الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إن كان له رائحة شديدة يؤذي بها الناس، فلا يحضر حتى يغتسل ويتنظف، ويجاهد، لعله يزول ما عليه من هذه الرائحة الكريهة.
وهكذا التدخين، يجب عليه أن يجتهد حتى لا يؤذي الناس برائحة الدخان، فإذا كان يتعاطاه فليستر على نفسه، ويتباعد عن إظهار هذا المنكر؛ لأن هذا منكر، التدخين منكر، فيجمع بين إظهار المنكر، وإيذاء الناس بالرائحة، فالواجب عليه يستتر بستر اللَّه، وأن يحرص على أن لا تظهر الرائحة لأحد من الناس، حتى يستتر عن ظهور هذا المنكر، وحتى لا يؤذي به المسلمين، الذين لم يعتادوه، ولم يشربوه، لا في الصلاة، ولا في غيرها.
21 - بابُ التَّشهدِ
125 -
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ: «عَلَّمَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم التَّشَهُّدَ ــ كَفِّي بَيْنَ كَفَّيْهِ ــ كَمَا يُعَلِّمُنِي السُّورَةَ مِنَ الْقُرْآنِ: التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ، وَالصَّلَوَاتُ، وَالطَّيِّبَاتُ، السَّلامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، السَّلامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ، أَشْهَدُ أَنْ لا إلَهَ إلَاّ اللَّهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ» (1).
(1) رواه البخاري، كتاب الاستئذان، باب الأخذ باليدين، برقم 6265، واللفظ له، وكتاب الأذان، باب التشهد في الآخرة، برقم 831، ومسلم، كتاب الصلاة، باب التشهد في الصلاة، برقم 402.
126 -
127 -
(1) في نسخة الزهيري: «في الصلاة» ، وهي في البخاري، برقم 6328.
(2)
في نسخة الزهيري: «عبد للَّه صالح» .
(3)
رواه البخاري، كتاب الدعوات، باب الدعاء في الصلاة، برقم 6328، وكتاب العمل في الصلاة، باب من سمى قوماً، أو سلم في الصلاة على غير مواجهة وهو لا يعلم، رقم 1202، ومسلم، كتاب الصلاة، باب التشهد في الصلاة، برقم 402.
(4)
في نسخة الزهيري: «
…
كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ»، ولم يذكر الصلاة على إبراهيم.
(5)
في نسخة الزهيري: «
…
كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ»، ولم يذكر: كما باركت على إبراهيم، وهو لفظ البخاري، في كتاب الدعوات، باب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، برقم 3657.
(6)
رواه البخاري، كتاب الأنبياء، باب، برقم 3370، واللفظ له، وفي كتاب الدعوات، باب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، برقم 6357، ومسلم، كتاب الصلاة، باب الصلاة على النبي بعد التشهد، برقم 406.
29 -
قال الشارح رحمه الله:
هذان الحديثان العظيمان الصحيحان عن رسول اللَّه عليه الصلاة والسلام فيهما بيان كيفية التشهد، الذي يأتي به المسلم في الصلاة، وبيان كيفية الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم أيضاً في الصلاة.
أما التشهد فكان الصحابة في أول الأمر إذا جلسوا في التشهد الأول والتشهد الأخير، يقولون: السلام على اللَّه من عباده، السلام على جبريل وميكائيل، السلام على فلان وفلان، فعلمهم النبي صلى الله عليه وسلم كيف يقولون، وقال:«إِذَا قعد أَحَدُكُمْ -يعني للتشهد- فَلْيَقُلْ: التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ، وَالصَّلَوَاتُ، وَالطَّيِّبَاتُ، السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ» (1).
هذا هو التشهد يقال في التشهد الأول بعد الركعتين، ويقال في التشهد الأخير قبل السلام، «ثُمَّ ليَتَخَيَّرُ مِنْ الدُّعَاءِ أَعْجَبَهُ إليه فيدعو به» (2)، وفي اللفظ الآخر:«ثمَّ يَتَخَيَّرُ مِنَ الْمَسْأَلَةِ مَا شَاءَ» (3)، يعني
(1) البخاري، كتاب الاستئذان، باب السلام اسم من أسماء اللَّه تعالى، برقم 6230، ومسلم، كتاب الصلاة، باب التشهد في الصلاة، برقم 402.
(2)
البخاري، كتاب الأذان، باب ما يتخير من الدعاء بعد التشهد، وليس بواجب، برقم 835، ومسلم، كتاب الصلاة، باب التشهد، برقم 402.
(3)
البخاري، كتاب الاستئذان، باب السلام اسم من أسماء اللَّه تعالى، برقم 6230، ومسلم، كتاب الصلاة، باب التشهد في الصلاة، برقم 402.
بعد هذا يدعو بعد هذا، وبعد الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، وقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم:«إذَا فَعَلْتُمْ هذا، فَقَدْ سَلَّمْتُمْ عَلَى كُلِّ عَبْدٍ صَالِحٍ فِي السَّمَاءِ وَالأَرْضِ» (1)، يعني إذا قال: السلام علينا وعلى عباد اللَّه الصالحين، فمعناه: سلّم على كل عبدٍ صالح من الأنبياء وغيرهم في السماء والأرض، يعني دعا لهم.
السلام دعاء، فمعناه: السلام علينا أي: من السلامة والعافية علينا، وعلى عباد اللَّه الصالحين، وهكذا السلام عليك أيها النبي، يعني السلامة لك أيها النبي والرحمة والبركة، يدعون للنبي صلى الله عليه وسلم بالسلامة والرحمة والبركة، ويدعو لعباد اللَّه الصالحين بالسلامة، ولنفسه كذلك علينا وعلى عباد اللَّه الصالحين، فالمؤمن في تشهده يدعو للنبي صلى الله عليه وسلم بالسلامة والرحمة والبركة، ويعظم اللَّه بقوله: التحيات للَّه، التحيات للَّه، أي: التعظيمات من الركوع والسجود، والثناء كله للَّه وحده سبحانه وتعالى، وهكذا الصلوات للَّه، الصلوات الخمس، والنافلة، وجميع الدعاء كله للَّه وحده، والطيبات؛ كل الطيبات من أقوالنا وأعمالنا، فيجب أن تكون للَّه وحده، ثم يأتي بعد هذا بالتشهد: أشهد أن لا إله إلا اللَّه، وفي الرواية الأخرى:«وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ» (2).
يعني أشهد،
(1) رواه البخاري، رقم 1202، ومسلم، برقم 402، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 126.
(2)
موطأ الإمام مالك، 2/ 126، برقم 303، وأبو داود، كتاب الصلاة، باب التشهد، برقم 971، وسنن النسائي، كتاب التطبيق، باب كيف التشهد الأول، برقم 1168، وصحيح ابن حبان،
14 -
/ 311، برقم 6402، وصحح إسناده العلامة الألباني في صحيح أبي داود، 4/ 125.
يعني أعلم، وأعترف، وأقر بأنه لا إله إلا اللَّه، يعني لا معبود حق إلا اللَّه، هذا معنى لا إله إلا اللَّه، أي لا معبود حق، لا في السماء ولا في الأرض إلا اللَّه هو سبحانه، هو المعبود بحق، كما قال عز وجل في كتابه العظيم:{ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ هُو الْبَاطِلُ} (1)، وقال:{وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَاّ إِلَهَ إِلَاّ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ} (2)، {إِنَّمَا إِلَهُكُمُ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلَاّ هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا} (3)، {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} (4)، {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَاّ تَعْبُدُوا إِلَاّ إِيَّاه} (5)، {وَمَا أُمِرُوا إِلَاّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء} (6). هذا هو معنى: لا إله إلا اللَّه. معناها: لا معبود حق لا في الأرض ولا في السماء إلا اللَّه.
أما المعبودات التي عبدها الناس من الأصنام، أو الأشجار، أو الملائكة، أو الأنبياء، أو الجن، كل ذلك باطل؛ العبادة حق للَّه سبحانه وتعالى ، فلا يُدعى مع اللَّه أحد، لا ملك، ولا نبي، ولا جني، ولا شجر، ولا صنم، ولا غير ذلك، والعبادة حق اللَّه وحده، هو الذي يُدعى، هو الذي يُرجى، ويُصلى له، ويُركع له، ويُسجد له، ويُذبح له، ويُنذر له، رجاء ثوابه، وحذر عقابه سبحانه وتعالى، مع الشهادة بأن محمداً يعني ابن
(1) سورة الحج، الآية:62.
(2)
سورة البقرة، الآية: 163
(3)
سورة طه، الآية:98.
(4)
سورة الفاتحة، الآية:5.
(5)
سورة الإسراء، الآية:23.
(6)
سورة البينة، الآية:5.
عبداللَّه بن عبدالمطلب الهاشمي عبدُ اللَّه ورسوله، خاتمُ الأنبياء عليه الصلاة والسلام ، وآخرهم: هو محمد، هذا اسمه، ابن عبد اللَّه، هذا اسم أبيه، ابن عبد المطلب، هذا جده، ابن هاشم أبي جده القرشي، أفضل العرب، وأفضل الخلق، وأفضل ولد آدم عليه الصلاة والسلام، ختم اللَّه به الأنبياء، وجعله رسولاً للناس عامة من الجن والإنس:{قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا} (1)، {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَاّ كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا} (2) عليه الصلاة والسلام.
ثم يقول بعد هذا، كما في حديث كعب بن عجرة:«اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إبْرَاهِيمَ، وعلى آل إبراهيم، إنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، اللَّهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إبْرَاهِيمَ، وَعَلَى آلِ إبرَاهيمَ، إنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ» (3).
هذا التشهد مع الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم يقوم للثالثة في المغرب، والظهر، والعصر، والعشاء، وفي التشهد الأخير قبل أن يسلم يأتي بعد هذا بـ «اللَّهُمَّ إِنّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ، وَمِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ، وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ» (4)،
هكذا في التشهد يوم الجمعة والفجر، إذا صلى على
(1) سورة الأعراف، الآية:158.
(2)
سورة سبأ، الآية:28.
(3)
رواه البخاري، برقم 6357، ومسلم، برقم 406، وتقدم تخريجه في حديث المتن رقم 127.
(4)
صحيح مسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب ما يستعاذ منه في الصلاة، برقم 590، ولفظه:«اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ» ، وبرقم 588 بلفظ:«إِذَا فَرَغَ أَحَدُكُمْ مِنَ التَّشَهُّدِ الآخِرِ، فَلْيَتَعَوَّذْ بِاللَّهِ مِنْ أَرْبَعٍ: مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ، وَمِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ، وَمِنْ شَرِّ فتنة الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ» ..
