المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌8 - باب المواقيت - الإفهام في شرح عمدة الأحكام

[ابن باز]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة المحقق

- ‌وكان عملي على النحو الآتي:

- ‌نبذة عن حياة مؤلف العمدة: الإمام عبد الغني بن عبد الواحد المقدسي

- ‌أولاً: نسبه، ومولده، ونشأته، ومكانته العلمية:

- ‌ثانياً: عبادته وتضرعه، وأوقاته:

- ‌ثالثاً: شيوخه:

- ‌رابعاً: تلامذته:

- ‌خامساً: أقوال العلماء فيه:

- ‌سادساً: أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر:

- ‌سابعاً: جوده وكرمه:

- ‌ثامناً: تصانيفه:

- ‌تاسعاً: وفاته:

- ‌نبذة عن حياة الشارح الإمام عبد العزيز بن عبد الله بن باز

- ‌أولاً: ما قال سماحته عن نفسه

- ‌ثانياً: أوصافه الخَلْقية

- ‌ثالثاً: صفاته الخُلُقية:

- ‌رابعاً: دروسه العلمية في مدينة الرياض

- ‌خامساً: زوجات سماحة الشيخ:

- ‌سادساً: أولاده:

- ‌ثامناً: الجنازة وأصداء الوفاة

- ‌تاسعاً: مشاهد نادرة من جنازة الشيخ

- ‌مقدمة المؤلف

- ‌1 - كتاب الطهارة

- ‌1 - بابُ دخولِ الخلاءِ والاستطابةِ

- ‌2 - بابُ السواكِ

- ‌3 - بابُ المسحِ على الخفينِ

- ‌4 - بابٌ في المذيِ وغيرِهِ

- ‌5 - بابُ الغسل من الجنابةِ

- ‌6 - باب التَّيَمُّمِ

- ‌7 - بابُ الحيضِ

- ‌2 - كتاب الصلاة

- ‌8 - بابُ المواقيتِ

- ‌9 - باب فضلِ صلاة الجماعة ووجوبها

- ‌10 - بابُ الأَذانِ

- ‌11 - باب استقبالِ القبلة

- ‌12 - بابُ الصُّفوفِ

- ‌13 - بابُ الإِمامةِ

- ‌14 - بابُ صفةِ صلاةِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم

- ‌15 - باب وجوب الطمأنينة في الركوع والسجود

- ‌16 - باب القراءة في الصلاة

- ‌17 - بابُ تركِ الجَهرِ ببسمِ اللَّه الرَّحمنِ الرَّحيمِ

- ‌18 - بابُ سجودِ السَّهو

- ‌19 - بابُ المرورِ بينَ يديِ المصلي

- ‌20 - بابٌ جامعٌ

- ‌21 - بابُ التَّشهدِ

- ‌24 - باب الجمع بين الصلاتين في السفر

- ‌25 - باب قصر الصلاة في السفر

- ‌26 - باب الجمعة

- ‌27 - باب العيدين

- ‌28 - باب صلاة الكسوف

- ‌29 - باب صلاة الاستسقاء

- ‌30 - باب صلاة الخوف

- ‌31 - باب الجنائز

- ‌3 - كتاب الزكاة

- ‌32 - باب صدقة الفطر

- ‌4 - كتاب الصِّيَامِ

- ‌33 - باب الصوم في السفر وغيره

- ‌34 - باب أفضل الصيام وغيره

- ‌35 - باب ليلة القَدر

- ‌36 - باب الاعتكاف

- ‌5 - كتاب الحَجِّ

- ‌37 - باب المواقيت

- ‌38 - باب ما يلبس المُحرِم من الثياب

- ‌39 - باب الفدية

- ‌40 - باب حُرمة مكة

- ‌41 - باب ما يجوز قتله

- ‌42 - باب دخول مكة وغيره

- ‌43 - باب التمتُّع

- ‌44 - باب الهدي

- ‌45 - باب الغسل للمحرم

- ‌46 - باب فسخ الحج إِلى العمرة

- ‌47 - باب المحرم يأكل من صيد الحلال

- ‌6 - كتاب البيوع

- ‌48 - باب ما يُنهى عنه من البيوع

- ‌49 - باب العرايا وغير ذلك

- ‌50 - باب السَّلَم

- ‌51 - باب الشروط في البيع

- ‌52 - باب الربا والصَّرف

- ‌53 - باب الرهن وغيره

- ‌54 - بابُ اللُّقَطة

- ‌7 - كتاب الوصَايا

- ‌8 - كتاب الفرائض

- ‌9 - كتاب النكاح

- ‌55 - باب الصداق

- ‌10 - كتاب الطلاق

- ‌56 - باب العِدَّة

- ‌11 - كتاب اللعان

- ‌12 - كتاب الرضَاع

- ‌13 - كتاب القِصَاص

- ‌14 - [كتاب الحدُود

- ‌57 - باب حدِّ السرقة

- ‌58 - باب حدِّ الخمر

- ‌15 - كتاب الأيمان والنذور

- ‌59 - باب النذر

- ‌60 - باب الْقَضاء

- ‌16 - كتاب الأطعمة

- ‌61 - باب الصيد

- ‌62 - باب الأضاحي

- ‌17 - كتاب الأشربة

- ‌18 - كتاب اِللِّبَاس

- ‌19 - كتاب الجِهاد

- ‌20 - كتاب العتق

- ‌63 - باب بيع المدبَّر

- ‌الفهارس العامة

- ‌1 - فهرس الآيات القرآنية

- ‌2 - فهرس الأحاديث النبوية والآثار

- ‌3 - فهرس الألفاظ الغريبة

- ‌4 - فهرس الأشعار

- ‌5 - فهرس مصادر ومراجع التحقيق

الفصل: ‌8 - باب المواقيت

‌2 - كتاب الصلاة

(1)

‌8 - بابُ المواقيتِ

50 -

عن أبي عمرو الشيباني - واسمه سعد بن إياس - قال: حدثني صاحب هذه الدار ــ وأشار بيده إلي دار عبد اللَّه بن مسعود رضي الله عنه قال: «سَأَلْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم: أَيُّ الأعمالِ (2) أَحَبُّ إلَى اللَّهِ عز وجل؟ قَالَ: «الصَّلاةُ عَلَى وَقْتِهَا» ، قُلْتُ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: «بِرُّ الْوَالِدَيْنِ» ، قُلْتُ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: «الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ» ، قَالَ: حَدَّثَنِي بِهِنَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَلَوْ اسْتَزَدْتُهُ لَزَادَنِي» (3).

51 -

عن عائشة لقالت: «لَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي الْفَجْرَ، فَيَشْهَدُ مَعَهُ نِسَاءٌ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ مُتَلَفِّعَاتٍ بِمُرُوطِهِنَّ، ثُمَّ يَرْجِعْنَ إلَى بُيُوتِهِنَّ مَا يَعْرِفُهُنَّ أَحَدٌ، مِنَ الْغَلَسِ» (4)، (5).

(1) بداية الشريط الثالث الوجه الأول، بتاريخ 14/ 3/ 1409هـ.

(2)

في نسخة الزهيري: «أي العمل» ، وهي لفظ البخاري، برقم 527، ولفظ مسلم، برقم 139 - (85)«أي الأعمال» .

(3)

رواه البخاري، كتاب مواقيت الصلاة، باب فضل الصلاة لوقتها، برقم 527، بلفظه، ومسلم، كتاب الإيمان، باب بيان كون الإيمان باللَّه تعالى أفضل الأعمال، برقم 39 - (85).

(4)

رواه البخاري، كتاب الصلاة، باب في كم تصلي المرأة في الثياب، برقم 372، وكتاب مواقيت الصلاة، باب وقت الفجر، برقم 578، ومسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب استحباب التكبير بالصبح في أول وقتها، وهو التغليس، وبيان قدر القراءة فيها، برقم 645.

(5)

في نسخة الزهيري زيادة: «المروط: أكسية معلمة تكون من خز، وتكون من صوف، ومتلفعات: متلحفات، والغلس: اختلاط ضياء الصباح بظلمة الليل» .

