المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌3 - كتاب الزكاة - الإفهام في شرح عمدة الأحكام

[ابن باز]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة المحقق

- ‌وكان عملي على النحو الآتي:

- ‌نبذة عن حياة مؤلف العمدة: الإمام عبد الغني بن عبد الواحد المقدسي

- ‌أولاً: نسبه، ومولده، ونشأته، ومكانته العلمية:

- ‌ثانياً: عبادته وتضرعه، وأوقاته:

- ‌ثالثاً: شيوخه:

- ‌رابعاً: تلامذته:

- ‌خامساً: أقوال العلماء فيه:

- ‌سادساً: أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر:

- ‌سابعاً: جوده وكرمه:

- ‌ثامناً: تصانيفه:

- ‌تاسعاً: وفاته:

- ‌نبذة عن حياة الشارح الإمام عبد العزيز بن عبد الله بن باز

- ‌أولاً: ما قال سماحته عن نفسه

- ‌ثانياً: أوصافه الخَلْقية

- ‌ثالثاً: صفاته الخُلُقية:

- ‌رابعاً: دروسه العلمية في مدينة الرياض

- ‌خامساً: زوجات سماحة الشيخ:

- ‌سادساً: أولاده:

- ‌ثامناً: الجنازة وأصداء الوفاة

- ‌تاسعاً: مشاهد نادرة من جنازة الشيخ

- ‌مقدمة المؤلف

- ‌1 - كتاب الطهارة

- ‌1 - بابُ دخولِ الخلاءِ والاستطابةِ

- ‌2 - بابُ السواكِ

- ‌3 - بابُ المسحِ على الخفينِ

- ‌4 - بابٌ في المذيِ وغيرِهِ

- ‌5 - بابُ الغسل من الجنابةِ

- ‌6 - باب التَّيَمُّمِ

- ‌7 - بابُ الحيضِ

- ‌2 - كتاب الصلاة

- ‌8 - بابُ المواقيتِ

- ‌9 - باب فضلِ صلاة الجماعة ووجوبها

- ‌10 - بابُ الأَذانِ

- ‌11 - باب استقبالِ القبلة

- ‌12 - بابُ الصُّفوفِ

- ‌13 - بابُ الإِمامةِ

- ‌14 - بابُ صفةِ صلاةِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم

- ‌15 - باب وجوب الطمأنينة في الركوع والسجود

- ‌16 - باب القراءة في الصلاة

- ‌17 - بابُ تركِ الجَهرِ ببسمِ اللَّه الرَّحمنِ الرَّحيمِ

- ‌18 - بابُ سجودِ السَّهو

- ‌19 - بابُ المرورِ بينَ يديِ المصلي

- ‌20 - بابٌ جامعٌ

- ‌21 - بابُ التَّشهدِ

- ‌24 - باب الجمع بين الصلاتين في السفر

- ‌25 - باب قصر الصلاة في السفر

- ‌26 - باب الجمعة

- ‌27 - باب العيدين

- ‌28 - باب صلاة الكسوف

- ‌29 - باب صلاة الاستسقاء

- ‌30 - باب صلاة الخوف

- ‌31 - باب الجنائز

- ‌3 - كتاب الزكاة

- ‌32 - باب صدقة الفطر

- ‌4 - كتاب الصِّيَامِ

- ‌33 - باب الصوم في السفر وغيره

- ‌34 - باب أفضل الصيام وغيره

- ‌35 - باب ليلة القَدر

- ‌36 - باب الاعتكاف

- ‌5 - كتاب الحَجِّ

- ‌37 - باب المواقيت

- ‌38 - باب ما يلبس المُحرِم من الثياب

- ‌39 - باب الفدية

- ‌40 - باب حُرمة مكة

- ‌41 - باب ما يجوز قتله

- ‌42 - باب دخول مكة وغيره

- ‌43 - باب التمتُّع

- ‌44 - باب الهدي

- ‌45 - باب الغسل للمحرم

- ‌46 - باب فسخ الحج إِلى العمرة

- ‌47 - باب المحرم يأكل من صيد الحلال

- ‌6 - كتاب البيوع

- ‌48 - باب ما يُنهى عنه من البيوع

- ‌49 - باب العرايا وغير ذلك

- ‌50 - باب السَّلَم

- ‌51 - باب الشروط في البيع

- ‌52 - باب الربا والصَّرف

- ‌53 - باب الرهن وغيره

- ‌54 - بابُ اللُّقَطة

- ‌7 - كتاب الوصَايا

- ‌8 - كتاب الفرائض

- ‌9 - كتاب النكاح

- ‌55 - باب الصداق

- ‌10 - كتاب الطلاق

- ‌56 - باب العِدَّة

- ‌11 - كتاب اللعان

- ‌12 - كتاب الرضَاع

- ‌13 - كتاب القِصَاص

- ‌14 - [كتاب الحدُود

- ‌57 - باب حدِّ السرقة

- ‌58 - باب حدِّ الخمر

- ‌15 - كتاب الأيمان والنذور

- ‌59 - باب النذر

- ‌60 - باب الْقَضاء

- ‌16 - كتاب الأطعمة

- ‌61 - باب الصيد

- ‌62 - باب الأضاحي

- ‌17 - كتاب الأشربة

- ‌18 - كتاب اِللِّبَاس

- ‌19 - كتاب الجِهاد

- ‌20 - كتاب العتق

- ‌63 - باب بيع المدبَّر

- ‌الفهارس العامة

- ‌1 - فهرس الآيات القرآنية

- ‌2 - فهرس الأحاديث النبوية والآثار

- ‌3 - فهرس الألفاظ الغريبة

- ‌4 - فهرس الأشعار

- ‌5 - فهرس مصادر ومراجع التحقيق

الفصل: ‌3 - كتاب الزكاة

‌3 - كتاب الزكاة

176 -

