الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَهُوَ يستَترُ (1) بِثَوْبٍ، فَسَلَّمْت عَلَيْهِ، فَقَالَ: مَنْ هَذَا؟ فَقُلْت (2): أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حُنَيْنٍ، أَرْسَلَنِي إلَيْكَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَسْأَلُكَ: كَيْفَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَغْسِلُ رَاسَهُ وَهُوَ مُحْرِمٌ؟ فَوَضَعَ أَبُو أَيُّوبَ يَدَهُ عَلَى الثَّوْبِ، فَطَاطَأَهُ، حَتَّى بَدَا لِي رَاسُهُ، ثُمَّ قَالَ لإِنْسَانٍ يَصُبُّ عَلَيْهِ الْمَاءَ:«اصْبُبْ» ، فَصَبَّ عَلَى رَاسِهِ، ثُمَّ حَرَّكَ رَاسَهُ بِيَدَيْهِ، فَأَقْبَلَ بِهِمَا وَأَدْبَرَ، ثُمَّ قَالَ: هَكَذَا رَأَيْتُهُ صلى الله عليه وسلم يَفعلُ» (3).
وفي رواية، فقال المسور لابن عباس: لا أُمَارِيكَ بعدها (4) أَبَداً (5)(6).
46 - باب فسخ الحج إِلى العمرة
246 -
عن جابر رضي الله عنه (7) قال: «أَهَلَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابُهُ بِالْحَجِّ، وَلَيْسَ مَعَ أَحَدٍ مِنْهُمْ هَدْيٌ، غَيْرَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَطَلْحَةَ، وَقَدِمَ عَلِيٌّ مِنَ الْيَمَنِ، فَقَالَ: أَهْلَلْتُ بِمَا أَهَلَّ بِهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم. فَأَمَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَصْحَابَهُ أَنْ
(1) في نسخة الزهيري: «وهو يُستر بثوب» ، وهذا لفظ البخاري، برقم 1840، ولفظ مسلم، برقم 1205:«يستتر بثوب» .
(2)
في نسخة الزهيري: «قلت» ، والذي في المتن لفظ البخاري، برقم 1840.
(3)
رواه البخاري، كتاب جزاء الصيد، باب الاغتسال للمحرم، برقم 1840، ومسلم، كتاب الحج، باب جواز غسل المحرم بدنه ورأسه، برقم 1205.
(4)
«بعدها» : ليست في نسخة الزهيري.
(5)
رواه مسلم، كتاب الحج، باب جواز غسل المحرم بدنه ورأسه، برقم 92 - (1205).
(6)
في نسخة الزهيري: «القرنان: العمودان اللذان تشدُّ فيهما الخشبة التي تعلق عليها البكرة» .
(7)
في نسخة الزهيري: «عن جابر بن عبد اللَّه رضي الله عنهما» ، وهي في البخاري، برقم 1651.
يَجْعَلُوهَا عُمْرَةً. فَيَطُوفُوا، ثُمَّ يُقَصِّرُوا وَيَحِلُّوا، إلَاّ مَنْ كَانَ مَعَهُ الْهَدْيُ، فَقَالُوا: نَنْطَلِقُ إلَى مِنىً، وَذَكَرُ أَحَدِنَا يَقْطُرُ، فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ:«لَوِ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ، مَا أَهْدَيْتُ، وَلَوْلا أَنَّ مَعِي الْهَدْيَ لأَحْلَلْتُ» .
وَحَاضَتْ عَائِشَةُ، فَنَسَكَتِ الْمَنَاسِكَ كُلَّهَا، غَيْرَ أَنَّهَا لَمْ تَطُفْ بِالْبَيْتِ، فَلَمَّا طَهُرَتْ طَافَتْ بِالْبَيْتِ، قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، يَنْطَلِقُونَ (1) بِحَجٍّ (2) وَعُمْرَةٍ وَأَنْطَلِقُ بِحَجٍّ؟ فَأَمَرَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي بَكْرٍ أَنْ يَخْرُجَ مَعَهَا إلَى التَّنْعِيمِ، فَاعْتَمَرَتْ بَعْدَ الْحَجِّ» (3).
247 -
عن جابر بن عبد اللَّه رضي الله عنهما (4) قال: «قَدِمْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَنَحْنُ نَقُولُ: لَبَّيْكَ بِالْحَجِّ، فَأَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَجَعَلْنَاهَا عُمْرَةً» (5).
248 -
عن عبد اللَّه بن عباس بقال: «قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابُهُ
(1) في نسخة الزهيري: «تنطلقون» ، وهي في البخاري، برقم 1651.
(2)
في نسخة الزهيري: «بحجة» ، وهي في البخاري، برقم 1651.
(3)
رواه البخاري، كتاب الحج، باب تقضي الحائض المناسك كلها إلا الطواف بالبيت، برقم 1651، واللفظ له، ومسلم، كتاب الحج، باب بيان وجوه الإحرام، وأنه يجوز إفراد الحج والتمتع والقران، وجواز إدخال الحج على العمرة، ومتى يحل القارن من نسكه، برقم 1213.
