الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وهو محل معروف، وإذا جاوزوه وأحرموا من قرن ما فيه بأس، فالأمر واسع، ومن جاوزه وهو ناوٍ الحج أو العمرة يلزمه الرجوع إليه إذا جاوزه تساهلاً أو جهلاً، يعود ويُحرِم من الميقات، فإذا أحرم من دونه، فلزمه (1) دم بترك الواجب، أو من نجد (2) فجاوز ولا أحرم إلا من أم السلم، أو من المزينة، أو المدني ما أحرم إلا من جدة يكون عليه دم، لأنه ترك الواجب، وهو الإحرام من الميقات.
وقد قال ابن عباس رضي الله عنهما: «من ترك نُسكاً، أو نسيه، فليرق دماً» (3)، فهذا جزاء، من باب الجزاء على تفريطه، وعلى إضاعته للواجب، فعليه هذا الجزاء، وهو كفارة وعقوبة.
38 - باب ما يلبس المُحرِم من الثياب
220 -
عن عبد اللَّه بن عمر رضي الله عنهما، «أَنَّ رَجُلاً قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ،
(1) هكذا في أصل كلام سماحة الشيخ، والمعنى: فيلزمه دم، أو يقال: لزمه.
(2)
هكذا في أصل كلام الشيخ، والمعنى: أو أتى عن طريق نجد فجاوز الميقات.
(3)
أخرج مالك في الموطأ، 3/ 616، موقوفاً عَلى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ:«مَنْ نَسِيَ مِنْ نُسُكِهِ شَيْئًا، أَوْ تَرَكَهُ فَلْيُهْرِقْ دَمًا» ، ومثله البيهقي في السنن الكبرى، 5/ 30، برقم 9191، وقال العلامة الألباني في إرواء الغليل، 4/ 299:«ضعيف مرفوعاً، وثبت موقوفاً، أخرجه مالك» ، وأشار الحافظ إلى هذا في التلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير، 2/ 502، فقال:«أَمًّا الْمَوْقُوفُ فَرَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأ، وَالشَّافِعِيُّ عَنْهُ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْهُ، بِلَفْظِ: «مَنْ نَسِيَ مِنْ نُسُكِهِ شَيْئًا أَوْ تَرَكَهُ فَلْيُهْرِقْ دَمًا» ، وَأَمَّا الْمَرْفُوعُ فَرَوَاهُ ابْنُ حَزْمٍ مِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ الْجَعْدِ عَنْ ابْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ أَيُّوبَ بِهِ، وَأَعَلَّهُ بِالرَّاوِي عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْجَعْدِ أَحْمَدَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ سَهْلٍ الْمَرْوَزِيِّ، فَقَالَ إنَّهُ مَجْهُولٌ، وَكَذَا الرَّاوِي عَنْهُ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ الْمَقْدِسِيِّ قَالَ هُمَا مَجْهُولَانِ».
مَا يَلْبَسُ الْمُحْرِمُ مِنَ الثِّيَابِ؟ قَالَ (1): «لا يَلْبَسُ الْقُمُصَ، وَلا الْعَمَائِمَ، وَلا السَّرَاوِيلاتِ، وَلا الْبَرَانِسَ، وَلا الْخِفَافَ، إلَاّ أَحَدٌ لا يَجِدُ نَعْلَيْنِ فَلْيَلْبَسِ الخُفَّيْنِ، وَلْيَقْطَعْهُمَا أَسْفَلَ مِنَ الْكَعْبَيْنِ، وَلا يَلْبَسْ مِنَ الثِّيَابِ شَيْئاً مَسَّهُ زَعْفَرَانٌ أَوْ وَرْسٌ» (2).
وللبخاري «وَلا تَنْتَقِبُ الْمُحرمة (3) وَلا تَلْبَسُ الْقُفَّازَيْنِ» (4).
221 -
عن عبد اللَّه بن عباس رضي الله عنهما قَالَ: «سَمِعْتُ النبي صلى الله عليه وسلم يَخْطُبُ بِعَرَفَاتٍ: «مَنْ لَمْ يَجِدْ نَعْلَيْنِ فَلْيَلْبَسِ الْخُفَّيْنِ، وَمَنْ لَمْ يَجِدْ
(1) في نسخة الزهيري: «قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم» ، وهي في البخاري، برقم 1542.
