المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌62- باب: الإمام يصلي من قعود - شرح سنن أبي داود للعيني - جـ ٣

[بدر الدين العيني]

فهرس الكتاب

- ‌40- بَاب: فِي المؤذن يَنْتظرُ الإِمَامَ

- ‌41- بَاب: في التَّثوِيْب

- ‌42- بابٌ: في الصَّلاة تقامُ ولمْ يأت الإمَامُ يَنْتظرُونه قُعُوداً

- ‌43- بَاب: التشْدِيد في ترك الجماعة

- ‌44- بَاب: في فضل صلاة الجماعة

- ‌45- بَاب: فَضل المشي إلى الصّلاة

- ‌ 46- بَابُ: الهَدْئ في المَشْي إلَى الصَّلاةِ

- ‌47- بَاب: فيمَنْ خَرج يُريدُ الصّلاة فسُبِق بها

- ‌48- بَاب: في خروج النساء إلى المَسجد

- ‌49- بَابُ: السعْي إلى الصّلاة

- ‌50- بَابُ: الجمع في المَسْجد مرتين

- ‌51- بَاب: فيمَن صَلى في مَنْزله ثم أدرك الجماعةَ يُصَلِي معَهُمْ

- ‌52- بَاب: إذا صَلّى ثم أدرَكَ جَماعةً يُعيدُ

- ‌53- بَابُ: جِمَاع الإمامة وفَضْلِها

- ‌54- بَابُ: كراهية التَّدافُع على الإمامة

- ‌55- بَابُ: مَن أحق بالإمامة

- ‌56- بَابُ: إمامة النِّساءِ

- ‌57- بَاب: في الرجل يَؤمُّ القومَ وَهُمْ لهُ كَارِهُونَ

- ‌59- بَابُ: إمامة الزائر

- ‌60- بَابُ: الإِمَام يَقُوم مكانا أَرْفعَ مِن مكان القَوْم

- ‌62- باب: الإمام يصلي من قعود

- ‌63- بَابُ الرَّجُلَيْن يَؤمُّ أحدُهما صاحبه كَيْفَ يقومانِ

- ‌64- بَابٌ: إذا كانوا ثلاثة كيف يقومون

- ‌65- بَابُ: الإمام ينحرف بعد التسليم

- ‌66- بَابُ: الإِمَام يتطوعُ في مكَانه

- ‌67- بَابُ: الإمام يُحْدثُ بَعْدَ ما يَرْفعُ رأسَه

- ‌68- بَابُ: ما يؤمر به المأموم من اتباع الإمام

- ‌69- بَابُ: التَشْديد فيمَنْ يَرْفعُ قبل الإِمام أو يضع قبله

- ‌70- بَابٌ: فيمَنْ يَنصرفُ قبل الإمام

- ‌72- بَابُ: الرجل يَعْقدُ الثوب في قفاه ثم يصلي

- ‌ 73- بَابٌ: في الرَّجُل يُصَلي في ثَوْب بَعْضُه عَلى غَيْره [

- ‌74- بَابُ: الرَّجل يُصَلي في قميصٍ واحد

- ‌75- بَاب: إذا كان ثوبا ضيقا

- ‌76- بَابُ: مَنْ قالَ: يتّزرُ به إذا كَان ضيقا

- ‌77- بَابُ: الإِسْبَال فِي الصَّلاة

- ‌78- بَاب: فِي كم تُصلِي المرأة

- ‌79- بَابُ المرأةِ تُصَلّي بغَيْر خِمَار

- ‌81- بَابُ الصَلاة في شُعُرِ النسَاء

- ‌82- بَابُ: الرّجُل يُصَلي عَاقصاً شَعْرَه

- ‌83- بَاب: فِي الصَّلاة في النعْلِ

- ‌84- بَاب: المُصَلِّي إذا خَلع نَعْليْه أينَ يضعهما

- ‌85- بَاب: الصلاة عَلَى الخُمْرة

- ‌86- بَابُ: الصلاة على الحصير

- ‌87- بَابُ: الرجل يَسْجُد على ثَوْبه

- ‌88- بَابُ: تفْريع أبْواب الصُّفُوفِ

- ‌89- تَسْويةُ الصُّفوف

- ‌90- بَابُ: الصفُوف بيْن السواري

- ‌91- بَابُ: مَنْ يستحب أن يَلِي الإِمامَ في الصف وكراهية التَّأخُّرِ

- ‌92- بَابُ: مقام الصِّبْيان مِن الصَّفِّ

- ‌94- بَابُ: مَقام الإِمَام مِنَ الصَّفّ

- ‌95- بَابُ: الرَّجُل يُصَلِّي وَحْدهَ خَلفَ الصَّفِّ

- ‌96- بَابُ: الرَّجُل يَركعُ دونَ الصَّف

- ‌97- بَابُ: مَا يَسْتُر المُصلي

- ‌98- بَابُ: الخَطَّ إذا لم يَجِدْ عَصى

- ‌99- باب: الصّلاةِ إلَى الرَّاحلةِ

- ‌100- باب: إذا صلى إلى سارية أو نحوها أين يجعلها منه

- ‌101- باب: الصَّلاةِ إلى المتحدثين والنِّيام

- ‌102- باب: الدنو من الستْرة

- ‌103- باب: مَا يُؤمر المُصلي أَنْ يَدْرأ عن الممر بينَ يديه

- ‌104- باب: مَا يُنهى عنه منَ المُرور ِبين يَدَي المُصلي

- ‌105- باب: مَا يَقْطعُ الصّلاةَ

- ‌106- باب: سترة الإِمَام سترة لِمَنْ خَلفَه

- ‌107- باب: مَنْ قال: المرأةُ لا تَقْطعُ الصَّلاةَ

- ‌108- باب: مَنْ قال: الحمارُ لا يقطعُ الصلاةَ

- ‌109- باب: من قال: الكلبُ لا يَقْطعُ الصلاة

