الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ليلة، ومعناه: فكأنما قام نصف ليلة أو ليلةٍ لم يُصل فيها العتمة والصبح في جماعة، إذ لو صلى ذلك في جماعة لحصل له فضلها وفضل القيام زائد عليه، وهذا نحو قوله تعالى:(لَيْلَةُ القَدْر خَيْر مِّنْ ألف شَهْرٍ)(1) يعني: من ألف شهر لا تكون فيه ليلة القدرَ. وفيه اختصَاص بعض الصلوات من الفضل بما لا تختمر غيْرها.
* * *
45- بَاب: فَضل المشي إلى الصّلاة
أي: هذا باب في بيان فضل المشي إلى الصلاة، وفي بعض النسخ:"باب ما جاء في فضل المشي إلى الصلاة "(2) .
538-
ص- نا مسدّد: نا يحيى، عن ابن أبي ذئب، عن عبد الرحمن ابن مهران، عن عبد الرحمن بن سَعْد، عن أبي هريرة، عن النبي- عليه السلام قال:"الأبعدُ فالأبعدُ من المسجدِ أعظمُ أجراً"(3) .
ش- يحيي: القطان، وابن أبي ذئب: محمد بن عبد الرحمن المدني. وعبد الرحمن بن مهران: مولى بني هاشم. روى عن: عبد الرحمن ابن سَعْد، عن أبي هريرة. روى عنه: ابن أبى ذئب. روى له: أبو داود، وابن ماجه (4) .
وعبد الرحمن بن سَعْد: مولى آل {أبى} سفيان. روى عن: ابن عُمر، وأبي سعيد الخدري، وأبي هريرة. روى عنه: عمرو بن حمزة ابن عبد الله بن عمر، وعبد الرحمن بن مهران، وابن أبي ذئب، وكلثوم ابن عمار. روى له: مسلم، وأبو داود (ْ) .
ــ
(1)
سورة القدر: (3) . (2) كما في سنن أبي داود.
(3)
ابن ماجه: كتاب المساجد والجماعات، باب: الأبعد فالأبعد من المسجد أعظم أجرا (782) .
(4)
انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (17 / 1 397) .
(5)
المصدر السابق (17 / 3830) .
3.
شرح سنن أبي داود 3
قوله: " الأبعد " مبتدأ، و" فالأبعد " عطف عليه، وخبره: قوله: "أعظم أجراً"، و"أجرا" نصب على التمييز. وإنما كان الأبعد من المسجد أعظم أجرأ، لأنه عند توجهه إليه يحتاج إلى خطوات كثيرة، وقد رُوِيَ:" في كل خطوة: رفع درجة، وحط خطيئة "(1) . والحديث: أخرجه ابن ماجه.
539-
ص- نا عبد الله بن محمد النفيلي: نا زُهير: نا سليمان التيمي أن أبا عثمان حدثه، عن أيِّ بنِ كعب قال: كان رجل لا أعلمُ أحداً من الناسِ ممن يُصلي القبلةَ من أهلِ المَدينة أبًعدَ مَنزلاً من ذلك الرجلِ (2)، وكان لا تُخطئُهُ صَلاة في المسجد فقلَت: ولو (3) اشتريتَ حمارا تركبُهُ في الرَّمْضَاء والظلمة؟ فقالَ: ما أحب أن منزلي إلى جنبَ المسجدِ، فنمَى الحديثَُ إلى رسوَل الله فسألَهُ عن قولِه (4)، فقال: أردت" يا رسولَ الله أن يكْتَبَ لي إقبالي إلي المسجد ورُجُوعِي إلى أَهْلِي إذا رَجعتُ فقال: " أعطًاكَ اللهُ ذَلك كُله، أنطاك اللهُ ما احتسبتَ كُله أَجْمعَ" (5) .
ش- زهير: ابن معاوية بن حُديج، وسليمان: ابن طرفان، أبو المعتمر التيمي.
وأبو عثمان هذا: هو عبد الرحمن بن مَل- بفتح الميم وكسرها- بن عمرو بن عدي، أبو عثمان النهْدي الكوفي، سكن البصرة، وأسلم على عهد النبي- عليه السلام ولم يلقه، وصدق إليه. وسمع: عمر ابن الخطاب، وعلي بن أبي طالب، وأبي بن كعب، وغيرهم. روى
ــ
(1)
يأتي بعد حديثين.
(2)
في سنن أبي داود: " أبعدَ منزلا من المسجد من ذلك الرجل".