النبي يأتي بهذا: اللَّهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال، هذا في التشهد الأخير قبل أن يُسلم يدعو ما تيسر، يقول:«رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً ، وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً ، وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ» (1)،
«اللهمَّ أَعِنِّي على ذِكْرِكَ، وشُكْرِكَ، وحُسنِ عِبَادَتِكَ» (2)، «اللَّهُمَّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي ظُلْمًا كَثِيرًا، وَلَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ، فَاغْفِرْ لِي مَغْفِرَةً مِنْ عِنْدِكَ،
(1) أخرج عبد الرزاق الصنعاني، 2/ 206، برقم 3082: عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، أَنَّهُ كَانَ يُعَلِّمُهُمُ التَّشَهُّدَ ثُمَّ يَقُولُ:«اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مِنَ الْخَيْرِ كُلِّهِ مَا عَلِمْتُ مِنْهُ وَمَا لَمْ أَعْلَمْ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ الشَّرِ كُلِّهِ مَا عَلِمْتُ مِنْهُ وَمَا لَمْ أَعْلَمْ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مِنْ خَيْرِ مَا سَأَلَكَ عِبَادُكَ الصَّالِحُونَ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا اسْتَعَاذَ بِهِ عِبَادُكَ الصَّالِحُونَ، اللَّهُمَّ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ، رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا، وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ، رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ» ، وبنحوه في مصنف ابن أبي شيبة، 1/ 264، برقم 3025،وصحح إسناده الشيخ الألباني في تمام المنة، ص 226 ..
(2)
عَنْ مُعَاذٍ رضي الله عنه قَالَ: لَقِيَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: «يَا مُعَاذُ، إِنِّي لَأُحِبُّكَ» ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَأَنَا وَاللَّهِ أُحِبُّكَ، قَالَ:«فَإِنِّي أُوصِيكَ بِكَلِمَاتٍ تَقُولُهُنَّ فِي كُلِّ صَلَاةٍ: اللهُمَّ أَعِنِّي عَلَى ذِكْرِكَ، وَشُكْرِكَ، وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ» ، أخرجه الإمام أحمد، 36/ 443، برقم 22126، وأبو داود، كتاب الصلاة، باب الاستغفار، برقم 1522، والنسائي، كتاب السهو، نوع آخر من الدعاء، برقم 1304، وصححه الألباني في صحيح أبي داود، برقم 1362.
وَارْحَمْنِي إِنَّك أَنْتَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ» (1)، هذا من الدعاء الطيب قبل أن يسلم، «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ، وَمَا أَخَّرْتُ، وَمَا أَسْرَرْتُ، وَمَا أَعْلَنْتُ، وَمَا أَسْرَفْتُ، وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي، أَنْتَ الْمُقَدِّمُ، وَأَنْتَ الْمُؤَخِّرُ، لَا إِلَهَ إِلَاّ أَنْتَ» (2).
هذا أيضاً دعا به النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يسلم عليه الصلاة والسلام.
ومن دعائه: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْبُخْلِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ الْجُبْنِ، وَأَعُوذُ بِكَ من أَنْ أُرَدَّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ» (3)، فهذا مما دعا به النبي قبل أن يُسلم عليه الصلاة والسلام.
وما تيسر من الدعاء يكفي بعد الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم يسلم تسليمتين: السلام عليكم ورحمة اللَّه عن يمينه، السلام عليكم ورحمة اللَّه عن شماله، وبهذا تمت الصلاة: النفل والفرض، وهذه الصلاة على النبي فرض في أصح قولي العلماء، يجب أن يأتي بها
(1) أخرج البخاري، كتاب الأذان، باب الدعاء قبل السلام، برقم 834، ومسلم، كتاب العلم، باب استحباب خفض الصوت بالذكر، برقم 2705: عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: عَلِّمْنِي دُعَاءً أَدْعُو بِهِ فِي صَلَاتِي، قَالَ:«قُلْ: اللَّهُمَّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي ظُلْمًا كَثِيرًا، وَلَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ، فَاغْفِرْ لِي مَغْفِرَةً مِنْ عِنْدِكَ، وَارْحَمْنِي، إِنَّك أَنْتَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ» .
(2)
صحيح مسلم، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب الدعاء في صلاة الليل وقيامه، برقم 771.
(3)
صحيح البخاري بنحوه، كتاب الدعوات، باب التعوذ من عذاب القبر، برقم 6365، ولفظه:«كَانَ سَعْدٌ، يَامُرُ بِخَمْسٍ، وَيَذْكُرُهُنَّ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ كَانَ يَامُرُ بِهِنَّ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ البُخْلِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ الجُبْنِ، وَأَعُوذُ بِكَ أَنْ أُرَدَّ إِلَى أَرْذَلِ العُمُرِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الدُّنْيَا - يَعْنِي فِتْنَةَ الدَّجَّالِ - وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ القَبْرِ» وانظر: البخاري أيضاً، كتاب الجهاد والسير، باب ما يتعوذ من الجبن، برقم 2822.
في التشهد الأخير، أما في الأول فهي مستحبة ما هي بلازمة (1)، الصلاة على النبي ما هي بلازمة، إذا قال أشهد أن لا إله إلا اللَّه وأشهد أن محمداً عبده ورسوله بعد الثانية في الظهر والعصر والمغرب والعشاء كفى، يقوم إلى الثالثة، وإن صلى على النبي بعدها فهو أفضل، يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم يقوم إلى الثالثة، أما في التشهد الأخير، فيأتي بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، هذا هو الواجب يأتي بها، ثم يدعو بعدها، ثم يُسلم في الفرض والنفل جميعاً.
ومعنى على آل محمدٍ يعني أزواجه وذريته وأصحابه وأتباعه: هم آل النبي، آل النبي: أزواجه، وذريته المؤمنون، وأصحابه، وأتباعه، كلهم داخلٌ في آله عليه الصلاة والسلام.
128 -
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم يَدْعُو في صلاته (2): اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنِ عَذَابِ الْقَبْرِ، وَمِنْ عَذَابِ النَّارِ، وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ، وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ» (3).
وفي لفظ لمسلمٍ: «إذَا تَشَهَّدَ أَحَدُكُمْ فَلْيَسْتَعِذْ بِاَللَّهِ مِنِ أَرْبَعٍ. يَقُولُ: اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنِ عَذَابِ جَهَنَّمَ ــ ثم ذَكَرَ نَحُوَهُ» (4).
(1) أي: الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد الأول لا تلزم، وذكرها أفضل، كما قرر الشيخ رحمه الله.
(2)
«في صلاته» : ليست في نسخة الزهيري.
(3)
رواه البخاري، كتاب الجنائز، باب ما جاء في عذاب القبر، برقم 1377، ومسلم بنحوه، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب ما يستعاذ منه في الصلاة، برقم 131 - (588).
(4)
رواه مسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب ما يستعاذ منه في الصلاة، برقم 128 - (588)، ولفظه: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِذَا تَشَهَّدَ أَحَدُكُمْ فَلْيَسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنْ أَرْبَعٍ يَقُولُ: اللهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ، وَمِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ، وَمِنْ شَرِّ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ» .
129 -
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رضي الله عنهم: أَنَّهُ قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «عَلِّمْنِي دُعَاءً أَدْعُو بِهِ فِي صَلاتِي. قَالَ: قُلِ: اللَّهُمَّ إنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي ظُلْماً كَثِيرَاً، وَلا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إلَاّ أَنْتَ، فَاغْفِرْ لِي مَغْفِرَةً مِنِ عِنْدِكَ، وَارْحَمْنِي إنَّكَ أَنْتَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ» (1).
130 -
عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: «مَا صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صلاةً ــ بَعْدَ أَنْ نَزَلَتْ عَلَيْهِ {إذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} (2) ــ إلَاّ يَقُولُ فِيهَا: سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَبِحَمْدِكَ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي» (3).
وَفِي لَفْظٍ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ فِي رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ: سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَبِحَمْدِكَ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي» (4).
(1) رواه البخاري، كتاب الأذان، باب الدعاء قبل السلام، برقم 834، ومسلم، كتاب الذكر والدعاء، باب استحباب خفض الصوت بالذكر، برقم 2705، وفي لفظ مسلم: «اللهُمَّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي ظُلْمًا كَبِيرًا - وَقَالَ قُتَيْبَةُ: كَثِيرًا -
…
»، وفي لفظ البخاري، برقم 817، ومسلم، برقم 217 - (484) في آخره:«يتأول القرآن» ، وفي لفظ لمسلم، برقم 52 - (705):«عَلِّمْنِي يَا رَسَولَ اللَّهِ دُعَاءً أَدْعُو بِهِ فِي صَلَاتِي، وَفِي بَيْتِي» .
(2)
سورة النصر، الآية:1.
(3)
رواه البخاري، كتاب الأذان، باب الدعاء في الركوع، برقم 794، وباب التسبيح والدعاء في السجود، برقم 817، ومسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب ما يستعاذ منه في الصلاة، برقم 484.
(4)
رواه البخاري، كتاب الأذان، باب التسبيح والدعاء في السجود، برقم 817، وكتاب التفسير، سورة النصر، برقم 4968، واللفظ له هنا، مع زيادة في آخره:«يتأول القرآن» ، ومسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب ما يستعاذ منه في الصلاة، برقم 217 - (484)، وفي لفظ البخاري، برقم 817، ومسلم، برقم 217 - (484) في آخره يتأول القرآن».
30 -
قال الشارح رحمه الله:
هذه الأحاديث الثلاثة تتعلق بالدعاء في الصلاة، ولاسِيَّما في آخرها قبل السلام، وقد سبق الحديث الصحيح من حديث ابن مسعود رضي الله عنه: عن النبي صلى الله عليه وسلم لما علّم أصحابه التشهد، قال:«ثمَّ يَتَخَيَّرُ مِنَ الْمَسْأَلَةِ مَا شَاءَ» (1)، وفي اللفظ الآخر:«ثُمَّ ليَتَخَيَّرُ مِنْ الدُّعَاءِ أَعْجَبَهُ إليه فيدعو به» (2) ، فدل ذلك على أنه يُستحب للمؤمن أن يدعو في آخر الصلاة بعد التشهد، وأن يجتهد في الدعاء، وأنه لا ينحصر في المأثور، بل له أن يدعو بما شاء، ولو غير المأثور؛ لأن الإنسان له حاجات، فليدْعُ بحاجته، ولو كانت حاجات دنيوية، كأن يقول: اللَّهم اقض ديني، أو: اللَّهم ارزقني كسباً حلالاً، أو: اللَّهم ارزقني زوجةً صالحة، هذا أيضاً له تعلق بالدين، فالزوجة الصالحة لها شأنٌ عظيم، فالمقصود أن يدعو بما أحب من الدعوات الطيبة، وإذا تيسر المأثور، فالمأثور أفضل، إلا إذا بدت حاجة ليست في الدعاء المأثور، فيدعو بها؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: «ثمَّ ليَخَتر مِنَ
(1) البخاري، برقم 6230، ومسلم، برقم 402، وتقدم تخريجه في تخريج أحاديث شرح حديث المتن رقم 127.
(2)
البخاري، برقم 835، ومسلم، برقم 402، وتقدم تخريجه في تخريج أحاديث شرح حديث المتن رقم 127.
