الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
528-
ص- نا ابن إسحاق: أنا أبو عاصم، عن أبي جريج، عن موسى ابن عقبة، عن نافع بن جُبير، عن أبي مَسْعود الزرقي، عن علي بن أي طالب مثل ذلك (1) .
ش- ابن إسحاق: هو عبد الله الجوهري، ونافع بن جُبَيْر: ابن مطعم القرشي.
وأبو مَسْعود الزرقي، روى عن: علي بن أبي طالب، روى عنه: نافع بن جبير. روى له: أبو داود (2) .
قوله: " مثل ذلك " أي: مثل الحديث المذكور.
***
43- بَاب: التشْدِيد في ترك الجماعة
أي: هذا باب في بيان التشديد في ترك الصلاة مع الجماعة.
529-
ص- نا أحمد بن يونس: نا زائدة: نا السائبُ بن حُبَيْش، عن معدان بن أبي طلحة اليعمري، عن أبي الدرداء قال: سمعتُ رسولَ الله عمليه السلام- يَقولُ: " ما منْ ثَلاثة في قَرية ولا بَدْوٍ لا تُقَامُ فيهم الصلاةُ، إلا قد استحوذَ عليهمُ الشيطانُ، ً فعليكَ بًالجماعة، فإنما يأكلُ الذئبُ القاصِيَة (3) .
قال زائدةُ: قال السائب: يعني بالجماعةِ: الصلاةَ في الجماعةِ.
ش- زائدة: ابن قدامه.
والسائب بن حُبَيْش- بضم الحاء المهملة وفتح الباء الموحدة وسكون الياء آخر الحروف، وفي آخره: شين معجمة- وصحفه بعضهم بحنَش - بفتح الحاء والنون- الكلاعي الحمصي. روى عن: معدان بن طلحة،
(1) تفرد به أبو داود.
(2)
انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (34 / 7624) .
(3)
الكسائي: كتاب الإمامة، باب: التشديد في ترك الجماعة (2 / 106) .
وأبي الشماخ الأزدي. روى عنه: زائدة، وحَفْص بن رواحة /. وقال [1/ 187 - أ] أحمد العجلي: ثقة. وقال الدارقطني: صالح الحديث. روى له:
أبو داود، والنسائي (1) .
ومَعْدان بن أبي طلحة- ويقال: ابن طلحة- اليعمري. سمع: عمر
ابن الخطاب، وأبا الدرداء، وثوبان مولى رسول الله، وأبا نجيح: عمرو
ابن عَبَسة السلمي. روى عنه: سالم بن أبي الجَعْد، والوليد بن هشام،
والسائب بن حُبَيْش. قال ابن سَعد، وأحمد بن عبد الله: ثقة. روى
له: الجماعة إلا البخاري (2) .
قوله: " في قرية " القرية: المدينة، سمّيت قريةً لاجتماع الناس فيها،
من قريته الماء في الحوض إذا جمعته، ويقال: قِرْية- بالكسر- لغة
يمانية ، ومكة أم القرى.
قوله: " ولا بَدْوٍ " البَدْو: البادية؟ والنسبة إليه: بَدوي.
قوله: " إلا استحوذت أي: غلب عليهم الشيطان، وهذا جاء بالواو
على أصله كما جاء في " استَرْوح " و" استصوبت. قال أبو زيد: هذا
الباب كله يجوز أن يتكلم به على الأصل، تقول العربُ: استصاب واستصوب، واستجاب واستجوب، وهو قياس مطرد عندهم، وقوله
تعالى: " الَمْ نَسْتَحْوذ عَلَيكُمْ) (3) أي: ألم نغلب على أموركم
ونستولي على مودتكم.
قوله: " فعليك بالجماعة " عليك من أسماء الأفعال بمعنى: الزم، كما
يقال: إليك بمعنى: تنح، والفاء فيه جواب شرط محذوف، تقديره:
إذا كان الأمر كذلك فعليك. وقوله: " بالجماعة " أعم من أن تكون
جماعة الصلاة، أو جماعة المسلمين.
