المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌118- باب: من لم ير الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم - شرح سنن أبي داود للعيني - جـ ٣

[بدر الدين العيني]

فهرس الكتاب

- ‌40- بَاب: فِي المؤذن يَنْتظرُ الإِمَامَ

- ‌41- بَاب: في التَّثوِيْب

- ‌42- بابٌ: في الصَّلاة تقامُ ولمْ يأت الإمَامُ يَنْتظرُونه قُعُوداً

- ‌43- بَاب: التشْدِيد في ترك الجماعة

- ‌44- بَاب: في فضل صلاة الجماعة

- ‌45- بَاب: فَضل المشي إلى الصّلاة

- ‌ 46- بَابُ: الهَدْئ في المَشْي إلَى الصَّلاةِ

- ‌47- بَاب: فيمَنْ خَرج يُريدُ الصّلاة فسُبِق بها

- ‌48- بَاب: في خروج النساء إلى المَسجد

- ‌49- بَابُ: السعْي إلى الصّلاة

- ‌50- بَابُ: الجمع في المَسْجد مرتين

- ‌51- بَاب: فيمَن صَلى في مَنْزله ثم أدرك الجماعةَ يُصَلِي معَهُمْ

- ‌52- بَاب: إذا صَلّى ثم أدرَكَ جَماعةً يُعيدُ

- ‌53- بَابُ: جِمَاع الإمامة وفَضْلِها

- ‌54- بَابُ: كراهية التَّدافُع على الإمامة

- ‌55- بَابُ: مَن أحق بالإمامة

- ‌56- بَابُ: إمامة النِّساءِ

- ‌57- بَاب: في الرجل يَؤمُّ القومَ وَهُمْ لهُ كَارِهُونَ

- ‌59- بَابُ: إمامة الزائر

- ‌60- بَابُ: الإِمَام يَقُوم مكانا أَرْفعَ مِن مكان القَوْم

- ‌62- باب: الإمام يصلي من قعود

- ‌63- بَابُ الرَّجُلَيْن يَؤمُّ أحدُهما صاحبه كَيْفَ يقومانِ

- ‌64- بَابٌ: إذا كانوا ثلاثة كيف يقومون

- ‌65- بَابُ: الإمام ينحرف بعد التسليم

- ‌66- بَابُ: الإِمَام يتطوعُ في مكَانه

- ‌67- بَابُ: الإمام يُحْدثُ بَعْدَ ما يَرْفعُ رأسَه

- ‌68- بَابُ: ما يؤمر به المأموم من اتباع الإمام

- ‌69- بَابُ: التَشْديد فيمَنْ يَرْفعُ قبل الإِمام أو يضع قبله

- ‌70- بَابٌ: فيمَنْ يَنصرفُ قبل الإمام

- ‌72- بَابُ: الرجل يَعْقدُ الثوب في قفاه ثم يصلي

- ‌ 73- بَابٌ: في الرَّجُل يُصَلي في ثَوْب بَعْضُه عَلى غَيْره [

- ‌74- بَابُ: الرَّجل يُصَلي في قميصٍ واحد

- ‌75- بَاب: إذا كان ثوبا ضيقا

- ‌76- بَابُ: مَنْ قالَ: يتّزرُ به إذا كَان ضيقا

- ‌77- بَابُ: الإِسْبَال فِي الصَّلاة

- ‌78- بَاب: فِي كم تُصلِي المرأة

- ‌79- بَابُ المرأةِ تُصَلّي بغَيْر خِمَار

- ‌81- بَابُ الصَلاة في شُعُرِ النسَاء

- ‌82- بَابُ: الرّجُل يُصَلي عَاقصاً شَعْرَه

- ‌83- بَاب: فِي الصَّلاة في النعْلِ

- ‌84- بَاب: المُصَلِّي إذا خَلع نَعْليْه أينَ يضعهما

- ‌85- بَاب: الصلاة عَلَى الخُمْرة

- ‌86- بَابُ: الصلاة على الحصير

- ‌87- بَابُ: الرجل يَسْجُد على ثَوْبه

- ‌88- بَابُ: تفْريع أبْواب الصُّفُوفِ

- ‌89- تَسْويةُ الصُّفوف

- ‌90- بَابُ: الصفُوف بيْن السواري

- ‌91- بَابُ: مَنْ يستحب أن يَلِي الإِمامَ في الصف وكراهية التَّأخُّرِ

- ‌92- بَابُ: مقام الصِّبْيان مِن الصَّفِّ

- ‌94- بَابُ: مَقام الإِمَام مِنَ الصَّفّ

- ‌95- بَابُ: الرَّجُل يُصَلِّي وَحْدهَ خَلفَ الصَّفِّ

- ‌96- بَابُ: الرَّجُل يَركعُ دونَ الصَّف

- ‌97- بَابُ: مَا يَسْتُر المُصلي

- ‌98- بَابُ: الخَطَّ إذا لم يَجِدْ عَصى

- ‌99- باب: الصّلاةِ إلَى الرَّاحلةِ

- ‌100- باب: إذا صلى إلى سارية أو نحوها أين يجعلها منه

- ‌101- باب: الصَّلاةِ إلى المتحدثين والنِّيام

- ‌102- باب: الدنو من الستْرة

- ‌103- باب: مَا يُؤمر المُصلي أَنْ يَدْرأ عن الممر بينَ يديه

- ‌104- باب: مَا يُنهى عنه منَ المُرور ِبين يَدَي المُصلي

- ‌105- باب: مَا يَقْطعُ الصّلاةَ

- ‌106- باب: سترة الإِمَام سترة لِمَنْ خَلفَه

- ‌107- باب: مَنْ قال: المرأةُ لا تَقْطعُ الصَّلاةَ

- ‌108- باب: مَنْ قال: الحمارُ لا يقطعُ الصلاةَ

- ‌109- باب: من قال: الكلبُ لا يَقْطعُ الصلاة

- ‌110- باب: مَنْ قال: لا يقطعُ الصّلاةَ شيءٌ

- ‌111- باب: في رَفع اليدين

- ‌112- باب: افتتاح الصلاة

- ‌113- باب: مَن لم يذكر الرفع عند الركوع

- ‌114- باب: وضع اليمنى على اليسرى في الصلاة

- ‌115- باب: ما يستفتح به الصلاة من الدعاء

- ‌116- باب: من رأى الاستفتاح بـ " سبحانك

- ‌117- باب: السكتة عند الاستفتاح

- ‌118- باب: من لم ير الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم

- ‌119- باب: من جهر بها

- ‌120- باب: تخفيف الصلاة

- ‌ 121- باب: تخفيف الصلاة للأمر يحدث

- ‌ 122- باب: القراءة في الظهر [

- ‌123- باب: تخفيف الأخريين

- ‌124- باب: قدر القراءة في صلاة الظهر والعصر

- ‌125- باب: قدر القراءة في المغرب

- ‌126- باب: من رأى التخفيف فيها

- ‌127- باب: القراءة في الفجر

- ‌128- باب: الرجل يعيد سورة واحدة في الركعتين

- ‌129- باب: من ترك القراءة في صلاته

الفصل: ‌118- باب: من لم ير الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم

وعند البزار بسند جيد من حديث خبيب بن سليمان بن سمرة، عن أبيه، عن جده، أن رسول الله- عليه السلام قال: فإذا صلى أحدكم فليقل: اللهم باعد بيني وبن خطيئتي كما باعدت بين المشرق والمغرب، اللهم إني أعوذ بك أن تصد عني بوجهك يوم القيامة، اللهم نقني من الخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، اللهم أحيني مس" وأمتني مس" ".

وخبيب وثقه ابن حبان، وكذلك أبوه، وابن القطان رد حديثه بجهل حالهما.

***

‌118- باب: من لم ير الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم

أي: هذا باب في بيان أقوال من لم ير الجهر بالتسمية في الصلاة، وفي بعض النسخ:" باب فيما جاء فيمن لم ير الجهر".

760-

ص- نا مسلم بن إبراهيم، نا هشام، عن قتادة، عن أنس:" أن النبي- عليه السلام وأبا بكر، وعمرَ، وعثمانَ كانوا يفتتحونَ القراءةَ ب (الحمدُ للهِ رَب العَالَميِنَ) (1) ".

ش- مسلم بن إبراهيم القصاب، وهشام الدَستوائي. والحديث أخرجه: البخاري، ومسلم، عن شعبة، عن قتادة، عن أنس قال:" صليت خلف رسول الله، وخلف أبي بكر، وعمرَ، وعثمانَ، فلم أسمع أحداً منهم يقرأ: (بسم الله الرحمن الرحيم) "، وفي لفظ لمسلم:" فكانوا يستفتحون القراءة ب (الحمد لله رب العالمين) لا يذكرون (بسم الله الرحمن الرحيم) في أول قراءة ولا في آخرها".

(1) تفرد به أبو داود.

ص: 398

ورواه النسائي في " سننه "، وأحمد في " مسنده "(1) ، وابن حبان في" صحيحه " في النوع الرابع من القسم الخامس، والدارقطني في " سننه "(2)، وقالوا فيه:" فكانوا لا يجهرون ب (بسم الله الرحمن الرحيم) "، وزاد ابن حبان:" ويجهرون ب (الحمد لله رب العالمين) " وفي لفظ للنسائي، وابن حبان أيضاً أفلم أسمع أحداً منهم يجهر به ب (بسم الله الرحمن الرحيم)، وفي لفظ لأبي يعلى الموصلي في " مسنده":"فكانوا يفتتحون القراءة فيما يجهر به ب (الحمدُ للهِ رَبَّ العَالَمينَ) "، وفي لفظ للطبراني في "معجمه "، وأبي نعيم في "الحلية "، وابن خزيمة في " مختصر المختصر " (3) :" فكانوا يسرون ب (بسم الله الرحمن الرحيم) "، ورجال هذه الروايات كلهم ثقات، مخرج لهم في" الصحيح "، وفي" المصنف": نا ابن علية، عن الحريري، عن قيس بن عبادة، قال: حدَثني ابن عبد الله بن مغفل، عن أبيه قال:" ولم أر رجلاً من أصحاب النبي- عليه السلام كان أشد علي حدث في الإسلام منه، قال: سمعني وأنا أقرأ: (بسم الله الرحمن الرحيم) ، قال: يا بني، إياك والحدث، فإني قد صليت خلف رسول الله، وأبي بكر، وعمرَ، وعثمانَ، فلم أسمع أحداً منهم يقول ذلك، إذا قرأت فقل: (الحمدُ لله ربَّ العَالمينَ) ". ورواه الترمذي، والنسائي، وابن ماجه (4) .

