الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
14 - [كتاب الحدُود
(1)
353 -
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: «قَدِمَ نَاسٌ مِنْ عُكْلٍ ــ أَوْ عُرَيْنَةَ ــ فَاجْتَوَوُا الْمَدِينَةَ، فَأَمَرَ لَهُمُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِلِقَاحٍ، وَأَمَرَهُمْ: أَنْ يَشْرَبُوا مِنْ أَبْوَالِهَا وَأَلْبَانِهَا، فَانْطَلَقُوا، فَلَمَّا صَحُّوا، قَتَلُوا رَاعِيَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَاسْتَاقُوا النَّعَمَ، فَجَاءَ الْخَبَرُ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ، فَبَعَثَ فِي آثَارِهِمْ، فَلَمَّا ارْتَفَعَ النَّهَارُ جِيءَ بِهِمْ، فَأَمَرَ (2) فَقَطَعَ (3) أَيْدِيَهمْ وَأَرْجُلَهُمْ، وَسُمِرَتْ أَعْيُنُهُمْ، وَتُرِكُوا فِي الْحَرَّةِ يَسْتَسْقُونَ، فَلا يُسْقَوْنَ.
قال أبو قلابة: «فَهَؤُلاءِ سَرَقُوا، وَقَتَلُوا، وَكَفَرُوا بَعْدَ إيمَانِهِمْ، وَحَارَبُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ» (4). أخرجه الجماعة (5).
354 -
عن عبيد اللَّه بن عبد اللَّه بن عُتْبة بن مسعود، عن أبي هريرة، وزيد بن خالد الْجُهَني رضي الله عنهما، أنهما قالا: «إنَّ رَجُلاً مِنَ
(1) ما بين المعقوفين: سقطت قراءة هذين الحديثين في التسجيل، فأثبتهما من عمدة الأحكام، وطابقتهما على الصحيحين.
(2)
في نسخة الزهيري: «فأمر بهم» ، والذي في المتن لفظ البخاري، برقم 233.
(3)
في نسخة الزهيري: «فقطِّعت» ، والذي في المتن لفظ البخاري، برقم 233، ومسلم، برقم 1671.
(4)
رواه البخاري، كتاب الوضوء، باب أبوال الإبل والدواب والغنم ومرابضها، برقم 233، بلفظه، ومسلم، كتاب القسامة والمحاربين والقصاص والديات، باب حكم المحاربين والمرتدين، برقم 1671.
(5)
لعل المصنف أراد بالجماعة: أصحاب الكتب الستة، انظر ما قاله ابن الملقن في الإعلام، 4/ 28، وقد رواه أيضاً: أبو داود، برقم 4364، والنسائي، 7/ 94، والترمذي، برقم 72، وابن ماجه، برقم 2578.
الأَعْرَابِ أَتَى النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم (1)، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَنْشُدُك اللَّهَ إلَاّ قَضَيْتَ بَيْنَنَا بِكِتَابِ اللَّهِ، فَقَالَ الْخَصْمُ الآخَرُ، وَهُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ: نَعَمْ، فَاقْضِ بَيْنَنَا بِكِتَابِ اللَّهِ، وَاذَنْ لِي، فَقَالَ رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم:«قُلْ» قَالَ: إنَّ ابْنِي كَانَ عَسِيفاً عَلَى هَذَا، فَزَنَى بِامْرَأَتِهِ، وَإِنِّي أُخْبِرْت: أَنَّ عَلَى ابْنِي الرَّجْمَ، فَافْتَدَيْت مِنْهُ بِمِائَةِ شَاةٍ وَوَلِيدَةٍ، فَسَأَلْتُ أَهْلَ الْعِلْمِ؟ فَأَخْبَرُونِي: أَنَّمَا عَلَى ابْنِي جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ وَأَنَّ عَلَى امْرَأَةِ هَذَا: الرَّجْمَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لأَقْضِيَنَّ بَيْنَكُمَا بِكِتَابِ اللَّهِ، الْوَلِيدَةُ وَالْغَنَمُ، رَدٌّ، وَعَلَى ابْنِك: جَلْدُ مِائَةٍ، وَتَغْرِيبُ عَامٍ، وَاغْدُ يَا أُنَيْسُ ــ لِرَجُلٍ مِنْ أَسْلَمَ ــ إلى امْرَأَةِ هَذَا، فَإِنِ اعْتَرَفَتْ فَارْجُمْهَا» فَغَدَا (2) عَلَيْهَا فَاعْتَرَفَتْ، فَأَمَرَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَرُجِمَتْ» (3).