عن عبد اللَّه بن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم لِمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، حِينَ بَعَثَهُ إلَى الْيَمَنِ:«إنَّك سَتَاتِي قَوْماً أَهْلَ كِتَابٍ، فَإِذَا جِئْتَهُمْ فَادْعُهُمْ إلَى أَنْ يَشْهَدُوا أَنْ لا إلَهَ إلَاّ اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللَّهِ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لَكَ بِذَلِكَ فَأَخْبِرْهُمْ: أَنَّ اللَّهَ قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لَك بِذَلِكَ، فَأَخْبِرْهُمْ: أَنَّ اللَّهَ قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ، فَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لَك بِذَلِكَ، فَإِيَّاكَ وَكَرَائِمَ أَمْوَالِهِمْ، وَاتَّقِ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ، فَإِنَّهُ لَيْسَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ اللَّهِ حِجَابٌ» (1).

177 -

عن أبي سعيد الْخُدْرِي رضي الله عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: «لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ أَوَاقٍ صَدَقَةٌ، وَلا فِيمَا دُونَ خَمْسِ ذَوْدٍ صَدَقَةٌ، وَلا فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ» (2).

45 -

قال الشارح رحمه الله:

هذان الحديثان يتعلقان بالزكاة، والزكاة حق المال، وهي فرض من الفرائض، وركن من أركان الإسلام الخمسة؛ فإن اللَّه جل وعلا

(1) رواه البخاري، كتاب المغازي، باب بعث أبي موسى، ومعاذ إلى اليمن قبل حجة الوداع، برقم 4347، واللفظ له، ومسلم، كتاب الإيمان، باب الدعاء إلى الشهادتين وشرائع الإسلام، برقم 19.

(2)

رواه البخاري، كتاب الزكاة، باب من أدى زكاته فليس بكنز، برقم 1405، ومسلم، كتاب الزكاة، برقم 979، واللفظ له مع تقديم بعض الجمل على بعض.

ص: 364

بنى هذا الدين على خمسة أركان، أعظمها، وأهمها، وأساسها: شهادة أن لا إله إلا اللَّه، وأن محمداً رسول اللَّه: عن علمٍ، ويقين، وصدق، وإخلاص في ذلك، ثم يلي ذلك الصلاة، ثم الزكاة، والزكاة لها شأن عظيم، وهي طُهرة للمزكي، وطُهرة ماله؛ كما قال تعالى:{خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} (1)، من الزكا وهو النمو، فالزكاة تنمي المال، وتكون سبباً للبركة فيه، وسلامته من الآفات، والواجب على كل مؤمن، وعلى كل مؤمنة مَلَكَ نصاب الزكاة أن يُزكِّي إذا حال عليه الحول، وفي ذلك أيضاً مصالح أخرى من جهة إخوانه الفقراء، وغيرهم من أصناف الزكاة، يُحسن إليهم، ويجود عليهم مما أعطاه اللَّه، فيؤدي حق اللَّه، ويسعى في رضاه، وفي بركة ماله وسلامته، ومع هذا ينفع: الضعيف من فقراء ومساكين، والمؤلفة قلوبهم، وعتق الرقاب، والغارمين، وفي الجهاد في سبيل اللَّه، وفي أبناء السبيل: فيه مصالح عظيمة في هذا المال.

وفي حديث ابن عباس المذكور بيان أن الداعي إلى اللَّه جل وعلا الذي يوجه إلى الكفار، أو يتوجه إلى الكفار، يدعوهم، يبدأ بالأمر الأول؛ لأنه الأساس، فلا زكاة ولا صلاة ولا غير ذلك، إلا بعد الأساس، بعد صحة التوحيد، والدخول في الإسلام؛ ولهذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم معاذاً أن يبدأ أهل اليمن بالدعوة إلى توحيد اللَّه، قال:«إنك تأتي قوماً أهل كتاب» أي اليهود والنصارى، كان أهل اليمن في ذاك الوقت

(1) سورة التوبة، الآية:103.

ص: 365

يهود ونصارى، فأمره أن يبدأهم بالتوحيد قبل كل شيء، فيدعوهم إلى أن يشهدوا أن لا إله إلا اللَّه، عن إيمان وصدق، وأن محمداً رسول اللَّه، عن إيمان وصدق، فإذا فعلوا ذلك، طُلب منهم أن يصلوا؛ ولهذا ذكر أن يشهدوا أن لا إله إلا اللَّه، وأن محمداً رسول اللَّه، وفي اللفظ الآخر:«فادعهم إلى أن يشهدوا أن لا إله إلا اللَّه، وأني رسول اللَّه» (1)، وفي اللفظ الآخر:«فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا اللَّه» (2)،

وفي اللفظ الآخر: {فادعهم إلى أن يوحِّدوا اللَّه» (3).