(3)
كذا، وفي سنن أبي داود:" لو".
(4)
في سنن أبي داود: " قوله ذلك".
(5)
مسلم: كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب: فضل كثرة الخطى إلى المساجد (663) ابن ماجه: كتاب المساجد والجماعات، باب: الأبعد فالأبعد من المسجد أعظم أجرا (783) .
عنه: أيوب السختياني، وسليمان التيمي، وحميد الطويل، وقتادة، وغيرهم. وقال أبو زرعة: بصري ثقة. وقال أبو حاتم: كان ثقة وكان عريف قومه. مات سنة / خمس وتسعين، وله نحو من مائة وثلاثين [11 / 190 - ب] سنةً. روى له الجماعة (1) .
قوله: "كان رجل""كان" تامة بمعنى: وُجد.
قوله:"أبعد منزلا""أبعد " منصوب على أنه صفة لقوله: "لا أعلم أحداً " و "منزلاً " منصوب على التمييز.
قوله: في "الرمضاء"" الرمضاء": الرمْل الحارة، من الرمض، وهو شده وقع الشمس على الرمْل وغيره، والأرض رمضاء، وقد رمض يومُنا - بالكسْر- يرمَض رمضاً: اشتد حرة، ورمضَتْ قدمُه من الرمضَاء أي: احترقت، ومنه اشتقاق الرمضان.
قوله: "ما أحب أن منزلي إلى جنب المسجد " المعنى: ما الحب أن يكون منزلي قريبا من المسجد، بل أحب أن يكون بعيدا منه، ليكثر ثوابي بكثرة خُطاي إليه.
فإن قلت: "إلى " هاهنا ما معناه؟ قلت: الظاهرُ: انه بمعنى:
"عنْد" أيْ: عند جَنْب المسجد كما في قول الشاعر:
أم لا سبيل إلى الشبَاب وذكرهُ
…
أشْهى إليكَ من الرحيق السلْسلِ
ويجوز أن يكون بمعنى انتهاء الغاية المكانية، والمعنى: ما أُحب انتهاء منزلي إلى المسْجد.
قوله: " فنمى الحديثُ إلى رسول الله لما أي: بلغ الخبر إلى رسول الله، يقال: نَميْتُ الحديث أنْميه: إذا بلغته على وجه الإصلاح وطلب الخير، فإذا بلغته على وجه الإفساد والنميمة، قلت: نميته- بالتشديد.
قلتُ: نمى مخففا لازم ومتعد كما رأيته لازماً في الحديث، ومتعديا في
ــ
(1)
انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (17 / 3968) .
قولك: نميْتُ الحديثَ، ويجوز أن يكون لا نمى " في الحديث- أيضاً متعدياً ويكون "أبي " فاعله، ويكون "الحديث " منصوبا على المفعولية. قوله: " فسأله عن ذلك " أي: سأل رسول الله- عليه السلام ذلك الرجل عن مقالته.
قوله: "أَنْطاك " أي: أعطاك، وهي لغة أهل اليمن في "أعطى " وقرئ:"إِنَّا أنطينَاكَ الكَوثَرَ ".
قوله: "ما احتسبتَ" من الاحْتساب، والاحتساب من الحسَب كالاعتداد من العد، وهو الطلب لوجه الله تعالى وثوابه، وإنما قيل لمن يَنْوي بعمله وجه الله احتسَبه، لأن له حينئذ أن يعتد عمله، فجعل في حال مباشرة الفعل كأنه مُعْتدّ به، والاحتساب في الأعمال الصالحات، وعند المكروهات هو البدارُ إلى طلب الأجْر، وتحصيله بالتسليم والصَبْر، أو باستعمال أنواع البر، والقيام بها على الوجه المرسوم فيها، طلبا للثواب المرجو منها.
