المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌18 - كتاب اللباس - الإفهام في شرح عمدة الأحكام

[ابن باز]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة المحقق

- ‌وكان عملي على النحو الآتي:

- ‌نبذة عن حياة مؤلف العمدة: الإمام عبد الغني بن عبد الواحد المقدسي

- ‌أولاً: نسبه، ومولده، ونشأته، ومكانته العلمية:

- ‌ثانياً: عبادته وتضرعه، وأوقاته:

- ‌ثالثاً: شيوخه:

- ‌رابعاً: تلامذته:

- ‌خامساً: أقوال العلماء فيه:

- ‌سادساً: أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر:

- ‌سابعاً: جوده وكرمه:

- ‌ثامناً: تصانيفه:

- ‌تاسعاً: وفاته:

- ‌نبذة عن حياة الشارح الإمام عبد العزيز بن عبد الله بن باز

- ‌أولاً: ما قال سماحته عن نفسه

- ‌ثانياً: أوصافه الخَلْقية

- ‌ثالثاً: صفاته الخُلُقية:

- ‌رابعاً: دروسه العلمية في مدينة الرياض

- ‌خامساً: زوجات سماحة الشيخ:

- ‌سادساً: أولاده:

- ‌ثامناً: الجنازة وأصداء الوفاة

- ‌تاسعاً: مشاهد نادرة من جنازة الشيخ

- ‌مقدمة المؤلف

- ‌1 - كتاب الطهارة

- ‌1 - بابُ دخولِ الخلاءِ والاستطابةِ

- ‌2 - بابُ السواكِ

- ‌3 - بابُ المسحِ على الخفينِ

- ‌4 - بابٌ في المذيِ وغيرِهِ

- ‌5 - بابُ الغسل من الجنابةِ

- ‌6 - باب التَّيَمُّمِ

- ‌7 - بابُ الحيضِ

- ‌2 - كتاب الصلاة

- ‌8 - بابُ المواقيتِ

- ‌9 - باب فضلِ صلاة الجماعة ووجوبها

- ‌10 - بابُ الأَذانِ

- ‌11 - باب استقبالِ القبلة

- ‌12 - بابُ الصُّفوفِ

- ‌13 - بابُ الإِمامةِ

- ‌14 - بابُ صفةِ صلاةِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم

- ‌15 - باب وجوب الطمأنينة في الركوع والسجود

- ‌16 - باب القراءة في الصلاة

- ‌17 - بابُ تركِ الجَهرِ ببسمِ اللَّه الرَّحمنِ الرَّحيمِ

- ‌18 - بابُ سجودِ السَّهو

- ‌19 - بابُ المرورِ بينَ يديِ المصلي

- ‌20 - بابٌ جامعٌ

- ‌21 - بابُ التَّشهدِ

- ‌24 - باب الجمع بين الصلاتين في السفر

- ‌25 - باب قصر الصلاة في السفر

- ‌26 - باب الجمعة

- ‌27 - باب العيدين

- ‌28 - باب صلاة الكسوف

- ‌29 - باب صلاة الاستسقاء

- ‌30 - باب صلاة الخوف

- ‌31 - باب الجنائز

- ‌3 - كتاب الزكاة

- ‌32 - باب صدقة الفطر

- ‌4 - كتاب الصِّيَامِ

- ‌33 - باب الصوم في السفر وغيره

- ‌34 - باب أفضل الصيام وغيره

- ‌35 - باب ليلة القَدر

- ‌36 - باب الاعتكاف

- ‌5 - كتاب الحَجِّ

- ‌37 - باب المواقيت

- ‌38 - باب ما يلبس المُحرِم من الثياب

- ‌39 - باب الفدية

- ‌40 - باب حُرمة مكة

- ‌41 - باب ما يجوز قتله

- ‌42 - باب دخول مكة وغيره

- ‌43 - باب التمتُّع

- ‌44 - باب الهدي

- ‌45 - باب الغسل للمحرم

- ‌46 - باب فسخ الحج إِلى العمرة

- ‌47 - باب المحرم يأكل من صيد الحلال

- ‌6 - كتاب البيوع

- ‌48 - باب ما يُنهى عنه من البيوع

- ‌49 - باب العرايا وغير ذلك

- ‌50 - باب السَّلَم

- ‌51 - باب الشروط في البيع

- ‌52 - باب الربا والصَّرف

- ‌53 - باب الرهن وغيره

- ‌54 - بابُ اللُّقَطة

- ‌7 - كتاب الوصَايا

- ‌8 - كتاب الفرائض

- ‌9 - كتاب النكاح

- ‌55 - باب الصداق

- ‌10 - كتاب الطلاق

- ‌56 - باب العِدَّة

- ‌11 - كتاب اللعان

- ‌12 - كتاب الرضَاع

- ‌13 - كتاب القِصَاص

- ‌14 - [كتاب الحدُود

- ‌57 - باب حدِّ السرقة

- ‌58 - باب حدِّ الخمر

- ‌15 - كتاب الأيمان والنذور

- ‌59 - باب النذر

- ‌60 - باب الْقَضاء

- ‌16 - كتاب الأطعمة

- ‌61 - باب الصيد

- ‌62 - باب الأضاحي

- ‌17 - كتاب الأشربة

- ‌18 - كتاب اِللِّبَاس

- ‌19 - كتاب الجِهاد

- ‌20 - كتاب العتق

- ‌63 - باب بيع المدبَّر

- ‌الفهارس العامة

- ‌1 - فهرس الآيات القرآنية

- ‌2 - فهرس الأحاديث النبوية والآثار

- ‌3 - فهرس الألفاظ الغريبة

- ‌4 - فهرس الأشعار

- ‌5 - فهرس مصادر ومراجع التحقيق

الفصل: ‌18 - كتاب اللباس

‌18 - كتاب اِللِّبَاس

401 -

عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قال رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم: «لا تَلْبَسُوا الْحَرِيرَ، فَإِنَّهُ مَنْ لَبِسَهُ فِي الدُّنْيَا، لَمْ يَلْبَسْهُ فِي الآخِرَةِ» (1).

