المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌16 - باب القراءة في الصلاة - الإفهام في شرح عمدة الأحكام

[ابن باز]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة المحقق

- ‌وكان عملي على النحو الآتي:

- ‌نبذة عن حياة مؤلف العمدة: الإمام عبد الغني بن عبد الواحد المقدسي

- ‌أولاً: نسبه، ومولده، ونشأته، ومكانته العلمية:

- ‌ثانياً: عبادته وتضرعه، وأوقاته:

- ‌ثالثاً: شيوخه:

- ‌رابعاً: تلامذته:

- ‌خامساً: أقوال العلماء فيه:

- ‌سادساً: أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر:

- ‌سابعاً: جوده وكرمه:

- ‌ثامناً: تصانيفه:

- ‌تاسعاً: وفاته:

- ‌نبذة عن حياة الشارح الإمام عبد العزيز بن عبد الله بن باز

- ‌أولاً: ما قال سماحته عن نفسه

- ‌ثانياً: أوصافه الخَلْقية

- ‌ثالثاً: صفاته الخُلُقية:

- ‌رابعاً: دروسه العلمية في مدينة الرياض

- ‌خامساً: زوجات سماحة الشيخ:

- ‌سادساً: أولاده:

- ‌ثامناً: الجنازة وأصداء الوفاة

- ‌تاسعاً: مشاهد نادرة من جنازة الشيخ

- ‌مقدمة المؤلف

- ‌1 - كتاب الطهارة

- ‌1 - بابُ دخولِ الخلاءِ والاستطابةِ

- ‌2 - بابُ السواكِ

- ‌3 - بابُ المسحِ على الخفينِ

- ‌4 - بابٌ في المذيِ وغيرِهِ

- ‌5 - بابُ الغسل من الجنابةِ

- ‌6 - باب التَّيَمُّمِ

- ‌7 - بابُ الحيضِ

- ‌2 - كتاب الصلاة

- ‌8 - بابُ المواقيتِ

- ‌9 - باب فضلِ صلاة الجماعة ووجوبها

- ‌10 - بابُ الأَذانِ

- ‌11 - باب استقبالِ القبلة

- ‌12 - بابُ الصُّفوفِ

- ‌13 - بابُ الإِمامةِ

- ‌14 - بابُ صفةِ صلاةِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم

- ‌15 - باب وجوب الطمأنينة في الركوع والسجود

- ‌16 - باب القراءة في الصلاة

- ‌17 - بابُ تركِ الجَهرِ ببسمِ اللَّه الرَّحمنِ الرَّحيمِ

- ‌18 - بابُ سجودِ السَّهو

- ‌19 - بابُ المرورِ بينَ يديِ المصلي

- ‌20 - بابٌ جامعٌ

- ‌21 - بابُ التَّشهدِ

- ‌24 - باب الجمع بين الصلاتين في السفر

- ‌25 - باب قصر الصلاة في السفر

- ‌26 - باب الجمعة

- ‌27 - باب العيدين

- ‌28 - باب صلاة الكسوف

- ‌29 - باب صلاة الاستسقاء

- ‌30 - باب صلاة الخوف

- ‌31 - باب الجنائز

- ‌3 - كتاب الزكاة

- ‌32 - باب صدقة الفطر

- ‌4 - كتاب الصِّيَامِ

- ‌33 - باب الصوم في السفر وغيره

- ‌34 - باب أفضل الصيام وغيره

- ‌35 - باب ليلة القَدر

- ‌36 - باب الاعتكاف

- ‌5 - كتاب الحَجِّ

- ‌37 - باب المواقيت

- ‌38 - باب ما يلبس المُحرِم من الثياب

- ‌39 - باب الفدية

- ‌40 - باب حُرمة مكة

- ‌41 - باب ما يجوز قتله

- ‌42 - باب دخول مكة وغيره

- ‌43 - باب التمتُّع

- ‌44 - باب الهدي

- ‌45 - باب الغسل للمحرم

- ‌46 - باب فسخ الحج إِلى العمرة

- ‌47 - باب المحرم يأكل من صيد الحلال

- ‌6 - كتاب البيوع

- ‌48 - باب ما يُنهى عنه من البيوع

- ‌49 - باب العرايا وغير ذلك

- ‌50 - باب السَّلَم

- ‌51 - باب الشروط في البيع

- ‌52 - باب الربا والصَّرف

- ‌53 - باب الرهن وغيره

- ‌54 - بابُ اللُّقَطة

- ‌7 - كتاب الوصَايا

- ‌8 - كتاب الفرائض

- ‌9 - كتاب النكاح

- ‌55 - باب الصداق

- ‌10 - كتاب الطلاق

- ‌56 - باب العِدَّة

- ‌11 - كتاب اللعان

- ‌12 - كتاب الرضَاع

- ‌13 - كتاب القِصَاص

- ‌14 - [كتاب الحدُود

- ‌57 - باب حدِّ السرقة

- ‌58 - باب حدِّ الخمر

- ‌15 - كتاب الأيمان والنذور

- ‌59 - باب النذر

- ‌60 - باب الْقَضاء

- ‌16 - كتاب الأطعمة

- ‌61 - باب الصيد

- ‌62 - باب الأضاحي

- ‌17 - كتاب الأشربة

- ‌18 - كتاب اِللِّبَاس

- ‌19 - كتاب الجِهاد

- ‌20 - كتاب العتق

- ‌63 - باب بيع المدبَّر

- ‌الفهارس العامة

- ‌1 - فهرس الآيات القرآنية

- ‌2 - فهرس الأحاديث النبوية والآثار

- ‌3 - فهرس الألفاظ الغريبة

- ‌4 - فهرس الأشعار

- ‌5 - فهرس مصادر ومراجع التحقيق

الفصل: ‌16 - باب القراءة في الصلاة

اُسْجُدْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِداً، ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ جَالِساً، ثمَّ (1) افْعَلْ ذَلِكَ فِي صَلاتِكَ كُلِّهَا» (2).