ص: 142

52 -

عن جابر بن عبد اللَّه رضي الله عنهما قال: «كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي الظُّهْرَ: بِالْهَاجِرَةِ، وَالْعَصْرَ: وَالشَّمْسُ نَقِيَّةٌ، وَالْمَغْرِبَ: إذَا وَجَبَتْ، وَالْعِشَاءَ: أَحْيَاناً وَأَحْيَاناً، إذَا رَأَىهُمُ اجْتَمَعُوا: عَجَّلَ، وَإِذَا رَأَىهُمْ أَبْطَؤُوا: أَخَّرَ، وَالصُّبْحَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّيهَا بِغَلَسٍ» (1).

الهاجرة: هي شدة الحَرِّ بعد الزوال (2).

14 -

قال الشارح رحمه الله:

هذه الأحاديث الثلاثة تتعلق بالصلاة، والصلاة هي الركن الثاني من أركان الإسلام، وهي أعظم الأركان، وأهمها بعد الشهادتين، وكان فرضها في مكة المكرمة قبل الهجرة بثلاث سنوات، فرضها اللَّه عز وجل على النبي صلى الله عليه وسلم من دون واسطة، بل عُرج به إلى السماء، وتلقى فرضها من اللَّه من دون واسطة، بل كلمه اللَّه بذلك، وفرض عليه الصلوات الخمس جل وعلا، وهذا يدل على عظم شأنها، اللَّه ما أرسل بها ملكاً، بل فرضها مشافهة بكلامه عز وجل من دون واسطة، وكَلَّمَ اللَّه نبيَه عليه الصلاة والسلام وفرضها خمسين، ثم لم يزل عليه الصلاة والسلام يتردد إلى ربه، ويسأله التخفيف، حتى جعلها خمساً، وكان ذلك لأسباب لقائه لموسى عليه الصلاة والسلام في السماء السادسة،

(1) رواه البخاري، كتاب مواقيت الصلاة، باب وقت المغرب، واللفظ له، برقم 560، ومسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب استحباب التبكير بالصبح في أول وقتها، وهو التغليس، وبيان قدر القراءة فيها، برقم 646.

(2)

«الهاجرة: هي شدة الحر بعد الزوال» : ليست في نسخة الزهيري.

ص: 143

وأشار عليه موسى بأن يسأل ربه التخفيف، وهذا من أمر اللَّه، اللَّه جل وعلا جعل موسى يكلمه في ذلك، ويشير عليه بالرجوع لما مضى في علمه سبحانه، وحكمته أنه يجعلها خمساً سبحانه وتعالى، قال له موسى لما أخبره نبينا بالصلوات الخمس، أنها خمسون، قال: «إِنِّي قَدْ بَلَوْتُ النَّاسَ قَبْلَكَ، وَعَالَجْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ أشّدَّ المُعَالَجَةِ، إنَّ أمَّتَكَ لَا تُطِيقُ ذَلِكَ، ارْجِعْ إِلَى رَبِّك واسْأَلْه التَّخْفِيفَ، فلَمْ يَزَلْ يَسْأَلُ رَبَّهُ التَّخْفيفَ حتَّى جَعَلَهَا خمْساً، فَضْلاً مِنهُ وإحْسَاناً سبحانه وتعالى، هيَ خَمْسٌ في العَمَلِ، وخَمْسُونَ في الأجرِ، الحَسَنَةُ بعَشْرِ أمْثَالها (1).

ومن أدى الخمس وحافظ عليها وأدى حقها كمّل اللَّه له أجر الخمسين، وهي فرض على الرجال والنساء من المكلفين خمس

(1) أخرج مسلم بنحوه من حديث طويل، كتاب الإيمان، باب الإسراء برسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إلى السموات وفرض الصلوات، برقم 162، عن أنس بن مالك رضي الله عنه بلفظ وفيه: «.... قيلَ: وَقَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ: قَالَ: قَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ، فَفُتِحَ لَنَا فَإِذَا أَنَا بِإِبْرَاهِيمَ صلى الله عليه وسلم مُسْنِدًا ظَهْرَهُ إِلَى الْبَيْتِ الْمَعْمُورِ، وَإِذَا هُوَ يَدْخُلُهُ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ لَا يَعُودُونَ إِلَيْهِ، ثُمَّ ذَهَبَ بِي إِلَى سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى، وَإِذَا وَرَقُهَا كَآذَانِ الْفِيَلَةِ، وَإِذَا ثَمَرُهَا كَالْقِلَالِ - قَالَ - فَلَمَّا غَشِيَهَا مِنْ أَمْرِ اللَّهِ مَا غَشِيَ تَغَيَّرَتْ، فَمَا أَحَدٌ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَنْعَتَهَا مِنْ حُسْنِهَا. فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيَّ مَا أَوْحَى، فَفَرَضَ عَلَيَّ خَمْسِينَ صَلَاةً فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، فَنَزَلْتُ إِلَى مُوسَى صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: مَا فَرَضَ رَبُّكَ عَلَى أُمَّتِكَ؟ قُلْتُ: خَمْسِينَ صَلَاةً، قَالَ: ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ، فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيفَ، فَإِنَّ أُمَّتَكَ لَا يُطِيقُونَ ذَلِكَ، فَإِنِّي قَدْ بَلَوْتُ بَني إِسْرَائِيلَ وَخَبَرْتُهُمْ، قَالَ: فَرَجَعْتُ إِلَى رَبِّي فَقُلْتُ: يَا رَبِّ، خَفِّفْ عَلَى أُمَّتِي، فَحَطَّ عَنِّي خَمْسًا، فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى فَقُلْتُ حَطَّ عَنِّي خَمْسًا، قَالَ: إِنَّ أُمَّتَكَ لَا يُطِيقُونَ ذَلِكَ، فَارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيفَ. - قَالَ - فَلَمْ أَزَلْ أَرْجِعُ بَيْنَ رَبِّي تبارك وتعالى وَبَيْنَ مُوسَى عليه السلام، حَتَّى قَالَ: يَا مُحَمَّدُ، إِنَّهُنَّ خَمْسُ صَلَوَاتٍ كُلَّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، لِكُلِّ صَلَاةٍ عَشْرٌ، فَذَلِكَ خَمْسُونَ صَلَاةً، وَمَنْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كُتِبَتْ لَهُ حَسَنَةً، فَإِنْ عَمِلَهَا كُتِبَتْ لَهُ عَشْرًا

».

ص: 144

مرات في اليوم، الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر.

أما الجمعة هي فرض الوقت في يومها، أي الخامسة بدل الظهر، أما غير المكلف الصغير الذي لم يبلغ فليست فرضاً عليه، ولكنه يؤمر بها إذا بلغ سبعاً، ويضرب عليها إذا بلغ عشراً، ليعتادها ويستقيم عليها، حتى إذا بلغ فإذا هو قد استقام عليها، وعرف شأنها، فلا يصعب عليه أداؤها بعد ذلك.

أما المعتوه والمجنون ونحوهما من لا عقل له، فليست عليهم صلاة، وإنما يخاطب بها أهل الإسلام، الكافر لا يخاطب بها من ناحية الفعل، وإن كان يخاطب بها من جهة العقاب، الكفار مخاطبون بفروع الشريعة، ويعاقبون عليها يوم القيامة، لكن لا يطالبون بأداء الصلاة حتى يسلموا، حتى يشهدوا أن لا إله إلا اللَّه، وأن محمداً رسول اللَّه، فإذا أسلموا، أُمروا بالصلاة، فإن أدوها وإلا وجب استتابتهم، وقتل من لم يؤدها، {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ} (1) من لم يؤد الزكاة، ولم يؤد الصلاة، فلا يُخلَّى سبيله، وشأنها عظيم، وفضلها كبير، ومن حافظ على الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ، كفَّر اللَّه له ما بَيْنَها مِنَ السَّيِّئاتِ مَا لم تُغْشَ الْكَبَائِرُ (2).

(1) سورة التوبة، الآية:5.

(2)

روى مسلم، كتاب الطهارة، باب الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن ما اجتنبت الكبائر، برقم 233 عن أبي هريرة رضي الله عنه:«الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ وَالْجُمُعَةُ إِلَى الْجُمُعَةِ كفَّارات لَمَّا بَيْنَهُنَّ مَا لم تُغْشَ الكبائر» .