الْمَسْأَلَةِ مَا شَاءَ» (1)، وفي اللفظ الآخر:«فليخْتَرْ مِنْ الدُّعَاءِ أَعْجَبَهُ إليه يدعو به» (2)،
فإذا دعا أن اللَّه يشفيه من مرضه، يقضي دينه، يرزقه الكسب الحلال، يرزقه الصديق الطيب، الصحب الخيار، وما أشبه ذلك، كله لا بأس به، ومن ذلك ما كان يدعو به صلى الله عليه وسلم في آخر الصلاة: من التعوذ من عذاب جهنم، وعذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال. كان صلى الله عليه وسلم في التشهد الأخير يدعو بهذه الدعوات، كما جاء في الصحيحين، كما ذكره المؤلف هنا: يتعوذ باللَّه من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال، ويقول:«صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلّي» (3)، وفي اللفظ الآخر: الأمر بذلك، قال:«إذَا تَشَهَّدَ أَحَدُكُمْ فَلْيَسْتَعِذْ بِاَللَّهِ مِنِ أَرْبَعٍ. هذا أمر، يقول: «اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنِ نَارِ جَهَنَّمَ، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال» (4). وهذا يقتضي التأكد، وقد ذهب أهل العلم كافة إلى شرعية هذا الدعاء، وتأكده؛ لهذا الأمر به؛ لأنه فعله صلى الله عليه وسلم ، وقد أمر به، وذهب طاوس التابعي الجليل إلى وجوبه، وأنه دعاء واجب، وكان يأمر من تركه أن يُعيد الصلاة؛ لأنه يراه دعاءً واجباً، أما الأئمة الأربعة،
(1) البخاري، برقم 6230، ومسلم، برقم 402، وتقدم تخريجه في تخريج أحاديث شرح حديث المتن رقم 127.
(2)
البخاري، برقم 835، ومسلم، برقم 402، وتقدم تخريجه في تخريج أحاديث شرح حديث المتن رقم 127 ..
(3)
البخاري، برقم 630، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 86.
(4)
رواه مسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب ما يستعاذ منه في الصلاة، برقم 128 - (588).
والجمهور فيرون أنه مستحب ومتأكد، فلا ينبغي تركه، وهو التعوذ باللَّه من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال. في آخر كل صلاة؛ لهذا الحديث الصحيح.
ويُستحب أيضاً أن يدعو بالدعوات التي علمها النبي صلى الله عليه وسلم الصديق، كما في الصحيحين من حديث عبداللَّه بن عمرو بن العاص عن أبي بكر الصديق رضي الله عنهم أنه قال:«يَا رَسُولَ اللَّهِ عَلِّمْنِي دُعَاءً أَدْعُو بِهِ فِي صَلَاتِي» ، هكذا يقول الصديق للنبي صلى الله عليه وسلم: علمني دعاءً أدعو به في صلاتي، وفي اللفظ الآخر: وفي بيتي. كما رواه مسلم (1): في صلاتي. وفي بيتي، قال:«قل اللَّهُمَّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي ظُلْمًا كَثِيرًا، وَلَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ، فَاغْفِرْ لِي مَغْفِرَةً مِنْ عِنْدِكَ، وَارْحَمْنِي إِنَّك أَنْتَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ» (2) ، وهذا يدل على فضل هذا الدعاء، وأنه دعاء عظيم مهم، علمه النبي صلى الله عليه وسلم أفضل صحابي، وأفضل الأمة بعد الأنبياء، هذا الرجل الكريم أبو بكر الصديق، علمه النبي هذا الدعاء العظيم: اللَّهم إني ظلمت نفسي ظلماً كثيراً، ولا يغفر الذنوب إلا أنت، فاغفر لي مغفرة من عندك، وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم.
وإذا كان الصديق يُعلَّم هذا الدعاء، فكيف بغيره، وبهذا فإن الإنسان لا يعجب بنفسه، ولا يعتقد أنه سليم من كل شيء؛ ولهذا قال النبي
(1) صحيح مسلم، برقم 2705، وتقدم تخريجه في تخريج أحاديث شرح حديث المتن رقم 127.
(2)
البخاري، برقم 834، ومسلم، برقم 2705، وتقدم تخريجه في تخريج أحاديث شرح حديث المتن رقم 127.
للصديق: قل: اللَّهم إني ظلمت نفسي ظلماً كثيراً؟ وهو الصديق أفضل الأمة، مشهود له بالجنة، وأحد العشرة وأفضلهم، وأفضل الأمة بعد رسول اللَّه عليه الصلاة والسلام، ومع هذا يعلمه النبي هذا الدعاء العظيم، الذي فيه الاعتراف بأنه ظلم نفسه ظلماً كثيراً، فينبغي للمؤمن أن يكثر من هذا الدعاء في الصلاة، وفي غيرها؛ لأنه دعاء عظيم، فيه الضراعة إلى اللَّه، والانكسار والتذلل، والاعتراف بظلمه لنفسه، وأن اللَّه هو الذي يغفر الذنوب، لا يغفرها غيره سبحانه وتعالى.
فيه الدعاء: اللَّهم اغفر لي مغفرة من عندك، وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم.
دعاء وتوسل للَّه بأسمائه الحسنى، وانكسار بين يديه، واعترافه بظلمه لنفسه، وهو حريٌ بالإجابة، وهذا يعم الصلاة النافلة والفريضة، ويعم الدعوات في غير الصلاة، ولهذا قال:«في بيتي» . إذا دعا به في غير الصلاة، كل ذلك حسن.
ومن دعائه في آخر الصلاة عليه الصلاة والسلام: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ، وَمَا أَسْرَرْتُ وَمَا أَعْلَنْتُ، وما أسرفت
…
» (1). (2).
(1) هنا: سقط في الشريط لم يسجل، وتمام الدعاء:«وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي، أَنْتَ الْمُقَدِّمُ وَأَنْتَ الْمُؤَخِّرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ» . والحديث رواه مسلم، برقم 771.
(2)
نهاية الوجه الثاني من الشريط الخامس، بتاريخ 28/ 4/ 1409هـ.
22 -
بابُ الوِتْرِ (1)
131 -
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: «سَأَلَ رَجُلٌ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم ــ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ ــ مَا تَرَى فِي صَلاةِ اللَّيْلِ؟ قَالَ: مَثْنَى، مَثْنَى، فَإِذَا خَشِيَ أَحَدُكُمُ (2) الصُّبْحَ: صَلَّى وَاحِدَةً، فَأَوْتَرَتْ لَهُ مَا صَلَّى، وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: اجْعَلُوا آخِرَ صَلاتِكُمْ بِاللَّيْلِ وِتْراً» (3).
132 -
عَنْ عَائِشَةَ لقَالَتْ: «مِنْ كُلِّ اللَّيْلِ قد أَوْتَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، مِنِ أَوَّلِ اللَّيْلِ، وَأَوْسَطِهِ، وَآخِرِهِ. فَانْتَهَى وِتْرُهُ إلَى السَّحَرِ» (4).
133 -
عَنْ عَائِشَةَ لقَالَتْ: «كَانَ رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ ثَلاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً، يُوتِرُ مِنِ ذَلِكَ بِخَمْسٍ، لايَجْلِسُ فِي شَيْءٍ إلَاّ فِي آخِرِهَا» (5).
31 -
قال الشارح رحمه الله:
هذه الأحاديث الثلاثة تتعلق بالوتر، والوتر سنةٌ مؤكدة، فعلها النبي صلى الله عليه وسلم ، وأمر بها، وبيّن فضلها عليه الصلاة والسلام ، فهي سُنة مؤكدة
(1) بداية الوجه الأول من الشريط السادس، سُجِّل في درس الشيخ بتاريخ 30/ 4/ 1409هـ.
(2)
«أحدكم» : ليست في نسخة الزهيري، وهي في مسلم، برقم 749.
(3)
رواه البخاري، في كتاب الصلاة، باب الحلق والجلوس في المسجد، برقم 472، وكتاب الوتر، باب ما جاء في الوتر، برقم 990، وباب ليجعل آخر صلاته وتراً، برقم 998، ومسلم، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، برقم 749، و751.
(4)
صحيح البخاري، كتاب الوتر، باب ساعات الوتر، برقم 996، ومسلم، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، برقم 137 - (745)، واللفظ له.
(5)
رواه مسلم، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب صلاة الليل وعدد ركعات النبي صلى الله عليه وسلم في الليل، وأن الوتر ركعة، وأن الركعة صلاة صحيحة، رقم 737، ولم أجده في البخاري.
، ووقتها ما بين صلاة العشاء إلى طلوع الفجر، كما في حديث خارجة بن حذافة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:«إِنَّ اللَّهَ أَمَدَّكُمْ بِصَلَاةٍ هِيَ خَيْرٌ لَكُمْ مِنْ حُمْرِ النَّعَمِ: مَا بَيْنَ صَلَاةِ الْعِشَاءِ إِلَى طُلُوع الْفَجْرِ» (1) ، هذا وقتها حين الفراغ من صلاة العشاء ولو مجموعة إلى المغرب، ولو جمعت العشاء إلى المغرب جمع تقديم في مطر، أو في سفر، أو مرض، يدخل وقت الوتر بعد صلاة العشاء في وقتها، أو مجموعة إلى ما قبلها، وينتهي بطلوع الفجر وانتهاء الليل.
يقول عليه الصلاة والسلام لما سئل على المنبر: «ما ترى في صلاة الليل؟ قال: مثنى مثنى» (2)، يعني صلوها مثنى مثنى، يعني ثنتين ثنتين، يُسلم من كل ثنتين، فإذا خشي أحدكم الصبح صلى ركعة واحدة، توتر له ما قد صلى، هذا هو السنة: أن يُصلي ثنتين ثنتين، ثم يوتر بواحدة، وقال عليه الصلاة والسلام:«اجْعَلُوا آخِرَ صَلاتِكُمْ بِاللَّيْلِ وِتْراً» (3)، أي اجعلوا الركعة الأخيرة هي آخر صلاتكم يختم بها تهجده في الليل ركعة واحدة.
(1) أخرجه بنحوه الترمذي، كتاب الوتر، باب ما جاء في فضائل الوتر، برقم 452، وأبو داود، كتاب الوتر، باب استحباب الوتر، برقم 1418، والبيهقي في السنن الكبرى، 2/ 477، وضعفه البيهقي، وصححه الألباني دون قوله:«خير لكم من حمر النعم» ، في صحيح ابن ماجه، برقم 1168.
(2)
البخاري، كتاب الصلاة، باب الحلق والجلوس في المسجد، برقم 472، ومسلم بنحوه، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، برقم 749.
(3)
رواه البخاري، برقم 998، ومسلم، برقم 751، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 131.
وفي حديث عائشة الثاني تقول رضي الله عنها: «كَانَ يُصَلّي صلى الله عليه وسلم مِنَ اللَّيْلِ عَشَرَ رَكَعَاتٍ» (1)، يُسلم من كل ثنتين، ثم يوتر بواحدة عليه الصلاة والسلام ، وربما صلى عليه الصلاة والسلام ثنتين بعد الوتر، وهو جالس ليعلم الناس أنه لا حرج أن يُصلى بعد الوتر، لكن الأفضل أن يكون الوتر هو الأخير، لكن لو صلى في أول الليل ثم يسَّر اللَّه له القيام في آخر الليل صلّى ما شاء من دون وتر، يكفيه الوتر الأول صلَّى ركعتين أو أربعاً، أو ستاً، أو ما أشبه ذلك، لكن بدون وتر، يكفيه الوتر الأول؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:«لَا وِتْرَانِ فِي لَيْلَةٍ» (2)، فإذا تيسر له التهجد في الليل، ثم نام، ثم استيقظ، وقد بقي بقية لا مانع أن يُصلي فيها ركعتين أو أكثر، ويكتفي بالوتر الأول، ليس وقت نهي بعد الوتر، لكن الأفضل أن يكون الوتر هو الآخر، يختم به الركعة الأخيرة صلاته بالليل.