قوله: " كله أجمع" كلاهما من ألفاظ التأكيد، وقد عرفت أن التأكيد على نوعين: لفظي ومعنوي، فاللفظي تأكيد اللفظ الأول، كما تقول: جاءني زيد زيد، والمعنوي بألفاظ محفوظة، وهي: النفس، والعين، وكلا، وكل، وأجمع، وأكتع، وأبتع، وأبضع، ولا يؤكد بكل وأجمع إلا ذو أجزاء حسا أو حكما، نحو: جاءني القوم كلهم أجمعون، واشتريتُ العبد كله أجمع. والحديث: أخرجه مسلم، وابن ماجه بمعناه. 540- ص- نا أبو توبة: نا الهيثم بن حُميد، عن يحي بن الحارث، عن القاسم أبي عبد الرحمن، عن أبي ثمامة أن رسول الله قال:"مَنْ خرجَ من بَيْته مُتطهراً إلى صلاة مكتُوبة فأجْرُه كأجْرِ الحاج المُحْرِم، ومَنْ خرج إلى تسَبَيح الضُّحَى لا يُنصِبُه ألا أيام، فأجرُهُ كأجر المعتمر، وصلاة على اثر صلاةٍ لا لَغْوَ بينهما كتاب في عِليين"(1) .ً
ــ
(1)
تفرد به أبو داود.
ش- أبو توبة: الربيع بن نافع الحلبي، والهيثم بن حميد: الدمشقي. ويحيي بن الحارث: الذماري، أبو عمرو الغساني المقرئ، قارئ أهل الشام، إمام جامع دمشق، أدرك واثلة بن الأسقع وقرأ عليه وعلى عبد الله بن عامر المقرئ. وروى عن: أبي الأزهر المغيرة بن فروة، والقاسم أبي عبد الرحمن، وأبي الأشعث الصنعاني. روى عنه: يحيى ابن حمزة وإسماعيل بن عياش، والهيثم بن حميد، وغيرهم. قال ابن معين: كان ثقة. وقال أبو حاتم: كان ثقة عالما بالقراءة في دهره بدمشق. مات وهو ابن تسعين سنةً سنة خمس وأربعين ومائة. روى له: أبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه (1) .
والقاسم بن عبد الرحمن أبو عبد الرحمن الشامي الدمشقي الأموي
مولى خالد بن يزيد بن معاوية. وقال الطبراني: مولى معاوية بن
أبي سفيان. روى عن: علي بن أبي طالب، وعقبة بن عامر، وأبي هريرة،
وسلمان الفارسي، وابن مسعود. / وسمع: أبا أسامة الباهلي. روى [1/91- أ] عنه: العلاء بن الحارث، وثابت بن عجلان، ويحيى بن الحارث، وغيرهم. وقال الترمذي: هو ثقة. وقال أبو حاتم: حديث الثقات عنه: مستقيم، وإنما ينكر عنه الضعفاء. توفي سنة ثنتي عشرة ومائة. روى له: أبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه (2) .
وأبو ثمامة: الباهلي.
قوله: " متطهراً " حال من الضمير الذي في " خرج ".
وقوله: " إلى صلاة " متعلق بقوله: " خرج ".
قوله: " فأجرُه " خبر لقوله: " مَنْ " ودخل الفاء فيه لِيُضَمنَ المبتدأ معنى
الشرط.
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (31 /6803) .
(2)
المصدر السابق (23 / 4800) .
قوله: " إلى تَسْبيح الضحى، أي: صلاة الضحى، ويطلق التسبيح على الصلاة النافلة لوجود معنى النفل في كل منهما.
قوله: " لا ينصِبه إلا إياه " يعني: لا يُزعجه ولا يُتْعبُه إلا ذلك ، وأصله من النَصَب، وهو مُعاناة المشقة، يُقال: أنْصبني هذا الأمرُ، وهو أمر مُنْصِب، ويُقال: أمر ناصب أي: ذو نَصَبٍ، وقوله: لا إياها وقع موقع الضمير المرفوع، والمعنَى: إلا هُو.
قوله: " وصلاة على إثر صلاة " أي: صلاة عقيب صلاة، والأثر- بفتح الهمزة والثاء، وبكسر الَهمزة وسكون الثاء- كلاهما بمعنى. وارتفاع " صلاة " على أنه مبتدأ، ولا يقال: إنه نكرة، لأنها تخصصت بقوله:" على إثر صلاةٍ " وخبره: قوله: " كتاب في عليين ".
قوله: " لا لغو بينهما " أي: بين الصلاتين، واللَّغْوُ: الباطلُ، من لغة الإنسانُ يَلغو، ولغا يلغي ولغي يلغا إذا تكلّم بالمُطرح من القول وما لا يَعْني، ويجوز أن تكون " لا " لنفي الجنس، ويكون " لغوَ " مبنيا على الفتح، نحو: لا رجلَ في الدار، ويجوز أن تكون بمعنى " ليس "، ويكون " لغو " مرفوعا على أنه اسم " ليس " وخبره: قوله: " بينهما". فإن قلت: ما موقع هذه الجملة؟ قلت: وقعت في المعنى صفة كاشفة للصلاة، لأن الصلاة التي تكتب في عليين موصوفة بشيئين، الأول: أن تكون مكتنفة بصلاة أخرى، والثاني: أن لا يكون بينهما لغو وأباطيل من الكذب والغيبة والنميمة ونحو ذلك.