(2)
رواه البخاري، كتاب الحج، باب الإهلال عند مسجد ذي الحليفة، برقم 1542، ولفظه: عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما، أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا يَلْبَسُ المُحْرِمُ مِنَ الثِّيَابِ؟ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«لَا يَلْبَسُ القُمُصَ، وَلَا العَمَائِمَ، وَلَا السَّرَاوِيلَاتِ، وَلَا البَرَانِسَ، وَلَا الخِفَافَ إِلَّا أَحَدٌ لَا يَجِدُ نَعْلَيْنِ، فَلْيَلْبَسْ خُفَّيْنِ، وَلْيَقْطَعْهُمَا أَسْفَلَ مِنَ الكَعْبَيْنِ، وَلَا تَلْبَسُوا مِنَ الثِّيَابِ شَيْئًا مَسَّهُ الزَّعْفَرَانُ أَوْ وَرْسٌ» ، ومسلم، كتاب الحج، باب ما يُباح للمحرم بحج أو عمرة، وما لا يُباح، وبيان تحريم الطيب عليه، برقم 1177، ولفظه:«عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ رضي الله عنه، قَالَ: سُئِلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: مَا يَلْبَسُ الْمُحْرِمُ؟ قَالَ: «لَا يَلْبَسُ الْمُحْرِمُ الْقَمِيصَ، وَلَا الْعِمَامَةَ، وَلَا الْبُرْنُسَ، وَلَا السَّرَاوِيلَ، وَلَا ثَوْبًا مَسَّهُ وَرْسٌ وَلَا زَعْفَرَانٌ وَلَا الْخُفَّيْنِ، إِلَّا أَنْ لَا يَجِدَ نَعْلَيْنِ فَلْيَقْطَعْهُمَا، حَتَّى يَكُونَا أَسْفَلَ مِنَ الْكَعْبَيْنِ» .
(3)
في نسخة الزهيري: «المرأة» .
(4)
رواه البخاري، كتاب جزاء الصيد، باب ما يُنهى من الطيب للمحرم والمحرمة، برقم 1838، ولفظه:«ولا تنتقب المرأة المحرمة، ولا تلبس القفازين» .
إزَاراً فَلْيَلْبَسْ سَرَاوِيلَ» (1) يعني (2) لِلْمُحْرِمِ (3).
222 -
عن عبد اللَّه بن عمر رضي الله عنهما «أَنَّ تَلْبِيَةَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ لا شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ. إنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ وَالْمُلْكَ، لا شَرِيكَ لَكَ» (4).
قال: وكان عبد اللَّه بن عمر يزيد فيها: لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ، وَالْخَيْرُ بِيَدَيْكَ، لبيك (5)، وَالرَّغْبَاءُ إلَيْكَ وَالْعَمَلُ (6).
223 -
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم (7): «لا يَحِلُّ لامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ، أَنْ تُسَافِرَ مَسِيرَةَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ ليسَ
(1) رواه البخاري، كتاب جزاء الصيد، باب الخفين للمحرم، برقم 1841، ولفظه: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يخطب بعرفات: «من لم يجد النعلين فليلبس الخفين، ومن لم يجد إزاراً، فليلبس سراويل للمحرم» قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري، 4/ 57:«فيلبس سراويل للمحرم» أي هذا الحكم للمحرم لا للحلال»، وكتاب اللباس، باب السراويل، برقم 5804، ومسلم، كتاب الحج، باب ما يُباح للمحرم بحج أو عمرة، وما لا يُباح، وبيان تحريم الطيب عليه، برقم 1178.
(2)
«يعني» : ليست في نسخة الزهيري، وهي في صحيح مسلم، برقم 1178.
(3)
في رواية للبخاري: «للمحرم» ، برقم 1841، ولمسلم:«يعني المحرم» ، برقم 4 - (1178).
(4)
رواه البخاري، كتاب الحج، باب التلبية، برقم 1549، واللفظ له، ومسلم، كتاب الحج، باب التلبية وصفتها ووقتها، برقم 1184.
(5)
«لبيك» الثالثة: ليست في نسخة الزهيري، وهي في مسلم، برقم 1184.
(6)
هذه الزيادة لمسلم، كتاب الحج، باب التلبية وصفتها ووقتها، برقم 1184، وهو في موطأ مالك، 3/ 479، برقم 1192.