(4)
في نسخة الزهيري: «عن جابر قال: قدمنا» .
(5)
رواه البخاري، كتاب الحج، باب من لبى بالحج وسمّاه، برقم 1570، واللفظ له إلا أن فيه:«لبيك اللهمّ لبيك بالحج» بدل «لبيك بالحج» ، ومسلم، كتاب الحج، باب حجة النبي صلى الله عليه وسلم، برقم 1218 مطولاً.
صَبِيحَةَ رَابِعَةٍ من ذي الحجة مهلين بالحج (1)، فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَجْعَلُوهَا عُمْرَةً، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ الْحِلِّ؟ قَالَ:«الْحِلُّ كُلُّهُ» (2).
65 -
قال الشارح رحمه الله:
هذه الأحاديث تتعلق بشؤون الحج.
الحديث الأول: حديث ابن عباس، والمسور في قصة الغسل للمحرم، حديث ابن عباس والمسور في اختلافهما في ذلك، قال ابن عباس: يغسل المحرم رأسه، قال المسور: لا يغسله، ووجه إشكال المسور، أن المسور بن مخرمة رضي الله عنه، وهو صحابي صغير ظنَّ أن الغسل لا يجوز للمحرم؛ لأنه قد يُسبب شيئاً من السقوط للشعر عند تحريك غسل الرأس، وابن عباس استند إلى ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك؛ فلهذا أرسل عبداللَّه بن حنين إلى أبي أيوب الأنصاري، وهو خالد بن زيد الأنصاري يسأله عن ذلك، فبين له أبو أيوب: أن الرسول عليه الصلاة والسلام كان يغسل رأسه، كان يصب الماء على رأسه، فيمر يديه على رأسه، فدل ذلك على أنه لا بأس من اغتسال المحرم، وهذا هو الصواب؛ لأنه فعل النبي عليه الصلاة والسلام، فالمحرم لا بأس أن يغتسل للحرِّ، أو لإزالة الوسخ، أو نحو ذلك، أو قد
(1)«من ذي الحجة مهلين بالحج» : ليست في نسخة الزهيري، وهي في البخاري، برقم 1564.
(2)
رواه البخاري، كتاب الحج، باب كم أقام النبي صلى الله عليه وسلم في حجته، برقم 1085، وباب التمتع والقران والإفراد بالحج وفسخ الحج لمن لم يكن معه هدي، برقم 1564، ومسلم، كتاب الحج، باب جواز العمرة في أشهر الحج، برقم 1240.
يحتلم فتصيبه جنابة بالاحتلام فيغتسل، لا يضره ذلك، ولو أمر يديه على رأسه لا يضر، حتى ولو سقط شيء من الشعر؛ لأن الشعر الذي يسقط قد يكون شعراً ميتاً لا يضر، فلو سقط شيء من الشعر عند مروره بيديه على رأسه لم يضره ذلك؛ لأن مثل هذا الشعر إنما يكون شعراً ميتاً يسقط بأقل لمس.
وبذلك ظهر إصابة ابن عباس في جواز الغسل المحرم رأسه، ولهذا قال المسور: لا أماريك (1) بعدها أبداً، يعني لظهور الحجة معه والدليل، وكان ابن عباس رضي الله عنه بحراً في العلم، وقد أعطاه اللَّه علماً كثيراً، وحفظ من السنة الشيء الكثير، وتفقه فيها، وسأل عنها الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم؛ ولهذا حصل على علم كثير رضي الله عنه؛ ولهذا يقال له: حبر الأمة: وهو ترجمان القرآن رضي الله عنه وأرضاه.
وفي الأحاديث الثلاثة حديث جابر، وجابر (2)، وابن عباس الدلالة على مشروعية فسخ الحج إلى العمرة، وأن من قدم مكة بحج مفرد، أو بحج وعمرة قارناً، وليس معه هدي، فإن السُّنة أن يفسخ حجَّه إلى عمرة، يعني يجعل إحرامه عمرة؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر الصحابة بذلك، لما قدموا في حجة الوداع أشار عليهم بأن يجعلوها عمرة، لما دنوا من مكة، فلما طافوا، وسعوا، أمرهم أن يجعلوها عمرة، وسألوه: أي الحل؟ قال: «الْحِلُّ كُلُّهُ» ، وكان أغلبهم
(1) لا أماريك: لا أجادلك.
(2)
كرر جابراً؛ لأن له الحديث الأول، والحديث الثاني من هذه الأحاديث الثلاثة.
ليس معه هدي، وإنما أهدى النبي صلى الله عليه وسلم وطلحة، وقدم علي بإبل من اليمن، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يبقى على إحرامه لأنه مُهدٍ، وأمر الذين ليس معهم هدي أن يحلوا، ويطوفوا بالبيت، وبالصفا، والمروة، ثم يقصروا، ويحلوا حِلَّاً كاملاً، تكون عمرة مستقلة كاملة، لهم أن يلبسوا المخيط بعد ذلك، له أن يجامع أهله ويتطيب، لأنه حل كامل، وقال عليه الصلاة والسلام:«لولا أن معي الهدي لأحللت، ولو أني استقبلت من أمري ما استدبرت لَما أهديت، ولجعلتها عمرة» ؛ لِما رأى عندهم من الشك والتوقف، حتى بصّرهم، وبيّن لهم عليه الصلاة والسلام: أن هذا الأمر هو الأمر المشروع، فسمعوا وأطاعوا، وحلوا بعد أن طافوا بالبيت، وسعوا بين الصفا والمروة، فدل ذلك أن هذا هو الأفضل، وأن من قَدِمَ إلى بيت اللَّه العتيق بعد رمضان في أشهر الحج، فالأفضل له أن يجعلها عمرة فقط.
