الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال له النبي صلى الله عليه وسلم: «فَهَلَّا كَانَ هَذَا قَبْلَ أَنْ تَاتِيَنِي بِهِ، إذا بلغت الحدود السلطان، فلعن اللَّه الشافع والمشفوع» (1)،
العفو يكون قبل المجيء، فإذا سُرِق من إنسان دراهم أو غيرها مما يوجب القطع، وعفا عنه صاحبها، سقط الحد قبل أن يرفع، فأما إذا رفع للسلطان، وجب أن يقام الحد، ردعاً للناس عن الفساد، وحماية لأموال المسلمين من المجرمين، الذين يتعدَّوْن عليها بالسرقة.
58 - باب حدِّ الخمر
362 -
عن أنس بن مالك رضي الله عنه، «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أُتِيَ بِرَجُلٍ قَدْ شَرِبَ الْخَمْرَ، فَجَلَدَهُ بِجَرِيدَةٍ نَحوَ أَرْبَعِينَ، قال: وفعله أبو بكر، فلما كان عمر: استشار الناس، فقال عبد الرحمن بن عوف (2): أخف الحدود
(1) أخرج أبو داود بلفظ: «فَهَلَّا كَانَ هَذَا قَبْلَ أَنْ تَاتِيَنِي بِهِ» ، حديث رقم 4394، كتاب الحدود، باب من سرق من حرز، وفي رواية للحاكم، 4/ 380 بهذا اللفظ أيضاً، وبنحوه ابن ماجه في كتاب الحدود، باب من سرق من حرز، برقم 2595، والنسائي، كتاب قطع السارق، الرجل يتجاوز للسارق عن سرقته بعد أن يأتي به الإمام، برقم 4878، وأخرجه الدارقطني، 3/ 204، كتاب الحدود والديات، برقم 362 بلفظ:«عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ كَانَ صَفْوَانُ بْنُ أُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ نَائِمًا فِي الْمَسْجِدِ ثِيَابُهُ تَحْتَ رَاسِهِ فَجَاءَ سَارِقٌ فَأَخَذَهَا فَأُتِيَ بِهِ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم وَأَقَرَّ السَّارِقُ فَأَمَرَ بِهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُقْطَعَ فَقَالَ صَفْوَانُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُقْطَعُ رَجُلٌ مِنَ الْعَرَبِ فِي ثَوْبِي؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «أَفَلَا كَانَ هَذَا قَبْلَ أَنْ تَجِيءَ بِهِ» .. ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «اشْفَعُوا مَا لَمْ يَصِلْ إِلَى الْوَالِي فَإِذَا وَصَلَ إِلَى الْوَالِي فَعَفَا، فَلَا عَفَا اللَّهُ عَنْهُ» ثُمَّ أَمَرَ بِقَطْعِهِ مِنَ الْمِفْصَلِ»، وصححه العلامة الألباني في إرواء الغليل، 7/ 347، وآخر اللفظ الذي ذكره سماحة الشيخ:«فلعن اللَّه الشافع والمشفوع» لم أقف عليه. أما ما ذكره الشيخ بلفظ: «إِذَا بَلَغْتَ الحدودِ السُّلْطَانَ فَلَعَنَ اللَّهُ الشَّافِعَ وَالْمُشَفِّع» ، فتقدم تخريجه في الحاشية التي قبل هذه.
(2)
«بن عوف» : ليست في نسخة الزهيري.
ثمانون (1)، فأمر به عمر رضي الله عنه» (2).
363 -
وعن أبي بُرْدة هاناء بن نِيار البلَوِيِّ الأنصاري (3) رضي الله عنه، أنه سمع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول:«لا يُجْلَدُ فَوْقَ عَشَرَةِ أَسْوَاطٍ، إلَاّ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ» (4).
106 -
قال الشارح رحمه الله:
هذان الحديثان فيما يتعلق في حد الخمر، وعدم الزيادة في الجلد على عشرة أسواط، إلا في حدٍّ من حدود اللَّه.
