى يرجع كل فقار إلى مكانه، ويقول:«سبحان ربي العظيم، سبحان ربي العظيم» ، يكرر ذلك،
(1) سورة الأحزاب، الآية:21.
(2)
البخاري، برقم 630، وتقدم تخريجه في شرح حديث المتن رقم 86.
(3)
رواه البخاري، برقم 708، ومسلم، برقم 469، وتقدم تخريجه في شرح حديث المتن رقم 93.
ويقول: «سبحانك اللَّهم ربنا وبحمدك، اللَّهم اغفر لي» ، ويقول:«سبوح قدوس رب الملائكة والروح» .
فالمؤمن يطمئن لا يعجل: ثلاث تسبيحات، أربع تسبيحات، خمس تسبيحات، سبع تسبيحات، حول هذا مع:«سبحانك اللَّهم ربنا وبحمدك، اللَّهم اغفر لي» ، مع الطمأنينة والركود، ويجعل كفيه على ركبتيه، هذا السنة، ويفرج أصابعهما على ركبتيه، هذا السنة، ويصبر ويحني ظهره حتى يستوي مع رأسه، هذا الأفضل، هذا هو الكمال، والمجزئ تسبيحة واحدة مع أدنى الركوع كونه يطيل ويطمئن طمأنينة كافية، حتى يرجع كل فقار إلى مكانه، هذا هو الكمال، وإلا فالمجزئ أقل في الطمأنينة مع الركود، وهكذا إذا اعتدل بعد الركوع، اطمأن ولم يعجل، وقد تقدم قول عائشة رضي الله عنها: أن النبي كان إذا اعتدل بعد الركوع يطيل حتى يقول القائل: قد نسي. وهكذا بين السجدتين: لا يعجل يطمئن ويعتدل، يقول: رب اغفر لي، رب اغفر لي، ويدعو، قال أنس رضي الله عنه:«كان النبي إذا جلس بين السجدتين اطمأن، حتى يقول القائل: قد نسي» (1)،
وهكذا في السجود يطمئن: «سبحان ربي الأعلى، سبحان ربي الأعلى» ، الواجب مرة لكن يكررها ثلاثاً، أو أكثر مع الدعاء، كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو في سجوده، ويقول صلى الله عليه وسلم: «أَمَّا الرُّكُوعُ فَعَظِّمُوا
(1) أخرج البخاري، كتاب الأذان، باب المكث بين السجدتين، برقم 821:«عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: إِنِّي لَا آلُو أَنْ أُصَلِّيَ بِكُمْ كَمَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي بِنَا، قَالَ ثَابِتٌ: كَانَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ يَصْنَعُ شَيْئًا لَمْ أَرَكُمْ تَصْنَعُونَهُ، كَانَ إِذَا رَفَعَ رَاسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ قَامَ حَتَّى يَقُولَ الْقَائِلُ قَدْ نَسِيَ، وَبَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ حَتَّى يَقُولَ الْقَائِلُ قَدْ نَسِيَ» ، وهو في مسلم، كتاب الصلاة، باب اعتدال أركان الصلاة، وتخفيفها في تمام، برقم 472 ..
فِيهِ الرَّبَّ عز وجل، وَأَمَّا السُّجُودُ فَاجْتَهِدُوا فِي الدُّعَاءِ، فَقَمِنٌ أَنْ يُسْتَجَابَ لَكُمْ» (1)، أي حري أن يستجاب لكم، ويقول عليه الصلاة والسلام:«أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ، فَأَكْثِرُوا الدُّعَاءَ» (2)، و «كَانَ إِذَا سَجَدَ اعتدل في السجود وفَرَّجَ بَيْنَ يَدَيْهِ حَتَّى يَبْدُوَ بَيَاضُ إِبْطَيْهِ» كما في حديث ابن بحينة (3)
، فكان يرفع بطنه عن فخذيه، وفخذيه عن ساقيه، ويعتدل في السجود، ولا يضم بعضه إلى بعض، بل يعتدل ويجافي بعضديه عن جنبيه، وبطنه عن فخذيه، وفخذيه عن ساقيه، ويعتمد على بطون الأصابع في رجليه، ويبسط يديه على الأرض، ممدودة الأصابع ضاماً بعضها إلى بعض، ممدودة حيال منكبيه، أو حيال أُذنيه تارة وتارة، عليه الصلاة والسلام هكذا في السجود، وكان إذا نهض إلى الرابعة من الثالثة أو من الأولى إلى الثانية، لم ينهض حتى يستوي قاعداً، [كما] في حديث مالك بن الحويرث، صلى بهم مالك مثل صلاة النبي صلى الله عليه وسلم، وذكر لهم أنه كان إذا نهض من السجدة الثانية جلس قليلاً، ثم ينهض إلى الرابعة، وهكذا بعد الأولى إلى الثانية، هذه تسمى عند العلماء «جلسة الاستراحة» جلسة خفيفة، ليس فيها دعاء، وليس فيها ذكر، وإنما هي
(1) مسلم، برقم 479، وتقدم تخريجه في شرح حديث المتن رقم 87.