وأنساك العمرة: إحرام، وطواف، وسعي، وتقصير، أو حلق. هذه أنساكها، يُحرم من الميقات بنية الدخول في العمرة، ثم يلبي، ثم يستهلّ بالتلبية الشرعية: لبيك اللَّهم لبيك إلى آخر التلبية .. فإذا وصل مكة طاف بالبيت سبعة أشواط، وصلّى ركعتين خلف المقام، ثم سعى سبعة أشواط بين الصفا والمروة، ثم قصر أو حلق، هذه هي العمرة، ثم يبقى إذا كان قصده الحج يبقى حتى يأتي وقت الحج، فإذا جاء وقت الحج لبّى بالحج في اليوم الثامن من ذي الحجة، هذا هو الأفضل، كما فعل الصحابة بأمر النبي
- عليه الصلاة والسلام في حجة الوداع، أمرهم لما كان اليوم الثامن أن يلبّوا بالحج، وبقي على إحرامه هو عليه الصلاة والسلام؛ لأنه ساق الهدي، وهكذا من ساق الهدي من أصحابه بقي على إحرامه، وقالت عائشة رضي الله عنها: يا رسول اللَّه ينطلقون بحجة وعمرة، وأنطلق بحج! لأنها حاضت، فلم يتيسر لها أن تحل من العمرة، كما أحل الناس، وأمرها النبي صلى الله عليه وسلم أن تدخل حجها بالعمرة؛ لأنه جاء وقت الخروج إلى منى، وهي في حيضها، فأمرها أن تهلّ بالحج، وأن تكون قارنة، فأهلّت بالحج، وصارت قارنة، فلما جاء يوم النحر طافت، وسعت، وقصرت، وقال:«يجزئك هذا عن حجك، وعمرتك» (1)،
صارت قارنة، أجزأها طوافها وسعيها، فقالت: يا رسول اللَّه، ينطلقون بحجة وعمرة! أي بحجة مفردة، وعمرة مفردة، تعني أصحابها الذين ليس معهم هدي، وأزواج النبي صلى الله عليه وسلم كلهن ليس معهن هدي، كل أزواج النبي صلى الله عليه وسلم حللن، جعلنها عمرة؛ فلهذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم عبدالرحمن أخاها أن يُعْمِرَها من التنعيم، يعني يخرج بها إلى التنعيم، وهو حِلٌّ قريب من مكة، أقرب الحل إلى مكة، فخرج بها، وأحرمت من هناك بالعمرة، وطافت، وسعت، وقصَّرت، وصار لها عمرة مستقلة بعد الحج، فدلَّ ذلك على أنه لا حرج لمن أراد عمرة من مكة أن يخرج إلى التنعيم، أو إلى أدنى
(1) أخرجه مسلم، كتاب الحج، باب بيان وجوه الإحرام، وأنه يجوز إفراد الحج والتمتع والقران، وجواز إدخال الحج والعمرة، ومتى يحل القارن من نسكه، برقم 1211، ولفظه: عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، أَنَّهَا حَاضَتْ بِسَرِفَ، فَتَطَهَّرَتْ بِعَرَفَةَ، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«يُجْزِئُ عَنْكِ طَوَافُكِ بِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، عَنْ حَجِّكِ وَعُمْرَتِكِ» ..
الحل فيعتمر، وهكذا من حج قارناً، ثم أراد أن يأخذ عمرة مفردة، كما فعلت عائشة، فلا بأس، أما النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فاكتفوا بعمرتهم، ولم يخرجوا إلى الحل، فدل ذلك على أن الأمر واسع، من أراد أخذ عمرة بعد الحج فلا بأس، ومن تركه فلا بأس.
وفيه أن هذا الحِل حِلٌّ كامل، كما قال ابن عباس حِلٌّ كامل، مثل حله بعد الحج، كما أن الحال في الحج إذا طاف وسعى وقصر يوم العيد، أو حلق ورمى الجمرة يوم العيد، يكون حله كاملاً، رمى الجمرة، وطاف بالبيت، وسعى، وقصر أو حلق، تَمَّ حله، فهكذا العمرة إذا طاف وسعى، وقصر حله كامل، له أن يأتي النساء، ويلبس المخيط الرجل ويتطيب، والمرأة كذلك لها أن يُباشرها زوجها، وأن تتطيب؛ لأنها حلت حلاً كاملاً بطوافها، وسعيها، وتقصيرها بالعمرة.