قوله: " فإنما " الفاء للتعليل.
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (10 / 2166) .
(2)
المصدر السابق (28 / 6082) .
(3)
سورة النساء (141) .
2.
شرح سنن أبي داوود 3
قوله: " القاصية " أي: الشاة المنفردة عن القطيع، البعيدة منه، من قَصَى الْمكانُ يَقْصُو قُصُوا: بَعُد، فهو قَصِيّ وهي قاصية وقصيّة، وقصوتُ عن القوم: تباعدتُ، والقَصَاء بالمد: البُعْدُ والناحية، وكذلك القَصَى مقصوراً، ويُقال: قصِيَ فلان عن جوارنا- بالكسر- يَقْصَى - بالفتح- قَصًى، وأقْصيتُه أنا فهو مُقْصًى، ولا تقُلْ: مَقْصِي. يريد بذلك: أن الشيطان يستحوذ ويتسلط على تارك الجماعة، كما يتسلط الذئب على الشاة المنفردة من القطيع وإنما عنى الثلاثة، لأن أقل الجمع ثلاثة حتى يُقام بهم الجمعة، ويفهم من هذا: أن الاثنان في موضع إذا صلى كل واحد بذاته لا يأثمان، وقد روي أن الاثنان وما فوقهما جماعة.
530-
ص- نا عثمان بن أي شيبة: نا أبو معاوية: نا الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم
: " لقد هَمَمتُ أن آمُرَ بالصلاةِ فتُقامَ، ثم آمُرَ رجلاً يُصَلي بالناسِ، ثم أنطلقَ معي بِرِجال معهم حُزَمٌ من حَطب إلى قوم لا يَشْهدُونَ الصلاة، فاحَرَّقَ عليهم بيُوتَهم بالنارِ "(1) .
ش- هممتُ أيْ: قصَدْتُ، " أن آمر "، مفعوله.
وقوله: " فتقامَ " بالنَّصْب عطف على ما قبله، وكذلك " ثم آمرَ " و " ثم أنطلقَ " و " فأحرقَ " كلها مَنْصوبٌ.
وقوله: " برجال " مُتعلق بقوله: " ثم أنطلقَ " فعُدى " أنْطلق به "، والمعنى: ثم أذهب برجال.
(1) البخاري: كتاب الأذان، باب: وجوب صلاة الجماعة رقم (644)، مسلم: كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب: فضل صلاة الجماعة (651)، ابن ماجه: كتاب المساجد والجماعات، باب، التغليظ في التخلف عن الجماعة (791) .
وقوله: " معي " حال من الرجال، والمعنى: مُصاحِبين لي. والحُزم
- بضم الحاء- جمع حُزْمةٍ.
وقوله: " بالنار " متعلق بقوله: " فاحْرقَ ".
واستدل به من قال: الجماعة فرض عين ، وهو مذهب عطاء،
والأوزاعي، وأحمد، وأبي ثور، وابن المنذر، وابن خزيمة، وداوود.