قوله: " كتاب في عليين " أي: مكتوب فيها كالحساب بمعنى المحسوب، قال الله تعالى:" كلا إن كتَابَ الأبْرَارِ (1) لَفِي علَيينَ * وما أدراك ما عليون * كتاب مرقوم "(2) وعليّون جمع، واحدة: علي، مشتق من الَعُلو، وهو للمبالغة، ويُقال: جُمعَت كجمع الرجالَ إذ لا واحد لها ولا تثنية. وقال الفراء: اسم موضع عَلى صيغته كعشرين وثلاثة. وقال
-
(1)
في الأصل: "الأبرار"
(2)
سورة المطففين (18- 20) .
ابن مالك: عليون اسبق لأعلى الجنة، كأنه في الأصل " فعال " من العلو، فجُمع جمعَ ما يُعقلُ، وسُمي به أعلى الجنة، وله نظائرُ من (1) أسماء الأمكنة، نحو: صريفون، وصفون، ونصيبون، وسَلحون، وقنسرون، ويَبْرون، ودارون، وفلسطون. وقال ابن زيد: هي السماء السابعة. وقال قتاده: إليها ينتهي أرواح المؤمنة. وقال كعب: هي قائمة العرش اليمنى. وقال للضحاك: هي سدرة المنتهى. وقيل: لوح من زبرجدة خضراء، مُعلق تحت العرش فيها أعمالهم.
541-
ص- نا مسدد: نا أبو معاوية، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " صلاةُ الرجلِ في جَماعة تَزيدُ على صَلاته في بَيْته وصلاتهِ في سُوقه خمساً وعشرينَ درجةَ، وذلك بَأنَ أحَدَكُم إذا تَوَضَأ فأحًسنَ الوضوءَ، وَأتَى المسجد لا يُريدُ إلا الصلاةَ لا ينهِزُه (2) - يَعني: إلا الصلاةُ (3) - لم يَخطُ خَطوةً إلا رُفِعَ لَهُ بها درجة (4) وحط بها عنه خطِيئة حتى يدخُلَ المسجدَ، فإذا دَخَلَ المسجدَ كان في صلاة ما كانتا الصلاةُ هي تحبسُهُ، والملائكةُ يُصلُّون على أحدكُم ما دامَ في مجلَسه الذي صَلى فيه يقُولَون (5) : اللهم اغفِرْ له، اللهم ارَحَمْه، اللهم تُبْ عليه ما لم يُؤذِ فيه، أو يُحْدِثْ فيه "(6) .
ش- " صلاة الرجل": مبتدأ، وخبره: قوله: " تزيدُ ".
(1)
مكررة في الأصل.
(2)
كتب في الأصل فوق ياءا ينهزم " ضمة وفتحة، وكتب فوقهما " معاً إشارة إلى جوار الأمرين.
(3)
في سنن أبي داود: " ولا ينهزه إلا الصلاة".
(4)
في الأصل: " أو". وفي سنن أبي داود: "وحط عنه بها".
(5)
في سنن أبي داود: "ويقولون".
(6)
البخاري: كتاب الصلاة، باب: الصلاة في مسجد السوق (477)، مسلم: كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب: فضل صلاة الجماعة (272 / 649)، الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء في فضل الجماعة (216)، ابن ماجه: كتاب المساجد والجماعات، باب: فضل الصلاة في جماعة (786) .
قوله: " وصلاته في سوقه لما عطف على قوله: وصلاته في بيتها والمراد
من قوله: أصلاة الرجل في جماعة ": صلاته في جماعة في مسجدِ،
بقرينة قوله: ستزيد على صلاته في بَيْته ".