الخمر يُطلق على كل ما يخامر العقل، ويغيّره من أي جنس كان من عنب، أو من تمر، أو من غير ذلك، كل ما اشتدّ، وغيّر العقل، يُسمّى خمراً، كما في الحديث الصحيح:«كل مسكر خمر، وكل مسكر حرام» (5) قال عمر رضي الله عنه: الخمر ما خامر العقل (6): يعني ما
(1) في نسخة الزهيري: «ثمانين» ، وهي التي في صحيح مسلم، برقم 1706.
(2)
رواه البخاري، كتاب الحدود، باب ما جاء في ضرب شارب الخمر، برقم 6773، ومسلم، كتاب الحدود، باب حد الخمر، برقم 1706، بلفظه.
(3)
«الأنصاري» : ليست في نسخة الزهيري، وهي في البخاري، برقم 6850.
(4)
رواه البخاري، كتاب الحدود، باب كم التعزير والأدب، برقم 6848، ورقم 6850، واللفظ له، إلا أنه قال:«لا تجلدوا» بدل «يجلدُ» ، ومسلم، كتاب الحدود، باب قدر أسواط التعزير، برقم 1708 بنحوه.
(5)
مسلم، برقم 2003، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 275.
(6)
البخاري، كتاب الأشربة، باب ما جاء في أن الخمر ما خامر العقل من الشراب، برقم 5588، ولفظه:«عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما، قَالَ: خَطَبَ عُمَرُ، عَلَى مِنْبَرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: إِنَّهُ قَدْ نَزَلَ تَحْرِيمُ الخَمْرِ وَهِيَ مِنْ خَمْسَةِ أَشْيَاءَ: العِنَبِ وَالتَّمْرِ وَالحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَالعَسَلِ، وَالخَمْرُ مَا خَامَرَ العَقْلَ. وَثَلَاثٌ، وَدِدْتُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَمْ يُفَارِقْنَا حَتَّى يَعْهَدَ إِلَيْنَا عَهْدًا: الجَدُّ، وَالكَلَالَةُ، وَأَبْوَابٌ مِنْ أَبْوَابِ الرِّبَا، قَالَ: قُلْتُ يَا أَبَا عَمْرٍو، فَشَيْءٌ يُصْنَعُ بِالسِّنْدِ مِنَ الأُرْزِ؟ قَالَ: ذَاكَ لَمْ يَكُنْ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَوْ قَالَ: - عَلَى عَهْدِ عُمَرَ» ، ومسلم، كتاب التفسير، باب في نزول تحريم الخمر، برقم 3032، بنحو لفظ البخاري.
خالطه وغيره من أي جنس.
واللَّه جل وعلا حرم الخمر، وحذر منها، لما فيها من امتهان العقول والفساد الكثير، قال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنّمَا الخَمْرُ والميسِرُ والأَنصَابُ والأَزْلامُ رِجس من عَمَلِ الشَّيْطانِ فاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} (1)، والميسر هو القمار، وهو المغالبة بالمال، والمخاطرة بالمال، وقد لعن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم «الخمر، وشاربها، وساقيها، وعاصرها، ومعتصرها، وحاملها، والمحمولة إليه، وبائعها، ومشتريها، وآكل ثمنها» (2)
، فهي من الكبائر، وقال عليه الصلاة والسلام:«إن على اللَّه عهداً لمن مات وهو يشرب الخمر أن يسقيه من طينة الخبال» قيل: يا رسول اللَّه وما طينة الخبال؟ قال: «عصارة أهل النار» أو قال: «عرق أهل النار» (3)، نسأل اللَّه العافية، وكان النبي صلى الله عليه وسلم
(1) سورة المائدة، الآيتان: 90 - 91.
(2)
أخرجه الإمام أحمد، 8/ 405، برقم 4787، وابن ماجه، برقم 3380، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه، ص: 47، برقم 3371، وتقدم تخريجه في تخريج أحاديث شرح حديث المتن رقم 275 ..