وتقول رضي الله عنها: «مِنْ كُلِّ اللَّيْلِ قَدْ أَوْتَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، مِنْ أَوَّلِهِ، وَآخِرِهِ، وَأَوْسَطِهِ، وَانْتَهَى وِتْرُهُ إِلَى السَّحَرِ» (3)، يعني: في بعض الأحيان أوتر في أول الليل، وفي بعض الأحيان أوتر في جوف الليل، وفي بعض الأحيان
(1) رواه مسلم، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، برقم 739، ولفظه:«كَانَتْ صَلَاةُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنَ اللَّيْلِ عَشَرَ رَكَعَاتٍ، وَيُوتِرُ بِسَجْدَةٍ، وَيَرْكَعُ رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ، فَتْلِكَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً» .
(2)
أخرجه أحمد، 26/ 223، برقم 16296، وأبو داود، كتاب الوتر، باب في نقض الوتر، برقم 1439، والترمذي، كتاب الوتر، باب ما جاء لا وتران في ليلة، برقم 470، وقال:«حسن غريب» ، والنسائي، كتاب قيام الليل، وتطوع النهار، برقم 1679، وابن خزيمة، 2/ 156، برقم 1101، والطبراني، 8/ 333، برقم 8247، والبيهقي، 3/ 36، برقم 4622، والضياء المقدسي في المختارة، 8/ 156، برقم 166، وقال:«إسناده صحيح» ، وقال محققو المسند، 26/ 223:«إسناده حسن» ، وصحح الألباني إسناده في صحيح أبي داود، 5/ 184.
(3)
مسلم، برقم 745، وتقدم تخريجه، ولفظه:«مِنْ كُلِّ اللَّيْلِ قَدْ أَوْتَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، مِنْ أَوَّلِ اللَّيْلِ، وَأَوْسَطِهِ، وَآخِرِهِ، فَانْتَهَى وِتْرُهُ إِلَى السَّحَرِ» .
أوتر في آخر الليل، ثم انتهى وتره الأخير إلى السحر، وصار في آخر حياته يوتر في السحر، استقر في آخر الليل؛ لأنه وقت التنزل الإلهي؛ لأنه ثبت في الأحاديث الصحيحة عن رسول اللَّه عليه الصلاة والسلام أنه قال:«يَنْزِلُ رَبُّنَا تبارك وتعالى إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا كُلَّ لَيْلَةٍ، حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرُ، فيَقُولُ: مَنْ يَدْعُونِي، فَأَسْتَجِيبَ لَهُ، مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ، مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ حتّى يطير الفجر» (1)، فإذا تيسر أن يكون التهجد والوتر في الثلث الأخير، فهذا أفضل، وإن كان في جوف الليل، أو في أوله، فلا بأس، كله واسع، والحمد للَّه.
في الحديث الأخير تقول رضي الله عنها: «إنه كَانَ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ ثَلَاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً، يُوتِرُ مِنْها بِخَمْسٍ» (2) يسردها، هذا في بعض
(1) البخاري، أبواب التهجد، باب الدعاء والصلاة من آخر الليل، برقم 1145، ومسلم،
كتاب صلاة المسافرين، باب الترغيب في الدعاء والذكر في آخر الليل والإجابة فيه،
برقم 758، بلفظ: «يَنْزِلُ رَبُّنَا تبارك وتعالى كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ
اللَّيْلِ الآخِرُ يَقُولُ: مَنْ يَدْعُونِي، فَأَسْتَجِيبَ لَهُ مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ، مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي
فَأَغْفِرَ لَهُ»، وزاد مسلم:«حتى يضيء الفجر» ، وفي رواية له:«حتى ينفجر الصبح» ، وفي أخرى:«الفجر» .
(2)
مسلم، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب صلاة الليل وعدد ركعات النبي صلى الله عليه وسلم في الليل، وأن الوتر ركعة، وأن الركعة صلاة صحيحة، برقم 737، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 133.
الأحيان عليه الصلاة والسلام ، ثم صلى ثنتين ثنتين، وأوتر بواحدة، كما تقدم في حديث عائشة في الصحيحين:«أنَّهُ كَانَ يُصَلِّي عشر رَكَعَات، يُسَلِّمُ بَيْنَ كُلِّ ثنتيْنِ، ثمَّ يُوتِرُ بِوَاحِدَةٍ» (1)، وهذا موافق لحديث ابن عمر:«صَلَاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى» (2)،
وربما أوتر بثلاث عشرة يصلي ركعتين ركعتين، ثمان ركعات، ثم يختم بخمسٍ، يسردها سرداً، ولا يجلس إلا في آخرها (3) ، وربما أوتر بثلاث، يسردها سرداً، ولكن الأغلب، والأكثر، والأفضل أن يسلم من كل ثنتين، ثم يوتر بواحدة، كما ورد عنه صلى الله عليه وسلم في حديث ابن عمر: «صَلَاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى فَإِذَا
(1) رواه مسلم، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب صلاة الليل، وعدد ركعات النبي صلى الله عليه وسلم في الليل، وأن الوتر ركعة، وأن الركعة صلاة صحيحة، برقم 736، ولفظه:«كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي فِيمَا بَيْنَ أَنْ يَفْرُغَ مِنْ صَلَاةِ الْعِشَاءِ - وَهِيَ الَّتِي يَدْعُو النَّاسُ الْعَتَمَةَ - إِلَى الْفَجْرِ، إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً، يُسَلِّمُ بَيْنَ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ، وَيُوتِرُ بِوَاحِدَةٍ» ، والبخاري، كتاب الوتر، باب ما جاء في الوتر، برقم 994، ولفظه: عن عُرْوَةُ «أَنَّ عَائِشَةَ أَخْبَرَتْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُصَلِّي إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً، كَانَتْ تِلْكَ صَلَاتَهُ، تَعْنِي بِاللَّيْلِ» .
(2)
البخاري، برقم 990، ومسلم، برقم 749، وتقدم تخريجه في تخريج أحاديث شرح حديث المتن رقم 87 ..
(3)
أخرج الإمام أحمد، 41/ 402، برقم 24921:«أَنَّ عَائِشَةَ رضي الله عنها، حَدَّثَتْهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَرْقُدُ، فَإِذَا اسْتَيْقَظَ تَسَوَّكَ، ثُمَّ تَوَضَّأَ، ثُمَّ صَلَّى ثَمَانِ رَكَعَاتٍ، يَجْلِسُ فِي كُلِّ رَكْعَتَيْنِ فَيُسَلِّمُ، ثُمَّ يُوتِرُ بِخَمْسِ رَكَعَاتٍ لَا يَجْلِسُ إِلَّا فِي الْخَامِسَةِ، وَلَا يُسَلِّمُ إِلَّا فِي الْخَامِسَةِ» ، والبيهقي في السنن الكبرى، 3/ 28، وصحح إسناده محققو المسند، 41/ 402، وصحح الألباني إسناده أيضاً في صحيح أبي داود، 5/ 84.
خَشِيَ أَحَدُكُمْ الصُّبْحَ صَلَّى رَكْعَةً وَاحِدَةً تُوتِرُ لَهُ مَا قَدْ صَلَّى» (1).
لكن إذا فعل هذا بعض الأحيان: سرد خمساً، أو سرد
سبعاً، أو سرد تسعاً، أو سرد ثلاثاً، لا بأس، لكن إذا سرد سبعاً، أو تسعاً، فالأفضل أن يجلس في السادسة للتشهد الأول، ثم يأتي بالسابعة، وفي الثامنة يجلس يأتي بالتشهد الأول، ثم يأتي بالتاسعة، وإن سلم من كل ثنتين، فهذا هو الأفضل: ثنتين ثنتين، ولا يصلي ثلاثاً كالمغرب، لا، يسردها سرداً، وإلا يُسلم من كل
ثنتين، ولا يصليها كالمغرب، يشبهها بالمغرب، لا، ليس بمشروع، يُكره، وينهى عنه.
وفي لفظ آخر «صلاة الليل والنهار» (2) زيادة النهار، وهو لفظ لا بأس به، صحيح يدل على أن النهار كذلك، الأفضل ثنتين ثنتين، الأفضل إذا صلى الضحى مثلاً يصلي ثنتين ثنتين، تسليمة تسليمة، أربع يصلي بتسليمتين، صلى ستاً: بثلاث تسليمات، ثمان صلى بأربع تسليمات، هذا هو الأفضل، لقوله في الحديث الآخر: «صَلَاةُ
(1) البخاري، برقم 990، ومسلم، برقم 749، وتقدم تخريجه في تخريج أحاديث شرح حديث المتن رقم 87.
(2)
أخرجه أحمد، 9/ 130، برقم 5122، وأبو داود، كتاب التطوع، باب صلاة النهار، برقم 1297، والترمذي، أبواب السفر والكسوف، باب ما جاء أن صلاة الليل والنهار مثنى مثنى، برقم 597 وابن ماجه، أبواب إقامة الصلوات والسنة فيها، باب ما جاء في صلاة الليل والنهار مثنى مثنى، برقم 1322، والنسائي، كتاب قيام الليل وتطوع النهار، باب كيف صلاة الليل، برقم 1666، وقال الشيخ الألباني في صحيح أبي داود، 5/ 39:«إسناده صحيح» .
اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مَثْنَى مَثْنَى» (1) ، وكان يُصلي ثنتين ثنتين عليه الصلاة والسلام ، يصلي ركعتي الضحى، تحية المسجد ثنتين، سُنة الضحى ثنتين، أربعاً قبل الظهر يسلم من كل ثنتين، هكذا عليه الصلاة والسلام فالأفضل ثنتين ثنتين، حتى في النهار السنة ثنتين.
(1) أخرجه أحمد، 9/ 132، برقم 5122، وأبو داود، برقم 1297، والترمذي، برقم 597 وابن ماجه، برقم 1322، والنسائي، برقم 1666، وتقدم تخريجه آنفاً.
23 -
باب الذكر عقب (1) الصلاة
134 -
عن عبد اللَّه بن عباس رضي الله عنهما، «أَنَّ رَفْعَ الصَّوْتِ بِالذِّكْرِ ــ حِينَ يَنْصَرِفُ النَّاسُ مِنَ الْمَكْتُوبَةِ ــ كَانَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم» .
قال ابن عباس: «كُنْتُ أَعْلَمُ إذَا انْصَرَفُوا بِذَلِكَ، إذَا سَمِعْتُهُ صلى الله عليه وسلم» (2).
وفي لفظٍ، «مَا كُنَّا نَعْرِفُ انْقِضَاءَ صَلاةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إلا بِالتَّكْبِير» (3).
135 -
عن وَرَّادٍ مولى المغيرة بن شُعبة قال: أَمْلَى عَلَيَّ الْمُغِيرَةُ بنُ شُعْبَةَ في كِتَابٍ إلَى مُعَاوِيَةَ، أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقُولُ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلاةٍ مَكْتُوبَةٍ:«لا إلَهَ إلَاّ اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٍ، اللَّهُمَّ لا مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ وَلا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ، وَلا يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْكَ الْجَدُّ» (4).
ثُمَّ وَفَدْتُ بعد ذلك (5) على معاوية فسمعته يأمر الناس بِذلك.