العَسِيف: الأجير.
102 -
قال الشارح رحمه الله:
هذان الحديثان الصحيحان يتعلقان بالحدود:
الحديث الأول: حديث أنس رضي الله عنه أن ناساً من عكل أو عرينة اجتووا (4) المدينة، فأمر لهم النبي صلى الله عليه وسلم بلقاح، وأمرهم أن يشربوا من
(1) في نسخة الزهيري: «أتى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم» .
(2)
في نسخة الزهيري: «قال: فغدا» ، وهو لفظ البخاري، برقم 2724، 2725، ومسلم، برقم 1697.
(3)
رواه البخاري، كتاب الصلح، باب إذا اصطلحوا على صلح جور فالصلح مردود، برقم 2695، واللفظ له، ومسلم، كتاب الحدود، باب من اعترف على نفسه بالزنى، برقم 1697، بلفظه أيضاً.
(4)
قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري، 1/ 337: «قالَ ابن فارِس: اجتَويت البَلَد: إِذا كَرَهت المُقام فِيهِ، وإِن كُنت فِي نِعمَة، وقَيَّدَهُ الخَطّابِيُّ بِما إِذا تَضَرَّرَ بِالإِقامَةِ
…
وقالَ القَزّاز: اجتَووا: أَي لَم يُوافِقهُم طَعامها، وقالَ ابن العَرَبِيِّ: الجَوى داء يَأخُذُ مِنَ الوباءِ
…
وقالَ غَيره: الجَوى داء يُصِيبُ الجَوف».
أبوالها، وألبانها، فانطلقوا، فلما صحُّوا قتلوا راعي النبي صلى الله عليه وسلم، واستاقوا النعم، فجاء الخبر النبي صلى الله عليه وسلم، فبعث في آثارهم، فلما ارتفع النهار جيءَ بهم، فأمر بقطع أيديهم، وأرجلهم، وسَمر أعينهم (1)] (2)، وعدم حسمهم، فتركوا في الحرة يستسقون فلا يسقون حتى ماتوا؛ لأنهم قتلوا الراعي، واستاقوا الإبل، وسملوا أعين (3)
الراعي أيضاً، يعني أساءوا إليه: مثَّلوا به؛ فلهذا سمر أعينهم النبي صلى الله عليه وسلم جزاءً وفاقاً، وقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف، وتركهم حتى ماتوا، عملاً بقوله تعالى:{إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ} (4)، فقطع أيديهم، وأرجلهم من خلاف، وتركهم حتى ماتوا، فصار بذلك قتلهم، وحسم فتنتهم، وشرهم، فدل ذلك على أنه من فعل مثل فعلهم، يعامل بمثل هذا العمل، لردَّته وعدوانه وتعديه على
(1) ما بين المعقوفين سقط من التسجيل، وقد أثبت ما بينهما بناء على منهج الشيخ رحمه الله في شرح الأحاديث الأخرى.
(2)
سَمَر أعيُنَهم: أي أحْمَى لهم مَساَمِير الحَديد، ثم كَحَلَهم بها. النهاية في غريب الحديث والأثر (2/ 398، مادة (سمر).
(3)
سمل أعينهم: أي فقأها بحديدة محماة أو غيرها، وقيل: هو فقؤها بالشوك. النهاية في غريب الحديث والأثر، 2/ 402، مادة (سمل) ..
(4)
سورة المائدة، الآية:33.
الراعي، فهم قتلوا، ومثَّلوا، واعتدوا على المال، أي الإبل، فجمعوا بين: القتل، والعدوان، والسرقة: النهب، فاستحقوا العقوبة.