‌16 - باب القراءة في الصلاة

102 -

عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: «لا صَلاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ» (3).

103 -

عن أبي قتادة الأنصاري رضي الله عنه قال: «كَانَ رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم (4) يَقْرَأُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الأُولَيَيْنِ مِنِ صَلاةِ الظُّهْرِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَسُورَتَيْنِ، يُطَوِّلُ فِي الأُولَى، وَيُقَصِّرُ فِي الثَّانِيَةِ (5)، وَفِي

الرَّكْعَتَيْنِ الأُخْرَيَيْنِ بِأُمِّ الْكِتَابِ (6)، وَكَانَ يُطَوِّلُ فِي الرَّكْعَةِ الأُولَى

(1) في نسخة الزهيري: «و» بدل ثم.

(2)

رواه البخاري، كتاب الأذان، باب أمر النبي صلى الله عليه وسلم الذي لا يتم ركوعه بالإعادة، برقم 793، وفي لفظ للبخاري، برقم 6251 في أوله: «.... إِذَا قُمْتَ إِلَى الصَّلَاةِ فَأَسْبِغِ الْوُضُوءَ ثُمَّ اسْتَقْبِلِ الْقِبْلَةَ فَكَبِّرْ

» الحديث، ومسلم، كتاب الصلاة، باب وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة، وإنه إذا لم يحسن الفاتحة، ولا أمكنه تعلمها قرأ ما تيسر له من غيرها، برقم 397.

(3)

رواه البخاري، كتاب الأذان، باب وجوب القراءة للإمام والمأموم، برقم 756، ومسلم، كتاب الصلاة، باب وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة، وإنه إذا لم يحسن الفاتحة، ولا أمكنه تعلمها قرأ ما تيسر له من غيرها، برقم 394.

(4)

في نسخة الزهيري: «كان النبي صلى الله عليه وسلم» .

(5)

في نسخة الزهيري هنا زيادة: «يُسْمِعُ الآيَةَ أحْياناً، وكَانَ يقْرأُ في العَصْرِ بفاتِحَةِ الكِتابِ، وسُورَتَيْنِ يُطَوِّل في الأولى، ويُقَصِّرً في الثانية» .

(6)

في نسخة الزهيري: «وفي الركعتين الأخريين بأم الكتاب» جُعلت في نهاية الحديث، ولهذا ذكرتُ في الحاشية ألفاظ الحديث عند الإمام البخاري، فزال الإشكال، وللَّه الحمد.

ص: 214

في (1) صَلاةِ الصُّبْحِ، وَيُقَصِّرُ فِي الثَّانِيَةِ» (2).

22 -

قال الشارح رحمه الله:

هذه الأحاديث الثلاثة الأول منها يتعلق بالطمأنينة، والثاني والثالث يتعلقان بالقراءة في الصلاة، أما الطُّمأنينة - بضم الطاء - فهي السكون في الصلاة، والخشوع فيها، والاعتدال، يقال: اطمأن يطمئن طمأنينة واطمئناناً، إذا ركد واعتدل، وسكنت حركاته، هذا هو الواجب في الصلاة، بل فرض وركن أن يطمئن في صلاته، ولا يعجل، ولا ينقرها في ركوعها وسجودها، وهكذا في الاعتدال بعد الركوع، وهكذا بين السجدتين، هذا من أهم أركان الصلاة؛ ولهذا لما رأى النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً لم يطمئن، قال له عليه الصلاة والسلام:«ارجع فصل» . حتى فعلها ثلاث مرات، ردده النبي صلى الله عليه وسلم ، حتى يطمئن، حتى ينتبه، حتى

(1) في نسخة الزهيري: «من صلاة الصبح» .

(2)

رواه البخاري، كتاب الأذان، باب القراءة في الظهر، برقم 759، ولفظه: عن قتادة عن أبيه: «كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَقْرَأُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الأُولَيَيْنِ مِنْ صَلَاةِ الظُّهْرِ بِفَاتِحَةِ الكِتَابِ، وَسُورَتَيْنِ يُطَوِّلُ فِي الأُولَى، وَيُقَصِّرُ فِي الثَّانِيَةِ وَيُسْمِعُ الآيَةَ أَحْيَانًا، وَكَانَ يَقْرَأُ فِي العَصْرِ بِفَاتِحَةِ الكِتَابِ وَسُورَتَيْنِ، وَكَانَ يُطَوِّلُ فِي الأُولَى، وَكَانَ يُطَوِّلُ فِي الرَّكْعَةِ الأُولَى مِنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ، وَيُقَصِّرُ فِي الثَّانِيَةِ» ، وباب القراءة في العصر، برقم 762، ولفظه: عن قتادة عن أبيه «كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَقْرَأُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ مِنَ الظُّهْرِ وَالعَصْرِ بِفَاتِحَةِ الكِتَابِ، وَسُورَةٍ سُورَةٍ، وَيُسْمِعُنَا الآيَةَ أَحْيَانًا» ، وبابٌ: يقرأ في الأخريين بفاتحة الكتاب، برقم 776، ولفظه: عن قتادة عن أبيه: «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقْرَأُ فِي الظُّهْرِ فِي الأُولَيَيْنِ بِأُمِّ الكِتَابِ، وَسُورَتَيْنِ، وَفِي الرَّكْعَتَيْنِ الأُخْرَيَيْنِ بِأُمِّ الكِتَابِ وَيُسْمِعُنَا الآيَةَ، وَيُطَوِّلُ فِي الرَّكْعَةِ الأُولَى مَا لَا يُطَوِّلُ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ، وَهَكَذَا فِي العَصْرِ وَهَكَذَا فِي الصُّبْحِ» ، ومسلم، كتاب الصلاة، باب القراءة في الظهر والعصر، برقم 451.