وفي لفظٍ: «كَانَ (6) يَنْهَى عَنْ قِيلَ وَقَالَ، وَإِضَاعَةِ الْمَالِ، وَكَثْرَةِ
(1) في نسخة الزهيري: «عقيب» .
(2)
رواه البخاري، كتاب الأذان، باب الذكر بعد الصلاة، برقم 841، ومسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب الذكر بعد الصلاة، بلفظه، برقم 122 - (583).
(3)
رواه البخاري، كتاب الأذان، باب الذكر بعد الصلاة، برقم 842، ومسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب الذكر بعد الصلاة، بلفظه، برقم 121 - (583).
(4)
رواه البخاري، كتاب الأذان، باب الذكر بعد الصلاة، برقم 844، ومسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب الذكر بعد الصلاة، برقم 593.
(5)
«ذلك» : ليست في نسخة الزهيري.
(6)
في نسخة الزهيري: «وكان» بزيادة الواو.
السُّؤَالِ، وَكَانَ يَنْهَى عَنْ عُقُوقِ الأُمَّهَاتِ، وَوَادِ الْبَنَاتِ، وَمَنْعٍ وَهَاتِ» (1).
32 -
قال الشارح رضي الله عنه:
هذان الحديثان عن النبي صلى الله عليه وسلم، كلاهما يدل على شرعية الذكر عقب الصلاة، وأنه يُرفع به الصّوت، حتى يتعلم الجاهل، ويتذكّر النّاسي.
ويظن بعض الناس: أن الأفضل السر غلط، وهذا من السنة، [بل](2) من السنة رفع الصوت بالذكر بعد العصر، والمغرب، والعشاء، والفجر، والظهر، حتى يسمع من حول المسجد أنهم صلّوا؛ ولهذا في حديث ابن عباس رضي الله عنهما:«أن رفع الصوت بالذكر حين ينصرف الناس من المكتوبة» ، كان على عهد النبي صلى الله عليه وسلم (3)، قال ابن عباس:«كنت أعلم إذا انصرفوا بذلك إذا سمعته» (4)، أي إذا سمعوا من حول المسجد، عرفوا أن الصلاة انتهت.
وفي لفظ: «ما كنا نعرف انقضاء صلاة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إلا
(1) رواه البخاري، كتاب الاستقراض، باب ما ينهى عن إضاعة المال، برقم 2408، وفي كتاب الرقاق، باب ما يكره من قيل وقال، برقم 6473، ولفظه:«إِنِّي سَمِعْتُهُ يَقُولُ عِنْدَ انْصِرَافِهِ مِنَ الصَّلَاةِ: «لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ» ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، وفي كتاب الاعتصام، باب ما يكره من كثرة السؤال، برقم 7292، ومسلم، كتاب الأقضية، باب النهي عن كثرة المسائل من غير حاجة، برقم 12 بعد الحديث رقم 1715.
(2)
ما بين المعقوفين: أضيفت لتوضيح المعنى.
(3)
رواه مسلم، برقم 121 - (583)، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 134.
(4)
رواه مسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب الذكر بعد الصلاة، برقم 122 - (583).
بالتكبير» (1): التكبير، وسبحان اللَّه، والحمد للَّه، واللَّه أكبر. يعرف من حول المسجد أنهم صلوا، فهذا واضح في شرعية الجهر بالذكر عقب الصلاة، يقول:«أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ، أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ، أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ» ، «اللَّهُمَّ أَنْتَ السَّلَامُ، وَمِنْكَ السَّلَامُ، تَبَارَكْتَ يا ذَا الْجَلَالِ وَالإِكْرَامِ» (2)،
«لَا إِلَهَ إِلَاّ اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَاّ بِاللَّهِ، لَا إِلَهَ إِلَاّ اللَّهُ، وَلَا نَعْبُدُ إِلَاّ إِيَّاهُ، لَهُ النِّعْمَةُ، وَلَهُ الْفَضْلُ، وَلَهُ الثَّنَاءُ الْحَسَنُ، لَا إِلَهَ إِلَاّ اللَّهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ، وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ» (3)، «اللَّهُمَّ لَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ، وَلَا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ، وَلَا يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْكَ الْجَدُّ» (4)، بعد كل صلاة، هكذا كما جاء في حديث
(1) رواه مسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب الذكر بعد الصلاة، برقم 120 - (583).
(2)
أخرجه مسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب استحباب الذكر بعد الصلاة، وبيان صفتها، برقم 591، ولفظه: عَنْ ثَوْبَانَ، قَالَ:«كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، إِذَا انْصَرَفَ مِنْ صَلَاتِهِ اسْتَغْفَرَ ثَلَاثًا، وَقَالَ: «اللَّهُمَّ أَنْتَ السَّلَامُ، وَمِنْكَ السَّلَامُ، تَبَارَكْتَ ذَا الْجَلَالِ وَالإِكْرَامِ» ..
(3)
أخرجه مسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب استحباب الذكر بعد الصلاة، وبيان صفتها، برقم 594، ولفظه: عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، قَالَ: كَانَ ابْنُ الزُّبَيْرِ، يَقُولُ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ حِينَ يُسَلِّمُ:«لَا إِلَهَ إِلَاّ اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَاّ بِاللَّهِ، لَا إِلَهَ إِلَاّ اللَّهُ، وَلَا نَعْبُدُ إِلَاّ إِيَّاهُ، لَهُ النِّعْمَةُ وَلَهُ الْفَضْلُ، وَلَهُ الثَّنَاءُ الْحَسَنُ، لَا إِلَهَ إِلَاّ اللَّهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ، وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ» ، وَقَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُهَلِّلُ بِهِنَّ دُبُرَ كُلِّ صَلَاةٍ.
(4)
رواه مسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب الذكر بعد الصلاة وبيان صفته، بالأرقام. 135 - (591)، و136، 592، و593، و594، وانظر: صحيح البخاري، كتاب الأذان، باب الذكر بعد الصلاة، برقم 844.
المغيرة، كما هنا: ذكر لا إله إلا اللَّه، اللَّهم لا مانع لما أعطيت.
وجاء في حديث ابن الزبير عند مسلم بقية الذكر، وهو زيادة:«لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَاّ بِاللَّهِ، لَا إِلَهَ إِلَاّ اللَّهُ، وَلَا نَعْبُدُ إِلَاّ إِيَّاهُ، لَهُ النِّعْمَةُ وَلَهُ الْفَضْلُ، وَلَهُ الثَّنَاءُ الْحَسَنُ، لَا إِلَهَ إِلَاّ اللَّهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُون» (1).
ففي هذين الحديثين: حديث المغيرة، وحديث ابن الزبير ثبت هذا الذكر العظيم، وفي حديث ابن عباس ثبت رفع الصوت بالذكر.
حديث المغيرة يدل على رفع الصوت؛ لأنه كان يسمع النبي يقول هذا، لولا أنه لم يرفع صوته ما سمعوه، فدل ذلك على أن السنة رفع الصوت بالذكر رفعاً متوسطاً، ليس فيه إزعاج، رفع متوسط، يسمعه من حول المسجد، إذا جاء عند الباب سمع أن الناس صلوا.
وفي الحديث الدلالة على أنه يكبر في الذكر يقول: سبحان اللَّه، والحمد للَّه، واللَّه أكبر، ثلاثاً وثلاثين مرة، سواء أفردها: سبحان اللَّه، سبحان اللَّه، سبحان اللَّه. حتى يكمل ثلاثاً وثلاثين. والحمد للَّه حتى يكمل ثلاثاً وثلاثين. واللَّه أكبر حتى يكمل ثلاثاً وثلاثين، أو جمعها يقول:«سَبْحَانَ اللَّهَ، وَالحَمْدُ اللَّهَ، وَاللَّهُ أكْبَرُ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ مَرَّة جميعاً، وَهذهِ تِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ، وَالأفضلُ يقول تَمَامَ الْمِئَةِ: لَا إِلَهَ إِلَاّ اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قدير» ؛ لأنه
(1) رواه مسلم، برقم 594، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 135.
صح عن النبي هذا عند مسلم من حديث أبي هريرة (1).
وفي حديث المغيرة الدلالة على أنه يقول: اللَّهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، أي: لا مانع لما أعطى اللَّه، ولا معطي لما منع اللَّه، الأمر بيده سبحانه وتعالى، هو المتصرف بالكائنات كلها، فلا مانع لما أعطى اللَّه، ولا معطي لما منع اللَّه، وهذا مثل قوله سبحانه:{مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ} (2)، الأمور بيده سبحانه وتعالى، وهكذا مثل قوله سبحانه:{وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ} (3)، هو المتصرف بعباده كما يشاء، هو المعطي، هو المانع، هو النافع، هو الضار، هو المحي والمميت والخالق والرازق، كل شيء بيده سبحانه وتعالى، وقوله:«ولا ينفع ذا الجد منك الجد» ، أي: ولا ينفع ذا الغنى والجد - بفتح الجيم - هذا هو الصواب في الرواية، ذا الجد منك الجد، أي لا ينفع ذا الغنى والحظ والرياسة، ونحو ذلك، جدُّهُ وحظّهُ وغناه، منك، أي: بدلاً منك يا ربنا، بل الجميع فقراء إلى اللَّه، كلهم فقراء إلى اللَّه، ما
(1) رواه مسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب الذكر بعد الصلاة وبيان صفته، برقم597، ولفظه:«عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ سَبَّحَ اللَّهَ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ، وَحَمِدَ اللَّهَ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ، وَكَبَّرَ اللَّهَ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ، فَتْلِكَ تِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ، وَقَالَ تَمَامَ الْمِئَةِ: لَا إِلَهَ إِلَاّ اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، غُفِرَتْ خَطَايَاهُ، وَإِنْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ» .
(2)
سورة فاطر، الآية:2.
(3)
سورة يونس، الآية:107.
ينفعهم ولا يغنيهم جدُّهُم، يعني مالهم ولا ثروتهم ولا وظائفهم ولا ملكهم؛ بل كلهم فقراء للَّه جل وعلا.
وفي حديث المغيرة أن الرسول صلى الله عليه وسلم «كَانَ يَنْهَى عَنْ قِيلَ وَقَالَ، وَإِضَاعَةِ الْمَالِ، وَكَثْرَةِ السُّؤَالِ، وَكَانَ يَنْهَى عَنْ عُقُوقِ الْأُمَّهَاتِ، وَوَادِ الْبَنَاتِ، وَمَنْعٍ وَهَاتِ» (1).
وفي لفظ آخر عن المغيرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ عَلَيْكُمْ عُقُوقَ الْأُمَّهَاتِ، وَوَادَ الْبَنَاتِ، وَمَنَعَاً وَهَاتِ، وَكَرِهَ لَكُمْ قِيلَ وَقَالَ» ، وفي اللفظ الآخر:«ويَسخطُ لَكُمْ: قِيلَ وَقَالَ، وَإِضَاعَةَ الْمَالِ، وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ» (2).
[هذه زيادة في النهي من](3) أعظمها: عقوق الأمهات، يحرم عقوق الأمهات، والعقوق: القطيعة والإيذاء للأمهات، وهكذا الأب، لكن الأم أشد، حق الأم أعظم، فعقوقها أشد وأخطر.
(1) البخاري، برقم 7292، ومسلم، برقم 12 بعد الحديث رقم 1715، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 135.
