المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌60 - باب القضاء - الإفهام في شرح عمدة الأحكام

[ابن باز]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة المحقق

- ‌وكان عملي على النحو الآتي:

- ‌نبذة عن حياة مؤلف العمدة: الإمام عبد الغني بن عبد الواحد المقدسي

- ‌أولاً: نسبه، ومولده، ونشأته، ومكانته العلمية:

- ‌ثانياً: عبادته وتضرعه، وأوقاته:

- ‌ثالثاً: شيوخه:

- ‌رابعاً: تلامذته:

- ‌خامساً: أقوال العلماء فيه:

- ‌سادساً: أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر:

- ‌سابعاً: جوده وكرمه:

- ‌ثامناً: تصانيفه:

- ‌تاسعاً: وفاته:

- ‌نبذة عن حياة الشارح الإمام عبد العزيز بن عبد الله بن باز

- ‌أولاً: ما قال سماحته عن نفسه

- ‌ثانياً: أوصافه الخَلْقية

- ‌ثالثاً: صفاته الخُلُقية:

- ‌رابعاً: دروسه العلمية في مدينة الرياض

- ‌خامساً: زوجات سماحة الشيخ:

- ‌سادساً: أولاده:

- ‌ثامناً: الجنازة وأصداء الوفاة

- ‌تاسعاً: مشاهد نادرة من جنازة الشيخ

- ‌مقدمة المؤلف

- ‌1 - كتاب الطهارة

- ‌1 - بابُ دخولِ الخلاءِ والاستطابةِ

- ‌2 - بابُ السواكِ

- ‌3 - بابُ المسحِ على الخفينِ

- ‌4 - بابٌ في المذيِ وغيرِهِ

- ‌5 - بابُ الغسل من الجنابةِ

- ‌6 - باب التَّيَمُّمِ

- ‌7 - بابُ الحيضِ

- ‌2 - كتاب الصلاة

- ‌8 - بابُ المواقيتِ

- ‌9 - باب فضلِ صلاة الجماعة ووجوبها

- ‌10 - بابُ الأَذانِ

- ‌11 - باب استقبالِ القبلة

- ‌12 - بابُ الصُّفوفِ

- ‌13 - بابُ الإِمامةِ

- ‌14 - بابُ صفةِ صلاةِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم

- ‌15 - باب وجوب الطمأنينة في الركوع والسجود

- ‌16 - باب القراءة في الصلاة

- ‌17 - بابُ تركِ الجَهرِ ببسمِ اللَّه الرَّحمنِ الرَّحيمِ

- ‌18 - بابُ سجودِ السَّهو

- ‌19 - بابُ المرورِ بينَ يديِ المصلي

- ‌20 - بابٌ جامعٌ

- ‌21 - بابُ التَّشهدِ

- ‌24 - باب الجمع بين الصلاتين في السفر

- ‌25 - باب قصر الصلاة في السفر

- ‌26 - باب الجمعة

- ‌27 - باب العيدين

- ‌28 - باب صلاة الكسوف

- ‌29 - باب صلاة الاستسقاء

- ‌30 - باب صلاة الخوف

- ‌31 - باب الجنائز

- ‌3 - كتاب الزكاة

- ‌32 - باب صدقة الفطر

- ‌4 - كتاب الصِّيَامِ

- ‌33 - باب الصوم في السفر وغيره

- ‌34 - باب أفضل الصيام وغيره

- ‌35 - باب ليلة القَدر

- ‌36 - باب الاعتكاف

- ‌5 - كتاب الحَجِّ

- ‌37 - باب المواقيت

- ‌38 - باب ما يلبس المُحرِم من الثياب

- ‌39 - باب الفدية

- ‌40 - باب حُرمة مكة

- ‌41 - باب ما يجوز قتله

- ‌42 - باب دخول مكة وغيره

- ‌43 - باب التمتُّع

- ‌44 - باب الهدي

- ‌45 - باب الغسل للمحرم

- ‌46 - باب فسخ الحج إِلى العمرة

- ‌47 - باب المحرم يأكل من صيد الحلال

- ‌6 - كتاب البيوع

- ‌48 - باب ما يُنهى عنه من البيوع

- ‌49 - باب العرايا وغير ذلك

- ‌50 - باب السَّلَم

- ‌51 - باب الشروط في البيع

- ‌52 - باب الربا والصَّرف

- ‌53 - باب الرهن وغيره