402 -

عن حُذَيفة بن اليَمان رضي الله عنهما قال: سمعتُ رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: «لا تَلْبَسُوا الْحَرِيرَ، وَلا الدِّيبَاجَ، وَلا تَشْرَبُوا فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَلا تَاكُلُوا فِي صِحَافِهِا، فَإِنَّهَا لَهُمْ فِي الدُّنْيَا، وَلَكُمْ فِي الآخِرَةِ» (2).

403 -

عن البراء بن عازب رضي الله عنهما قال: «مَا رَأَيْتُ مِنْ ذِي لِمَّةٍ فِي حُلَّةٍ حَمْرَاءَ أَحْسَنَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، لَهُ شَعَرٌ يَضْرِبُ إلَى (3) مَنْكِبَيْهِ، بَعِيدُ مَا بَيْنَ الْمَنْكِبَيْنِ، لَيْسَ بِالْقَصِيرِ وَلا بِالطَّوِيلِ» (4).

(1) رواه البخاري، كتاب اللباس، باب لبس الحرير وافتراشه للرجال، وقدر ما يجوز منه، برقم 5834، ومسلم، كتاب اللباس والزينة، باب تحريم استعمال إناء الذهب والفضة على الرجال والنساء، وخاتم الذهب والحرير على الرجال، وإباحته للنساء، وإباحة العلم ونحوه للرجل ما لم يزد على أربع أصابع، برقم 11 - (2069)، واللفظ له.

(2)

رواه البخاري، كتاب الأطعمة، باب الأكل في إناء مفضض، برقم 5426، واللفظ له، إلا أنه قال في آخره:«ولنا» ، بدل:«ولكم» ، ومسلم، كتاب اللباس والزينة، باب تحريم استعمال إناء الذهب والفضة على الرجال والنساء، وخاتم الذهب والحرير على الرجال، وإباحته للنساء، وإباحة العلم ونحوه للرجل ما لم يزد على أربع أصابع، برقم 5 - (2067).

(3)

«إلى» : ليست في نسخة الزهيري.

(4)

رواه البخاري، كتاب اللباس، باب الجعد، برقم 5901، ومسلم، كتاب الفضائل، باب في صفة النبي صلى الله عليه وسلم، وانه كان أحسن الناس وجهاً، برقم 92 - (2337)، واللفظ له.

ص: 776

120 -

قال الشارح رحمه الله:

هذه الأحاديث الثلاثة تتعلق باللباس، الأصل في اللباس الحل والإباحة؛ لأن اللَّه خلق للعباد ما في الأرض جميعاً من المآكل والمشارب، والمساكن، والملابس، والمراكب، إلا ما حرمه الشرع، إلا ما حرمه اللَّه، قال تعالى:{يَا بَنِي آدَمَ (1) [قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ} (2)] (3).

[

] (4)، وغير هذا (5) مما يلبسه الناس، ولا حرج في ذلك، وجعل لهم أيضاً ملابسَ وجمالاً، وهي الرياش، يقال ريش ورياش، تلبس للتجمل، فالملابس قسمان: قسم تُسْتَرُ به العورات، وقسم يُتَّخَذُ للزينة والجمال، كما في الحديث الصحيح:«إِنَّ اللهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ» (6).

هذا كله من فضل اللَّه جل وعلا، وإحسانه لعباده: أن هيأ لهم وخلق لهم ما يسترون به العورات: وما يتجملون به بين الناس، ويستثنى من ذلك الحرير، فإنه لا يجوز للرجال؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:«لا تلبسوا الحرير» ، هذا خطاب للرجال، «فإنه من لبسه في الدنيا لم

(1) نهاية الوجه الأول من الشريط التاسع عشر.

(2)

سورة الأعراف، الآية:26.

(3)

قرأ الشيخ أول الآية، وانتهى الشريط، فأكملت ما بين المعقوفين من المصحف

(4)

ما بين المعقوفين سقط من الشريط، ولكن لا يؤثر على المعنى.

(5)

أول الوجه الثاني من الشريط التاسع عشر.

(6)

مسلم، كتاب الإيمان، باب تحريم الكبر وبيانه، برقم 91.

ص: 777

يلبسه في الآخرة» (1)، كما قال في أهل الجنة:{يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ} (2)، أهل الجنة لباسهم فيها الحرير، فمن لبسه في الدنيا من الرجال، فهو على هذا الوعيد الشديد، على هذا الخطر، من حرمان دخول الجنة، أو حرمانه لباس الحرير فيها، أما النساء فلا بأس في حقهن في لبس الحرير؛ لأنهن محتاجات للزينة لأزواجهن، اللَّه أباح لهن الحرير، وأباح لهن الذهب، وحرَّم ذلك على الرجال، كما في الحديث يقول صلى الله عليه وسلم:«أُحل الذهب والحرير لإناث أمتي، وحُرِّمَ على ذكورها» (3).

وفي حديث علي رضي الله عنه: أنه عليه الصلاة والسلام: «أَخَذَ ذَهَبًا فِي يدِهِ اليُمْنَى، وَحَرِيرًا فِي يدِه اليُسْرى، وقَالَ: «هَذَانِ حِلٌ لأُناثِ أُمَّتِي» (4).

(1) البخاري، برقم 5834، ومسلم، 2069، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 401.

(2)

سورة فاطر، الآية:33.