ثم اعلم أن الكلام في التسمية على وجوه، الأول (5) : في كونها من

(1)(3 / 264) .

(2)

(1 / 315) .

(3)

(1 / 249) كتاب الصلاة.

(4)

الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء في ترك الجهر ب (بسم الله الرحمن الرحيم)(244)، النسائي: كتاب الافتتاح، باب: ترك الجهر ب (بسم الله الرحمن الرحيم)(2 / 135)، ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: افتتاح القراءة (815) ، وكذلك أحمد (4 / 85) .

(5)

انظر: نصب الراية (1 / 327- 1 36) .

ص: 399

القرآن أم لا؟ ، الثاني: في أنها من الفاتحة أم لا؟ ، والثالث: أنها من أول كل سورة أم لا؟ ، والرابع: تجهر بها أم لا؟ .

أما الأول: فالصحيح من مذهب أصحابنا أنها من القرآن، لأن الأمة أجمعت على أن ما كان مكتوبا بين الدفتين نقله الوحي، فهو من القرآن والتسمية كذلك، وكذلك روى الأعلى، عن محمد، فقال:" قلت لمحمد: التسمية آية من القرآن أم لا؟ فقال: ما بين الدفتين كله قرآن "، وكذا روى الجصاص، عن محمد أنه قال:" التسمية آية من القرآن، أنزلت للفصل بين السور، وللبداية بها تبركاً وليست باقية في كل واحَدة منها ".

ويبتني على هذا أن فرض القرآن في الصلاة يتأدى بها عند أبي حنيفة،

إذا قرأها على قصد القراءة، دون الثناء عند بعض مشايخنا، لأنها آية من القرآن. وقال بعضهم: لا يتأدى، لأن في كونها آية تامة احتمال، فإنه رُوي عن الأوزاعي، أنه قال:"ما أنزل الله في القرآن (بسم الله الرحمن الرحيم) إلا في سورة النمل وحدها، ليست بآية تامة، وإنما الآية في قوله: (وإنهُ مِن سلَيْمَانَ وَإنهُ بِسْم اللهِ الرحمَنِ الرحيم) (1) " فوقع الشك في كونها / آية تامة، فلا يجور بالشك، وكذا يحرم على الجنب، والحائض، والنفساء قراءتها على قصد القرآن، أما على قياس رواية الكرخي فظاهر، لأن ما دون الآية يحرم عليهم، وكذا على رواية الطحاوي لاحتمال أنها آية تامة، فيحرم عليهم قراءتها احتياطي، وهذا القول قول المحققين من أصحاب أبي حنيفة، وهو قول ابن المبارك، وداود، وأتباعه، وهو المنصوص عن أحمد بن حنبل، وقالت طائفة: إنها ليست من القرآن إلا في سورة النمل، وهو قول مالك، وبعض الحنفية، وبعض الحنابلة، وقالت طائفة: إنها آية من كل سورة، أو بعض آية كما هو المشهور عن الشافعي، ومن وافقه، وقد نقل عن

(1) سورة النمل: (30) .

ص: 400

الشافعي أنها ليست من الفاتحة عند أبي حنيفة وأصحابه، ولا من رأس كل سورة. وقال الشافعي: إنها من الفاتحة قولا واحدة، وله في كونها من رأس كل سورة قولان، وعن أحمد روايتان، إحداهما: إنها من الفاتحة دون غيرها، تجب قراءتها حيث تجب قراءة الفاتحة، والثانية وهي الأصح: إنه لا فرق بين الفاتحة وغيرها في ذلك، وإن قراءتها في أول الفاتحة كقراءتها في أول السور.

والرابع: أنه يجهر بها عند الشافعي حيث يجهر بالفاتحة. وقال أبو حنيفة: لا يجهر بها، وهو قول جمهور أهل الحديث، وفقهاء الأمصار، وجماعة من أصحاب الشافعي، وقيل: يخير بينهما، وهو قول إسحاق بن راهويه، وابن حزم، ثم الحديث الذي رواه أبو داود وغيره يدل على أن البسملة ليست من الفاتحة، وهو حجة على من يجعلها من الفاتحة، وهذا الحديث أيضاً من أقوى الحجج لمنع الجهر بالبسملة، والحديث أخرجه جماعة من أصحاب الصحاح، والحسان.

ومنها: ما رواه النسائي في " سننه "، وأحمد في " مسنده "، وابن حبان في " صحيحه "، والدارقطني في " سننه "، وقالوا فيه:" فكانوا لا يجهرون ب (بسم الله الرحمن الرحيم) " كما ذكرناه. وفي لفظ للطبراني في " معجمه "، وأبي نعيم في " الحلية "، وابن خزيمة في "مختصر المختصر "، والطحاوي في " شرح الآثار ":" فكانوا يسرون ب (بسم الله الرحمن الرحيم) ".

ولحديث أنس طرق أخرى دون ذلك في الصحة، ومنها ما لا يحتج به، وكل ألفاظه ترجع إلى معنى واحد يصدق بعضها بعضاً، وهي سبعة ألفاظ، فالأول:" كانوا لا يستفتحون القراءة ب (بسم الله الرحمن الرحيم) ".

والثاني: " فلم أسمع أحداً يقول، أو يقرأ: (بسم الله الرحمن

الرحيم) ".

26.

شرح سنن أبي داوود 3

ص: 401

والثالث: " فلم يكونوا يقرءون (بسم الله الرحمن الرحيم) ".

والرابع: " فلم أسمع أحداً منهم يجهر ب (بسم الله الرحمن الرحيم) ". والخامس: " فكانوا لا يجهرون ب (بسم الله الرحمن الرحيم) ".

والسادس: " فكانوا يسرون ب (بسم الله الرحمن الرحيم) ".

والسابع: " فكانوا يستفتحون القراءة ب (الحمد للْه رب العالمين) ".

وهذا اللفظ هو الذي صححه الخطيب، وضعف ما سواه، لرواية الحفاظ له عن قتادة، ولمتابعة غير قتادة له عن أنس فيه، وجعل اللفظ المحكم عن أنس، وجعل غيره متشابها، وحمله على الافتتاح بالسورة، لا بالآية، وهو غير مخالف للألفاظ الباقية بوجه، فكيف يجعل مناقضا لها؟ ! فإن حقيقة هذا اللفظ الافتتاح بالآية من غير ذكر التسمية جهراً، أو سرا، فكيف يجوز العدول عنه بغير موجب؟ ويؤكده قوله في رواية مسلم:" لا يذكرون (بسم اللْه الرحمن الرحيم) في أول قراءة ولا في آخرها "، لكنه محمول على نفي الجهر، لأن أنسأ إنما ينفي ما يمكنه العلم بانتفائه، فانه إذا لم يسمع مع القرب علم أنهم لم يجهروا، وأما كون الإمام لم يقرأها فهذا لا يمكن إدراكه إلا إذا لم يكن بين التكبير والقراءة سكوت يمكن فيها القراءة سرا، ولهذا استدل بحديث أنس هذا على عدم قراءتها من لم يرَ هاهنا سكوتا كمالك وغيره، لكن ثبت في " الصحيحين "، عن أبي هريرة، أنه قال: " يا رسول الله، أرأيت سكوتك بين التكبير والقراءة ما تقول؟ قال: أقول

" كذا وكذا إلى [1/261-أ] آخره، على ما ذكرنا، وإذا كان له سكوت لم يمكن / لأنس أن ينفي قراءتها في ذلك السكوت، فيكون نفيه للذكر، والاستفتاح، والسماع، مرادا به الجهر بذلك، يدل علي قوله: " فكانوا لا يجهرون "، وقوله: " فلم أسمع أحداً منهم يجهر "، ولا تعرض فيه للقراءة سرا ولا على نفيها، إذ لا علم لأنس بها حتى يثبتها، أو ينفيها، ولذلك قال لمن سأله: " إنك لتسألني عن شيء ما أحفظه "، فإن العلم بالقراءة السرية إنما

ص: 402

يحصل بإخبار، أو سماع عن قرب، وليس في الحديث شيء منهما، ورواية من روى:" فكانوا يسرون " كأنها مروية بالمعنى من لفظ: " لا يجهرون "، وأيضا فحمل الافتتاح ب (الحمدُ لله رَب العَالَمينَ) على السورة لا الآية مما تستبعده القريحة، وتمجه الأفهامَ الصحيحةَ، لأن هذا من العلم الظاهر الذي يعرفه العام والخاص، كما يعلمون أن الفجر ركعتان، وأن الظهر أربع، وأن الركوع قبل السجود، والتشهد بعد الجلوس إلى غير ذلك، فليس في نقل مثل هذا فائدة، فكيف يجوز أن نظن أن أنسأ قصد تعريفهم بهذا، وأنهم سألوه عنه؟ وإنما مثل هذا مثل من يقول: فكانوا يركعون قبل السجود، أو فكانوا يجهرون في العشاءين والفجر، ويخافتون في صلاة الظهر والعصر، وأيضا فلو أريد الافتتاح بالسورة لقيل: كانوا يفتتحون القراءة بأم القرآن، أو بفاتحة الكتاب، أو سورة الحمد، هذا هو المعروف في تسميتها عندهم، وأما تسميتها (الحمدُ لله رَب العَالمينَ) فلم ينقل عن النبي- عليه السلام ولا عن الصحابة وَالتابعين، ولا عن أحد يحتج بقوله، وأما تسميتها بالحمد فقط فعُرْف متأخر، يقولون: فلان قرأ الحمد، وأين هذا من قوله: " فكانوا يفتتحون القراءة ب (الحمدُ للهِ رَب العَالمينَ) ؟ فإن هذا لا يجوز أن يراد به السورة إلا بدليل صحيح.

