الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حضور صلاة العيد، إذ كنّ يؤمرن بحضورها، حتى ذوات الخدور، وحتى الحيّض يحضرن، لكن لا يصلين، يحضرن حتى يسمعن الخطبة، ويحضرن الدعوات، ويؤمّن على الدعاء ويشاركن في الخير، لكن يعتزلن المصلى أي: يكنّ خلف الناس.
وهذا واضح في شرعية حضورهن في صلاة العيد، سواء كُنّ كبيرات أو شابات، لكن مع العناية، ومع الالتزام بالحجاب، يحضرن الخير، ودعوة المسلمين، ويشاركن في الخير، ويحصل لهن بركة هذا اليوم المبارك، ولكن عليهن أن يحتشمن ويبتعدن عن أسباب الفتنة، ويكن متسترات بعيدات عن أسباب الفتنة، فإن لم يفعلن مُنعن إذا كُن يخرجن بالتبرج، وإظهار الزينة، يُمنعن من ذلك، أما إذا تأدبن وخرجن بالصورة الشرعية؛ فإنهن يُسمح لهن بذلك، وخروجهن مطلوب، ومرغّب فيه، ومشروع بشرط التأدب بالآداب الشرعية، والاحتشام، واعتزال أسباب الفتنة.
28 - باب صلاة الكسوف
153 -
عن عائشة رضي الله عنها، «أَنَّ الشَّمْسَ خَسَفَتْ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَبَعَثَ مُنَادِياً يُنَادِي: الصَّلاةَ جَامِعَةً، فَاجْتَمَعُوا، وَتَقَدَّمَ فَكَبَّرَ، وَصَلَّى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ فِي رَكْعَتَيْنِ وَأَرْبَعَ سَجَدَاتٍ» (1).
(1) رواه البخاري، كتاب الكسوف، باب الجهر بالقراءة في الكسوف، برقم 1066، وقد أخرجه في ثلاثة عشر موضعاً، أطرافها مع الحديث رقم 1044، ومسلم، كتاب الكسوف، باب صلاة الكسوف، برقم 901.
154 -
عن أبي مسعود ــ عُقْبَةَ بن عمرو ــ الأنصاري البدري رضي الله عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: «إنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ، يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِمَا عِبَادَهُ، وَإِنَّهُمَا لا يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ مِنَ النَّاسِ، وَلَا لِحَيَاتِهِ (1)، فَإِذَا رَأَيْتُمْ مِنْهَا شَيْئًا فَصَلُّوا وَادْعُوا اللَّه (2)، حَتَّى يَنْكَشِفَ مَا بِكُمْ» (3).
155 -
عن عائشة رضي الله عنها قالت: «خَسَفَتِ الشَّمْسُ عَلَى (4) عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (5)، فَصَلَّى (6) بِالنَّاسِ، فَأَطَالَ الْقِيَامَ، ثُمَّ رَكَعَ، فَأَطَالَ الرُّكُوعَ، ثُمَّ قَامَ فَأَطَالَ الْقِيَامَ ــ وَهُوَ دُونَ الْقِيَامِ الأَوَّلِ ــ ثُمَّ رَكَعَ، فَأَطَالَ الرُّكُوعَ ــ وَهُوَ دُونَ الرُّكُوعِ الأَوَّلِ، ثُمَّ سَجَدَ، فَأَطَالَ السُّجُودَ، ثُمَّ فَعَلَ فِي الرَّكْعَةِ الأُخْرَى مِثْلَ مَا فَعَلَ فِي الرَّكْعَةِ (7) الأُولَى، ثُمَّ انْصَرَفَ، وَقَدْ تَجَلَّتِ الشَّمْسُ، فَخَطَبَ النَّاسَ. فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: «إنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ، لا
(1)«ولا لحياته» : ليست في نسخة الزهيري، وهي في صحيح مسلم، برقم 902.
(2)
«لفظ الجلالة» : ليست في نسخة الزهيري، وهي في صحيح مسلم، برقم 911.
(3)
رواه البخاري بنحوه، كتاب الكسوف، باب الصلاة في كسوف الشمس، برقم 1041، ومسلم، كتاب الكسوف، باب ذكر النداء بصلاة الكسوف (الصلاة جامعة)، برقم 911.
(4)
في نسخة الزهيري: «في» بدل «على» ، وهي في مسلم، برقم 901.
(5)
«فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم» : ليست في نسخة الزهيري.
(6)
في نسخة الزهيري: «فصلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بالناس» .
(7)
«الركعة» : ليست في نسخة الزهيري.