249 -
عن عروة (1) بن الزبير رضي الله عنهما قال: «سُئِلَ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ، وَأَنَا جَالِسٌ: كَيْفَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَسِيرُ في حجة الوداع (2) حِينَ دَفَعَ؟ قَالَ: كَانَ يَسِيرُ الْعَنَقَ، فَإِذَا وَجَدَ فَجْوَةً نَصَّ» (3).
العنق: انبساط السير. والنصُّ: فوق ذلك.
(1) بداية الوجه الثاني من الشريط الحادي عشر.
(2)
«في حجة الوداع» : ليست في نسخة الزهيري، وهي في البخاري، برقم 1666.
(3)
رواه البخاري، كتاب الحج، باب السير إذا دفع من عرفة، برقم 1666، ومسلم، كتاب الحج، باب الإفاضة من عرفات إلى المزدلفة، واستحباب صلاتي المغرب والعشاء جميعاً بالمزدلفة في هذه الليلة، برقم 283 - (1286).
250 -
عن عبد اللَّه بن عمرٍو رضي الله عنهما، «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَقَفَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ، فَجَعَلُوا يَسْأَلُونَهُ، فَقَالَ رَجُلٌ: لَمْ أَشْعُرْ، فَحَلَقْتُ قَبْلَ أَنْ أَذْبَحَ؟ قَالَ: «اذْبَحْ، وَلا حَرَجَ» فَجَاءَ (1) آخَرُ فَقَالَ: لَمْ أَشْعُرْ، فَنَحَرْتُ قَبْلَ أَنْ أَرْمِيَ؟ فقَالَ (2):«ارْمِ، وَلا حَرَجَ» فَمَا سُئِلَ يَوْمَئِذٍ عَنْ شَيْءٍ قُدِّمَ وَلا أُخِّرَ إلَاّ قَالَ: «افْعَلْ، وَلا حَرَجَ» (3).
251 -
عن عبدالرحمن بن يزيد النَّخَعي «أَنَّهُ حَجَّ مَعَ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه، فَرَأَىهُ يَرْمِي الْجَمْرَةَ الْكُبْرَى بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ، فَجَعَلَ الْبَيْتَ عَنْ يَسَارِهِ، وَمِنًى عَنْ يَمِينِهِ، ثُمَّ قَالَ: هَذَا مَقَامُ الَّذِي أُنْزِلَتْ عَلَيْهِ سُورَةُ الْبَقَرَةِ صلى الله عليه وسلم» (4).
(1) في نسخة الزهيري: «وجاء» والذي في المتن في البخاري، برقم 1736.
(2)
في نسخة الزهيري: «قال» .
(3)
رواه البخاري، كتاب الحج، باب الفتيا على الدابة عند الجمرة، برقم 1736، ومسلم، كتاب الحج، باب من حلق قبل النحر، أو نحر قبل الرمي، برقم 1306.
(4)
رواه البخاري، كتاب الحج، باب من رمى جمرة العقبة فجعل البيت عن يساره، برقم 1749، واللفظ له، ومسلم، كتاب الحج، باب رمي جمرة العقبة من بطن الوادي، وتكون مكة عن يساره، ويكبر مع كل حصاة، برقم 1296، وفي لفظ للبخاري في باب: يكبر مع كل حصاة، برقم 1750، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ أَنَّهُ كَانَ مَعَ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه حِينَ رَمى جَمْرَةَ العَقَبَةِ، فَاسْتَبْطَنَ الوَادِيَ حَتَّى إِذَا حَاذَى بِالشَّجَرَةِ اعْتَرَضَهَا، فَرَمَى بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ، يُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ، ثُمَّ قَالَ:«مِنْ هَاهُنَا وَالَّذِي لَا إِلَهَ غَيْرُهُ قَامَ الَّذِي أُنْزِلَتْ عَلَيْهِ سُورَةُ البَقَرَةِ صلى الله عليه وسلم» .
ولفظ مسلم: عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ، قَالَ:«رَمَى عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْعُودٍ جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ مِنْ بَطْنِ الْوَادِي بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ، يُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ، قَالَ: فَقِيلَ لَهُ: إِنَّ أُنَاسًا يَرْمُونَهَا مِنْ فَوْقِهَا، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: هَذَا، وَالَّذِي لَا إِلَهَ غَيْرُهُ، «مَقَامُ الَّذِي أُنْزِلَتْ عَلَيْهِ سُورَةُ الْبَقَرَةِ» .
252 -
عن عبداللَّه بن عمر رضي الله عنهما، أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال:«اللَّهُمَّ ارْحَمِ الْمُحَلِّقِينَ» قَالُوا: وَالْمُقَصِّرِينَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ (1) قَالَ: «اللَّهُمَّ ارْحَمِ الْمُحَلِّقِينَ» قَالُوا: وَالْمُقَصِّرِينَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ (2) قَالَ: «اللَّهُمَّ ارْحَمِ الْمُحَلِّقِينَ» قَالُوا: وَالْمُقَصِّرِينَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قال: «وَالْمُقَصِّرِينَ» (3)(4).
66 -
قال الشارح رحمه الله:
هذه الأحاديث الأربعة كلها تتعلق بشؤون الحج.