ص: 145

وفي حديث ابن مسعود رضي الله عنه أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم أَيُّ العملِ أَفضلُ؟ قَالَ: «الصَّلاةُ عَلَى وَقْتِهَا» (1) يعني تؤدى في الوقت، فهذا أفضل الأعمال، فالوقت شرط لها لا بد من أدائها في الوقت، ولا يجوز تأخيرها، ولا تقديمها، فمن أخرها أَثم وعليه القضاء، ومن قدمها لم تصح، وهي عمود الإسلام، كما في الحديث:«رَاسُ الْأَمْرِ الْإِسْلَامُ، وَعَمُودُهُ الصَّلَاةُ» (2)، وفي الحديث الآخر الذي رواه الإمام أحمد بإسنادٍ صحيح عن عبداللَّه بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ذَكَرَ الصَّلَاةَ يَوْمًا بين أصحابه فَقَالَ:«مَنْ حَافَظَ عَلَيْهَا كَانَتْ لَهُ نُورًا، وَبُرْهَانًا، وَنَجَاةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ لَمْ يُحَافِظْ عَلَيْهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ نُورٌ، وَلَا بُرْهَانٌ، وَلَا نَجَاةٌ، وحُشِرَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَعَ فِرْعَوْنَ، وَهَامَانَ، وقَارُونَ، وَأُبَيِّ بْنِ خَلَفٍ» (3)،

ــ نسأل اللَّه السلامة ــ صناديد الكفرة، من ضيّع الصلاة حشر مع هؤلاء، قال بعض أهل العلم: والحكمة في ذلك: أنه إذا ضيعها بأسباب الرياسة شابه فرعون، فيحشر معه يوم القيامة، ومن

(1) رواه البخاري، برقم 527، ومسلم، برقم 85، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 50.

(2)

مسند أحمد، 36/ 345، برقم 22016، وسنن الترمذي، كتاب الإيمان، باب ما جاء في حرمة الصلاة، برقم 2616، وسنن ابن ماجه، كتاب الفتن، باب كف اللسان في الفتنة، برقم 3973، وصححه بمجموع طرقه محققو المسند، 36/ 345، وصححه الألباني لغيره في صحيح الترغيب والترهيب، برقم 2866.

(3)

مسند أحمد، 11/ 141، برقم 6576، وابن حبان، 4/ 329، برقم 1467، والدارمي،

1 -

/ 203، والبيهقي في شعب الإيمان، 3/ 46، وفيها كلها وفي غيرها من كتب السنة لفظ (وكان) بدلاً من (حُشِرَ)، وحسن إسناده محققو المسند، 11/ 141، وصححه الألباني في مشكاة المصابيح، 1/ 127، برقم 578.

ص: 146

ضيعها بأسباب الوزارة والوظيفة شابه هامان، فيحشر معه يوم القيامة؛ لأنه وزير فرعون، وإن ضيعها بأسباب الأموال والتجارة والشهوات شابه قارون الذي خسف اللَّه به الأرض، فيحشر معه يوم القيامة نعوذ باللَّه، وإن تركها بسبب التجارات والبيع والشراء، والأخذ والعطاء شابه أُبي بن خلف تاجر أهل مكة الذي مات قتيلاً يوم أُحد، كافراً، يُحشر معه يوم القيامة، نسأل اللَّه السلامة.

الأمر الثاني: بر الوالدين: لعظم شأن بر الوالدين، وأنه فرض من أهم المهمات، برهما من أهم الواجبات، وعقوقهما من أكبر المنكرات، ومن أعظم الجرائم.

والثالث: الجهاد في سبيل اللَّه، الجهاد له شأن عظيم، لكن بر الوالدين مقدم عليه، فلا يجاهد إلا باستئذان والديه، فإن أذنا له وإلا اشتغل ببرهما، إلا أن يهجم عليه العدو في بلده أو في بيته، فإذا هجم العدو وجب النفير على الجميع بمحاربة العدو.

والحديث الثاني: حديث عائشة رضي الله عنها، تقول رضي الله عنها: كان النساء المؤمنات يَشْهَدنَ الفجر مَعَ النَّبي صلى الله عليه وسلم ثم يرجعن إلى بيوتهن ما يُعرفن من الغلس متلفعات بمروطهن: هذا فيه أن بعض النساء يشهدن [الفجر] مع النبي صلى الله عليه وسلم (1) ، وأنه لا بأس بحضور الصلاة مع النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا بأس بحضور صلاة الجماعة بعد النبي صلى الله عليه وسلم ، لكن مع التستر والبعد عن

(1) رواه البخاري، برقم 578، ومسلم، برقم، 645، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 51.

ص: 147

الفتنة إذا تسترن واحتشمن، ولم يتعاطين الطيب جاز لهن حضور الجماعة، وبيوتهن خيرٌ لهن، لكن إذا حضرن الجماعة للفائدة والتأسي بالإمام، أو لسماع حديث والفائدة فلا بأس، لكن بشرط أن يكن متسترات تاركات لأسباب الفتنة من الطيب ونحوه.

الثالث: حديث جابر، وهو ابن عبداللَّه الأنصاري، صحابي وأبوه صحابي بقال: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي الظُّهْرَ بِالْهَاجِرَةِ، وَالْعَصْرَ وَالشَّمْسُ نَقِيَّةٌ، وَالْمَغْرِبَ إِذَا وَجَبَتْ، وَالْعِشَاءَ أَحْيَانًا وَأَحْيَانًا، إِذَا رَأَىهُمْ اجْتَمَعُوا عَجَّلَ، وَإِذَا رَأَىهُمْ أَبْطَوْا أَخَّرَ وَالصُّبْحَ كَانَ يُصَلِّيهَا بِغَلَسٍ عليه الصلاة والسلام (1).

هكذا ينبغي للأئمة بعد النبي صلى الله عليه وسلم أن يتأسوا به عليه الصلاة والسلام ، فيبكرون في الظهر، والهاجرة: القائلة، يعني بعد الزوال، كما في الحديث الآتي من حديث أبي برزة: إذا زالت الشمس فيصليها بالهاجرة إذا زالت الشمس (2) ، وتسمى الأولى، ولكن بعد الأذان بوقت حتى يتيسر لمن سمع النداء أن يتوضأ ويقضي حاجته، لا يعجل بعد الأذان:[ينتظر] ربع ساعة ثلث ساعة نحو ذلك، حتى

(1) البخاري، برقم 560، ومسلم، برقم 646، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 52.

(2)

عَنْ أَبِي بَرْزَةَ رضي الله عنه كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي الصُّبْحَ وَأَحَدُنَا يَعْرِفُ جَلِيسَهُ، وَيَقْرَأُ فِيهَا مَا بَيْنَ السِّتِّينَ إِلَى الْمِائَةِ، وَيُصَلِّي الظُّهْرَ إِذَا زَالَتْ الشَّمْسُ

»، البخاري، كتاب مواقيت الصلاة، باب وقت الظهر عند الزوال، برقم 541، ومسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب استحباب التبكير بالصبح في أول وقتها، وهو التغليس، وبيان قدر القراءة فيها، برقم 647، ولفظه: «كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي الظُّهْرَ بِالْهَاجِرَةِ

».

ص: 148

يتيسر لجيران المسجد أن يحضروا، إلا إذا كان في شدة الحر، فالسُنة الإبراد في الأذان والصلاة إذا كان شدة حر شرع للجميع الإبراد في الأذان، والإبراد بالصلاة، حتى ينكسر الحر، حتى يكون للحيطان ظل يمشي معها الناس، كما كان يفعله عليه الصلاة والسلام. يقول:«إِذَا اشْتَدَّ الْحَرُّ فَأَبْرِدُوا بِالصَّلَاةِ فَإِنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ» (1).

والعصر تُصلَّى والشمس نقية في أول وقتها، هذه السُنة. والشمس مرتفعة على بياضها وحرارتها، هكذا السُنة، لكن بعد الأذان بوقت يتمكن معه جيران المسجد للحضور بعد الوضوء وقضاء الحاجة، لا يعجل كما تقدم في الظهر، ثم بين الأذان والإقامة وقت ربع ساعة ثلث ساعة ونحوهما، حسب حال أهل البلد، حتى يتمكنوا من الحضور، بعد سماع الأذان.