فإن قيل: فقد روى الوليد بن مسلم، عن الأوزاعي، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، عن أنس الاستفتاح بأم القرآن، وهذا يدل على إرادة السورة. قلنا: هذا مروي بالمعنى، والصحيح عن الأوزاعي ما رواه مسلم عن الوليد بن مسلم،- عنه، عن قتادة، عن أنس، قال (1) :" صليتُ خلف أبي بكر، وعمرَ، وعثمانَ، فكانوا يستفتحون ب (الحمدُ لله رب العَالمينَ) ، لا يذكرون (بسم الله الرحمنِ الرحيم) في أول قرَاءة، ولا في آخرها ".

(1) مكررة في الأصل.

ص: 403

ثم أخرجه مسلم، عن الوليد بن مسلم، عن الأوزاعي، أخبرني إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، أنه سمع أنس بن مالك يذكر ذلك، هكذا رواه مسلم في " صحيحه " عاطفا له على حديث قتادة، وهذا اللفظ المخرج في " الصحيح " هو الثابت عن الأوزاعي، واللفظ الآخر إن كان محفوظا فهو مَروي بالمعنى، فيجب حمله على (1) الافتتاح بأم القرآن.

ورواه الطبراني في" معجمه " بهذا الإسناد: " أن النبي- عليه السلام وأبا بكر، وعمر، وعثمان، كانوا لا يجهرون ب (بسم اللهِ الرحمنِ الرحيم) ".

ومن الأحاديث التي فيها منع الجهر حديث قيس بن عباية الذي ذكرناه عن قريب. قال الترمذي فيه: حديث حسن، والعمل علي عند أكثر أهل العلم من أصحاب النبي- عليه السلام منهم أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وغيرهم، ومَن بعدهم من التابعين، وبه يقول سفيان الثوري، وابن المبارك، وأحمد، وإسحاق: لا يرون الجهر ب (بسم الله الرحمنِ الرحيم) في الصلاة، ويقولها في نفسه.

وقال النووي في " الخلاصة ": وقد ضعف الحفاظ هذا الحديث، وأنكروا على الترمذي تحسينه، كابن خزيمة، وابن عبد البر، والخطيب، وقالوا: إن مداره على ابن عبد الله بن مغفل، وهو مجهول.

قلت: رواه أحمد في " مسنده " من حديث أبي نعامة، والطبراني في

" معجمه " من طريقين: طريق من عبد الله بن شريدة، وطريق من أبي سفيان، فالطرق الثلاثة عن ابن عبد الله بن مغفل، وكذلك رواه أبو بكر بن أبي شيبة كما ذكرناه، وقد رواه من طريق ابن عبد الله. وقال الخطيب: عبد الله بن بريشة أشهر من أن يثنى عليه، وأبو سفيان السعدي

(1) مكررة في الأصل.

ص: 404

وإن تكلم فيه، ولكنه يعتبر به ما تابعه علي غيره من الثقات، وهو الذي

يسمى ابن عبد الله بن مغفل.

قلت: فقد ارتفعت الجهالة عن ابن عبد الله بن مغفل برواية هؤلاء

الثلاثة الأجلاء عنه، وبالجملة فهذا حديث صريح في عدم الجهر بالبسملة، وهو وإن لم يكن / من أقسام الصحيح فلا ينزل عن درجة [1/261-ب] الحسن، وقد حسَنه الترمذي، والحديث الحسن يحتج به لا سيما إذا

تعددت شواهده، وكثرت متابعاته، والذين تكلموا فيه، وتركوا الاحتجاج به لجهالة ابن عبد الله بن مغفل، واحتجوا في هذه المسألة بما

هو أضعف منه، بل احتج الخطيب بما يعلم هو أنه موضوع، ولم يُحْسِن

البيهقي في تضعيف هذا الحديث إذ قال بعد أن رواه في كتاب " المعرفة "

من حديث أبي نعامة: تفرد به أبو نعامة قيس بن عبادة، وأبو نعامة،

وابن عبد الله بن مغفل، لم يحتج بهما صاحبا الصحيح.

قلت: قوله: " تفرد به أبو نعامة " ليس بصحيح، فقد تابعه عبد الله

ابن بريدة، وأبو سفيان السعدي.

وقوله:، وأبو نعامة، وابن عبد الله بن مغفل لم يحتج بهما صاحبا

الصحيح " ليس بلازم في صحة الإسناد، ولئن سلمنا فقد قلنا: إنه

حسن، والحسن يحتج به، وهذا الحديث مما يدل على أن ترك الجهر

عندهم كان ميراثا عن نبيهم- عليه السلام يتوارثونه خلفُهم عن

سلفهم، وهذا وجه كان في المسألة، لأن الصواب الجهرية دائمة صباحا

ومَساء، فلو كان- عليه السلام يجهر بها دائما " وقع فيه اختلاف ولا

اشتباه، ولكان معلوما بالاضطرار، و" قال أنس: " لم يجهر بها- عليه

السلام- ولا خلفاؤه الراشدون "، ولا قال عبد الله بن مغفل ذلك أيضا،ً

وسماه حَدَثاً، و" استمر عمل أهل المدينة في محراب النبي- عليه

السلام- ومقامه على ترك الجهر، فتوارثه آخرُهم عن أولهم، وذلك جار

عندهم مجرى الصاع والمد، بل أبلغ من ذلك، لاشتراك جميع المسلمين

في الصلاة، ولأن الصلاة تتكرر كل يوم وليلة، وكم من إنسان لا يحتاج

ص: 405

إلى صاع ولا مد، ومن يحتاجه يمكث مدة لا يحتاج إليه، ولا يظن عاقل أن أكابر الصحابة والتابعين، وأكثر أهل العلم كانوا يواظبون على خلاف ما كان رسول الله- عليه السلام يفعله.

ومنها: ما أخرجه مسلم في " صحيحه "(1) ، عن بديل بن ميسرة،

عن أبي الجوزاء، عن عائشة- رضي الله عنها قالت:" كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم يستفتح الصلاة بالتكبير والقراءة ب " الحمدُ لله رَبّ العَالمينَ " انتهى. َ

وهذا ظاهر في عدم الجهر بالبسملة، وتأويله على إرادة اسم السورة يتوقف على أن السورة كانت تسمى عندهم بهذه الجملة، فلا يعدل عن حقيقة اللفظ وظاهره إلى مجازه إلا بدليل.

فإن قيل: هذا الحديث معلول بأمرين. الأول: أن أبا الجوزاء لا يعرف

له سماع من عائشة.

والثاني: أنه يروى عن عائشة: " أنه- عليه السلام كان يجهر ". قلنا: يكفينا ابنه حديث أودعه مسلم في " صحيحه "، وأبو الجوزاء اسمه: أوس بن عبد الله الربعي، ثقة كبير، لا ينكر سماعه من عائشة، وقد احتج به الجماعة.

وبديل بن ميسرة تابعي، مُجمع على عدالته وثقته، وقد حدث بهذا الحديث عنه الأئمة الكبار، وتلقاه العلماء بالقبول ولم يتكلم فيه أحد منهم، وما رُوي عن عائشة من الجهر فكذب بلا شك، فيه الحكم بن عبد الله بن سعد، وهو كذاب دجال، لا يحل الاحتجاج به، ومن العجب القدح في الحديث الصحيح والاحتجاج بالباطل.

ومنها: ما رواه الإمام أبو بكر الرازي في " أحكام القرآن ": أخبرنا

أبو الحسن الكرخي، ثنا الحضرمي، أنا محمد بن العلاء، ثني معاوية بن هشام، عن محمد بن جابر، عن حماد، عن إبراهيم، عن عبد الله،

(1) كتاب الصلاة، باب: ما يجمع صفة الصلاة

(489/240) .

ص: 406

قال:، ما جهر رسولُ الله في صلاة مكتوبة ب " بسم اللهِ الرحمنِ

الرحيم "، ولا أبو بكر، ولَا عمرُ ". انتهى.

قلت: هذا الحديث وإن لم يقم به حجة، ولكنه شاهد لغيره من

الأحاديث، فإن محمد بن جابر تكلم فيه غيرُ واحد من الأئمة، وإبراهيم

لم يلق عبد الله بن مسعود، فهو ضعيف ومنقطع، والحضرمي هو:

محمد بن عبد الله الحافظ المعروف بمطين، وشيخه محمد بن العلاء

أبو كريب الحافظ، روى عنه الأئمة الستة بلا واسطة، وللقائلين بالجهر أحاديث، أجودها حديث نعيم المجمر، قال: " صليت وراء أبي هريرة

فقرأ " بسم الله الرحمن الرحيم " ثم قرأ بأم القرآن، حتى قال: (غير المَغْضُوب عليهم ولا الضَّالين " قال: آمين /، وفي آخره: " ف" سلم [1/262-أ] قال: إنيَ لأشبهكم صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم رواه النسائي في " سننه "،

وابن خزيمة وابن حبان في " صحيحيهما "، والحاكم في " مستدركه "،

وقال: إنه على شرط الشيخين ولم يخرجاه، والدارقطني في " سننه "،

وقال: حديث صحيح، ورواته كلهم ثقات، والبيهقي في (سننه "،

وقال: إسناد صحيح، وله شواهد (1) .

وقال في " الخلافيات ": رواته كلهم ثقات، مجمع على عدالتهم،

محتج بهم في الصحيح، والجواب عنه من وجوه، الأول: أنه معلول،

فإن ذكر البسملة فيه مما تفرد به نعيم المجمع من بين أصحاب أبي هريرة،

وهم ثمانمائة ما بين صاحب، وتابع، ولا يثبت عن ثقة من أصحاب

أبي هريرة أنه حدث عن أبي هريرة، أنه- عليه السلام كان يجهر

بالبسملة في الصلاة، ألا ترى كيف أعرض صاحبا الصحيح عن ذكر

البسملة في حديث أبي هريرة: " كان يكبر في كل صلاة من المكتوبة

وغيرها " الحديث؟

(1) النسائي: كتاب الافتتاح، باب: قراءة " بسم الله الرحمن الرحيم "(2 / 134)، وابن خزيمة (1 /251) : كتاب الصلاة، وابن حبان (5 /1797) ،

والحاكم (1 /232) ، والدارقطني (1/305-306) ، والبيهقي (2 /46) .