وقال في " شرح المُهذب ": وقيل: إنه قول الشافعي، وعن أحمد:
واجبة وليست بشرط. وقالت الجمهور: ليْست فرض عين. واختلفوا:
هل هي سُنة أم فرض كفاية؟ والمختار عند الشافعية: أنها فرض كفاية،
وعند عامة مشايخنا: واجبة، وقد سماها بعض أصحابنا سُنَن مؤكدة،
وهو قول القدوري- أيضاً- وفي " المُفيد ": الجماعة واجبة وتسميتها
سُنَن لوجوبها بالسُّنَة. وفي والبدائع ": إذا فاته الجماعة لا يجب علي
الطلب في مَسْجد آخر بلا خلاف بوش أصحابنا، لكن إن أتى مسجدا يَرْجو
إدراك الجماعة فيه فحسن، وإن صلى في مسْجد حقه فحسن. وعن القدوري: يجمع بأهْله. وفي " التحفة ": إنما تجب على من قدر عليها
من غير حرج، وتسقط بالعذر، فلا تجب على المريض، ولا على
الأعمى والزمِنِ ونحوهم، هذا إذا لم يجد الأعمى قائداً، والزَّمِنُ مَن يحمله، وكذا إذا وجدا (1) عند أبي حنيفة، وعندهما: تجب. وعن
شرف الأئمة: تركها من غير عذر يوجب التعزير، ويأثم الجيران بالسكوت عن تاركها. وعن بعضهم: لا تقبل شهادته، فإن اشتغل
بتكْرار / اللغة لا يعذر في ترك الجماعة، وبتكْرار الفقه أو مطالعته يعذر، [1\187-ب]، فإن تركها أهل ناحية قوتلوا بالسلاح. وفي " التنبيه ": يشتغل بتكَرارِ
الفقه ليلاً ونهارا ولا يحضر الجماعة لا يعذر، ولا تقبل شهادته. وقال
أبو حنيفة: سهى أو نام أو شغله عن الجماعة شغل، جَمَع بأهْله في
منزله، وإن صلى وحده يجوز.
(1) في الأصل: " وكذا هذا إن وجدا ".
واختلف العلماء في إقامتها في البيْت؛ والأصح: أنها كإقامتها في المسْجد. وفي " شرح خواهر زاده ": هي سُنَة مؤكدة غاية التأكيد، وقيل: فرض كفاية، وهو اختيار الطحاوي والكرخي وغيرهما، وهو قول الشافعي المختار، وقيل: سُنَة. وفي "الجواهر": عن مالك: سُنَّة مؤكدة، وقيل: فرض كفاية. والجواب عن الحديث من وجوه، الأول: أن هذا في المنافقين، ويَشْهد له ما جاء في " الصحيح":"لو يَعْلم أحدكم أنه يجدُ عظما سميناً أو مَرْمَاتَين حسَنَتَيْن لشهد العشاء " وهذه ليست صفة المؤمن، لا سيما أكابر المؤمنين وهم الصحابة، وإذا كان في المنافقين كان التحريق للنفاق لا لترك الجماعة فلا يتم الدليل، والثاني: أنه- عليه السلام هَمّ ولم يَفْعل، والثالث: أنه- علية السلامِ- لم يخبرهم أن من تخلّف عن الجماعة، فصلاته غير مجزئة، وهو موْضع البيان.
وفي هذا الحديث: دليل على أن العقوبة كانت في أول الأمر بالمال، لأن تحريق البيوت عقوبة مالية. وأجمع العلماء على منع العقوبة بالتحريق في غير المتخلف عن الصلاة والغال من الغنيمة، واختلف السلف فيهما والجمهور على منع تحريق متاعهما. ثم إنه جاء في رواية: أن هذه الصلاة التي هم بتحريقهم للتخلف عنها هي العشاء. وفي رواية: إنها الجمعة، وفي رواية: إنهم يتخلفون عن الصلاة مطلقاً وكله صحيح، ولا منافاة بَين ذلك. والحديث: أخرجه البخاري، ومسلم، وابن ماجه.
531-
ص- نا النفيلي: نا أبو المليح: حدَّثني يزيد بن يزيد: حدَّثني يزيد بن الأصم قال: سمعت أبا هريرة يقول: قال رسول الله: " لقد هَممت أن آمُرَ فِتْيَتِي فيَجْمعُوا حُزما من حَطب، ثم آتِي قوماً يُصفُون في بُيُوتِهم ليْست بهم علَّةٌ، فأحرِّقَها عَليهم ". قلًتُ ليزيدَ بنِ الأصم: يا أبا عوفٍ: الجمعةَ عَنى أَو غيرَها؟ فقال: صامتا أذُنَايَ إن لم كنْ سمعتُ أبا هُريرةَ وأثره عن رسولِ اللهِ، ما ذَكَر جُمُعَةً ولا غيرها (1) .
