المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌59 - باب النذر - الإفهام في شرح عمدة الأحكام

[ابن باز]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة المحقق

- ‌وكان عملي على النحو الآتي:

- ‌نبذة عن حياة مؤلف العمدة: الإمام عبد الغني بن عبد الواحد المقدسي

- ‌أولاً: نسبه، ومولده، ونشأته، ومكانته العلمية:

- ‌ثانياً: عبادته وتضرعه، وأوقاته:

- ‌ثالثاً: شيوخه:

- ‌رابعاً: تلامذته:

- ‌خامساً: أقوال العلماء فيه:

- ‌سادساً: أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر:

- ‌سابعاً: جوده وكرمه:

- ‌ثامناً: تصانيفه:

- ‌تاسعاً: وفاته:

- ‌نبذة عن حياة الشارح الإمام عبد العزيز بن عبد الله بن باز

- ‌أولاً: ما قال سماحته عن نفسه

- ‌ثانياً: أوصافه الخَلْقية

- ‌ثالثاً: صفاته الخُلُقية:

- ‌رابعاً: دروسه العلمية في مدينة الرياض

- ‌خامساً: زوجات سماحة الشيخ:

- ‌سادساً: أولاده:

- ‌ثامناً: الجنازة وأصداء الوفاة

- ‌تاسعاً: مشاهد نادرة من جنازة الشيخ

- ‌مقدمة المؤلف

- ‌1 - كتاب الطهارة

- ‌1 - بابُ دخولِ الخلاءِ والاستطابةِ

- ‌2 - بابُ السواكِ

- ‌3 - بابُ المسحِ على الخفينِ

- ‌4 - بابٌ في المذيِ وغيرِهِ

- ‌5 - بابُ الغسل من الجنابةِ

- ‌6 - باب التَّيَمُّمِ

- ‌7 - بابُ الحيضِ

- ‌2 - كتاب الصلاة

- ‌8 - بابُ المواقيتِ

- ‌9 - باب فضلِ صلاة الجماعة ووجوبها

- ‌10 - بابُ الأَذانِ

- ‌11 - باب استقبالِ القبلة

- ‌12 - بابُ الصُّفوفِ

- ‌13 - بابُ الإِمامةِ

- ‌14 - بابُ صفةِ صلاةِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم

- ‌15 - باب وجوب الطمأنينة في الركوع والسجود

- ‌16 - باب القراءة في الصلاة

- ‌17 - بابُ تركِ الجَهرِ ببسمِ اللَّه الرَّحمنِ الرَّحيمِ

- ‌18 - بابُ سجودِ السَّهو

- ‌19 - بابُ المرورِ بينَ يديِ المصلي

- ‌20 - بابٌ جامعٌ

- ‌21 - بابُ التَّشهدِ

- ‌24 - باب الجمع بين الصلاتين في السفر

- ‌25 - باب قصر الصلاة في السفر

- ‌26 - باب الجمعة

- ‌27 - باب العيدين

- ‌28 - باب صلاة الكسوف

- ‌29 - باب صلاة الاستسقاء

- ‌30 - باب صلاة الخوف

- ‌31 - باب الجنائز

- ‌3 - كتاب الزكاة

- ‌32 - باب صدقة الفطر

- ‌4 - كتاب الصِّيَامِ

- ‌33 - باب الصوم في السفر وغيره

- ‌34 - باب أفضل الصيام وغيره

- ‌35 - باب ليلة القَدر

- ‌36 - باب الاعتكاف

- ‌5 - كتاب الحَجِّ

- ‌37 - باب المواقيت

- ‌38 - باب ما يلبس المُحرِم من الثياب

- ‌39 - باب الفدية

- ‌40 - باب حُرمة مكة

- ‌41 - باب ما يجوز قتله

- ‌42 - باب دخول مكة وغيره

- ‌43 - باب التمتُّع

- ‌44 - باب الهدي

- ‌45 - باب الغسل للمحرم

- ‌46 - باب فسخ الحج إِلى العمرة

- ‌47 - باب المحرم يأكل من صيد الحلال

- ‌6 - كتاب البيوع

- ‌48 - باب ما يُنهى عنه من البيوع

- ‌49 - باب العرايا وغير ذلك

- ‌50 - باب السَّلَم

- ‌51 - باب الشروط في البيع

- ‌52 - باب الربا والصَّرف

- ‌53 - باب الرهن وغيره

- ‌54 - بابُ اللُّقَطة

- ‌7 - كتاب الوصَايا

- ‌8 - كتاب الفرائض

- ‌9 - كتاب النكاح

- ‌55 - باب الصداق

- ‌10 - كتاب الطلاق

- ‌56 - باب العِدَّة

- ‌11 - كتاب اللعان

- ‌12 - كتاب الرضَاع

- ‌13 - كتاب القِصَاص

- ‌14 - [كتاب الحدُود

- ‌57 - باب حدِّ السرقة

