الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هاتان الحالتان: سجودهما بعد السلام أفضل، وإن سجد قبل السلام فلا بأس.
النوع الثاني: يكون سهوه غير ذلك، مثل ترك التشهد الأول، يترك التسبيح بين السجود، أو في الركوع، يشك هل صلى ثنتين أو ثلاثاً، يجعلها ثنتين ويسجد للسهو قبل السلام، أو شك في ثلاث أو أربع يجعلها ثلاثاً، ثم يكمل، ثم يسجد للسهو قبل السلام، هذا هو الأفضل، وإن سجد بعد السلام أجزأه.
19 - بابُ المرورِ بينَ يديِ المصلي
112 -
عن أبي جُهيم ــ عبد اللَّه (1) بن الحارث بن الصمة الأنصاري ــ رضي الله عنه قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «لَوْ يَعْلَمُ الْمَارُّ بَيْنَ يَدَي الْمُصَلِّي مَاذَا عَلَيْهِ ــ مِنَ الإِثْمِ ــ لَكَانَ، أَنْ يَقِفَ أَرْبَعِينَ خَيْرًا لَهُ مِنْ أَنْ يَمُرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ» .
قَالَ أَبُو النَّضْرِ: لا أَدْرِي: قَالَ «أَرْبَعِينَ يَوْماً أَوْ شَهْراً أَوْ سَنَةً» (2).
113 -
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (3) يَقُولُ: «إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ إلَى شَيْءٍ يَسْتُرُهُ مِنَ النَّاسِ، فَأَرَادَ أَحَدٌ أَنْ
(1)«عبد اللَّه» : ليست في نسخة الزهيري.
(2)
رواه البخاري، كتاب الصلاة، باب إثم المار بين يدي المصلي، برقم 510، ومسلم، كتاب الصلاة، باب دنو المصلي من السترة، برقم 507، وقوله:«من الإثم» لم أجدها في ألفاظ البخاري، ولا مسلم التي بين يدي.
(3)
في نسخة الزهيري: «سمعت النبي صلى الله عليه وسلم» ، وهي في البخاري، برقم 509.
يَجْتَازَ بَيْنَ يَدَيْهِ فَلْيَدْفَعْهُ، فَإِنْ أَبَى فَلْيُقَاتِلْهُ، فَإِنَّمَا هُوَ شَيْطَانٌ» (1).
114 -
عن عبد اللَّه بن عباس رضي الله عنهما قال: «أَقْبَلْتُ رَاكِباً عَلَى حِمَارٍ أَتَانٍ ــ وَأَنَا يَوْمَئِذٍ قَدْ نَاهَزْتُ الاحْتِلامَ ــ وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي بِالنَّاسِ بِمِنًى إلَى غَيْرِ جِدَارٍ، فمَرَرْتُ بَيْنَ يَدَيْ بَعْضِ الصَّفِّ، فَنَزَلْتُ فَأَرْسَلْتُ الأَتَانَ تَرْتَعُ، وَدَخَلْتُ فِي الصَّفِّ، فَلَمْ يُنْكِرْ ذَلِكَ عَلَيَّ أَحَدٌ» (2).
115 -
عن عائشة رضي الله عنها قالت: «كُنْتُ أَنَامُ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَرِجْلايَ فِي قِبْلَتِهِ، فَإِذَا سَجَدَ غَمَزَنِي فَقَبَضْتُ رِجْلَيَّ، وَإِذَا (3) قَامَ بَسَطْتُهُمَا، [قَالَت:] (4) وَالْبُيُوتُ يَوْمَئِذٍ لَيْسَ فِيهَا مَصَابِيحُ» (5).
25 -
قال الشارح رحمه الله:
هذه الأحاديث فيما يتعلق بالمرور بين يدي المصلي: من المعلوم أنه لا يجوز المرور بين يدي المصلي قريباً منه، ولا بينه وبين السترة التي وضعها؛ للأحاديث المذكورة في الباب، ولغيرها
(1) رواه البخاري، كتاب الصلاة، باب يرد المصلي من مر بين يديه، بلفظه، برقم 509، ومسلم، كتاب الصلاة، باب منع المار بين يدي المصلي، برقم 259 - (505).
(2)
رواه البخاري، كتاب العلم، باب متى يصح سماع الصغير، برقم 76، ومسلم، كتاب الصلاة، باب سترة المصلي، برقم 504.
(3)
في نسخة الزهيري: «فإذا قام» ، وهي في البخاري، برقم 382.
(4)
«قالت» : ليست في نسخة الزهيري، وهي في البخاري، برقم 382.
(5)
رواه البخاري، كتاب الصلاة، باب الصلاة على الفراش، بلفظه، برقم 382، ومسلم، كتاب الصلاة، باب الاعتراض بين يدي المصلي، برقم 272 - (512).
من الأحاديث الدالة على أنه لا يجوز المرور بين يديه؛ لما فيه من التشويش عليه، أو قطع صلاته إن كان المار مما يقطعها.
