الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفضيلة هذا خير، فينبغي للمؤمن الاحتساب في هذه الليلة، وهذه العشر والاجتهاد في الخير، وسؤال اللَّه التوفيق فيها، وهي لا تكلف شيئاً، عشر ليالي ما تكلف كثيراً، الاجتهاد فيها لا يُكلف كثيراً، لأنها أيام عشر، ليست شهراً ولا شهرين ولا سنة، عشر ليالي، الاجتهاد فيها، والحرص فيها على أنواع الخير أمر ميسر، والحمد للَّه (1).
36 - باب الاعتكاف
(2)
214 -
عن عائشة رضي الله عنها: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (3) كَانَ يَعْتَكِفُ فِي (4) الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ، حَتَّى تَوَفَّاهُ اللَّهُ تعالى، ثُمَّ اعْتَكَفَ أَزْوَاجُهُ مِنْ (5) بَعْدِهِ» (6).
215 -
عن عائشة رضي الله عنها، «أَنَّهَا كَانَتْ تُرَجِّلُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَهِيَ حَائِضٌ،
(1) آخر الوجه الثاني من الشريط التاسع، سجل في درس الشيخ رحمه الله في 14/ 6/ 1409هـ ..
(2)
أول الوجه الأول من الشريط العاشر، سجل في درس الشيخ رحمه الله في 14/ 6/ 1409هـ.
(3)
في نسخة الزهيري: «أن النبي صلى الله عليه وسلم» .
(4)
«في» : ليست في نسخة الزهيري.
(5)
«من» : ليست في نسخة الزهيري، وهي في البخاري، برقم 2026.
(6)
رواه البخاري، كتاب الاعتكاف، باب الاعتكاف في العشر الأواخر، واللفظ له، برقم 2026، ومسلم، كتاب الاعتكاف، باب اعتكاف العشر الأواخر من رمضان، برقم 5 - (1172).
(7)
رواه البخاري، كتاب الاعتكاف، باب الاعتكاف في شوال، برقم 2041.
وَهُوَ مُعْتَكِفٌ فِي الْمَسْجِدِ، وَهِيَ فِي حُجْرَتِهَا، يُنَاوِلُهَا رَاسَهُ» (1).
وفي رواية، «وَكَانَ لا يَدْخُلُ الْبَيْتَ إلَاّ لِحَاجَةِ الإِنْسَانِ» (2).
وفي رواية: «أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ: إنِّي كُنْتُ لأَدْخُلُ الْبَيْتَ لِلْحَاجَةِ ــ وَالْمَرِيضُ فِيهِ ــ فَمَا أَسْأَلُ عَنْهُ إلَاّ وَأَنَا مَارَّةٌ» (3).
216 -
عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: «قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي كُنْتُ نَذَرْتُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ: أَنْ أَعْتَكِفَ لَيْلَةً ــ وَفِي رِوَايَةٍ: يَوْماً ــ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ؟ قَالَ: «فَأَوْفِ بِنَذْرِكَ» (4).
وَلَمْ يَذْكُرْ بَعْضُ الرُّوَاةِ «يَوْماً» ولا «لَيْلَةً» .
217 -
عن صفية بنت حيي رضي الله عنها قالت: «كَانَ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم (5)
(1) رواه البخاري، كتاب الحيض، باب غسل الحائض رأس زوجها وترجيله، برقم 296، وكتاب الاعتكاف، باب المعتكف يدخل رأسه البيت للغسل، برقم 2046، واللفظ له، ومسلم، كتاب الحيض، باب جواز غسل الحائض رأس زوجها وترجيله وطهارة سؤرها، والاتكاء في حجرها وقراءة القرآن فيه، برقم 9 - (297).
(2)
رواه البخاري في الاعتكاف، باب لا يدخل البيت إلا لحاجة، برقم 2029، ومسلم، كتاب الحيض، باب جواز غسل الحائض رأس زوجها وترجيله وطهارة سؤرها، والاتكاء في حجرها وقراءة القرآن فيه، واللفظ له، برقم 297.