(2)
مسلم، برقم 482، وتقدم تخريجه في شرح حديث المتن رقم 87.
(3)
رواه ابن حبان، 5/ 247، برقم 1919، دون جملة:«اعتدل في السجود» ، وصححه الأرنؤوط في تعليقه على ابن حبان، 5/ 247، والألباني في التعليقات الحسان،
3 -
/ 372، وبنحوه البخاري، برقم 390، ومسلم، برقم 495، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 88.
جلسة خفيفة مثل جلوسه بين السجدتين، فيفترش بين السجدتين، ثم ينهض، ولا يطول جلسة خفيفة صفتها في الجلوس مثل الجلسة بين السجدتين، لكن ما يطيل بها، كما يطيل في الجلسة بين السجدتين، لا جلسة خفيفة، ليس فيها ذكر ولا دعاء، ثم ينهض، بعض أهل العلم خص هذا بكبير السن والمريض، قالوا: إن الرسول فعل هذا بعدما بدُن بعدما ثقل، والصواب أنها سنة مطلقاً؛ لأنها مذكورة في صفة صلاته عليه الصلاة والسلام لكنها خفيفة ليس فيها طول، ولا ذكر، ولا دعاء بعد الأولى، بعد الثالثة يعني بعد الأولى في كل صلاة، وبعد الثالثة في الرباعية.
97 -
عن أبي مسلمة - سعيد بن يزيد - قال: «سَأَلْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ، أَكَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي فِي نَعْلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ» (1).
98 -
عن أبي قتادة الأنصاري رضي الله عنه: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُصَلِّي وَهُوَ حَامِلٌ أُمَامَةَ بِنْتَ زَيْنَبَ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم» (2).
99 -
ولأبي العاص بن الربيع بن عبد شمس: «فَإِذَا سَجَدَ وَضَعَهَا، وَإِذَا قَامَ حَمَلَهَا» (3).
(1) رواه البخاري، كتاب الصلاة، باب الصلاة في النعال، برقم 386، بلفظه، ومسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب جواز الصلاة في النعلين، برقم 555.
(2)
رواه البخاري، كتاب الصلاة، باب إذا حمل جارية صغيرة على عنقه في الصلاة، برقم 516، بلفظه، ومسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب جواز حمل الصبيان في الصلاة، برقم 543.
(3)
رواه البخاري، برقم 516، ومسلم، برقم 543، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 98.
100 -
عن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «اعْتَدِلُوا فِي السُّجُودِ، وَلا يَبْسُطْ أَحَدُكُمْ ذِرَاعَيْهِ انْبِسَاطَ الْكَلْبِ» (1).