يَنخْسِفَانِ (1) لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلا لِحَيَاتِهِ، فَإِذَا رَأَيْتُمْ ذَلِكَ فَادْعُوا اللَّهَ، وَكَبِّرُوا، وَصَلُّوا، وَتَصَدَّقُوا» ثُمَّ قَالَ:«يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ، وَاللَّهِ مَا مِنْ أَحَدٍ أَغْيَرُ مِنَ اللَّهِ، من أَنْ يَزْنِيَ عَبْدُهُ، أَوْ تَزْنِيَ أَمَتُهُ، يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ، وَاَللَّهِ لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلاً، وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيراً» (2).
وفي لفظٍ، «فَاسْتَكْمَلَ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ وَأَرْبَعَ سَجَدَاتٍ» (3).
156 -
(1) في نسخة الزهيري: «لا يخسفان» .
(2)
رواه البخاري، كتاب الكسوف، باب الصدقة في الكسوف، برقم 1044، واللفظ له، ومسلم، كتاب الكسوف، باب صلاة الكسوف، برقم 1 - (901).
(3)
رواه البخاري في كتاب الكسوف، باب خطبة الإمام في الكسوف، برقم 1046، ومسلم، كتاب الكسوف، باب صلاة الكسوف، برقم 3 - (901).
(4)
في نسخة الزهيري: «عن أبي موسى قال» بدون الأشعري، وبدون رضي الله عنه.
(5)
في نسخة الزهيري: «في زمان» ، وقوله في:«زمن» في المتن هو لفظ مسلم، برقم 24 - (912).
(6)
في نسخة الزهيري: «رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم» ، ولفظ المتن في مسلم، برقم 24 - (912).
(7)
في نسخة الزهيري: «فصلى» ، ولفظ المتن في صحيح مسلم، برقم 24 - (912).
(8)
رواه البخاري، كتاب الكسوف، باب الذكر في الكسوف، برقم 1059، ومسلم، كتاب الكسوف، باب صلاة الكسوف، بلفظه، برقم 24 - (912).
38 -
قال الشارح رحمه الله:
هذه الأحاديث الأربعة الثابتة عن رسول اللَّه عليه الصلاة والسلام كلها تتعلق بصلاة الكسوف، يقال: الكسوف، ويقال: الخسوف، ومنه قوله تعالى:{فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ * وَخَسَفَ الْقَمَرُ} (1)، والخسوف والكسوف ذهاب نور الشمس والقمر، أو ذهاب شيء من ذلك، يقال له خسوف، ويقال له كسوف.
وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم حكم ذلك، وأن هذا الخسوف والكسوف آيتان من آيات اللَّه سبحانه وتعالى يخوف بهما عباده، فالشمس والقمر آيتان، والليل والنهار آيتان، كلها من آياته جلّ وعلا، ثم يُجري عليهما الخسوف والكسوف، ليعلم العباد أن هذين الكوكبين خاضعان لأمر اللَّه، يتصرف فيهما كيف يشاء سبحانه وتعالى، وقد وقع هذا في عهده صلى الله عليه وسلم في يومٍ مات فيه ابنه إبراهيم، وكان صغيراً لم يُفطم، أمه جارية يقال لها مارية، فظن الناس أن كسفت الشمس لموته، فقال صلى الله عليه وسلم:«إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيتان مِنْ آيَاتِ اللهِ، لَا يَنكسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ، وَلَا لِحَيَاتِهِ، وَلَكِنَّ اللَّهَ يُخَوِّفُ بِهِمَا عِبَادَهُ» (2)، كما قال تعالى: «وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ
(1) سورة القيامة، الآيتان: 7 - 8.
(2)
أخرجه مسلم، كتاب الكسوف، باب ذكر النداء بصلاة الكسوف (الصلاة جامعة)، برقم 911، وفيه:«فَإِذَا رَأَيْتُمْ مِنْهَا شَيْئًا فَصَلُّوا، وَادْعُوا اللَّهَ حَتَّى يُكْشَفَ مَا بِكُمْ» .
إِلَّا تَخْوِيفًا} (1)؛ أي: ليحذروا نقمته، وليبادروا إلى طاعته، وليخشوا عذابه سبحانه وتعالى، وليعلموا أنه على كل شيء قدير في تعذيبهم وإهلاكهم، أو عافيتهم وسلامتهم، وهو على كل شيء قدير سبحانه وتعالى.
ولما وقع هذا بعث منادياً ينادي: الصلاة جامعة، الصلاة جامعة، الصلاة جامعة؛ حتى يعلم الناس أنه حصل كسوف، هذا نداء الصلاة جامعة، ثم صلى بالناس ركعتين في كل ركعة ركوعان، وسجدتان، وقراءتان، كبّر وقرأ الفاتحة، وقرأ معها وطوّل، ثم ركع وأطال، ثم رفع فقرأ أيضاً الفاتحة، ومعها قراءة طويلة، ولكنها دون الأولى، ثم ركع ركوعاً طويلاً، لكنه دون الأول، ثم رفع فأطال دون الأول، كما في حديث جابر:«ثم سجد سجدتين طويلتين، ثم قام وأتى بالثانية كالأولى، قرأ ثم ركع، ثم رفع، ثم قرأ، ثم ركع ركوعاً دون الذي قبله، ثم رفع وأطال بعض الإطالة، ثم سجد سجدتين، ثم خطب الناس» (2).