(3)

أخرجه أحمد، 32/ 259، برقم 19503، والنسائي، كتاب الزينة، تحريم الذهب على الرجال، برقم 5148، والبيهقي، 2/ 425، برقم 4020، والطيالسي، ص 69، برقم 506، وعبد الرزاق في الجامع، 11/ 68، برقم 19، وقال محققو المسند:«حديث صحيح بشواهده» ، وصححه الألباني في مشكاة المصابيح، 2/ 486.

(4)

أخرج أحمد، 2/ 146، برقم 750: عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ زُرَيْرٍ الْغَافِقِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ عَلِيًّا، يَقُولُ: أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ذَهَبًا بِيَمِينِهِ، وَحَرِيرًا بِشِمَالِهِ، ثُمَّ رَفَعَ بِهِمَا يَدَيْهِ فَقَالَ:«هَذَانِ حَرَامٌ عَلَى ذُكُورِ أُمَّتِي» ، وأخرجه - أيضاً- أبو داود، كتاب اللباس، باب في الحرير للنساء، برقم 4057، والنسائي، كتاب الزينة، تحريم الذهب على الرجال، برقم 5144، وابن ماجه، كتاب اللباس، باب لبس الحرير والذهب للنساء، برقم 3595، والبيهقي، 2/ 425، برقم 4019، والأحاديث المختارة للضياء المقدسي، 1/ 318، وحسن إسناده، وصححه لشواهده محققو المسند، والعلامة الألباني في صحيح الترغيب والترهيب، 2/ 224، برقم 2049.

ص: 778

ورأى صلى الله عليه وسلم رجلاً في يده خاتماً من ذهب فطرحه، وقال:«يَعْمِدُ أَحَدُكُمْ إِلَى جَمْرَةٍ مِنَ النَارٍ فَيَضْعُهَا فِى يَدِهِ» (1)، ذلك مما يدل على تحريم التختم بالذهب، وقد ورد في الحديث الصحيح: النهي عن التختم بالذهب، أي في حق الرجال (2) ، ونهى صلى الله عليه وسلم الناس جميعاً عن الشرب في الذهب والفضة والأكل فيهما هذا عام للرجال والنساء جميعاً، أمّا النهي عن لبس الحرير والديباج (3)، فهذا خاص بالرجال.

والديباج هو الغليظ من الحرير.

والإستبرق هو الحرير الذي له لَمَعَان، وكل أنواع الحرير محرمة على الرجال، مباحة للنساء، إلا الشيء اليسير: كموضع أصبعين أو ثلاث أو أربع فيباح للرجل، كالزَّرّ (4) والرقعة في الثوب

(1) صحيح مسلم، كتاب اللباس والزينة، باب تحريم خاتم الذهب على الرجال ونسخ ما كان من إباحته في أول الإسلام، برقم 2090: عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَأَى خَاتَمًا مِنْ ذَهَبٍ فِي يَدِ رَجُلٍ فَنَزَعَهُ فَطَرَحَهُ وَقَالَ: «يَعْمِدُ أَحَدُكُمْ إِلَى جَمْرَةٍ مِنْ نَارٍ فَيَجْعَلُهَا فِي يَدِهِ» . فَقِيلَ لِلرَّجُلِ بَعْدَ مَا ذَهَبَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خُذْ خَاتَمَكَ انْتَفِعْ بِهِ. قَالَ لَا وَاللَّهِ لَا آخُذُهُ أَبَدًا وَقَدْ طَرَحَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم.

(2)

مسلم، كتاب اللباس والزينة، باب تحريم خاتم الذهب على الرجال ونسخ ما كان من إباحته في أول الإسلام، برقم 2089:«عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: «أَنَّهُ نَهَى عَنْ خَاتَمِ الذَّهَبِ» .

(3)

البخاري، برقم 5426، ومسلم، برقم 2066، و2067، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 402.

(4)

الزِّرُّ: وَاحِدُ الأزْرار التي تُشَدّ بها الكِلَلُ والسّتورُ على ما يكون في حَجَلِة العرُوس. وقيل إنما هو بتقديم الراء على الزاي النهاية في غريب الحديث والأثر، 2/ 299، مادة (زرر)، ولفَظَهُ الشيخ بفتح الزاي وتشديدها، وفي مختار الصحاح، ص: 114: الزِّر - بالكسر - واحد أزرار القميص، والزَّر - بالفتح - مصدر زَرَّ القميص، إذا شَدَّ أزاره، وبابه رَدَّ، يقال: ازرُرْ عليك قميصك، وزَرَّه، وزرُّه، وزرِّه - بفتح الراء وضمها وكسرها-.

ص: 779

إذا كانت صغيرة، ونحو ذلك من الشيء اليسير، يُباح للرجل موضع أصبعين أو ثلاثة (1) للحاجة لهذا، ومن اللباس الجلوس، كما في حديث حذيفة «نهى عن الجلوس على الحرير» (2)،

أيضاً، فالرجل لا يلبس الحرير ولا الديباج، ولا يجلس عليه، ولا يتخذ منها مخاد يتكئ عليها، أما النساء فلا حرج في ذلك.

ونهى صلى الله عليه وسلم عن الشرب في آنية الفضة والأكل فيها وقال: «إنها لهم في الدنيا ولكم في الآخرة» (3) ، فإن الكفرة في الدنيا لا يتورعون عن الحرام، أما المؤمنون فإنها لهم في الآخرة، يشربون في آنية الذهب والفضة في الآخرة.

