الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
في استحلال ما حرم اللَّه: كأكل شحوم الميتة، أو في استعمالها في ما ذكر من دهن السفن، والاستصباح، ودهن الجلود، بل يجب إتلافها، الميتة لحمها وشحمها، كلها حرام، لا يُستعمل لا الشحم ولا اللحم، إلا الجلد إذا دُبغ، فلا بأس، إذا دُبغ جلد الميتة من الإبل أو البقر أو الغنم أو غيرها مما يؤكل لحمه، إذا دُبغ حل، صار الدباغ له طهوراً، أما اللحم والشحم: نجس خبيث يجب إتلافه.
50 - باب السَّلَم
276 -
عن عبداللَّه بن عباس بقال: «قَدِمَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم الْمَدِينَةَ، وَهُمْ يُسْلِفُونَ فِي الثِّمَارِ، السَّنَةَ (1) وَالسَّنَتَيْنِ وَالثَّلاثَ، فَقَالَ: «مَنْ أَسْلَفَ فِي شَيْءٍ، فَلْيُسْلِفْ فِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ، وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ، إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ» (2).
51 - باب الشروط في البيع
277 -
عن عائشة رضي الله عنها قالت: «جَاءَتْنِي بَرِيرَةُ فَقَالَتْ: كَاتَبْتُ أَهْلِي عَلَى تِسْعِ أَوَاقٍ، فِي كُلِّ عَامٍ أُوقِيَّةٌ، فَأَعِينِينِي. فَقُلْتُ: إنْ أَحَبَّ أَهْلُكِ أَنْ أَعُدَّهَا لَهُمْ، ويكون وَلاؤُكِ لِي فَعَلْتُ، فَذَهَبَتْ بَرِيرَةُ إلَى أَهْلِهَا، فَقَالَتْ لَهُمْ، فَأَبَوْا عَلَيْهَا، فَجَاءَتْ مِنْ عِنْدِهِمْ، وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم جَالِسٌ، فَقَالَتْ: إنِّي عَرَضْتُ ذَلِكَ عَلَيهم، فَأَبَوْا إلَاّ أَنْ يَكُونَ لَهُمُ
(1)«السنة و» : ليست في نسخة الزهيري، وهي في صحيح مسلم، برقم 1604.
(2)
رواه البخاري، كتاب السلم، باب السلم في كيل معلوم، برقم 2239، وباب السلم في وزن معلوم، برقم 2240، ومسلم، كتاب المساقاة والمزارعة، باب السلم، برقم 1604.
الْوَلاءُ، فسمع النبي صلى الله عليه وسلم (1)، فَأَخْبَرَتْ عَائِشَةُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ:«خُذِيهَا، وَاشْتَرِطِي لَهُمُ الْوَلاءَ، فَإِنَّمَا الْوَلاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ» فَفَعَلَتْ عَائِشَةُ، ثُمَّ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي النَّاسِ، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ:«أَمَّا بَعْدُ: فَمَا (2) بَالُ رِجَالٍ يَشْتَرِطُونَ شُرُوطاً لَيْسَتْ فِي كِتَابِ اللَّهِ، مَا كَانَ مِنْ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ: فَهُوَ بَاطِلٌ، وَإِنْ كَانَ مِائَةَ شَرْطٍ، قَضَاءُ اللَّهِ أَحَقُّ، وَشَرْطُ اللَّهِ أَوْثَقُ، وَإِنَّمَا الْوَلاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ» (3).
75 -
قال الشارح رحمه الله
هذان الحديثان يتعلقان بشؤون البيع، وأحكام البيع، والشروط فيه.
الأول ما يتعلق بالسلم، والسلم: هو شراء المكيلات، أو الموزونات، أو الموصوفات المنضبطة من الذمة، يقال له: سلم، إذا نقد الثمن، وأجل المُثمَّن في الذمَّةِ إلى أجل معلوم، يُسمّى سلماً، ويُسمّى سلفاً، كان النبي صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة وجدهم يسلفون في الثمار، أهل المدينة من الأنصار يُسلفون في الثمار، يعني يشترون الثمار في الذمم، فقال:«مَنْ أَسْلَفَ فِي شَيْءٍ، فَلْيُسْلِفْ فِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ، وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ، إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ» ، وهذا العمل جارٍ عند الناس
(1)«فسمع النبي صلى الله عليه وسلم» : ليست في نسخة الزهيري، وهي في البخاري، برقم 2168.
