الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عورات الناس، لا من [الأحذية](1)، ولا من خلال الباب، ولا من الطاقات، التي تكون على البيوت، ولا من المانورات، ولا من أي ناحية، لا يجوز للناس أن ينظروا إلى عورات الناس في بيوتهم، وأن من تعمد ذلك، ونظر من خلال الباب، أو الخرم، أو غير ذلك إلى عورات الناس، فلهم أن يرجموه، وإن أصابوا عينه، فهي هدر؛ لظلمه وعدوانه على الناس.
57 - باب حدِّ السرقة
359 -
عن عبد اللَّه بن عمر رضي الله عنهما، «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَطَعَ فِي مِجَنٍّ، قِيمَتُهُ ــ وَفِي لَفْظٍ: ثَمَنُهُ ــ ثَلاثَةُ دَرَاهِمَ» (2).
360 -
عن عائشة رضي الله عنها، أنها سمعتْ رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول:«تُقْطَعُ الْيَدُ فِي رُبْعِ دِينَارٍ، فَصَاعِداً» (3).
361 -
عن عائشة رضي الله عنها، «أَنَّ قُرَيْشاً أَهَمَّهُمْ شَانُ الْمَخْزُومِيَّةِ الَّتِي سَرَقَتْ، فَقَالُوا: مَنْ يُكَلِّمُ فِيهَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؟ فَقَالُوا: وَمَنْ يَجْتَرِئُ
(1) ما بين المعقوفين كلمة غير واضحة، والأظهر أنها:«الأحذية» ، أو «الأحزية» ، ويدخل في ذلك: النظر من الشقوق: وهي الأخرمة فيها، والثقوب في الأبواب.
(2)
رواه البخاري، كتاب الحدود، باب قول اللَّه تعالى:{وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: 38]، برقم 6795، ورقم 6796، واللفظ له، ومسلم، كتاب الحدود، باب حد السرقة ونصابها، برقم 1686.
(3)
رواه البخاري، كتاب الحدود، باب قول اللَّه تعالى:{وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: 38]، برقم 6789، واللفظ له، ورقم 6791، ومسلم، كتاب الحدود، باب حد السرقة ونصابها، برقم 1684.
عَلَيْهِ إلَاّ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ، حِبُّ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؟ فَكَلَّمَهُ أُسَامَةُ، فَقَالَ:«أَتَشْفَعُ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ؟» ثُمَّ قَامَ، فَاخْتَطَبَ فَقَالَ:«إنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ، أَنَّهُمْ كَانُوا إذَا سَرَقَ فِيهِمُ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ، وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الضَّعِيفُ أَقَامُوا عَلَيْهِ الْحَدَّ، وَأيْمُ اللَّهِ، لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا» (1).
وفي لفظ: «كَانَتِ امْرَأَةٌ تَسْتَعِيرُ الْمَتَاعَ وَتَجْحَدُهُ، فَأَمَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِقَطْعِ يَدِهَا» (2).
105 -
قال الشارح رحمه الله:
هذه الأحاديث الثلاثة الثابتة عن رسول اللَّه عليه الصلاة
والسلام تدل على بعض أحكام السرقة، والسرقة محرمة وظلم وعدوان، وهي أخذ المال من الغير على طريق الخفاء، يقال
لها سرقة، المال الذي يأخذه الإنسان على طريق الخفية، لا على طريق المجاهرة، فإن كان على طريق المجاهرة، فهو نهب،
وغصب، لا يُسمى سرقة، وإذا كان على طريق الخفاء، وعدم الظهور، فهذا يسمى سرقة، وقد قال اللَّه جل وعلا: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ (3)
(1) رواه البخاري، كتاب أحاديث الأنبياء، باب حدثنا أبو اليمان، برقم 3475 بلفظه، ومسلم، كتاب الحدود، باب قطع السارق الشريف وغيره، والنهي عن الشفاعة في الحدود، برقم 1688 بلفظه أيضاً.
(2)
رواه مسلم، كتاب الحدود، باب قطع السارق الشريف وغيره، والنهي عن الشفاعة في الحدود، برقم 10 - (1688)، وزاد:«مخزومية» بعد امرأة، وعنده:«أن تقطع يديها» بدل: بقطع يدها.
(3)
نهاية الوجه الأول من الشريط السابع عشر.
فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاء بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} (1)، (2) [
…
] (3)، فجعل الرب (4) سبحانه عقوبتها عظيمة، ردعاً للناس عن ظلم الناس، وحسماً لمادة العدوان على أموال الناس، واللَّه يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن، فالعقوبات روادع وزواجر في الدنيا قبل الآخرة، وجعل لذلك حداً، وهو ربع دينار، قالت عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:«تُقْطَعُ الْيَدُ فِي رُبْعِ دِينَارٍ» ، وفي اللفظ الآخر:«لا تقطع اليد إلا في ربع دينار» (5)، وفي اللفظ الآخر:«اقْطَعُوا فِي رُبُعِ دِينَارٍ وَلَا تَقْطَعُوا فِيمَا هُوَ أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ» (6).
والدينار مثقال من الذهب، معناه ربع مثقال من الذهب، وكان الدينار في عهد النبي صلى الله عليه وسلم سعره اثنا عشر درهماً، وربعه ثلاثة دراهم؛ ولهذا في حديث ابن عمر «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَطَعَ فِي مِجَنٍّ، قِيمَتُهُ ثَلاثَةُ دَرَاهِمَ» (7)، يعني ربع دينار، والمجنّ الترس الذي يتقى به السلاح، وهي الدرقة، يقال لها: مجنّ؛ لأنها تُجنُّ الناس، تسترهم، فسرقه
(1) سورة المائدة، الآية:38.
(2)
انقطع الكلام فأكملت الآية.
(3)
ما بين المعقوفين سقط يسير لا يؤثر على المعنى.
(4)
أول الوجه الثاني من الشريط السابع عشر.
(5)
مسلم، كتاب الحدود، باب حد السرقة ونصابها، برقم 1684، ولفظه:«لا تقطع يد السارق إلا في ربع دينار فصاعداً» ، وفي رواية:«لا تقطع اليد إلا في ربع دينار فما فوقه» ، وفي رواية:«لا تقطع يد السارق إلا في ربع دينار فصاعداً» .
(6)
رواه البيهقي في السنن الكبرى، 8/ 255، برقم 17624.
(7)
البخاري، برقم 6795، ومسلم، برقم 1684، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 359.
إنسان فقطع؛ لأن قيمته صارت ثلاثة دراهم: ربع دينار، فالنصاب الذي بيّنه الرسول صلى الله عليه وسلم وهو منضبط بربع دينار، وكل ما بلغ ربع دينار تقطع فيه اليد، سواء كان متاعاً مما يلبس، أو مما يؤكل، أو غير ذلك، إذا كان من حرز، أما إذا كان من غير حرز كالبساتين المفتوحة للناس، يأكل منها: يمرّ ويأخذ منها شيئاً من الرطب، وكالغنم المهملة، هذا لا يقطع فيه، يُعزَّر ويؤدب، لابد أن تكون من حرز: كالبيت المغلق، أو الصندوق المغلق، أو الحوش المغلق في المُراح المعتاد، وما أشبه ذلك.
وفي حديث المخزومية: الدَّلالة على أن الشفاعة لا تُقبل في الحدود، فلا يجوز أن يشفع الإنسان في الحدود، ولهذا لما سرقت امرأة من بني مخزوم في مكة، ورُفِعَ أمرها إلى النبي صلى الله عليه وسلم في مكة عام الفتح أمر أن تقطع، فشق أمرها على قريش، وطلبوا من يشفع فيها، فطلبوا أُسامة بن زيد بن حارثة حِب رسول اللَّه أن يشفع؛ لأن الرسول كان يقدره، ويقدر أباه، فشفع أُسامة بأن لا تقطع، فغضب النبي صلى الله عليه وسلم، وقال:«أتشفع في حدٍ من حدود اللَّه!!؟» ثم خطب الناس عليه الصلاة والسلام، وقال:«إنما أهلك من كان قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، وايم اللَّه لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها» (1)
(1) البخاري، برقم 3475، ومسلم، برقم 1688، وتقدم تخريجه في تخريج أحاديث شرح حديث المتن رقم 225 - 226.
- عليه الصلاة والسلام.
هذا يدل على أنه يجب أن تُقام الحدود على: الأغنياء، والفقراء، والأشراف، وغير المعروفين، يجب أن تُقام الحدود على الجميع.
ودل الحديث على أن المداهنة من أسباب عذاب اللَّه، ومن أسباب الهلاك، فلا تجوز المداهنة في ذلك:{وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ} (1)، فلا يجوز أن يُعامل في الحدود الضعفاء دون الأغنياء، دون الأشراف، بل يجب أن تُطبق على الجميع في السرقة، وفي الزنى، وشرب الخمر، وفي غير ذلك.