- ‌54 - بابُ اللُّقَطة

- ‌7 - كتاب الوصَايا

- ‌8 - كتاب الفرائض

- ‌9 - كتاب النكاح

- ‌55 - باب الصداق

- ‌10 - كتاب الطلاق

- ‌56 - باب العِدَّة

- ‌11 - كتاب اللعان

- ‌12 - كتاب الرضَاع

- ‌13 - كتاب القِصَاص

- ‌14 - [كتاب الحدُود

- ‌57 - باب حدِّ السرقة

- ‌58 - باب حدِّ الخمر

- ‌15 - كتاب الأيمان والنذور

- ‌59 - باب النذر

- ‌60 - باب الْقَضاء

- ‌16 - كتاب الأطعمة

- ‌61 - باب الصيد

- ‌62 - باب الأضاحي

- ‌17 - كتاب الأشربة

- ‌18 - كتاب اِللِّبَاس

- ‌19 - كتاب الجِهاد

- ‌20 - كتاب العتق

- ‌63 - باب بيع المدبَّر

- ‌الفهارس العامة

- ‌1 - فهرس الآيات القرآنية

- ‌2 - فهرس الأحاديث النبوية والآثار

- ‌3 - فهرس الألفاظ الغريبة

- ‌4 - فهرس الأشعار

- ‌5 - فهرس مصادر ومراجع التحقيق

الفصل: ‌60 - باب القضاء

‌60 - باب الْقَضاء

376 -

عن عائشة لقالت قال: رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم: «مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ، فَهُوَ رَدٌّ» (1).

وفي لفظٍ «من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد» (2).

377 -

وعن عائشة رضي الله عنها قالت: دَخَلَتْ هِنْدُ بِنْتُ عُتْبَةَ ــ امْرَأَةُ أَبِي سُفْيَانَ ــ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ شَحِيحٌ لا يُعْطِينِي مِنَ النَّفَقَةِ مَا يَكْفِينِي وَيَكْفِي بَنِيَّ، إلَاّ مَا أَخَذْتُ مِنْ مَالِهِ بِغَيْرِ عِلْمِهِ، فَهَلْ عَلَيَّ فِي ذَلِكَ مِنْ جُنَاحٍ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«خُذِي مِنْ مَالِهِ بِالْمَعْرُوفِ، مَا يَكْفِيكِ، وَيَكْفِي بَنِيكِ» (3).

378 -

عن أم سلمة رضي الله عنها، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سَمِعَ جَلَبَةَ خَصْمٍ بِبَابِ حُجْرَتِهِ، فَخَرَجَ إلَيْهِمْ، فَقَالَ: «أَلا إنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مثلكم (4)، وَإِنَّمَا يَاتِينِي الْخَصْمُ، فَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَبْلَغَ مِنْ بَعْضٍ، فَأَحْسِبُ: أَنَّهُ صَادِقٌ، فَأَقْضِي لَهُ، فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ بِحَقِّ مُسْلِمٍ، فَإِنَّمَا هِيَ قِطْعَةٌ مِنْ

(1) رواه البخاري، كتاب الصلح، باب إذا اصطلحوا على صلح جور، فالصلح مردود، برقم 2697، ومسلم، كتاب الأقضية، باب نقض الأحكام الباطلة، ورد محدثات الأمور، برقم 17 - (1718).

(2)

مسلم، كتاب الأقضية، باب نقض الأحكام الباطلة، ورد محدثات الأمور، برقم 18 - (1718).

(3)

رواه البخاري، كتاب البيوع، باب من أجرى أمر الأمصار على ما يتعارفون بينهم في البيوع، والإجارة، والمكيال، والوزن، وسننهم على نياتهم، ومذاهبهم المشهورة، برقم 2211، ومسلم، كتاب الأقضية، باب قضية هند، برقم 1714، واللفظ له.

(4)

«مثلكم» : ليست في نسخة الزهيري، ولم أجدها في جميع روايات الصحيحين التي بين أيدينا.

ص: 738

نَارٍ (1) فَلْيَحْمِلْهَا، أَوْ يَذَرْهَا» (2).