(2)
في نسخة الزهيري: «ما بال» بدون الفاء، وهي في البخاري، برقم 2168 بدون الفاء، والفاء في رواية مسلم، رقم 8 - (1504).
(3)
رواه البخاري، كتاب البيوع، باب إذا اشترط شروطاً في البيع لا تحل، برقم 2168، واللفظ له، ومسلم، كتاب العتق، باب إنما الولاء لمن أعتق، برقم 1504.
من قديم الدهر، يستعمله الناس مع الفلاحين، ويقال له: السلم، ويقال له السلف، ويقال له: الاستدانة، ويقال له: المداينة، له أسماء في عرف الناس.
والضابط في هذا أن من أراد أن يشتري شيئاً من ذمة أحد، فيكون ذلك بصفة مضبوطة، يعني بأوصاف معلومة، وآجال معلومة، حتى لا يكون نزاع، فإن كان حبوباً، فلا بد من كيلٍ معلوم، وهكذا الثمار كيل معلوم، وإن كان غير ذلك لا بد من صفات معلومة، وإن كان يوزن فبوزن معلوم، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم:«مَنْ أَسْلَفَ فِي شَيْءٍ، فَلْيُسْلِفْ فِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ، وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ، إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ» ، فيقول مثلاً: أنا آخذ من ذمتك ألف صاع من الحنطة، من الذرة، من الرز، كل صاع بريال، كل صاع بريالين، إلى أجلٍ معلوم، إلى انسلاخ ذي الحجة، إلى إنسلاخ المحرم، إلى انسلاخ صفر، إلى دخول صفر، إلى دخول ربيع أوّل أجلٍ معلوم هكذا، إذا كان حيواناً صفته كذا، وصفته كذا، وسِنَّهُ كذا، إلى أجلٍ معلوم، أو شيئاً موزوناً من الحديد، أو النحاس، أو القطن، أو غير ذلك، فبوزن معلومٍ إلى أجلٍ معلوم، لا بأس بذلك، وهكذا السيارات الآن، يشتري مثلاً سيارة معروف موديلها، مضبوطة بالصفات، إلى أجلٍ معلوم، سنة سنتين يسلمها له، ويقدم له الثمن الآن، يعطيه الثمن ألفاً، ألفين، عشرة، عشرين ألف، إلى أجلٍ معلوم، يسلم له السيارة، أو يسلم له التمر، أو يسلم له الرز، أو الحنطة أو الذرة أو القطن، لابد أن يكون
معلوماً، إما بالوزن إن كان يوزن، أو بالكيل إذا كان يكال، أو بالصفات المنضبطة في مثل الحيوانات، والسيارات، وأشباه ذلك.
الحديث الثاني حديث عائشة رضي الله عنها: أن امرأة يقال لها بريرة مملوكة جاءت إليها، وقالت: إني كاتبت أعمامي على تسع أواق في كل عام أوقية، يعني اشترت نفسها منهم، وهذا يسمى مكاتبة، العبد أو الأَمة إذا اشترى نفسه من سادته، قال: يا سادتي، يا عمي فلان، أو يا عمتي فلانة، أنا سأشتري نفسي، حتى يعتق، حتى يكون حرًّا، فيتفق مع سيده على شيء معلوم، مثل ألف ريال، يعطيهم كل شهر مائة ريال، أو عشرة آلاف ريال، يعطيهم كل سنة ألف ريال، هذا يسمى مكاتبة، فإذا أدّى ما عليه عَتق، هذه امرأة يقال لها بريرة، شارطتهم على تسع أواق، كل أوقية في سنة، تسع سنين، هذا يسمى الآن بيع التقسيط، اتفقت معهم على تسعة أقساط، كل سنة أربعين درهماً، وهي الأوقية، فجاءت تستعين عائشة في الثمن، فقالت لها عائشة: إن أحب أهلك أن أعدها لهم ــ يعني نقداً ما فيه تأجيل ــ ويكون ولاؤك لي فعلت، شاورتهم، فأبوا، إلا أن يكون الولاء لهم، الولاء يعني متعلقات العتق، يكونون هم عصبتها، لو ماتت يكونون هم أولياءها، يرثونها، ويرثون ذريتها؛ لأنهم عصبتها، فلما قالت لهم ذلك أبوا، قالوا: إلا أن يكون الولاء لهم، يعني يكون ولاء العتيقة لهم، حيث لو ماتت ورثوها، ورثوا أبناءها إذا لم يكن لهم ورثة، إذا لم يكن لهم ورثة ورثوهم، فأخبرت عائشة النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، فأمرها أن تشتريها