ص: 215

يعرف أخطاءه وأغلاطه، وحتى يكون ذلك أكمل في التعليم، وأرسخ في القلب، ففعل الرجل وذهب، وصلى ثم عاد، ثم ذهب وصلى ثم عاد، فلما رأى أنه لم يصل كما أمره النبي صلى الله عليه وسلم قال:«والذي بعثك بالحق لا أُحسن غير هذا، فعلمني» ، فاسترشد وطلب أن يُعَلم بعد الثلاث، فعلمه النبي صلى الله عليه وسلم ، وقال:«إذا قمت إلى الصلاة فكبر» ، وفي رواية أخرى:«فأسبغ الوضوء، ثم استقبل القبلة، ثم كبر ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن» وفي اللفظ الآخر: «ثم اقرأ بِأُمِّ الْقُرْآنِ، وبما شاء اللَّه، ثُمَّ ارْكَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ رَاكِعًا، ثُمَّ ارْفَعُ حَتَّى تَعْتَدِلَ قَائِمًا، ثم اسْجُدُ حَتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِدًا، ثُمَّ ارْفَعُ حَتَّى تَطْمَئِنَّ جَالِسًا، ثم اسجد حتى تطمئن ساجداً، ثُمَّ افْعَلْ ذَلِكَ فِي صَلَاتِكَ كُلِّهَا» (1)، هكذا علمه النبي صلى الله عليه وسلم، وفيه: أن الرجل كان كلما جاء سلم والنبي عليه الصلاة والسلام يرد عليه، ثم يقول له:«ارجع فصل» ، فهذا الحديث فيه فوائد:

الفائدة الأولى: تعليم الجاهل، والإنكار عليه، وأن لا يُترك على جهله، وأن العالم وطالب العلم إذا رأى أخاه قد أخل بشيء من أمور دينه يعلمه، ولا يسكت، بل يعلمه ويرشده.

والفائدة الثانية: الرفق وعدم الشدة والعنف، فالرسول ما عنَّف عليه، وما سبَّه عليه الصلاة والسلام؛ بل علّمه برفق.

الفائدة الثالثة: أنه يكرر لعله ينتبه، يكرر عليه إذا كان حاله

(1) رواه البخاري، برقم 757، ورقم 6251، و6252، ومسلم، برقم 397، والبيهقي في السنن الكبرى، 2/ 373، وتقدم تخريجه في شرح حديث المتن رقم 93.

ص: 216

تحتاج إلى أن يكرر الفعل، أو أن يكرر القول، حتى يفهمه، كرره عليه حتى يفهمه.

الرابعة: أنه إذا سلم الإنسان يرد عليه، وإذا عاد وسلَّم يرد عليه، وإذا عاد وسلَّم يرد عليه، ولو ما راح بعيداً، ولو أنه قريب، ولو أنه يراه؛ لأن الرجل كلما عاد سلم، راح فصلى، ثم عاد فصلى، والنبي صلى الله عليه وسلم ينظر إليه، فهو عند النبي صلى الله عليه وسلم ليس ببعيد، يراه وينظر أنه لم يطمئن، فدل ذلك على أنه إذا شغل بالصلاة، أو بشيء آخر، ثم عاد فسلم يرد عليه، وهكذا جاء في الحديث:«إذا سلم أحدكم على أخيه، ثم حال بينهما جدار أو شجر أو حجر، ثم لقيه فليسلم عليه» (1)، السلام كله خير، وكله مما يُكسب المودة والأُلفة.

وفيه من الفوائد: أن الطمأنينة لا بد منها، وأنها إذا فُقدت بطلت الصلاة؛ ولهذا أمره النبي صلى الله عليه وسلم بالإعادة، فلا بد أن يطمئن في ركوعه، وسجوده، واعتداله بين السجدتين، واعتداله بعد الركوع، والطمأنينة: السكون والركود حتى يرجع كل فقار إلى مكانه، ترجع العظام والمفاصل إلى محالها ومواضعها، فإذا ركع اعتدل واستوى، حتى تهدأ أعضاؤه، ويرجع كل فقار إلى مكانه، وإذا رفع من الركوع

(1) أخرج أبو داود، كتاب الأدب، باب من أولى بالسلام، برقم 5200: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: «إِذَا لَقِيَ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ فَلْيُسَلِّمْ عَلَيْهِ، فَإِنْ حَالَتْ بَيْنَهُمَا شَجَرَةٌ، أَوْ جِدَارٌ، أَوْ حَجَرٌ، ثُمَّ لَقِيَهُ، فَلْيُسَلِّمْ عَلَيْهِ أَيْضًا» ، موقوفاً ومرفوعاً، وأبو يعلى، 11/ 233، برقم 6350، والبخاري في الأدب المفرد، ص: 349، والبيهقي في شعب الإيمان، 6/ 450، وقال الشيخ الألباني في صحيح الأدب المفرد، ص: 398: «صحيح موقوفاً، وصح مرفوعاً» .

ص: 217

اعتدل واستقام حتى يرجع كل فقار إلى مكانه، وهكذا إذا سجد، وهكذا إذا جلس بين السجدتين، يطمئن ولا يعجل، حتى يرجع كل فقار إلى مكانه، فمتى فعل هذا فقد أدى الواجب، وإذا أخل بهذا بطلت صلاته، فالطمأنينة فرض لا بد منه.