وفي حديث البراء بن عازب: الدَّلالة على أنه لا بأس بلبس الأحمر، ولهذا قال «مَا رَأَيْتُ مِنْ ذِي لِمَّةٍ فِي حُلَّةٍ حَمْرَاءَ أَحْسَنَ مِنْ

(1) أخرج مسلم، في كتاب اللباس والزينة، باب تحريم استعمال إناء الذهب والفضة على الرجال والنساء، وخاتم الذهب والحرير على الرجل، وإباحته للنساء، وإباحة العلم ونحوه للرجل، ما لم يزد على أربع أصابع، برقم 15 - (2069): عَنْ سُوَيْدِ بْنِ غَفَلَةَ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، خَطَبَ بِالْجَابِيَةِ، فَقَالَ:«نَهَى نَبِيُّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ لُبْسِ الْحَرِيرِ إِلَّا مَوْضِعَ إِصْبَعَيْنِ، أَوْ ثَلَاثٍ، أَوْ أَرْبَعٍ» .

(2)

أخرج البخاري، كتاب اللباس، باب افتراش الحرير، برقم 5837،: عَن حُذَيْفَةَ رضي الله عنه قَالَ: «نَهَانَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ نَشْرَبَ فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالفِضَّةِ، وَأَنْ نَاكُلَ فِيهَا، وَعَنْ لُبْسِ الحَرِيرِ وَالدِّيبَاجِ، وَأَنْ نَجْلِسَ عَلَيْهِ» ..

(3)

البخاري، برقم 5426، ومسلم، برقم 2066، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 402.

ص: 780

رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم» (1)، هذا يدل على أنه لا بأس بلبس الحلل إذا كانت من الملابس الحمر، فالأحمر لا بأس به، والأسود والأخضر والأزرق، لكن أفضلها البياض، أفضل الملابس البياض، والأنواع الثانية لا بأس بها، لا بأس أن يلبس أزرقَ، أو أخضرَ، أو أحمرَ، أو أسودَ، كما في هذا الحديث، كان عليه صلى الله عليه وسلم حلة حمراء.

وفي حديث أبي جحيفة أنه «خرج صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع، وعليه حلة حمراء فصلى بالناس» (2) ، وثبت أنه صلى الله عليه وسلم «دَخَلَ عَامَ الفَتْحِ، وَعَلَيْهِ عِمَامَةٌ سَوْدَاءُ» (3) ، «وطاف في بعض طوافه وعليه برد أخضر» (4)، يدل ذلك على أن هذه الأنواع لا بأس بها، لكن يحرم التشبه بالنساء، تكون ملابس تليق بالرجال، وتناسب الرجال، ولا يجوز التشبه بالنساء في أي لباس، فإذا لبس الأخضر، أو الأسود، أو الأزرق، أو غيرها، ينبغي أن تكون على شكل لا يشابه لباس المرأة.

وهكذا المرأة ليس لها أن تلبس لبس الرجل، ليس لها التشبه

(1) رواه البخاري، برقم 5901، ومسلم، برقم 2337، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 403.

(2)

رواه البخاري، برقم 187، ومسلم، برقم 503، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 69.

(3)

مسلم، كتاب الحج، باب جواز دخول مكة بغير إحرام، برقم 1358.

(4)

أخرجه أبو داود، كتاب المناسك، باب الاضطباع في الطواف، برقم 1883، بلفظ:«طَافَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم مضطبعاً، بِبُرْدٍ أخْضَرَ» ، وفي الترمذي، كتاب الحج، باب ما جاء أن النبي صلى الله عليه وسلم طاف مضطبعاً، برقم 859، ولفظه:«ببردٍ» دون ذكر اللون، وفي ابن ماجه، كتاب المناسك، باب الاضطباع، برقم 2954، دون ذكر البرد، ولا لونه، وفي المعجم الأوسط للطبراني، 3/ 100، برقم 2615، بلفظ:«رأيت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يخطب الناس بمنى على بغلة، عليه برد أخضر، ورجل من أهل بدر بين يديه يعبر عنه، فجئت حتى أدخلت يدي بين قدميه وشراكه، فجعلت أعجب من بردها» .وحسنه العلامة الألباني في صحيح أبي داود، 6/ 133، برقم 1645.

ص: 781

بالرجال في الملابس ولا في غيرها، كلٌّ منهما يحرم عليه التشبه بالآخر: في كلامه، أو مشيه، أو في لباسه، أو نحو ذلك.

وفيه بيان أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يتخذ اللمة، يعني يُربِّي الشعر على الرأس، فلا بأس بذلك، إذا كان لقصد شرعي، كما فعله النبي صلى الله عليه وسلم.

أما أن يربي الشعر لأجل الفساد، والتعرض للنساء، هذا لا يجوز يُمنع، أما إذا كان اتَّخذه لا لهذا المقصد، فلا بأس.

وفيه بيان خلقته صلى الله عليه وسلم، وأنه كان بعيد ما بين المنكبين، وأنه ليس بالقصير، ولا بالطويل، وسط من الرجال، ربعة من الرجال، ليس بالقصير، ولا بالطويل، بل بينهما، بين الرجلين، رجل بين رجلين: بعيد ما بين المنكبين عليه الصلاة والسلام، كث اللحية، أبيض اللون، مشرب بحمرة عليه الصلاة والسلام ، حسن العينين، ومن أحسن الناس خِلقة، قال أنس: ما رأيت رجلاً أحسن من رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، كان أحسن الناس، وأجمل الناس عليه الصلاة والسلام (1).