(3)
مسلم، كتاب الحيض، باب جواز غسل الحائض رأس زوجها وترجيله وطهارة سؤرها، والاتكاء في حجرها وقراءة القرآن فيه، برقم 7 - (297).
(4)
رواه البخاري، كتاب الاعتكاف، باب الاعتكاف ليلاً، برقم 2032، وقوله: إِنَّهُ كَانَ «عَلَيَّ اعْتِكَافُ يَوْمٍ فِي الجَاهِلِيَّةِ» رواية للبخاري، برقم 3144، ومسلم، برقم 7 - (1656)، ومسلم، كتاب الأيمان والنذور، باب نذر الكافر وما يفعل فيه إذا أسلم، برقم 1656.
(5)
في نسخة الزهيري: «كان النبي صلى الله عليه وسلم» .
مُعْتَكِفًا في المسجد (1)، فَأَتَيْتُهُ أَزُورُهُ لَيْلاً فَحَدَّثْتُهُ، ثُمَّ قُمْتُ لأَنْقَلِبَ، فَقَامَ مَعِي لِيَقْلِبَنِي ــ وَكَانَ مَسْكَنُهَا فِي دَارِ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ ــ فَمَرَّ رَجُلانِ مِنَ الأَنْصَارِ، فَلَمَّا رَأَيَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَسْرَعَا في المشي (2)، فَقَالَ (3):«عَلَى رِسْلِكُمَا، إنَّهَا صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَيٍّ» ، فَقَالا: سُبْحَانَ اللَّه! يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ:«إنَّ الشَّيْطَانَ يَجْرِي مِنِ ابْنِ آدَمَ مَجْرَى الدَّمِ، وَإِنِّي خِفْتُ (4) أَنْ يَقْذِفَ فِي قُلُوبِكُمَا شَرّاً» أَوْ قَالَ: «شَيْئاً» (5).
(1)«في المسجد» : ليست في نسخة الزهيري.
(2)
«في المشي» : ليست في نسخة الزهيري.
(3)
في نسخة الزهيري: «فقال النبي صلى الله عليه وسلم» .
(4)
في نسخة الزهيري: «خشيت» .
(5)
رواه البخاري، كتاب الاعتكاف، باب هل يخرج المعتكف لحوائجه إلى باب المسجد، برقم 2035، ومسلم، كتاب السلام، باب بيان أنه يستحب لمن رؤي خالياً بامرأة، وكانت زوجة أو محرماً له، أن يقول: هذه فلانة ليدفع ظن السوء به، برقم 2175.
(6)
في نسخة الزهيري: «بلغت» .
(7)
رواه البخاري، كتاب الاعتكاف، باب هل يخرج المعتكف لحوائجه إلى باب المسجد، برقم 2035، ومسلم، كتاب السلام، باب بيان أنه يستحب لمن رؤي خالياً بامرأة، وكانت زوجة أو محرماً له، أن يقول: هذه فلانة ليدفع ظن السوء به، برقم، 25 - (2175).
57 -
قال الشارح رحمه الله:
هذه الأحاديث الأربعة كلها تتعلق بالاعتكاف، والاعتكاف مصدر اعتكف، يعتكف: إذا لبث في المقام، إذا لبث في المكان يقال له: اعتكف في المكان، إذا لبث فيه، وأقام فيه مدة من الزمن، مثل لفظ الآية الكريمة:{فَأَتَوْا عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ} (1)، يعني يقيمون عندها، ويلبثون عندها؛ للتعبُّد، والتبرُّك بها، وعبادتها من دون اللَّه.
والاعتكاف الشرعي هو: لزوم مسجد لطاعة اللَّه عز وجل، ويسمى اعتكافاً إذا بقي في المسجد بنية التعبد، والعبادة، يسمى اعتكافاً وهو: اللبث، وهو سُنة مُستحبة، وآكد الأوقات: رمضان، ففي رمضان آكد من غيره، ويجوز في غير رمضان، لكن في رمضان أفضل، وآكد لفضل الزمان، والتأسي بالنبي عليه الصلاة والسلام؛ فإنه كان في الغالب يعتكف في رمضان، وقد اعتكف مرة في شوال، ترك الاعتكاف في العشر الأواخر، واعتكف في شوال، فالاعتكاف في رمضان هو أكمل، وأفضل، ولا بأس به في غير رمضان.