ــ
(1)
مسلم: كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب: فضل صلاة الجماعة وبيان-
ش- عبد الله بن محمد النُّفيلي. وأبو المليح: اسمه: الحسن بن عَمرو، ويقال: عُمر، الفِزاري مولاهم الرقي، وقيل: كنيته: أبو عبد الله، وغلب علي أبو المليح. سمع: ميمون بن مهران، والزهري، والوليد ابن زَرْوان، وغيرهم. روى عنه: ابن المبارك، وأبو توبة (1) الربيع بن نافع، وبقية بن الوليد، وغيرهم. توفي سنة إحدى وثماني ومائة، وهو ابن خمس وتسعين. قال أحمد: ثقة ضابط لحديثه صدوق. روى له: أبو داود، والترمذي (2) .
ويزيد بن يزيد: ابن جابر الشامي الدمشقي، أصله من البصرة. سمع: الزهري، ومكحولا ويزيد بن الأصم، وغيرهم. روى عنه: الأوزاعي، والثوري، وابن عيينة، وغيرهم. وقال ابن معين: ثقة. مات سنة ثلاث وثلاثة ومائة. روى له: الجماعة إلا البخاري (3) . ويزيد بن الأصم: أبو عوف الكوفي.
قوله: " فِتْيتي" الفِتْية: جمعُ فَتىَ.
قوله: " فيَجْمعوا " عطف على قوله:"آمُرَ" فلذلك نُصِب.
قوله: " الجمعةَ عَنى" أي: قَصَد، و" الجمعة" منصوب به، و "أو غيرها " عطف عليه.
قوله: " صمتا أذناي" من قبيل كلوني البراغيث، حيْث جمع الفعل المسند إلى الفاعل الظاهر، وكذلك هاهنا ثنى الفعل المسند إلى الفعل الظاهر، والأصل: صمت أذناي بمعنى: طَرشت، وهو إنشاء في صورة الإخبار، والمعنى: لتصمم أذناي إذا صم الله أذناي، إنْ لم أكن سمعتُ أبا هريرة.
ــ
=
…
(252 / 651)، الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء فيمن يسمع النداء فلا يجيب (217) .
(1)
في الأصل: " ثوبة" خطأ.
(2)
انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (6 / 1255) .
(3)
المصدر السابق (32 / 63 0 7) .
قوله: "تأثره " أي: يَرْويه ويحكيه عن رسول الله من أثر يأثر، من
باب نصر ينصر من الأثر وهو الخبر، وخبر مأثور، أي: منقول ينقله
خلف عن سلفٍ. والحديث: أخرجه مسلم، والترمذي مختصراً
532-
ص- نا هارون بن عباد الأزدي: نا وكيع /، عن المَسْعودي، عن عليّ بن الأقمر، عن أبي الأحْوص، عن عبد الله بن مَسْعود قال: حَافظُوا
على هؤلاء الصلواتِ الخمسِ حيثُ يُنادَى بِهن، فمنهن من سُنَنِ الهُدًى،
وأن الله عز وجل شَرعً لنبيِّه- عليه السلام سُنَنَ الهُدَى، ولقد رأيتُنَا وما
يتخلفُ عنها إلا مُنافق بين النفاقِ، ولقد رأيتُنَا وإن الرجلَ يُهادَى بين
الرجلين حتى يُقامَ في الصف، وما منكم من أحد إلا وله مسجد في بَيْته،
ولو صلًّيتُم في بيوتِكُم وتركتم مساجدَكم، تركتُمَ سُنَّةَ نبيكُم، ولو تركَتم
سُنَّةَ نبيكُم لكفرتُم (1) .