فهي ألفاظ متقاربة المعنى، يفسِّر بعضها بعضاً، والمعنى: أنه يدعوهم إلى توحيد اللَّه، والإخلاص له، وهو معنى لا إله إلا اللَّه، ويدعوهم إلى الإيمان بالرسول صلى الله عليه وسلم، الذي بعثه اللَّه رحمةً للعالمين؛ لأنه أُرسل إلى جميع الناس الثقلين: الجن، والإنس، وأن عليهم متابعته، واتّباعه، والاستقامة على ما جاء به، فإذا آمنوا بهذا وصدقوا، والتزموا بتوحيد اللَّه، والإيمان بالرسول

(1) البخاري، برقم 4347، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 176.

(2)

البخاري، برقم 1458، ومسلم، برقم 31 - (19)، وتقدم تخريجه في تخريج أحاديث شرح حديث المتن رقم 176 ..

(3)

البخاري، كتاب التوحيد، باب ما جاء في دعاء النبي صلى الله عليه وسلم أمته إلى توحيد اللَّه تبارك وتعالى، برقم 7372، ولفظه:«عن ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ لَمَّا بَعَثَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ إِلَى نَحْوِ أَهْلِ الْيَمَنِ قَالَ لَهُ: «إِنَّكَ تَقْدَمُ عَلَى قَوْمٍ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ فَلْيَكُنْ أَوَّلَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَى أَنْ يُوَحِّدُوا اللَّهَ تَعَالَى فَإِذَا عَرَفُوا ذَلِكَ فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي يَوْمِهِمْ وَلَيْلَتِهِمْ فَإِذَا صَلَّوْا فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللَّهَ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ زَكَاةً فِي أَمْوَالِهِمْ تُؤْخَذُ مِنْ غَنِيِّهِمْ فَتُرَدُّ عَلَى فَقِيرِهِمْ فَإِذَا أَقَرُّوا بِذَلِكَ فَخُذْ مِنْهُمْ وَتَوَقَّ كَرَائِمَ أَمْوَالِ النَّاسِ» .

ص: 366

- عليه الصلاة والسلام، يُدعون إلى الصلاة:«فإن أجابوا لذلك فأخبرهم أن اللَّه تعالى قد افترض عليهم خمس صلوات في اليوم والليلة» ، الظهر، والعصر، والمغرب، والعشاء، والفجر، يُخبرهم بها بعد ذلك، ويدعوهم إلى الالتزام بها، والاستقامة عليها، فإذا أجابوا لذلك دعاهم إلى الزكاة، وأخبرهم بها، وأنصبائها، وكيفية أدائها، وبيان المؤدَّى ما هو، ثم قال:«تؤخذ من أغنيائهم، فترد في فقرائهم» ؛ لأن الزكاة مواساة وإحسان إلى الفقراء، وإحسان من الأغنياء، فهي شكر من الأغنياء ومواساة للفقراء، وذكر الفقراء؛ لأنهم أعم أصنافها، وأهمهم؛ ولهذا بدأ اللَّه بهم في قوله تعالى:{إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ} الآية (1)، وهم أعم الأصناف وأهم الأصناف، ثم قال:«فإن هم أجابوا لذلك، فإيَّاك وكرائم أموالهم» يعني إذا وافقوا على التوحيد والصلاة والزكاة «فإياك وكرائم أموالهم» احذر أن تظلمهم، خذ من أوساط أموالهم ولا تأخذ الكرائم إلا برضاهم إذا أذنوا، فلا بأس، والكريمة البالغة في الحسن في النهاية؛ لأن المال أقسام ثلاثة: وسط، حقير، كريم.

فالزكاة من الوسط، فلا تُؤخذ من الحقير الدنيء، ولا من الأكمل، ولكن من الوسط، فإذا كان فيه: إبل، وغنم، وبقر ذات لبن، أو ذات سمن زائد، أو ذات قيمة غالية، فلا يأخذ منه، يأخذ من

(1) سورة التوبة، الآية:60.

ص: 367

الوسط، إلا أن تطيب نفوسهم بالطيِّب والغالي، فهذا يقبل منهم إذا طابت به النفوس، وإلا فليتحرَ الوسط من الأمور.

ثم قال: «واتق دعوة المظلوم» لا تتساهل في هذا، واحذر أن تظلم أحداً؛ لأن دعوة المظلوم مستجابة فاحذر، واتق دعوة المظلوم؛ فإنه ليس بينها وبين اللَّه حجاب، يعني بل ترفع إلى اللَّه عز وجل، وصاحبها موعودٌ بالنصر، فينبغي للمؤمن الحذر من دعوة المظلوم، والحرص على تحرِّي العدل في كل أموره، ولاسيما الرؤساء والأمراء؛ فإنهم على خطرٍ، فالواجب أن يتحرّوا العدل، ويبتعدوا عن الظلم.