(1) أخرج البخاري، كتاب السير، باب الشجاعة في الحرب والجبن، برقم 2820: عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَحْسَنَ النَّاسِ وَأَشْجَعَ النَّاسِ وَأَجْوَدَ النَّاسِ وَلَقَدْ فَزِعَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ فَكَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم سَبَقَهُمْ عَلَى فَرَسٍ وَقَالَ وَجَدْنَاهُ بَحْرًا» ، ومسلم، كتاب الفضائل، باب في شجاعة النبي عليه السلام وتقدمه للحرب، برقم 2307، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ:«كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَحْسَنَ النَّاسِ، وَكَانَ أَجْوَدَ النَّاسِ، وَكَانَ أَشْجَعَ النَّاسِ وَلَقَدْ فَزِعَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ ذَاتَ لَيْلَةٍ، فَانْطَلَقَ نَاسٌ قِبَلَ الصَّوْتِ، فَتَلَقَّاهُمْ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم رَاجِعًا، وَقَدْ سَبَقَهُمْ إِلَى الصَّوْتِ، وَهُوَ عَلَى فَرَسٍ لأَبِي طَلْحَةَ عُرْيٍ، فِي عُنُقِهِ السَّيْفُ وَهُوَ يَقُولُ: لَمْ تُرَاعُوا، لَمْ تُرَاعُوا قَالَ: وَجَدْنَاهُ بَحْرًا، أَوْ إِنَّهُ لَبَحْرٌ» .

ص: 782

فالواجب على المؤمن وهكذا المؤمنة التقيد بما شرع اللَّه، والحذر مما حرم اللَّه في كل شيء.

س: لبس الأحمر المنهي عنه إذا كان فيه أعلام أو أحمر مطلقاً؟

ج: بعض أهل العلم اشترط بأن يكون له أعلام، من برود اليمن، لأجل بعض الأحاديث (1)، وقال: إذا كانت الحمرة غالبة شديدة كرُه، ولكن أحاديث لبس الأحمر كلها في الصحيحين أصح من حديث المفدَّى، والأصل الجواز.

404 -

عن البراء بن عازب (2) رضي الله عنهما قال: «أَمَرْنَا رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم بِسَبْعٍ، وَنَهَانَا عَنْ سَبْعٍ، أَمَرْنَا: بِعِيَادَةِ الْمَرِيضِ، وَاتِّبَاعِ الْجِنَائزِ (3)، وَتَشْمِيتِ الْعَاطِسِ، وَإِبْرَارِ الْقَسَمِ ــ أَوِ الْمُقْسِمِ ــ وَنَصْرِ الْمَظْلُومِ،

(1) أخرج أحمد، 25/ 114، برقم 15807 أَنَّ رَافِعَ بْنَ خَدِيجٍ حَدَّثَهُمْ، أَنَّهُمْ خَرَجُوا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي سَفَرٍ، قَالَ: فَلَمَّا نَزَلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لِلْغَدَاءِ قَالَ: عَلَّقَ كُلُّ رَجُلٍ بِخِطَامِ نَاقَتِهِ، ثُمَّ أَرْسَلْنَاهُنَّ فِي الشَّجَرِ، قَالَ: ثُمَّ جَلَسْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: وَرِحَالُنَا عَلَى أَبَاعِرِنَا، قَالَ: فَرَفَعَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم رَاسَهُ، فَرَأَى أَكْسِيَةً لَنَا فِيهَا خُيُوطٌ مِنْ عِهْنٍ أَحْمَرَ، قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «أَلَا أَرَى هَذِهِ الْحُمْرَةَ قَدْ عَلَتْكُمْ» ، قَالَ: فَقُمْنَا سِرَاعًا لِقَوْلِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى نَفَرَ بَعْضُ إِبِلِنَا فَأَخَذْنَا الْأَكْسِيَةَ فَنَزَعْنَاهَا مِنْهَا، وأبو داود، كتاب اللباس، باب في الحمرة، برقم 4070، وضعفه محققو المسند، 25/ 115، وفي سنن أبي داود، كتاب اللباس، باب في الحمرة، برقم 4069، والترمذي، كتاب الأدب، باب ما جاء في كراهية لبس المعصفر للرجال والقسي، برقم 2807، والحاكم، 4/ 190، والطبراني في الوسط، 2/ 91، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ:«مَرَّ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم رَجُلٌ عَلَيْهِ ثَوْبَانِ أَحْمَرَانِ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ فَلَمْ يَرُدَّ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم عَلَيْهِ» ، وضعفه العلامة الألباني في ضعيف سنن الترمذي، ص 334.

(2)

في نسخة الزهيري: «أيضاً» .

(3)

في نسخة الزهيري: «الجنازة» ، والذي في المتن لفظ البخاري، برقم 1239، والجنازة لفظ مسلم، برقم 2066.

ص: 783

وَإِجَابَةِ الدَّاعِي، وَإِفْشَاءِ السَّلامِ، وَنَهَانَا عَنْ خَوَاتِمَ (1) ــ أَوْ عَنْ (2) تَخَتُّمٍ ــ بِالذَّهَبِ (3)، وَعَنْ شُرْبٍ بِالْفِضَّةِ، وَعَنِ الْمَيَاثِرِ، وَعَنِ الْقَسِّيِّ، وَعَنْ لُبْسِ الْحَرِيرِ، وَالإِسْتَبْرَقِ، وَالدِّيبَاجِ» (4).

405 -

وعن عبد اللَّه بن عمر رضي الله عنهما، «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: اصْطَنَعَ خَاتَماً مِنْ ذَهَبٍ، فَكَانَ يَجْعَلُ فَصَّهُ فِي بَاطِنِ كَفِّهِ إذَا لَبِسَهُ، فَصَنَعَ النَّاسُ مثل ذَلِكَ (5)، ثُمَّ إنَّهُ جَلَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ (6)، فَنَزَعَهُ، وَقَالَ:«إنِّي كُنْتُ أَلْبَسُ هَذَا الْخَاتَمَ، وَأَجْعَلُ فَصَّهُ مِنْ دَاخِلٍ» فَرَمَى بِهِ، ثُمَّ قَالَ:«وَاَللَّهِ لا أَلْبَسُهُ أَبَداً» ، فَنَبَذَ النَّاسُ خَوَاتِيمَهُمْ (7).

وفي لفظٍ: «جَعَلَهُ فِي يَدِهِ الْيُمْنَى» (8).