ش- هارون بن عباد الأزدي. روى عن: وكيع، ومروان بن معاوية.
روى عنه: أبو داود (2) .
وعليّ بن الأحمر: ابن عمرو بن الحارث بن معاوية الهمداني الوداعي
الكوفي، أخو كلثوم بن الأحمر. سمع: أبا صحيفة الروائي، وعكرمة
مولى ابن عباس، وأبا الأحَوص، وغيرهم. روى عنه: منصور بن المعتمر، ومسْعر، والثوري، والأعمش، وغيرهم. قال ابن معين:
ثقة حجة. قَال أبو حاتم: صدوق، ثقة. روى له الجماعة (3) .
وأبو الأحوص: عوف بن مالك الجُشمي.
قوله: " على هؤلاء " أصلُه: أولاء- بالمد والقصر- وهو للجمع سواء
ــ
(1)
مسلم: كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب: صلاة الجماعة من سنن الهدى
(257 / 654)، النسائي: كتاب الإمامة، باب: المحافظة على الصلوات حيث
ينادى بهن (2 / 108)، ابن ماجه: كتاب المساجد والجماعات، باب: المشي
إلى الصلاة (777) .
(2)
انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (30 / 6519) .
(3)
المصدر السابق (0 2 / 26 0 4) .
كان مذكرا أو مؤنثا، ويستوي فيه أولوا العقل وغيرهم، ومفرده في المذكر: ذا، وفي المؤنث: ذي، ثم دخلت الهاء علي للتنبيه.
قوله: "من سنن الهدى "- بضم السين وفتح النون- جمع سُنَّة، وهي الطريقة والمنهج، والهُدَى: مَصْدر على فُعَل كالسُّرَى، وهو خلاف الضلال.
قوله: " ولقد رأيتُنا"- بضم التاء- أي: رأيت أنفسنا.
قوله: " عنها لا أي: عن الصلوات.
قوله: "بين النفاق" أي: ظاهرُ النفاق، وهو اسم إسلامي لم تعرفه العربُ بالمعنى المخصوص به؛ وهو الذي يَسْتر كُفْره ويُظهر إيمانه، وإن كان أصله في اللغة معروفاً، يقال: نافق يُنافق منافقة ونفاقا، وهو مأخوذ من النافقاء أحد جحرة اليَرْبوع، إذا طُلب من واحد هرب إلى الآخر وخرج منه، وقيَل: هو من النَّفق، وهو السربُ الذي يُسْتتر فيه؛ لسَتره كُفْره. ويمكن أن يحمل النفاق في الحديث على معناه الأصليّ في حقّ من كان يتخلف عن الصلوات في زمن الرسول، لأجل بغضهم وعداوتهم، وهم الذين كانوا يظهرون الإسلام ويبطنون الكفر، وهذا هو المنافق الحقيقي. وأما في هذا الزمان: فلا يمكن حمله على معناه الأصلي في حق من يتخلف عن الجماعة؟ لأنه لا يُبْطِن الكفر، بل إنما تخلفه يكون عن كسَل وتهاون، فيطلق علي اسم النفاق باعتبار أنه فَعل فِعْلَ من كان يُنافق، أو باعتبار أنه أظهر خلاف ما في باطنه، لأن في باطنه كان يَعْتقد أن الجماعة من سنن الهدى ، ولكنه خالف في الظاهر بتخلفه عنهم كما جاء في الحديث:" أكثر منافقي هذه الأمة قراؤها "، أراد بالنفاق هاهنا الرياء، لأن كليهما إظهار ما في الباطن.
قوله: " وإن الرجل يُهادَى بين الرجلين " أي: يَمْشي بينهما، معتمداً عليهما من ضعفه وتمايله، وكل من فعل ذلك بأحد فهو يهاديه، وكذا المرأة إذا تمايلت في مشيتها من غير أن يُماشيها أحد قيل: تهادى. ويهادى
هاهنا على صيغة المجهول. وفي هذا كله تأكيد أمر الجماعة، وتحمل المشقة في حضورها، وأنه إذا أمكن المريض ونحوه التوصل إليها، استحب له حضورها.