ص: 407

فإن قيل: قد رواها نعيم المجمر وهو ثقة، والزيادة من الثقة مقبولة. قلنا: ليس ذلك مجمعا عليه، بل فيه خلاف مشهور، فمنهم من يقبلها مطلقا، ومنهم من لا يقبلها، والصحيح التفصيل وهو أنها تقبل في موضع دون موضع، فتقبل إذا كان الراوي الذي رواها ثقة، حافظا، ثبتا، والذي لم يذكرها مثله، أو دونه في الثقة، كما قبل الناس زيادة مالك بن أنس قوله:" من المسلمين " في صدقة الفطر، واحتج بها أكثر العلماء، ومن حكم في ذلك حكما عاما فقد غلط، بل كل (1) زيادة لها حكم يخصها، ففي موضع يجزم بصحتها كزيادة مالك، وفي موضع يغلب على الظن صحتها كزيادة سعد بن طارق في حديث:" جُعلت لي الأرض مسجدا، وجعلت تربتها لنا طهورا ". وفي موضع يجزم بخطإ الزيادة كزيادة معمر ومن وافقه قوله:" وإن كان مائعا فلا تقربوه "، وكزيادة عبد الله بن زياد ذكر البسملة في حديث:" قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين "، وإن كان معمر ثقة، وعبد الله بن زياد ضعيفا، فإن الثقة قد يغلط، وفي موضع يغلب على الظن خطؤها كزيادة معمر في حديث ماعز:" الصلاة عليه "، رواه البخاري في " صحيحه "، وسئل هل رواها غير معمر؟ فقال: لا، وقد رواه أصحاب السنن الأربعة عن معمر، وقال فيه:" ولم يصل علي " فقد اختلف على معمر في ذلك، والراوي عن معمر هو: عبد الرزاق، وقد اختلف علي أيضاً، والصواب أنه قال:" ولم يصل عليه ".

وفي موضع يتوقف في الزيادة كما في أحاديث كثيرة، وزيادة نعيم المجمر التسمية في هذا الحديث مما يتوقف فيه، بل يغلب على الظن ضعفه، وعلى تقدير صحتها فلا حجة فيها لمن قال بالجهر، لأنه قال:" فقرأ " أو" فقال: (بسم الله الرحمن الرحيم) ، وذلك أعم من قراءتها سرا أو جهرا، وإنما هو حجة على من لا يرى قراءتها.

فإن قيل: لو كان أبو هريرة أسر بالبسملة، ثم جهر بالفاتحة لم يعبر

(1) في الأصل: وكان " خطأ، وما أثبتناه من نصب الراية (1 / 336) .

ص: 408

عن ذلك نعيم بعبارة واحدة متناولة للفاتحة والبسملة تناولا واحدا، ولقال:

" فأسر بالبسملة، ثم جهر بالفاتحة "، والصلاة كانت جهرية بدليل تأمينه،

وتأمين المأمومين. قلنا: ليس الجهر فيه بصريح ولا ظاهر يوجب الحجة،

ومثل هذا لا يقدم على النص الصريح المقتضي للإسرار، ولو أخذ الجهر

من هذا الإطلاق لأخذ منه أنها ليست من أم القرآن، فإنه قال: " فقرأ

(بسم الله الرحمن الرحيم) ثم قرأ أم القرآن"، والعطف يقتضي المغايرة.

الوجه الثاني: أن قوله:" فقرأ " أو" قال " ليس بصريح أنه سمعها

منه إذ يجوز أن يكون أبو هريرة أخبر نعيما بأنه قرأها سرا، ويجوز أن

يكون سمعها منه في مخافتته لقربه منه، كما روي عنه من أنواع الاستفتاح

وألفاظ الذكر في: قيامه، وقعوده، وركوعه، وسجوده، ولم يكن

ذلك منه دليلاً على الجهر.

الوجه الثالث: أن التشبيه لا يقتضي أن يكون مثله من كل وجه، بل

يكفي في غالب الأفعال، وذلك متحقق في التكبير وغيره دون البسملة،

فإن التكبير وغيره / من أفعال الصلاة ثابت صحيح عن أبي هريرة، وكان [1/262-ب] مقصوده الرد على من تركه، وأما التسمية ففي صحتها عنه نظر فينصرف

إلى الصحيح الثابت دون غيره، ومما يلزمهم على القول بالتشبيه من كل

وجه أن يقولوا بالجهر بالتعوذ، لأن الشافعي روى: أخبرنا ابن محمد الأسلمي، عن ربيعة بن عثمان، عن صالح بن أبي صالح، أنه سمع

أبا هريرة:" وهو يؤم الناس، رافعا صوته في المكتوبة، إذا فرخ من

أم القرآن: ربنا إنا نعوذ بك من الشيطان الرجيم".

فهلا أخذوا بهذا كما أخذوا بجهر البسملة مستدلين بما في "الصحيحين"

عنه " فما أسمعنا- عليه السلام أسمعناكم وما أخفانا أخفيناكم"(1) ،

وكيف يظن بأبي هريرة أنه يريد التشبيه في الجهر بالبسملة وهو الراوي عن

النبي- عليه السلام قال: يقول الله تعالى:" قسمت الصلاة بيني وبين

(1) يأتي برقم (774)، وعندهم:" وما أخفى علينا أخفينا عليكم ".

ص: 409

عبدي نصفين، فنصفها لي ونصفها لعبدي، ولعبدي ما سأل، فإذا قال العبد:(الحمد لله رب العالمين) قال الله: حمدني عبدي، وإذا قال:(الرحمن الرحيم) قال الله: أثنى عليّ عبدي، وإذا قال: ومالك يوم الدين " قال الله: مجدني عبدي، وإذا قال: (إياكَ نعبدُ وإياكَ نَستعينُ) قال الله: هذا بيني وبن عبدي، ولعبدي ما سأل، فإذا قال: (اهْدنَا الصراطَ المستقيمَ أو صِراطَ الذينَ أنعمت عليهم غير المغضوبِ عليهم ولا الضالينَ) قال الله: هذا لعبدي، ولعبدي ما سألَ " أخرجه مسلم في " صحيحه "، عن سفيان بن عيينة، عن العلاء بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن أبي هريرة، فذكره (1) .

وعن مالك بن أنس، عن العلاء بن عبد الرحمن، عن أبي السائب (2) ، عن أبي هريرة (3) ، وعن ابن جريج، عن العلاء بن عبد الرحمن [به](4) ، وهذا الحديث ظاهر في أن البسملة ليست من الفاتحة وإلا لابتدأ بها، لأن هذا محل بيان واستقصاء لآيات السورة، حتى إنه لم يخل منها بحرف، والحاجة إلى قراءة البسملة أمَس ليرتفع الإشكال. قال ابن عبد البر: حديث العلاء هذا قاطعُ تعلق المتنازعين، وهو نص لا يحتمل التأويل، ولا أعلم حديثا في سقوط البسملة أبين منه، واعترض بعض المتأخرين على هذا الحديث بأمرين، أحدهما: لا يعتبر بكون هذا الحديث في مسلم، فإن العلاء بن عبد الرحمن تكلم فيه ابن معين، فقال: ليس حديثه بحجة، مضطرب الحديث ليس بذاك، هو ضعيف، رُوي عنه هذه الألفاظ جميعها. وقال ابن عدي: ليس بالقوي، وقد انفرد بهذا الحديث فلا يحتج به.

(1) مسلم: كتاب الصلاة، باب: وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة

(395 / 38) .

(2)

في الأصل: " عن أبيه"، وما أثبتناه من صحيح مسلم.

(3)

مسلم (395 / 39) .

(4)

زيادة من نصب الراية (1 / 339) ، وانظره في صحيح مسلم (395 / 0 4) .

ص: 410

الثاني: قال: وعلى تقدير صحته فقد جاء في بعض الروايات عنه ذكر

التسمية، كما أخرجه الدارقطني، عن عبد الله بن زياد بن سمعان، عن

العلاء بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن أبي هريرة، سمعت رسول الله

عليه السلام يقول: " قسمتُ الصلاةَ بيني وبين عبدي نصفين،

فنصفها له، يقول عبدي إذا افتتح الصلاة:(بسم الله الرحمن الرحيم)

فيذكرني عبدي، ثم يقول:(الحمد لله رب العالمين) فأقول: حمدني عبدي

" إلى آخره (1) ، وهذه الرواية وإن كان فيها ضعف، ولكنها

مفسرة لحديث مسلم أنه أراد السورة لا الآية.

قلت: هذا القائل حمله الجهل، وفرط التعصب، ورداءة الرأي

والفكر، على أنه ترك الحديث الصحيح، وضعفه لكونه غير موافق لمذهبه

وقال: لا يعتبر بكونه في مسلم، مع أنه قد رواه عن العلاء الأئمةُ الثقات

الأثبات: كمالك، وسفيان بن عيينة، وابن جريج، وشعيب،

وعبد العزيز الدراوردي، وإسماعيل بن جعفر، ومحمد بن إسحاق،

والوليد بن كثير، وغيرهم، والعلاء نفسه ثقة صدوق، وهذه الرواية مما

انفرد بها عنه ابن سمعان وهو كذاب، ولم يخرجها أحد من أصحاب

الكتب الستة، ولا في المصنفات المشهورة، ولا المسانيد المعروفة، وإنما

رواه الدارقطني في " سننه " التي يروي فيها غرائب الحديث. وقال عمر

ابن عبد الواحد: سألت مالكا عنه، أي: عن ابن سمعان، فقال:

كان كذابا. وقال يحيى بن بكير: قال هشام بن عروة / فيه: لقد كذب [1/263-أ] علي، وحدث عني بأحاديث لم أحدثه بها، وعن أحمد بن حنبل:

متروك الحديث، وسئل ابن معين عنه؟ فقال: كان كذابا، وقيل لابن

إسحاق: إن ابن سمعان يقول: سمعت مجاهدا، فقال: لا إله إلا الله،

أنا والله أكبر منه، ما رأيت مجاهداً ولا سمعت منه. وقال ابن حبان:

كان يروي عمن لم يره، ويحدث بما لم يسمع. وقال أبو داود: متروك

الحديث، كان من الكذابين. وقال النسائي: متروك.

(1) سنن الدارقطني (1 / 312) .

ص: 411

وكيف يعل الحديث الصحيح الذي رواه مسلم في " صحيحه " بالحديث الضعيف الذي رواه الدارقطني عن كذاب متروك لا شيء؟ ! وهلا جعلوا الحديث الصحيح علة للضعيف ومخالفة أصحاب أبي هريرة الثقات الأثبات لنعيم موجبا لرده؟ إذ مقتضى العلم أن يعلل الحديث الضعيف بالحديث الصحيح، كما فعلنا نحن.