- ‌58 - باب حدِّ الخمر

- ‌15 - كتاب الأيمان والنذور

- ‌59 - باب النذر

- ‌60 - باب الْقَضاء

- ‌16 - كتاب الأطعمة

- ‌61 - باب الصيد

- ‌62 - باب الأضاحي

- ‌17 - كتاب الأشربة

- ‌18 - كتاب اِللِّبَاس

- ‌19 - كتاب الجِهاد

- ‌20 - كتاب العتق

- ‌63 - باب بيع المدبَّر

- ‌الفهارس العامة

- ‌1 - فهرس الآيات القرآنية

- ‌2 - فهرس الأحاديث النبوية والآثار

- ‌3 - فهرس الألفاظ الغريبة

- ‌4 - فهرس الأشعار

- ‌5 - فهرس مصادر ومراجع التحقيق

الفصل: ‌59 - باب النذر

وفي رواية: «ومَنِ ادَّعَى دَعْوَى كَاذِبَةً، لِيَتَكَثَّرَ بِهَا، لَمْ يَزِدْهُ اللَّهُ (1) إلَاّ قِلَّةً» (2).

‌59 - باب النذر

371 -

عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنِّي كُنْتُ (3) نَذَرْتُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، أَنْ أَعْتَكِفَ لَيْلَةً ــ وَفِي رِوَايَةٍ: يَوْماً ــ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ؟ قَالَ: «فَأَوْفِ بِنَذْرِكَ» (4).

372 -

عن عبد اللَّه بن عمر رضي الله عنهما، عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، «أَنَّهُ نَهَى عَنِ النَّذْرِ، وَقَالَ: إنَّه لا يَاتِي بِخَيْرٍ، وَإِنَّمَا يُسْتَخْرَجُ بِهِ مِنَ الْبَخِيلِ» (5).

109 -

قال الشارح رحمه الله:

هذه الأحاديث فيها أحكام تتعلق بالنذر، وبالأيمان على غير ملة الإسلام، وبقتل النفس، وبالدعاوى الباطلة.

يقول صلى الله عليه وسلم: «من حلف على يمين بملة غير الإسلام كاذباً متعمداً،

(1) في نسخة الزهيري: «لم يزده اللَّه بها إلا قلة» .

(2)

رواه مسلم كتاب الإيمان، باب بيان غلظ تحريم قتل الإنسان نفسه، وإن من قتل نفسه بشيء عُذِّب به في النار، وأنه لا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة، برقم 110.

(3)

«كنت» : ليست في نسخة الزهيري.

(4)

رواه البخاري، برقم 2032، ومسلم، برقم 1656، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 216.

(5)

رواه البخاري، كتاب القدر، باب إلقاء العبد النذر إلى القدر، برقم 6608، وكتاب الأيمان والنذور، باب الوفاء بالنذر، برقم 6692، و6693، ومسلم، كتاب النذر، باب النهي عن النذر، وأنه لا يرد شيئاً، برقم 4 - (1639)، واللفظ له.

ص: 728

فهو كما قال» هذا وعيد شديد، دل على وجوب الحذر من ذلك، كأن يقول: هو يهودي أو نصراني أو مجوسي إن فعل كذا أو فعل كذا. هذا لا يجوز، لأنه إعلان لكفره إن فعل كذا وكذا، ولا يجوز أيضاً أن يحلف بغير اللَّه كائناً من كان، لا بالأنبياء، ولا بالصالحين، ولا بالملائكة، ولا بالأصنام، وإنما الحلف باللَّه وحده، أما إذا حلف بملة الإسلام صادقاً فلا حرج عليه، لأنه قال بملة غير الإسلام كاذباً متعمداً، ملة غير الإسلام تدخل فيها اليهودية، والنصرانية، والمجوسية، والوثنية، وغير ذلك، فإذا كان كاذباً متعمداً فهو كما قال، أي فهو يهودي أو نصراني، على ما قال، هذا من باب الوعيد، والتحذير، فالواجب الحذر من ذلك، وأن لا يحلف إلا باللَّه وحده، وإذا كان بملة الإسلام، فليقل ما يدل على حلفه باللَّه، كـ: والذي شرع ملة الإسلام. والذي أوجب علينا الدخول في الإسلام. أو والذي أمر بالإسلام. أو والذي بعث رسوله بالإسلام. هذه اليمين الشرعية، كما يقول: واللَّه، أو باللَّه، أو تاللَّه، أو بالرحمن، أو وعزة اللَّه، كل هذه أيمان شرعية.