وفي الحديث الثاني: الدلالة على أنه لا بد من قراءة الفاتحة، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم:«لا صَلاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ» (1) ، وهذا يعم الإمام والمأموم والمنفرد جميعاً، وقال بعض أهل العلم: إن المأموم ليس عليه فرض، بل هو تابع لإمامه، والصواب أنه يعمه، وأنه يلزمه القراءة إلا إذا فاتته القراءة، بأن جاء والإمام راكع، سقطت عنه، أو سها عنها، أو اجتهد، فرأى أنها لا تجب عليه، أو قال بقول من قال لا تجب عليه إن كان له عذر سقطت عنه، وإلا فالواجب أنه يقرأ الفاتحة، ولو في الجهرية، يقرؤها ثم ينصت، لعموم الحديث؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال:«لا صَلاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ» (2) ، ولم يقل إلا المأموم مستثنى، وفي اللفظ الآخر قال عليه الصلاة والسلام:«لَعَلَّكُمْ تَقْرَؤُونَ خَلْفَ إِمَامِكُمْ؟» . قُلْنَا: نَعَمْ، قَالَ «لَا تَفْعَلُوا إِلَاّ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ؛ فَإِنَّهُ لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَا بِهَا» (3)، وهذا صريح في وجوبها على المأموم.

(1) رواه البخاري، برقم 756، ومسلم، برقم 394، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 102.

(2)

رواه البخاري، برقم 756، ومسلم، برقم 394، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 102.

(3)

رواه أبو داود، كتاب الصلاة، باب من ترك القراءة في صلاته بفاتحة الكتاب، برقم 823، والبيهقي في معرفة السنن والآثار، 3/ 83، والمقدسي في المختارة، 8/ 341، وحسن إسناده، وحسنه الألباني في مشكاة المصابيح، 1/ 186.

ص: 218

والحديث الثالث: يدل على أنه يقرأ في الركعتين الأوليين أطول من الركعتين الأخريين، وكان في صلاة الظهر والعصر يقرأ بسورة الفاتحة وسورتين، يطول في الأولى، ويقصر في الثانية، يخفف العصر على النصف من الظهر، كما في حديث أبي سعيد، ويقرأ في الأخريين بفاتحة الكتاب، وهكذا في العصر فاتحة الكتاب، وهكذا الثالثة في المغرب، وهكذا الثالثة والرابعة في العشاء، يقرأ بفاتحة الكتاب، وإن قرأ زيادة في الظهر بعض الأحيان فحسن؛ لأن الرسول كان يقرأ فيها بعض الأحيان زيادة على فاتحة الكتاب في الثالثة والرابعة في الظهر، كما في حديث أبي سعيد: أنه كان «يقرأ فِي الأُخْرَيَيْنِ عَلَى النِّصْفِ» (1) ، هذا يدل على أنه يقرأ الفاتحة، وزيادة معها في بعض الأحيان عليه الصلاة والسلام.

وكان يطول في صلاة الصبح أكثر من بقية الصلوات، ثبت عنه أنه كان يقرأ بالستين إلى المائة آية يقرأ بـ «ق» ونحوها، كـ «الذاريات» ، «الطور» ، وربما قرأ بأقل من ذلك كـ «المرسلات» ، و «التكوير» ، فالسنة أن يطيل في الصبح في بعض الأحيان، ويخفف بعض الشيء في بعض الأحيان، تأسياً بالنبي عليه الصلاة والسلام.

والمغرب تارة وتارة، قد يقرأ بـ «الطور» ، وتارة بالوسط، وتارة

(1) سنن أبي داود، كتاب الصلاة، باب تخفيف الأخريين، برقم 804، وحسّن إسناده الشيخ الألباني في صحيح أبي داود، 3/ 390.

ص: 219

بالقصار، فقد قرأ صلى الله عليه وسلم بـ «الطور» (1) ، [و] قرأ فيها بـ «الأعراف» (2) ، [و] قرأ فيها بـ «المرسلات» (3)

، وقرأ عليه الصلاة والسلام فيها بقصار المفصل (4)، فالإمام لا يلزم حالة واحدة، بل تارة بقصار المفصل مثل «الزلزلة» ، و «القارعة» ، و «ألهاكم» ، و «العصر» وأشباهها، وتارة بأطول من ذلك كـ «البلد» ، و «الضحى» ، و «الليل إذا يغشى» ، و «الشمس وضحاها» ، و «الطارق» ، و «الانفطار» وأشباهها، وتارة

(1) أخرجه البخاري، كتاب الأذان، باب الجهر في المغرب، برقم 765، ومسلم، كتاب الصلاة، باب القراءة في الصبح، برقم 463: عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «قَرَأَ فِي المَغْرِبِ بِالطُّورِ» ،

(2)

أخرجه الإمام أحمد، 35/ 504، برقم 21641، وأبو داود، كتاب الصلاة، باب قدر القراءة في المغرب، برقم 812، عن زيد بن ثابت قال:«رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقْرَأُ فِيهَا بِطُولَى الطُّولَيَيْنِ» ، قَالَ ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ: وَمَا طُولَى الطُّولَيَيْنِ؟ قَالَ: الْأَعْرَافُ»، وصحح إسناده محققو المسند، 35/ 504، والألباني في صحيح أبي داود، 3/ 395، وهو في البخاري، كتاب الأذان، باب القراءة في المغرب، برقم 764، دون تفسير معنى الطوليين، ولفظه:«عَنْ مَرْوَانَ بْنِ الحَكَمِ، قَالَ: قَالَ لِي زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ: «مَا لَكَ تَقْرَأُ فِي المَغْرِبِ بِقِصَارٍ، وَقَدْ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقْرَأُ بِطُولَى الطُّولَيَيْنِ» .