ومنها: ما أخرجه الخطيب، عن أبي أويس، واسمه: عبد الله بن أويس، قال: أخبرني العلاء بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن أبي هريرة

" أن النبي- عليه السلام كان إذا أم الناس جهر ب (بسم الله الرحمن الرحيم) ".

ورواه الدارقطني في " سننه "(1)، وابن عدي في " الكامل " (2) فقالا فيه:" قرأ " عوض " جهر "، وكأنه رواه بالمعنى، والجواب: أن هذا غير محتج به، لأن أبا أويس لا يحتج بما انفرد به، وكيف إذا انفرد بشيء وخالفه فيه من هو أوثق منه؟ ! مع أنه متكلم فيه، فوثقه جماعة، وضعفهْ آخرون، وممن ضعفه: أحمد بن حنبل، وابن معين، وأبو حاتم الرازي، وممن وثقه: الدارقطني، وأبو زرعة. وقال ابن عدي: يكتب حديثه.

فإن قيل: أبو أويس قد أخرج له مسلم في " صحيحه ". قلت: صاحبا الصحيح إذا أخرجا لمن تكلم فيه إنما يخرجان بعد انتقائهما من حديثه ما توبع علي، وظهرت شواهده، وعلم أن له أصلا، ولا يخرجان ما تفرد به سيما إذا خالفه الثقات، وهذه العلة راجت على كثير ممن استدرك على " الصحيحين"، فتساهلوا في استدراكهم، وفي أكثرهم تساهلا الحاكم أبو عبد الله في كتابه " المستدرك " فإنه يقول: هذا على شرط الشيخين، أو أحدهما، وفيه هذه العلة، إذ لا يلزم من كون

(1)(1/306)

(2)

(5 / 301) ترجمة عبد الله بن عبد الله بن أبي عامر أبي أويس.

ص: 412

الراوي محتجا به في الصحيح أنه إذا وجد في أي حديث كان يكون ذلك

الحديث على شرطه، ولهذا قال ابن دحية في كتابه " العلم المشهور ":

ويجب على أهل الحديث أن يتحفظوا من قول الحاكم أبي عبد الله، فإنه

كثير الغلط، ظاهر السقط، وقد غفل عن ذلك كثير ممن جاء بعده،

وقلده في ذلك، والمقصود أن حديث أبي أويس هذا لم يترك لكلام الناس

فيه، بل لتفرده به، ومخالفة الثقات له، وعدم إخراج أصحاب المسانيد،

والكتب المشهورة، والسنن المعروفة، ولرواية مسلم الحديث في " صحيحه "

من طريقه، وليس فيه ذكر البسملة.

فإن قيل: قد جاء من طريق آخر، أخرجه الدارقطني (1) ، عن خالد

ابن إلياس، عن سعيد بن أبي سعيد المقبري، عن أبي هريرة، قال: قال

رسول الله: " علمني جبريل الصلاة، فقام فكبر لنا، ثم قرأ: (بسم الله

الرحمن الرحيم) فيما يجهر به في كل ركعة ".

قلت: هذا إسناد ساقط، فإن خالد بن إلياس مجمع على ضعفه.

قال البخاري، عن أحمد: إنه منكر الحديث. وقال ابن معين: ليس

بشيء، ولا يكتب حديثه. وقال ابن أبي حاتم، عن أبيه: منكر الحديث

وقال النسائي: متروك الحديث. وقال البخاري: ليس بشيء. وقال ابن

حبان: يروي الموضوعات عن الثقات. وقال الحاكم: روى عن المقبري،

ومحمد بن المنكدر، وهشام بن عروة أحاديث موضوعة.

فإن قيل: قد جاء آخر رواه الدارقطني (2) أيضاً، عن جعفر بن مكرم،

نا أبو بكر الحنفي، نا عبد الحميد بن جعفر، أخبرني نوح بن أبي بلال،

عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله- عليه السلام: " إذا قرأتم الحمد، فاقرءوا (بسم الله الرحمن الرحيم) إنها

أم القرآن، وأم الكتاب، والسبع المثاني، و (بسم الله الرحمن الرحيم)

أحد آياتها ". قلت: قال أبو بكر الحنفي: ثم لقيت نوحا / فحدثني [1/263-ب] " عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة مثله، ولم يرفعه.

(1)(1 / 307) .

(2)

(1 / 312) .

ص: 413

فإن قيل: قال عبد الحق في " أحكامه الكبرى ": رفع هذا الحديث

عبد الحميد بن جعفر، وهو ثقة، وثقه ابن معين. قلت: كان سفيان الثوري يضعفه، ويحمل عليه، ولئن سلمنا رفعه فليس فيه دلالة على الجهر، ولئن سلم، فالصواب فيه الوقف كما قال الدارقطني: اختلف فيه على نوح بن أبي بلال، فرواه عبد الحميد عنه، واختلف عنه، فرواه المعافى بن عمران، عن عبد الحميد، عن نوح، عن المقبري، عن أبي هريرة مرفوعا، ورواه أسامة بن زيد، وأبو بكر الحنفي، عن نوح، عن المقبري، عن أبي هريرة موقوفا، وهو الصواب.

فإن قيل: هذا موقوف، في حكم المرفوع، إذ لا يقول الصحابي:

إن البسملة إحدى آيات الفاتحة إلا عن توقيف، أو دليل قوي ظهر له، وح (1) يكون له حكم سائر آيات الفاتحة من الجهر، والإسرار. قلت: لعل أبا هريرة سمع النبي- عليه السلام يقرأها فظنها من الفاتحة، فقال: إنها إحدى آياتها، ونحن لا ننكر أنها من القراَن، ولكن النزاع في موضعين، أحدهما: أنها آية من الفاتحة، والثانية: أن لها حكم سائر آيات الفاتحة جهراً وسرا، ونحن نقول: إنها آية مستقلة قبل السورة، وليست منها، جمعا بين الأدلة، وأبو هريرة لم يخبر عن النبي- عليه السلام أنه قال: هي إحدى آياتها، وقراءتها قبل الفاتحة لا يدل على ذلك، وإذا جاز أن يكون مستند أبي هريرة قراءة النبي- عليه السلام لها وقد ظهر أن ذلك ليس بدليل على محل النزاع، فلا يعارض به أدلتنا الصحيحة الثابتة، وأيضا فالمحفوظ الثابت عن أبي سعيد المقبري، عن أبي هريرة في هذا الحديث عدم ذكر البسملة كما رواه البخاري في "صحيحه " من حديث ابن أبي ذئب، عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله: " والحمد لله " هي أم القرآن، وهي السبع المثاني، والقرآن العظيم "، ورواه أبو داود، والترمذي، وقال: حسن صحيح (2) على أن عبد الحميد بن جعفر ممن تكلم فيه، ولكن وثَّقه أكثر

(1) أي: " وحينئذ ".

(2)

يأتي برقم (1427) .

ص: 414

العلماء، واحتج به مسلم في " صحيحه "، وليس تضعيف مَن ضعفه مما يوجب رد حديثه، ولكن الثقة قد يغلط، والظاهر أنه قد غلط في هذا الحديث، والله أعلم.

ومنها: ما رواه الحاكم في " مستدركه "(1) : عن سعيد بن عثمان الخراز

ثنا عبد الرحمن بن سعد المؤذن، ثنا فطر بن خليفة، عن أبي الطفيل، عن علي، وعمار:" أن النبي- عليه السلام كان يجهر في المكتوبات ب (بسم الله الرحمن الرحيم) "، وقال: صحيح الإسناد، لا أعلم في راويه منسوبا إلى الجرح، والجواب: قال الذهبي في " مختصره ": هذا خبر واهي، كأنه موضوع، لابن عبد الرحمن صاحب مناكير، ضعفه ابن معين، وسعيد إن كان الكريزي فهو ضعيف، وإلا فهو مجهول.

وعن الحاكم رواه البيهقي في " المعرفة " بسنده ومتنه، وقال: إسناده ضعيف، إلا أنه أمثل من حديث جابر الجعفي. قلت: وفطر بن خليفة قال السعدي: غير ثقة، روى له البخاري مقرونا بغيره والأربعة، وتصحيح الحاكم لا يعتد به سيما في هذا الموضع، فقد عرف تساهله في ذلك. قال ابن عبد الهادي: هذا حديث باطل، ولعله أدخل علي. وروى الدارقطني هذا الحديث في " سننه "(2) ، عن أسيد بن زيد،

عن عمرو بن شمر، عن جابر، عن أبي الطفيل، عن علي وعمار نحوه، وعمرو بن شمر، وجابر الجعفيان كلاهما لا يجوز الاحتجاج به، لكن عمرا أضعف من جابر. قال الحاكم: عمرو بن شمر كثير الموضوعات عن جابر وغيره. وقال الجُوزجاني: عمرو بن شمر زائغ كذاب. وقال البخاري: منكر الحديث. وقال النسائي، والدارقطني، والأزدي: متروك الحديث. وقال ابن حبان: كان رافضيا يسب الصحابة، وكان يروي الموضوعات عن الثقات، لا يحل كتب حديثه إلا على جهة التعجب. وأما جابر الجعفي فقال فيه الإمام أبو حنيفة: ما رأيت أكذب

(1)(1 / 439) كتاب العيدين.

(2)

(1 / 302) .

ص: 415

من جابر الجعفي، ما أتيته بشيء من رأي إلا أتاني فيه بأثر، وكذبه أيضاً: أيوب، وزائدة، وليث بن أبي سليم، والجُوزجاني، وغيرهم. ورواه الدارقطني [1/264-أ](1) أيضاً / عن عيسى بن عبد الله بن محمد بن عمر بن علي ابن أبي طالب، حدَثني أبي، عن أبيه، عن جده، عن علي، قال: قال: " كان- عليه السلام يجهر ب (بسم الله الرحمن الرحيم) في السورتين جميعا الفاتحة ".

والجواب: أن عيسى هذا والد أحمد بن عيسى المتهم بوضع حديث ابن عمر. قال ابن حبان، والحاكم: روى عن آبائه أحاديث موضوعة، لا يحل الاحتجاج به.