ومن قتل نفسه بشي عُذِب به يوم القيامة، هذا وعيد عظيم، من قتل نفسه بشيء عذب به يوم القيامة، قتل نفسه: بسيف، أو بسكين، أو بسُم، أو بخنق، أو غير ذلك، يُعذب به يوم القيامة؛ لأن اللَّه حرم على الإنسان أن يقتل نفسه أن ينتحر، وهي من المحرمات العظيمة، ومن الكبائر الشنيعة، فالواجب الحذر من ذلك.

ص: 729

كذلك التحذير من الدعاوى الباطلة، يقول صلى الله عليه وسلم:«مَنِ ادَّعَى مَا لَيْسَ لَهُ فَلْيَتَبَوَّا مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ» (1)، الذي يدعي على الناس أشياء لا صحة لها قد تعرض للنار، لوعيد اللَّه بالنار، لظلمه وعدوانه على الناس، يدعي عليهم أشياء لا صحة لها، يقول: إن فلاناً عنده لي كذا، فلان أقرضته كذا، فلان استدان مني كذا، فلان أخذ مني كذا، وهو يكذب، هذا فيه الوعيد الشديد:««مَنِ ادَّعَى مَا لَيْسَ لَهُ فَلْيَتَبَوَّا مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ» ، يعني فليتخذ مقعده من النار، والمعنى أنه يستحق دخول النار بهذا العمل السيئ، إلا أن يعفو اللَّه عنه أو يتوب.

ومن ادعى دعوى ليستكثر بها، لم يزده اللَّه إلا قلةً، ادعى دعوى باطلة للاستكثار، فهو متوعد بالنار، ومع ذلك لا تزيده إلا قلةً، إلا فقراً، فهذا وعيد شديد للدعاوى الباطلة، التي ليست له، ويقصد منها أن يستكثر بها، فهو متوعد بالنار، وبأنها لا تزيده الدعوى إلا قلةً.

وليس للإنسان نذرٌ بما لا يملك، ليس له أن ينذر شيئاً لا يملكه، كأن يقول: للَّه عليه أن يعتق عبد فلانٍ، أو يتصدق ببيت فلان، كل هذا نذر باطل، ليس له النذر بما لا يملك، ينبغي عليه أن ينذر شيئاً يملكه يستطيعه، للَّه عليَّ أن أعتق عبدي فلاناً، إذا فعلت كذا، للَّه عليَّ أن أتصدق ببيتي أو بأرضي أو ما أشبه ذلك، أما أن يذكر أشياء ليست في ملكه. هذا نذر باطل، ليس له النذر بما لا يملك، وليس له أن ينذر بشيء من معاصي اللَّه.

(1) ابن ماجه، برقم 2319، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 336.

ص: 730

حديث عمر رضي الله عنه يقول: إنه قال: يا رسول اللَّه بعدما أسلم قال: إني نذرت أن أعتكف ليلة في المسجد الحرام، قال له النبي صلى الله عليه وسلم:«أوف بنذرك» ، هذا يدل على أن الكافر إذا أسلم، وعنده نذور شرعية يوفي بها؛ فإن الإسلام لا يزيده إلا خيراً، وأسلم على ما أسلف من خير، فإذا كان عنده نذور: صدقات، أو اعتكاف، أو حج يوف بنذره، يقول صلى الله عليه وسلم:«أوفِ بنذرك» .