وفي الحديث الثاني حديث أبي سعيد الدلالة على أنصباء الزكاة: «ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة» من الحبوب والثمار، «وليس فيما دون خمس أواق صدقة» من الفضة، «وليس فيما دون خمس ذودٍ من الإبل صدقة» ، يعني أقل نصاب الإبل خمس سائمة راعية، فإذا كانت أقل فليس فيها زكاة، إلا إذا كانت للتجارة للبيع والشراء؛ يزكيها زكاة تجارة، أما إذا كانت للدَّرِّ والنسل فليس فيها زكاة، إلا إذا كانت خمساً فأكثر ففيها شاة واحدة، حتى تبلغ عشراً، فإذا بلغت عشراً صار فيها شاتان إلى خمس عشرة، فإذا صارت خمسة عشر صار فيها ثلاث شياه إلى عشرين، فإذا بلغت عشرين، ففيها أربع شياه، وإذا صارت خمساً وعشرين صار فيها من الإبل، ففيها رأس من الإبل صغير بنت مخاض، تم لها سنة، فإن لم توجد

ص: 368

فابن لبون تمَّ له سنتان، ثم هكذا تتدرج الفرائض في الإبل، كما هو مبين في الأحاديث الصحيحة، وفي كلام أهل العلم: والغنم أقل نصابها أربعون، والبقرة أقل نصابها ثلاثون فأكثر، أما النقود [فالنصاب] خمس أواق من فضة، أي مئتا درهم مقدارها بالريال السعودي ستة وخمسون ريالاً من فضة، فيها مقدار خمس أواق، مئتان من الدرهم، الدرهم الإسلامي في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، إلا أنه صغير.

فالنصاب من الفضة ستة وخمسون ريالاً من فضة، قيمتها تعادل مائة وأربعين مثقالاً، وما يقوم مقامها من العُمل تجب فيه الزكاة ما يساوي ستة وخمسين ريالاً من الفضة تجب فيه الزكاة، وهكذا كل ما زاد فيه الزكاة، سهم من أربعين: ربع العشر: سهم من أربعين سهماً (1) في الألف، خمسة وعشرون، وهكذا ربع العشر.

أما الحبوب، فالنصاب فيها خمسة أوسق، والوَسْق ستون صاعاً بصاع النبي صلى الله عليه وسلم، فيكون الجميع ثلاثمائة صاع، هذا نصاب الحبوب، والثمار، كالتمر، والزبيب خمسة أوسق، أي ثلاثمائة صاع بصاع النبي صلى الله عليه وسلم، وصاع النبي أربع حفنات بيدين معتدلتين؛ مملوءتين، أربع تعتبر صاعاً بصاع النبي صلى الله عليه وسلم، وهو أقل من صاعنا المعروف قليلاً.

فإذا بلغت الحبوب ثلاثمائة صاع بصاع النبي صلى الله عليه وسلم وجبت فيها الزكاة، وهكذا التمور، والزبيب مثل الحبوب، فإذا كان أقل من ذلك، فليس فيه شيء إذا كان عنده أقل من ثلاثمائة صاع، فليس

(1)[في المائة: اثنان ونصف، وفي المائتين خمسة، وفي: الخمسمائة اثنا عشر ونصف].

ص: 369

فيها زكاة، وهذا من رحمة اللَّه؛ لأن ما كان أقل قد يحتاج الإنسان صاحب الحراثة لأكله، وحاجاته، وليس فيه سعة للزكاة، فإذا بلغ خمسة أوسق ثلاثمائة صاع صار محلاًّ للزكاة، كل ما زاد، هكذا سواء كان حنطة، أو شعيراً، أو ذرة، أو غير ذلك بعد التصفية، بعدما يدوسهُ، ويصفِّيه يخرج زكاته للفقراء، والمساكين، ومن في حكمهم، وهذا من رحمة للَّه بعباده: أن جعل في أموال أغنيائهم سداً لحاجة فقرائهم، وهذا يوجب التعاون لدى الجميع، والعطف من غنيهم على فقيرهم، وهو مما يسبب المحبة بينهم، وهذا يعطف على أخيه بالزكاة، ويسد حاجته، فالمُعْطى يجد في ذلك أثراً في قلبه، ومحبة المعطي، وتقديراً لإحسانه إليه، فالزكاة فيها مواساة، وفيها تعاون، وفيها إزالة للشحناء، والضغائن، وفيها التحبب إلى الفقراء، وبهذا يكون المجتمع مجتمعاً متعاوناً بين غنيه وفقيره، بسبب عطف الغني على الفقير، وإحسانه إليه.

178 -

عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال:«لَيْسَ عَلَى الْمُسْلِمِ فِي عَبْدِهِ وَلا فَرَسِهِ صَدَقَةٌ» (1).

وفي لفظٍ «إلَاّ زَكَاةَ الْفِطْرِ فِي الرَّقِيقِ» (2).

(1) رواه البخاري، كتاب الزكاة، باب ليس على المسلم في فرسه صدقة، برقم 1463، وباب ليس على المسلم في عبده صدقة، برقم 1464، ومسلم، كتاب الزكاة، باب لا زكاة على المسلم في عبده وفرسه، برقم 982، واللفظ له.

(2)

لم أجد هذا للفظ في الصحيحين، وإنما الذي عند مسلم دون البخاري:«ليس في العبد صدقة إلا صدقة الفطر» ، مسلم، برقم 10 - (982)، وأما اللفظ الذي ذكره المصنف رحمه الله فرواه أبو داود، كتاب الزكاة، باب صدقة الرقيق، برقم 1594، وأخرجه من طريقه البيهقي في السنن الكبرى، 4/ 117، برقم 7652، وصححه الألباني في صحيح أبي داود،

1 -

/ 301، برقم 1420.