الحديث الأول أن أسامة بن زيد، وهو ابن حارثة مولى النبي صلى الله عليه وسلم، وحِبُّهُ، وابن حِبِّهِ أيضاً، سُئِل عن كيفيَّة سير النبي صلى الله عليه وسلم لمَّا دفع: أي من عرفات إلى مزدلفة، قال: كان يسير العَنَق، فإذا وجد فجوة نصّ، الدفع من عرفات إلى مزدلفة في الغالب يكون فيه الزحام والكثرة،
(1) في نسخة الزهيري: «قالوا: يا رسول اللَّه والمقصرين» ، والذي في المتن هو لفظ البخاري، برقم 1727.
(2)
في نسخة الزهيري: «قالوا: يا رسول اللَّه والمقصرين؟ قال: «والمقصرين» ، والذ في المتن هو لفظ البخاري، برقم 1727.
(3)
«قال: اللهم ارحم المحلقين، قالوا: والمقصرين يا رسول اللَّه» قال: «والمقصرين» الثالثة: ليست في نسخة الزهيري.
(4)
رواه البخاري، كتاب الحج، باب الحلق والتقصير عند الإحلال، برقم 1727، ومسلم، كتاب الحج، باب تفضيل الحلق على التقصير، وجواز التقصير، برقم 318 - (301)، واللفظ له، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: «اللهمّ اغفر للمحلقين» قالوا: والمقصرين، قال:«اللهم اغفر للمحلقين» ، قالو: وللمقصرين؟ قالها ثلاثاً، قال:«وللمقصرين» ، البخاري، برقم 1728، ومسلم، برقم 1302.
فكان صلى الله عليه وسلم يسير سيراً منبسطاً خفيفاً، ليس فيه عجلة، لئلا يحصل مضرة على الناس، وكان يقول لهم:«أَيُّهَا النَّاسُ، السَّكِينَةَ السَّكِينَةَ» (1)، كما في حديث جابر، «فَإِنَّ الْبِرَّ لَيْسَ بِالْإِيضاعِ» ، [أي] ليس بالإسراع، فالسنة للناس إذا اندفعوا من عرفات ألا يعجلوا، ويطمئنوا، سواء في السير على مراكب، أو على أقدامهم، أو على إبلٍ، أو غير ذلك، فالسنة لهم عدم العجلة، حتى لا يضرَّ بعضهم بعضاً.
ومعنى العَنَق: السير الخفيف، الذي ليس فيه سرعة، فإذا وجد فجوة يعني متَّسعاً نصَّ، يعني أسرع قليلاً، حتى يخفف على الناس، ينطلق هكذا، ينبغي عند وجود متسع يُعجِّل قليلاً، وإذا كان المقام ليس مقام سعة رفق ولم يسرع، لا في دابته، ولا في سيارته، ولا بقدمه، يرفق حتى لا يضرّ أحداً من الناس، وهكذا في مواضع الزحام: كالانصراف من مزدلفة إلى منى، ومن منى إلى مكة، إذا كان هناك زحام فينبغي عدم السرعة إلا إذا كان هناك فجوة؛ فإنه يعجل قليلاً على وجهٍ لا يضر أحداً، وكان لما أتى محسراً أسرع عليه الصلاة والسلام قليلاً، عند انصرافه من مزدلفة إلى منى.
والحديث الثاني: حديث عبداللَّه بن عمرو بن العاص بعن
(1) رواه مسلم، كتاب الحج، حجة النبي صلى الله عليه وسلم، برقم 1218، وأخرج البخاري عن ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّهُ دَفَعَ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ عَرَفَةَ، فَسَمِعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَرَاءَهُ زَجْرًا شَدِيدًا، وَضَرْبًا، وَصَوْتًا لِلْإِبِلِ، فَأَشَارَ بِسَوْطِهِ إِلَيْهِمْ، وَقَالَ:«أَيُّهَا النَّاسُ، عَلَيْكُمْ بِالسَّكِينَةِ، فَإِنَّ الْبِرَّ لَيْسَ بِالْإِيضَاعِ» ، كتاب الحج، باب أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالسكينة عند الإفاضة، برقم 1671.
النبي صلى الله عليه وسلم: أنه سُئل يوم العيد (يوم النحر) وهو واقف للناس يسألونه بين الجمرتين: [لمّا رمى](1) جمرة العقبة، فقال له بعض الناس: يا رسول اللَّه لم أشعر، فحلقت ولم أذبح، قال:«اذبح ولا حرج» ، وقال آخر: نحرت قبل أن أرمي قال: «ارم ولا حرج» ، فما سُئل يومئذ عن شيء قُدِّم، ولا أُخِّر إلا قال:«افعل ولا حرج» ، هذا يدلّ على التيسير في هذه الأمور، التي تُفعل يوم العيد، وأنه إذا قدَّم بعضها على بعض فلا حرج، لكن السنة أن يبدأ بالرمي، يرمي جمرة العقبة كما فعله النبي صلى الله عليه وسلم، ثم ينحر إن كان عنده نحر، ثم يحلق أو يقصّر، والحلق أفضل، ثم يطوف، هذا السنة على الترتيب:
أولاً: الرمي يرمي جمرة العقبة يوم العيد.