111 -

قال الشارح رحمه الله:

هذه الأحاديث تتعلق بالقضاء، والقضاء هو فصل الخصومات بين الناس، تارةً بالحكم الشرعي، وتارةً بالإصلاح عند اشتباه الأمور، وهو عملٌ عظيم، وفيه أجرٌ عظيم، لمن أخلص النية، وبذل الوسع واجتهد، وفيه خطر عظيم على من تساهل؛ ولهذا جاء في الحديث الصحيح يقول عليه الصلاة والسلام:«الْقُضَاةُ ثَلَاثَةٌ [يعني ثلاثة أقسام]: اثْنَانِ فِي النَّارِ، وَوَاحِدٌ فِي الْجَنَّةِ، [أما اللذان في النار]: فَرَجُلٌ قَضَى لِلنَّاسِ عَلَى جَهْلٍ [يعني على غير علم] وَرَجُلٌ قضى للناس على جَورَ [عرف الْحُكْمَ فجار] هذان فِي النَّارِ، [نعوذ باللَّه]، أما الذي في الجنة فهو الذي عَرفَ الْحَقَّ وَقَضَى بِهِ بين الناس، هذا الذي هُوَ فِي الْجَنَّةِ» (3).

(1) في نسخة الزهيري: «من النار» ، وهي لفظ البخاري، برقم 2458.

(2)

رواه البخاري، كتاب المظالم، باب إثم من خاصم في الباطل، وهو يعلمه، برقم 2458، وكتاب الشهادات، باب من أقام البينة بعد اليمين، برقم 2680، ومسلم، كتاب الأقضية، باب الحكم بالظاهر واللحن بالحجة، برقم 5 - (1713)، واللفظ له إلا قوله:«ألا» ، وقوله:«مثلكم» .

(3)

سنن أبي داود، كتاب القضاء، باب في القاضي يخطئ، برقم 3575، ولفظه:«عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «الْقُضَاةُ ثَلَاثَةٌ: وَاحِدٌ فِي الْجَنَّةِ، وَاثْنَانِ فِي النَّارِ، فَأَمَّا الَّذِي فِي الْجَنَّةِ: فَرَجُلٌ عَرَفَ الْحَقَّ فَقَضَى بِهِ، وَرَجُلٌ عَرَفَ الْحَقَّ فَجَارَ فِي الْحُكْمِ، فَهُوَ فِي النَّارِ، وَرَجُلٌ قَضَى لِلنَّاسِ عَلَى جَهْلٍ، فَهُوَ فِي النَّارِ» ، قَالَ أَبُو دَاوُدَ:«وَهَذَا أَصَحُّ شَيْءٍ فِيهِ» ، والترمذي، كتاب الأحكام عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، باب ما جاء عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في القاضي، برقم 1322، والنسائي في الكبرى، 3/ 461، برقم 5922، وابن ماجه، كتاب الأحكام، باب الحاكم يجتهد فيصيب، برقم 2315، ولفظه: عن ابْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:«الْقُضَاةُ ثَلَاثَةٌ، اثْنَانِ فِي النَّارِ، وَوَاحِدٌ فِي الْجَنَّةِ، رَجُلٌ عَلِمَ الْحَقَّ فَقَضَى بِهِ فَهُوَ فِي الْجَنَّةِ، وَرَجُلٌ قَضَى لِلنَّاسِ عَلَى جَهْلٍ فَهُوَ فِي النَّارِ، وَرَجُلٌ جَارَ فِي الْحُكْمِ فَهُوَ فِي النَّارِ، لَقُلْنَا: إِنَّ الْقَاضِيَ إِذَا اجْتَهَدَ فَهُوَ فِي الْجَنَّةِ» ، والطبراني، 2/ 20، برقم 1154، والحاكم، 4/ 101، وقال:«صحيح الإسناد» ، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه، ص: 59، وفي الإرواء، 2614، وفي المشكاة 3735.

ص: 739

يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد» (1)، وفي اللفظ الآخر:«من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد» (2)، أي فهو مردود، ويدخل في هذا الحكم بغير ما أنزل اللَّه، من حكم بغير ما أنزل اللَّه، فهو مردود؛ لأنه ليس على أمر الرسول، وليس على شرعه، كالذي يحكم بين الناس بحكم جائر، يخالف الشرع أو بالقوانين الوضعية، يكون حكمه باطلاً مردوداً، وعليه أن يحكم بشرع اللَّه، وأن يتحرَّى الحق، وأن يعمل بما يوجبه الشرع للقضاء بين الناس.