والمغرب إذا وجبت يعني إذا سقطت الشمس، إذا غابت كان يبكر بها عليه الصلاة والسلام، ما يمكث بعد الأذان إلا قليلاً ثم يقيم، كان الصحابة يصلون ركعتين بعد الأذان، ويقول صلى الله عليه وسلم:«صَلُّوا قَبْلَ الْمَغْرِبِ، صَلُّوا قَبْلَ الْمَغْرِبِ» ، ثُمَّ يَقُولُ في الثَّالِثَةِ:«لِمَنْ شَاءَ» (2)

(1) صحيح البخاري، كتاب مواقيت الصلاة، باب الإبراد بالظهر في شدة الحر، برقم 536، ومسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب استحباب الإبراد بالظهر في شدة الحرب لمن يمضي إلى جماعة ويناله حر في طريقه، برقم 615.

(2)

أخرجه أحمد، 34/ 171، رقم 20552، وأبو داود، كتاب التطوع، باب الصلاة قبل المغرب، برقم 1281، وابن خزيمة، 2/ 267، برقم 1289، وابن حبان، 4/ 457، برقم 1588، وصحح إسناده محققو المسند، 3/ 171، والشيخ الألباني في صحيح أبي داود،

5 -

/ 26، برقم 1161.

ص: 149

فالسنة يتأخر قليلاً حتى يصلي من حضر ركعتين من الموجودين في المسجد، يصلون ركعتين، ومن جاء بعد الأذان صلى ركعتين، تحية المسجد، ثم يقيم ولا يُطَوِّلُ، لا يؤخر مثل الظهر والعصر، لا، أبكر (1)؛ ولهذا قال:«إِذَا وَجَبَتْ» (2)، وقد دلت الأحاديث الأخرى على ذلك أنه ما كان يتأخر كثيراً بعد أذان المغرب، بل كان يتأخر قليلاً، ثم يقيم عليه الصلاة والسلام.

أما العشاء فأحياناً وأحياناً، إن رأى الجماعة تجمَّعوا صلى مبكراً، وإن تأخروا لم يعجل عليه الصلاة والسلام حتى يتلاحقوا، لأن ما بين المغرب والعشاء وقت ضيق، قد يعرض للناس عوارض، قد يتأخرون، السنة أن لا يعجل حتى يتجمَّع الناس.

أما الصبح فكان يصليها بغلس، والغلس اختلاط ضياء الصبح بظلمة الليل، أي لا يتميز ما [

] (3) في الأسواق حتى يبين الصبح بياناً ظاهراً، يعني ينشق الصبح ويتضح، لكن معه غلس، معه شيء من ظلمة الليل، فلا يعجل في أول الصبح، ولا يتأخر حتى يزول كل شيء، بل يكون بين ذلك غلس ضياءٌ مع بعض الظلمة، بعد الأذان بثلث ساعة وما يقارب ذلك خمساً وعشرين دقيقة، أو ما

(1) والمعنى: يبكر بإقامة صلاة المغرب بعد أن يصلي ركعتين، ولا يطول الانتظار مثل انتظار الظهر والعصر.

(2)

رواه البخاري، برقم 560، ومسلم، برقم 646، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 52.

(3)

ما بين المعقوفين: كلمة واحدة غير واضحة.

ص: 150

يقارب ذلك، حتى يتمكن الناس وحتى يتلاحق الناس وهذا يكون بغلس، وإن أخرها حتى زال الغلس كره، ولكن لا حرج، فالوقت يمتد إلى طلوع الشمس إذا صلاها قبل طلوع الشمس فقد صلاها في الوقت، لكن السنة أن يصليها بغلس. يعني هناك بقايا ظلمة.

أما حديث: «أَصْبِحُوا بِالصُّبْحِ، فَإِنَّهُ أَعْظَمُ لِأُجُورِكُمْ» (1)

، وفي لفظ:«أَسْفِرُوا بِالْفَجْرِ فَإِنَّهُ أَعْظَمُ لِلْأَجْرِ» (2)، هذا معناه عدم العجلة بالصلاة في وقت الشك والريب، بل يتأخر الإمام حتى يتحقق الصبح، حتى يسفر الصبح، وليس معناه أن يخالف الغلس، ليس هذا معناه، لا، المعنى واحد، يعني لا تعجلوا حتى يتضح الصبح، وكان يصلي الفجر إذا اتضح الصبح حين يعرف الرجل جليسه، فالمعنى أنهم يتأخرون حتى يتضح الصبح، ويبين وينشق الفجر، ولا يكون هناك شبهة، لكن مع بقاء بعض الظلمة وهو الغلس، وهذا معنى «أصبحوا بالصبح» ، «أسفروا بالفجر» ، يعني: لا تعجلوا، فإن هناك صبحاً كاذباً، يستطير في الأفق كالعمود، هذا ما يُعْتمد عليه

(1) أخرجه أحمد، 28/ 496، برقم 17257، وأبو داود، كتاب الصلاة، باب وقت الصبح، برقم 424، والترمذي، كتاب الصلاة، باب ما جاء في الإسفار بالفجر،، برقم 154، وابن ماجه، كتاب الصلاة، باب وقت صلاة الفجر، برقم 672، وصححه محققو المسند،

28 -

/ 496، والشيخ الألباني في صحيح أبي داود، 2/ 299، برقم 551.

(2)

أخرجه أحمد، 39/ 43، برقم 23635، والترمذي، كتاب الصلاة، باب ما جاء في الإسفار بالفجر، برقم 154، وقال:«حسن صحيح» ، والنسائي، كتاب المواقيت، الإسفار، برقم 548، وصححه محققو المسند، 39/ 43، والشيخ الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة، 3/ 109، برقم 1115.

ص: 151

حتى يأتي الصبح الصادق المعترض المستطير شرقاً وغرباً، حتى يتضح ذلك، فإذا اتضح ذلك وانشق ذلك، واتضح الصبح هذا هو وقت الصلاة.

53 -

عن أبي المنهال سيار بن سلامة قال: «دَخَلْتُ أَنَا وَأَبِي عَلَى أَبِي بَرْزَةَ الأَسْلَمِيّ، فَقَالَ لَهُ أَبِي: حدثنا (1) كَيْفَ كَانَ النَّبِيُّ (2) صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي الْمَكْتُوبَةَ؟ فَقَالَ: كَانَ يُصَلِّي الْهَجِيرَ - وهي (3) الَّتِي تَدْعُونَهَا الأُولَى - حِينَ تَدْحَضُ الشَّمْسُ، وَيُصَلِّي الْعَصْرَ، ثُمَّ يَرْجِعُ أَحَدُنَا إلَى رَحْلِهِ فِي أَقْصَى الْمَدِينَةِ، وَالشَّمْسُ حَيَّةٌ، وَنَسِيتُ مَا قَالَ فِي الْمَغْرِبِ. وَكَانَ يَسْتَحِبُّ أَنْ يُؤَخِّرَ مِنَ الْعِشَاءِ، الَّتِي تَدْعُونَهَا الْعَتَمَةَ، وَكَانَ يَكْرَهُ النَّوْمَ قَبْلَهَا، وَالْحَدِيثَ بَعْدَهَا، وَكَانَ يَنْفَتِلُ مِنِ صَلاةِ الْغَدَاةِ حِينَ يَعْرِفُ الرَّجُلُ جَلِيسَهُ، وَكَانَ (4) يَقْرَأُ فيها (5) بِالسِّتِّينَ إلَى الْمِائَةِ» (6).

(1)«حدثنا» : ليست في نسخة الزهيري، وهي في البخاري، برقم 599.

(2)

في نسخة الزهيري: «رسول اللَّه» .

(3)

«وهي» : ليست في نسخة الزهيري، وهي في البخاري، برقم 599.

(4)

«كان» : ليست في نسخة الزهيري، وهي في مسلم، برقم 647.

(5)

«فيها» : ليست في نسخة الزهيري، وهي في مسلم، برقم 647.