406 -

عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، أَن رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم «نَهَى عَنْ لُبْسِ (9)

(1) في نسخة الزهيري: «خواتيم» ، وهي لفظ مسلم، برقم 2066.

(2)

«عن» : ليست في نسخة الزهيري، ولفظ المتن في مسلم، برقم 2066.

(3)

في نسخة الزهيري: «الذهب» بدون الباء، ولفظ المتن لمسلم، برقم 2066.

(4)

رواه البخاري، كتاب الجنائز، باب الأمر باتباع الجنائز، برقم 1239، ومسلم، كتاب اللباس والزينة، باب تحريم استعمال إناء الذهب والفضة على الرجال والنساء، وخاتم الذهب والحرير على الرجل، وإباحته للنساء، وإباحة العلم ونحوه للرجل، ما لم يزد على أربع أصابع، برقم 2066، واللفظ له.

(5)

«مثل ذلك» : ليست في نسخة الزهيري.

(6)

«على المنبر» : ليست في نسخة الزهيري، وهي في مسلم، برقم 2091.

(7)

رواه البخاري، كتاب اللباس، باب خواتيم الذهب، برقم 5865، ومسلم، كتاب اللباس والزينة، باب تحريم التبختر في المشي مع إعجابه بثيابه، برقم 2091، بلفظه.

(8)

رواه البخاري، كتاب اللباس، باب من جعل فص الخاتم في بطن كفه، برقم 5876، ومسلم، كتاب اللباس والزينة، باب تحريم التبختر في المشي مع إعجابه بثيابه، برقم 53 - (2091).

(9)

في نسخة الزهيري: «لبوس» ، وهو لفظ مسلم، برقم 12 - (2069).

ص: 784

الْحَرِيرِ، إلَاّ هَكَذَا، ــ وَرَفَعَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أُصْبُعَيْهِ: السَّبَّابَةَ، وَالْوُسْطَى» (1).

ولمسلمٍ، «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (2) عَنْ لُبْسِ الْحَرِيرِ، إلَاّ مَوْضِعَ أُصْبُعَيْنِ، أَوْ ثَلاثٍ، أَوْ أَرْبَعٍ» (3).

121 -

قال الشارح رحمه الله:

هذه الأحاديث الثلاثة الثابتة عن رسول اللَّه عليه الصلاة والسلام، كلها تتعلق باللباس، وفيها أحكام أخرى، والمقصود ما يتعلق باللباس؛ لأن الباب باب اللباس لما يباح، وما يحرم.

الأصل في هذا الباب الحل، الأصل في الباب: المأكولات، والمشروبات، والملبوسات، والمركوبات الأصل فيها الحل، إلا ما حرمه الشرع، فيطالب بالدليل من ادعى تحريم شيء منها؛ لأنه خلاف الأصل، ومن ادعى الحل فمعه الأصل، قال اللَّه جل وعلا:{هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا} (4)، وقال سبحانه: {وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي

(1) رواه البخاري، كتاب اللباس، باب لبس الحرير وافتراشه للرجال وقدر ما يجوز منه، برقم 5829، ومسلم، كتاب اللباس والزينة، باب تحريم استعمال إناء الذهب والفضة على الرجال والنساء، وخاتم الذهب والحرير على الرجل، وإباحته للنساء، وإباحة العلم ونحوه للرجل، ما لم يزد على أربع أصابع، برقم 12 - (2069)، واللفظ له.

(2)

في نسخة الزهيري: «نهى النبي صلى الله عليه وسلم» .

(3)

رواه مسلم، كتاب اللباس والزينة، باب تحريم استعمال إناء الذهب والفضة على الرجال والنساء، وخاتم الذهب والحرير على الرجل، وإباحته للنساء، وإباحة العلم ونحوه للرجل، ما لم يزد على أربع أصابع، برقم 15 - (2069).

(4)

سورة البقرة، الآية:29.

ص: 785

السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ} (1)، وقال سبحانه:{يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا} (2)، فاللباس لباسان: لباس ما يستر السوءات: يعني العورات، ولباس يتخذ للزينة وهو الرياش، ثم قال سبحانه:{وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ} (3) ، لما ذكر اللباس الحسي ذكر اللباس المعنوي وهو التقوى، وهو الخير العظيم، فإن اللباس الحقيقي: اللباس الذي له الثمرة العظيمة والعاقبة الحميدة لباس التقوى، المؤمن يتخلق بطاعة اللَّه ورسوله، وترك ما نهى اللَّه عنه ورسوله، هذا هو اللباس العظيم، الذي فيه العزة في الدنيا والآخرة، والسعادة في الدنيا والآخرة.

الحديث الأول: حديث البراء بن عازب الأنصاري رضي الله عنهما، هو صحابي وأبوه صحابي، قال: نهانا رسول اللَّه عن سبع، وأمرنا بسبع، أي سبع خصال من جملة أشياء كثيرة أمر بها، وسبع خصال من أشياء كثيرة نهى عنها، فليس له مفهوم، يعني العدد ليس له مفهوم، بل هناك أشياء من الأوامر لم تذكر، وهناك أشياء من النواهي لم تذكر، لكن المقصود أن هذه السبع أمرهم بها، وسبع أخرى نهاهم عنها.

أمرهم بسبع: عيادة المريض، عيادة المريض من السنن المؤكدة؛ لما فيها من إشعار أخيك بتأثرك بمرضه؛ ولما في ذلك

(1) سورة الجاثية، الآية:13.

(2)

سورة الأعراف، الآية:26.

(3)

سورة الأعراف، الآية:26.

ص: 786

من العطف عليه والدعاء له، وربما وصَّفت له دواءً، وربما قضيت له حاجة، وهو يحتاج إليك فيها، فعيادة المريض من القربات العظيمة، ومن حق المسلم على أخيه.