قوله: " ولو تركتم سيئة نبيكم لكفرتم " بمعْنى: أنه يؤول بكم إلى الكفر، بأن تتركوا شيئا شيئا منها حتى تخرجوا من الملة.
قلت: يجور أن يكون المراد بالكفر: كفران النعمة، يعني: لو تركتم سُنَن نبيكم كسلاً وتهاونا لكفرتم نعمة الإسلام، وأما إذا تركها جاحداً معاندا فهو كفر بلا خلاف، واحتج به من يقول: إن الصلاة مع الجماعة فرض على الأعيان، وهو محمول على أنهم منافقون، أو هو خرج مخرج الوعيد الشديد لأجل الزجر والتهديد. والحديث: أخرجه مسلم، والنسائي، وابن ماجه.
[1/ 188- ب] 533- ص- نا قتيبةُ: نا جرير، عن أبي جَنَابِ، عن مغراء العبْدي / عن عديّ بن ثابت، عن سعيد بن جُبير، عن ابن عباس قال: قال رسولَ الله صلي الله عليه وسلم: "مَنْ سَمِعَ المُنَادي فلم يَمْنعْهُ من اتباعه عُذرٌ" قَالوا: وما العُذرُ؟ قال: "خَوفٌ أو مَرض، لم تُقبلْ منه الصلاةُ اَلتَي صلى (1) "(2) .
ش- قتيبة: ابن سعيد، وجرير: ابن عبد الحميد.
وأبو جناب: يَحْيى بن أبي حية- بالياء آخر الحروف- الكلبي الكوفي، واسم أبي حية: حَي. روى عن: أبيه، ومعاوية بن قرة، وعكرمة، وجماعة آخرين. روى عنه: الثوري، ووكيع، وشريك القاضي، وغيرهم. قال الحاكم: ليس بالقوي. وقال أبو نعيم: لم يكن به بأس إلا أنه كان يدلس. وقال ابن معين: ضعيف الحديث. وقال
ــ
(1)
جاء في سنن أبي داود بعد هذا الحديث: "قالي أبو داود: روى عن مدراء أبو إسحاق".
(2)
ابن ماجه: كتاب المساجد والجماعات، باب: التغليظ في التخلف عن الجماعة (793) .
ابن خراش: كان صدوقا مُدلساً في حديثه نكر [ة] مات سنة خمسين ومائة بالكناسة. روى له: أبو داود، والترمذي، وابن ماجه (1) . ومَغْراء- بالغين المعجمة- أبو المخارج العبدي النساج، من بني عائد الكوفي. روى عن: عبد الله بن عمر، وعدي بن ثابت. روى عنه: أبو إسحاق الهمداني، والأعمش، والحسن النخعي، وغيرهم. روى له: أبو داود (2) .
وعدي بن ثابت: الأنصاري الكوفي.
قوله: "من سمع المُنادي" أي: المؤذن. وهذا الحديث حكمه الزجر
والتهديد.
وقوله: "لم تقبل لما من قبيل قوله- عليه السلام: "لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد"، والمراد منه: نفي الفضيلة والكمال. والحديث: أخرجه ابن ماجه بنحوه، وإسناده أمثل، وفيه نظر.
534-
ص- نا سليمان بن حرب: نا حماد بن زيد، عن عاصم بن بهْدلة، عن أي رزين، عن ابن أم مكتوم، أنه سألَ النبي- عليه السلام فقال: نا رسولَ الله، إني رجل ضريرُ البصرِ، شَاسِعُ الدارِ، ولي قائد لا يلاومني (3) فهلْ لي رُخصة أن أصلي في بيتي؟ قال:"هل تسْمَعُ النداءَ؟ " قال: نعم، قال:"لا أجِدُ لك رُخصةَ "(4) .