ومن أدلة التحريم قوله عليه الصلاة والسلام: «لَوْ يَعْلَمُ الْمَارُّ بَيْنَ يَدَيْ الْمُصَلِّي مَاذَا عَلَيْهِ ــ أي مِنَ الإِثْمِ ــ لَكَانَ، أَنْ يَقِفَ أَرْبَعِينَ خَيْرًا لَهُ مِنْ أَنْ يَمُرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ» (1)، ماذا عليه أي من الإثم. ذكر المؤلف من الإثم، وهي ليست في رواية الصحيحين، وإنما ذكرها بالمعنى، والصواب أنها غير مذكورة في الحديث، وإنما رواها بالمعنى من السياق، ويدل ذلك على تحريم المرور بين يديه، إذا كان لو يعلم ماذا عليه من الإثم لكان أن يقف أربعين، سواء كانت شهوراً أو أعواماً أو أياماً، كله عظيم، ويدل على شدة التحريم، وأنه لا يجوز للمسلم أن يمر بين يدي أخيه وهو يصلي قريباً منه، أو بين يديه وبين السترة التي وضعها من جدار، أو سارية، أو عَنَزَة، أو غير ذلك.
واختلف فيما إذا كان ليس بين يديه سترة متى يكون بين يديه، والأرجح أنه إذا كان في مسافة ثلاثة أذرع فأقل فهو بين يديه، وإذا كان بعيداً؛ فإنه لا يضره ذلك.
ومن أدلة ذلك أنه صلى الله عليه وسلم صلّى في الكعبة وبينه وبين الجدار الذي أمامه ثلاثة أذرع (2) ، قال بعض أهل العلم هذا يدل على أنه يكون بين
(1) رواه البخاري، برقم 510، ومسلم، برقم 507، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 112.
(2)
أخرج البخاري، في كتاب الصلاة، باب الصلاة بين السواري في غير جماعة، برقم 506:«أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ كَانَ إِذَا دَخَلَ الْكَعْبَةَ مَشَى قِبَلَ وَجْهِهِ حِينَ يَدْخُلُ وَجَعَلَ الْبَابَ قِبَلَ ظَهْرِهِ، فَمَشَى حَتَّى يَكُونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِدَارِ الَّذِي قِبَلَ وَجْهِهِ قَرِيبًا مِنْ ثَلَاثَةِ أَذْرُعٍ صَلَّى يَتَوَخَّى الْمَكَانَ الَّذِي أَخْبَرَهُ بِهِ بِلَالٌ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم صَلَّى فِيهِ، قَالَ: وَلَيْسَ عَلَى أَحَدِنَا بَاسٌ أنْ يصَلَّي فِي أَيِّ نَوَاحِي الْبَيْتِ شَاءَ» .
يديه إذا كان في ثلاثة أذرع فأقل، أما إذا كان بعيداً؛ فإنه لا يكون بين يديه، ولا يضره مروره، سواءً كان المار رجلاً أو امرأة أو دابة.
أما الذي يقطع الصلاة، فقد روى مسلم في صحيحه أنه يَقْطَعُ صَلَاةَ المرءِ المُسْلِمِ إذَا لَمْ يكُن بيْنَ يَدَيْهِ مِثْلُ مُؤْخِرَةِ الرَّحْلِ:«الْمَرْأَةُ، وَالْحِمَارُ، وَالْكَلْبُ الأسود» . هكذا روى مسلم في صحيحه من حديث أبي ذر (1) ، وروى معناه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه لكن بغير ذكر الكلب الأسود (2)، وروى بعضهم أيضاً كما ذكر النسائي بسند صحيح عن ابن عباس:«المرأة والحمار» (3).
وهذا يدل على أنه إذا مر بين يديه امرأة بالغة كما في حديث ابن عباس، أو حمار، أو كلب أسود يقطع صلاته، وهكذا بينه وبين السترة، وقد استنكرت عائشةل ذلك فيما يتعلق بالمرأة، قالت: كنت أنا بين يديه ورجلاي في قبلته، فإذا سجد غمزني، فقبضت رجليَّ، وإذا قام بسطتهما. قالت: بئسما شبهتمونا بالحمير
(1) صحيح مسلم، كتاب الصلاة، باب قدر ما يستر المصلي، برقم 510.
(2)
رواية مسلم لفظها: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ صلى الله عليه وسلم: «يَقْطَعُ الصَّلَاةَ: الْمَرْأَةُ، وَالْحِمَارُ، وَالْكَلْبُ، وَيَقِي ذَلِكَ مِثْلُ مُؤْخِرَةِ الرَّحْلِ» ، كتاب الصلاة، باب قدر ما يستر المصلي، برقم 511.
(3)
أخرج النسائي عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: قُلْتُ لِجَابِرِ بْنِ زَيْدٍ: «مَا يَقْطَعُ الصَّلَاةَ؟ قَالَ: كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقُولُ: الْمَرْأَةُ الْحَائِضُ وَالْكَلْبُ. قَالَ يَحْيَى رَفَعَهُ شُعْبَةُ» .