- ‌110- باب: مَنْ قال: لا يقطعُ الصّلاةَ شيءٌ

- ‌111- باب: في رَفع اليدين

- ‌112- باب: افتتاح الصلاة

- ‌113- باب: مَن لم يذكر الرفع عند الركوع

- ‌114- باب: وضع اليمنى على اليسرى في الصلاة

- ‌115- باب: ما يستفتح به الصلاة من الدعاء

- ‌116- باب: من رأى الاستفتاح بـ " سبحانك

- ‌117- باب: السكتة عند الاستفتاح

- ‌118- باب: من لم ير الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم

- ‌119- باب: من جهر بها

- ‌120- باب: تخفيف الصلاة

- ‌ 121- باب: تخفيف الصلاة للأمر يحدث

- ‌ 122- باب: القراءة في الظهر [

- ‌123- باب: تخفيف الأخريين

- ‌124- باب: قدر القراءة في صلاة الظهر والعصر

- ‌125- باب: قدر القراءة في المغرب

- ‌126- باب: من رأى التخفيف فيها

- ‌127- باب: القراءة في الفجر

- ‌128- باب: الرجل يعيد سورة واحدة في الركعتين

- ‌129- باب: من ترك القراءة في صلاته

الفصل: ‌62- باب: الإمام يصلي من قعود

عبد الله يقول: إن معاذاً كان يُصلِّي مع النبي- عليه السلام ثم يرجعُ فيؤمُ قومَه (1) . ش- الحديث: أخرجه البخاري، ومسلم، والنسائي، ولفظ مسلم:" إن معاذا كان يُصلي مع رسول الله عشاء الآخرة ثم يرجع إلى قومه فيصلي بهم تلك الصلاة ". ولفظ البخاري: " فيُصلي بهم الصلاة المكتوبة ".

* * *

‌62- باب: الإمام يصلي من قعود

أي: هذا باب في بيان حكم الإمام يصلي قاعدا، وفي بعض النسخ:" باب إذا صلى الإمام قاعدا وفي بعضها: " إذا صلى من قعود ".

582-

ص- نا القعنبي، عن مالك، عن ابن شهاب، عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ركب فرسا، فصُرع عنه فجُحشَ شقُّهُ الأيمنُ، فصلى صلاةً من الصلواتِ وهو قاعد وصلينا وراءه قعوداً، فلما انصرف قال:"إنما جُعل الإمامُ ليؤتمَّ به، فإذا صلّى قائما فصلوا قياما، وإذا ركعَ فاركعوا، وإذا رفع فارْفعوا، وإذا قال: سمع الله لمن حمده فقولوا: ربنا ولك الحمدُ، وإذا صلى جالسا فصلوا جلوسا أجمعون "(2) .

(1) البخاري: كتاب الأذان، باب: إذا طول الإمام وكان للرجل حاجة فخرج فصلى (701)، مسلم: كتاب الصلاة، باب: القراءة في العشاء

(178 / 465)، النسائي: كتاب الافتتاح، باب: القراءة في العشاء الآخرة

بـ " سبح اسم ربك الأعلى "(2 / 172) .

(2)

البخاري: كتاب الأذان، باب: إنما جعل الإمام ليؤتم به (687)، مسلم: كتاب الصلاة، باب: ائتمام المأموم بالإمام (482)، الترمذي: كتاب الصلاة باب: ما جاء إذا صلى الإمام قاعدا فصلوا قعوداَ (361)، النسائي: كتاب الإمامة، باب: الإمام المأموم الإمام (2 / 82) ، وكتاب التطبيق، باب: ما=

ص: 108

ش- " صرع عنه " أي: سقط؛ وكذا في رواية البخاري.

قوله: " فجُحش "- بضم الجيم وكسر الحاء المهملة وبالشين المعجمة- من الجحش وهو مثل الخَدْش، وقيل: فوقه. وقال الخطابي (1) : معناه: أنه قد انسحج جلْده، وقد يكون ما أصاب رسول الله من ذلك السقوط مع الخدش رض في الأعضاء وتوجع، فلذلك منعه القيام للصلاة.

قوله: "وهو قاعد " جملة اسميّة وقعت حالاً من الضمير الذي في " فصلّى ".

قوله: " قعودا " حال أي: قاعدين، وهو جمع قاعد، كالسجود جمع ساجدٍ.

قوله: " إنما جعل الإمام ليؤتم به " تمسّك به أبو حنيفة ومالك فقالا: يأتم به في الأفعال والنيات. وعند الشافعي وغيره: يأتم به في الأفعال " الظاهرة "

قوله: " قياما " حال أيضاً- أي: قائمين، وهو جمع قائم، كالصيام جمع صائم.

قوله: " وإذا رفع " أي: رأسه، فارفعوا رءوسكم.

قوله: " وإذا قال: سمع الله لمنْ حمده " ما وهذا مجاز عن الإجابة، والإجابة مجاز عن الدعاء، فصار هذا مجاز المجاز، والهاء فيه للسكتة والاستراحة، لا للكتابة حتى لا يجوز فيه إلا الوقف.