(2)
صحيح مسلم، كتاب الأقضية، باب النهي عن كثرة المسائل من غير حاجة، برقم 11 - (1715)، ورواه - أيضاً- أحمد، ولفظه «إِنَّ اللهَ يَرْضَى لَكُمْ ثَلَاثًا، وَيَسْخَطُ لَكُمْ ثَلَاثًا: يَرْضَى لَكُمْ أَنْ تَعْبُدُوهُ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَأَنْ تَعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا، وَأَنْ تُنَاصِحُوا مَنْ وَلَّاهُ اللهُ أَمْرَكُمْ، وَيَسْخَطُ لَكُمْ: قِيلَ وَقَالَ، وَإِضَاعَةَ الْمَالِ، وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ» ، وهو في الموطأ، 2/ 990، برقم 1796، والبخاري في الأدب المفرد، ص: 158، 442، وصححه الألباني في صحيح الأدب المفرد، ص 182، برقم 207.
(3)
ما بين المعقوفين غير واضح في التسجيل؛ فإن لم يكن هذا، أو أنه:«هذه زيادة أمور في النهي من» ، أو نحو ذلك.
والأب كذلك بره واجب، وعقوقه محرم، كبيرة من كبائر الذنوب.
والواجب برهما، والإحسان إليهما، والرفق بهما، ومصاحبتهما بالمعروف، والسمع والطاعة لهما بالمعروف، وعدم رفع الصوت عليهما، وعدم إيذائهما بأي أذى: لا قولي ولا فعلي؛ كما قال سبحانه: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا} (1).
وسُئِلَ النبي عليه الصلاة والسلام: أَيُّ الْعَمَلِ أَفْضَلُ قال: «الصلاة على وقتها» ، قال: ثم أيٌّ؟ قَالَ: «بِرُّ الْوَالِدَيْنِ، قَالَ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ» (2).
وقال عليه الصلاة والسلام: «أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ؟» قُلْنَا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: الْإِشْرَاكُ بِاللَّهِ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ، وَكَانَ مُتَّكِئًا فَجَلَسَ، فَقَالَ:«أَلَا وَقَوْلُ الزُّورِ، أَلَا وَقَوْلُ الزُّورِ، وَشَهَادَةُ الزُّورِ» (3).
(1) سورة الإسراء، الآيتان: 23 - 24.
(2)
البخاري، كتاب مواقيت الصلاة، باب فضل الصلاة لوقتها، برقم 527، ومسلم، كتاب الإيمان، باب بيان كون الإيمان باللَّه تعالى أفضل الأعمال، برقم 85، ولفظ البخاري:«حَدَّثَنَا صَاحِبُ هَذِهِ الدَّارِ، وَأَشَارَ إِلَى دَارِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: سَأَلْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم: أَيُّ الْعَمَلِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ؟ قَالَ: «الصَّلَاةُ عَلَى وَقْتِهَا» ، قَالَ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: «ثُمَّ بِرُّ الْوَالِدَيْنِ» ، قَالَ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: «الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ» قَالَ: حَدَّثَنِي بِهِنَّ، وَلَوْ اسْتَزَدْتُهُ لَزَادَنِي».
(3)
صحيح البخاري، كتاب الأدب، باب عقوق الوالدين من الكبائر، برقم 5976، ولفظه:«أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ قُلْنَا بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ الْإِشْرَاكُ بِاللَّهِ وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ وَكَانَ مُتَّكِئًا فَجَلَسَ فَقَالَ أَلَا وَقَوْلُ الزُّورِ وَشَهَادَةُ الزُّورِ أَلَا وَقَوْلُ الزُّورِ وَشَهَادَةُ الزُّورِ فَمَا زَالَ يَقُولُهَا حَتَّى قُلْتُ لَا يَسْكُتُ» ، وهو في مسلم، كتاب الإيمان، باب الكبائر وأكبرها، برقم 87.
فهذه من أعظم الكبائر، وأكبرها وأخطرها الشرك باللَّه، ثم عقوق الوالدين، ثم شهادة الزور، فينبغي الحذر دائماً من هذه الأمور المحرمة.
وهكذا وأد البنات، وكانت الجاهلية يئدون البنات، بعض أهل الجاهلية يقتل بنته وهي حية، يخاف من العار، أو من الفقر، فيقتلها، وهذا من المنكرات العظيمة، ومن الكبائر، ومن قطيعة الرحم؛ ولهذا حرَّم اللَّه ذلك.
وهكذا بعضهم يقتل الأولاد الذكور أيضاً خشية الفقر، كما قال اللَّه جل وعلا:{وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُم} (1)، فالإملاق: الفقر، فبعض أهل الجاهلية يقتل الولد الذكر خوف الفقر، ويقتل البنت خوف الفقر وخوف العار، فحرم اللَّه ذلك سبحانه وتعالى على المسلمين.
وهكذا منع وهات، أي: يمنع الحق، ويطلب ما ليس له، منع أي: يمنع الواجب من زكاة وغيرها، وهات أي: يطلب ما ليس له من الكسب الحرام، فهذا مُحرّم، فيجب على المؤمن أن يؤدي الواجب، وأن يحذر المحرم، كذا قيل، وقال: لا ينبغي للمؤمن أن يكون كثير القيل والقال؛ لأنه إذا فعل ذلك وقع في الكذب؛ ولهذا
(1) سورة الإسراء، الآية:31.
سخط اللَّه لنا قيل وقال، فالذي ينبغي للمؤمن: أن يكون حافظاً للسانه، قليل الكلام، إلا فيما ينفع، إلا في الخير، ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام:«مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ» (1)، وفي حديث معاذ:«وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ، أو قال: على مناخرهم إِلَاّ حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ» (2)، نسأل اللَّه السلامة، وخلط الكلام فيه خطر، فينبغي للمؤمن أن يقلل الكلام، وأن يحتاط للكلام، حتى لا يقول إلا خيراً.
وقد صحّ عن رسول اللَّه عليه الصلاة والسلام أنه قال: «إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ، مَا يُلْقِي لَهَا بَالاً، يَزِلُّ بِهَا فِي النَّارِ أَبْعَدَ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ» (3) نسأل اللَّه العافية.
(1) صحيح البخاري، كتاب الأدب، باب من كان يؤمن باللَّه واليوم الآخر فلا يؤذ جاره، برقم 6018، مسلم، كتاب الإيمان، باب الحث على إكرام الجار والضيف ولزوم الصمت، إلا عن الخير، برقم 47.
(2)
أخرجه: أحمد، 36/ 345، برقم 22016، والترمذي، كتاب الإيمان، باب ما جاء في حرمة الصلاة، برقم 2616، وقال:«حسن صحيح» ، وابن ماجه، كتاب الفتن، باب كف اللسان في الفتنة، برقم 3973، والحاكم، 2/ 413، وقال:«صحيح على شرط الشيخين» ، والبيهقي في شعب الإيمان، 4/ 13، برقم 4225، والطبراني، 20/ 143، برقم 292، وقال محققو المسند، 36/ 345:«صحيح بطرقه وشواهده» ، وصححه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة، 13/ 87.
(3)
صحيح البخاري في كتاب الرقاق، باب حفظ اللسان، بلفظ:«وَإِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ لَا يُلْقِي لَهَا بَالًا يَهْوِي بِهَا فِي جَهَنَّمَ» ، وبلفظ آخر، برقم 6477:«إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مَا يَتَبَيَّنُ فِيهَا يَزِلُّ بِهَا فِي النَّارِ أَبْعَدَ مِمَّا بَيْنَ الْمَشْرِقِ» ، وهو في مسلم، برقم 2988.
والخطر عظيم في الكلام، فينبغي الحذر.
كذلك إضاعة المال، لا يجوز إضاعة المال في الخمور، والمحرمات، وآلات الملاهي، وأشباه ذلك، يجب حفظ المال حتى لا يُصرف إلا في وجهه، لا تجوز إضاعته فيما لا يجوز من المسكرات أو الملاهي، أو أشياء تضر ولا تنفع، بل يجب أن يُصان المال، ويُحفظ حتى يُصرف في وجهه الشرعي.
والسادسة كثرة السؤال، وفسر بالسؤال عن العلم، وفسر بسؤال الدنيا، أما كثرة السؤال في العلم، فهذا منهي عنه، إذا كان لقصد الأغلوطات، ولإيقاع المسؤول في الأغلاط، وإيذاء المسؤول، أو لقصد إظهار جودة الفهم، وأنه يفهم، وأنه حريص على طلب العلم رياءً وسمعة؛ فينبغي له أن لا يكثر السؤال، لأن فيه خطراً، إما أن يؤذي المسؤول، وإما أن لا يفهم هو، تكثر عليه المسائل فيغلط، ولا يفهم، فينبغي له أن يقتصد، يسأل في كل وقت ما يناسبه مع الاقتصاد، حتى لا يغلط، وحتى لا يؤذي غيره، وحتى لا يقع في الرياء، وهكذا للدنيا، لا يسأل الناس أموالهم وعنده ما يكفي، حرام على المؤمن، حرام على المسلم أن يسأل الناس أموالهم، وهو عنده ما يكفي، يقول النبي صلى الله عليه وسلم:«مَنْ سَأَلَ النَّاسَ أَمْوَالَهُمْ تَكَثُّرًا، فَإِنَّمَا يَسْأَلُ جَمْرًا، فَلْيَسْتَقِلَّ، أَوْ لِيَسْتَكْثِرْ» (1)، نسأل اللَّه العافية، فالواجب على المؤمن
(1) مسلم، كتاب الزكاة، باب كراهة المسألة للناس، برقم 1041، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه.
الحذر من السؤال إلا من حاجة.
وقد بينها النبي صلى الله عليه وسلم في أمور ثلاثة، قال:«إِنَّ الْمَسْأَلَةَ لَا تَحِلُّ إِلَاّ لأحد ثَلَاثَةٍ: رَجُلٍ تَحَمَّلَ حَمَالَةً، فَحَلَّتْ لَهُ الْمَسْأَلَةُ حَتَّى يُصِيبَهَا، ثُمَّ يُمْسِكُ» ، تحمل حمالةً في الإصلاح بين الناس، في حاجة أهله غرم، وليس عنده قضاء يسأل بقدر الحاجة.
والثاني: رَجُلٌ أَصَابَتْهُ جَائِحَةٌ اجْتَاحَتْ مَالَهُ من غرق، أو حرق، أو جراد حتى ذهب ماله، ولم يبقَ عنده ما يقوم بحاله، فَحَلَّتْ لَهُ الْمَسْأَلَةُ حَتَّى يُصِيبَ قِوَامًا مِنْ عَيْشٍ، حتى يصيب سِدَادًا مِنْ عَيْشٍ، وقدر حاجته، ثم يمسك عن السؤال.
الثالث: الإنسان الذي أَصَابَتْهُ فَاقَةٌ، حَلَّتْ به مصيبة، ذهبت أمواله بسبب خسارة في التجارة، أو أسباب أخرى غير الجائحة حتى افتقر، فإذا شهد له ثلاثة من ذوي الحجا (1) من قومه أنه افتقر حلّت لَهُ الْمَسْأَلَةُ حَتَّى يُصِيبَ قِوَامًا مِنْ عَيْشٍ، يعني حتى يصيب سدَادًا مِنْ عَيْشٍ، يعني بقدر الحاجة، هؤلاء الثلاثة هم الذين تباح لهم المسألة، قال: ومَا سِوَى ذلك سُحْتٌ يَاكُلُه صَاحِبُه سُحْتاً». رواه مسلم في الصحيح (2).