والكلاب (1) ، وهذا منها رضي الله عنها اجتهاد ورأي، ولم تعلم السنة التي جاءت عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وليس مد الرجلين مثل المرور، المرور شيء، ومدُّ الرجلين شيءٌ آخر، فمدُّ الرجلين إلى المصلي ما يقطع صلاته، وإنما يقطعها المرور من جانب إلى جانب، سواء كان المار امرأة أو حماراً أو كلباً أسود، هذا هو الذي يقطع الصلاة.
أما مرور الرجل، أو الدابة، غير الكلب الأسود، أو الكلب الذي ليس أسود، هذا لا يقطع، ولكنه يمنع، ينبغي أن يمنع، أن لا يمر، المصلي ينبغي أن يمنع المار، ولو كان المار رجلاً أو دابة غير الكلب، أو الكلب، كله يمنع، لا يدع يمر بين يديه؛ ولهذا في حديث أبي سعيد رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:«إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ إلَى شَيْءٍ يَسْتُرُهُ مِنَ النَّاسِ، فَأَرَادَ أَحَدٌ أَنْ يَجْتَازَ بَيْنَ يَدَيْهِ فَلْيَدْفَعْهُ، فَإِنْ أَبَى فَلْيُقَاتِلْهُ، فَإِنَّمَا هُوَ شَيْطَانٌ» (2)، معنى يقاتله أي يدافعه بقوة، المقاتلة: المدافعة بقوة، ليس المراد يقتله بالسيف، أو بشيء يقتله لا، المراد أنه يدافعه بقوة؛ لأنه من شياطين الإنس؛ ولهذا وجب أن
(1) أخرج البخاري، كتاب الصلاة، باب التطوع خلف المرأة، برقم 5513، ومسلم، كتاب الصلاة، باب الاعتراض بين يدي المصلي، برقم 512 «عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، وَذُكِرَ عِنْدَهَا مَا يَقْطَعُ الصَّلَاةَ الْكَلْبُ، وَالْحِمَارُ، وَالْمَرْأَةُ فَقَالَتْ عَائِشَةُ: قَدْ شَبَّهْتُمُونَا بِالْحَمِيرِ وَالْكِلَابِ، وَاللَّهِ لَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي وَإِنِّي عَلَى السَّرِيرِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ مُضْطَجِعَةً فَتَبْدُو لِي الْحَاجَةُ، فَأَكْرَهُ أَنْ أَجْلِسَ فَأُوذِيَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَنْسَلُّ مِنْ عِنْدِ رِجْلَيْهِ [وفي رواية لمسلم]: كُنْتُ أَنَامُ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَرِجْلَايَ فِي قِبْلَتِهِ، فَإِذَا سَجَدَ غَمَزَنِي فَقَبَضْتُ رِجْلَيَّ، فَإِذَا قَامَ بَسَطْتُهُمَا، قَالَتْ: وَالْبُيُوتُ يَوْمَئِذٍ لَيْسَ فِيهَا مَصَابِيحُ» .
(2)
رواه البخاري، برقم 509، ومسلم، برقم 505، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 113.
يدفع حتى لا يُشوِّش على المصلي صلاته، ولو كان رجلاً، أما إن كان المار امرأة يحصل التشويش والقطع أيضاً، وهكذا الحمار مطلقاً، والكلب الأسود خاصة؛ لأنه شيطان، والشيطان من كل جنس متمرد، فشيطان بني آدم المتمرد المؤذي الذي يؤذي الناس بما يضرهم، وشيطان الكلاب هو الأسود منها، وشيطان كل جنس ما فيه الأذى والضرر والتعدي.
وفي حديث ابن عباس الدلالة على أن المرور بين يدي المأمومين لا يضر، إنما هذا بين يدي الإمام أو المنفرد، أما لو مرّ بين الصفوف ما يضرهم؛ لأنهم تبع إمامهم، سترته سترة لهم، فلا يضر المرور بين يديهم، فلو مر بين يديهم حمار، أو كلب، أو امرأة لا يقطع صلاة المأمومين، اكتفاءً بسترة الإمام؛ ولهذا ترك الأتان ترتع، ولم ينكر ذلك عليه أحد؛ لأنها لا تقطع صلاتهم، وهكذا لو مرت امرأة بينهم، أو كلب لم يقطع صلاتهم، فالمأموم مربوط بإمامه، ولا يضره من مرّ بين يديه، ولكن ينبغي للمؤمن إذا كان له مندوحة (1) أن لا يشوش عليهم، إذا كانت مندوحة، أما إذا كان ما فيه مندوحة بأن رأى فرجة ليذهب إليها يسدها، أو ليس له طريق إلا المرور عليهم، فلا يضر، ولا بأس بذلك، ولا يضرّ صلاتهم.
(1) مندوحة: أي سَعَة، وفُسْحة، يقال: نَدَحْتُ الشيء إذا وسَّعْتَه، وإنك لفي نُدْحةٍ ومَنْدوحةٍ من كذا: أي سَعَةٍ. النهاية في غريب الحديث والأثر، 5/ 83، مادة (ندح).