(6)

رواه البخاري، كتاب مواقيت الصلاة، باب وقت العصر، برقم 547، وفي لفظ للبخاري، برقم 771:«وَكَانَ يَقْرَأُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ، أَوْ إِحْدَاهُمَا مَا بَيْنَ السِّتِّينَ إِلَى المِائَةِ» ، ومسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب استحباب التبكير بالصبح في أول وقتها، وهو التغليس، وبيان قدر القراءة فيها، برقم 647.

ص: 152

54 -

عن علي (1) رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يوم الخندق: «مَلأَ اللَّهُ قُبُورَهُمْ وَبُيُوتَهُمْ نَارًا، كَمَا شَغَلُونَا عَنِ الصَّلاةِ الْوُسْطَى حَتَّى غَابَتِ الشَّمْسُ» (2).

وفي لفظ لمسلمٍ «شَغَلُونَا عَنِ الصَّلاةِ الْوُسْطَى، صَلاةِ الْعَصْرِ» ، ثُمَّ صَلاهَا بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ» (3).

55 -

وله عن عبد اللَّه بن مسعود قال: «حَبَسَ الْمُشْرِكُونَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ صلاة الْعَصْرِ، حَتَّى احْمَرَّتِ الشَّمْسُ أَوِ اصْفَرَّتْ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «شَغَلُونَا عَنِ الصَّلاةِ الْوُسْطَى، صَلاةِ الْعَصْر، مَلأَ اللَّهُ أَجْوَافَهُمْ وَقُبُورَهُمْ نَاراً» ، أَوْقال (4)«حَشَا اللَّهُ أَجْوَافَهُمْ وَقُبُورَهُمْ نَاراً» (5).

15 -

قال الشارح رحمه الله:

[الحديث الأول حديث أبي المنهال قال: «دَخَلْتُ أَنَا وَأَبِي عَلَى أَبِي بَرْزَةَ الأَسْلَمِيّ. فَقَالَ لَهُ أَبِي: كَيْفَ كَانَ رسول الله صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي الْمَكْتُوبَةَ؟ فَقَالَ: كَانَ يُصَلِّي الْهَاجِرَة الَّتِي تَدْعُونَهَا الأُولَى - حِينَ

(1) في نسخة الزهيري: «علي بن أبي طالب» .

(2)

رواه البخاري، كتاب الجهاد والسير، باب الدعاء على المشركين بالهزيمة والزلزلة، برقم 2931، ورقم 4111، و4533، و6396، ومسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب الدليل لمن قال الصلاة الوسطى هي صلاة العصر، برقم 627.

(3)

رواه مسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب الدليل لمن قال الصلاة الوسطى هي صلاة العصر، برقم 205 - (627).

(4)

«قال» : ليست في نسخة الزهيري، وهي في مسلم، برقم 627.

(5)

رواه مسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب الدليل لمن قال الصلاة الوسطى هي صلاة العصر، برقم 628.

ص: 153

تَدْحَضُ الشَّمْسُ، وَيُصَلِّي الْعَصْرَ، ثُمَّ يَرْجِعُ أَحَدُنَا إلَى رَحْلِهِ فِي أَقْصَى الْمَدِينَةِ، وَالشَّمْسُ حَيَّةٌ، وَنَسِيتُ مَا قَالَ فِي الْمَغْرِبِ. وَكَانَ يَسْتَحِبُّ أَنْ يُؤَخِّرَ مِنَ الْعِشَاءِ، الَّتِي تَدْعُونَهَا الْعَتَمَةَ، وَكَانَ يَكْرَهُ النَّوْمَ قَبْلَهَا، وَالْحَدِيثَ بَعْدَهَا، وَكَانَ يَنْفَتِلُ مِنِ صَلاةِ الْغَدَاةِ حِينَ يَعْرِفُ] (1) الرَّجُلَ جَلِيسَهُ، وَكَانَ يَقْرَأُ بِالسِّتِّينَ إلَى الْمِائَةِ» (2)، يعني في الفجر.

هذا حديث عظيم يدُلُّ على صفة أدائه صلى الله عليه وسلم للصلاة في أوقاتها الخمسة.

تقدم حديث جابر بن عبداللَّه الأنصاري رضي الله عنهما في هذا المعنى، وهو موافق لما دل عليه حديث أبي برزة: أنه كان يصلي الظهر مبكراً في أول وقتها، إلا إذا اشتد الحر، فقد صحت الأحاديث عنه عليه الصلاة والسلام أنه كان يبرد بها، إذا اشتد الحر، أما إذا كان الوقت في الاعتدال؛ فإنه يبكر بها، بعد الأذان بوقت، إذا أذَّن أمهل حتى يتلاحق الناس، ويتوضأ المتوضئ، كان يصليها بعد الأذان بوقت، ويصلي قبلها أربعاً راتبة بتسليمتين، فإذا انتظر بعد الأذان: ربع ساعة، ثلث ساعة، ونحو ذلك، حتى يتلاحق الناس، كان مقارباً للسنة.

أما العصر فكان يُبَكِّر بها أيضاً، تقدم في حديث جابر: كان يصليها والشمس حية، هنا يقول أبو برزة: يصليها في أول وقتها، «ثُمَّ يَرْجِعُ

(1) ما بين المعقوفين ساقط من التسجيل، ولكن هذا منهج الشيخ، وهو شرح بإعادة لفظ الحديث كما هو، فلا يضر.

(2)

رواه البخاري، برقم 547، ومسلم، برقم 647، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 53.

ص: 154

أَحَدُنَا إلَى رَحْلِهِ فِي أَقْصَى الْمَدِينَةِ، وَالشَّمْسُ حَيَّةٌ» (1)، أي مرتفعة، هذا يدلنا على أنه يبكر بالعصر في أول الوقت، والشمس حية نقية.

والمغرب تقدم في حديث جابر: أنها إذا وجبت، إذا غابت الشمس صلَاّها، أذَّن ثم صلوا بعد المغرب، كان لا يتأخر بعد الأذان، يمهل قليلاً، ثم يصليها، ويبكر بها أكثر من غيرها، المغرب كان الصحابة إذا أذن قاموا وصلوا ركعتين قبل المغرب؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:«صَلُّوا قَبْلَ الْمَغْرِبِ، صَلُّوا قَبْلَ الْمَغْرِبِ» ، ثُمَّ قَالَ في الثَّالِثَةِ:«لِمَنْ شَاءَ» (2).

والعشاء كان تارة يعجل، وتارة يؤخر، إذا رآهم عجَّلوا عجَّل، وإذا رآهم أبطؤوا أخرها؛ ولهذا قال أبو برزة:«وَكَانَ يَسْتَحِبُّ أَنْ يُؤَخِّرَ مِنَ الْعِشَاءِ» (3)، ما كان يبادر بها عليه الصلاة والسلام؛ لأن الوقت غير ضيق، فكان يمهل فيها، حتى يتلاحق الناس، ويتجمَّع الناس.

والفجر يصليها بغلس كما قال جابر، قال أبو برزة:«وكان ينفتل منها» ، يعني ينصرف منها «حين يعرف الرجل جليسه» ، من نور الصبح ما فيه سُرُج، في ذلك الوقت السرج قليلة، كان ينفتل منها يعني ينصرف منها حين يتضح النور في داخل المسجد، ويعرف الرجل

(1) رواه البخاري، برقم 547، ومسلم، برقم 647، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 53.

(2)

أخرجه أحمد، رقم 20552، وأبو داود، برقم 1289، وصحح إسناده محققو المسند،

3 -

/ 171، والشيخ الألباني في صحيح أبي داود، 5/ 26، وتقدم تخريجه في تخريج أحاديث شرح حديث المتن رقم 52.

(3)

رواه البخاري، برقم 547، ومسلم، برقم 647، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 53.