وفي حديث ابن عمر الدَّلالة على أنه لا ينبغي النذر؛ لأنه تكليف للنفس، وإلزام لها بشيء ليس بلازم، وقد يندم؛ ولهذا قال صلى الله عليه وسلم:«لَا تَنْذِرُوا، فَإِنَّ النَّذْرَ لَا يَرُدُّ مِنَ قَدَرِ اللَّهِ شَيْئًا، وَإِنَّمَا يُسْتَخْرَجُ بِهِ مِنَ الْبَخِيلِ» (1)، فالنذر يُستخرج من البخيل، الذي لا يريد النفقة، ينذر حتى يجاهد نفسه بإخراج النفقة، فالرسول نهى عن النذر، وقال:«إنه لا يأتِ بخير، وإنما يُستخرج به من البخيل» ، فلا ينبغي للمؤمن أن ينذر، لكن إن نذر طاعة لزمه الوفاء، إن كان نذر طاعة، لزمه الوفاء بها، لقوله صلى الله عليه وسلم:«مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ، وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَ اللَّهَ فَلَا يَعْصِهِ» (2)؛ فإذا قال: للَّه عليه أن يتصدق بكذا، أو

(1) أخرج ابن حبان، 10/ 218، برقم 3276، وأبو عوانة في مسنده، برقم 5841: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «لَا تَنْذِرُوا، فَإِنَّ النَّذْرَ لَا يَرُدُّ مِنَ الْقَدْرِ شَيْئًا، وَإِنَّمَا يُسْتَخْرَجُ بِهِ مِنَ الْبَخِيلِ» ، وصححه الألباني في التعليقات الحسان على صحيح ابن حبان، 6/ 395.

(2)

أخرجه مالك في موطأ، 3/ 678، برقم 1726، والشافعي في مسنده، ص 339، برقم 1562، والنسائي، كتاب الأيمان والنذور، النذر في المعصية، برقم 3804، وابن حبان، 10/ 233، برقم، 4783، وابن خزيمة،3/ 352، برقم 2241، وصححه محقق صحيح ابن حبان، وصححه الألباني في التعليقات الحسان على صحيح ابن حبان، 18/ 1267.

ص: 731

يصوم كذا، أو يصلي صلاة الضحى، أو يصلي ركعتين من الليل، أو ما أشبه ذلك، يلزمه الوفاء حسب طاقته، لأنه نذر لطاعة اللَّه سبحانه وتعالى ، لكن لو قال: للَّه عليَّ أن أشرب الخمر، أو يقتل فلاناً بغير حق، أو يزني، أو ما أشبه ذلك.

هذا نذر لا يجوز؛ لأنه نذر معصية، فليس له أن يعصي اللَّه، وعليه كفارة يمين عن ذلك.

373 -

عن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: نَذَرَتْ أُخْتِي: أَنْ تَمْشِيَ إلَى بَيْتِ اللَّهِ الْحَرَامِ حَافِيَةً، فَأَمَرَتْنِي: أَنْ أَسْتَفْتِيَ لَهَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَاسْتَفْتَيْتُهُ، فَقَالَ:«لِتَمْشِ، وَلْتَرْكَبْ» (1).

374 -

عن عبد اللَّه بن عباس رضي الله عنهما، أنه قال: اسْتَفْتَى سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي نَذْرٍ كَانَ عَلَى أُمِّهِ ــ تُوُفِّيَتْ قَبْلَ أَنْ تَقْضِيَهُ ــ قَالَ (2) رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «فَاقْضِهِ عَنْهَا» (3).

375 -

عن كعب بن مالك رضي الله عنه قال: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنَّ مِنْ تَوْبَتِي، أَنْ أَنْخَلِعَ مِنْ مَالِي، صَدَقَةً إلَى اللَّهِ وَإِلَى رَسُولِهِ، فَقَالَ رَسُولُ

(1) رواه البخاري، كتاب جزاء الصيد، باب من نذر المشي إلى الكعبة، برقم 1866، ومسلم، كتاب النذر، باب من نذر أن يمشي إلى الكعبة، برقم 1644 بلفظه.

(2)

في نسخة الزهيري: «فقال» .

(3)

رواه البخاري، كتاب الوصايا، باب ما يستحب لمن توفي فجأة أن يتصدقوا عنه، وقضاء النذور عن الميت، برقم 2761، واللفظ له، ومسلم، كتاب النذر، باب الأمر بقضاء النذر، برقم 1638.

ص: 732

اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «أَمْسِكْ عَلَيْكَ بَعْضَ مَالِكَ، فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ» (1).