ص: 370

179 -

عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم قال:«الْعَجْمَاءُ جُبَارٌ، وَالْبِئْرُ جُبَارٌ، وَالْمَعْدِنُ جُبَارٌ، وَفِي الرِّكَازِ الْخُمْسُ» (1).

الْجُبار: الهدر الذي لا شيء فيه.

والعجماء: الدابَّة.

180 -

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: «بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عُمَرَ عَلَى الصَّدَقَةِ، فَقِيلَ: مَنَعَ ابْنُ جَمِيلٍ، وَخَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ، وَالْعَبَّاسُ عَمُّ النبيِّ صلى الله عليه وسلم (2)، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَا يَنْقِمُ ابْنُ جَمِيلٍ إلَاّ أَنْ كَانَ فَقِيراً، فَأَغْنَاهُ اللَّهُ تَعَالى، وَأَمَّا خَالِدٌ: فَإِنَّكُمْ تَظْلِمُونَ خَالِداً، فَقَدِ (3) احْتَبَسَ أَدْرَاعَهُ وَأَعْتَادَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَأَمَّا الْعَبَّاسُ: فَهِيَ عَلَيَّ وَمِثْلُهَا» ثُمَّ قَالَ (4): «يَا عُمَرُ، أَمَا شَعَرْتَ أَنَّ عَمَّ الرَّجُلِ صِنْوُ أَبِيهِ؟» (5).

(1) رواه البخاري، كتاب الزكاة، باب في الركاز الخمس، برقم 1499، واللفظ له، ومسلم، كتاب الحدود، باب جرح العجماء جبار، والمعدن والبئر جبار، برقم 1710، بلفظ:«الْعَجْمَاءُ جَرْحُهَا جُبَارٌ، وَالْبِئْرُ جُبَارٌ، وَالْمَعْدِنُ جُبَارٌ، وَفِي الرِّكَازِ الْخُمْسُ» .

(2)

في نسخة الزهيري: «عم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم» .

(3)

في نسخة الزهيري: «وقد» .

(4)

في نسخة الزهيري: «قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم» .

(5)

رواه البخاري، كتاب الزكاة، باب قول اللَّه تعالى:{وَفِي الرِّقَابِ والغارمين وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ} ، برقم 1468، ومسلم، كتاب الزكاة، باب في تقديم الزكاة ومنعها، برقم 983، واللفظ له، إلا أن فيه:«فهي علي ومثلها معها» فمعها لم تذكر في متن العمدة.

ولفظ البخاري: «مَا يَنْقِمُ ابْنُ جَمِيلٍ إِلَّا أَنَّهُ كَانَ فَقِيرًا، فَأَغْنَاهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، وَأَمَّا خَالِدٌ: فَإِنَّكُمْ تَظْلِمُونَ خَالِدًا، قَدِ احْتَبَسَ أَدْرَاعَهُ وَأَعْتُدَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَأَمَّا العَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ المُطَّلِبِ، فَعَمُّ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَهِيَ عَلَيْهِ صَدَقَةٌ وَمِثْلُهَا مَعَهَا " تَابَعَهُ ابْنُ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ أَبِيهِ، وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، «هِيَ عَلَيْهِ وَمِثْلُهَا مَعَهَا» .

ص: 371

181 -

عن عبد اللَّه بن زيد بن عاصم المازني (1) رضي الله عنه قال: «لَمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى نَبِيِّه صلى الله عليه وسلم (2) يَوْمَ حُنَيْنٍ، قَسَمَ فِي النَّاسِ، وَفِي (3) الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ، وَلَمْ يُعْطِ الأَنْصَارَ شَيْئاً، فَكَأَنَّهُمْ وَجَدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ (4)، إذْ لَمْ يُصِبْهُمْ مَا أَصَابَ النَّاسَ، فَخَطَبَهُمْ، فَقَالَ: «يَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ، أَلَمْ أَجِدْكُمْ ضُلَاّلاً فَهدَاكُمُ اللَّهُ بِي؟ وَكُنْتُمْ مُتَفَرِّقِينَ فَأَلَّفَكُمُ اللَّهُ بِي؟ وَعَالَةً فَأَغْنَاكُمُ اللَّهُ بِي؟» كُلَّمَا قَالَ شَيْئاً، قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمَنُّ، قَالَ:«مَا يَمْنَعُكُمْ أَنْ تُجِيبُوا رَسُولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم؟» قال: كلما قال شيئاً (5) قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمَنُّ، قَالَ: «لَوْ شِئْتُمْ لَقُلْتُمْ: جِئْتَنَا بكَذَا (6) وَكَذَا، أَلا تَرْضَوْنَ أَنْ يَذْهَبَ النَّاسُ بِالشَّاةِ وَالْبَعِيرِ وَتَذْهَبُونَ بِرَسُولِ اللَّهِ (7)

إلَى رِحَالِكُمْ؟ لَوْلا الْهِجْرَةُ لَكُنْتُ امْرَأً مِنَ الأَنْصَارِ، وَلَوْ سَلَكَ النَّاسُ وَادِياً وشِعْباً، لَسَلَكْتُ وَادِيَ

(1)«المازني» : ليست في نسخة الزهيري.