والقاعدة أن ولي الأمر له الخيار في مثل هؤلاء، إن رأى قتلهم قتلهم، وإن رأى تصليبهم صلَّبهم، وإن رأى قطع أيديهم وأرجلهم من خلاف فعل ذلك، وإن رأى نفيهم نفاهم، على حسب اختلاف جرائمهم.
وقال بعض أهل العلم: إن قتلوا قُتِلوا، وإن أخذوا المال مع القتل قُتِلوا، وصُلبوا، وإن أخذوا المال، ولم يقتلوا قطعت أيديهم وأرجلهم من خلاف، وإن لم يقتلوا ولم يأخذوا مالاً نُفُوا بأن يشرَّدوا، فلا يتركون يأوون إلى بلد.
وقال آخرون: معنى ينفون، أي يحبسون، حتى يزولوا من الأرض، ونفيهم حبسهم، كما قاله جماعة من أهل العلم أيضاً.
والصواب في هذا أن (أو) للتخيير، وأن ولي الأمر ينظر للأصلح، والأردع فيفعله، لا بالهوى، ولكن ينظر للأصلح، فإذا رأى قتله وحده قتله، وإن رأى قتله مع التقطيع، كما فعل النبي مع هؤلاء قطعهم، وتركهم يموتون، وإن رأى صلبهم صَلَبهم مع القتل، حتى يشتهر أمرهم، نسأل اللَّه السلامة والعافية.
والحديث الثاني في قصة الأعرابي، الذي اشتكى عند النبي صلى الله عليه وسلم، وقال: إن ابنه كان عسيفاً: يعني أجيراً عند بعض الناس، فزنى الولد بامرأة المستأجر، فقيل: إن عليك مائة شاة، ووليدة بدلاً من عمل ولدك، تعطيه زوج المرأة، تدفع إليه مائة شاة ووليدة، بدل زنى ولدك
بامرأته، ثم سأل أهل العلم، فقالوا: لا، هذا فيه جلد مائة وتغريب عام، وعلى المرأة الرجم؛ لأنها مُحصنة، فطلب من النبي صلى الله عليه وسلم أن يقضي بينه وبين خصمه في ذلك بحكم اللَّه: فقال الخصم: نعم يا رسول اللَّه، احكم بيننا بكتاب اللَّه وائذن لي، فأذِن له النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره بالقصة، فقال:«على ابنك جلد مائة، وتغريب عام، والوليدة، والغنم ردٌّ عليك، وعلى زوجة هذا الرجم إذا اعترفت» وبعث إليها أنيساً من بني أسلم، فاعترفت فرجمها، فدّل ذلك على أن هذا هو الحكم الشرعي.
الحكم الشرعي إذا زنى بكر بمحصنة؛ فإن البكر الذي لم يتزوج يجلد مائة، ويغرب سنة كاملة للحديث، وكما في الحديث الآخر حديث عبادة:«الْبِكْرُ بِالْبِكْرِ، جَلْدُ مِئَةٍ وَتَغْريب عَام» (1).
وأما المحصن من الرجال والنساء؛ فإنه يرجم بالحجارة حتى يموت، إذا ثبت زناه بالبينة، أو مع الشهود العدول، أو بإقرار الزاني أنه زنى، وهو محصن تزوج، ودخل بالزوجة، وهي كذلك قد أُحصنت، يعني قد تزوجت ودُخل بها كامرأة هذا الرجل.
والصواب أنها ترجم بدون جلد، وهكذا الرجل يرجم بدون جلد، كان أول يرجم ويجلد جميعاً، ثم النبي صلى الله عليه وسلم رجم بدون جلد، فالرجم فيه الكفاية، فهو قتل بشر قِتلة، بشر حالة، نسأل اللَّه السلامة،
(1) أخرج مسلم، كتاب الحدود، باب حد الزنى، برقم 1690، ولفظه: عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «خُذُوا عَنِّي، خُذُوا عَنِّي، قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً، الْبِكْرُ بِالْبِكْرِ: جَلْدُ مِئَةٍ وَنَفْيُ سَنَةٍ، وَالثَّيِّبُ بِالثَّيِّبِ جَلْدُ مِئَةٍ، وَالرَّجْمُ» .