ومنها: ما رواه الحاكم في " المستدرك "(2) ، عن عبد الله بن عمرو ابن حسان، َ ثنا شريك، عن سالم، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: كان رسول الله يجهر ب (بسم الله الرحمن الرحيم) . قال الحاكم: إسناده صحيح وليس له علة.

والجواب: أن هذا الحديث غير صريح ولا صحيح، أما كونه غير صريح فإنه ليس فيه أنه في الصلاة، وأما غير صحيح فإن عبد الله بن عمرو بن حسان كان يضع الحديث، قاله إمام الصنعة علي بن المديني. وقال عبد الرحمن بن أبي حاتم: سألت أبي عنه فقال: ليس بشيء، كان يكذب. وقال ابن عدي: أحاديثه مقلوبات. ورواه الدارقطني (3) عن أبي الصلت الهروي، واسمه: عبد السلام بن صالح، ثنا عباد بن العوام، ثنا شريك، عن سالم، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال:" كان النبي- عليه السلام يجهر في الصلاة ب (بسم الله الرحمن

(1)(1 / 302) .

(2)

(1 / 208)، وقال الذهبي في " مختصره ": صحيح وليس له علة! كذا قال المصنفة وابن حسان كذبه غير واحد، ومثل هذا لا يخفى على المصنف.

(3)

سنن الدارقطني (1 / 303) .

ص: 416

الرحيم) ، وهذا أضعف من الأول، فإن أبا الصلت متروك. قال أبو حاتم: ليس عندي بصدوق. وقال الدارقطني: رافضي خبيث. ومنها: ما رواه البزار في " مسنده " عن المعتمر بن سليمان، ثنا إسماعيل، عن أبي خالد، عن ابن عباس: " أن النبي- عليه السلام كان يجهر ب (بسم الله الرحمن الرحيم) في الصلاة. قال البزار: وإسماعيل لم يكن بالقوي في الحديث.

قلت: هذا الحديث رواه أبو داود في " سننه "(1) ، والترمذي في " جامعه " بهذا السند (2) ، والدارقطني في

"سننه "(3)، وكلهم قالوا فيه:" كان يفتتح صلاته ب (بسم الله الرحمن الرحيم) قال الترمذي: ليس إسناده بذاك. وقال أبو داود: حديث ضعيف. ورواه العقيلي في " كتابه " (4) ، وأعله بإسماعيل هذا، وقال: حديثه غير محفوظ، ويرويه عن مجهول، ولا يصح في الجهر بالبسملة حديث مسند. انتهى.

ورواه ابن عدي، وقال: حديث غير محفوظ، وأبو خالد مجهول (5) وله طريق آخر عند الدارقطني (6) ، عن عمر بن حفص المكي، عن ابن جريج، عن عطاء، عن ابن عباس:" أن النبي- عليه السلام لم يزل يجهر في السورتين ب (بسم الله الرحمن الرحيم) حتى قبض " انتهى. وهذا لا يجوز الاحتجاج به، فإن عمر بن حفص " ضعيف. قال ابن الجوزي في " التحقيق": أجمعوا على ترك حديثه.

ومنها: ما رواه الدارقطني (7) : ثنا عمر بن الحسن بن عليّ الشيباني، ثنا جعفر بن محمد بن مروان، لنا أبو طاهر أحمد بن عيسى، ثنا ابن

(1) ذكره الحافظ المزي في التحفة (5 / 6537) ، وعزاه إلى أبي داود، وقال: حديث" د " في رواية أبي الطيب بن الأشناني، ولم يذكره أبو القاسم. اه.

(2)

كتاب الصلاة، باب: من رأى الجهر ب (بسم الله الرحمن الرحيم)(245) .

(3)

(1 / 304) .

(4)

(1/ 80-81) .

(5)

الكامل (1 / 505- ترجمة إسماعيل بن حماد بن أبي سليمان) .

(6)

(304 / 1)

(7)

(1 / 305) .

27.

شرح. سنن أبي داوود3

ص: 417

أبي فديك، عن ابن أبي ذئب، عن نافع، عن ابن عمر، قال:" صليت خلف النبي- عليه السلام وأبي بكر، وعمر، فكانوا يجهرون ب (بسم الله الرحمن الرحيم) ".

والجواب: إن هذا باطل من هذا الوجه، لم يحدث به ابن أبي فديك قط، والمتهم به أحمد بن عيسى بن عبد الله بن محمد أبو طاهر الهاشمي، وقد كذبه الدارقطني، فيكون كاذبا في روايته عن مثل هذا الثقة، وعمر ابن الحسن شيخ الدارقطني، تكلم فيه الدارقطني أيضاً، وقال: هو ضعيف، وقال الخطيب: سألت الحسن بن محمد الخلال عنه، فقال: ضعيف، وجعفر بن محمد بن مروان ليس بمشهور بالعدالة، وقد تكلم فيه الدارقطني أيضاً، وقال: لا يحتج به، وله طريق آخر عند الخطيب، عن عَبادة بن زياد الأسدي، ثنا يونس بن أبي يعفور العبدي، عن المعتمر ابن سليمان، عن ابن أبي عبيدة، عن مسلم بن حبان، قال:، صليت خلف ابن عمر، فجهر ب (بسم الله الرحمن الرحيم) في السورتين، فقيل له، فقال: صليت خلف رسول الله حتى قبض، وخلف أبي بكر، حتى قبض، وخلف عمر حتى قبض، فكانوا يجهرون بها في السورتين، فلا أدع الجهر بها حتى أموت" انتهى.

وهذا أيضاً باطل، وعَبادة بن زياد بفتح العين. قال أبو حاتم: كان

[1/264-ب] من رؤساء الشيعة. / وقال الحافظ محمد النيسابوري: هو مجمع على كذبه، وشيخه يونس بن أبي يعفور فيه مقال، ضعفه النسائي، وابن معين. وقال ابن حبان: يروي عن الثقات ما لا يشبه حديث الأثبات، لا يجور الاحتجاج عندي بما انفرد به، ومسلم بن حبان غير معروف. ومنها: ما رواه الدارقطني في " سننه "(1) ، عن يعقوب بن يوسف

ابن زياد الضبي، ثني أحمد بن حماد الهمداني، عن فَطر بن خليفة، عن أبي الضحى، عن النعمان بن بشير، قال: قال رسول الله- عليه

(1)(1 / 309) .

ص: 418

السلام-: " أمني جبريل- عليه السلام عند الكعبة، فجهر ب (بسم الله الرحمن الرحيم) ".

والجواب: إن هذا حديث منكر، بل موضوع. وقال الشيخ جمال الدين الزيلعي: يعقوب بن يوسف الضبي ليس بمشهور، وقد فتشت علي في عدة كتب من الجرح والتعديل فلم أر له ذكرا أصلاً، وأحمد بن حماد ضعفه الدارقطني، وسكوت الدارقطني، والخطيب، وغيرهما من الحفاظ عن مثل هذا الحديث بعد روايتهم له قبيح جدا.

ومنها: ما رواه الدارقطني (1) : ثنا أبو القاسم الحسن (3) بن محمد ابن بشر الكوفي، ثنا أحمد بن موسى بن إسحاق الحمار، ثنا إبراهيم ابن حبيب، ثنا موسى بن أبي حبيب الطائفي، عن الحكم بن عمير، وكان بدريا، قال:" صليت خلف النبي- عليه السلام فجهر ب (بسم الله الرحمن الرحيم) في صلاة الليل، وصلاة الغداة، وصلاة الجمعه. والجواب: إن هذا من الأحاديث الغريبة المنكرة، بل هو حديث باطل لوجوه، الأول: أن الحكم بن عمير ليس بدريا، ولا في البدريين أحد اسمه الحكم بن عمير، بل لا يعرف له صحبة، فإن موسى بن [أبي] حبيب الراوي عنه لم يلق صحابيا، بل هو مجهول لا يحتج بحديثه. وقال ابن أبي حاتم في كتاب " الجرح والتعديل "، الحكم بن عمير روى عن النبي عليه السلام أحاديث منكرة، لا يذكر سماعا ولا لقاء. روى عنه: ابن أخيه موسى بن أبي حبيب، وهو ضعيف الحديث، سمعت أبي يذكر ذلك، وقد ذكر الطبراني في " معجمه الكبير " الحكم بن عمير، وقال في نسبته الثمالي، ثم روى له بضعة عشر حديثا منكرا، وكلها من رواية موسى بن أبي حبيب عنه. وروى له ابن عدي في، الكاملة قريبا من عشرين حديثاً ولم يذكرا فيها هذا الحديث، والراوي عن موسى هو: إبراهيم بن إسحاق الصيني الكوفي. قال الدارقطني: متروك الحديث،

(1)(1 / 310) .

(2)

في الأصل: " الحسن " خطأ.

ص: 419

ويحتمل أن يكون هذا الحديث صنعته، فإن الذين رووا نسخة موسى عن الحكم، لم يذكروا هذا الحديث فيها، كبقي بن مخلد، وابن عدي، والطبراني، وإنما رواه فيما علمنا الدارقطني، ثم الخطيب، ووهم الدارقطني، فقال: إبراهيم بن حبيب، وإنما هو إبراهيم بن إسحاق، وتبعه الخطيب، وراد وهما ثانيا، فقال الضبي- بالضاد المعجمة والباء الموحدة وإنما هو الصيني- بالصاد المهملة والنون-.

ومنها: ما رواه الدارقطني (1) : ثنا أحمد بن محمد بن سعيد،

ثنا أحمد بن رشد بن خثيم، ثنا عمي سعيد بن خثيم، ثنا حنظلة بن أبي سفيان، عن سالم، عن ابن عمر:" أنه كان يجهر ب (بسم الله الرحمن الرحيم) ، وذكر أن رسول الله كان يجهر بها "

والجواب: إن هذا لا يصح، وسعيد بن خثيم تكلم فيه ابن عدي وغيره، والحمل فيه على ابن أخيه أحمد بن رشد بن خثيم، فإنه متهم، وله أحاديث بواطيل، ذكرها الطبراني وغيره، والراوي عنه هو: ابن عبدة الحافظ، وهو كثير الغرائب والمناكير، روى في الجهر أحاديث كثيرة عن ضعفاء، وكذابين، ومجاهيل، والحمل فيها عليهم لا عليه، وروى له الخطيب في أول " تاريخه " حديثا موضوعا، هو الذي صنعه بسنده إلى العباس، أنه- عليه السلام قال له:" أنت عمي، وصنو أبي، وابنك هذا أبو الخلفاء من بعدي، منهم السفاح، ومنهم المنصور، ومنهم المهدي"

ومنها: ما رواه الحاكم في" المستدرك "(2) ، عن عمر بن هارون، عن ابن جريج، عن ابن أبي مليكة، عن أم سلمة أن رسول الله- عليه السلام قرأ في الصلاة:(بسم الله الرحمن الرحيم) فعدها آية [1/265-أ] / (الحمد لله رب العالمين) آيتين، (الرحمن الرحيم) ثلاث آيات " إلى آخره.