ثانياً: ينحر إن كان عنده نحر.
ثالثاً: يحلق رأسه بعد الذبح، هذا هو الأفضل، أو يقصّر والحلق أفضل، الحلق: التحسين، يسمونه [بعض](2) الناس التحسين، يعني إزالة الشعر بالموسى كله، والتقصير أخذ بعضه من الأطراف، والحلق في الحج أفضل، وهكذا في العمرة إذا كانت العمرة بعيدة عن الحج، أما إذا كانت العمرة قرب الحج، فالسُّنة فيها التقصير، حتى يبقى الحلق للحج.
الرابع: الطواف، والسعي إن كان عليه سعي، وهو الأخير، هذا
(1) ما بين المعقوفين: كلمة غير واضحة، والظاهر أنها:«لمَّا رمى» ، أو «عندما رمى» .
(2)
ما بين المعقوفين: إضافة للتوضيح.
هو الأفضل، لكن لو قدّم بعضها على بعض بأن حلق قبل أن يذبح، أو نحر قبل أن يرمي، أو طاف قبل أن يرمي، أو طاف قبل أن يذبح، كله جائز، والحمد للَّه، هذه توسعة؛ ولهذا قال: ما سئل يومئذ عن شيء قُدِّم ولا أُخِّر إلا قال: «افعل ولا حرج» ، وهكذا جاء هذا المعنى من حديث ابن عباس وغيره.
والأعمال يوم العيد: من رميٍ، وذبحٍ، وحلقٍ أو تقصيرٍ، وطوافٍ، وسعيٍ، كل هذه إذا قُدّم بعضُها على بعض فلا حرج، لكن الترتيب أفضل، الترتيب هو الأفضل مع القدرة، ومع التيسير يرمي، ثم ينحر، ثم يحلق أو يقصر، والحلق أفضل، ثم يطوف، ثم يسعى، هذا الترتيب المشروع.
والحديث الثالث: حديث ابن مسعود لما رمى الجمرة يوم العيد، جعل البيت عن يساره ومنى عن يمينه رضي الله عنه، ورمى الجمرة مستقبلاً لها، جعل البيت يعني الكعبة عن يساره، ومنى عن يمينه، ومستقبلاً الشمال من جهة الجنوب، البيت عن يساره، ومنى عن يمينه، والشمال أمامه، يعني الجمرة أمامه، ورماها بسبع حصيات، يكبّر مع كل حصاة، ويقول: هذا مقام الذي أنزلت عليه سورة البقرة، يعني النبي صلى الله عليه وسلم، وكونه نصّ على البقرة؛ لأن فيها غالب أعمال الحج؛ ولهذا نصّ عليها قال سورة البقرة، يعني هو غالب عليها، وتفسيرها، هذا مقام، وهذا موقف، وهذا هو الأفضل، وإن رمى من أي جانب أجزأه، إذا رماها من أي جانب في الحوض أجزأه، ولكن
كونه يرمي من هذا المكان أفضل، كما ذكر ابن مسعود أن يجعلها عن أمامه، والبيت عن يساره، ومنى عن يمينه، هذا هو الأفضل، ولو رماها في أي جهة، حتى سقطت الحصاة في الحوض كفى ذلك.
والحديث الرابع: حديث عبداللَّه بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «اللَّهم ارحم المحلقين» ، قالوا: يا رسول اللَّه والمقصرين، قال:«اللَّهم ارحم المحلقين» ، قالوا: يا رسول اللَّه، والمقصرين؟ قال:«اللَّهم ارحم المحلقين» ، قالوا: يا رسول اللَّه والمقصرين؟، قال:«والمقصرين» في الرابعة، هذا يدلّ على أن الحلق أفضل، والحلق: أخذ شعر الرأس كله بالموسى، هذا هو الحلق هذا هو الأفضل في الحج، وإن قصّر فلا بأس، ولكن الحلق أفضل، ولهذا دعا للحالقين بالمغفرة والرحمة ثلاث مرات، والمقصرين في الرابعة، فدل هذا على أن الحلق أفضل، وهكذا في العمرة، الحلق أفضل، إلا إذا كانت العمرة قريبة من الحج في ذي القعدة، أو في ذي الحجة، فالتقصير فيها أفضل، ولهذا أمر النبي أصحابه لما اعتمروا في ذي الحجة أن يقصروا، حتى يكون فرصة للحلق في الحج؛ لأن الحج أفضل وأعظم، فيكون الأعظم للأعظم، والمفضول للمفضول، فالعمرة دون الحج، والتقصير دون الحلق، والتقصير للعمرة إذا كانت قريبة من الحج يكون للعمرة، ويبقى الحلق للحج، حتى لا يذهب الرأس كله للعمرة، يأخذ من الرأس ما تيسر من التقصير بالتقصير، الذي هو بالمقراض، أي بالمقص، أو
بالماكينة، ويبقى الباقي للحج حلقاً.