وتعتقها، والولاء لها، وقال:«إنما الولاء لمن أعتق» ، خطب عليه الصلاة والسلام الناس، وأخبرهم قال:«أَمَّا بَعْدُ: مَا بَالُ أناسٍ يَشْتَرِطُونَ شُرُوطاً لَيْسَتْ فِي كِتَابِ اللَّهِ، مَا كَانَ مِنْ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ، فَهُوَ بَاطِلٌ، وَإِنْ كَانَ مِائَةَ شَرْطٍ» ، فمعنى في كتاب اللَّه، أي في حكم اللَّه وشرعه، ليس فيه شرط منصوص عليه في القرآن، بل المراد في حكم اللَّه، أي في شرع اللَّه، وإن كان مائة شرط، وإن أضاف صاحبه مائة شرط مائة مرة، وأكده، فهو باطل ــ قضاء اللَّه أحق، وشرط اللَّه
أوثق ــ من شروط الناس ــ وإنما الولاء لمن أعتق، الولاء لمن أعتق العبد، أو الأَمة؛ لأنه صاحب النعمة المعتق، هو صاحب النعمة، فيكون له الولاء، وفي هذا دليل على جواز بيع التقسيط، إذا باع إنسان أرضاً بأقساط، أو بيتاً، أو جملاً، أو سيارة بأقساط لا بأس، إذا كانت الآجال معلومة، فإذا قال: اشتر مني هذا البيت بمائة ألف ريال، كل سنة عشرة آلاف، أو هذه السيارة بخمسين ألف، كل سنة خمسة آلاف، أو كل شهر ألف ريال، ما فيه بأس، يُسمَّى بيع التقسيط، إذا كانت الآجال معلومة، والمبيع معلوم عند البائع، مملوك عند البائع، حاضر، السيارة حاضرة، الأرض عنده مملوكة له، البيت مملوك له، ثم باع على أقساط لا بأس، لا حرج في ذلك.
278 -
عن جابر بن عبد اللَّه رضي الله عنهما، «أَنَّهُ كَانَ يَسِيرُ عَلَى جَمَلٍ له قد أَعْيَا (1)، فَأَرَادَ أَنْ يُسَيِّبَهُ، قال (2): فَلَحِقَنِي النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، فَدَعَا لِي، وَضَرَبَهُ،
(1) في نسخة الزهيري: «يسير على جمل فأعيى» ، ولفظ البخاري، رقم 2718:«قد أعيا» ، وهو لفظ مسلم أيضاً، برقم 109 - (715).
(2)
«قال» : ليست في نسخة الزهيري، وهي في مسلم، برقم 109 - (715).
فَسَارَ سَيْراً لَمْ يَسِرْ مِثْلَهُ قط، ثُمَّ (1) قَالَ:«بِعْنِيهِ بِأُوقِيَّةٍ» . قُلْتُ: لا، ثُمَّ قَالَ:«بِعْنِيهِ» . فَبِعْتُهُ بِأُوقِيَّةٍ، وَاسْتَثْنَيْتُ حِمْلانَهُ إلَى أَهْلِي، فَلَمَّا بَلَغْتُ أَتَيْتُهُ بِالْجَمَلِ، فَنَقَدَنِي ثَمَنَهُ، ثُمَّ رَجَعْتُ، فَأَرْسَلَ فِي أثْرِي، فَقَالَ:«أَتُرَانِي مَاكَسْتُكَ لآخُذَ جَمَلَكَ؟ خُذْ جَمَلَكَ وَدَرَاهِمَكَ، فَهُوَ لَكَ» (2).
279 -
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أَنْ يَبِيعَ حَاضِرٌ لِبَادٍ، وَلا تَنَاجَشُوا، وَلا يَبِعِ (3) الرَّجُلُ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ، وَلا يَخْطُبْ عَلَى خطبة أخيه، وَلا تَسْأَلِ الْمَرْأَةُ طَلاقَ أُخْتِهَا لِتَكْفأَ مَا فِي إنائها» (4).
76 -
قال الشارح رحمه الله
هذان الحديثان الشريفان عن النبي عليه الصلاة والسلام فيهما مسائل متعددة من مسائل البيع، وأحكام، ومساومة، ومناجشة بين الناس.
حديث جابر رضي الله عنهما: أنه كان يسير على جمل قد أعيا ــ أي قد
(1)«قط، ثم» : ليست في نسخة الزهيري.
