الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
من النار، والسلامة من دخول النار، والصيام من أفضل الأعمال، ومن أفضل القرب، وهو جُنّة للعبد من النار إذا صامه ابتغاء وجه اللَّه، لا رياءً ولا سمعة، ولا لمقصود آخر، بل ابتغاء وجه اللَّه، فله هذا الأجر العظيم، قال بعضهم: معناه في سبيل اللَّه، أي في الجهاد، ولكن ليس بظاهر؛ لأن الجهاد مأمور فيه بالإفطار، المجاهد مأمور بالإفطار، لأنه أقوى له على الجهاد: جهاد الأعداء، إذا أفطر يكون أقوى له على جهاده، لكن المراد - واللَّه أعلم - أن الإنسان إذا صام يوماً في سبيل اللَّه، أي في طاعة اللَّه، وابتغاء مرضاته، لا رياءً، ولا سمعة، ولا لمقاصد أخرى، بل صامه ابتغاء وجه اللَّه، فهذا من أسباب دخول الجنة، وصوم التطوع فيه خير كثير، وفضل كبير، أما الواجب، فرمضان فقط، والكفارات كذلك فريضة، لكن إذا صام يوماً في سبيل اللَّه في طاعة اللَّه نفلاً، فله أجرٌ عظيم، وهو من أسباب السلامة من النار.
35 - باب ليلة القَدر
211 -
عن عبد اللَّه بن عمر رضي الله عنهما، «أَنَّ رِجَالاً مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أُرُوا لَيْلَةَ الْقَدْرِ فِي الْمَنَامِ، فِي السَّبْعِ الأَوَاخِرِ، فَقَالَ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: «أَرَى رُؤْيَاكُمْ قَدْ تَوَاطَأَتْ فِي السَّبْعِ الأَوَاخِرِ، فَمَنْ كَانَ مِنْكُم (1) مُتَحَرِّيهَا فَلْيَتَحَرَّهَا فِي السَّبْعِ الأَوَاخِرِ» (2).
(1)«منكم» : ليست في نسخة الزهيري.
(2)
رواه البخاري، كتاب فضل ليلة القدر، باب التماس ليلة القدر في السبع الأواخر، برقم 2015، ومسلم، كتاب الصيام، باب فضل ليلة القدر، والحث على طلبها، وبيان محلها، وأرجى أوقات طلبها، برقم 1165.
212 -
عن عائشة رضي الله عنها: أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: «تَحَرَّوْا لَيْلَةَ الْقَدْرِ فِي الْوِتْرِ مِنَ الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ» (1).
213 -
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، «أنَّ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، كَانَ يَعْتَكِفُ فِي الْعَشْرِ الأَوْسَطِ مِنْ رَمَضَانَ، فَاعْتَكَفَ عَاماً، حَتَّى إذَا كَانَتْ لَيْلَةُ إحْدَى وَعِشْرِينَ ــ وَهِيَ اللَّيْلَةُ الَّتِي يَخْرُجُ مِنْ صَبِيحَتِهَا مِنِ اعْتِكَافِهِ ــ قَالَ: «مَنِ اعْتَكَفَ مَعِي فَلْيَعْتَكِفِ في (2) الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ، فَقَدْ أُرِيتُ هَذِهِ اللَّيْلَةَ، ثُمَّ أُنْسِيتُهَا، وَقَدْ رَأَيْتُنِي أَسْجُدُ فِي مَاءٍ وَطِينٍ مِنْ صَبِيحَتِهَا، فَالْتَمِسُوهَا فِي الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ، وَالْتَمِسُوهَا فِي كُلِّ وِتْرٍ» ، قال (3): فَمَطَرَتِ السَّمَاءُ تِلْكَ اللَّيْلَة. وَكَانَ الْمَسْجِدُ عَلَى عَرِيشٍ، فَوَكَفَ الْمَسْجِدُ. فَأَبْصَرَتْ عَيْنَايَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى (4) جَبْهَتِهِ أَثَرُ الْمَاءِ وَالطِّينِ مِنْ صُبْحِ إحْدَى وَعِشْرِينَ» (5).
(1) رواه البخاري، كتاب فضل ليلة القدر، باب تحري ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر، واللفظ له، برقم 2017، ومسلم، كتاب الصيام، باب فضل ليلة القدر، والحث على طلبها، وبيان محلها، وأرجى أوقات طلبها، برقم 1169.
(2)
«في» : ليست في نسخة الزهيري، ولا في البخاري، برقم 2027.
(3)
«قال» : ليست في نسخة الزهيري.
(4)
في نسخة الزهيري: «وعلى جبهته» هو لفظ البخاري، برقم 2027.