(3)

أخرجه البخاري، كتاب الأذان، باب القراءة في المغرب، برقم 763، ومسلم، كتاب الصلاة، باب القراءة في الصبح، برقم 462: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، أَنَّهُ قَالَ: إِنَّ أُمَّ الفَضْلِ سَمِعَتْهُ وَهُوَ يَقْرَأُ: {وَالمُرْسَلَاتِ عُرْفًا} [المرسلات: 1]، فَقَالَتْ: يَا بُنَيَّ، وَاللَّهِ لَقَدْ ذَكَّرْتَنِي بِقِرَاءَتِكَ «هَذِهِ السُّورَةَ، إِنَّهَا لَآخِرُ مَا سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَسَلَّمَ يَقْرَأُ بِهَا فِي المَغْرِبِ» ..

(4)

أخرجه الإمام أحمد، 13/ 371، برقم 7991، والنسائي، كتاب الافتتاح، تخفيف القيام والقراءة، برقم 982، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، أَنَّهُ قَالَ: مَا صَلَّيْتُ وَرَاءَ أَحَدٍ بَعْدَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، أَشْبَهَ صَلَاةً بِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ فُلَانٍ - قَالَ سُلَيْمَانُ - «كَانَ يُطِيلُ الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ مِنَ الظُّهْرِ، وَيُخَفِّفُ الْأُخْرَيَيْنِ، وَيُخَفِّفُ الْعَصْرَ، وَيَقْرَأُ فِي الْمَغْرِبِ بِقِصَارِ الْمُفَصَّلِ، وَيَقْرَأُ فِي الْعِشَاءِ بِوَسَطِ الْمُفَصَّلِ، وَيَقْرَأُ فِي الصُّبْحِ بِطِوَالِ الْمُفَصَّلِ» ، وأخرجه أبو داود، كتاب الصلاة، باب قدر القراءة في المغرب، برقم 812، عن زيد بن ثابت،، وقوى إسناد المسند محققو المسند، 13/ 371، وصحح الألباني رواية أبي داود في صحيح أبي داود، 3/ 399.

ص: 220

بأطول من ذلك بـ «المرسلات» ، و «القيامة» ، و «المدثر» ، و «المزمل» ، و «الطور» ، وما أشبه ذلك، هكذا سنته عليه الصلاة والسلام، فالإمام يتحرى سنة النبي صلى الله عليه وسلم، هذا الميزان، الميزان فعله صلى الله عليه وسلم ، هو الميزان يتحرى الإمام فعل النبي صلى الله عليه وسلم في الصلوات، يتحرّاه أو ما يقارب ذلك، ويدنو من ذلك؛ حرصاً على اتباع سنته، والموافقة له في فعله عليه الصلاة والسلام، عملاً بقول اللَّه عز وجل:{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} (1)،

وعملاً بقول النبي صلى الله عليه وسلم: «صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلّي» (2)، اللَّهم صلِّ وسلم على رسولك (3).

104 -

عن جبير (4) بن مطعم رضي الله عنه قال: «سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقْرَأُ فِي الْمَغْرِبِ بِالطُّورِ» (5).

105 -

عن البراء بن عازب رضي الله عنهما: «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ فِي سَفَرٍ، فَصَلَّى الْعِشَاءَ الآخِرَةَ، فَقَرَأَ فِي إحْدَى الرَّكْعَتَيْنِ بِـ (التِّينِ وَالزَّيْتُونِ) فَمَا سَمِعْتُ أَحَداً أَحْسَنَ صَوْتاً - أَوْ قِرَاءَةً - مِنْهُ صلى الله عليه وسلم» (6).

(1) سورة الأحزاب، الآية: 21 ..

(2)

البخاري، برقم 630، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن 86.

(3)

آخر الوجه الثاني من الشريط الرابع.

(4)

أول الوجه الأول من الشريط الخامس، بتاريخ 17/ 4/ 1409هـ.

(5)

رواه البخاري، كتاب الأذان، باب الجهر بالمغرب، برقم 765، ومسلم، كتاب الصلاة، باب القراءة في الصبح، برقم 463.

(6)

رواه البخاري، كتاب الأذان، باب القراءة في العشاء، برقم 769، ومسلم، كتاب الصلاة، باب القراءة في العشاء، برقم 177 - (464).

ص: 221

106 -

عن عائشة رضي الله عنها: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَعَثَ رَجُلاً عَلَى سَرِيَّةٍ. فَكَانَ يَقْرَأُ لأَصْحَابِهِ فِي صَلاتِهِمْ، فَيَخْتِمُ بـ (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) فَلَمَّا رَجَعُوا ذَكَرُوا ذَلِكَ لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم. فَقَالَ: «سَلُوهُ لأَيِّ شَيْءٍ يصْنَعُ ذَلِكَ؟» فَسَأَلُوهُ فَقَالَ: لأَنَّهَا صِفَةُ الرَّحْمنِ عز وجل، فَأَنَا أُحِبُّ أَنْ أَقْرَأَ بِهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«أَخْبِرُوهُ: أَنَّ اللهَ تَعَالَى يُحِبُّهُ» (1).

107 -

عن جابر رضي الله عنه: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِمُعَاذٍ: «فَلَوْلا صَلَّيْتَ بـ (ِسَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى)، (وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا)، (وَاللَّيْلِ إذَا يَغْشَى)؟ فَإِنَّهُ يُصَلِّي وَرَاءَكَ الْكَبِيرُ، وَالضَّعِيفُ، وَذُو الْحَاجَةِ» (2).

23 -

قال الشارح رحمه الله:

هذه الأحاديث الأربعة كلها تتعلق بالقراءة في الصلاة. والقراءة في الصلاة تلقاها المسلمون عن نبيهم صلى الله عليه وسلم، وهي متفاوتة في الصلاة، وهو صلى الله عليه وسلم كان لا يلزم حالة واحدة، بل ربما طول، وربما قصَّر، وربما توسط، هكذا ينبغي للأئمة أن تكون قراءتهم هكذا، متحرين فيها صلاته صلى الله عليه وسلم وقراءته؛ لأنه هو الأسوة عليه الصلاة والسلام ، وقد قال اللَّه عز وجل:

(1) رواه البخاري، كتاب التوحيد، باب ما جاء في دعاء النبي صلى الله عليه وسلم أمته إلى توحيد اللَّه تبارك وتعالى، برقم 7375، ومسلم، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب فضل قراءة قل هو اللَّه أحد، برقم 813.