(1)(1/304 -305) .

(2)

(1 / 232) ، والدارقطني في وسننه، (1 / 7 0 3) .

ص: 420

والجواب: إن هذا ليس بحجة لوجوه، الأول: إنه ليس بصريح في الجهر، ويمكن أنها سمعته سرا في بيتها، لقربها منه.

الثاني: إن مقصودها الإخبار بأنه كان يرتل قراءته، ولا يسردها. الثالث: إن المحفوظ فيه والمشهور أنه ليس في الصلاة، وإنما قوله:"في الصلاة " زيادة من عمر بن هارون، وهو مجروح تكلم فيه غير واحد من الأئمة. قال أحمد بن حنبل: لا أروي عنه شيئاً. وقال ابن معين: ليس بشيء، وكذبه ابن المبارك. وقال النسائي: متروك الحديث. وسئل عنه ابن المديني فضعفه جدا.

ومنها: ما رواه الحاكم في " مستدركه "(1) ، والدارقطني في

" سننه "(2) من حديث محمد بن المتوكل (3) بن أبي السرى، قال:" صليت خلف المعتمر بن سليمان من الصلوات ما لا أحصيها: الصبح، والمغرب، فكان يجهر ب (بسم الله الرحمن الرحيم) قبل فاتحة الكتاب، وبعدها، وقال المعتمر: ما آلو أن أقتدي بصلاة أبي، وقال أبي: ما آلو أن أقتدي بصلاة أنس، وقال أنس: ما لو أن أقتدي بصلاة رسول الله عليه السلام ". قال الحاكم: رواته كلهم ثقات.

والجواب: إن هذا معارض بما رواه ابن خزيمة في " مختصره "(4) ، والطبراني في " معجمه "، عن معتمر بن سليمان، عن أبيه، عن أنس:" أن رسول الله كان يسرب (بسم الله الرحمن الرحيم) في الصلاة، وأبو بكر، وعمر "، " وفي الصلاة "، زادها ابن خزيمة.

ومنها: ما رواه الحاكم (5) من طريق آخر عن محمد بن أبي السري:

(1)(1 / 233- 234)

(2)

(1 / 8 0 3) .

(3)

في الأصل: " محمد بن أبي المتوكل " خطأ، وانظر: تهذيب الكمال (26 / 5578) .

(4)

(1 / 250) كتاب الصلاة، من طريق عمران القصير، عن الحسن، عن أنس به.

(5)

(1 / 234) .

ص: 421

ثنا إسماعيل بن أبي أويس، ثنا مالك، عن حميد، عن أنس، قال:"صليت خلف النبي، وأبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، فكلهم كانوا يجهرون ب (بسم الله الرحمن الرحيم) ".

قال الحاكم: وإنما ذكرته شاهداً. وقال الذهبي في " مختصره ": أمَا استحَى الحاكمُ؟ ! يورد في كتابه مثل هذا الحديث الموضوع! فأنا أشهد بالله والله إنه لكذب. وقال ابن عبد الهادي: سقط منه " لا"

ومنها: ما رواه الخطيب، عن ابن أبي داود، عن ابن أخي ابن وهب، عن عمه، عن العمري، ومالك، وابن عيينة، عن حميد، عن أنس " أن رسول الله كان يجهر ب (بسم الله الرحمن الرحيم) في الفريضة ".

والجواب: ما قاله ابن عبد الهادي: سقط منه " لا " كما رواه الباغندي، وغيره، عن ابن أخي ابن وهب، هذا هو الصحيح، وأما الجهر فلم يحدث به ابن وهب قط، ويوضحه أن مالكا رواه في "الموطأ" (1) : عن حميد، عن أنس، قال:" قمت وراء أبي بكر الصديق، وعمر، وعثمان، فكلهم لا يقرأ (بسم الله الرحمن الرحيم) إذا افتتحوا الصلاة ".

قال ابن عبد البر في " التقصي ": هكذا رواه جماعة موقوفا، ورواه ابن أخي ابن وهب، عن مالك، وابن عيينة، والعمري، عن حميد، عن أنس مرفوعا، فقال:" إن النبي- عليه السلام وأبا بكر، وعمر، وعثمان لم يكونوا يقرءون "، قال: وهذا خطأ من ابن أخي ابن وهب في رفعه ذلك، عن عمه، عن مالك، فصار هذا الذي رواه الخطيب خطأ على خطإ، والصواب فيه عدم الرفع وعدم الجهر.

(1) كتاب الصلاة، باب: العمل في القراءة (31) ، وأخرجه مسلم في كتاب الصلاة، باب: حجة من قال لا يجهر بالبسملة (399 / 50) من طريق قتادة

عن أنس به.

ص: 422

ومنها: ما رواه الحاكم في " المستدرك "(1) : عن عبد الله بن عثمان بن

خثيم، أن أبا بكر بن حفص بن عمر أخبره، أن أنس بن مالك قال:

، صلى معاوية بالمدينة صلاة، فجهر فيها بالقراءة، فبدأب (بسم الله

الرحمن الرحيم) لأم القراَن ولم يقرأ بها للسورة التي بعدها حتى قضى

تلك الصلاة، ولم يكبر حين يهوي حتى قضى تلك الصلاة، ف" سلم

ناداه من سمع ذاك من المهاجرين، والأنصار، ومن كان على مكان:

يا معاوية، أسرقت الصلاة، أم نسيت؟ أين (بسم الله الرحمن

الرحيم) ؟ وأين التكبير إذا خفضت، وإذا رفعت؟ ف" صلى بعد ذلك

قرأ (بسم الله الرحمن الرحيم) للسورة التي بعد أم القرآن، وكبر حين

يهوي ساجد ". قال الحاكم: صحيح على شرط مسلم.

ورواه الدارقطني (2)، وقال: رواته / كلهم ثقات، وقد اعتمد [1/265-ب]، الشافعي على حديث معاوية هذا في إثبات الجهر. وقال الخطيب: هو

أجود ما يعتمد علي في هذا الباب. والجواب عنه من وجوه، الأول: أن

مداره على عبد الله بن عثمان بن خثيم، وهو وإن كان من رجال مسلم،

لكنه متكلم فيه، أسند ابن عدي إلى ابن معين أنه قال: أحاديثه غير قوية.

وقال النسائي: لين الحديث، ليس بالقوي فيه. وقال الدارقطني: لَينوه.

وقال ابن المديني: منكر الحديث. وبالجملة فهو مختلف فيه، فلا يقبل ما

تفرَّد به، مع أنه قد اضطرب في إسناده ومتنه، وهو أيضاً من أسباب الضعف، أما في إسناده فإن ابن خثيم تارة يرويه عن أبي بكر بن حفص،

عن أنس، وتارة يرويه عن إسماعيل بن عبيد بن رفاعة، عن أبيه، وقد

رجح البيهقي الأولى في " المعرفة "، لجلالة رواتها، وهو ابن جريج،

ومال الشافعي إلى ترجيح الثانية.

ورواه ابن خثيم أيضاً عن إسماعيل بن عبيد بن رفاعة، عن أبيه، عن

جده، فزاد ذكر الجد، كذلك رواه عن إسماعيل بن عياش،

(1)(1 / 233) .

(2)

(1 / 311) .

ص: 423

وهي عند الدارقطني، والأولى عنده، وعند الحاكم، والثانية عند الشافعي.

وأما الاضطراب في متنه فتارة يقول: " صلى فبدأب (بسم الله الرحمن الرحيم) لأم القرآن، ولم يقرأ بها للسورة التي بعدها " كما تقدم عند الحاكم، وتارة يقول:" فلم يقرأ ب (بسم الله الرحمن الرحيم) حين افتتح القرآن، وقرأ بأم الكتاب "، كما هو عند الدارقطني في رواية إسماعيل بن عياش، وتارة يقول:" فلم يقرأ (بسم الله الرحمن الرحيم) لأم القرآن ولا للسورة التي بعدها " كما هو عند الدارقطني في رواية ابن جريج، ومثل هذا الاضطراب في السند، والمتن مما يوجب ضعف الحديث، لأنه مشعر بعدم ضبطه.

الوجه الثاني: إن شرط الحديث الثابت أن لا يكون شاذا، ولا معللاً، وهذا شاذ ومعلل، فإنه مخالف " رواه الثقات الأثبات، عن أنس، وكيف يروي أنس مثل حديث معاوية هذا محتجا به وهو مخالف " رواه، عن النبي- عليه السلام وعن خلفائه الراشدين؟ ولم يعرف أحد من أصحاب أنس المعروفين بصحبته أنه نقل عنه مثل ذلك، ومما يرد حديث معاوية هذا أن أنسأ كان مقيما بالبصرة، ومعاوية " قدم المدينة لم يذكر أحد علمناه أن أنسأ كان معه، بل الظاهر أنه لم يكن معه.

الوجه الثالث: إن مذهب أهل المدينة قديما وحديثا ترك الجهر بها، ومنهم من لا يرى قراءتها أصلاً. قال عروة بن الزبير- أحد الفقهاء السبعة-:" أدركت الأئمة، وما يستفتحون القراءة إلا ب (الحمد لله رب العالمين) ".

وقال عبد الرحمن بن القاسم: ما سمعت القاسم يقرأ بها. وقال

عبد الرحمن الأعرج: أدركت الأئمة، وما يستفتحون القراءة إلا ب (الحمد لله رب العالمين) ، ولا يحفظ عن أحد من أهل المدينة بإسناد صحيح أنه كان يجهر بها إلا شيء يسير وله محمل، وهذا عملهم يتوارثه آخرهم عن أولهم، فكيف ينكرون على معاوية ما هو سنتهم؟ هذا باطل.