(2)

في نسخة الزهيري: «رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم» .

(3)

في نسخة الزهيري: «في» بدون واو.

(4)

«في أنفسهم» : ليست في نسخة الزهيري.

(5)

«قال: كلما قال شيئاً» : ليست في نسخة الزهيري، وهي في البخاري، برقم 4330.

(6)

في نسخة الزهيري: «كذا وكذا» ، وهي هكذا في البخاري، برقم 1330.

(7)

في نسخة الزهيري: «وتذهبون بالنبي صلى الله عليه وسلم» ، وهي هكذا في البخاري، برقم 4330 ..

ص: 372

الأَنْصَارِ وَشِعْبَهَا، الأَنْصَارُ شِعَارٌ، وَالنَّاسُ دِثَارٌ، إنَّكُمْ سَتَلْقَوْنَ بَعْدِي أَثَرَةً، فَاصْبِرُوا حَتَّى تَلْقَوْنِي عَلَى الْحَوْضِ» (1).

46 -

قال الشارح رحمه الله:

هذه الأحاديث الأربعة تتعلق بالزكاة، والأخير يتعلق بالدين.

الحديث الأول يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «لَيْسَ عَلَى الْمُسْلِمِ فِي عَبْدِهِ وَلا فَرَسِهِ صَدَقَةٌ» ، وفي لفظ:«إلَاّ زَكَاةَ الْفِطْرِ فِي الرَّقِيقِ» .

معنى هذا أن الخيل ليس فيها زكاة، وهكذا الحمير، والبغال ليس فيها زكاة، إنما الزكاة في الإبل، والغنم، والبقر إذا كانت سائمة، أما الخيل، والبغال فهي عَفْوٌ من اللَّه عز وجل، وهكذا الحمير كلها، ليس فيها زكاة، وهكذا العبيد المماليك ليس فيهم زكاة إلا زكاة الفطر، لكن إذا كانت الخيل، أو الحُمُر، أو البغال، أو العبيد للتجارة والبيع والشراء، ففيها زكاة التجارة: كسائر العروض التي يشتريها الإنسان للبيع والشراء، فإذا اشترى خيلاً، أو بِغالاً، أو حميراً، أو عبيداً للبيع والتجارة، فهذا فيه زكاة التجارة، كلما حال الحول تقوَّم وتزكى قيمتها، أما إذا كانت الخيل للقُنية والاستعمال، أو الجهاد، أو العبيد للخدمة، أو البغال والحمير للخدمة والاستعمال، فليس فيها زكاة، بل هي عرض.

(1) رواه البخاري، كتاب المغازي، باب غزوة الطائف، برقم 4330، بلفظه، إلا أحرفاً يسيرة، ومسلم، كتاب الزكاة، باب إعطاء المؤلفة قلوبهم على الإسلام، وتصبر من قوي إيمانه، برقم 1061، ورقم 1059.

ص: 373

الحديث الثاني عن الرسول صلى الله عليه وسلم: «الْبِئْرُ جُبَارٌ، وَالْعَجْمَاءُ جُبَارٌ، وَالْمَعْدِنُ جُبَارٌ، وَفِي الرِّكَازِ الْخُمْسُ» .

معنى جبار: هدر، أي ليس فيه شيء، البئر ليس فيها شيء، لو سقط فيها أحد، جبار: هدر، وهكذا العجماء إذا نطحت أحداً، أو وطئت أحداً، جبار: هدر؛ لأنها لا عقل لها، والمعدن كذلك إذا حفر الناس إلى المعادن إن سقط فيها شيء، أو مات فيها عابرٌ: فهدرٌ ليس فيه شيء، إلا إذا ثبت أن الإنسان فرّط في ذلك، إذا ثبت أن الإنسان فرط في ذلك، حفر بئراً في طريق المسلمين، ولم يحطها، ولم يفعل شيئاً يمنع الناس من خطرها، فيضمنها، أما إذا كانت في محلِّه، في أرضه، في مزرعته، أو في محلٍ بعيد عن خطر المسلمين فهي جبار.

وهكذا المعدن، إذا كان ليس في محلِّ طريقِ المسلمين، فهو هدر، وهكذا الدابة، إذا كان ما معها أحد، ووطئت أحداً، أو عضت أحداً، وما أشبه ذلك ليس فيها؛ لأنها لا تكليف عليها إلا إذا عرف صاحبها أنها تؤذي الناس، كعروشٍ (1)

تؤذي الناس؛ فإن عليه إمساكها، وحفظها، فإذا أهملها يضمن ما يحصل بعملها، وكذلك إذا جعلها حول الزروع، وأطلقها حول الزروع يضمن؛ لأنه حين أطلقها حولها مفرط، فعليه الضمان، كما في الحديث سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن المواشي،

(1) الدابة العروش عند العامة: هي التي تعض الناس بأسنانها.

وفي لسان العرب، 6/ 313، مادة (عرش): العروش: جمع عرش: يقال: الكلب إِذا خَرِقَ فلم يَدْنُ للصيد: عَرِشَ.