(2)

رواه البخاري، كتاب الأذان، باب من شكا إمامه إذا طوّل، برقم 705، ومسلم، كتاب الصلاة، باب القراءة في العشاء، برقم 465.

ص: 222

{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} (1)، والنبي صلى الله عليه وسلم قال:«صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلّي» (2)، فالمؤمن يتحرى في ذلك صلاته صلى الله عليه وسلم، الإمام والمنفرد، أما المأموم فتبع لإمامه؛ ولهذا ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قرأ في المغرب بـ (الطور)، في حديث جبير بن مطعم، قال:«سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقْرَأُ فِي الْمَغْرِبِ بِالطُّورِ» (3) ، وكان هذا في آخر سنة اثنتين من الهجرة، لما قدم جبير من جهة أسرى بدر، قدم المدينة من أجل الأسرى، وثبت عنه في حديث زيد بن ثابت، وحديث عائشة أنه قرأ بـ (الأعراف) ، قسمها في ركعتين (4)،

وثبت في حديث أم الفضل عن ابن عباس أنه قرأ في المغرب بـ (المرسلات)(5) ، وجاء عن ابن عمر أنه قرأ فيها بـ (قل يا أيها الكافرون)، و (قل هو اللَّه أحد)(6)، وجاء

(1) سورة الأحزاب، الآية:21.

(2)

البخاري، برقم 630، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن 86.

(3)

رواه البخاري، برقم 765، ومسلم، برقم 463، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 104.

(4)

حديث زيد بن ثابت أخرجه الإمام أحمد، 35/ 504، برقم 21641، وهو في البخاري، كتاب الأذان، باب القراءة في المغرب، برقم 764، وقد تقدم تخريجه في شرح حديث المتن رقم 103.

وحديث عائشة رضي الله عنها أخرجه النسائي، كتاب الافتتاح، القراءة في المغرب بـ «المص» ، برقم 992، والبيهقي في السنن الكبرى، 2/ 392، وقال الألباني في صحيح أبي داود،

3 -

/ 398: «أخرجه النسائي بسند صحيح» .

(5)

صحيح البخاري، كتاب الأذان، باب القراءة في المغرب، برقم 763، وهو في رقم 4429، ومسلم، كتاب الصلاة، باب القراءة في الصبح، برقم 462.

(6)

سنن ابن ماجه، كتاب إقامة الصلوات، باب القراءة في صلاة المغرب، برقم 833، ومصنف ابن أبي شيبة، 1/ 359، برقم 3626، والطبراني في المعجم الكبير، 12/ 377، برقم 13395، وقال الحافظ في الفتح، 2/ 248:«ظاهر إسناده الصحة، إلا أنه معلول، قال الدارقطني: أخطأ فيه بعض رواته» .

ص: 223

في حديث أبي هريرة أنه قرأ فيها بقصار المفصل (1)

، فدل ذلك على أنه كان لا يلزم حالة واحدة، بل تارة يطيل، وتارة يقصر، وتارة يتوسط، وهكذا في الظهر، وربما أطال، وربما قرأ فيها بنحو قراءة الفجر، وربما قرأ فيها بأخف من ذلك: كـ (الليل إذا يغشى) و (اقرأ باسم ربك)، وبـ (الشمس وضحاها) ، والعصر أخف من ذلك، أخف من الظهر، والعشاء كذلك: كالظهر يقرأ فيها بأوساط المفصل، مثل ما قال النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ:«لولا قرأت بـ (سبح اسم ربك الأعلى) و (الشمس وضحاها) و (الليل إذا يغشى)» (2)، وفي الرواية الأخرى:«و (اقرأ باسم ربك)» (3)

، وكان معاذ يصلي بأصحابه العشاء، وكان

(1) ابن أبي شيبة في المصنف، 1/ 359، برقم 3627، وابن خزيمة، 1/ 261، برقم 520، وصحيح ابن حبان، 5/ 145، برقم 1837، والبيهقي في السنن الكبرى، 2/ 392، وحسنه الألباني في التعليقات الحسان، 6/ 6099، ولفظه:«حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، يَقُولُ: مَا رَأَيْتُ أَحَدًا أَشْبَهَ صَلَاةً بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ فُلَانٍ، أَمِيرٌ كَانَ بِالْمَدِينَةِ، قَالَ سُلَيْمَانُ: فَصَلَّيْتُ أَنَا وَرَاءَهُ، فَكَانَ يُطِيلُ فِي الْأُولَيَيْنِ مِنَ الظُّهْرِ، وَيُخَفِّفُ الْأُخْرَيَيْنِ، وَيُخَفِّفُ الْعَصْرَ، وَيَقْرَأُ فِي الْأُولَيَيْنِ مِنَ الْمَغْرِبِ بِقِصَارِ الْمُفَصَّلِ، وَفِي الْعِشَاءِ بِوَسَطِ الْمُفَصَّلِ، وَفِي الصُّبْحِ بِطِوَالِ الْمُفَصَّلِ» ..