قوله: " ربنا ولك الحمد " انتصاب " ربنا " على أنه منادى، وحرف النداء محذوف، فهذه الواو زائدة، وقيل: عاطفة تقديره: ربنا حمدناك ولك الحمد. وبه استدل أبو حنيفة على أن وظيفة الإمام: التسميع،

= يقول المأموم (2 / 195)، ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، باب:

ما جاء في إنما جعل الإمام ليؤتم به (1238) .

(1)

معالم الحق (1 / 149) .

ص: 109

ووظيفة المقتدي: التحميد، لأنه- عليه السلام قسَم، والقسمة تنافي الشركة، وهو قول مالك، وأحمد في رواية، وعند أبي يوسف ومحمد: يأتي الإمام بهما، وهو قول الشافعي، وأحمد في رواية، والحديث حجة عليهم. وأما المؤتم: فلا يقول إلا " ربنا لك الحمد " ليس إلا عندنا. وقال الشافعي ومالك: يجمع بينهما، وسنَسْتوفي الكلام في هذا الباب عند انتهائنا إلى بابه إن شاء الله تعالى.

قوله: " جلوسا " حال- أيضاً- أي: جالسين، وهو جمع جالس. قوله:" أجمعون " تأكيد للضمير المرفوع الذي في قوله: " فصَلوا ". والحديث أخرجه باقي الأئمة الستة، واستدلوا به الإمام أحمد، وإسحاق ابن راهويه، وابن حزم، والأوزاعي، ونفى من أهل الحديث: أن الإمام إذا صلى قاعدا يصليْ خلفه قعوداً. وقال مالك، لا تجوز صلاة القادر على القيام خلف القاعد لا قائما ولا قاعداً. وقال أبو حنيفة، والشافعي، [1/ 5، 2 - أ] والثوري /، وأبو ثور، وجمهور السلف: لا يجوز للقادر على القيام أن يُصلي خْلف القاعد إلا قائما. وقال المرغيناني: النفل والفرض سواء. والجواب عن الحديث من وجوه، الأول أنه منسوخ، وناسخه:صلاة النبي- عليه السلام بالناس في مرض موته قاعداً وهم قيام، وأبو بكر قائم يُعلمهم بأفْعال صلاته، بناء على أن النبي- عليه السلام كان الإمامَ، وأن أبا بكر كان مأموما في تلك الصلاة.

فإن قيل: كيف وجه هذا النَسْخ، وقد وقع في ذلك خلاف، وذلك

أن هذا الحديث الناسخ وهو حديث عائشة فيه أنه كان عليه السلام إماما وأبو بكر مأموم، وقد ورد فيه العكس كما أخرجه الترمذي والنَسائي عن نُعيم بن أبي هند، عن أبي وائل، عن مَسْروق، عن عائشة قالت:" صلى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي توفي فيه خلف أبي بكر قاعدا ". وقال الترمذي: حديث حسن صحيح، وأخرج النسائي- أيضاً-، عن حُميد، عن أنسٍ قال: آخر صلاة صلاها رسول الله مع القوم صلى في

ص: 110

ثوب واحد متوشحا خلف أبي بكر؟ قلت: مثل هذا ما يُعارضُ مَا وقع في " الصحيح " مع أن العلماء جمعوا بيْنهما، فقال البيهقي في " المعرفة ": ولا تعارض بين الخبَريْن، فإن الصلاة التي كان فيها النبي- عليه السلام إماما هي صلاة الظهر يوم السَّبْت أو الأحد، والتي كان فيها مأموما هي صلاة الصبح من يوم الاثنين، وهي آخر صلاة صلاها- عليه السلام حتى خرج من الدنيا. قال: وهذا لا يُخالفُ ما ثبت عن الزهري عن أنس في صلاتهم يوم الاثنين، وكشفه- عليه السلام الستر ثم إرخائه، فإن ذلك إنما كان في الركعة الأولى، ثم إنه- عليه السلام وجد في نفسه خفةً، فخرج فأدرك معه الركعة الثانية. وقال القاضي عياض: نسخْ إمامة القاعد محتملة بقوله- عليه السلام: " لا يؤمن اْحد بَعْدي جالسا " وبفعل الخلفاء بعده، وأنه لم يؤم اْحد منهم قاعدا، وإن كان النسخ لا يمكن بعد النبي- عليه السلام فمثابرتهم على ذلك تشهد بصحة نهيه- عليه السلام عن إمامة القاعد بعده.

قلت: هذا الحديث أخرجه الدارقطني، ثم البيهقي في ما سننهما، عن جابر الجُعفي، عن الشعبي، وقال الدارقطني: لم يَرْوه عن الشعبي غير جابر الجُعْفي، وهو متروك، والحديث مُرْسل لا تقوم به حجة. وقال عبد الحق في " أحكامه ": ورواه عن الجُعْفي: مجالد، وهو- أيضاً- ضعيف.