(5)
رواه البخاري، كتاب الاعتكاف، باب الاعتكاف في العشر الأواخر، والاعتكاف في المساجد كلها، واللفظ له، برقم 2027، ومسلم، كتاب الصيام، باب فضل ليلة القدر، والحث على طلبها، وبيان محلها، وأرجى أوقات طلبها، برقم 1167.
56 -
قال الشارح رحمه الله:
هذه الأحاديث الثلاثة كلها تدل على إثبات حصول ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان، وقد دل القرآن على أن ليلة القدر حق، وأنها واقعة، وأن اللَّه أنزل فيها القرآن الكريم كما قال عز وجل:{إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ * تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ * سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ} (1).
هذه ليلة عظيمة، أنزل اللَّه فيها القرآن في شهر عظيم، وهو رمضان، كما قال تعالى:{شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ} (2) ، دلّ على أنها في رمضان.
هذا الكتاب اجتمعت له أنواع الشرف، فهو أعظم كتاب، وأشرف كتاب، وأنزل على أشرف نبي، وعلى أفضل نبي، وهو محمد عليه الصلاة والسلام، وأنزل في أفضل ليلة، وفي أفضل شهر، وهي ليلة القدر من شهر رمضان، وفي أفضل مكان، وهو مكة المكرمة، فاجتمعت له أنواع الشرف المكاني والزماني، وكونه على أشرف الأنبياء، وأفضلهم وخاتمهم عليه الصلاة والسلام، وبيّن سبحانه في آية أخرى أنها مباركة، قال
(1) سورة القدر، الآيات: 1 - 5.
(2)
سورة البقرة، الآية:185.
سبحانه: {حم * وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ * إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ * فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ} (1) ، وهي ليلة القدر [
…
] (2)، ويفرق فيها كل أمر حكيم، وهو ما يكون في السنة، تقدر فيها حوادث السنة تفصيلاً من القدر السابق، وهذا من آيات اللَّه وحكمته سبحانه وتعالى، كما أن كل جنين يكتب في حقه، وهو في رحم أمه، يكتب له جميع ما يحصل له من الحوادث المستقبلة: أعماله، وأقواله، وشقاوته، وسعادته، وسروره، وهو تفصيل أيضاً من القدر السابق.
وفي حديث ابن عمر أن الصحابة تواطأت رؤياهم في السبع الأواخر، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:«أَرَى رُؤْيَاكُمْ قَدْ تَوَاطَأَتْ فِي السَّبْعِ الأَوَاخِرِ، فَمَنْ كَانَ مُتَحَرِّيهَا فَلْيَتَحَرَّهَا فِي السَّبْعِ الأَوَاخِرِ» (3)، يعني هي آكد من غيرها، وقد تقع في الأولى والثانية والثالثة، لكن في السبع الأواخر آكد فيها من غيرها.
وفي حديث عائشة وأبي سعيد الدَّلالة على أنها تقع في العشر الأخيرة من رمضان، ولكنها في الأوتار آكد: إحدى وعشرين، ثلاث وعشرين، خمس وعشرين، سبع وعشرين، تسع وعشرين، هذه الأوتار آكد من غيرها، وقد تقع في غير الأوتار كما في الحديث
(1) سورة الدخان، الآيات: 1 - 4.
(2)
ما بين المعقوفين كلمة غير واضحة في التسجيل، ولعلها:«وهي ليلة مباركة» .
(3)
رواه البخاري، برقم 2015، ومسلم، برقم 1165، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 211.
الآخر: «في تَاسِعَةٍ تَبْقَى، فِي سَابِعَةٍ تَبْقَى، فِي خَامِسَةٍ تَبْقَى، أَوْ ثَالِثَةٍ تَبْقَى إلى أن قال: فِي آخِرِ لَيْلَةً» (1)، فالمشروع للمؤمنين والمؤمنات تحريها في العشر كلها، وأن تُعمر هذه الليالي بالطاعة والعبادة والدعاء والضراعة إلى اللَّه سبحانه وتعالى؛ لفضل هذه العشر، ولأجل موافقة هذه الليلة المباركة.