في الحديث الأول عن عائشة رضي الله عنها: «أن النبي صلى الله عليه وسلم اعتكف، وكان يعتكف العشر الأواخر من رمضان، يعني في كل سنة، ثم اعتكف أزواجه من بعده عليه الصلاة والسلام ورضي اللَّه عنهن» ، هذا يدل على
(1) سورة الأعراف، الآية:138.
شرعية الاعتكاف، وأنه من سنته صلى الله عليه وسلم، وأنه باقٍ لم ينسخ؛ ولهذا فعله الصحابة بعده، فدّل ذلك على أنه سُنة باقية، واستقر فعله صلى الله عليه وسلم على أنه يعتكف في العشر الأخيرة من رمضان، وكان قد اعتكف العشر الأُوَل، ثم اعتكف العشر الأوسط، يلتمس ليلة القدر، ثم قيل له: إنها في العشر الأخيرة، فاستقر اعتكافه في العشر الأخيرة من رمضان، وبيّن صلى الله عليه وسلم أن هذه الليلة، وهي ليلة القدر تكون في العشر الأخيرة من رمضان.
وفيه أيضاً الدلالة على شرعية اعتكاف النساء كالرجال، وأن الاعتكاف يشرع للجميع: للرجال والنساء، ومحلُّه المساجد، كما قال تعالى:{وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} (1)، وإذا اعتكفت المرأة في المسجد، فلا بد أن يكون ذلك على وجه ليس فيه فتنة، في محل مصون، ليس فيه فتنة.
وفي الحديث الثاني: أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان ربما أدلى لها رأسه تُرجِّله، وهو معتكف، وهي حائض، فدّل ذلك على أن خروج بعض الإنسان من المسجد لا يحكم عليه بالخروج، إذا خرج رأسه، أو خرجت يده، أو رجله، لا يخرج الكل، فالمعتكف لا يسمى خارجاً إلا إذا خرج برجليه كله، أما إذا مدَّ رأسه، أو مدَّ رجله ما يُسمَّى خارجاً.
وفيه دليل على جواز استخدام الحائض، لا بأس أن تستخدم، تغسل رأسه، وتصب عليه الماء، أو تقرّب له متاعه، كل ذلك لا
(1) سورة البقرة، الآية:187.
حرج؛ ولهذا لما أمرها الرسول صلى الله عليه وسلم أن تأتي بالخُمرة التي في المسجد قالت: إني حائض. قال: «إِنَّ حَيْضَتَكِ لَيْسَتْ فِي يَدِكِ» ، فأمرها، ونهيها، واستخدامها في حاجات الزوج لا بأس، المحرّم عليه جماعها، أما كونه يضاجعها، أو تمشط رأسه، أو تغسل ثيابه، أو تُقدِّمُ له حاجة، أو تضاجعه، كل هذا لا بأس به، «اصنعوا كل شيء إلا النكاح» (1)، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام.
وفيه من الفوائد: أنه إذا اعتكف، يكون دخول المُعْتَكَف بعد صلاة الفجر، فإذا أراد الاعتكاف دخل معتكفه بعد صلاة الفجر، كما قالت عائشة رضي الله عنها، وهذا إذا كان الابتداء بالنهار، فأما إذا أراد الليل، يبتدي من الليل فإذا أراد أن يبتدي من الحادية والعشرين، أو من الثانية والعشرين من النهار يبدأ بعد صلاة الفجر، وإذا أراد الليل يبدأ من الليل من غروب الشمس، إذا صلَّى المغرب يبقى في المسجد، وهو سُنة ليس بلازم، إلا أن ينذره نذراً وجب عليه، وإلا فهو سنة، له أن يعتكف، وله أن يدع، وله إن نوى عشراً، ثم أراد أن يترك منها بعضها، فلا حرج عليه، إذا كان ليس بنذر، إنما هو باختياره، أما إذا نذره وجب عليه الوفاء بالنذر؛ لأنه طاعة.