الثاني: أنه كان مخصوصا بالنبي- عليه السلام. وفيه نظر، لأن الأصل عدم التخصيص حتى يدلّ علي دليل- كما عرف في الأصول. الثالث: يُحمل قوله: " فإذا صلى جالسا فصلّوا جلوسا " على أنه إذا كان الإمام في حالة الجلوس فاجْلسوا ولا تخالفوه بالقيام، وكذلك " إذا صلى قائما فصّلوا قياما " أي: إذا كان في حالة القيام فقوموا ولا تخالفوه بالقعود، وكذلك في قوله:" فإذا ركع فاركعوا وإذا سجد فاسجدوا ". ولقائل أن يقول: لا يَقْوى الاحتجاج على أحمد بحديث عائشة المذكور أنه- عليه السلام صلى جالسا والناس خلفه قيام، بل ولا يصلح لأنه

ص: 111

يجوز صلاة القائم خلف من شرع في صلاته قائما ثم قعد لعُذر، ويجعلون هذا منه سيّما وقد ورد في بعض طرق الحديث أن النبي- عليه السلام أخذ في القراءة من حيث انتهى إليه أبو بكر، رواه الدارقطني في

" سننه " وأحمد في " مسنده "

فإن قيل: قال ابن القطان في كتابه " الوهم والإيهام ": وهي رواية

مُرْسلة، فإنها ليست من رواية ابن عباس عن النبي- عليه السلام،

وإنما رواها ابن عباس، عن أبيه: العباس، عن النبي- عليه السلام،

كذلك رواه البزار في " مسنده " بسند فيه قيس بن الربيع، وهو ضعيف،

ثم ذكر له مثالب في دينه قال: وكان ابن عباس كثيرا ما يُرْسل. قلت:

رواه ابن ماجه من غير طريق قيس، فقال: حدَّثنا علي بن محمد: ثنا

وكيع، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن الأرقم بن شرحبيل، عن

ابن عباس قال: لما مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكره إلى أن قال: قال ابن

عباس: وأخذ رسول الله في القراءة من حيث كان بلغ أبو بكر- رضي [1/ 5،2 - ب] الله عنه- /.

وقال الخطابي (1) : وذكر أبو داود هذا الحديث من رواية جابر،

وأبي هريرة، وعائشة، ولم يذكر صلاة رسول الله- عليه السلام آخر

ما صلاها بالناس وهو قاعد والناس خلفه قيام وهذا آخر الأمرين من

فعله- عليه السلام. ومن عادة أبي داود فيما أنشأه من أبواب هذا الكتاب: أن يذكر الحديث في بابه ويذكر الذي يُعارضُه في باب آخر على

إثْره، ولم أجده في شيء من النُّسَخ، فلستُ ادْري كيف أغفلَ ذكر هذه

القصّة وهي من أمهات السنن؟ وإليه ذهب كثر الفقهاء.

قلت: إما تركها سَهْواً وغفلةً، أو كان رأيه في هذا الحكم مثل ما

ذهب إليه الإمام أحمدُ، فلذلك لم يذكر ما يَنْقضه، والله أعلم.

583-

ص- نا عثمان بن أبي شيبة: نا جرير ووكيع، عن الأعمش، عن

(1) معالم الحق (1 / 148) .

ص: 112

أبي سفيان، عن جابر قال: ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم فرسا بالمدينة فصرَعه على جذْم نخلة فانفكّت قدمُه، فأتيناه نَعُوده فوجدناه في مَشْرُبَة لعائشةَ يُسبح جالسا، قًال: فقمنا خَلفه فسكت عنّا، ثم أتَيْناه مرةً أخرى نعُوده فصلى المكتوبة جالسا فقمنا خلفه، فأشار إلينا فقعدنا قال: فلما قضى الصلاةَ قال: " إذا صلى الإمامُ جالسا فصلوا جلوسا، " إذا صلى الإمام قائما فصَلوا قياما، ولا تفعلوا كما يفعلُ أهلُ فارسٍ بُعظمائها " (1) .

ش- جرير: ابن عبد الحميد.

وأبو سفيان: اسمه: طلحة بن نافع القرشي مولاهم الواسطي ويقال: المكي. روى عن: عبد الله بن عباس، وابن عُمر، وجابر بن عبد الله، وأنس بن مالك، والحسن البصري، وعُبيد بن عُمير. روى عنه: الأعمش، وأبو خالد الدالاني، وحجاج بن أرطاة، وغيرهم. قال أحمد بن حنبل: ليس به بأس. وقال ابن عدي: لا بأس به. روى له: الجماعة إلا البخاريّ (2) .

وجابر: ابن عبد الله.

قوله: "على جِذم نخلة "- بكسر الجيم وسكون الذال المعجمة- أي: أصل نخلةٍ، وجذْم كل شيء: أصله.

قوله: " في مَشْرُبة "- بفتح الميم، وسكون الشين المعجمة، وفتح الراء وضمها- وهي الغرفة، وقيل: كالجرانة فيها الطعام والشراب، وبه سفيت مشربةً، والميم فيها زائدة.

قوله: " يُسبّح جالسا " أي: يصلي بصلاة الضحى حال كونه جالساً قوله: " بُعظماها " العُظماء: جمع عظيم، كالكرماء جمع كريم

(1) ابن ماجه: كتاب الطب، باب: موضع الحجامة (3485) مختصراً

(2)

انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (13 / 2983) .

8.

شرح سنن أبي داوود 3

ص: 113

فإن قيل: كيف سكت النبي- عليه السلام في الحالة الأولى، وأشار إليهم بالقعود في الحالة الثانية؟ قلت: لأن الحالة الأولى كان النبي عليه السلام فيها متطوعا، والتطوعات يحتمل فيها ما لا يحتمل في الفرائض "، بخلاف الحالة الثانية فإنه كان فيها مفترضا، وقد صرح بذلك. والحديث: أخرجه ابن حبان في " صحيحه " ثم قال: وفي هذا الخبر دليل على أن ما في حديث حميد، عن أنس أنه صلى بهم قاعدا وهم قيام أنه إنما كانت تلك الصلاة سبحة، فلما حضرت الفريضة أمرهم بالجلوس فجلسوا، فكان أمر فريضة لا فضيلة.