253 -
عن عائشة لقالت: «حَجَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَأَفَضْنَا يَوْمَ النَّحْرِ، فَحَاضَتْ صَفِيَّةُ، فَأَرَادَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مِنْهَا مَا يُرِيدُ الرَّجُلُ مِنْ أَهْلِهِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّهَا حَائِضٌ، فقَالَ (1): «أَحَابِسَتُنَا هِيَ؟» قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنَّهَا قَدْ (2) أَفَاضَتْ يَوْمَ النَّحْرِ، قَالَ:«اخْرُجُوا» (3).
وفي لفظٍ (4) قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: «عَقْرَى، حَلْقَى، أَطَافَتْ يَوْمَ النَّحْرِ» ؟ قِيلَ: نَعَمْ. قَالَ: «فَانْفِرِي» (5).
254 -
عن عبد اللَّه بن عباس رضي الله عنهما قال: «أُمِرَ النَّاسُ أَنْ يَكُونَ آخِرُ عَهْدِهِمْ بِالْبَيْتِ، إلَاّ أَنَّهُ خُفِّفَ عَنِ الْمَرْأَةِ الْحَائِضِ» (6).
255 -
عن عبد اللَّه بن عمر رضي الله عنهما قال: «اسْتَاذَنَ الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ
(1) في نسخة الزهيري: «قال» .
(2)
«إنها قد» : ليست في نسخة الزهيري.
(3)
رواه البخاري، كتاب الحج، باب الزيارة يوم النحر، برقم 1733، وليس في لفظ البخاري همزة الاستفهام:«أحابستنا» ، ومسلم، كتاب الحج، باب بيان وجوه الإحرام، وأنه يجوز إفراد الحج، والتمتع، والقران، وجواز إدخال الحج على العمرة، ومتى يحل القارن من نسكه، برقم 128 - (1211).
(4)
في نسخة الزهيري" «في لفظ» بدون الواو.
(5)
رواه البخاري، كتاب الحج، باب الإدلاج من المحصب، برقم 1771، ومسلم كتاب الحج، باب بيان وجوه الإحرام، وأنه يجوز إفراد الحج، والتمتع، والقران، وجواز إدخال الحج على العمرة، ومتى يحل القارن من نسكه، برقم 128 - (1211).
(6)
رواه البخاري، كتاب الحج، باب طواف الوداع، برقم 1755، ومسلم، كتاب الحج، باب وجوب طواف الوداع، وسقوطه عن الحائض، واللفظ له، برقم 1328.
الْمُطَّلِبِ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، أَنْ يَبِيتَ بِمَكَّةَ لَيَالِيَ مِنىً، مِنْ أَجْلِ سِقَايَتِهِ، فَأَذِنَ لَهُ» (1).
256 -
67 -
قال الشارح رحمه الله:
هذه الأحاديث الأربعة كلها لها تعلّق بالحج.
الحديث الأول: حديث عائشة رضي الله عنها قالت: أفضنا مع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يوم النحر، فحاضت صفية، فأراد النبي صلى الله عليه وسلم منها ما يريد الرجل من أهله. قيل: يا رسول اللَّه إنها حائض. قال: «أحابستنا هي؟!» قالوا: إنها قد أفاضت، قال:«اخرجوا» ، وفي اللفظ الآخر:«فانفروا» وفي اللفظ الآخر: «عقرى حلقى أطافت يوم النحر؟» قالوا: نعم.
(1) رواه البخاري، كتاب الحج، باب سقاية الحاج، برقم 1634، واللفظ له، وباب هل يبيت أصحاب السقاية، أو غيرهم بمكة ليالي منى؟ برقم 1745، ومسلم، كتاب الحج، باب وجوب المبيت بمنى ليالي أيام التشريق، والترخيص في تركه لأهل السقاية، برقم 1315.
(2)
في نسخة الزهيري: «لكل واحدة» ، ولفظ المتن هو لفظ البخاري، برقم 1637:«كل واحدة منهما» .
(3)
رواه البخاري، كتاب الحج، باب من جمع بينهما ولم يتطوع، برقم 1673، واللفظ له، إلا أن في آخره:«ولا على إثر كل واحدة منهما» بزيادة «كل» ، ومسلم، كتاب الحج، باب بيان الإفاضة من عرفات إلى المزدلفة، واستحباب صلاتي المغرب والعشاء جميعاً بالمزدلفة في هذه الليلة، برقم 1287.
هذا يدل على فوائد:
منها: أن النكاح يحلّ للرجل من أهله جِماعه من أهله، إذا أفاضت بعد الرمي والتقصير، وبعد رميه وحلقه؛ لأن هذا هو الحِل كله، وقد رمى النبي صلى الله عليه وسلم يوم النحر، ونحر وحلق ثم أفاض، وهكذا زوجاته رمين، ونحر عنهن عليه الصلاة والسلام، وقصرن، وطُفن يوم النحر، فتم الحِل كله.
وفيه من الفوائد: أن المرأة تحبس رفقتها إذا كانت حائضاً، حتى تطوف طواف الإفاضة، وأن عليهم أن يرقبوها، وينتظروها حتى تطوف، وألا يتركوها.