(1) عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه، أَنَّ الْيَهُودَ كَانُوا إذا حاضت المرأة فيهم لم يؤاكلوها، ولم يجامعوهن في البيوت، فسأل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم النبي صلى الله عليه وسلم، فَأَنْزَلَ اللَّهُ:{وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ} إلى آخر الآية، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«اصْنَعُوا كُلَّ شَيْءٍ، إِلَاّ النّكاح» ، أخرجه مسلم، برقم 302، وهذا لفظه، وابن ماجه، كتاب الطهارة بسننها، باب الحائض وسؤرها، برقم 644، والنسائي في الكبرى، 5/ 345، برقم 9049.
وفيه من الفوائد: أن الحائض طاهرة، يدها طاهرة، عرقها طاهر، بدنها طاهر، إلا ما أصابه الدم؛ ولهذا كانت تغسل رأسه، وتُرجِّله وهي حائض، فإذا أصاب شيء من دمها ثوباً، أو بدناً يُغسل محل الإصابة فقط (1)، أما بقية الثوب بقية البدن، فكله طاهر.
وفيه أن المعتكف يشتغل بالاعتكاف، ولا يخرج إلا لحاجة الإنسان: كالبول، والغائط، ونحوه، وإلا فليبقَ في معتكفه بقية الليل والنهار، هذا هو الأفضل، يلزم المسجد إلا لحاجة الإنسان، يقضي حاجته: بول، غائط، وضوء، غسل، أكل، شرب إذا كان ما تيسر له من يأتي به، أما إذا تيسر من يأتي به في المسجد، فهو أفضل، حتى يقلّ الخروج، حتى قالت عائشة: إنه يكون المريض في البيت فما تسأل عنه، إلا وهي مارة (2)، حرصاً على عودها إلى المعتكف، فإذا سأل عن المريض في الطريق، أو في البيت ما يضرّه، لكن الأفضل أنه لا يعود مريضاً، ولا يذهب يزور الناس، يبقى في المعتكف، يعبد ربه، يعني المقصود من الاعتكاف قطع العلائق عن الخلائق والاتصال [
…
] (3) بالخالق، المقصود من الاعتكاف التفرغ للعبادة، والاشتغال بالعبادة عن الاشتغال بالناس، وزياراتهم، والاجتماع بهم.
وفي حديث عمر رضي الله عنه الدَّلالة على أن الكافر إذا نذر في الجاهلية
(1) في الأصل: بسّ.
(2)
مسلم، برقم 7 - (297)، وتقدم تخريجه في حديث المتن رقم 215.
(3)
ما بين المعقوفين كلمة غير واضحة، وحذفها لا يؤثر على المعنى.
عبادة يوفي بها بعد الإسلام، إذا نذر أن يقوم، أو يصلي أو يعتكف، ثم أسلم يوفي بنذره، ولهذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم عمر أن يوفي بنذره، وقد نذر أن يعتكف ليلة، أو يوماً في المسجد الحرام، قال له:«أوف بنذرك» (1) لما أسلم، فإذا قال في حال كفره: للَّه عليَّ أن أعتكف كذا، أو أتصدق بكذا، أو أُصلي كذا، ثم أسلم، يؤمر بوفاء نذره؛ لأنه عبادة، فإذا نذرها ينبغي أن يوفي بها طاعة للَّه، وتعظيماً له، ورغبةً فيما عنده من الأجر.