(7)
في نسخة الزهيري: «قال النبي صلى الله عليه وسلم» .
مَعَهَا (1) حُرْمَةٌ» (2).
وفي لفظ للبخاري «لا تُسَافِرُ يوماً، ولا ليلة (3)، إلَاّ مَعَ ذِي مَحْرَمٍ» (4).
59 -
قال الشارح رحمه الله:
هذه الأحاديث الأربعة تتعلق بما يلبس المحرم، وبالتلبية، وبالسفر للمرأة.
أما ما يلبسه المحرم، فقد أوضح النبي صلى الله عليه وسلم ما يُمنع منه المُحرم، وبذلك يعرف ما يلبسه؛ لأنه إذا عرف الممنوع، فما سواه فهو مباح اللباس؛ ولهذا لما كان اللباس الذي لا يُمنع لا ينحصر، بيَّن النبي صلى الله عليه وسلم الممنوع، وذكر في حديث ابن عمر قال:«لا يلبس القُمُص» ،
(1) في نسخة الزهيري: «إلا ومعها حرمة» ، والذي في البخاري، برقم 1088:«ليس معها حرمة» ، كما في المتن.
(2)
رواه البخاري، أبواب تقصير الصلاة، باب في كم يقصر الصلاة، برقم 1088، واللفظ له، ومسلم، كتاب الحج، باب سفر المرأة مع محرم إلى حج وغيره، برقم 421 - (1339)، ولفظه: عن أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ مُسْلِمَةٍ تُسَافِرُ مَسِيرَةَ لَيْلَةٍ إِلَّا وَمَعَهَا رَجُلٌ ذُو حُرْمَةٍ مِنْهَا» .
(3)
في نسخة الزهيري: «تسافر مسيرة يوم إلا مع ذي محرم» .
(4)
لم أقف على هذا اللفظ في صحيح البخاري، وهو في صحيح مسلم، كتاب الحج، باب سفر المرأة مع محرم إلى حج وغيره، برقم 20 - (1339)، ولفظه: عنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، تُسَافِرُ مَسِيرَةَ يَوْمٍ إِلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ» ، وفي مسلم، برقم 21 - (1239):«لا يحل لامرأة تؤمن باللَّه واليوم الآخر تسافر مسيرة يوم وليلة إلا مع ذي محرم عليها» .
والقمص: جمع قميص، وهو ما يُخاط على قدر البدن، ويُسمَّى الآن مدرعة، والجُبَّة، وله أسماء عند الناس، فما يُلبس ويُخاط على قدر البدن: هذا يُسمَّى مدرعة، وجبة، ويُسمّى الآن: المقطع، كما يسميه بعض الناس، فالحاصل أنه ممنوع لا يجوز للإنسان لبسه إذا كان ذكراً، وهكذا العمائم: ما يوضع على الرأس، يُمنع منه الذكر أيضاً، وهكذا السراويلات، يمنع منها الذكر، والبُرْنُس يمنع منه الذكر، والبرنس: قميص له رأس متصل به، يُورَّد من المغرب، والخفاف كذلك، كل هذا في حق الرجل، يُمنع الرجل من هذا كله: القميص، العمامة، السراويلات، البرانس، وهي الثياب التي لها رؤوس منها، وهكذا الخفاف.
أما المرأة، فلا حرج عليها أن تلبس القميص؛ لأنها عورة، تلبس القميص، والخمار، والسراويلات، وإذا كانت ملابس لها رؤوس للنساء كذلك، وهكذا الخفاف، والجوارب تلبسها في رجلها؛ لأنها عورة، لكن تُمنع من النقاب، والبرقع، كما في رواية البخاري:«ولا تنتقب المرأة، ولا تلبس القفازين» (1)، هذا يخصها: لا تنتقب.
والرجل مثلها: المحرم لا يغطي رأسه، ولا وجهه، لا بالنقاب، ولا بغير النقاب، ولا يلبس القفازين أيضاً؛ لأنهما مخيطان على قدر اليدين، فلا يلبسهما الرجل من باب أولى.
أما المرأة، فلا تلبسهما في حال الإحرام، أما في غير الإحرام
(1) البخاري، برقم 1838، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 220.