إيذاءً له على ما فعل من قضاء وطره بالحرام، وهو قد أُحصن، قد تزوج، أو تزوجت هي كذلك.
وهكذا فعل النبي صلى الله عليه وسلم بماعز رجل من أسلم زنى واعترف فأمر برجمه (1).
وهكذا امرأة من غامد زنت وهي مُحصنة، فاعترفت فأمر برجمها (2).
وهكذا يهوديان تحاكما إلى النبي صلى الله عليه وسلم واعترفا بالزنى، وهما محصنان فرجمهما عليه الصلاة والسلام (3)، وهذا هو الحكم الشرعي في ذلك.
(1) أخرج الإمام مسلم، كتاب الحدود، باب من اعترف على نفسه بالزنى، برقم 1693، ولفظه: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِمَاعِزِ بْنِ مَالِكٍ:«أَحَقٌّ مَا بَلَغَنِي عَنْكَ؟» قَالَ: وَمَا بَلَغَكَ عَنِّي؟ قَالَ: «بَلَغَنِي أَنَّكَ وَقَعْتَ بِجَارِيَةِ آلِ فُلَانٍ؟» ، قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَشَهِدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ، ثُمَّ أَمَرَ بِهِ فَرُجِمَ».
(2)
أخرج الإمام مسلم، كتاب الحدود، باب من اعترف على نفسه بالزنى، برقم 1695 عن بُريدة بن الحصيب رضي الله عنه: «
…
ثمَّ جَاءَتْهُ امْرَأَةٌ مِنْ غَامِدٍ مِنَ الْأَزْدِ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، طَهِّرْنِي، فَقَالَ:«وَيْحَكِ ارْجِعِي فَاسْتَغْفِرِي اللَّهَ وَتُوبِي إِلَيْهِ» ، فَقَالَتْ: أَرَاكَ تُرِيدُ أَنْ تُرَدِّدَنِي كَمَا رَدَّدْتَ مَاعِزَ بْنَ مَالِكٍ، قَالَ:«وَمَا ذَاكِ؟» قَالَتْ: إِنَّهَا حُبْلَى مِنَ الزِّنَى، فَقَالَ:«آنْتِ؟» قَالَتْ: نَعَمْ، فَقَالَ لَهَا:«حَتَّى تَضَعِي مَا فِي بَطْنِكِ» ، قَالَ: فَكَفَلَهَا رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ حَتَّى وَضَعَتْ، قَالَ: فَأَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ:«قَدْ وَضَعَتِ الْغَامِدِيَّةُ» ، فَقَالَ:«إِذًا لَا نَرْجُمُهَا وَنَدَعُ وَلَدَهَا صَغِيرًا لَيْسَ لَهُ مَنْ يُرْضِعُهُ» ، فَقَامَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ، فَقَالَ: إِلَيَّ رَضَاعُهُ يَا نَبِيَّ اللَّهِ، قَالَ: فَرَجَمَهَا».
(3)
أخرج البخاري، كتاب المناقب، بَابُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى:{يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [البقرة: 146] ومسلم، كتاب الحدود، باب رجم اليهود، أهل الذمة، في الزنى، برقم 1699، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما، أَنَّ اليَهُودَ جَاءُوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَذَكَرُوا لَهُ أَنَّ رَجُلًا مِنْهُمْ وَامْرَأَةً زَنَيَا، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«مَا تَجِدُونَ فِي التَّوْرَاةِ فِي شَانِ الرَّجْمِ» . فَقَالُوا: نَفْضَحُهُمْ وَيُجْلَدُونَ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ: كَذَبْتُمْ إِنَّ فِيهَا الرَّجْمَ فَأَتَوْا بِالتَّوْرَاةِ فَنَشَرُوهَا، فَوَضَعَ أَحَدُهُمْ يَدَهُ عَلَى آيَةِ الرَّجْمِ، فَقَرَأَ مَا قَبْلَهَا وَمَا بَعْدَهَا، فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ: ارْفَعْ يَدَكَ، فَرَفَعَ يَدَهُ فَإِذَا فِيهَا آيَةُ الرَّجْمِ، فَقَالُوا: صَدَقَ يَا مُحَمَّدُ، فِيهَا آيَةُ الرَّجْمِ، فَأَمَرَ بِهِمَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَرُجِمَا، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: فَرَأَيْتُ الرَّجُلَ يَجْنَأُ عَلَى المَرْأَةِ يَقِيهَا الحِجَارَةَ».