11 / 91 أصب، وأما قوله: / " وصلاته في سوقه " في الظاهر أعم من أن يكون منفرداً أو بجماعة، ولكن لا يمكن أن يجري على عمومه؟ لأنا قد قلنا: إن
المراد من قوله: وصلاة الرجل في جماعة " في مسجد، فيكون مقابلات
للصلاة في بَيْته والصلاة في سوقه، ولا تصح المقابلة إلا إذا كان المراد من
صلاته في سوقه أن يكون منفرداًت، وإلا يلزم أن يكون نسيم الشيء قسما
منه، وهو باطل، ويكون هذا خارجا مخرج الغالب، لأن من لم يحضر
الجماعة في المسجد يصلي منفرداً سواء كان في بيْته أو سوقه. وقد قيل:
إن قوله: ووصلاته في سوقها على عمومه، ولكن تفضل صلاة الرجل
في جماعة المسجد على صلاته في سوقه، وإن كان بجماعة باعتبار أن الأسواق مواضع الشياطين كالحمام، فتكون الصلاة فيها ناقصةَ الرتبة كالصلاة في المواضع المكروهة.
قلنا: هذا لا يطرد في البيوت، لأنا قلنا: إن قوله: وصلاة الرجل
في جماعة " مقابل للصلاة في بيته والصلاة في سوقه، فيَنْبغي أن يتساويا
في التقابل. وفيما قاله هذا القائل لا يتساوى التقابل، فلا يصح الإجراء
على العموم، على أنهم لم يذكروا السوق في الأماكن المكروهة للصلاة،
فافهم.
قوله: " خمساً وعشرين درجةَ " نصب على أنه مفعول لقوله: "تزيدُ "
نحوُ قولك: زدتُ علي عشرة ونحوها. وقد جاء في رواية:"بخمسة وعشرين جزءاً "، وفي رواية:، بسبع وعشرين درجةَ،، والجمع بين
ذلك من ثلاثة أوجه، الأحول: أن ذكر القليل لا ينفي الكثير، فلا منافاة بينهما، والثاني: أن يكون أخبر أولا بالقليل، ثم أعلمه بزيادة الفضل
فأخبر بها، الثالث: أنه يختلف باختلاف أحوال المصلّين والصلاة،
فيكون لبعضهم: خمْسٌ وعشرون، ولبعضهم: سبع وعشرون، بحسب
كمال الصلاة ومحافظته على هيئاتها وخشوعها، وكثرة جماعتها، وشرف البقعة، ونحو ذلك. وقد قيل: إن الدرجة غير الجزء، وهذا ليس بصحيح، لأن في " الصحيحين ": (سبعاً وعشرين درجة " و "خمساً وعشرين درجة "، فاختلف القدرُ مع اتحاد لفظ الدرجة. والجواب عن تنصيص هذا العدد قد ذكرتُه في الكتاب مستوفًى.
قوله: " وذلك بأن أحدكم " تعليل للحكم السابق بأنه لا يَحْصل إلا بأمُور هي علة لحصول تلك الفضيلة وهي: الوضوء، والإحسان فيه، والمشي إلى المسجد لأجل الصلاة، كما بينه بقوله:" إذا توضأ فأحسن الوضوء " أي: أسبغه، وأتى بشرائطه وآدابه، وأتى المسجد، أي: مسْجد الجماعة، لا يُريد إلا الصلاة؟ لأن الأعمال بالنيات، حتى إذا أتى المسجد لا لأجل الصلاة، بل لأجل حاجة لا تحصل له تلك الفضيلة، لأن الحكم يترتب على وجود العلة، فمتى انتفت العلة انتفى المعلول. قوله: لا لا ينهزُه، أي: لا يَبْعثه ولا يُشْخصه إلا ذلك، ومنه: انتظار الفرصة، وهو الانبعاث لها والمبادرة. وينهزه- بفتح الياء- من نهز الرجل نهض، وضبطه بعضهم بضم الياء، وقيل: إنها لغة.
قوله: " إلا الصلاة" مرفوع لأنه فاعل لقوله:"لا ينهزم ".
قوله: " خطوةً"- بفتح الخاء- لأن المراد بها: فعل الماشي.
قوله: " بها " أي: بمقابلة تلك الخطوة.
قوله: "حتى يدخل المسجد" أي: إلى أن يدخل المسجد.
قوله: " ما كانت الصلاة هي تحبسُه " أي: تَمْنعه عن الخروج، وفي بعض الرواية:" هي " ليْست بموجودةِ، وهذا يسمى ضمير الفصل والعماد، لأنه يفصل بين كون ما بعده خبرا وصفةً، وسمي عمادا لكونه عمدة بيان الغرض، فالأول للبصريين، والثاني للكوفيين. وكلمة "ما " بمعنى المدة، والتقدير: كان في حكم الصلاة مدة حَبس الصلاة إياه. قوله: " يصلون" أي: يَسْتغفرون لكم.