110 -

قال الشارح رحمه الله:

هذه الأحاديث تتعلق بالنذر وما يشبهه، بيَّن فيها صلى الله عليه وسلم ما ينبغي شرعاً، من ذلك قصة أخت عقبة رضي الله عنه: أنها نذرت أن تمشي إلى بيت اللَّه الحرام حافية، وفي بعض الروايات: ولا تختمر. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللهَ لَا يَصْنَعُ بِشَقَاءِ أُخْتِكَ شَيْئًا، مُرْهَا فَلْتَمْشِ، وَلْتَرْكَبْ» (2). وفي اللفظ الآخر: «وَلْتَخْتَمِرْ، وَلْتَصُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ» (3)،

هذا يدل على أن الواجب على من نذر نذر معصية أن لا يفي به، وأن يدع المعصية، وأن يكفر كفارة اليمين،

(1) رواه البخاري، كتاب الأيمان والنذور، باب إذا أهدى ماله على وجه النذر والتوبة، برقم 6690، بلفظه، ومسلم، كتاب التوبة، باب حديث توبة كعب بن مالك وصاحبيه، برقم 2769، بلفظه أيضاً.

(2)

أخرج أحمد، 28/ 582، برقم 17348، والترمذي، كتاب الأيمان والنذور، باب حدثنا محمود بن غيلان، برقم 1544، وقال:«حسن» ، وابن ماجه، كتاب الكفارات، باب من نذر أن يحج ماشياً، برقم 2134، والبيهقي، 10/ 80، برقم 19908،عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ الْجُهَنِيِّ أَخْبَرَهُ أَنَّ أُخْتَهُ نَذَرَتْ أَنْ تَمْشِيَ حَافِيَةً غَيْرَ مُخْتَمِرَةٍ فَذَكَرَ ذَلِكَ عُقْبَةُ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«مُرْ أُخْتَكَ فَلْتَرْكَبْ وَلْتَخْتَمِرْ وَلْتَصُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ» ، وقال محققو المسند، 28/ 582:«حديث صحيح دون قوله: ولتصم ثلاثة أيام» ، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة، 7/ 131بلفظ:«مروها فلتركب ولتختمر، ولتحج، ولتهد هدياً» .

(3)

أخرج أحمد، 28/ 540، برقم 17306، والطبراني في الكبير، 17/ 323، برقم 893،:«عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ الْجُهَنِيِّ، أَنَّ أُخْتَهُ نَذَرَتْ أَنْ تَمْشِيَ حَافِيَةً غَيْرَ مُخْتَمِرَةٍ، فَسَأَلَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: «إِنَّ اللهَ لَا يَصْنَعُ بِشَقَاءِ أُخْتِكَ شَيْئًا، مُرْهَا فَلْتَخْتَمِرْ، وَلْتَرْكَبْ، وَلْتَصُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ» ، وقال محققو المسند، 28/ 540:«حديث صحيح دون قوله: ولتصم ثلاثة أيام» ..

ص: 733

فإن نزعها الخمار معصية؛ ولهذا أمرها أن تختمر، كذلك وهي تمشي، فيه مشقة من طريق بعيد، ما بين المدينة ومكة، وهي امرأة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:«لتمشِ ولتركب» ، فعليها كفارة اليمين عن النذر المخالف للشرع، فإن الركوب في الطريق أفضل من المشي؛ لما فيه من المشقة العظيمة، لما في المشي من المشقة، والنبي حج راكباً عليه الصلاة والسلام ، ولعلها كانت لا تستطيع الإطعام والكسوة؛ ولهذا قال:«لتصم ثلاثة أيام» ؛ لأن من نذر نذراً يوجب الكفارة كصاحب اليمين يُبدأ أولاً بإطعام عشرة مساكين، أو كسوتهم، أو إعتاق رقبة، فإن عجز صام ثلاثة أيام، فلعلها كانت عاجزة، ولهذا أمرها أن تصوم.

كذلك حديث سعد بن عبادة لأجل أمه نذرت نذر عبادة، نذر طاعة، فتوفيت قبل أن تقضي نذرها، فأمره النبي أن يقضيه عنها، فإن نذر إنسان شيئاً لطاعة اللَّه ثم مات، يقضى عنه، إن نذر أن يحج، ومات ولم يحج، يحج عنه، إن نذر أن يعتمر، ولم يعتمر، يعتمر عنه، إن نذر أن يتصدق بكذا ثم توفي قبل أن يُنفِّذ، تُنفَّذ الصدقة من تركته، وهكذا؛ ولهذا سئل صلى الله عليه وسلم غير مرة عن نذور مشابهة، بعضهم قال: يا رسول اللَّه إن أمي نذرت أن تحج فلم تحج حتى ماتت، قال:«حج عن أمك» (1) ، وذكر أن أباه نذر أن يحج، قال:«حج عن أبيك» (2)، مات ولم يحج،

(1) أخرجه ابن عساكر في تاريخ دمشق، 37/ 471،

(2)