355 -
وعنه، عنهما رضي الله عنهما قالا: «سُئِلَ رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم (1) عَنِ
الأَمَةِ إذَا زَنَتْ، وَلَمْ تُحْصَنْ؟ قَالَ:«إنْ (2) زَنَتْ فَاجْلِدُوهَا، ثُمَّ إنْ زَنَتْ فَاجْلِدُوهَا، ثُمَّ إنْ زَنَتْ فَاجْلِدُوهَا، ثُمَّ بِيعُوهَا، وَلَوْ بِضَفِيرٍ» .
قال ابن شِهاب: ولا (3) أدري: أبعد الثالثة، أو الرابعة؟ (4).
والضفير: الحبل.
356 -
عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه (5) قال: «أَتَى رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ــ وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ ــ فَنَادَاهُ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنِّي زَنَيْتُ، فَأَعْرَضَ عَنْهُ، فَتَنَحَّى تِلْقَاءَ وَجْهِهِ فَقَالَ (6): يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنِّي زَنَيْت، فَأَعْرَضَ عَنْهُ، حَتَّى ثَنَّى ذَلِكَ عَلَيْهِ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ، فَلَمَّا شَهِدَ عَلَى نَفْسِهِ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ، دَعَاهُ رَسُولُ اللَّهِ، فَقَالَ: «أَبِكَ جُنُون؟» قَالَ: لا. قَالَ: «فَهَلْ أُحْصِنْت» ؟ قَالَ: نَعَمْ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم: «اذْهَبُوا بِهِ فَارْجُمُوهُ» .
قَال ابْنُ شِهَابٍ: فَأَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: أنه سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: «كُنْت فِيمَنْ رَجَمَهُ، فَرَجَمْنَاهُ بِالْمُصَلَّى، فَلَمَّا
(1) في نسخة الزهيري: «سئل النبي صلى الله عليه وسلم» ، وهو لفظ البخاري، برقم 2153.
(2)
في نسخة الزهيري: «إذا» ، ولفظ المتن في البخاري، برقم 2153.
(3)
في نسخة الزهيري: «لا أدري» بدون واو، وهو لفظ البخاري، برقم 2135، ورقم 3837.
(4)
رواه البخاري، كتاب البيوع، باب بيع العبد الزاني، برقم 2152، 2153، وكتاب الحدود، باب إذا زنت الأمة، برقم 6827، و6838، بلفظه، ومسلم، كتاب الحدود، باب رجم اليهود أهل الذمة في الزنى، برقم 1703، و1704.
(5)
«أنه» ليست في نسخة الزهيري، وهي في صحيح مسلم، برقم 16 - (1691).
(6)
في نسخة الزهيري: «فقال له» ، وهي في صحيح مسلم، برقم 16 - (1691).
أَذْلَقَتْهُ الْحِجَارَةُ هَرَبَ، فَأَدْرَكْنَاهُ بِالْحَرَّةِ، فَرَجَمْنَاه (1).
الرَّجُلُ: هُوَ مَاعِزُ بْنُ ماَلِكٍ، وروى قصته جابر بن سَمُرة (2)، وعبداللَّه بن عباس (3)، وأبو سعيد الخدري (4)، وبُريدة بن الْحُصَيْب الأسلمي رضي الله عنهم (5).
103 -
قال الشارح رحمه الله:
هذان الحديثان عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فيما يتعلق بحد الزنى من الأمة والعبد ومن الحر.