وقد ذهب جمهور الأمة إلى أنها مختصة بالعشر، وصحت بذلك الأحاديث عن رسول اللَّه عليه الصلاة والسلام: أنها في العشر الأواخر من رمضان، وشذ بعض أهل العلم، فقال: إنها في السنة كلها، وقال بعضهم: إنها في النصف الأخير: يعني تكون في الخمس الأخيرة من العشر الوسط، وهذا كله ضعيف، والصواب أنها في العشر الأخيرة من رمضان، كما صح في ذلك الأخبار المستفاضة عن رسول اللَّه عليه الصلاة والسلام بأنها في العشر الأخيرة من رمضان، كما أن الصحيح أن أوتارها آكد، وأن ليلة سبع وعشرين آكد من غيرها (2)،
وفي هذا
(1) البخاري إلى قوله صلى الله عليه وسلم: «خامسة تبقى» ، كتاب فضل ليلة القدر، باب تحري ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر، برقم 2021، وباقي الرواية في مسند البزار، 9/ 130، برقم 3681، شعب الإيمان للبيهقي، 3/ 328، ومسند الطيالسي، ص 118.
(2)
أخرج البخاري، كتاب فضل ليلة القدر، باب تحري ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر، برقم 2018، عن أبي سعيد رضي الله عنه، قال النبي صلى الله عليه وسلم:«كُنْتُ أُجَاوِرُ هَذِهِ العَشْرَ، ثُمَّ قَدْ بَدَا لِي أَنْ أُجَاوِرَ هَذِهِ العَشْرَ الأَوَاخِرَ، فَمَنْ كَانَ اعْتَكَفَ مَعِي فَلْيَثْبُتْ فِي مُعْتَكَفِهِ، وَقَدْ أُرِيتُ هَذِهِ اللَّيْلَةَ، ثُمَّ أُنْسِيتُهَا، فَابْتَغُوهَا فِي العَشْرِ الأَوَاخِرِ، وَابْتَغُوهَا فِي كُلِّ وِتْرٍ، وَقَدْ رَأَيْتُنِي أَسْجُدُ فِي مَاءٍ وَطِينٍ» ، وروى مسلم في كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب الترغيب في قيام رمضان وهو التراويح، برقم 762: عن أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ رضي الله عنه، يَقُولُ: وَقِيلَ لَهُ إِنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ، يَقُولُ:«مَنْ قَامَ السَّنَةَ أَصَابَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ» ، فَقَالَ أُبَيٌّ:«وَاللهِ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ، إِنَّهَا لَفِي رَمَضَانَ، يَحْلِفُ مَا يَسْتَثْنِي، وَوَاللَّهِ إِنِّي لَأَعْلَمُ أَيُّ لَيْلَةٍ هِيَ، هِيَ اللَّيْلَةُ الَّتِي أَمَرَنَا بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِقِيَامِهَا، هِيَ لَيْلَةُ صَبِيحَةِ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ، وفي رواية: «وَاللَّهِ إِنِّي لَأَعْلَمُهَا، وَأَكْثَرُ عِلْمِي هِيَ اللَّيْلَةُ الَّتِي أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِقِيَامِهَا هِيَ لَيْلَةُ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ» .
الحديث عن أبي سعيد الدلالة على أنها وقعت في ليلة إحدى وعشرين، وأنه ذكر أنها ليلة إحدى وعشرين فقد أصبح من صبيحتها يسجد على ماء وطين، فمطرت السماء في تلك الليلة، فرأوا على وجهه صلى الله عليه وسلم آثار الماء والطين، وقد قالت عائشة رضي الله عنها: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ إنْ أَدْرَكتُ لَيْلَةَ الْقَدْرِ، مَا أَقُولُ فِيهَا؟ قَالَ:«قُولِي: اللهُمَّ إِنَّكَ عَفُوٌّ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي» (1) ، فالسنة الدعاء فيها بالدعوات الطيبة، والاجتهاد فيها بأنواع الخير من الصدقات، وقيام الليل، والإكثار من ذكر اللَّه، وقراءة القرآن، والدعوات الجامعة، هذا الذي ينبغي في هذه الليالي وأيامها: الحرص على أنواع الخير، والاجتهاد في أنواع الخير من صلاة، وقراءة، وذكر، ودعاء، وصدقة، وسائر أنواع الإحسان؛ لأن الصدقة فيها، والذكر فيها، والصلاة فيها مضاعفة، قال تعالى:{لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ} (2)،
قال العلماء: معنى ذلك أن العمل فيها، والاجتهاد فيها أفضل من العمل في ألف شهر مما سواها، هذا فضل عظيم، ألف شهر: ثلاث وثمانون سنة، وأربعة أشهر، فهو عمر كامل، عمر إنسان كامل، فمن أدرك هذه
(1) مسند أحمد، 43/ 277، برقم 26215، والترمذي، كتاب الدعوات، باب منه، برقم 3513، وابن ماجه، كتاب الدعاء، باب الدعاء بالعفو والعافية، برقم 3850، وصححه محققو المسند، 43/ 26215، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه، برقم 3840.
(2)
سورة القدر، الآية: 3 ..