الثاني: اتباع الجنائز، أن يتبع أخاه إذا مات، يصلي عليه، ويتبعه للمقبرة، أيضاً من السنن العظيمة، وفيها جبر لأهله، وتذكر للموت، ومواساة لأهل الميت، وتحصيل للأجر العظيم، فإن من شهد الجنازة حتى يُصلَّى عليها فله قيراط، ومن شهدها حتى تُدفن فله قيراطان، قيل يا رسول اللَّه: ما القيراطان؟ قال: «مثل الجبلين العظيمين» (1)، يعني من الأجر.

الثالث: تشميت العاطس إذا حمد اللَّه، يُقال: يرحمك اللَّه، هذه السُّنة، إذا سمعت أخاك يقول: الحمد للَّه. بعدما عطس، تقول: يرحمك اللَّه. وهو يقول: يهديكم اللَّه ويُصلح بالكم. هكذا السنة.

الرابع: إبرار القسم أو المقسم، شك من الراوي، يعني إذا قسم عليك أخوك تبر قسمه، هذا من مكارم الأخلاق، ومن حق المسلم على أخيه، إذا قال: واللَّه أن تتغدى عندي، واللَّه أن تشرب القهوة عندي، واللَّه أن تفضل لكذا. يقصد إكرامك، تجيب دعوته إذا تيسر لك ذلك، فإن شق عليك تعتذر من أخيك، حتى يسمح لك؛ لأن هذا من مكارم

(1) البخاري، كتاب الجنائز، باب من انتظر حتى تدفن، برقم 1325، ولفظه: عن عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَعْرَجُ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ شَهِدَ الْجَنَازَةَ حَتَّى يُصَلِّيَ فَلَهُ قِيرَاطٌ، وَمَنْ شَهِدَ حَتَّى تُدْفَنَ كَانَ لَهُ قِيرَاطَانِ» قِيلَ: وَمَا الْقِيرَاطَانِ؟ قَالَ: «مِثْلُ الْجَبَلَيْنِ الْعَظِيمَيْنِ» .

ص: 787

الأخلاق، ومما تجلب به المحبة والتآلف والوئام والتعارف.

والخامس: نصر المظلوم، تنصر أخاك إذا ظُلِمَ بالكلام الطيب، والشفاعة، والفعل الطيب، حسب طاقتك، أن تنصره بما تستطيع، مما يوافق الشرع المطهر.

السادس: إجابة الداعي، إجابة الدعوة إذا دعاك لوليمة عرس أو غيره تجيب دعوته، لما في ذلك من التآلف، والإيناس، والتعاطف والتعارف، إلا أن يكون هناك منكر فأنت معذور، إن كان هناك منكر: كالخمر، والتدخين، والتصوير، وأشباه ذلك، إذا كان لك عذر، وأنت لا تستطيع إزالة هذا المنكر.

والسابع: إفشاء السلام، هذا الحق السابع إفشاء السلام.

والثامن: رد السلام، إفشاء السلام، وردُّه أيضاً، أنت مشروع لك تفشي السلام تبدأُ به، ومشروع للمُسلَّم عليه أن يُجيب، فرض عليه أن يرد السلام، كما قال سبحانه:{وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا} (1).

التاسع: وهو النصيحة، «إذا استنصحك فانصح له» (2)، والحديث

(1) سورة الأعراف، الآية:86.

(2)

أخرج مسلم، كتاب السلام، باب من حق المسلم للمسلم رد السلام، برقم 2162: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «حَقُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ سِتٌّ» ، قِيلَ: مَا هُنَّ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ «إِذَا لَقِيتَهُ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ، وَإِذَا دَعَاكَ فَأَجِبْهُ، وَإِذَا اسْتَنْصَحَكَ فَانْصَحْ لَهُ، وَإِذَا عَطَسَ فَحَمِدَ اللَّهَ، فَشَمِّتْهُ، وَإِذَا مَرِضَ فَعُدْهُ، وَإِذَا مَاتَ فَاتَّبِعْهُ» .

ص: 788

الآخر: أن جريراً بايع النبي صلى الله عليه وسلم على النصح لكل مسلم (1).

وحديث: «الدين النصيحة» (2)، هذا من حق المسلم على أخيه.

وهناك حقوق أخرى جاءت بها الأحاديث عن رسول اللَّه عليه الصلاة والسلام، فالمؤمن يتتبع ما جاءت به السُّنة، فيفعل ما استطاع من ذلك، يتحرَّى الخير والامتثال، كما أنه يتحرَّى ما جاءت به النصوص من النواهي، فيجتنبها ويحذرها.

«ونهاهم عن سبع» ، وهي الشاهد للباب.

عن التختم بالذهب، هذا لباس، فلا يجوز التختم بالذهب للرجال ولكن بالفضة لا بأس، وهكذا الشرب بالفضة والأكل كذلك أعظم، فلا يأكل في الفضة ولا يشرب فيها، ولا بالذهب من باب أولى، فقد جاء الحديث الصحيح:«لا تشربوا بآنية الذهب والفضة، ولا تأكلوا في صحافها، فإنها لهم في الدنيا، ولكم في الآخرة» متفق عليه من حديث حذيفة رضي الله عنه (3).

وجاء من حديث أم سلمة أيضاً عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «الَّذِي يأكل أو يَشْرَبُ فِي آنيةِ الذهبِ والْفِضَّةِ إِنَّمَا يُجَرْجِرُ فِي بَطْنِهِ نَارَ

(1) البخاري، الأحكام، باب كيف يبايع الإمام الناس، برقم 7204، ومسلم، كتاب الإيمان، باب بيان أن الدين النصيحة، برقم 56، ولفظ الحديث عنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: بَايَعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ، فَلَقَّنَنِي:«فِيمَا اسْتَطَعْتُ وَالنُّصْحِ لِكُلِّ مُسْلِمٍ» .