الحديث الأول: في زنى الأَمة، ومثلها العبد المملوك، قال النبي صلى الله عليه وسلم:«إِذَا زَنَتْ أَمَةُ أحدكُمْ فَاجْلِدوهَا، ثُمَّ إِذا زَنَتْ فَاجْلِدُوهَا، ثُمَّ إذا زنت فاجلدوها، ثم بِيعُوهَا وَلَوْ بِحَبْلٍ مِنْ شَعَرٍ» (6) ، والعبد مثل ذلك في الحكم، ليس فيه رجم، إنما هو حد نصف ما على المحصنات من النساء والمحصن من الرجال، من باب قوله تعالى: {فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ
(1) رواه البخاري، كتاب الطلاق، باب الطلاق في الإغلاق، والكره، والسكران، والمجنون، وأمرهما، والغلط، والنسيان في الطلاق، والشرك وغيره، برقم 5271، و5272، ومسلم، كتاب الحدود، باب من اعترف على نفسه بالزنى، برقم 16 - (1691)، واللفظ له.
(2)
حديث جابر عند مسلم، كتاب الحدود، باب من اعترف على نفسه بالزنى، برقم 1692.
(3)
البخاري، كتاب الحدود، باب إذا رمى امرأته أو امرأة غيره بالزنى، برقم 6824، ومسلم، كتاب الحدود، باب من اعترف على نفسه بالزنى، برقم 1693.
(4)
مسلم، كتاب الحدود، باب من اعترف على نفسه بالزنى، برقم 1694.
(5)
مسلم، برقم 1695، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 354.
(6)
البخاري، برقم 2152، ومسلم، برقم 1703، وتقدم تخريجه في حديث المتن رقم 355.
أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} (1)، يعني الجلد، فالجلد مائة في حق الحر، وفي حق الأَمة، والعبد النصف، وهو خمسون جلدة، ثم يباع، ولو بحبل من شعر بعد الثالثة، أو الرابعة؛ لأنه اتضح من التكرار أن الزنى خلق له، وطريقة له، وسجيَّة له، فصار بقاؤه غير مناسب، بل ينبغي إبعاده، ولعله حين انتقاله إلى سيد آخر تتغير حاله، ولعله يتوب فيتوب اللَّه عليه.
والخلاصة: أن المملوك لا يرجم ولو كان ثيباً، إنما يجلد، سواءً كان بكراً أو ثيباً، يجلد نصف حد الحر خمسين جلدة، سواء كان ذكراً أو أنثى، ثيباً أو بكراً، وبعد الثالثة يبيعه سيده أو يبيعها سيدها، أو بعد الرابعة، شكٌّ من الراوي، والاحتياط تكون في الرابعة؛ لأنه لم يوجد رواية تعيِّن الثالثة دون شك، تباع ولو بضفير، والضفير، وهو الحبل، يعني يباع، ولو بالشيء القليل، ولو بالثمن القليل، وهذا يبيِّن أنه لابد أن يبيِّن البائع: أنني بعته من أجل أنه زنَّاء: يزني، لا يغش يبيِّن للمشتري أني بعته من أجل كذا وكذا، لأنه إذا ما بين سوف يُشترى بثمن جيد، ثمن أمثاله، لكن إذا بين سوف تكون قيمته رخيصة، فيباع ولو بضفير.
فالحاصل: أنه يباع لكن مع البيان حتى لا يغش به أحداً، ولو كان الثمن قليلاً.
(1) سورة النساء، الآية:25.
وفي هذا من الفوائد: أنه [لا] يرفعه لولي الأمر يكفي هو، يجلده سيده، ولا حاجة إلى المحكمة، ولا حاجة إلى الأمير، متى علم سيده منه الزنى جلده بنفسه أو بخادمه أو بولده يجلدونه الحد، ويكفي من غير حاجة إلى الرفع إلى ولاة الأمور؛ ولهذا قال: فاجلدوها، وفي اللفظ الآخر:«فليجلدها أحدكم» ، ولم يقل: فارفعوها للسلطان.
والحديث الرابع: حديث أبي هريرة في قصة ماعز، حديث ماعز جاء من طرق كثيرة، حديث أبي هريرة، وحديث جابر، وحديث ابن عباس، أحاديث كثيرة.