21 -
قال الشارح رحمه الله:
هذه الأحاديث الثلاثة في صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم، وسبق أن المشروع لنا هو التأسي به صلى الله عليه وسلم في صلاته وفي قيامه وحجه وغير ذلك من شؤون العبادات؛ كما قال اللَّه عز وجل:{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} (2)؛ ولقوله صلى الله عليه وسلم: «صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلّي» (3)؛ فلهذا عُنِيَ الصحابة ببيان صفة صلاته صلى الله عليه وسلم ، ونقلها عنهم التابعون، ثم هكذا من أئمة الهدى، حتى وصلت إلينا، ومن ذلك حديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان «يُصَلِّي فِي نَعْلَيْهِ» (4)،
هذا يدل على شرعية الصلاة بالنعلين، وأنه لا حرج في ذلك، ومن هذا حديث أبي سعيد رضي الله عنه: أَنَّ النبي صلى الله عليه وسلم «كان يصَلي ذات يومٍ فَخَلَعَ نَعْلَيْهِ، وهو في الصلاة، فَخَلَعَ النَّاسُ نِعَالَهُمْ، فَلَمَّا سلَّم سألهُم عن ذلك، قَالُوا: رَأَيْنَاكَ خَلَعْتَ نعلَيْكَ فَخَلَعْنَا
(1) رواه البخاري، كتاب الأذان، باب لا يفترش ذراعيه في السجود، برقم 822، واللفظ له، ومسلم، كتاب الصلاة، باب الاعتدال في السجود، ووضع الكفين على الأرض، ورفع المرفقين عن الجنبين، ورفع البطن عن الفخذين في السجود، برقم 493.
(2)
سورة الأحزاب، الآية:21.
(3)
البخاري، برقم 630، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن 86.
(4)
رواه البخاري، برقم 386، ومسلم، برقم 555، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 97 ..
نِعَالَنا، قَالَ: إِنَّ جِبْرِائيلَ أَتَانِي فَأَخْبَرَنِي أَنَّ فيهِمَا قَذَراً، فخلعتهما، فَإِذَا أتَى أَحَدُكُمُ الْمَسْجِدَ، فَلْيَنْظرْ: فَإِنْ رَأَى في نعليه أذىً فَلْيَمسَحْهُ، ثُمَّ يُصَلِّي فِيهِمَا» (1)، وهذا يدل على أن من أراد الدخول في المسجد ينظر في نعليه، ويقلبها ويزيل ما بها من أذى، بحكها في التراب، إذا كان بها شيء حتى يزول ما بها من أذى، ويصلي فيها، وأنه لا حرج في ذلك، ومن ذلك: الأخفاف التي في الرجلين.
لكن إذا كانت المساجد مفروشة مثل الآن، مثل ما وقع أخيراً، كانت المساجد في العهد الأول، وقبل سنوات بالحصباء أو الرمل والتراب، ليس فيها فرش، أما الآن لما فرشت فقد تتأثر بالنعال، وتتأثر بالأخفاف، فإذا تيسر أن يحفظها في محل مناسب حتى لا يؤثر على الفرش، وحتى لا يكدر على المصلين بشيء من الأوساخ، ولاسيما وأكثر الناس لا يبالون بالنعال، ولا يعتنون بها، ولا ينظرونها عند الدخول؛ فلهذا صار خلعهم لها في محل يحفظها، حتى يكون ذلك أسلم للمسجد، وهذا يكون في هذا الوقت أولى وأحوط لأمرين:
أحدهما: ما حصل من الفرش التي تتأثر بكل شيء.
(1) روى الإمام أحمد، 17/ 242، برقم 11153:«عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ: أَنَّ رَسُولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم صَلَّى فَخَلَعَ نَعْلَيْهِ، فَخَلَعَ النَّاسُ نِعَالَهُمْ، فَلَمَّا انْصَرَفَ، قَالَ: لِمَ خَلَعْتُمْ نِعَالَكُمْ؟ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، رَأَيْنَاكَ خَلَعْتَ فَخَلَعْنَا، قَالَ: إِنَّ جِبْرِيلَ أَتَانِي فَأَخْبَرَنِي أَنَّ بِهِمَا خَبَثًا، فَإِذَا جَاءَ أَحَدُكُمُ الْمَسْجِدَ، فَلْيَقْلِبْ نَعْلَهُ، فَلْيَنْظُرْ فِيهَا، فَإِنْ رَأَى بِهَا خَبَثًا فَلْيُمِسَّهُ بِالأَرْضِ، ثُمَّ لِيُصَلِّ فِيهِمَا» . وابن خزيمة، 2/ 107، والحاكم، 1/ 260، وبنحوه أبو داود، كتاب الصلاة، باب الصلاة في النعل، برقم 650، وصحح إسناده محققو المسند، 17/ 243، على شرط مسلم، والألباني في إرواء الغليل، 1/ 314.