ش- أبو رزين: مَسْعود بن مالك.
(1)
انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (31 / 6817) .
(2)
المصدر السابق (28 / 6120) . (3) في سنن أبي داود: "لا يلائمني". (4) ابن ماجه: كتاب المساجد والجماعات، باب: التغليظ في التخلف عن الجماعة (792) . مسلم: كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب: يجب إتيان المسجد لمن سمع النداء (255 / 653)، النسائي: كتاب الإمامة، باب: المحافظة على الصلوات حيت ينادى (2 / 109) من حديث أبي هريرة.
قوله: " ضرير البَصر" أي: ذاهبُ البصر.
قوله: " شاسع الدار" أي: بعيدها؟ الشاسع، والشيسُوع: البعيدُ. قوله: " لا يلاومني " قال الخطابي (1) : " هكذا يروى في الحديث، والصواب: لا يلائمني، أي: لا يُوافقني ولا يُساعدُني. فأما المقاومة: فإنها مفاعلة من اللوْم، وليْس هذا مَوْضعه. وظاهر الحديث يدل على أن الأعمى يجب علي حضور الجماعة إذا سمع النداء، سواء وافقه قائده أو لا. ويدل- أيضاً أن حضور الجماعة واجب، إذ لو كان ندبا لكان أوْلى من يسعه التخلف عنها أهل الضرر والضعْف. وكان عطاء بن أبي رباح يقول: ليس لأحد من خلق الله في الحضر والقرية رخصة إذا سمع النداء في أن يدفع الصلاة. وقال الأوزاعي: لا طاعة للوالد في ترك الجمعة والجماعات، سمع النداء أو لم يسمَعْ ".
والجواب عن هذا الحديث: أنه مؤول بمعنى: لا رخصة لك إن طلبت فضل الجماعة، وأنك لا تحرز أجْرها مع التخلف عنها بحال، واحتجوا بقوله عليه السلام:" صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ بسَبع وعشرين درجة "(2)، وليس معناه: إيجاب الحضور على الأعمى، فقد رخص عليه السلام لعِتبان بن مالك. والحديث أخرجه ابن ماجه. وأخرج مسلم، والنسائي من حديث أبي هريرة قال:" أتى النبي- عليه السلام رجل أعمى "، فذكر نحوه.
535-
ص- نا هارون بن زَيْد بن أبي الزرقاء: لا أميي: نا سفيان، عن عبد الرحمن بن عابس، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن ابنِ أم مكتومٍ قال: نا رسولَ الله، إن المدينةَ كَثيرةُ الهوام والسباع، فقال النبي- عليه السلام: لا أتسمع: حَي على الصَلاةِ، حَي على الفلاح؟ فحيًّ هَلا، (3) .
(1)
معالم السنن (1 / 138) . (2) يأتي بعد أربعة أحاديث.
(3)
النسائي: كتابا الإمامة، باب: المحافظة على الصلوات حيث ينادى بهن
(2/ 109، 110)
ش- هارون بن زيد: ابن يزيد بن أبي الزرقاء الموصلي، سكن الرملة. روى عن: أبيه، ويحيى بن عيسى الرملي. روى عنه: أبو داود، والنسائي، وأبو حاتم، وقال: صدوق (1) .
وأبوه: زيد بن أبي الزرقاء الموصلي. روى عن: هشام بن سعد، وجعفر بن بُرْقان. روى عنه: محمد بن عبد الله العُمري. قال ابن معين: ليس به بأس /. روى له: أبو داود، والنسائي (2) . [1/189 -أ]
وعبد الرحمن بن عابس: ابن ربيعة الكوفي النخعي. سمع: أباه، وابن عباس. روى عنه: الثوري، وشعبة، وقيس بن الربيع. قال ابن معين وأبو حاتم وأبو زرعة: هو كوفي ثقة. روى له: الجماعة إلا الترمذي (3) .