584-

ص- نا سليمان بن حرب، ومسلم بن إبراهيم- المعنى- عن وهيب، عن مُصْعب بن محمد، عن أبي صالح، عن أبي هريرة قال: قال النبي- عليه السلام: " إنما جعل الإمام ليؤتم به، فإذا كبر فكبروا، ولا تكبروا حتى يكبر، وإذا ركع فاركعوا ولا تركعوا حتى يركع، وإذا قال: سمع الله لمن حمده فقولوا: اللهم ربنا لك الحمد "- قال مسلم: " ولك الحمد "- " وإذا سجد فاسجدوا ولا تسجدوا حتى يَسْجد، وإذا صلى قائما فصلوا قياما، وإذا صلى قاعدا فصلوا قعودا أجمعون (1) "(2) . ش- وُهَيْب: ابن خالد البصري.

ومصعب بن محمد: ابن شرحبيل بن محمد بن عبد الرحمن بن شرحبيل بن أبي عزيز القرشي العَبْدري، من بني عبد الدار بن قصي. روى عن: أبي صالح، ونافع بن مالك. روى عنه: محمد بن عجلان، والثوري، ووُهَيب، وابن عيينة. قال أحمد: لا أعلم إلا

(1) في الأصل: " أجمعين "، وقد ذكرها في شرحه " أجمعون "، وفي كلامه ما يشعر بأنها سبق قلم، والله أعلم.

(2)

تفرد به أبو داود.

ص: 114

خيرا. وقال ابن معين: ثقة. وقال أبو حاتم: يكتب حديثه ولا يحتج

به. روى له: أبو داود، وابن ماجه (1) .

وأبو صالح: ذكوان الزيات.

قوله: " فكبروا " وبه استدل أبو حنيفة على أن المقتدي يكبر مقارنا لتكبير

الإمام، لا يتقدم الإمام ولا يتأخر عنه، لأن الفاء للحال. وقال

أبو يوسف، ومحمد: الأفضل: أن يكبر بعد فراغ " الإمام من التكبير / لأن [1/ 6، 2 - أ] ، الفاء للتعقيب، وإن كبر مقارنا مع الإمام أجزأه عند محمد روايةً واحدةً،

وقد أساء، وكذلك في أصح الروايتين عن أبي يوسف. وفي روايةٍ: لا

يصير شارعا ثم ينبغي أن يكون اقترانهما في التكبير على قوله كاقتران حركة

الخاتم والإصبع، والبعدية على قولهما أن يُوصل ألف " الله " براء

" أكبر ". وقال شيخ الإسلام جواهر زاده: قول أبي حنيفة أدقُّ وأجودُ،

وقولهما أرفقُ وأحوطُ، ثم قيل: الخلاف في الجواز والفتوى أنه في الأفضلية. وقول الشافعي كقولهما، وعند الماورديّ: إن شرع في تكبيرة

الإحرام قبل فراغ الإمام منها، دم تنعقد صلاته، ويركع بعد شروع الإمام

في الركوع، فإن قارنه أو سابقه فقد أساء ولا تبطل صلاته، فإن سلم

قبل إمامه بطلت صلاته، إلا أن ينوي المفارقة ففيه خلاف مشهور.

قوله: " وإذا ركع فاركعوا " الفاء فيه وفي قوله: " فاسجدوا " تدل

على التعقيب، وتدل على أن المقتدي لا يجوز له أن يسبق الإمام بالركوع والسجود، حتى إذا سبق الإمام فيهما ولم يلحقه الإمام فسدت صلاته.

قوله: " قال مسلم " أي: مسلم بن إبراهيم القصاب أحد شيوخ

أبي داود.

قوله: " أجمعون " تأكيد للضمير الذي في " فصلوا "، وفي بعض

النسخ،" أجمعين "، فإن كان صحيحا فوجهه أن يكون تأكيداً لقوله:

" قعودا ".

(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال له (28/ 5989) .

ص: 115

ص- قال أبو داود: اللهم ربنا لك الحمد. أفهمني بعض أصحابنا عن سليمان.

ش- أي: بدون حرف الواو. وسليمان: هو ابن حرب، اْحد شيوخ أبي داود.

585-

ص- نا محمد بن اَدم: نا أبو خالد، عن ابن عجلان، عن زبد ابن أسلم، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، عن النبي- عليه السلام قال:" إنما جُعِل الإمامُ ليؤتم به " بهذا الخبر، زادَ:" وإذا قرأ فأنصتوا "(1) . ش- محمد بن آدم: ابن سليمان المصيصي.

وأبو خالد هذا: هو سليمان بن حيان أبو خالد الأحمر الجعفري الكوفي الأزدي، ولد بجرجان. سمع: يحيى الأنصاري، وسليمان التيمي، والأعمش، ومحمد بن عجلان، وغيرهم. روى عنه: أحمد ابن حنبل، وأبو بكر وعثمان ابنا أبي شيبة، وغيرهم. قال ابن معين: ليس به بأس، وقال- أيضاً-: ثقة. وقال أبو حاتم: صدوق. توفي سنة سبعين ومائة. روى له الجماعة (2) .