(2)

أخرج مسلم، كتاب الصلاة، باب القراءة في العشاء، برقم 465، ولفظه: عَنْ جَابِرٍ أَنَّهُ قَالَ: صَلَّى مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ الْأَنْصَارِيُّ لِأَصْحَابِهِ الْعِشَاءَ. فَطَوَّلَ عَلَيْهِمْ فَانْصَرَفَ رَجُلٌ مِنَّا. فَصَلَّى فَأُخْبِرَ مُعَاذٌ عَنْهُ فَقَالَ: إِنَّهُ مُنَافِقٌ فَلَمَّا بَلَغَ ذَلِكَ الرَّجُلَ دَخَلَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَخْبَرَهُ مَا قَالَ مُعَاذٌ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «أَتُرِيدُ أَنْ تَكُونَ فَتَّانًا يَا مُعَاذُ؟ إِذَا أَمَمْتَ النَّاسَ فَاقْرَا بِالشَّمْسِ وَضُحَاهَا، وَسَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى، وَاقْرَا بِاسْمِ رَبِّكَ، وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى»

(3)

انظر: التخريج السابق ..

ص: 224

يطول عليهم فزجره النبي عن هذا، وقال:«أفتان يا معاذ» ، وأمره أن يختصر وأن يقرأ في العشاء بهذه السور من أوساط المفصل، مثل (سبح)، و (الغاشية)، و (الشمس وضحاها) و (اقرأ باسم ربك) و (البروج) و (الطارق)، وأشباهها (1)،

أما الفجر فكان يطول فيها صلى الله عليه وسلم ويقرأ فيها بالستين إلى المائة آية، وربما قرأ فيها بـ (ق)(2)، فالسنة

(1) سنن النسائي، كتاب الافتتاح، القراءة في العشاء الآخرة بسبح اسم ربك الأعلى، برقم 998، ومسند البزار، 10/ 296، برقم 4411، والبيهقي، 3/ 112، عن جابر:«كَانَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ يُصَلِّي مَعَ النَّبيّ صلى الله عليه وسلم الْعِشَاءَ ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى قَوْمِهِ بَنِي سَلِمَةَ فَيُصَلِّيهَا بِهِمْ، وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَخَّرَ الْعِشَاءَ ذَاتَ لَيْلَةٍ، فَصَلَاّهَا مُعَاذٌ مَعَهُ، ثُمَّ رَجَعَ فَأَمَّ قَوْمَهُ، فَافْتَتَحَ سُورَةَ الْبَقَرَةِ، فَتَنَحَّى رَجُلٌ مِنْ خَلْفِهِ، فَصَلَّى وَحْدَهُ، فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالُوا: نَافَقْتَ يَا فُلَانُ، فَقَالَ: مَا نَافَقْتُ، وَلَكِنِّي آتِي رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأُخْبِرُهُ، فَأَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّك أَخَّرْتَ الْعِشَاءَ الْبَارِحَةَ، وَإِنَّ مُعَاذًا صَلَاّهَا مَعَكَ، ثُمَّ رَجَعَ فَأَمَّنَا، فَافْتَتَحَ سُورَةَ الْبَقَرَةِ، فَتَنَحَّيْتُ فَصَلَّيْتُ وَحْدِي، وَإِنَّمَا نَحْنُ أَهْلُ نَوَاضِحَ نَعْمَلُ بِأَيْدِينَا، فَالْتَفَتَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى مُعَاذٍ فَقَالَ: «أَفَتَّانٌ يَا مُعَاذُ، أَفَتَّانٌ أَنْتَ؟ اقْرَا بِسُورَةِ كَذَا وَسُورَةِ كَذَا» قَالَ عَمْرٌو: وَعَدَّ سُوَرًا، قَالَ سُفْيَانُ، وَقَالَ أَبُو الزُّبَيْرِ: وَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «اقْرَا بِسَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى، وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ، وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ، وَالشَّمْسِ وضُحَاهَا، وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى، وَنَحْوِهَا» ، فَقُلْتُ لِعَمْرٍو: فَإِنَّ أَبَا الزُّبَيْرِ كَانَ يَقُولُ إِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ قَالَ لَهُ: «اقْرَا بِسَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى، وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ، وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ، وَالشَّمْسِ وضُحَاهَا، وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى» . فَقَالَ عَمْرٌو: هِيَ هَذِهِ أَوْ نَحْوَ هَذِهِ». والحديث في قصة معاذ في الصحيحين: مسلم كتاب الصلاة، باب القراءة في العشاء، برقم 465، والبخاري دون ذكر السور، كتاب الأذان، باب إذا طول الإمام، وكان للرجل حاجة، فخرج فصلى، برقم 700، ورقم 701.

(2)

أخرج مسلم، كتاب الصلاة، باب القراءة في الصبح، برقم 457:«عَنْ زِيَادِ بْنِ عِلَاقَةَ، عَنْ عَمِّهِ أَنَّهُ صَلَّى مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم الصُّبْحَ فَقَرَأَ فِي أَوَّلِ رَكْعَةٍ {وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ} [ق: 10] وَرُبَّمَا قَالَ: ق» .

ص: 225

فيها التطويل، وربما قرأ فيها بالقصار، كما ثبت في سنن أبي داود أنه قرأ في الفجر بـ (إذا زلزلت) كررها مرتين (1) ، وهذا في بعض الأحيان، والغالب عليه أنه يطول في الفجر عليه الصلاة والسلام، وفي حديث البراء الدلالة على أن الرسول صلى الله عليه وسلم ربما قرأ في العشاء بأقل من الأوساط كـ (التين والزيتون)؛ لأنه قرأ فيها بالتين والزيتون. وقال البراء:«فَمَا سَمِعْتُ أَحَدًا أَحْسَنَ صَوْتًا، وَلَا أحْسَنَ قِرَاءَةً مِنْهُ عليه الصلاة والسلام» (2)، دل على أنه في بعض العشاء لا مانع أن يخفف بعض الأحيان، فيقرأ فيها بالقصار مثل سورة (والتين)، وسورة (ألهاكم)، و (القارعة) ، وما أشبهها لا بأس.