(3)
أخرجه مسلم، كتاب الأشربة، باب بيان أن كل مسكر خمر، وأن كل خمر حرام، برقم 2002، ولفظه:«عَنْ جَابِرٍ، أَنَّ رَجُلاً قَدِمَ مِنْ جَيْشَانَ، وَجَيْشَانُ مِنَ الْيَمَنِ، فَسَأَلَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَنْ شَرَابٍ يَشْرَبُونَهُ بِأَرْضِهِمْ مِنَ الذُّرَةِ، يُقَالُ لَهُ: الْمِزْرُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: أَوَ مُسْكِرٌ هُوَ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ، إِنَّ عَلَى اللهِ عز وجل عَهْدًا لِمَنْ يَشْرَبُ الْمُسْكِرَ أَنْ يَسْقِيَهُ مِنْ طِينَةِ الْخَبَالِ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا طِينَةُ الْخَبَالِ؟ قَالَ: عَرَقُ أَهْلِ النَّارِ، أَوْ عُصَارَةُ أَهْلِ النَّارِ» .
يعاقب فيه بالجلد: بالجريد، وبالنعال، والثياب، ثم استقر حدُّه بأربعين جلدة، فعله النبي صلى الله عليه وسلم، وفعل ذلك أبو بكر أيضاً، كما في حديث أنس السابق، فلما كان في عهد عمر توسَّع الناس في شرب الخمر جمع الصحابة، واستشارهم رضي الله عنهم في أن يُزاد، فأشار عبدالرحمن بن عوف بأن يُجعل ثمانون، يجعل حدّ الخمر ثمانين جلدة كالقذف، ووافقه على ذلك؛ لأن هذا أنكى (1)، وأشد في الزجر؛ ولأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يحد فيه حداً لا يزاد، فجلد فيه بالجريد والنعال، وهكذا علي رضي الله عنه لم يحد فيه حداً.
فصار أشبه بالتعزير، فلهذا رأى عمر رضي الله عنه ومن معه الزيادة في الردع وزاد عمر فيه أيضاً النفي إذا رأى المصلحة في ذلك، فالواجب على ولي الأمر أن يعاقب شارب الخمر بما يردعه، ومن ذلك جلده ثمانين جلدة، وإذا رأى مع ذلك أن يسجن، أو ينفى من بلده إلى بلدٍ أخرى، فلا بأس بذلك إذا لم ينزجر بهذا الحد؛ لأن التساهل في ذلك يفضي إلى فساد كبير في الأمة، فشارب الخمر لا يتورع عن شيء لذهاب عقله، قد يقتل، قد يزني، قد يتعدَّى على حرمات أخرى، فهي أم
(1) أنكى: نكأت الجرح إذا قشرته. النهاية في غريب الحديث والأثر، 5/ 115، مادة (نكأ).
الخبائث، شرها عظيم؛ فلذلك وجب على ولاة الأمور العناية بما يحسم شرها، ويقطع دابرها، ويمنع من الإقدام عليها.
حديث أبي بردة بن نيار البلوي دلالة على أنه لا يجلد فوق عشرة أسواط، إلا في حدٍ من حدود اللَّه، وأحسن ما قيل في ذلك أن المراد بالحدّ هنا هو المعصية؟، كما قال تعالى:{تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا} (1)، وهي المعاصي، يعني أن تأديب الإنسان زوجته، أو ولده، أو خادمه يكون عشرة فأقل؛ لأنه حق آدمي فلا يزاد على العشرة في ذلك، ولكن في حدود اللَّه في المعاصي، لا بأس أن يزاد للردع، أما في حدود المخلوق فيما بين المخلوق والمخلوق كما بين الرجل وابنه، أو زوجته، أو خادمه، أو نحو ذلك، فيكون الجلد في عشرة فأقل؛ ولهذا قال:«إلا في حدٍّ من حدود اللَّه» : يعني إلا في معصية من معاصي اللَّه.
(1) سورة البقرة، الآية:187.