وزيْد بن أسلم: مولى عمر بن الخطاب.

قوله: " بهذا الخبر" أي: الخبر المذكور المرويّ من طريق مُصعب، عن أبي صالح، وزاد أبو خالد في هذا الطريق المروي من " طريق " زيد بن أسلم عن أبي صالح:" وإذا قرأ " أي: الإمام " فأنْصِتوا ". وبهذا استدل أصحابنا أن المقتدي لا يقرأ خلْف الإمام أصلاً، وهو حجة على الشافعي، حيث يُوجب القراءة على المقتدي في جميع الصلوات، وعلى مالك في الظهر والعصر

(1) النسائي: كتاب الافتتاح، باب: تأويل قوله عَر وجَل: {وإذا قرىْ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون} (2 / 141)، ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: إذا قرأ الإمام فأنصتوا (846) .

(2)

انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (11 / 2504) .

ص: 116

وقال صاحب " الهداية ": يستحسن على سبيل الاحتياط، فيما يروى

عن محمد، ويكره عندهما لما فيه من الوعيد.

قلت: المراد منه في غير الجهرية. وفي الجهرية اختلف المشايخ قال

بعضهم: لا يكره، وإليه مال الشيخ الإمام أبو حفص، والأصح: أنه

يكره، وقال شمس الأئمة السرخسي: تفسد صلاته. وقوله:، " لما فيه

من الوعيد " وهو ما رواه أبو بكر (1) : حدثنا محمد بن سليمان الأصبهاني، عن عبد الرحمن بن الأصبهاني، عن ابن أبي ليلى، عن

عليّ قال: من قرأ خلف الإمام فقد أخطأ الفطرة.

وحدَّثنا وكيع، عن داود بن قيس، عن أبي نجاد، عن سَعْدٍ قال:

وددتُ أن الذي يَقرأ خلف الإمام في فيه جمرة.

وحدثنا هشيم قال: أنا إسماعيل بن أبي خالد، عن وَبْرة، عن

الأسود بن يزيد أنه قال: وددت أن الذي يقرأ خلف الإمام مُلِئَ فُوه ترابا. وسَنَسْتوفي الكلام عند انتهائنا إلى باب " من ترك القراءة في صلاته " إن

شاء الله تعالى. والحديث: رواه النسائي، وابن ماجه، وابن أبي شيبة

في " مصنفه ".

ص- وهذه الزيادة: " إذا قرأ فأنصتوا " ليْست بمحفوظة، الوهمُ من

أبى خالد عندنا.

ش- " هذه ": مبتدأ، و " الزيادة ": مبتدأ ثان، وخبره:" ليْست بمحفوظة "، والجملة خبر المبتدأ الأول.

وقوله: " إذا قرأ فأنصتوا " في محل البيان عن الزيادة.

وقوله: " الوهمُ " مبتدأ، وخبره: قوله: " من أبي خالد "، وفي

غالب / النسخ: " الوهم عندنا من أبي خالد "(2) ، وكذا قال البيهقي [1 / 206 - ب]

(1) انظره والآثار التي بعده في المصنف (1 / 376- وما بعدها) .

(2)

كما في سنن أبي داود.

ص: 117

في " المعرفة " بعد أن روى حديث أبي هريرة وأبي موسى وقد أجمع الحُفاظ على خطإ هذه اللفظة في الحديث: أبو داود، وأبو حاتم، وابن معين، والحاكم، والدارقطني وقالوا: إنها ليست بمحفوظة، وقال الدارقطني: وقد رواه أصحاب قتادة الحُفّاظ عنه، منهم: هشام الدستوائي، وسعيد، وشعبة، وهمام، وأبو عوانة، وأبان، وعَدي بن أبي عمارة، ولم يَقل أحد منهم:" وإذا قراْ فأنصتوا "، قال: وإجماعهم يدل على وهمه، وعن أبي حاتم: ليست هذه الكلمة محفوظة، إنما هي من تخاليط ابن عجلان، وعن ابن معين في حديث ابن عجلان:" وإذا قرأ فأنصتوا ": ليس بشيء.

قلت: في هذا كله نظر، لأن أبا خالد هذا من الثقات الذين احتج البخاري ومسلم بحديثهم في " صحيحيهما "، ومع هذا فلم ينفرد بهذه الزيادة، فقد أخرج النسائي هذا الحديث في " سننه " بهذه الزيادة من طريق محمد بن سَعد الأنصاريّ، ومن طريق أبي خالد الأحمر ومحمد ابن سَعْد: ثقة، وَثقه يحيى بن مَعين، ومحمد بن عبد الله المخرمي والنسائي، فقد تابع ابنُ سَعْد هذا أبا خالد، وتابعه- أيضا إسماعيلُ ابن أبان، وبهذا ظهر أن الوهم ليس من أبي خالد كما زعم أبو داود، وابن خزيمة صحح حديث ابن عجلان، ويؤكد هذا: ما يُوجد في بعض نسخ مسلم هذه الزيادة عقيب هذا الحديث. وقال أبو إسحاق صاحب مُسلم: قال أبو بكر ابن أخت أبي النضر في هذا الحديث: أي طعن فيه؟ فقال مسلم: تريد احفظ من سليمان؟ " فقال له أبو بكر: فحديث أبي هريرة تقول هذا صحيح؟ يعني: " وإذا قرأ فأنصتوا لا فقال: هو عندي صحيح، فقال: لمَ لمْ تضعه هاهنا؟ قال: ليْس كل شيء عندي صحيح وضعته هاهنا، إَنما وضعت هاهنا ما أجمعوا عليه. فقد صحح مسلم هذه الزيادة من حديث أبي موسى الأشعري، ومن حديث أبي هريرة- رضي الله عنهما. وأيضا هذه الزيادة من ثقة، وزيادة الثقة مقبولة، والعجب من أبي داود نسَب الوهم إلى أبي خالد وهو ثقة بلا شك، ولم يَنْسب إلى ابن عجلان وفيه كلام.