وحديث صفية يدل على أن المرأة لا بأس أن تزور زوجها، وهو معتكف، ولا بأس أن يزوره إخوانه، وأصدقاؤه، لا حرج في ذلك، فيتحدثون عنده لا بأس بذلك، ولهذا زارته صفية تتحدث عنده، فلما قامت قام معها ليقلبها، يعني يردها إلى بيتها، قام معها من المسجد حتى وصل باب المسجد، هذا من حُسن خُلقه، ومن تواضعه، ومن معاشرته الطيبة لأهله، قام معها إكراماً لها، وإيناساً لها، يمشي معها في المسجد حتى وصلت الباب، هذا يدل على حُسن خُلقه صلى الله عليه وسلم، وتواضعه، وعنايته بأهله، ومعاشرته لهن بالمعروف، فلما كان عند الباب مرّ رجلان من الأنصار، فرأياه فأسرعا، فقال:«على رِسْلِكُمَا» ، أي مهلاً «إنها صفية بنت حُيي» ، خاف أن يظنّا سوءاً، فقالا: سبحان اللَّه، سبحان اللَّه يا رسول اللَّه! قال:«إنَّ الشَّيْطَانَ يَجْرِي مِنِ ابْنِ آدَمَ مَجْرَى الدَّمِ، وَإِنِّي خَشِيتُ أَنْ يَقْذِفَ فِي قُلُوبِكُمَا شَرّاً» أَوْ قَالَ: «شَيْئاً» (2)، أي خشي
(1) البخاري، برقم 2032، ومسلم، برقم 1656، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 215.
(2)
رواه البخاري، برقم 2035، ومسلم، برقم 2175، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 217.
عليهما أن يوسوس لهما الشيطان، ويقول: إن هذه المرأة غير شرعية، فبيَّن لهما عليه الصلاة والسلام أنها زوجته، حتى لا يظنَّا سوءاً به عليه الصلاة والسلام فيهلكا؛ لأنه عليه الصلاة والسلام ليس مظنة سوء، وقد عصمه اللَّه من كبائر الذنوب، وعصمه اللَّه في بلاغه للناس، بينما الخلاف في الصغائر: هل تقع من الأنبياء أم لا؟ المقصود: أنه قال لهما هذا الكلام؛ ليبتعدا عن سوء الظن، وليعلما الحقيقة.
وفي هذا من الفوائد: أن الإنسان إذا كان في موقف قد يُتَّهم فيه يبين للمارِّ، أني وقفت هنا لأجل كذا وكذا، حتى لا يُظن به سوء، إذا وقف العالِم، أو الرجل الصالح في مكان غير مناسب، ومر عليه بعض إخوانه، يُبين لهم العلة، حتى لا يتهموه بأنه انحرف عن الطريق السوي.
وفيه أن الشيطان له صلة بالإنسان شديدة، وعظيمة، وخفية، وأنه يجري من ابن آدم مجرى الدم، والشياطين أنواع، ولهم أجسام، ولهم أرواح، تليق بهم لا يعلم كيفيتها إلا اللَّه سبحانه وتعالى، وكونه يصل فيجري من ابن آدم مجرى الدم، هذا شيء عظيم يدل على لطافةٍ، وأنه عنده من اللطافة والصِّغر ما يجعله يجري من ابن آدم مجرى الدم، هذا نوع من الشياطين، ثم الشيطان له لمَّة بالإنسان، كما أن الملَكَ له لمّة بالإنسان، كل إنسان معه قرين من الشيطان يدعوه إلى الشر، ويأمر بالشر، كما أن معه ملَكاً يدعوه إلى الخير، ويأمره
بالخير، فالواجب الحذر من هذا الشيطان، الذي هو ملازم لك، وهو قرينك، والحذر من بقية الشياطين، التي قد تهجم عليك، وتوسوس عليك فيما يضرك.
[
…
] (1) يجب أن تحذر، فكل لمّة، وكل ما يخطر بالبال من شيء من السوء، فهو من الشيطان، وكل ما يخطر بالبال، ويلمُّ بك من أمر طيب، فهو من لمّات الملَك.
(1) ما بين المعقوفين كلمة واحدة غير واضحة، والذي يظهر أنها «وفيما يسبغه اللَّه عليك» ، وحذفها لا يؤثر.