وفيه من الفوائد: أن الحائض لا تطوف، فعليها أن تنتظر حتى تغتسل، فليس لها الطواف، كما أنها لا تصلي، كذلك لا تطوف فالطواف أيضاً صلاة، وكما أنها لا تصلي حتى تطهر، وهكذا لا تطوف، حتى تطهر، ولهذا قال:«أحابستنا؟» يعني عن السفر.
وفيه من الفوائد: جواز الدعاء، غير المقصود قول:«عقرى، حلقى» كلمات دعاء غير مقصودة، كما يقال تربت يمينك، تربت يداك، ثكلتك أمك، وما أشبه ذلك، ما يجري على اللسان من غير قصد للتوبيخ، أو لتأكيد الكلام، أو نحو ذلك، فلا يكون مؤاخذاً به الإنسان؛ لأنه يجري على اللسان من غير قصد، من غير قصد السب، وإنما قصد تأكيد للشيء، أو التحذير منه.
وفيه من الفوائد: تذكير الإنسان بما قد يفوته، ويجهله؛ لأنهم
ذكَّروه أنها قد أفاضت.
وفيه من الفوائد أيضاً: سقوط طواف الوداع عن الحائض؛ لأنه قال: انفروا؛ لأنه لا وداع عليها، الحائض ليس عليها وداع، وهكذا النفساء، ولهذا في حديث ابن عباس «أُمِرَ النَّاسُ أَنْ يَكُونَ آخِرُ عَهْدِهِمْ بِالْبَيْتِ، إِلَاّ أَنَّهُ خُفِّفَ عَنِ الْمَرْأَةِ الْحَائِضِ» (1) ، فالحائض والنفساء لا وداع عليهما؛ لأنهما ممنوعتان من الطواف، وفي حبسهما مضرة عليها وعلى رفقتها، فمن رحمة اللَّه أن سامحهما عن ذلك وعفا عنهما، ولا دم عليهما أيضاً، لا وداع ولا دم عليهما من جهة الوداع أيضاً، بل معفو عن ذلك.
وفيه أن الوداع يكون آخر شيء عند انتهاء الإقامة، وتمام الحج إذا أراد السفر يطوف للوداع بعدما ينتهي من كل شيء، يكون آخر عهده الطواف بالبيت، وهذا عام للرجال والنساء إلا الحائض والنفساء.
الحديث الثالث: حديث العباس أنه استأذن في أن يبيت بمكة ليالي منى من أجل سقايته، فأذن له.
هذا يدل على أن السقاة ليس عليهم مبيت بمنى من أجل سقاية الحاج؛ ولهذا أذن النبي صلى الله عليه وسلم للعباس بن عبدالمطلب عمه أن يبيت بمكة من أجل السقاية، ويُلحق بذلك كما جاء في الحديث الآخر: الرعاة، ليس عليهم مبيت، وهكذا من كان لهم حاجة شديدة:
(1) البخاري، كتاب الحج، باب طواف الوداع، برقم 1755، ومسلم، كتاب الحج، باب وجوب طواف الوداع وسقوطه عن الحائض، برقم 1328.
كالحارس، والطبيب الذي يُحتاج إليه في ليالي منى لحاجة الحجيج ونحوهم، ومن خاف على أهله، ونحو ذلك ممن له عذر شرعي، إلحاقاً له بسقاية الحاج، وبالرعاة، والمريض الذي يحتاج الطبيب، ولا يتوفَّر له في منى، ينزل ليالي منى كذلك.
الحديث الأخير، كذلك الجمع بين المغرب والعشاء في مزدلفة هذا أيضاً مما يشرع للحجيج، كما يجمعون في عرفات بين الظهر والعصر، يُشرع لهم أيضاً الجمع بين المغرب والعشاء في مزدلفة؛ لأنه فعله النبي صلى الله عليه وسلم، ولأنهم في حاجة إلى ذلك إذا جاءوا من عرفات، هم في حاجة إلى الجمع، حتى يستريحوا بعد ذلك بعد وقوفهم بعرفات، فإذا وصل الحاج إلى مزدلفة بادروا بالصلاة، صلّوا جمعاً: المغرب والعشاء، ولو جاءوا مبكرين، ولو جاءوا قبل غروب الشفق، متى ما وصلوا إلى مزدلفة شُرِع لهم أن يصلوا بجمع، كما أنهم إذا زالت الشمس في عرفات، شرع لهم البدار بصلاة الظهر والعصر جمعاً وقصراً، حتى يتفرغوا للدعاء والذكر في عرفات إلى الغروب، فهكذا إذا انصرفوا إلى مزدلفة، يصلون فيها المغرب والعشاء، ثم ينامون ويرتاحون، كما فعله النبي عليه الصلاة والسلام، ولا فرق بين كونهم جاءوها مبكرين أو متأخرين، متى ما وصلوا صلوا المغرب والعشاء، إلا إذا حُبِسوا في الطريق وخشوا فوات الوقت صلوا في الطريق؛ لأنه لا يجوز تأخيرها إلى نصف الليل، فإذا كان الحاج لم يتيسر له الوصول إلى مزدلفة بسبب الزحمة في السيارات، أو عطل في السيارة صلى في مكانه، ولا يؤجِّل إلى بعد نصف الليل، لا بد أن تكون