ص: 118

586-

ص- نا القعنبي، عن مالك، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة زوج النبي- عليه السلام أنها قالت: صلّى رسول الله [صلى الله] عليه وسلم في بَيْته وهو جالس فصلى وراءه قوم قياما، فأشار إليهم أن اجلسوا، فلما انصرف قال:" إنما جُعل الإمام ليؤتم به، فإذا ركع فاركعوا، وإذا رفع فارفعوا، وإذا صَلى جالسا فصَلّوا جلوسا "(1) .

ش- " أن اجلسوا " أن تفسيريّة كما في قوله تعالى: {فَأوْحَيْنَا إِلَيْهِ أنِ اصْنَع الفُلكَ} (2) . وجواب هذا الحديث: ما مر في حديث أنس وجابر- رضي الله عنهم. والحديث: أخرجه البخاري، ومسلم. 587- ص- نا قتيبة بن سعيد، ويزيد بن خالد بن موهب المعنى أن الليث حدثهم عن أبي الزبير، عن جابر قال: اشتكى النبي- عليه السلام فصلينا وراءه وهو قاعد وأبو بكر يُكبر يُسْمع (3) الناس تكبيره، ثم ساق الحديث (4) .

ش- الليث: ابن سَعْد، وأبو الزُّبير: محمد بن مسلم بن تدرس المكي الأسدي.

قوله: ما اشتكى النبي- عليه السلام لما أي: مَرِضَ، من الشكْو وهو المَرضُ، تقول منه: شكى يشكو واشتكى شكايةً وشكاوة وشكوَى

(1) البخاري: كتاب الأذان، باب: إنما جعل الإمام ليؤتم به (688)، مسلم: كتاب الصلاة، باب: الإمام المأموم بالإمام (82 / 412) .

(2)

سورة المؤمنون: (27)، وفي الأصل:" وأوحينا ".

(3)

في سنن أبي داود: " ليسمع ".

(4)

النسائي: كتاب السهو، باب: الرخصة في الالتفات في الصلاة يمينا وشمالا، (3/ 8)، ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: ما جاء في إنما جعل الإمام ليؤتم به (1240) .

ص: 119

وشكوى. قال أبو علي: والتنوين رَديء جدا. وقال ابن دريد: الشكوُ

مصدر شكوتُه.

قوله: " ثم ساق الحديث " وتمامُه في " صحيح مسلم ": " فالتفتَ إلينا

صلى الله عليه وسلم فرآنا قياما، فأشار إلينا فقعدنا، فصلينا بصلاته قعودا، فلما سلم

قال: " إن كدتم آنفا تفعلون فعل فارسَ والروم " يقومون على ملوكهم

وهم قعود فلا تفعلوا، ائتموا بأئمتكم، إن صَلّوا قياما فصلوا قياما، وإن

صلوا قعوداً فصلّوا قعودا ". وأخرجه النسائي، وابن ماجه.

588 -

ص- نا عَبْدة بن عبد الله: نا زيد- يعني: ابن الحُباب، عن

محمد بن صالح: حدَثني حُصَين من ولد سَعْد بن معاذ، عن أسَيْد بن

[1/ 207 - أ]، حُضَير / أنه كان يَؤُمهِم قال: فجاء رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يَعُوده فقال (1) : يا رسولَ الله، إن إمامنا مريض فقال:" إذا صلى قاعداً فصلوا قعُودا "(2) .

ش- عَبْدَة بن عبد الله: ابن عبْدة الصفار الخزاعي أبو سهل البصري،

أصله كوفي. روى عن: معاوية بن هشام، ومحمد بن بشر العبْدي،

وعبد الصمد بن عبد الوارث، وغيرهم. روى عنه: البخاريّ،

وأبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه، وغيرهم. قال أبو حاتم:

صدوق. مات سنة ثمان وخمسة ومائتين بالأهْواز (3) .

وزيد: ابن الحُباب بن الريان الكوفي.

ومحمد بن صالح: ابن دينار التمار المدني، أبو عبد الله، رأى ابن

المسيّب. وروى عن: ابن شهاب، وعمر بن عبد العزيز، وحميد بن

نافع، وغير. روى عنه: عبد الله بن نافع الصائغ، وأبو عامر العقدي، والقعنبي، وغيرهم. قال أبو حاتم: شيخ ليس بالقوي ولا

يعجبني حديثه. وقال أحمد: ثقة ثقة. روى له: أبو داود، والترمذي،

وابن ماجه (4) .

(1) في سنن أبي داود: " فقالوا ".

(2)

تفرد به أبو داود.

(3)

انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (18 / 3616) .

(4)

المصدر السابق (25 / 5293) .