(1) سورة الإسراء، الآية:59.
(2)
فالأحاديث في هذا مستفيضة، وصحيحة عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم.
وفي حديث أبي موسى: «فَصَلَّى بِأَطْوَلِ قِيَامٍ، وَرُكُوعٍ، وَسُجُودٍ، مَا رَأَيْتُهُ يَفْعَلُه فِي صَلَاةٍ قَطُّ» (1). دل على أنه عليه الصلاة والسلام طوّل في ذلك قراءته وركوعه وسجوده.
وفي حديث أبي موسى يخشى أن تكون الساعة قبل أن يعلم أنها تتأخر عنه، لا تقوم في زمانه، فإنه أخبر الأمة أنها تقوم بعد ذلك، ولا تقوم في زمانه عليه الصلاة والسلام، كما قد وقع الآن؛ فإنها لم تزل غير قائمة، وقد مضى بعده عليه الصلاة والسلام أربعة عشر قرناً.
وفي هذا من الفوائد:
أن السنة للمسلمين المبادرة للصلاة إذا وجدوا ذلك، قال:«فَافْزَعُوا إلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَدُعَائِهِ وَاسْتِغْفَارِهِ» (2)، معنى افزعوا أي بادروا بالتوجه إلى اللَّه بالصلاة والذكر والاستغفار والدعاء والتكبير والصدقة.
وفي حديث عائشة لقال: «فَادْعُوا اللَّهَ، وَصَلُّوا، وكبِّروا، وَتَصَدَّقُوا» (3)، وفي رواية أسماء أنه أمر بالعتق (4)؛ فدل ذلك على أنه يُستحب في وقت الكسوف الصدقة، وعتق الرقاب، والإكثار من ذكر
(1) البخاري، برقم 1059، ومسلم، برقم 912، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 156.
(2)
رواه البخاري، برقم 1059، ومسلم، برقم 912، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 156.
(3)
البخاري، برقم 1044، ومسلم، برقم 901، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 155.
(4)
رواه البخاري، كتاب العتق، باب ما يستحب من العتاقة في الكسوف أو الآيات، برقم 2519، بلفظ:«أَمَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِالْعَتَاقَةِ فِي كُسُوفِ الشَّمْسِ» .
اللَّه: من تكبيره، وتعظيمه، وصلاة الكسوف، كل هذا مشروع في وقت الكسوف، يصلي ركعتين بقراءتين، وركوعين، وسجدتين، والمسلمون يكثرون من ذكر اللَّه في بيوتهم، وأسواقهم، ومساجدهم وكل مكان، واستغفاره، والتوبة إليه، ومحاسبة أنفسهم عما لديهم من المعاصي.
وفيه من الفوائد: يقول عليه الصلاة والسلام: «مَا أَحَد أَغْيَرُ مِنْ اللَّهِ أَنْ يَزْنِيَ عَبْدُهُ أَوْ تَزْنِيَ أَمَتُهُ» (1). هذا يفيد الحذر من الزنى والفواحش، وأنها من أسباب غضب اللَّه وعقابه؛ لأنه غيور على نعمه سبحانه وتعالى، وغيور حين تنتهك محارمه، وذكر الزنى (2)؛ لأنه من أقبح الفواحش؛ ولأنه من أسباب خسف نور القلب، وذهاب نوره وبصيرته، فالذي أذهب الشمس والقمر بالكسوف، قادر على أن يذهب نور العبد، وبصيرته، وهدايته بمعاصيه التي يقترفها، وقال عليه الصلاة والسلام:«لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلًا وَلبَكَيْتُمْ كَثِيرًا» (3)، أي لو تعلمون ما أعلم ما عند اللَّه من العقوبة لمن كفر به وعصاه؛ لضحكتم قليلاً، ولبكيتم كثيراً.
وفيه أنهم يصلون ويدعون إذا رأوا الكسوف، «فَصَلُّوا وَادْعُوا
(1) رواه البخاري، برقم 1044، ومسلم، برقم 901، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 155.
(2)
«الزنا» : كلمة تُمدُّ وتُقْصَر، فالقصر لأهل الحجاز، والمد لأهل نجد، والنسبة إلى المقصور: زنوي، وإلى الممدود: زنائي، والمرأة تزني مُزاناةً وزِناء. انظر: الصحاح للجوهري، ص 500، مادة (زنا، زنى).
(3)
البخاري، برقم 1044، ومسلم، برقم 901، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 154.