فلا بأس أن تلبس النقاب، والبرقع إذا كانت غير محرمة، ويُمنع الرجل والمرأة جميعاً من ثياب فيها زعفران (1)، أو ورس (2)، هذا للجميع، لا يُلبس شيء فيه زعفران، أو ورس، أو نوع آخر من الأطياب، لا يطيب الملابس التي يلبسها، المحرم لا يطيّب رداءه وإزاره، والمرأة كذلك لا تطيب ما تلبس كالمحرم؛ لا بزعفران، ولا بورس، ولا ببخور، ولا بوَرْد، ولا بغيره، قال عليه الصلاة والسلام:«فمَنْ لَمْ يَجِدْ نَعْلَيْنِ فَلْيَلْبَسِ الْخُفَّيْنِ، وَلْيَقْطَعْهُمَا أَسْفَلَ الْكَعْبَيْنِ» (3)، إذا كان المحرم الذكر لم يجد نعلين، جاز له لبس الخفين مع قطعهما حتى يكونا أسفل الكعبين، وكان هذا في أول الأمر، ثم نُسخ، وأُبيح لبسهما دون قطع؛ ولهذا في حديث ابن عباس: أن النبي خطب الناس في عرفات: «مَنْ لَمْ يَجِدْ إزَاراً فَلْيَلْبَسْ سَرَاوِيلَ، وَمَنْ لَمْ يَجِدْ نَعْلَيْنِ فَلْيَلْبَسِ الْخُفَّيْنِ» (4)،
ولم يقل: وليقطعهما، وذلك من تخفيف
(1) الزعفران: نبات بصلي معمر من الفصيلة السوسنية، منه أنواع برية، ونوع صبغي طبي مشهور. انظر: المعجم الوسيط، 1/ 394، وقال في المصباح المنير في غريب الشرح الكبير، 1/ 253: الزعفران: «معروف وزَعْفَرْتُ الثوب: صبغته بِالزَّعْفَرَانِ، فهو مُزَعْفَرٌ - بالفتح - اسم مفعول» .
(2)
الوَرْسُ: نَبْتٌ أصْفَرُ، يُصْبَغ به، وقد أوْرَس المكانُ فهو وَارِس
…
وقد تكرر ذكره في الحديث، والوَرْسِيَّة: المَصْبُوغة به. النهاية في غريب الحديث والأثر، 5/ 382.
(3)
البخاري، كتاب اللباس، باب العمائم، برقم 5806، ومسلم، كتاب الحج، باب ما يُباح للمحرم بحج أو عمرة، وما لا يُباح، وبيان تحريم الطيب عليه، برقم 1177. والشافعي في مسنده بلفظه، برقم 784.
(4)
رواه البخاري، برقم 5804، ومسلم، برقم 1178، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 221 ..
اللَّه ورحمته سبحانه وتعالى؛ لأن قطعهما قد يُفسدهما؛ ولأن الحاجة ماسة إليهما عند فقد النعلين، فأشبهت السراويل، كما أن السراويل لا تُشق، بل تلبس عند فقد الإزار، كذلك الخف، لا يقطع عند فقد النعلين، تلبس هكذا، هذا هو الصواب، وهو الأمر الأخير من النبي عليه الصلاة والسلام، وقال الجمهور: إنه يقطعهما، وأن هذا مقيد، والأكثرون على أن حديث ابن عباس مقيد بحديث ابن عمر وأنه لا بد من القطع، وهذا وجيه على القاعدة المعروفة، وهي حمل المطلق على المقيد، لكن يعترض على هذا: أن النبي خطب الناس بعرفات، وعرفات فيها الجمع الغفير الذين لم يحضروا خطبته في المدينة، فلو كان القطع أمراً لازماً لبيّنه لهؤلاء الأمم الذين لم يحضروا خطبته في المدينة، فلما سكت عن هذا دلّ على أنه منسوخ، وأن القطع ليس بلازم، بل كان أولاً ثم نُسخ.
وفي حديث ابن عمر الثالث دلالة على شرعية التلبية، فيُستحب للمؤمن المُحرم أن يلبي بتلبية النبي صلى الله عليه وسلم:«لبيك اللَّهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك» ، سواء كان بحج، أو بعمرة يُشرع له هذه التلبية.
أولاً يبدأ بقول: «لَبَّيْكَ عُمْرَةً أوْ لَبَّيْكَ حَجًّا» (1). إن كان عمرة قال:
(1) أخرج مسلم عن أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَهَلَّ بِهِمَا جَمِيعًا: «لَبَّيْكَ عُمْرَةً وَحَجًّا، لَبَّيْكَ عُمْرَةً وَحَجًّا» ، كتاب الحج، باب في الإفراد، والقران بالحج والعمرة، برقم 1132.