ص: 120

وحُصَيْن: ابن عبد الرحمن بن [عمرو بن] سَعْد بن معاذ بن النعمان الأنصاري الأشهلي المدني. روى عن: محمود بن عَمرو، وعبد الرحمن ابن ثابت، ومحمود (1) بن لبيد. روى عنه: محمد بن إسحاق، وعتبة بن جُبيرة المدني. وقال ابن سَعْد: ويكنى أبا محمد، وكان قليل الحديث. توفي سنة ست وعشرين ومائة (2) .

وهذا الحديث وأمثاله كما قلنا منسوخ، لأن آخر ما صلى عليه السلام صلى قاعداً والناس خلفه قيام، وإنما يؤخذ بالآخر فالآخر من فعله عليه السلام، قاله الحُميدي. وابن حبان لم يَر بالنسخ، فإنه قال بعد أن روى حديث عائشة المذكور: وفي هذا الخبر بيان واضح أن الإمام إذا صلى قاعداً كان على المأمومين أن يصلوا قعوداً، وأفتى به من الصحابة: جابر ابن عبد الله، وأبو هريرة، وأسيد بن حُضير، وقيْس بن قَهْد، ولم يُرْو عن غيرهم من الصحابة خلاف هذا بإسْناد متصل ولا منقطع فكان إجماعا، والإجماعُ عندنا إجماع الصحابة، وقد أفتى به من التابعين: جابرُ بن زيد، ولم يُرْو عن غيره من التابعين خلافه بإسناد صحيح ولا وَاه، فكان إجماعا من التابعين- أيضاً وأولُ من أبطل ذلك في الأمة: المُغًيرة بن مقسم، وأخذ عنه: حماد بن أبي سليمان، ثم أخذه عن حماد: أبو حنيفة، ثم عنه: أصحابه، وأعلى حديث احتجوا به: حديث رواه جابر الجُعْفي، عن الشعبي قال عليه السلام:" لا يؤمن أحد بعدي جالسا "؛ وهذا لو صح إسناده لكان مُرْسلاً، والمُرسل عندنا وما لم يُرْو سيان، لأنا لو قبلنا إرسال تابعي وإن كان ثقةً للزمنا قبول مثله عن أتباع التابعين، وإذا قبلنا لزِمَنا قبوله من أتباع أتْباع (3) التابعين، ويؤدي ذلك إلى أن نقبل من كل أحد إذا قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي هذا نقض الشريعة. والعجب أن أبا حنيفة يَجْرحُ جابرا الجُعفي ويكذبه، ثم لما اضطره الأمرُ جعل يحتج بحديثه، وذلك كما أخبرنا به الحُسن بن

(1)

في الأصل:" محمد " خطأ.

(2)

المصدر السابق (6 / 1357)

(3)

كتب فوقها:" صح "

ص: 121

عبد الله بن يزيد القطان بالرقة: ثنا أحمد بن أبي الحوراء: سمعت

أبا يحيى الحُماني: سمعت أبا حنيفة يقولُ: ما رأيْتُ فيمن لقيتُ أفضل

من عطاء، ولا لقيتُ فيمن لقيت كذبَ من جابر الجُعْفي، ما أتيته بشيءٍ

من رأى قط إلا جاءني فيه بحديثٍ.

قلتُ: أما إنكاره النسخ: فليس له وَجْه، وقد ذكرنا وجهه مستوفى.

وأما قوله: " أفتى به من الصحابة، جابر وغيره "، فقد قال الشافعي:

إنهم لم يبلغهم النسخ، وعِلمُ الخاصة يُوجد عند بَعْضٍ ويَغرب عن بعْضٍ.

انتهى، وكذا مَنْ أفتى به من التابعين لم يبلغه خبر النسخ، وأفتى بظاهر

الحديث المنسوخ، وأما قوله: " والإجماع عندنا إجماع الصحابة، فغير

مُسلم، لأن الأدلة غير فارقة بين أهل عصرٍ، بل هي تتناول لأهل كل

عصرٍ كتناولها لأفل عصر الصحابة، إذ لو كانت خطابا للموجودين وقت

النزول فقط يلزم أن لا ينعقد إجماع الصحابة بعد مَوْت من كان موجودا

وقت النزول، لأنه ح (1) لا يكون إجماعهم إجماع جميع المخاطبين وقت

النزول، ويلزم أن لا يعتد بخلاف من أسْلم، أو ولد من الصحابة بعد

[1/ 207 - ب] النزول، لكونهم خارجين عن الخطاب، / وقد اتفقتم معنا على إجماع هؤلاء فلا يختص بالمخاطبين، والخطاب لا يختص بالموجودين كالخطاب

بسائر التكاليف. وهذا الذي قاله ابن حبان هو مذهب داود وأتباعه.

وأما قوله: " والمرسل عندنا وما لم يُرْو سيان، إلى آخره فغير مُسلم

- أيضا لأن إرسال العدل من الأئمة تعديل له، إذ لو كان غير عدل

لوجب علي التنبيه على جرْحه، والإخبار عن حاله، فالسكوت بعد

الرواية عنه يكون تلبيسا أو تحميلاً للناس على العمل بما ليس بحجة،

والعدل لا يتهم بمثل ذلك، فيكون إرساله توثيقا له، لأنه يحتمل أنه كان

مشهورا عنده فروي عنه بناء على ظاهر حاله، وفوض تعريف حاله إلى

السامع حيث ذكر اسمه، وقد استدل بعض أصحابنا لقبول المرسل باتفاق

-------------------

(1)

أي: " حينئذ ".

ص: 122