ص: 374

قال: «إذا كانت في النهار فلا ضمان، وإن كان في الليل فعلى أهلها الضمان» (1)، لكن إذا أطلقت حول الزروع فهي مثل الليل، إذا كان صاحبها متعدياً مفرطاً، ومن رعى حول الحمى أوشك أن يقع فيه.

أما الركاز، وهو من دفن الجاهلية، الأموال التي يدفنها الجاهلية من الكفار: ذهب، أو فضة، أو أوانٍ، أو سلاح، ويجده المسلمون، ففيه الخمس لبيت المال، ولصاحبه الباقي لمن وجده، فمن وجد في خربةٍ، أو أرضٍ كنزاً عليه علامة الكفار فيكون له عدا الخمس فيكون لبيت المال.

والحديث الثالث حديث أبي هريرة في قصة خالد، والعباس وابن جميل: كان النبي صلى الله عليه وسلم بعث عمر على الصدقة، فقيل للنبي صلى الله عليه وسلم: منع ابن جميل، وخالد بن الوليد رضي الله عنه، والعباس عم النبي صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم لما أخبر بهذا: «مَا يَنْقِمُ ابْنُ جَمِيلٍ إلَاّ أَنْ كَانَ فَقِيراً، فَأَغْنَاهُ اللَّهُ

»، ما له عذرٌ، فالواجب عليه أن يؤدي الزكاة كون اللَّه أغناه، هذا يوجب فيه شكر اللَّه، وأداء الزكاة، أما خالد فإنه فقير ما عنده شيء، أدراعه وأعتاده كلها قد وقفها في سبيل اللَّه. فليس عنده

(1) في سنن أبي داود، كتاب البيوع، باب المواشي تفسد زرع قوم، برقم 3569، ورقم 3570، وفي مسند أحمد، 39/ 102، برقم 23697، وصحيح ابن حبان، 13/ 354، وصححه مرسلاً محققو المسند، 39/ 102، وصححه الألباني في التعليقات الحسان على صحيح ابن حبان، 8/ 399، برقم 6008: عَنْ مُحَيِّصَةَ أَنَّ نَاقَةً لِلْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ دَخَلَتْ حَائِطًا، فَأَفْسَدَتْ فِيهِ، فَقَضَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى أَهْلِ الأَرْضِ حَفِظَهَا بِالنَّهَارِ، وَعَلَى أَهْلِ الْمَوَاشِي حِفْظَهَا بِاللَّيْلِ».

ص: 375

شيء، ولهذا قال:«إِنَّكُمْ تَظْلِمُونَ خَالِداً، أي ليس من أهل الزكاة، ليس عنده شيء يُزَكَّى، وَأَمَّا الْعَبَّاسُ: فَهِيَ عَلَيَّ وَمِثْلُهَا» تحمَّلها النبيُّ عليه الصلاة والسلام عنه، وقَالَ:«إِنَّ عَمَّ الرَّجُلِ صِنْوُ أَبِيهِ؟» ، تسلف النبي صلى الله عليه وسلم زكاة العباس من العباس، وفي رواية أنها كانت عليه، قال: إنها عليَّ ومثلها، أي اقترضها من ابن عباس، والمشهور أنه تحملها، قال: هي عليَّ ومثلها، تحملها عن عمه عليه الصلاة والسلام، وفي رواية:«أنه استسلف منه الزكاة عامين» (1)،

فتلك لها معنى، وهذه لها معنى، فلما قال: هي عليَّ ومثلها. قال لعمر: «إِنَّ عَمَّ الرَّجُلِ صِنْوُ أَبِيهِ» (2)، فيدل على أنه فعل براً به، وصلةً له؛ لأنه صنو الأب.

أما الحديث الرابع: حديث عبداللَّه بن زيد الأنصاري [فهذا](3)

في قصة حنين؛ لما أفاء اللَّه على نبيه غنائم كبيرة من أهل الطائف، نفَّل بعض الناس من العرب، والمهاجرين من الأموال والعبيد بعد الفتح، ومن رؤساء العرب نفَّل لهم، هذا يُعطَى مائة من الإبل، وهذا يُعطى خمسين

(1) روى البيهقي في السنن الكبرى، 4/ 111: عَنْ حُجْرٍ الْعَدَوِيِّ، عَنْ عَلِيٍّ وَخَالَفَهُ فِي لَفْظِهِ فَقَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِعُمَرَ: «إِنَّا قَدْ أَخَذْنَا مِنَ الْعَبَّاسِ زَكَاةَ الْعَامِ عَامَ الأَوَّلِ

»، وعَنِ الْحَسَنِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنِ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم مُرْسَلاً أَنَّهُ قَالَ لِعُمَرَ رضي الله عنه فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ:«إِنَّا كُنَّا قَدْ تَعَجَّلْنَا صَدَقَةَ مَالِ الْعَبَّاسِ لِعَامِنَا هَذَا عَامَ أَوَّلَ» .. قال البيهقي: «وَهَذَا هُوَ الأَصَحُّ مِنْ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ» ، وفي رواية للبيهقي مرفوعاً:«إِنَّا كُنَّا احْتَجْنَا فَاسْتَسْلَفْنَا الْعَبَّاسَ صَدَقَةَ عَامَيْنِ» ، وروى أيضاً:«أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم تَعَجَّلَ مِنَ الْعَبَّاسِ صَدَقَةَ عَامٍ، أَوْ صَدَقَةَ عَامَيْنِ» ، البيهقي، 4/ 111، وجاء معناه عند ابن خزيمة في صحيحه، 4/ 49، في آخر روايات حديث رقم 2330.