وفي حديث عائشة رضي الله عنها أن جماعة من الأنصار جعلوا عليهم إماماً، فكان يصلي بهم ويختم بـ (قل هو اللَّه أحد)، يقرأ الفاتحة وسورة معها، ثم يقرأ بـ (قل هو اللَّه أحد) زيادة، وربما قرأ (قل هو اللَّه أحد) أولاً، ثم قرأ بعدها زيادة سورة أخرى، فسألوه: قالوا: لماذا لا تكتفي بـ (قل هو اللَّه أحد)، أو بما قرأت معها، قال: أنا أحب أن أقرأ هذه السورة، فإن شئتم أممتكم، وإلا فالتمسوا غيري، فكرهوا أن

(1) سنن أبي داود، كتاب الصلاة، باب الرجل يعيد سورة واحدة في الركعتين، برقم 816، وحسنه الألباني في صحيح أبي داود، 1/ 154، برقم 730.

(2)

أخرج الشيخان: البخاري، كتاب الأذان، باب القراءة في العشاء، برقم 769، ومسلم، كتاب الصلاة، باب القراءة في العشاء، برقم 177 - (464)، عن عَدِيُّ بْنُ ثَابِتٍ، سَمِعَ الْبَرَاءَ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقْرَأُ: وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ فِي الْعِشَاءِ، وَمَا سَمِعْتُ أَحَدًا أَحْسَنَ صَوْتًا مِنْهُ، أَوْ قِرَاءَةً»، هذا لفظ البخاري.

ص: 226

يؤمهم غيره، كانوا يرونه أقرأهم، فاشتكوه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: اسألُوهُ لماذا يَقْرأ: (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) مع غيرها، ولم يكتفِ بهَا، فَسَأَلُوهُ قَالَ: لأَنَّهَا صِفَةُ الرَّحْمنِ، وَأَنَا أُحِبُّ أَنْ أَقْرَأَهَا، فَقَالَ عليه الصلاة والسلام:«أَخْبِرُوهُ أَنَّ اللَّهَ يُحِبُّهُ» (1)،

يعني كما أحب أسماءه وصفاته، وفي اللفظ الآخر قال:«حُبُّكَ إِيَّاهَا أَدْخَلَكَ الْجَنَّةَ» (2)

، هذا يدل على أنه يجوز أن يقرأ في الركعة سورتين أو أكثر، لا بأس من قرأ (الفاتحة)، وقرأ بعدها (والسماء ذات البروج)، أو قرأ (والسماء والطارق) أو قرأ فيها بـ (إذا زلزلت)، و (العاديات)، و (القارعة) لا حرج، هذا الإمام الذي قرأ (قل هو اللَّه أحد)، ثم معها زيادة لا بأس بذلك، وكان النبي صلى الله عليه وسلم في الغالب يقرأ سورة واحدة مع الفاتحة، وجاء عن ابن مسعود ما يدل على أنه ربما قرأ ثنتين (3)، فالأمر في هذا واسع، كما فعله

(1) البخاري، كتاب التوحيد، باب ما جاء في دعاء النبي صلى الله عليه وسلم أمته إلى توحيد اللَّه تبارك وتعالى، برقم 7375، ومسلم، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب فضل قراءة قل هو اللَّه أحد، برقم 813 ..

(2)

هذا حديث آخر غير حديث الباب، وهو في صحيح البخاري، كتاب الأذان، باب الجمع بين السورتين في ركعة، برقم 774، ولفظه عن أنس بن مالك رضي الله عنه:«كَانَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ يَؤُمُّهُمْ فِي مَسْجِدِ قُبَاءٍ، وَكَانَ كُلَّمَا افْتَتَحَ سُورَةً يَقْرَأُ بِهَا لَهُمْ فِي الصَّلَاةِ مِمَّا يُقْرَأُ بِهِ، افْتَتَحَ بِقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، حَتَّى يَفْرُغَ مِنْهَا، ثُمَّ يَقْرَأُ سُورَةً أُخْرَى مَعَهَا، وَكَانَ يَصْنَعُ ذَلِكَ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ، فَكَلَّمَهُ أَصْحَابُهُ، فَقَالُوا: إِنَّكَ تَفْتَتِحُ بِهَذِهِ السُّورَةِ، ثُمَّ لَا تَرَى أَنَّهَا تُجْزِئُكَ حَتَّى تَقْرَأَ بِأُخْرَى، فَإِمَّا أَنْ تَقْرَأُ بِهَا، وَإِمَّا أَنْ تَدَعَهَا وَتَقْرَأَ بِأُخْرَى، فَقَالَ: مَا أَنَا بِتَارِكِهَا، إِنْ أَحْبَبْتُمْ أَنْ أَؤُمَّكُمْ بِذَلِكَ فَعَلْتُ، وَإِنْ كَرِهْتُمْ تَرَكْتُكُمْ، وَكَانُوا يَرَوْنَ أَنَّهُ مِنْ أَفْضَلِهِمْ، وَكَرِهُوا أَنْ يَؤُمَّهُمْ غَيْرُهُ، فَلَمَّا أَتَاهُمُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَخْبَرُوهُ الْخَبَرَ، فَقَالَ: يَا فُلَانُ، مَا يَمْنَعُكَ أَنْ تَفْعَلَ مَا يَامُرُكَ بِهِ أَصْحَابُكَ، وَمَا يَحْمِلُكَ عَلَى لُزُومِ هَذِهِ السُّورَةِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ؟ فَقَالَ: إِنِّي أُحِبُّهَا، فَقَالَ: «حُبُّكَ إِيَّاهَا أَدْخَلَكَ الْجَنَّةَ» ..

(3)

البخاري، كتاب الأذان، باب الجمع بين السورتين في ركعة، برقم 775، ومسلم، كتاب صلاة المسافرين، باب ترتيل القراءة واجتناب الهذ، وهو الإفراط في السرعة، وإباحة سورتين فأكثر في ركعة، برقم 822.

ص: 227