ص: 155

جليسه من دون سُرج، بل بنور الصبح، تقدم في حديث جابر:«كان يصلي الصبح بغلس» ، وحديث عائشة كذلك:«كان يصلي الفجر بغلس» ، والغلس اختلاط ضياء الصبح بظلمة الليل، يعني صبحاً معه بقية ظلمة، «وكان يقرأ بالستين إلى المائة» يعني في الفجر يطول فيها أكثر من غيرها، يقرأ بالستين آية إلى مائة آية، في الفجر كان يطوِّل في الأولى ويقصِّر في الثانية، ويقرأ بـ «ق» ، والذاريات، والطور، والنجم، هذه السور التي هي من طوال المفصل، و «يَقْرَأُ فِي فَجْرِ الْجُمُعَةِ: بـ (ألم تَنْزِيلُ السَّجْدَةِ)، وَ (هَلْ أَتَى عَلَى الإِنْسَانِ)» (1).

يوم الجمعة، السنة في الفجر يوم الجمعة الإطالة بعض الشيء، وأن تكون أطول من بقية الصلوات، ثم يليها في الإطالة الظهر يطول فيها بعض التطويل عليه الصلاة والسلام.

وفي حديث علي رضي الله عنه، وهو علي بن أبي طالب أمير المؤمنين ابن عم النبي عليه الصلاة والسلام ورابع الخلفاء الراشدين، رضي الله عنهم جميعاً، وهكذا حديث ابن مسعود هو عبداللَّه بن مسعود الهذلي صحابي جليل، أخبرا رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم في وقت الأحزاب، وهو الخندق حين حاصر المشركون المدينة شغلوه ذات يوم، عن صلاة العصر حتى صلاها بعد المغرب، وقال:«شَغَلُونَا عَنِ الصَّلاةِ الْوُسْطَى، صَلاةِ الْعَصْر، مَلأَ اللَّهُ أَجْوَافَهُمْ وَقُبُورَهُمْ نَاراً» ، أَوْ قال: «حَشَا اللَّهُ أَجْوَافَهُمْ وَقُبُورَهُمْ

(1) البخاري، كتاب الجمعة، باب ما يقرأ في صلاة الفجر يوم الجمعة، برقم 891، ومسلم، كتاب الجمعة، باب ما يقرأ في يوم الجمعة، برقم 879.

ص: 156

نَاراً» (1)، يدعو عليهم لأنهم شغلوه عن الصلاة، وصلاها بعد المغرب بعدما صلى العصر، وهذا في بعض أيام المحاصرة اشتد القتال، فلم يتمكن المسلمون من صلاة العصر، حتى قربت الشمس من الغروب، توضؤوا، وصلوا العصر، ثم صلوا بعدها المغرب، هذا يدل على أنه إذا اشتد الحرب، وعظم القتال، ولم يتيسر فعل الصلاة وقت الحرب؛ فإنها تؤخر، وتُصلى ولو بعد خروج الوقت للضرورة.

أما إذا أمكن فعلها وقت الحرب، على أي نوع من أنواع صلاة الخوف لو ركباناً، ولو مشاة إذا أمكنت صلاتها صلوا، فإن لم يمكن لهم أخروا، كما أخر النبي صلى الله عليه وسلم يوم الأحزاب، أخرَّ العصر حتى صلاها بعد المغرب، وفي رواية أخرى:«أنه أخّر الظهر والعصر» (2) ، اشتد القتال فأخّر الظهر والعصر، حتى ما صلاها إلا بعد المغرب، وهذا عذر شرعي [

] (3).

وفيه من الفوائد: جواز الدعاء على الكفار بالهلاك والدمار، ودخول النار، لأنهم أهلها، ولاسيما إذا شغلوا المسلمين وحاربوهم.

وفيه من الفوائد: الدلالة على أن العصر هي الصلاة الوسطى، الوسطى من الوسط، وهو الخيار، هي أفضل الصلوات، قبلها صلاتان نهاريتان، وبعدها صلاتان ليليتان، قبلها الفجر والظهر، وبعدها المغرب والعشاء،

(1) رواه مسلم، برقم 628، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 53.

(2)

انظر: صحيح البخاري، كتاب المغازي، باب مرجع النبي صلى الله عليه وسلم من الأحزاب، برقم 4119.

(3)

ما بين المعقوفين: كلمة واحدة ليست واضحة.

ص: 157

فهي وسطى من جهة التوسط، وهي وسطى من جهة العدل والخيار، ولهذا قال اللَّه جل وعلا:{حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى} (1) خصها بالذكر، وهي صلاة العصر.

56 -

عن عبد اللَّه بن عباس رضي الله عنهما قال: «أَعْتَمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِالْعِشَاءِ، فَخَرَجَ عُمَرُ، فَقَالَ: الصَّلاةَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، رَقَدَ النِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ. فَخَرَجَ النبي صلى الله عليه وسلم (2) ــ وَرَاسُهُ يَقْطُرُ مَاءً (3) ــ يَقُولُ: «لَوْلا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي ــ أَوْ عَلَى النَّاسِ ــ لأَمَرْتُهُمْ بِالصَّلاةِ (4) هَذِهِ السَّاعَةِ» (5).

57 -

عن عائشة رضي الله عنها أن النبي (6) صلى الله عليه وسلم قال: «إذَا أُقِيمَتِ الصَّلاةُ، وَحَضَرَ الْعَشَاءُ، فَابْدَءُوا بِالْعَشَاءِ» (7).

وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ نَحْوُهُ (8).

(1) سورة البقرة، الآية:238.

(2)

«النبي صلى الله عليه وسلم» : ليست في نسخة الزهيري.

(3)

«ماء» : ليست في نسخة الزهيري، وهي عند مسلم، برقم 642.

(4)

في نسخة الزهيري: «بهذه الصلاة» .

(5)

رواه البخاري، كتاب التمني، باب ما يجوز من اللوّ، برقم 7239، وبنحوه مسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب وقت العشاء وتأخيرها، برقم 642.

(6)

في نسخة الزهيري: «عن النبي» .

(7)

رواه البخاري، كتاب الأطعمة، باب إذا حضر العشاء فلا يعجل عن عشائه، برقم 5465، ومسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب كراهة الصلاة بحضرة الطعام الذي يريد أكله في الحال، وكراهة الصلاة مع مدافعة الأخبثين، برقم 558.

(8)

البخاري، كتاب الأذان، باب إذا حضر الطعام وأقيمت الصلاة، برقم 673، مسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب كراهة الصلاة بحضرة الطعام

، برقم 559، ولفظه:«إذا وضع عشاء أحدكم وأقيمت الصلاة، فابدؤوا بالعشاء، ولا يعجل حتى يفرغ منه» .

ص: 158

58 -

وَلِمُسْلِمٍ عَنْ عَائِشَةَ (1) رضي الله عنها قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يقُولُ: «لا صَلاةَ بِحَضْرَةِ طَعَامٍ، وَلا وَهُوَ يُدَافِعُهُ الأَخْبَثَانِ» (2).

59 -

عن عبد اللَّه بن عباس رضي الله عنهما قال: «شَهِدَ عِنْدِي رِجَالٌ مَرْضِيُّونَ ــ وَأَرْضَاهُمْ عِنْدِي عُمَرُ ــ أَنَّ النَّبِيَّ (3) صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنِ الصَّلاةِ بَعْدَ الصُّبْحِ حَتَّى تَطْلُعَ (4) الشَّمْسُ، وَبَعْدَ الْعَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ» (5).

60 -

عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: «لا صَلاةَ بَعْدَ الصُّبْحِ حَتَّى تَرْتَفِعَ الشَّمْسُ، وَلا صَلاةَ بَعْدَ الْعَصْرِ حَتَّى تَغِيبَ الشَّمْسُ» (6).

[قال المصنف - رحمه الله تعالى - (7): وفي البابِ عنْ عليِّ بنِ أَبي طالبٍ،

(1) في نسخة الزهيري: «ولمسلم عنها» .

(2)

رواه مسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب كراهة الصلاة بحضرة الطعام الذي يريد أكله في الحال، وكراهة الصلاة مع مدافعة الأخبثين، برقم 560.

(3)

في نسخة الزهيري: «أن رسول اللَّه» .

(4)

في نسخة الزهيري: «تشرق» .

(5)

رواه البخاري، كتاب مواقيت الصلاة، باب لا صلاة بعد الفجر حتى ترتفع الشمس، برقم 581، ومسلم، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب الأوقات التي نُهي عن الصلاة فيها، برقم 826.