(1) الحجا: العقل؛ لأن العقل يمنع الإنسان من الفساد، ويحفظه من التعرض للهلاك. النهاية في غريب الحديث والأثر، 1/ 348، مادة (حجا).
(2)
مسلم، كتاب الزكاة، باب من تحل له المسألة، برقم 1044، ولفظه: عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ مُخَارِقٍ الْهِلَالِيِّ، قَالَ: تَحَمَّلْتُ حَمَالَةً، فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَسْأَلُهُ فِيهَا، فَقَالَ:«أَقِمْ حَتَّى تَاتِيَنَا الصَّدَقَةُ، فَنَامُرَ لَكَ بِهَا» ، قَالَ: ثُمَّ قَالَ: «يَا قَبِيصَةُ، إِنَّ الْمَسْأَلَةَ لَا تَحِلُّ إِلَاّ لأَحَدِ ثَلَاثَةٍ: رَجُلٍ تَحَمَّلَ حَمَالَةً، فَحَلَّتْ لَهُ الْمَسْأَلَةُ حَتَّى يُصِيبَهَا، ثُمَّ يُمْسِكُ، وَرَجُلٌ أَصَابَتْهُ جَائِحَةٌ اجْتَاحَتْ مَالَهُ، فَحَلَّتْ لَهُ الْمَسْأَلَةُ حَتَّى يُصِيبَ قِوَامًا مِنْ عَيْشٍ، أَوْ قَالَ سِدَادًا مِنْ عَيْشٍ، وَرَجُلٌ أَصَابَتْهُ فَاقَةٌ حَتَّى يَقُومَ ثَلَاثَةٌ مِنْ ذَوِي الْحِجَا مِنْ قَوْمِهِ: لَقَدْ أَصَابَتْ فُلَانًا فَاقَةٌ، فَحَلَّتْ لَهُ الْمَسْأَلَةُ حَتَّى يُصِيبَ قِوَامًا مِنْ عَيْشٍ، أَوْ قَالَ سِدَادًا مِنْ عَيْشٍ، فَمَا سِوَاهُنَّ مِنَ الْمَسْأَلَةِ يَا قَبِيصَةُ سُحْتًا يَاكُلُهَا صَاحِبُهَا سُحْتًا» .
فهذ المسائل الثلاث هي التي تحل في السؤال، وما سواها يحرم على المؤمن تعاطيه.
136 -
عن سُمَيٍّ ــ مولى أبي بكر بن عبدالرحمن بن الحارث بن هشام ــ عن أبي صالح السّمَّان، عن أبي هريرة رضي الله عنه، «أَنَّ فُقَرَاءَ الْمُهاجرينَ أَتَوْا رَسُولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّه (1)، ذَهَبَ (2) أَهْلُ الدُّثُورِ بِالدَّرَجَاتِ الْعُلَا، وَالنَّعِيمِ الْمُقِيمِ، فقَالَ: «وَمَا ذَاكَ» قَالُوا: يُصَلُّونَ كَمَا نُصَلِّي، وَيَصُومُونَ كَمَا نَصُومُ، وَيَتَصَدَّقُونَ وَلا نَتَصَدَّقُ، وَيُعْتِقُونَ وَلا نُعْتِقُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«أَفَلا أُعَلِّمُكُمْ شَيْئًا تُدْرِكُونَ بِهِ مَنْ سَبَقَكُمْ، وَتَسْبِقُونَ مَنْ بَعْدَكُمْ، وَلا يَكُونُ أَحَدٌ أَفْضَلَ مِنْكُمْ، إلَاّ مَنْ صَنَعَ مِثْلَ مَا صَنَعْتُمْ؟» قَالُوا: بَلَى، يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ:«تُسَبِّحُونَ وَتُكَبِّرُونَ وَتَحْمَدُونَ دُبُرَ كُلِّ صَلاةٍ ثَلاثاً وَثَلاثِينَ مَرَّةً» .
قال أبو صالحٍ: فرجع فقراء المهاجرِين إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم. فقالوا:
يا رسول اللَّه (1)، سَمِعَ إخْوَانُنَا أَهْلُ الأَمْوَالِ بِمَا فَعَلْنَا، فَفَعَلُوا مِثْلَهُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم:«ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ» .
قال سُمَيٌّ: فحدثتُ بعض أهلي بهذا (2) الحديث، فقال: وَهِمْتَ، إنما قال (3):«تُسبحُ اللَّه ثلاثاً وثلاثين، وتحمدُ اللَّه ثلاثاً وثلاثين، وتكبر اللَّه ثلاثاً وثلاثين» .
فرجعتُ إلى أبي صالح، فذكرتُ (4) له ذلك فأخذَ بيدي (5)، فقال:«قل (6): اللَّه أكبر، وسبحان اللَّه، والحمد للَّه، اللَّه أكبر وسبحان اللَّه والحمد للَّه (7) حتى تبلغ من جميعهنَّ، ثلاثاً وثلاثين» (8).
137 -
عن عائشة رضي الله عنها، «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم صَلَّى فِي خَمِيصَةٍ لَهَا أَعْلامٌ. فَنَظَرَ إلَى أَعْلامِهَا نَظْرَةً. فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ: «اذْهَبُوا بِخَمِيصَتِي هَذِهِ إلَى أَبِي جَهْمٍ، وَائْتُونِي بِأَنْبِجَانِيَّةِ أَبِي جَهْمٍ. فَإِنَّهَا أَلْهَتْنِي آنِفًا عَنْ
(1)«يا رسول اللَّه» : ليست في نسخة الزهيري.
(2)
في نسخة الزهيري: «هذا» .
(3)
في نسخة الزهيري: «إنما قال ذلك» بزيادة ذلك.
(4)
في نسخة الزهيري: «فقلت» .
(5)
«فأخذ بيدي» : ليست في نسخة الزهيري، وهي في مسلم، برقم 595.
(6)
«قل» : ليست في نسخة الزهيري، وليست في مسلم، برقم 595.
(7)
«اللَّه أكبر، وسبحان اللَّه، والحمد للَّه» : الثانية ليست في نسخة الزهيري، وهي في مسلم، برقم 595.
(8)
رواه البخاري بنحوه، كتاب الأذان، باب الذكر بعد الصلاة، برقم 843، ومسلم بلفظه، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب استحباب الذكر بعد الصلاة، وبيان صفته، برقم 595.
صَلاتِي» (1).
الخميصة: كساء مُرَبَّع له أعلام.
والأنبجانية: كساء غليظ.
33 -
قال الشارح رضي الله عنه:
هذان الحديثان: الأول منهما فيما يتعلق بالذكر عقب الصلاة، والثاني فيما يتعلق بالخشوع في الصلاة، والابتعاد عن كل ما يُشغل فيها.
الحديث الأول: أن فقراء المهاجرين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أتوا النبي صلى الله عليه وسلم، فقالوا:«يا رسول اللَّه، ذهب أهل الدثور بالأجور» . الدثور: الأموال، «يصلون كما نُصلي، ويصومون كما نصوم، ويعتقون ولا نعتق» ، فسألهم النبي عن ذلك، فأخبروه أن ذلك بسبب هذا، أنهم يصلون كما نُصلي، ويصومون كما نصوم، لكن يزيدون علينا بأنهم يتصدقون، ونحن ما عندنا مال، ويعتقون ونحن ما عندنا مال نعتق.
وفي اللفظ الآخر: «ذهب أهل الدثور بالدرجات العُلا والنعيم المقيم» ، قال:«وما ذاك؟» لماذا، قالوا: يصلون كما نصلي، ويصومون كما نصوم، ويتصدقون ولا نتصدق، ويعتقون ولا نعتق، إنّا فقراء وهم عندهم مال، يستطيعون به الصدقة، وشراء العبيد والعتق، وأنّا ما عندنا شيء، فهم غبنونا وسبقونا بهذا الخير.
(1) رواه البخاري، كتاب الصلاة، باب إذا صلى في ثوب له أعلام، ونظر إلى علمها، برقم 373، واللفظ له، ومسلم بنحوه، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب كراهة الصلاة في ثوب له أعلام، برقم 556.
فقال عليه الصلاة والسلام: «ألا أخبركم على شيء تدركون به من سبقكم، وتسبقون به من بعدكم، ولا يكون أحد أفضل منكم، إلا من صنع مثل ما صنعتم؟ قالوا: بلى يا رسول اللَّه، قال: تُسبحون وتحمدون وتُكبرون دبر كل صلاة ثلاثاً وثلاثين» .
هذا يدل على فضل هذا التسبيح والتحميد والتكبير بعد كل صلاة، وأنه يقوم مقام الصدقة والعتق، لمن عجز عن ذلك، وهذا من فضل اللَّه سبحانه وتعالى.
فإن المؤمن إذا ترك العمل الصالح عجزاً عنه، وهو يحب أن يعمله ويريده لولا العجز، كتب اللَّه له مثل أجر العاملين، فضلاً منه وإحساناً، كما في الحديث الصحيح، يقول صلى الله عليه وسلم:«إِذَا مَرِضَ الْعَبْدُ، أَوْ سَافَرَ، كتبَ اللَّهُ لَهُ مَا كَانَ يَعْمَلُ وهو صَحِيح مُقِيم» (1).
وفي حديث أبي كبشة الأنماري قال النبي صلى الله عليه وسلم: «الدُّنْيَا لأَرْبَعَة: رجل أعطاه اللَّهُ عِلْمًا وأعطاه مَالاً، فَهُوَ يَتَّقِي فِي مالهِ رَبَّهُ، وَيَصِلُ فِيهِ رَحِمَهُ، وَيَعْلَمُ أنَّ لِلَّهِ فِيهِ حَقًّا، قال: فهو بِخير الْمَنَازِلِ، والثاني: رجل أعطاهُ اللَّهُ عِلْمًا، وَلَمْ يعطهِ مَالاً، فَقال: لَوْ كانَ لِي من المَال مثل فلان لَعَمِلْتُ مثل عَملِه، قال: فَهذا بِنِيَّتِهِ، فَهما في الأَجْرِ سَوَاءٌ؛ لأنه عاجز، فصار بنيته الصادقة مع عجزه يُعطى مثل أجر العامل؛ هذا من فضل اللَّه وجوده وكرمه سبحانه وتعالى، قال: ورجل آتاَهُ اللَّهُ مَالاً، وَلَمْ يُعطه
(1) رواه البخاري، كتاب الجهاد والسير، باب يكتب للمسافر مثل ما كان يعمل في الإقامة، برقم 2996بلفظ:«إِذَا مَرِضَ الْعَبْدُ أَوْ سَافَرَ كُتِبَ لَهُ مِثْلُ مَا كَانَ يَعْمَلُ مُقِيمًا صَحِيحًا» .