(2)

مسلم، كتاب الإيمان، باب بيان أن الدين النصيحة، برقم 55.

(3)

البخاري، برقم 5426، ومسلم، برقم 2066، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 402.

ص: 789

جَهَنَّمَ» خرجه مسلم (1).

الأكل والشرب في أواني الذهب والفضة، هذا محرم على الجميع: الرجال، والنساء جميعاً، ليس للرجال ولا للنساء الأكل بالذهب والفضة ولا الشرب بهما.

أما التختم فهذا خاص بالرجال (2)، يجوز للمرأة أن تتختم بالذهب.

وقد اتخذ النبي صلى الله عليه وسلم خاتماً من ذهب ثم نزعه وقال: «لا أَلْبَسُهُ أَبَداً» ، فَنَبَذَ النَّاسُ خَوَاتِيمَهُمْ (3)، واتخذ مكانه خاتماً من فضة عليه الصلاة والسلام ، فدل ذلك على تحريم الذهب على الرجل، وأنه لا حرج في خاتم الفضة.

وأما النساء فلا حرج عليهن في خواتيم الذهب والفضة جميعاً؛ لأنهن في حاجة للزينة بذلك.

والثالث: المياثر الحمر لا يستعملها المؤمن؛ لأنها من زي الأعاجم، فلا يستعملها إذا كانت من زي الكفرة، وإن كانت المياثر من الحرير حرمت عليه؛ لأنها حرير أيضاً، فلا يركبها، ولا يلبس الحرير، فالركوب والجلوس مثل اللبس، كما أنه منهي عن [لبس](4)

(1) مسلم، كتاب اللباس والزينة، باب تحريم استعمال أواني الذهب والفضة في الشرب وغيره، على الرجال والنساء، برقم 2065.

(2)

والمعنى: النهي عن التختم بالذهب خاص بالرجال.

(3)

رواه البخاري، برقم 5865، ومسلم، برقم 2091، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 405.

(4)

ما بين المعقوفين أضيفت لإتمام المعنى.

ص: 790

الحرير، كذلك الجلوس عليه.

الرابع: نهى عن القسيِّ (1) ، وهي ثياب فيها خطوط من الحرير [

] (2).

والخامس والسادس والسابع: الحرير، والإستبرق، والديباج: الحرير المعروف، والإستبرق نوع منه فيه لَمَعَان، والديباج نوع غليظ، كلها أنواع من الحرير.

في حديث عمر: النهي عن لبس الحرير، إلا موضع أصبعين، أو ثلاث، أو أربع (3)، هذا خاص بالرجال، إذا كان موضع أصبعين أو ثلاث أو أربع، مثل الزَّر: الزرار في الجيب، ومثل البقعة في الثوب، البقعة الصغيرة إذا كانت موضع أصبع أو أصبعين أو ثلاث، أو أربع، فلا بأس.

خياطة شق في الجيب، وفي الثوب كذلك، إذا كانت بمقدار أصبعين أو ثلاث أو أربع.

هذا يباح للرجال من الحرير؛ لأن هذا قد يحتاج إليه، وفيه أنه يلبس في اليمنى الخاتم؛ لحديث ابن عمر، يلبس الخاتم في اليد اليمنى، ويجوز لبسه في اليسرى، فقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه لبسه في اليمنى (4) واليسرى (5) جميعاً، «وجعل خاتمه من داخل» (6) هذا هو

(1) القَسِّيِّ: هي ثياب من كَتَّان مَخْلوط بحَريِر، يُؤتَى بها من مصر، نُسِبَت إلى قَرْية على شاطاء البحر قريباً من تِنِّيس، يقال لها: القَسُّ - بفتح القاف - وبعض أهل الحديث يكْسِرها. النهاية في غريب الحديث والأثر، (4/ 59، مادة (قسس).

(2)

ما بين المعقوفين كلمات فيها شرح للقسي، غير واضحة، ولا تؤثر على المعنى.

(3)

رواه مسلم، برقم 15 - (2069)، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 406.

(4)

سنن أبي داود، كتاب الخاتم، باب ما جاء في التختم في اليمين أو اليسار، برقم 4226، عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ شَرِيكٌ، وَأَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَتَخَتَّمُ فِي يَمِينِهِ، والنسائي، كتاب الزينة، صفة خاتم النبي صلى الله عليه وسلم، عن أنس رضي الله عنه، وعن ابن عباس في سنن الترمذي، كتاب اللباس، باب ما جاء في لبس الخاتم في اليمين، برقم 1742، وصححه الألباني في صحيح النسائي، برقم 5203.

(5)

سنن أبي داود، كتاب الخاتم، باب ما جاء في التختم في اليمين أو اليسار، برقم 4227، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَتَخَتَّمُ فِي يَسَارِهِ وَكَانَ فَصُّهُ فِي بَاطِنِ كَفِّهِ.

(6)

أخرج أحمد، 9/ 33، برقم 4976، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، «أَنَّ فَصَّ خَاتَمِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ فِي بَاطِنِ كَفِّهِ» ، وقوّى إسناده محققو المسند، وفي مسند أبي عوانة، 5/ 258، أَنّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَبِسَ خَاتَمَ فِضَّةٍ فِي يَمِينِهِ، فِيهِ فَصٌّ حَبَشِيٌّ، فَكَانَ يَجْعَلُ مِمَّا يَلِي كَفَّهُ.

ص: 791

الأفضل؛ لأن اليمنى محل للزينة، وإذا لبسه في اليسرى فلا بأس، الرسول فعل هذا وهذا من جنس الساعة تلبس في اليمنى واليسرى، الساعة الحاجة إليها ماسة، ولا مانع من جعلها في اليسرى واليمنى، مثل خاتم الفضة، هي أكثر شبه بالخاتم.

ص: 792