(6)

رواه البخاري، كتاب مواقيت الصلاة، باب لا يتحرى الصلاة قبل غروب الشمس، برقم 586، ومسلم، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب الأوقات التي نهى عن الصلاة فيها، برقم 827.

(7)

«قال المصنف - رحمه الله تعالى -» : ليست في نسخة الزهيري.

ص: 159

وعبدِاللَّه بنِ مسعودٍ، وعبدِ اللهِ بنِ عمرَ (1)، وعبدِ اللهِ بنِ عمرِو بنِ العاصِ، وأَبي هريرةَ، وسَمُرَةَ بنِ جُندُبٍ، وسَلَمَةَ بنِ الأَكوَعِ، وزيدِ بنِ ثابتٍ، ومعاذِ بنِ عفراء، وكعبِ بنِ مُرَّةَ، وأَبي أُمامةَ الباهليِّ، وعمرِو بنِ عبسةَ السُّلَميِّ، وعائشةَ رضي الله عنهم، والصَّنابحيِّ، ولم يسمعْ منَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم.

61 -

عن جابر بن عبد اللَّه رضي الله عنهما: «أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رضي الله عنه جَاءَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ، بَعْدَ مَا غَرَبَتِ الشَّمْسُ، فَجَعَلَ يَسُبُّ كُفَّارَ قُرَيْشٍ، وَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا كِدْتُ أُصَلِّي الْعَصْرَ حَتَّى كَادَتِ الشَّمْسُ تَغْرُبُ. فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «وَاَللَّهِ مَا صَلَّيْتُهَا» . قَالَ: فَقُمْنَا إلَى بُطْحَانَ، فَتَوَضَّأَ لِلصَّلاةِ، وَتَوَضَّانَا لَهَا، فَصَلَّى الْعَصْرَ، بَعْدَ مَا غَرَبَتِ الشَّمْسُ، ثُمَّ صَلَّى بَعْدَهَا الْمَغْرِبَ» (2)] (3).

16 -

قال الشارح رحمه الله:

هذه الأحاديث الأربعة تتعلق بالصلاة تتعلق بتأخيرها وبأوقات النهي.

حديث ابن عباس رضي الله عنهما يقول: إن النبي صلى الله عليه وسلم «أعتم بالعشاء ذات

(1) في نسخة الزهيري زيادة: «ابن الخطاب» .

(2)

رواه البخاري، كتاب مواقيت الصلاة، باب من صلى بالناس جماعة بعد ذهاب الوقت، برقم 596، ومسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب الدليل لمن قال الصلاة الوسطى هي صلاة العصر، برقم 631.

(3)

من قوله: قال المصنف رحمه الله: وفي الباب عن علي بن أبي طالب إلى آخر حديث جابر هذا لم يقرأه القارئ على الشيخ، ولكن الشيخ رحمه الله شرحه مع حديث علي رضي الله عنه المتقدم قبل أحاديث برقم 54.

ص: 160

ليلة، فقال عمر: يا رسول اللَّه، الصلاة، رقد النساء والصبيان، فخرج ورأسه يقطر، يقول عليه الصلاة والسلام:«لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي أَوْ عَلَى النَّاسِ لَأَمَرْتُهُمْ بِالصَّلَاةِ هَذِهِ السَّاعَةَ» (1).

هذا الحديث يدل على فوائد:

الفائدة الأولى: أنه لا مانع من تأخير العشاء بعض الوقت؛ وقد تقدم حديث أبي برزة رضي الله عنه قال: «كَانَ النبي يَسْتَحِبُّ أَنْ يُؤَخِّرَ مِنَ الْعِشَاءِ» (2).

وتقدم في حديث جابر: «[أن الرسول صلى الله عليه وسلم] كان إذا رآهم عجلوا عجلها، وإذا رآهم أبطؤوا أخرها» .

وكان يراعي اجتماعهم عليه الصلاة والسلام، إذا رآهم اجتمعوا وحضروا عجلها، وإلا أجلها عليه الصلاة والسلام حتى يجتمعوا.

وفي الحديث دلالة على أنه قد يُعتم بها بعض الأحيان، يؤخرها إلى ثلث الليل وما حوله، ربما أخرها إلى حول نصف الليل، ويقول:«إنه لوقتها، لولا أن أشق على أمتي» دل ذلك على أمور:

[1]

- تأخيرها أفضل، إذا لم يكن فيه مشقة.

[2]

- وقتها الاختياري إلى نصف الليل.

(1) رواه البخاري، برقم 7239، ومسلم، برقم 642، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 56.

(2)

رواه البخاري، برقم 547، ومسلم، برقم 647، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 52.

ص: 161

[3]

- لا يجوز تأخيرها إلى ما بعد نصف الليل؛ لما في حديث عبداللَّه بن عمرو بن العاص بعند مسلم في الصحيح، قال عليه الصلاة والسلام:«وَقْتُ الْعِشَاءِ إِلَى نِصْفِ اللَّيْلِ الأَوْسَطِ» (1) فإذا رأى أهل قرية تأخير صلاة العشاء إلى ثلث الليل، أو ما حول ذلك، فلا بأس، وإلا فالسنة للإمام أن يعجلها بعض التعجيل، لا يبادر بها، لكن يراقبهم، ويتحرَّى اجتماعهم، فإذا اجتمعوا عجّل، وصلَّى.

[4]

- وفيه من الفوائد أيضاً: أن الإمام إذا تأخّر يُنبه، لأنه قد يشتغل، قد يعوقه عائق، فلا ينتبه لتأخيره فيُنبه: الصلاة يا فلان، الصلاة الوقت حضر، حتى ينتبه أن الوقت حضر، حتى لا يشق على الناس؛ ولهذا تقدم عمر فقال: الصلاة يا رسول اللَّه، كان بلال يتقدم إليه في بعض الأحيان، يقول: الصلاة يا رسول اللَّه. حضر الناس، أو حضر الوقت؛ لأنه عليه الصلاة والسلام قد يشغل في بعض الأحيان، فينبه أن الوقت قد حضر، فإذا جاز تنبيهه صلى الله عليه وسلم، وهو خير الخلق وأفضلهم، وهو رسول اللَّه، فغيره من باب أولى أن يُنبه.

[5]

- وفيه من الفوائد: جواز صلاة النساء والصبيان مع الناس،

(1) رواه مسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب أوقات الصلوات الخمس، برقم 173 - (612) في حديث طويل عن عبد الله بن عمرو بن العاص، ورواه مسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب وقت العشاء وتأخيرها، برقم 640، عن أنس رضي الله عنه قَالَ: أَخَّرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْعِشَاءَ ذَاتَ لَيْلَةٍ إِلَى شَطْرِ اللَّيْلِ، أَوْ كَادَ يَذْهَبُ شَطْرُ اللَّيْلِ، ثُمَّ جَاءَ، فَقَالَ:«إِنَّ النَّاسَ قَدْ صَلَّوْا، وَنَامُوا، وَإِنَّكُمْ لَمْ تَزَالُوا فِي صَلَاةٍ مَا انْتَظَرْتُمُ الصَّلَاةَ» وفي البخاري، كتاب مواقيت الصلاة، باب وقت العشاء إلى نصف الليل، برقم 572.

ص: 162

لا بأس أن تصلي النساء مع الناس إذا كن متسترات بعيدات عن أسباب الفتنة، لا رائحة، ولا تجمل، بل متسترات متحجبات بعيدات عن أسباب الفتنة، لا بأس؛ ولهذا كان كثير من النساء يصلين مع النبي صلى الله عليه وسلم متسترات متحجبات، ويقول لهن صلى الله عليه وسلم:«أيما امرأة مست طيباً فلا تحضر معنا الصلاة» (1)، وفي لفظ:«أَيُّمَا امْرَأَةٍ أمست بَخُورًا فَلَا تُصَلّيْ مَعَنَا الْعِشَاءَ» (2).

إذا خرجت على صفة ليست فيها فتنة، لا من جهة الطيب، ولا من جهة عدم التستر، فلا حرج؛ لأنهن قد يستفدن من الصلاة مع الجماعة، يعرفن: كيف الصلاة، وكيف ترتيبها، والخشوع فيها، والطمأنينة؟ قد يكون هناك حديث وموعظة يسمعنها فينتفعن بها، وصلاتهن في البيوت أفضل؛ لأن ذلك أبعد من الفتنة.