وفي حديث عائشة في قصة هند بنت عُتبة بن الربيعة؛ زوجة أبي سفيان، جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم تستشيره في أمرها مع زوجها، قالت: إن أبا سفيان رجل شحيح. أي بخيل، لا يعطيني ما يكفيني ويكفي بني، أي من النفقة، فهل عليَّ من جُناح إن أخذت من ماله ما يكفيني ويكفي بني؟ قال لها النبي صلى الله عليه وسلم:«خذي من ماله بالمعروف ما يكفيك وما يكفي بنيك» (3) ، هذا احتج به بعض أهل العلم على

(1) رواه البخاري، قبل الحديث رقم 2142، ومسلم، برقم 1718، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 1.

(2)

مسلم، برقم 1718، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 1.

(3)

البخاري، برقم 2211، و5364، ومسلم، برقم 1714، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 377.

ص: 740

الحكم على الغائب، وأنه لا بأس أن يحكم على الغائب إذا توفرت الأدلة الشرعية، ولم يتيسر حضوره، يُحكم عليه، وهو على دعواه إذا كان له حجة، وجاء يقدم حجته، والصواب أن هذا الحديث ليس في القضاء، إنما هو في الفتوى، فتوى من النبي صلى الله عليه وسلم، وليس من باب القضاء، بل هذا ردها إلى ما تعلم: خذي من ماله بالمعروف ما يكفيك ويكفي بنيك. هذه فتوى يعني إن كنت صادقة فافعلي، دل ذلك على أن المرأة إذا كان زوجها لا يعطيها كفايتها، فإنها تأخذ من ماله بالمعروف، ولو لم يعلم. ما يكفيها ويكفي أولادها، وهم تحت يدها من دون إسراف ولا تبذير، وتتحرَّى الحق، وتجتهد في أن تكون النفقة مقتصدة، ليس فيها إسراف.

أما الحكم على الغائب فله شروط، إذا ادعي على الغائب فلا بد من إحضاره، حتى يُسمع كلامه، فإن لم يتيسر [فإحضار](1) وكيله، فإن لم يتيسر لا هو ولا وكيله حكم على الغائب بالبيِّنة، وهو على دعواه.

والحديث الثالث: حديث أم سلمة رضي الله عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع جلبة خصومة عند الباب ــ جلبة يعني أصوات خصومة عند الباب ــ فخرج إليهم، وقال:«إنما أنا بشر، وإنما أقضي على نحو ما أسمع، ولعل بعضكم يكون ألحن في حجته من بعض، فمن قضيت له بحق أخيه، فإنما هي قطعة من النار، فليحملها أو يذرها» .

والمعنى أن الحاكم ما يُحل الحرام، القاضي ما يحل الحرام،

(1) ما بين المعقوفين غير واضح، والظاهر أنه «فإحضار» ، أو «إحضار» .

ص: 741

إذا كذب المدعي، وأتى بشهود زور، أو حلف على باطل، فحكم القاضي لا يحل له الحرام، بل هو قطعة من النار يحملها، القاضي ليس له إلا الظاهر، يحكم بما ظهر، فإذا قال زيد: أقرضت فلاناً مائة ريال. وقال المدعى عليه: ما أقرضني، ما عندي له شيء. وحلف، وذاك ما عنده بينة، فهذه قطعة من النار، يحملها الحالف، لأنه حلف وهو كاذب: أنه ما اقترض وهو مقترض، فأخذ مال أخيه بغير حق، أو مدعٍ ادعى مائة ريال، أو ألف ريال، وأقام بينة كاذبة، شهود زور، وظنهم القاضي عدولاً زُكوا عنده، وثبت عنده عدالتهم في الظاهر، وحكم بقولهم بهذا القرض، فهذا الذي حُكم له إنما يحمل قطعة من النار، لأنه يعرف أنه كاذب، يكون القاضي حكم له بالشهود الزور، الذين لم يعرفهم القاضي، من عُدِّلوا عنده، ما يحلُّ لهذا المدَّعي يأكل حراماً؛ لأنه أخذه بغير حق بالبينة الكاذبة (1).

379 -

عن عبد الرحمن بن أبي بَكَرة (2) رضي الله عنه قال «كَتَبَ أَبِي ــ وكَتَبْتُ لَهُ إلَى ابْنِهِ عُبيدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ، وَهُوَ قَاضٍ بِسِجِسْتَانَ ــ أَنْ لا تَحْكُمْ بَيْنَ اثْنَيْنِ وَأَنْتَ غَضْبَانُ، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «لايَحْكُمْ أَحَدٌ بَيْنَ اثْنَيْنِ وَهُوَ غَضْبَانُ» .