(2)
رواه البخاري، كتاب الشروط، باب إذا اشترط البائع ظهر الدابة إلى مكان مسمّىً جاز، برقم 2718، ومسلم، كتاب المساقاة والمزارعة، باب بيع البعير واستثناء ركوبه، برقم
109 -
(715)، واللفظ له.
(3)
في نسخة الزهيري: «ولا يبيع» ، وهي في البخاري، برقم 2140، بلفظ:«ولا يبيع» .
(4)
رواه البخاري، كتاب البيوع، باب لا يبيع على بيع أخيه ولا يسوم على سوم أخيه حتى يأذن له أو يترك، برقم 2140، ومسلم، كتاب النكاح، باب تحريم الخطبة على خطبة أخيه حتى يأذن أو يترك، برقم 1413، زاد مسلم:«وَلَا يَسُمِ الرَّجُلُ عَلَى سَوْمِ أَخِيهِ» .
تعب ــ فلحقه النبي صلى الله عليه وسلم، وضربه، ودعا له، فسار سيراً لم يسر مثله قط، ثم قال له النبي:«بعنيه بأوقية» ، فلم يزل عليه الصلاة والسلام به حتى باعه إيَّاهُ، فلما قدم المدينة أتاه جابر بالجمل، وكان قد اشترط حملانه إلى أهله، اشترط على النبي صلى الله عليه وسلم أن يكون له ظهره حتى يصل المدينة، فلما وصل المدينة أتاه بالجمل، فأعطاه النبي صلى الله عليه وسلم الثمن، وفي اللفظ الآخر:«وزاد له، وأرجح له» ، ثم قال له:«أتراني ماكستك لآخذ جملك، خذ جملك ودراهمك» فأعطاه الجمل، وأعطاه الدراهم.
والنبي صلى الله عليه وسلم بيَّن هذا، ليعلم الناس بالحكم، وليستفيدوا من هذه الأحكام التي فعلها صلى الله عليه وسلم، منها:
ــ أنه ينبغي للمؤمن أن يرفق بأخيه، وأن يساعده على الخير، ولاسيما إذا أعيا بعيره، أو فرسه، أو نحو ذلك أن يساعده، فيما يرى من مال، أو دعاء لأخيه.
ــ ومنها أنه لا مانع [للموكس](1) أن يماكس في البيع، والمماكسة: المكاسرة، كون البائع يقول كذا، والمشتري يقول كذا، البائع يقول: أنا أبيعه بمائة، والمشتري يقول بثمانين، بتسعين، يكاسر هذه مماكسة، لا بأس بها بين البائع والمشتري، والبائع له رضاه، لا يبيع إلا بما يرضى به، فالمماكسة معناها المكاسرة، يعني يطلب المشتري التنزيل، والبائع يطلب الرفع.
(1) ما بين المعقوفين كلمة غير واضحة، والذي يظهر أنها:«للموكس» .
وفيه من الفوائد: حُسن خلقه صلى الله عليه وسلم، وجوده، وكرمه عليه الصلاة والسلام، كان حسن الخلق، كريم المعاشرة، كريم المحادثة، عليه الصلاة والسلام، جواداً كريماً، أعطاه الجمل وأعطاه الثمن جميعاً عليه الصلاة والسلام، والمقصود هو بيان الحكم الشرعي، حتى يعلم الناس الحكم، لا بأس من المماكسة بين البائع والمشتري، ولا بأس أن يعطيه المبيع بعدما يشتريه، ويردّه إليه هبةً، وجوداً، وكرماً، ولا بأس بالشرط، كون الإنسان يشتري شيئاً، ويُشرط عليه شرط لا يخالف الشرع، كأن يقول له البائع: أنا أشترط عليك أن البعير يكون تحتي حتى أصل البلد، حتى يوصلني البلد، أو يقول البيت، [
…
] (1): لي سكناه سنة، بعد السنة أسلمه لك، أو الدكان يكون في يدي سنة حتى أسلمه لك، وما أشبه ذلك من الشروط الجائزة، لا بأس بذلك.
والحديث الثاني حديث أبي هريرة رضي الله عنه فيه خمس مسائل:
الأولى: النهي عن بيع الحاضر للبادي، تقدم في الحديث السابق، ومعنى بيع الحاضر للبادي يعني أن المقيم في البلد لا يتولَّى البيع للوافدين من البادية، وغير البادية؛ لأنه إذا تولى البيع لهم كاسر للناس، وشدد على الناس، لأنه يعلم السعر، فيكون على الناس بهذه المشقة، ولكن يترك البادية هم الذين يبيعون، القادمون هم الذين يبيعون بأنفسهم؛ لأن بيعهم يكون أرفق بالناس، وأنفع للناس، وأرخص للناس؛ ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: «دَعُوا النَّاسَ
(1) ما بين المعقوفين كلمة: «يقول» حذفت ليستقيم المعنى.