ماعز رجل أسلمي زنى، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فاعترف أربع مرات، فأمر النبي برجمه، وكان جاء تائباً نادماً مقلعاً، أراد من النبي صلى الله عليه وسلم أن يطهره، فأعرض عنه النبي صلى الله عليه وسلم لعله يتوب، فيتوب اللَّه عليه؛ لأن التائب إذا تاب بينه وبين اللَّه، ولم يتقدم للسلطان، فلا حرج عليه، يستتر بستر اللَّه، ويتوب بينه وبين اللَّه، ولا حاجة إلى أن يتقدم للسلطان، والتوبة تَجُب ما قبلها، لكنَّ ماعزاً من شدة ما أصابه من الخوف تقدم للنبي صلى الله عليه وسلم ليطهِّره، وليقيم عليه الحد، فأعرض عنه النبي صلى الله عليه وسلم، لعله يرجع فيتوب فيتوب اللَّه عليه فلما كرر ذلك أمر برجمه «أبك جنون؟» ؛ لأنه استنكر كونه يُلحّ بهذا الإلحاح، وهو سليم العقل، قال له:«فهل أُحصنت؟» يعني: تزوجت؟ قال: نعم، فأمر به النبي فرُجم حتى مات رضي الله عنه ورحمه وصُلي عليه، فدل ذلك على أن
التائب إذا أقر عند السلطان يُرجم إن كان محصناً، وإن كان بكراً يجلد مائة جلدة، ويُغرب عاماً كما تقدم في قصة العسيف، فالبكر يجلد مائة، ويُغرب عاماً، والمرأة كذلك، والثيب من الرجال والنساء الأحرار يرجم حتى يموت.
357 -
وعن عبد اللَّه بن عمر رضي الله عنهما أنه قال: «إنَّ الْيَهُودَ جَاءُوا إلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَذَكَرُوا لَهُ: أَنَّ امْرَأَةً مِنْهُمْ وَرَجُلاً زَنَيَا، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَا تَجِدُونَ فِي التَّوْرَاةِ، فِي شَانِ الرَّجْمِ؟» فَقَالُوا: نَفْضَحُهُمْ، وَيُجْلَدُونَ، قَالَ عَبْدُاللَّهِ بْنُ سَلامٍ: كَذَبْتُمْ، إن فِيهَا الرَّجْمَ، فَأَتَوْا بِالتَّوْرَاةِ فَنَشَرُوهَا، فَوَضَعَ أَحَدُهُمْ يَدَهُ عَلَى آيَةِ الرَّجْمِ، فَقَرَأَ مَا قَبْلَهَا وَمَا بَعْدَهَا، فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلامٍ: ارْفَعْ يَدَك، فَرَفَعَ يَدَهُ، فَإِذَا فِيهَا آيَةُ الرَّجْمِ، فَقَالَ: صَدَقَ يَا مُحَمَّدُ، فَأَمَرَ بِهِمَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَرُجِمَا، قَالَ: فَرَأَيْت الرَّجُلَ يَجْنَأُ عَلَى الْمَرْأَةِ، يَقِيهَا الْحِجَارَةَ» (1).
«يجنأ» ينحني (2).
الرجل الذي وضع يده على آية الرجم: هو (3) عبد اللَّه بن صُوريا.
358 -
وعن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: «لَوْ أَنَّ
(1) رواه البخاري، كتاب المناقب، باب قول اللَّه تعالى:{يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أبْنَاءَهُمْ} ، برقم 3635، واللفظ له، وكتاب التفسير، باب {قُلْ فَاتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [آل عمران: 93]، برقم 4556، ومسلم، كتاب الحدود، باب رجم اليهود، أهل الذمَّة، في الزنى، برقم 1699.
(2)
«يجنأ: ينحني» : ليست في نسخة الزهيري.
(3)
«هو» : ليست في نسخة الزهيري.
رَجُلاً ــ أَوْ قَالَ (1): امْرَأً ــ اطَّلَعَ عَلَيْكَ بِغَيْرِ إذْنِكَ (2)،
فَخَذَفْتَهُ (3) بِحَصَاةٍ، فَفَقَاتَ عَيْنَهُ، مَا كَانَ عَلَيْك من (4) جُنَاحٌ» (5).