قوله: "كثيرة الهوام لما الهوام": جمع هامة، وهي الحية وكل ذي سم يقتل، وقيل: دابة الأرض التي تهم بالناس.
قوله: "أتسمع؟ " لما الألف فيه للاستفهام.
قوله: "فحي هَلا " كلمة حيث واستعجال و" هلا " بالتنوين تجعل نكرة، وأما حي هلال بلا تنوين، فإنما يجور في الوقف، وأما في الإدراج فلغة جدية، يُقال: حي هَلَ- بفتح اللام- مثل خمسة عشر.
قلت: فيه ست لغات: حي هلا بالتنوين، الثاني: فتح اللام بلا تنوين، الثالث: تسكين الهاء وفتح اللام بلا تنوين، الرابع: فتح الهاء وسكون اللام، الخامس: حي هلنْ بفتح اللام وسكون النون، السادس: حي هلِنْ بكسر اللام. قال الزجاج: الوجه الخامس: بالنون هو الأول بعينه لأن التنوين والنون سواء.
قلت: سواء في اللفظ دون الكتابة. وقد قيل: إن حديث ابن
أم مكتوم هذا يحتمل أن يكون في الجمعة لا في الجماعة، وقيل: كان في
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (30 / 6511) .
(2)
المصدر السابق (0 1 /2109) . (3) المصدر السابق (7 1 / 0 386) .
أول الإسلام، وحين الترغيب في الجماعة، وسط الباب على المنافقين في ترك حضورها. وأعل ابنُ القطان حديثَ ابن أم مكتوم فقال: لأن الراوي عنه: أبو رزين، وابن أبي ليلى، فأما أبو رزين: فإنا لا نعلم سِنَهُ، ولكن أكبر ما عنده من الصحابة: علي، وابنُ أم مكتوم قتل بالقادسية زمن عمر. وابن أبي ليلى مولده ست بقين من خلافة عمر. قلت: يمكنُ مناقشته، لأن ابن حبان ذكر أنه كان أكبر سنا من أبي وائل، وأبو وائل قد علم إدراكه لسيدنا رسول الله، فعلى هذا لا تنكر روايته عن ابن أم مكتوم. وقوله " أعلى ما له الرواية عن علي " مردود بروايته الصحيحة عن ابن مسعود، وكذا قوله:"مات بالقادسية " مردود، ذكر ابن حبان في كتاب "الصحابة ": شهد القادسية ثم رجع إلى المدينة فمات بها في خلافة عُمر، وقوله:" ما إن سن ابن أبي ليلى لا يقتضي له السماع من عمره" مردود بقول أبي حاتم الرازي وسأله ابنُه: هل سمع عبد الرحمن من بلال؟ فقال: بلال خرج إلى الشام قديمة في خلافة عمر، فإن كان رآه صغيراً فهذا أبو حاتم لم ينكر سماعه من بلال المتوفى سنة سبع عشرة أو ثمان عشرة، بل جوزه، فكيف ينكر من عمر رضي الله عنه؟!
ص- قال أبو داود: وكذا رواه القاسم الجَرْمي، عن سفيان (1) .
ش- أي: كذا روى هذا الحديث القاسم بن يزيد الجرمي الموصلي عن سفيان الثوري، وروى القاسم عن مالك بن أنسى، وابن أبي ذئب، والمسعودي، وغيرهم. روى عنه: أحمد بن حَرب الموصلي، وإبراهيم ابن موسى الرازي، وإسحاق بن إبراهيم الهروي، وغيرهم. قال أبو حاتم: صالح. روى له: النسائي (2) .
(1) جاء في سنن أبي داود قوله: " ليس في حديثه: حَي هلا ".
(2)
انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (23 / 4835) .