وفي لفظ: «أنها كانت تستعير المتاع وتجحده» : فأمر النبي بقطع يدها، يفيد أن التي تستعير المتاع وتجحده، حكمها حكم السارق، الذي يستعير أموال الناس، ثم يجحد ما استعار، إذا ثبت عليه الأمر، وصار نصاباً تقطع يده به، على أصح قولي العلماء؛ لأنه في حكم السرقة؛ ولأن التحرز من هذا متعب ما كلٌ يستطيع التحرز من هذا العمل السيئ.
وفيه إنكار المنكر على من فعله، والدَّلالة على أنه لا تجوز الشفاعة في الحدود.
وفي الحديث الآخر قال: «مَنْ حَالَتْ شَفَاعَتُهُ دُونَ حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ عز وجل فَقَدْ ضَادَّ اللَّهَ فِي أَمْرِهِ» (2).
(1) سورة القلم، الآية:9.
(2)
مسند أحمد، 9/ 283، برقم 5385، سنن أبي داود، كتاب القضاء، باب في الرجل يعين على خصومة من غير أن يعلم أمرها، برقم 5399، والمستدرك، 2/ 32، وصححه، ووافقه الذهبي، والسنن الكبرى للبيهقي، 6/ 82، برقم 11773، والمعجم الكبير للطبراني، 12/ 270، برقم 13084، وصحح إسناده محققو المسند، 9/ 283، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب، 2/ 168.
وفي الحديث الآخر: «إِذَا بَلَغْت الحدود السُّلْطَانَ فَلَعَنَ اللَّهُ الشَّافِعَ وَالْمُشَفِّعَ» (1)،
فإذا رُفعت الحدود إلى ولي الأمر، إلى الأمير، إلى الملك، إلى المحكمة لا تجوز الشفاعة، بل يجب أن يُقام الحد، أما إذا تعارفوا بينهم، فلم يرفعها، مثلما سرق إنسان وعلم صاحبه واستسمحه وأعطاه السرقة، ولم يرفع بأمره، فلا حد عليه، إذا لم يُرفع للسلطان، إذا سامحه صاحب الحق وعفا عنه، فإنه يسقط الحد، لأنها ما رُفعت للسلطان، ولما سُرِق من صفوان بن أمية رداؤه وأتى به النبي صلى الله عليه وسلم وأمر بقطعه، قال صفوان: قد عفوت،
(1) أخرجه مالك، 5/ 1221 موقوفاً على الزبير بن العوام، وأخرجه الطبراني في المعجم الصغير، 1/ 111، والأوسط، 2/ 380، برقم 2284، والدارقطني، 3/ 205، كتاب الحدود والديات، برقم 364 مرفوعاً، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد، 6/ 280:«رواه الطبراني في الأوسط والصغير وفيه أبو غزية محمد بن موسى الأنصاري ضعفه أبو حاتم وغيره ووثقه الحاكم وعبد الرحمن بن أبي الزناد ضعيف» ، وقال ابن عبد البر في الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار، 24/ 176:«مَالِكٌ، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ؛ أَنَّ الزُّبَيْرَ بْنَ الْعَوَّامِ لَقِيَ رَجُلًا قَدْ أَخَذَ سَارِقًا، وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يَذْهَبَ بِهِ إِلَى السُّلْطَانِ، فَشَفَعَ لَهُ الزُّبَيْرُ لِيُرْسِلَهُ، فَقَالَ: لَا حَتَّى أَبْلُغَ بِهِ السُّلْطَانَ. فَقَالَ الزُّبَيْرُ: إِذَا بَلَغْتَ بِهِ السُّلْطَانَ فَلَعَنَ اللَّهُ الشَّافِعَ وَالْمُشَفِّع» ، هَذَا خَبَرٌ مُنْقَطِعٌ، وَيَتَّصِلُ مِنْ وَجْهٍ صَحِيحٍ»، وقال ابن حجر في فتح الباري، 852 (12/ 87:«وأَخرَجَ الطَّبَرانِيُّ عَن عُروة بن الزُّبَير قالَ: لَقِيَ الزُّبَير سارِقًا فَشَفَعَ فِيهِ، فَقِيلَ لَهُ حَتَّى يَبلُغَ الإِمامَ، فَقالَ: إِذا بَلَغَ الإِمامَ فَلَعَنَ اللَّهُ الشّافِعَ والمُشَفِّعَ» ، وأَخرَجَ المُوطَّأ عَن رَبِيعَة عَن الزُّبَير نَحوه، وهُو مُنقَطِع مَعَ وقفِهِ، وهُو عِند ابن أَبِي شَيبَة بِسَنَدٍ حَسَنٍ عَن الزُّبَيرِ مَوقُوفًا، وبِسَنَدٍ آخَرَ حَسَنٍ عَن عَلِيٍّ نَحوه كَذَلِكَ» ..