104 -
قال الشارح رحمه الله:
قد سبق في الأحاديث السابقة: أن اللَّه جل وعلا أوجب في حد الزنى حدين: أحدهما جلد مائة وتغريب عام في حق البكر إذا زنى، وقامت عليه البينة أربعة شهود عدول: أنهم رأوه فعل الفاحشة، أو اعترف بذلك، يُجلد مائة جلدة، ويُغرب عاماً عن وطنه، سواءً كان رجلاً أو امرأة. أما إذا كان ثيباً قد تزوج ودخل بالمرأة أو كانت المرأة ثيبة قد تزوجت ودخل بها الزوج، يعني وطئها؛ فإن كلاً منهما يُرجم بالحجارة حتى يموت، كان في أول الأمر يجلد مائة ويرجم بالحجارة بعد ذلك، ثم إن اللَّه جل وعلا عفا عن الجلد، وصار الرجم كافياً.
وسبق أن الرسول عليه الصلاة والسلام رجم زوجة صاحب العسيف
(1)«لو أن رجلاً أو قال» ليست في نسخة الزهيري.
(2)
في نسخة الزهيري: «بغير إذنٍ» ، وهذا لفظ مسلم، برقم 2158.
(3)
في نسخة الزهيري: «فحذفته» بالحاء، والذي في المتن عند البخاري، برقم 6902.
(4)
«من» : ليست في نسخة الزهيري، وهي في مسلم، برقم 2158.
(5)
رواه البخاري، كتاب الديات، باب من أخذ حقه، أو اقتص دون السلطان، برقم 6888، ولفظه: «
…
فخذفته
…
» بالخاء، وفي باب من اطلع في بيت قوم ففقؤوا عينه فلا دية له، بالخاء كذلك، برقم 6902، ومسلم، كتاب الآداب، باب تحريم النظر في بيت غيره، برقم 2158، ولفظه: «
…
فخذفته». بالخاء، واللفظ لمسلم.
لما اعترفت ولم يجلدها، ورجم ماعزاً ولم يجلده، ورجم الغامدية ولم يجلدها، وهكذا في هذا الحديث جيء إليهم بيهوديين قد زنيا، وشهد عليهما بذلك واعترفا بذلك، فرجمهما حتى ماتا بحكم القرآن الكريم، وبيّن الحديث أن التوراة قد اشتملت على ذلك، وأن حكم القرآن صار مطابقاً لحكم التوراة في أن من زنى وهو مُحصن يُرجم، وهي عقوبة عظيمة شديدة، وهي أشنع قتلة: أشنع قتلة: الرجم، لكونه أتى ما حرم اللَّه عليه بعدما منّ اللَّه عليه بالزواج، وهو يرجم وإن كان قد طلقها، وإن كانت قد ماتت الزوجة، مادام تزوج ودخل بالمرأة فإنه يُرجم بالحجارة، ولو كانت زوجته قد ماتت أو طُلقت، لأنه يُسمى ثيباً، وإن كان قد طلقها أو ماتت عنه.
وفيه من الفوائد: كذب اليهود وبُهتهم وأنهم حرفوا التوراة، وكذبوا على اللَّه، ومن ذلك أنهم أنكروا أن يكون الرجم في التوراة، وصاروا يحكمون بمن زنى منهم وهو مُحصن، يفضحونه ويجلدونه ولا يرجمونه، فلما أتوا بالتوراة اتضح أن فيها الرجم، وأنهم قد كتموه عن عامتهم، مداهنةً وبيعاً للآخرة بالدنيا، نسأل اللَّه السلامة.
وفي الحديث الأخير يقول صلى الله عليه وسلم: «لو أن امرءاً اطلع عليك بغير إذنك فخذفته بحصاة ففقأت عينه، ما كان عليك جناح» المشهور رواية: «خذفته» ، ويروى «حذفته» بالحاء، والمشهور رواية:«خذفته» بحصاة بالخاء.
هذا يفيد تحريم النظر إلى بيوت الناس، وأنه لا يجوز النظر إلى