وفي رواية: «لا يقضيَنَّ حَكَمٌ بين اثنين وهو غضبان» (3).

(1) آخر الوجه الأول من الشريط الثامن عشر.

(2)

أول الوجه الثاني من الشريط الثامن عشر.

(3)

رواه البخاري، كتاب الأحكام، باب هل يقضي القاضي أو يفتي وهو غضبان، برقم 7158، ومسلم، كتاب الأقضية، باب كراهة قضاء القاضي وهو غضبان، برقم 1717، واللفظ له، إلا لفظ:«ابنه» ، وهي في البخاري، برقم 7158.

ص: 742

380 -

وعن أبي بَكرةَ رضي الله عنه قال: قال رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم: «أَلا أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ» ــ ثَلاثَاً ــ؟ قُلْنَا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: «الإِشْرَاكُ بِاَللَّهِ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ» ، وَكَانَ مُتَّكِئاً فَجَلَسَ، فَقَالَ:«أَلا وَقَوْلُ الزُّورِ، وَشَهَادَةُ الزُّورِ» فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا حَتَّى قُلْنَا: لَيْتَهُ سَكَتَ (1).

381 -

عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «لَوْ يُعْطَى النَّاسُ بِدَعْوَاهُمْ لادَّعَى نَاسٌ دِمَاءَ رِجَالٍ، وَأَمْوَالَهُمْ، وَلَكِنْ الْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ» (2).

112 -

قال الشارح رحمه الله:

هذه الأحاديث الثلاثة كلها تتعلق بالقضاء.

الحديث الأول: يقول صلى الله عليه وسلم: «لا يقضين حكم بين اثنين وهو غضبان» ، وهذا يفيد التحريم؛ لأن الأصل في النهي هو التحريم، فلا يجوز للقاضي في حال غضبه أن يقضي بين الخصوم؛ لأنه في هذه

(1) رواه البخاري، كتاب الشهادات، باب ما قيل في شهادة الزور، برقم 2654، وكتاب الأدب، باب عقوق الوالدين من الكبائر، برقم 5976، وجميع الألفاظ من هذين الموضعين في صحيح البخاري، ورواه مسلم، كتاب الإيمان، باب الكبائر وأكبرها، برقم 87.

(2)

رواه البخاري، كتاب التفسير، باب {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ} [آل عمران: 77]، برقم 4552، ولفظه: «لو يُعطى الناس بدعواهم، لذهب دماءُ قوم وأموالهم

اليمين على المُدَّعى عليه»، ومسلم، كتاب الأقضية، باب اليمين على المدعى عليه، برقم 1711، واللفظ له.

ص: 743

الحال عنده من تشويش العقل والفكر ما يمنعه من استيفاء الحكم، والنظر في أدلته، وتمييز الحق من الباطل بسبب ما هو فيه من هذا الغضب، والمراد الغضب الشديد الذي يمنعه من التفكير والنظر، أما الغضب الخفيف العادي فلا يضر، فالمقصود الغضب الذي يُسمَّى غضباً، الشديد الغضب الذي يمنعه من استيفاء الحق، والنظر في الأدلة، وإعطاء الموضوع ما يقتضيه من عناية، ونظر، والتفكير، فذكر أهل العلم أنه يُلحق بذلك، كل ما يمنع القاضي من استيفاء الحكم من مرض يؤلمه، أو نعاس غلب عليه، أو هم، أو ملل، أو غير ذلك من الأمور، التي تزعجه، ولا تمكنه من الاستيفاء في الأدلة، والنظر في دعوى الخصمين، فإنه يؤجل ذلك إلى وقت آخر، حتى يكون قلبه حاضراً، وفكره حاضراً، وليس هناك شواغل تمنعه من استيفاء النظر في حق الجميع، وهذا من باب الحِيطة في القضاء بالحق، والبعد عن أسباب الغلط والخطأ.