11 / 192-
قوله: " يقولون لما بدل عن قوله: " يصلون "، وتفسير لمعنى قوله: "يصلون "، ولذلك ترك العاطف.
قوله: " ما لم يُؤذ فيه لما أي: ما لم يؤذ في مجلسه الذي صلى فيه أحداً بقوله أو فعله من الإيذاء.
وقوله: " أو يحدثك عطف علي، فلذلك جزم، من الأحداًث بمعنى الحدث، لا من / التحديث، وقد مرّ مثله مرةً. والحديث: أخرجه البخاري، ومسلم، والترمذي، وابن ماجه بنحوه.
542-
ص- نا محمد بن عيسى: نا أبو معاوية، عن هلال بن ميمون، عن عطاء بن يزيد، عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الصلاةُ في الجَماعةِ (1) تعدلُ خمساً وعِشرينَ صلاةً، فإذا صَلاهَا في فَلاةٍ، فأتَم رُكُوعَهَا، وَسُجودها، بلغَتْ خمسينَ صلاةَ "(2) .
ش- محمد بن عيسى: الطباع، وأبو معاوية: الضرير، وهلال بن ميمون: الجُهني الرملي.
قوله: (تَعْدلُ " بمعنى تعادل أي: تُماثل، من العِفل- بكسر العين- وهو ما عادل الشَيء من جنسه، وبالفتح: ما عادل من غير جنْسه. قوله: وفي فلاةِ " الفلاة: السفارة، والجمع: فعلاً.
قوله: " فأتم" إتمام الركوع والسجود، وهو الطمأنينة فيهما والإتيان بتَسْبيحاتهما.
قوله: أبلغت خمسة صلاةَ " أي: بلغت صلاته تلك خمسين صلاة، والمعني: يحصلُ له أجر خمسين صلاة، وذلك ضعف ما يحصل له في الصلاة في الجماعة. وأخرجه ابن ماجه مختصراً
(1)
في سنن أبي داود: وجماعة،.
(2)
ابن ماجه: كتاب المساجد والجماعات، باب: فضل الصلح في جماعة ألمه 7) مختصراً
ص- قال أبو داود: قال عبد الواحد بن زياد في هذا الحديثِ: " صَلاةُ الرجلِ في الفَلاةِ تُضَاعَفُ على صلاِتهِ في الجَمَاعةِ لما وسَاقَ الحديثَ.
ش- عبد الواحد بن زياد: أبو بشر البصري العبدي. وأخرج أبو بكر ابن أبي شيبة من حديث أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله- عليه السلام: " صلاة الرجل في جماعة تزيدُ على صلاته وحده خمساً وعشرين درجةً، وإن صلاها بأرض فلاة فأتم وضوءها وركوعها وسجودها، بلغت صلاته خمسين درجةً ".
543-
ص- نا (1) يحي بن معين: نا أبو عُبيدة الحداد: نا إسماعيل أبو سليمان الكمال، عن عبد الله بن أوْس، عن بريدة، عن النبي- عليه السلام قال:"بشر المَشَّائينَ في الظلم إلى المَساجدِ بالنورِ التام يومَ القيامةِ "(2) .
ش- أبو عُبيدة: عبد الواحد بن واصل السَّدُوسي مولاهم البصري أبو عبيدة الحداد. سمع: شعبة، وسعيد بن أبي عروبة، وإسرائيل بن يونس وغيرهم. روى عنه: أحمد بن حنبل، وابن معين، وزهير بن حرب، وغيرهم. قال أبو داود: ثقة. توفي سنة تسعين ومائة. روى له: البخاري، وأبو ما ود، والنسائي (3) .
وإسماعيلُ بن سليمان الكحال: أبو سليمان البصري الضبي، ويُقال: اليَشكري. سمع: ثابتا البناني، وعبد الله بن أوْس الخزاعي. روى عنه: أبو عُبيدة الحداد، والنضر بن جميل، ويحيي بن كثير، وغيرهم. وقال أبو حاتم: صالح الحديث. روى له: أبو داود، والترمذي (4) .
(1)
جاء هذا الحديث في سنن أبي داود تحت "باب ما جاء في المشي إلى الصلاة في الظلام".
(2)
الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء في فضل العشاء والفجر في الجماعة (223) .
(3)
انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (18/ 3593) .
(4)
المصدر السابق (3 / 451) .