عِلْمًا، فَهُوَ لَا يَتَّقِي فِيهِ رَبَّهُ، وَلَا يَصِلُ فِيهِ رَحِمَهُ، وَلَا يَعْلَمُ أنَّ لِلَّهِ فِيهِ حَقًّا، قال: هَذَا من شرِّ الْمَنَازِلِ، وَالرابع رجل لَمْ يُعطه اللَّهُ مَالاً، وَلَا عِلْمًا، فَهُوَ يَقُولُ: لَوْ أَنَّ لِي من المَالِ مثل فلان لَعَمِلْتُ مثل عمله، يعني مثل عمله السيئ، قال: فهذا بنيته، فهما في الوزر سواء» (1).
هذا يدل على أن الإنسان إذا له نيةٌ سيئة، وهو لو قدر لعمل يكون شريكاً مساوياً لمن فعل الشر، والعياذ باللَّه، ولهذا في الحديث الصحيح:«إِذَا التَقَى المُسْلِمَانِ بِسَيْفَيْهِمَا، فَالقَاتِلُ وَالمَقْتُولُ فِي النَّارِ» ، قيل: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَذَا القَاتِلُ، فَمَا شأن المَقْتُولِ؟ قَالَ:«لأَنَّهُ كَانَ حَرِيصًا عَلَى قَتْلِ صَاحِبِهِ» (2)، فاستويا في العقوبة، نسأل اللَّه العافية.
(1) أخرجه أحمد، 29/ 562، برقم 18031 بلفظ:«إِنَّمَا الدُّنْيَا لِأَرْبَعَةِ نَفَرٍ: عَبْدٌ رَزَقَهُ اللهُ مَالًا وَعِلْمًا، فَهُوَ يَتَّقِي فِيهِ رَبَّهُ، وَيَصِلُ فِيهِ رَحِمَهُ، وَيَعْلَمُ لِلَّهِ فِيهِ حَقَّهُ، قَالَ: فَهَذَا بِأَفْضَلِ الْمَنَازِلِ، قَالَ: وَعَبْدٌ رَزَقَهُ اللهُ عِلْمًا، وَلَمْ يَرْزُقْهُ مَالًا؟ قَالَ: فَهُوَ يَقُولُ: لَوْ كَانَ لِي مَالٌ عَمِلْتُ بِعَمَلِ فُلَانٍ، قَالَ: فَأَجْرُهُمَا سَوَاءٌ، قَالَ: وَعَبْدٌ رَزَقَهُ اللهُ مَالًا، وَلَمْ يَرْزُقْهُ عِلْمًا، فَهُوَ يَخْبِطُ فِي مَالِهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ، لَا يَتَّقِي فِيهِ رَبَّهُ، وَلَا يَصِلُ فِيهِ رَحِمَهُ، وَلَا يَعْلَمُ لِلَّهِ فِيهِ حَقَّهُ، فَهَذَا بِأَخْبَثِ الْمَنَازِلِ، قَالَ: وَعَبْدٌ لَمْ يَرْزُقْهُ اللهُ مَالًا، وَلَا عِلْمًا فَهُوَ يَقُولُ: لَوْ كَانَ لِي مَالٌ لَعَمِلْتُ بِعَمَلِ فُلَانٍ، قَالَ: هِيَ نِيَّتُهُ، فَوِزْرُهُمَا فِيهِ سَوَاءٌ» ، وهو في الترمذي، كتاب الزهد، باب ما جاء مثل الدنيا مثل أربعة نفر، برقم 2325، وقال:«حسن صحيح» ، وحسن إسناده محققو المسند، 29/ 562، وصححه لغيره العلامة الألباني في صحيح الترغيب والترهيب، 1/ 5، برقم 16.
(2)
رواه البخاري، كتاب الإيمان، باب {وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا} ، برقم 31، ومسلم، كتاب الفتن وأشراط الساعة، برقم 2888، ولفظه: عَنِ الأَحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ، قَالَ:«ذَهَبْتُ لِأَنْصُرَ هَذَا الرَّجُلَ، فَلَقِيَنِي أَبُو بَكْرَةَ فَقَالَ أَيْنَ تُرِيدُ؟ قُلْتُ: أَنْصُرُ هَذَا الرَّجُلَ، قَالَ: ارْجِعْ فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «إِذَا التَقَى المُسْلِمَانِ بِسَيْفَيْهِمَا فَالقَاتِلُ وَالمَقْتُولُ فِي النَّارِ» ، فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا القَاتِلُ فَمَا بَالُ المَقْتُولِ قَالَ:«إِنَّهُ كَانَ حَرِيصًا عَلَى قَتْلِ صَاحِبِهِ» .
وفي هذا أن فقراء المهاجرين لما عجزوا عن الصدقة والعتق؛ صار تسبيحهم وتحميدهم وتكبيرهم ونيتهم الصالحة قائمة مقام ذلك، وصاروا مثلهم في الأجر.
قال الفقراء لما رجعوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم: إن إخواننا أهل الأموال سمعوا بما قلت لنا، فعملوا مثل عملنا، قال النبي:«ذلك فضل اللَّه يؤتيه من يشاء» .
يعني سمع التجار من الصحابة والأخيار من الصحابة من الأثرياء، سمعوا ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم للفقراء من التسبيح والتحميد والتكبير، ففعلو أيضاً مع ما قاموا به من الصدقة والإحسان والعتق، هذا فضل اللَّه يؤتيه من يشاء سبحانه وتعالى.
ففي هذا الحديث الحث على الإكثار من الذكر، ويقوم مقام الصدقات، ويقوم مقام العتق، وله فضل عظيم.
يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لأَنْ أَقُولَ: سُبْحَانَ اللَّهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلَا إِلَهَ إِلَاّ اللَّهُ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ، أَحَبُّ إِليَّ مِمَّا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ» (1).
ويقول: «الْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ: سُبْحَانَ اللَّه، وَالْحَمْدُ للَّه، ولَا إِلَهَ إِلَاّ
(1) رواه مسلم، كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب فضل التهليل والتسبيح والدعاء، برقم 2695.
(2)
رواه مسلم، كتاب الآداب، باب كراهة التسمية بالأسماء القبيحة، وبنافع ونحوه، برقم 2137.
اللَّهُ، وَالله أَكْبَرُ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَاّ بِالله» (1).
ويقول صلى الله عليه وسلم: «كَلِمَتَانِ خَفِيفَتَانِ عَلَى اللِّسَانِ، ثَقِيلَتَانِ فِي الْمِيزَانِ، حَبِيبَتَانِ إِلَى الرَّحْمَنِ: سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ، سُبْحَانَ اللَّهِ الْعَظِيمِ» (2).
هذا فضل كبير، فيُستحب للمؤمن والمؤمنة بعد كل صلاة أن يقول: سبحان اللَّه، والحمد للَّه، واللَّه أكبر ثلاثاً وثلاثين مرة يعقدها، سبحان اللَّه، والحمد للَّه، واللَّه أكبر، ثلاثاً وثلاثين مرة، الجميع تسعة وتسعون، وإن أفردها قال: سبحان اللَّه ثلاثاً وثلاثين مرة، والحمد للَّه ثلاثاً وثلاثين، واللَّه أكبر ثلاثاً وثلاثين؛ فلا بأس، لكن جمعها أيسر
(1) رواه مالك، 2/ 259، برقم 715:«حَدَّثَنِي عَنْ مَالِك عَنْ عُمَارَةَ بْنِ صَيَّادٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، أَنَّهُ سَمِعَهُ يَقُولُ فِي الْبَاقِيَاتِ الصَّالِحَاتِ: إِنَّهَا قَوْلُ الْعَبْدِ: اللَّهُ أَكْبَرُ، وَسُبْحَانَ اللَّهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلَا إِلَهَ إِلَاّ اللَّهُ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَاّ بِاللَّهِ» ، وأخرجه الإمام أحمد، 30/ 299، برقم 18353:«عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ، قَالَ: خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَنَحْنُ فِي الْمَسْجِدِ بَعْدَ صَلَاةِ الْعِشَاءِ، رَفَعَ بَصَرَهُ إِلَى السَّمَاءِ، ثُمَّ خَفَضَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ قَدْ حَدَثَ فِي السَّمَاءِ شَيْءٌ، فَقَالَ: «أَلَا إِنَّهُ سَيَكُونُ بَعْدِي أُمَرَاءُ يَكْذِبُونَ وَيَظْلِمُونَ، فَمَنْ صَدَّقَهُمْ بِكَذِبِهِمْ، وَمَالَأَهُمْ عَلَى ظُلْمِهِمْ، فَلَيْسَ مِنِّي، وَلَا أَنَا مِنْهُ، وَمَنْ لَمْ يُصَدِّقْهُمْ بِكَذِبِهِمْ، وَلَمْ يُمَالِئْهُمْ عَلَى ظُلْمِهِمْ، فَهُوَ مِنِّي، وَأَنَا مِنْهُ، أَلَا وَإِنَّ دَمَ الْمُسْلِمِ كَفَّارَتُهُ، أَلَا وَإِنَّ سُبْحَانَ اللهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَاللهُ أَكْبَرُ هُنَّ الْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ» ، وهو في السنن الكبرى للنسائي، كتاب صلاة العيدين، القراءة في العيدين، برقم 10617:«عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «خُذُوا جُنَّتَكُمْ» قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَمِنْ عَدُوٍّ قَدْ حَضَرَ؟ قَالَ:«لَا، وَلَكِنْ جُنَّتُكُمْ مِنَ النَّارِ قَوْلُ: سُبْحَانَ اللَّهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلَا إِلَهَ إِلَاّ اللَّهُ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ، فَإِنَّهُنَّ يَاتِينَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُجَنِّبَاتٍ وَمُعَقِّبَاتٍ، وَهُنَّ الْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ» ، وحسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب، 2/ 112، برقم 1567.
(2)
رواه البخاري، كتاب الدعوات، باب فضل التسبيح، برقم 6406، ومسلم، كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب فضل التهليل، والتسبيح، والدعاء،، برقم 2694.
عليه وأضبط، ثم يقول تمام المائة: لا إله إلا اللَّه وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، جاء هذا في حديث آخر عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي أنه قال:«مَنْ سَبَّحَ اللَّهَ دُبُرَ كُلِّ صَلَاةٍ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ، وَحَمِدَ اللَّهَ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ، وَكَبَّرَ اللَّهَ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ، فَتْلِكَ تِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ، وَقَالَ تَمَامَ الْمِائَةِ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ، وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، غُفِرَتْ خَطَايَاهُ، وَإِنْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ» (1).
هذا يدل على فضل هذا الذكر، وأن العبد إذا قاله عن صدق، وعن إخلاص، وعن إيمان، وعن عدم إصرار على الذنوب، كفّر اللَّه له خطاياه.
وهذا في أحاديث الفضائل من أحاديث الرجاء، فينبغي للمؤمن والمؤمنة استعمال ذلك، ولزوم ذلك عقب الصلوات رجاء هذا الفضل العظيم (2).
الحديث الثاني [
…
] (3): يدل على أنه ينبغي للمصلي أن تكون ملابسه بعيدة عما يشغله عن الصلاة، ويؤذيه، ويشوش عليه خشوعه،
(1) رواه مسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب استحباب الذكر بعد الصلاة، وبيان صفته، برقم 597.
(2)
آخر الوجه الأول من الشريط السادس.
(3)
ما بين المعقوفين حصل سقط يسير «ومن بقيته» ليس فيها نقوش، فأحب عليه الصلاة والسلام أن تكون بدلاً من تلك التي فيها النقوش؛ لأنها قد تشغل المصلي بالنظر إليها، هذا».