والحديث الثاني: حديث أبي بكرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ألا أنبئكم بأكبر الكبائر» كررها ثلاثاً، قالوا: بلى يا رسول اللَّه، قال:«الإشراك باللَّه وعقوق الوالدين ــ وكان متكئاً فجلس فقال ــ ألا وقول الزور، ألا وشهادة الزور» الكلمة الأخيرة هي المتعلقة بباب القضاء: شهادة الزور، أما الإشراك باللَّه، وعقوق الوالدين، فهذا أمرٌ عام يجب على كل إنسان أن يحذر الشرك وأن يحذر العقوق، وليس له تعلق بالقضاء، بل هذا عام، فجميع الناس عليهم أن يحذروا ما حرم اللَّه من الشرك، وجميع أنواعه:

ص: 744

صغيره وكبيره، وهكذا العقوق من أكبر الكبائر، ومن أعظم المعاصي، يجب الحذر منه، وهكذا الكبيرة الثالثة: شهادة الزور، هي من أكبر الكبائر، لما فيها من إضاعة الحق، وظلم العباد؛ فلهذا صارت من أكبر الكبائر، لأنها تُسفك بها الدماء، وتُنتهك فيها الحقوق، ويُظلم بها العباد، فلهذا صارت من أكبر الكبائر، فالواجب الحذر منها غاية الحذر، وأن لا يشهد إلا بما يعلم، وقوله:«مازال يكررها» ، أي شهادة الزور؛ لعظم خطرها، وعظم ما يتعلق بها من الفساد، كررها ليحذرها الناس «حتى قلنا: ليته سكت»، أي حتى قلنا إشفاقاً عليه وإبقاءً عليه لو سكت، لئلا يتكلم بها، يشق على نفسه عليه الصلاة والسلام، لكنه كرر لبلاغةٍ في النصح، والتحذير عليه الصلاة والسلام زيادة على الثلاث.

في حديث ابن عباس: يقول عليه الصلاة والسلام: «لو يعطى الناس بدعواهم لادعى ناس دماء رجال وأموالهم، ولكن اليمين على المدعى عليه» هذا الحديث من أصح الأحاديث في بيان أن الناس لا يعطون بدعواهم، ولو كانوا من أصدق الناس، ولو كانوا من الصحابة: لا يُعطى أحد بدعواه، بل لا بد من البينة، ولما ادعى الزبير بن العوام على بعض الناس قال له النبي صلى الله عليه وسلم:«شاهداك أو يمينه» (1)، قال: يا رسول اللَّه إذن يحلف ولا يبالي، قال: «ليس لك

(1) رواه البخاري، برقم 2356، و2357، و2416، و2417، و2673، و2676، و4549، و6659، و6660، و6677، و7183، و7184، ومسلم، برقم 138، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 369.

ص: 745

إلا ذلك» (1) من ادعى شيئاً فعليه البينة.

وفي رواية عند البيهقي وغيره: «البينة على المدعي، واليمين على من أنكر» (2)، فإذا ادعى أرضاً، أو بيتاً، أو جملاً، أو غير ذلك من الأمور المنقولة، الأمور العقارية، لا يقبل، ولا يجاب إلا ببينة، فإن لم يحضرها، فله اليمين على خصمه، وعلى خصمه أن يتقي اللَّه، وأن يحذر من الكذب في يمينه، فإذا حلف برئ، ومتى وجد المدعي البينة تُكذِّب اليمين أقامها، وصح عن رسول اللَّه عليه الصلاة والسلام كما تقدم قوله صلى الله عليه وسلم:«مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينِ صَبْرٍ يَقْتَطِعُ بِهَا مَالَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ، لَقِيَ اللَّهَ وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ» (3)، وفي اللفظ الآخر:«هو فيها فاجر لقي اللَّه وهو عليه غضبان» ، وفي حديث أبي أُمامة عند مسلم، يقول النبي صلى الله عليه وسلم:«من اقتطع حق امرئ مسلم بيمينه، فقد أوجب اللَّه له النار، وحرم عليه الجنة» قيل: وإن كان شيئاً يسيراً؟ يا رسول اللَّه، قال:«وإن كان قضيباً من أراك» (4)، فالواجب الحذر من الأيمان الفاجرة، التي يُقتطع بها الحق ظلماً وعدواناً، وأن صاحبها معرض لغضب اللَّه ووعيده بالنار، نسأل اللَّه العافية.

(1) مسند أحمد، 6/ 47، برقم 3576، و31/ 154، برقم 18863، وفي مسلم، بنحوه، برقم 139، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 369.

(2)

سنن البيهقي الكبرى، 10/ 252، وصححه الألباني في إرواء الغليل، 6/ 357، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 369.

(3)

البخاري، برقم 6676، ومسلم، برقم 138، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 369.

(4)

رواه مسلم، برقم 138، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 369.

ص: 746