والأمر الثاني: أن أكثر الناس لا يبالي ولا يعتني، ولا يتحفظ، بل قد يدوس الأذى، ويدخل فيقذر على الناس فرشهم، وينفرهم من الصلاة في الجماعة، أما في العهد الأول كانت الفرش غير موجودة، كانوا يصلون على الحصباء والرمل، وهذه تتحمل أكثر، تتحمل من الغبار ما لا تتحمله الفرش.
وفي كل حال إذا كانت سليمة فالصلاة فيها جائزة، ولا حرج فيها مطلقاً، بل هي الأفضل إذا كانت سليمة، لقوله صلى الله عليه وسلم:«الْيَهُودَ والنصارى لَا يُصَلُّونَ فِي نِعَالِهِمْ وَلَا خِفَافِهِمْ فخَالِفُوهم» (1)، فهو من مخالفة أهل الكتاب.
وفيه من الدلالة على أن الدين فيه فسحة، وأنه ليس فيه حرج، والإنسان قد يحتاج للخفين، يلبسهما في الشتاء، ويمسح عليهما، ولا يستطيع خلعهما؛ لأنه إذا خلعهما بطل وضوؤه فيصلي فيهما ولو كان فيها فرش يعتني بهما عند الدخول، ويلاحظهما عند الدخول حتى لا يكون فيهما أذى ويصلي فيهما كما فعله النبي صلى الله عليه وسلم.
والحديث الثاني: حديث أبي قتادة الحارث الربعي الأنصاري رضي اللَّه تعالى عنه: «أَنَّ النبي عليه الصلاة والسلام كَانَ يُصَلِّي وَهُوَ حَامِلٌ
(1) انظر: سنن أبي داود، كتاب الصلاة، باب الصلاة في النعل، برقم 652، ومسند البزار، 8/ 405، برقم 3480، وصحيح ابن حبان، 5/ 561، برقم 2186، والحاكم في المستدرك، 1/ 259، وصححه ووافقه الذهبي، والطبراني في المعجم الكبير، 7/ 290، برقم 7165، كلها بذكر اليهود، ودون ذكر للنصارى، وصححه الشيخ الألباني في التعليقات الحسان على صحيح ابن حبان،4/ 59.
أُمَامَةَ بِنْتَ زَيْنَبَ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم» (1)، وهي ابنة أبي العاص بن الربيع بن عبد شمس، كان «إِذَا سَجَدَ وَضَعَهَا، وَإِذَا قَامَ حَمَلَهَا» (2).
هذا يدل على جواز مثل هذا في الصلاة، وأنه لا حرج أن يصلي الإنسان وهو حامل بعض أولاده، إذا سجد وضعه في الأرض، وإذا قام حمله، فعله النبي ليبين الجواز، يبين لأمته أن مثل هذا يجوز قد تدعو له الحاجة، قد تكون الأم ما عندها من يحفظ أولادها، وقد يشقون عليها ويمنعونها من الصلاة، إلا أن تحمل أحدهم، فإذا حملته أو حمله أبوه فلا بأس بذلك، يضعه عند السجود حتى يتمكن من السجود، ثم يحمله، ولكن يلاحظ بذلك أن لا يكون نجساً، يكون بدنه طاهراً وثيابه طاهرةً نظيفة حتى لا يحمل النجاسة.
والثالث: حديث أنس أيضاً: أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: «اعْتَدِلُوا فِي السُّجُودِ، وَلا يَبْسُطْ أَحَدُكُمْ ذِرَاعَيْهِ انْبِسَاطَ الْكَلْبِ» (3)، هذا يدل على وجوب الاعتدال في السجود، وأن يسجد على سبعة أعضاء: الجبهة والأنف، واليدين، والركبتين، وأطراف القدمين، ثم يشرع له أن يعتدل، ولكن بالتفريج بين الإبطين والعضدين وبين الفخدين وبطنه، وبين فخذيه وساقيه، حتى يكون معتدلاً: «و «كَانَ إِذَا سَجَدَ اعتدل وفَرَّجَ بَيْنَ
(1) رواه البخاري، برقم 516، ومسلم، برقم 543، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 99.
(2)
رواه البخاري، برقم 516، ومسلم، برقم 543، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 99.
(3)
رواه البخاري، برقم 822، ومسلم، برقم 493، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 100.