أخرجه أحمد 4/ 72، برقم 2189، والترمذي، كتاب الحج، باب ما جاء عن الشيخ الكبير والميت، برقم 930، وقال:«حسن صحيح» ، والنسائي، كتاب مناسك الحج، العمرة عن الرجل الذي لا يستطيع، برقم 2637، وابن حبان، 9/ 304، برقم 3991، وابن ماجه، كتاب المناسك، باب الحج عن الحي إذا لم يستطع، برقم 2906، والحاكم، 1/ 654، وقال:«صحيح على شرط الشيخين» ، والبيهقي، 4/ 329، وصحح إسناده محققو المسند، 4/ 72، وصححه العلامة الألباني في صحيح ابن ماجه، برقم 2895.

ص: 734

هذه قاعدة، إذا نذر الإنسان نذر طاعة وتوفي قبل أن يوفي [تخرج](1) من تركته، وإن كان صوماً صام عنه بعض أوليائه، كما قال صلى الله عليه وسلم:«من مات وعليه صيام صام عنه وليه» (2)، وإن كان مال أُخِذ من التركة، وإن كان حجاً استؤجر من يحج عنه، وهكذا.

والحديث الثالث: حديث كعب بن مالك الأنصاري رضي الله عنه كان ممن تأخر في غزوة تبوك مع شخصين آخرين، فأمر النبي بهجرهم، وهجروا خمسين ليلة، لأنهم تأخروا عن الغزوة دون عذر شرعي، [والواجب](3) خروجهم، ثم تاب اللَّه عليهم تابوا، وأنزل فيهم قوله تعالى:{وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَاّ إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} (4).

فقال كعب عند ذلك: «إن من توبتي أن أنخلع من مالي صدقة

(1) ما بين المعقوفين في أصل كلام الشيخ: «ترجع» .

(2)

رواه البخاري، برقم 1952، ومسلم، برقم 1147، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 197.

(3)

ما بين المعقوفين غير واضح في كلام الشيخ، والأظهر أنه:«الواجب» .

(4)

سورة التوبة، الآية:118.

ص: 735

إلى اللَّه وإلى رسوله»، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:«أمسك عليك بعض مالك، فهو خير لك» ، هذا فيه أن للإنسان خيراً له أن لا يتصدق بكل ماله، فليبقِ له بعض الشيء، حتى يستعين به في حاجاته وحاجات أهل بيته، وهذا ليس فيه نذر، وإنما يشاور النبي صلى الله عليه وسلم، فيقول: يا رسول اللَّه إن من توبتي أن أنخلع من مالي صدقة. فقال له النبي: «أمسك بعض مالك فهو خير لك» ، وفي حديث أبي لبابة قال:«أمسك الثلث» (1)، هذا يدل على أن الإنسان يُشرع له أن لا يتصدق بجميع ماله، حتى لا يبقى فقيراً، بل يُمسك بعض ماله، هو خير له.

قال جماعة من أهل العلم: إلا أن يكون له سبب يستغني به كالتجارة، والصناعة، تقوم بحاله، فلا بأس أن يتصدق بكل ماله، كما فعل الصديق رضي الله عنه، فإن أبا بكر الصديق رضي الله عنه أنفق جميع ماله في نصرة الرسول صلى الله عليه وسلم، والدفاع عن دين اللَّه، وأثنى اللَّه عليه في ذلك وأثنى عليه، رسوله عليه الصلاة والسلام، وكان يتَّجر بالكسب، يستغني به، فإذا كان الإنسان عنده مال، وعنده كسب تجارة، أو صناعة، أو نجارة، أو حدادة، أو شبه ذلك، مما يدرُّ عليه، من المبيعات، وأراد أن يُنفق المال الموجود، ويكتفي بالكسب اليومي أو الشهري الذي

ص: 736

يغنيه، فلا بأس في سبيل اللَّه كما فعل الصديق رضي الله عنه، أما إذا كان ما له سبب، ما له كسب، فإن السُّنة والمشروع أن يُبقي له ما يعينه على نفقات الأهل. «أمسك عليك بعض مالك فهو خير لك» فإذا أمسك الثلث، فالثلث كثير، كما في حديث [أبي لبابة](1)، والباقي يتصدق به إذا كان [يريد الصدقة](2)، واللَّه المستعان.

(1) ما بين المعقوفين غير واضح، والأظهر أنه:«أبو لبابة» .

(2)

ما بين المعقوفين غير واضح، ولكن الأظهر أنه «يريد الصدقة» .

ص: 737