لبيك عمرة، أو قال: اللَّهم لبيك عمرة، وإن كان حجاً قال: اللَّهم لبيك حجاً، أو لبيك حجاً، ثم يلبي التلبية الشرعية:«لبيك اللَّهم لبيك، لبيك لا شريك لك، لبيك، إن الحمد، والنعمة لك والملك، لا شريك لك» ، هذه يُقال لها تلبية التوحيد، قال جابر: فأهل بالتوحيد (1)؛ لأن فيها إخلاص العبادة له وحده: لبيك لا شريك لك، المعنى: إني أُجيب دعوتك، وأستجيب لأمرك وحدك، لا شريك لك، معنى لبيك يعني: إجابة بعد إجابة، لبَّى فلان لفلان، يعني: أجابه، معنى لبيك: أنا أُجيب دعوتك يا رب في الحج والعمرة، كما أُجيب ذلك في الأوامر الأخرى، ثم بين أنه يُخلص له العبادة. قال:«لا شريك لك» ، وبين أن الحمد والنعمة للَّه وحده، والملك له سبحانه، وهو المحمود، وهو ذو الإنعام، وهو المالك لكل شيء سبحانه وتعالى، والمستحق أن يُلبي له الحجاج، ويقصدوه، ويعبدوه؛ لكونه المالك العظيم، المُنعم، المُحسن، المستحق للحمد، والثناء، وهو سبحانه المُستحق أن يُعبدَ في الصلاة، وفي الصوم، والحج، والجهاد وغير ذلك، وهذا هو معنى لا إله إلا اللَّه، فإن معناها: لا معبود بحق إلا اللَّه، وهو معنى {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} ، ومعنى:{وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ} (2).
(1) حديث جابر رضي الله عنه أخرجه مسلم، كتاب الحج، باب صفة حجة النبي صلى الله عليه وسلم، برقم 1218.
(2)
سورة الإسراء، الآية:23.
وهو المستحق أن يعبد جل وعلا [
…
] (1)(2).
والصحابة (3) يتعاونون في أمور الخير في الحروب، والجهاد، لا بأس بهذا، أما دعاء الأموات، والاستغاثة بالأموات، أو بالغائبين، أو بالجن، أو بالملائكة، أو بالأصنام، هذا هو الشرك الأكبر، أو بالحي في شيء لا يقدر عليه، كأن يقول: اشف مريضي، أدخلني الجنة، أنجني من النار، هذا ليس بقدرة المخلوق، هذا إلى اللَّه سبحانه وتعالى.
والحديث الرابع حديث أبي هريرة رضي الله عنه يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يَحِلُّ لامْرَأَةٍ تُسَافِرَ مَسِيرَةَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ إلَاّ وَمَعَهَا ذُو مَحْرَم» ، يعني لا للحج، ولا لغيره، هذا وجه إدخاله هنا، ليس لها أن تسافر للحج، ولا لغير الحج إلا بمحرم، شرط: لا يجوز لها أن تسافر بدون محرم، وإذا كان ما حصَّلت محرماً، فلا حج عليها، حتى تجد المحرم.
وفي زيادة ابن عمر في التلبية: «لبيك وسعديك، والرغباء إليك والعمل» ، هذا يدل على جواز الزيادة في التلبية من الكلام الصحيح، والكلام الطيب، لا بأس به، وجاء في بعض الروايات عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يلبي يقول:«لَبَّيْكَ إِلَهَ الْحَقِّ لَبَّيْكَ» (4)، لبيك ذا
(1) ما بين المعقوفين: سقط بعض الكلام.
(2)
آخر الوجه الأول من الشريط العاشر.
(3)
أول الوجه الثاني من الشريط العاشر.
(4)
أخرجه أحمد، 14/ 194، برقم 8497، وابن ماجه، كتاب المناسك، باب التلبية، برقم 2920، والنسائي، كتاب مناسك الحج، كيف التلبية، برقم 2752، والحاكم، 1/ 618، وصححه عن أبي هريرة رضي الله عنه، وصححه محققو المسند، 14/ 194، والألباني في صحيح ابن ماجه، برقم 2911.