وأما الصبيان ففيهم تفصيل:

الصبي يصلي مع الجماعة إذا كان ابن سبع فأكثر، حتى يتمرن على العبادة، حتى يشهد الناس ويحضرهم، ويستفيد من أفعالهم، ويتأسى بهم، إذا بلغ عشراً ضُرِب على ذلك حتى يعتاد ذلك فيصلي، حتى يؤديها في الجماعة مع الناس.

(1) أخرج مسلم، كتاب الصلاة، باب خروج النساء إلى المساجد إذا لم يترتب عليه فتنة، وأنها لا تخرج مطيبة، برقم 442: عَنْ زَيْنَبَ، امْرَأَةِ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود، قَالَتْ: قَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِذَا شَهِدَتْ إِحْدَاكُنَّ الْمَسْجِدَ فَلَا تَمَسَّ طِيبًا» .

(2)

رواه مسلم، كتاب الصلاة، باب خروج النساء إلى المساجد إذا لم يترتب عليه فتنة، وأنها لا تخرج مطيبة، برقم 444، بلفظ:«أَيُّمَا امْرَأَةٍ أَصَابَتْ بَخُورًا فَلَا تَشْهَدْ مَعَنَا الْعِشَاءَ الآخِرَةَ» .

ص: 163

كما جاء في الحديث: «مُرُوا أَبْنَاءَكُمْ بِالصَّلَاةِ لِسَبْعِ، وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا لِعَشْرِ، وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ» (1).

أما الصغار دون سبع فليسوا محلاً للصلاة، ولا يؤمروا بالصلاة، وليس هناك حاجة إلى حضورهم للمساجد، لأنهم قد يعبثون، قد يشوشون على الناس ويقطعون الصفوف فلا حاجة إلى إحضارهم، ولا ينبغي إحضارهم قبل السبع، الصغار: ابن أربع، وخمس، وست (2).

وفي (3) حديث ابن عباس، وأبي سعيد دلالة على النهي عن الصلاة بعد العصر حتى تغيب الشمس، وعن الصلاة بعد الصبح حتى ترتفع الشمس، هذه أوقات النهي من بعد صلاة الفجر إلى ارتفاع الشمس، ينهى عن الصلاة فيها، وبعد صلاة العصر إلى غروب الشمس، وهذان الوقتان للنهي، وهناك وقت ثالث، وهو عند قيامها، عند وقوفها قبل الزوال بقليل، يسمى وقت الوقوف، كذلك لا يصلى فيه صلاة النافلة، لأنه وقت نهي، هذه ثلاثة أوقات كلها أوقات نهي، وتعتبر خمسة إذا فُصِّل الوقت: بعد صلاة العصر (4)

(1) مسند أحمد، 11/ 369، 6756 بلفظ: عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مُرُوا أَبْنَاءَكُمْ بِالصَّلَاةِ لِسَبْعِ سِنِينَ وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا لِعَشْرِ سِنِينَ وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ

». وحسّن إسناده محققو المسند، وصححه الشيخ الألباني في إرواء الغليل، 1/ 266.

(2)

آخر الوجه الأول من الشريط الثالث.

(3)

أول الوجه الثاني من الشريط الثالث.

(4)

أي إلى قرب الغروب.

ص: 164

قرب الغروب، ومن تضيِّف الغروب إلى الغروب، وبعد صلاة الصبح إلى طلوع الشمس، ومن طلوعها إلى أن ترتفع، والوقت الخامس عند قيامها، وهو وسط النهار حتى تزول.

هي ثلاثة باختصار، خمسة ببسط بالتفصيل، ويستثنى من ذلك الصلوات ذات السبب، والصحيح أنه لا يُنهى عن الصلاة ذات السبب: كصلاة الطواف، إذا طاف بعد العصر في مكة، أو صلاة الكسوف، إذا كسفت الشمس مثلاً بعد العصر، أو تحية المسجد إذا دخل المسجد بعد العصر؛ ليجلس فيه ينتظر المغرب، أو لحاجة من الحاجات، أو بعد الفجر، هذه صلوات لها أسباب، فلا مانع من فعلها في وقت النهي على الصحيح؛ للأدلة الواردة في ذلك.

كذلك حديث: «لَا صَلَاةَ بِحَضْرَةِ الطَّعَامِ، وَلَا هُوَ يُدَافِعُهُ الأَخْبَثَانِ» (1)، وفي حديث عائشة:«إِذَا حَضَرَتِ العشَاءُ، وَحَضَرَ الْعَشَاءُ، فَابْدَؤُوا بِالْعَشَاءِ» (2).

حديث ابن عمر أيضاً، وفي الحديث الرابع عن أنس: «إِذَا قُدِّمَ

(1) أخرجه مسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب كراهة الصلاة بحضرة الطعام الذي يريد أكله في الحال، وكراهة الصلاة مع مدافعة الأخبثين، برقم 560.

(2)

مسند أحمد، 44/ 211، برقم 26589، ولفظه:«إِذَا حَضَرَتِ الصَّلَاةُ، وَحَضَرَ الْعَشَاءُ، فَابْدَؤُوا بِالْعَشَاءِ» ، وروى البخاري، برقم 5465:«إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ، وَحَضَرَ الْعَشَاءُ، فَابْدَؤُوا بِالْعَشَاءِ» ، ومسلم، برقم 557 بلفظ:«إِذَا حَضَرَ الْعَشَاءُ، وَأُقِيمَتِ الصَّلَاةُ، فَابْدَؤُوا بِالْعَشَاء» ، وتقدم تخريجه، ولفظ الإمام أحمد صححه لغيره محققو المسند، 44/ 211، وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير، 1/ 69.

ص: 165

الْعَشَاءُ فَابْدَؤُوا بِهِ قَبْلَ أَنْ تُصَلُّوا الْمَغْرِبَ» (1)، هذه الأحاديث، وما جاء في معناها كلها تدل على أنه إذا قُدِّم الطعام فابدءوا به، ولا يصلي بحضور الطعام؛ لأنه يتشوش قلبه، ولا يحصل له الخشوع، والسنة أن يبدأ بالطعام، ثم يُصلِّي، لكن لا يجوز أن يتخذ عادة، حتى يضيِّع صلاة الفريضة، لكن إذا صادف تقديم الطعام؛ فإنه يبدأ به، ولو فاتته الجماعة.

ولهذا قال: «إذا حضر العشاء، وقدم العَشاء فابدؤوا بالعَشاء» (2)، حديث أنس «إِذَا قُدِّمَ الْعَشَاءُ» يعني عند غروب الشمس «فَابْدَؤُوا بِهِ قَبْلَ أَنْ تُصَلُّوا الْمَغْرِبِ» (3) ، فابدؤوا قبل أن تصلوا المغرب، وحديث عائشة:«لَا صَلَاةَ بِحَضْرَةِ الطَّعَامِ، وَلَا هُوَ يُدَافِعُهُ الأَخْبَثَانِ» (4)، الأخبثان: البول والغائط، فإذا كان عنده ما يشغله فليتفرَّغ مما يشغله، كالبول، والغائط، وهكذا الطعام الحاضر يأكل منه قدر حاجته، حتى يأتي الصلاة وقلبه فارغ غير مشغول، حتى يؤديها بخشوع وبحضور قلب، لكن لا يجوز للمسلم أن يتخذ هذا عادة، ويطلب من أهله تقديم العشاء وقت الصلاة حتى يضيعها،

(1) صحيح البخاري، كتاب الأذان، باب إذا حضر الطعام وأقيمت الصلاة، برقم 672 بلفظ:«إِذَا قُدِّمَ الْعَشَاءُ فَابْدَؤُوا بِهِ قَبْلَ أَنْ تُصَلُّوا صَلَاةَ الْمَغْرِبِ» ، وبنحوه في مسلم، برقم 557، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 57.

(2)

البخاري بنحوه، برقم 5465، ومسلم، برقم 558، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 57.

(3)

صحيح البخاري، برقم 672، ومسلم برقم 557، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 57.

(4)

أخرجه مسلم، برقم 560، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 58.

ص: 166