يَرْزُقِ اللَّهُ بَعْضَهُمْ مِنْ بَعْضٍ» (1)، لا يبيع للقادم، سواء كان بدوياً، أو حضرياً: يبيع من قدم بدهن، وبحبوب، وبأقط، وبحيوانات، يتولى البيع بنفسه، حتى يكون هذا أرفق بالمسلمين، وأقل لرفع الأسعار.
وفي المسألة الثانية: التناجش. قوله: «لا تناجشوا» . والتناجش كون الإنسان يزيد في السعر، وهو ما يريد الشراء (2)، قصده (3) المغالطة والإيذاء، إما لينفع البائع؛ أو لأجل المشتري، أو يتلاعب، هذا لا يجوز، لا يزيد إلا إذا كان له رغبة في الشراء، إذا كان ما له رغبة لا يزيد في السعر، وهذا هو التناجش، والنجش: أن تزيد في السعر، وأنت لا تريد الشراء، فلا داعي أن تفعل ذلك، وليس لك، ولا للآخر أن يزيد من دون حاجة، بل من أجل الإيذاء، فلا يجوز لا بهذا، ولا بهذا، إما أن يكون له رغبة في المبيع [وإلا فلا يناجش](4).
والرابعة: ولا يبع بعضكم على بيع بعض، ليس للمسلم أن يبيع على بيع أخيه، وليس له أن يشتري على شراء أخيه، فالمسلمون كلهم إخوة، فليس لهم أن يضر بعضهم بعضاً، ولا أن يؤذي بعضهم بعضاً؛ لأن بيعه على بيع أخيه، وشراءه على شراء أخيه، يولّد الشحناء، والعداوة بين المسلمين، ومعنى ذلك: إذا بعت على زيد
(1) مسلم، برقم 1522، وتقدم تخريجه في تخريج أحاديث شرح حديث المتن رقم 262.
(2)
آخر الوجه الثاني من الشريط الثاني عشر، سُجّل في درس الشيخ بتاريخ 5/ 8/ 1409هـ.
(3)
أول الوجه الأول من الشريط الثالث عشر، سجِّل في درس الشيخ، بتاريخ 6/ 8/ 1409هـ.
(4)
ما بين المعقوفين كلمتان أو نحوهما غير واضحة، والظاهر أنها:«وإلا فلا يناجش» .
سلعة لشخص بمائة ريال، ليس للآخر أن يأتي ويقول: أنا أشتريها منك بمائة وعشرة [
…
] (1) أنا أشتريها منك بكذا وكذا، هذا الشراء على شراء أخيه.
والبيع على بيعه أن يقول له: أنت يا فلان، أنا أعطيك سلعة أحسن منها بتسعين [حتى يترك الشراء ويشتري منه](2).
فلا تبع على بيع أخيك، ولا تشترِ على شراء أخيك، «دعوا الناس يرزق اللَّه بعضهم من بعض» (3).
والخامسة: لا يخطب على خطبة أخيه، إذا خطب امرأة يتركها لا يخطبها، وهو يعلم أنه خطبها حتى يردّوه، أو يتركها هو، إذا ردّوه، أو تركها هو، جازت له، مادام لم يخطبها، وأخوه خاطبها، حتى يتركها الخاطب، أو يُردّ من أهلها، يتعذرّون منه، يخطبها بعد ذلك؛ لأن خطبتك لها تؤذي أخاك، وتضر أخاك، وهو قد سبقك، والحق لمن سبق، فلا يحق لك أن تخطب على خطبة أخيك.
السادسة: ولا تسأل المرأة طلاق أختها، ليس للمرأة أن تقول: ما أقبلك حتى تطلق فلانة، هذا غلط، وظلم، إن شاءت أن تتزوج، وإلا تركته، ولا تقل له: طلقها.
وهذا من كثير من الناس، إذا خطب منهم أحد ومعه زوجة،
(1) ما بين المعقوفين كلمة غير واضحة، والذي يظهر أنها:«حتى يهوِّن البائع» أي يترك البيع.
(2)
ما بين المعقوفين «حتى يهوِّن ويشتري منه» ، أبدلتها حتى يتضح المعنى.
(3)
مسلم، برقم 1522، وتقدم تخريجه في تخريج أحاديث شرح حديث المتن رقم 262.