(2)

البخاري، برقم 1468، ومسلم، برقم 983، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 180.

(3)

ما بين المعقوفين كلمة غير واضحة، والأظهر أنها:«فهذا» ..

ص: 376

من الإبل، وهذا يُعطى كذا، نفَّل لهم تأليفاً لقلوبهم، ولِما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم من إعطاء المؤلفة قلوبهم، وكما فرض اللَّه لهم في الزكاة تأليفاً لقلوبهم، وحتى يستقيموا على الدين، وحتى يسلموا للَّه، وحتى يقوى إيمانهم؛ لأنهم رؤوساء مَتبعون، فلما فعل ذلك عليه الصلاة والسلام، وجد الأنصار في أنفسهم بعض الشيء، قالوا: يعطي هؤلاء ويدعنا، وسيوفنا تقطر من دمائهم يوم حُنين، فلما بلغه ذلك جمعهم عليه الصلاة والسلام، وخطبهم وقال:«يَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ، أَلَمْ أَجِدْكُمْ ضُلَاّلاً فَهُدَاكُمُ اللَّهُ بِي؟ وَمُتَفَرِّقِينَ فَأَلَّفَكُمُ اللَّهُ بِي؟ وَعَالَةً فَأَغْنَاكُمُ اللَّهُ بِي؟» كلما قال شيئاً قالوا: اللَّه ورسوله أمنّ، يعني المنَّة للَّه ورسوله صلى الله عليه وسلم، أنت صادق، قال عليه الصلاة والسلام:«أَمَا إنَّكُمْ لَوْ شِئْتُمْ لَقُلْتُمْ كَذَا وَكَذَا: أجبتموني، لو شئتم لأجبتموني» ، ولكن تأدبوا ولم يجيبوا رضي الله عنهم وأرضاهم، وفي رواية: أنه قال: «لَوْ شِئْتُمْ لقُلْتُمْ: جِئْتَنَا طَرِيدًا فَآوَيْنَاكَ، وَفَقِيراً فَوَاسَيْنَاكَ، وَذَلِيلاً فَنَاصَرْنَاكَ» ، لكنّهم لم يقولوا هذا تأدباً مع النبي رضي الله عنهم، جاء من مكة هارباً من أهل مكة، هارباً من القتل، فأواه الأنصار، وآووا أصحابه، ونصروهم، وأشركوهم في أموالهم رضي الله عنهم وأرضاهم. كما قال عز وجل:{وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} (1)

رضي الله عنهم وأرضاهم، ثم قال: يا معشر الأنصار: سَتَلْقَوْنَ بَعْدِي أثْرَةً فَاصْبِرُوا حَتَّى تَلْقَوْنِي عَلَى الْحَوْضِ، أي

(1) سورة الحشر، الآية: 9 ..

ص: 377

سوف تجدون بعدي من يستأثر عليكم في الأموال من الولاة فاصبروا، ثم قال:«لَوْ سَلَكَ النَّاسُ وَادِيًا أو شِعْبًا، لَسَلَكْتُ وَادِيَ الأَنْصَارِ وَشِعْبَهَا، أَلَا تَرْضَوْنَ أَنْ يَذْهَبَ النَّاسُ بِالشَّاةِ وَالبعيرِ، وَتَذْهَبُونَ بِرَسُولِ اللهِ إِلَى رِحَالِكُمْ؟» أي إلى المدينة، ثم قال:«الْأَنْصَارُ شِعَارٌ وَالنَّاسُ دِثَارٌ» (1) ، الشعار ما يلي الجسد، والدثار ما فوق ذلك.

فرضوا رضي الله عنهم وأرضاهم، واطمأنوا بهذا الكلام، الذي قاله لهم عليه الصلاة والسلام، وزال ما في النفوس من بعض الأحداث، الذين تكلموا في هذا رضي الله عنهم وأرضاهم.

المقصود أنه بيَّن لهم ميله إليهم، ومحبته لهم، ومنزلتهم عنده، أنه لولا الهجرة لكان امرأً من الأنصار رضي الله عنهم وأرضاهم، فقال:«الأنصار شعار والناس دثار، لو سلك الناس وادياً وشعباً لسلكت وادي الأنصار وشعبهم» ، كل هذا فيه تطييب لنفوسهم، والدلالة على منزلتهم العظيمة عنده، ليذهب ما في قلوب بعض شبابهم من التأثر.

وفي هذا دلالة، أنه ينبغي لولاة الأمور عند وجود الاعتراض من بعض الناس، وعند وجود نزاع من بعض الناس، أن يُبيّنوا العلَّة، وأن يستطيبوا النفوس، وأن يُطفئوا الفتنة بالكلام الطيب، والأسلوب الحسن، وبيّن لهم صلى الله عليه وسلم أنه أعطى أولئك الرؤساء يتألفهم على الإسلام، ليجمع قلوبهم عليه، لئلا يختلفوا، ولئلا ينكروا، المال

(1) رواه البخاري، برقم 1059، ورقم 1061، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 181.

ص: 378