ص: 424

الرابع: إن معاوية لو رجع إلى الجهر بالبسملة، كما نقلوه لكان هذا

معروفا من أمره عند أهل الشام الذين صحبوه، ولم ينقل ذلك عنهم،

بل الشاميون كلهم: خلفاؤهم، وعلماؤهم كان مذهبهم ترك الجهر بها،

وما روي عن عمر بن عبد العزيز من الجهر بها فباطل، لا أصل له، والأوزاعي إمام الشام، ومذهبه في ذلك مذهب مالك: لا يقرأها سرا

ولا جهرا، ومن المستبعد أن يكون هذا حال معاوية، ومعلوم أن معاوية قد

صلى مع النبي- عليه السلام فلو سمع النبي- عليه السلام يجهر

بالبسملة " تركها حين يُنكر علي رعيتُه أنه لا يحسن يصلي، وهذه الوجوه

من تدبرها علم أن حديث معاوية باطل، ومغير عن وجهه، وقد يتمحل

فيه، ويقال: إن كان هذا الإنكار على معاوية محفوظا فإنما هو إنكار لترك

إتمام التكبير / لا لترك الجهر بالبسملة، ومعلوم أن ترك إتمام التكبير كان [1/266-أ] مذهب الخلفاء من بني أمية وأمرائهم على البلاد، حتى أنه كان مذهب

عمر بن عبد العزيز وهو: عدم التكبير حين يهوي ساجدا بعد الركوع،

وحين يسجد بعد القعود، وإلا فلا وجه لإنكارهم علي ترك الجهر بالبسملة، وهو مذهب الخلفاء الراشدين، وغيرهم من أكابر الصحابة،

ومذهب أهل المدينة أيضاً، وبالجملة فهذه الأحاديث كلها ليس فيها صريح صحيح، بل فيها عَدمهما، أو عدم أحدهما وكيف تكون صحيحة

وليست مخرجة في الصحيح، ولا المسانيد، ولا السنن المشهورة، وفي

رواتها: الكذابون، والضعفاء، والمجاهيل الذين لا يوجدون في

التواريخ، ولا في كتب الجرح والتعديل كعمرو بن شمر، وجابر الجعفي،

وحصين بن مخارق، وعمر بن حفص المكي، وعبد الله بن عمرو بن

حسان الواقعي، وأبي الصلت الهروي الملقب " بجراب الكذاب "،

وعمر بن هارون البلخي، وعيسى بن ميمون المدني، وآخرون وكيف

يجوز أن يعارض برواية هؤلاء ما رواه البخاري، ومسلم في " صحيحيهما "

من حديث أنس الذي رواه عنه غير واحد من الأئمة الأثبات، ومنهم:

قتادة الذي كان أحفظ أهل زمانه، ويرويه عنه شعبة الملقب بأمير المؤمنين في

ص: 425

الحديث، وتلقاه الأئمة بالقبول، ولم يضعفه أحد بحجة إلا ركب هواه، وحمله فرط التعصب على أن علله، ورده باختلاف ألفاظه، مع أنها ليست مختلفة، بل يصدق بعضها بعضا- كما بيناه- وعارضه بمثل حديث ابن عمر الموضوع، أو بمثل حديث عليّ الضعيف، ومتى وصل الأمر إلى مثل هذا، فجعل الصحيح ضعيفاً، والضعيف صحيحا، والمعلل سالماً من التعليل، والسالم من التعليل معللاً سقط الكلام، وهذا ليس بعدل، والله أمر بالعدل، ولكن كل هذا من التعصب الفاسد، والغرض الكاسد، وهذا تَمْشِية للباطل، والله يحق الحق ويبطل الباطل، ويكفينا في تضعيف أحاديث الجهر إعراض أصحاب الجوامع الصحيحة، والسنن المعروفة، والمسانيد المشهورة المعتمد عليها في حجج العلم، ومسائْل الدين، فالبخاري مع شدة تعصبه، وفرط تحمله على مذهب أبي حنيفة لم يودع صحيحه منها حديثا واحدة، والله تعالى يدري، ويعلم ما جهد وتعب في تحصيل حديث صحيح في الجهر، حتى يخرجه في " صحيحه " فما ظفر به، ولو ظفر به ما تركه أصلاً، وكذلك مسلم رحمه الله لم يذكر شيئاً من ذلك، ولم يذكرا في هذا الباب إلا حديث أنس الدال على الإخفاء.

فإن قيل: إنهما لم يلتزما أن يودعا في " صحيحيهما " كل حديث صحيح، فيكونان قد تركا أحاديث الجهر في جملة ما تركاه من الأحاديث الصحيحة. قلت: هذا لا يقوله إلا كل سخيف، أو مكابر، فإن مسألة الجهر بالبسملة من أعلام المسائل، ومعضلات الفقه، ومن أثرها دورانا في المناظرة، وجولانا في المصنفات، والبخاري كثيرا ما يتتبع " يرد على أبي حنيفة من السُّنَّة، فيذكر الحديث، ثم يعرض بذكره فيقول: قال رسول الله كذا وكذا، ثم يقول: وقال بعض الناس كذا وكذا، يشير به إليه، وشنع به علي، وكيف يخلي كتابه من أحاديث الجهر بالبسملة وهو يقول في أول كتابه: " باب الصلاة من الإيمان "، ثم يسوق أحاديث الباب، ويقصد الرد على أبي حنيفة قوله: " إن الأعمال ليست من

ص: 426

الإيمان، مع غموض ذلك على كثير من الفقهاء؟ ومسألة الجهر يعرفها

عوام الناس، ورعاعهم، ولو حلف الشخص بالله أيمانا مؤكدة أنه لو

اطلع على حديث منها موافق لشرطه، أو قريب من شرطه لم يخل منه

كتابه، ولا كذلك مسلم، ولئن سلمنا فهذا أبو داود، والترمذي، وابن

ماجه مع اشتمال كتبهم على الأحاديث السقيمة، والأسانيد الضعيفة لم يخرجوا / منها شيئاً، فلولا أنها عندهم واهية بالكلية " تركوها، وقد [1/266-ب] تفرد النسائي منها بحديث أبي هريرة، وهو أقوى ما فيها عندهم، وقد

بينا ضعفه من وجوه، وأخرج الحاكم منها حديث عليّ، ومعاوية، وقد

عرف تساهله، وباقيها عند الدارقطني في" سننه " التي هي مجمع الأحاديث المعلولة، ومنبع الأحاديث الغريبة، وقد بيناها حديثا حديثا.

* الآثار في ذلك:

منها: ما رواه البيهقي في " الخلافيات "، والطحاوي في كتابه من

حديث عمر بن ذر، عن أبيه، عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى،

عن أبيه، قال:" صليت خلف عمر- رضي الله عنه فجهر ب (بسم

الله الرحمن الرحيم) ، وكان أبي يجهر بها".

والجواب عنه: إن هذا الأثر مخالف للصحيح الثابت، عن عمر أنه

كان لا يجهر، كما رواه أنس، فإن ثبت هذا عن عمر فيحمل على أنه

فعله مرة، أو بعض أحيان، لأحد الأسباب المتقدمة.

ومنها: ما أخرجه الخطيب من طريق الدارقطني بسنده، عن عثمان بن

عبد الرحمن، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب:" إن أبا بكر،

وعمر، وعثمان، وعلى، كانوا يجهرون ب (بسم الله الرحمن الرحيم) ". والجواب: إن هذا باطل، وعثمان بن عبد الرحمن، هو: الوقاصي

أجمعوا على ترك الاحتجاج به. وقال ابن أبي حاتم: سألت أبي عنه؟

فقال: كذاب، ذاهب الحديث. وقال ابن حبان: يروي عن الثقات

الأشياء الموضوعات، لا يحل الاحتجاج به. وقال النسائي: متروك الحديث.

ص: 427

ومنها: ما أخرجه الخطيب أيضاً، عن يعقوب بن عطاء بن أبي رباح، عن أبيه، قال، " صليت خلف علي بن أبي طالب، وعدة من أصحاب رسول الله، كلهم يجهرون ب (بسم الله الرحمن الرحيم) ". والجواب: إن هذا لا يثبت، وعطاء بن أبي رباح لم يلحق عليا، ولا صلى خلفه قط، والحمل فيه على ابنه يعقوب، فقد ضعفه غير واحد من الأئمة. قال أحمد: منكر الحديث. وقال أبو زرعة، وابن معين: ضعيف. وأما شيخ الخطيب فيه فهو أبو الحسن محمد بن [الحسن بن] أحمد الأصبهاني الأهوازي، ويعرف بابن أبي علي، فقد تكلموا فيه، وذكروا أنه كان يُركبُ الأسانيد، ونقل الخطيب عن أحمد بن علي الجصاص، قال: كنا نسمي ابن أبي علي الأصفهاني: " جراب الكذب ". ومنها: ما أخرجه الخطيب أيضاً من طريق الدارقطني عن الحسن بن [محمد بن] عبد الواحد، ثنا الحسن بن الحسين، ثنا إبراهيم بن أبي يحيى، عن صالح بن نبهان، قال:" صليت خلف أبي سعيد الخدري، وابن عباس، وأبي قتادة، وأبي هريرة، فكانوا يجهرون ب (بسم الله الرحمن الرحيم) ".

والجواب: إن هذا لا يثبت، والحسن بن الحسين هو: العرني إن شاء الله، وهو شيعي ضعيف، أو هو: حسين بن الحسن الأشقر، وانقلب اسمه، وهو أيضاً شيعي، ضعيف مجهول، وإبراهيم بن أبي يحيى قد رمي بالرفض والكذب، وصالح بن نبهان مولى التوأمة قد تكلم فيه مالك، وغيره من الأئمة، وفي إدراكه للصلاة خلف أبي قتادة نظر، وهذا الإسناد لا يجوز الاحتجاج به، وإنما كثر الكذب في أحاديث الجهر على النبي- عليه السلام وأصحابه، لأن الشيعة ترى الجهر، وهم أكذب الطوائف، فوضعوا في الجهر بها ما صار من شعار الروافض، وغالب أحاديث الجهر تجد في روادها من هو منسوب إلى التشيع.

ص: 428

ومنها: ما أخرجه الخطيب أيضاً، عن محمد بن أبي السرى، ثنا

المعتمر، عن حميد الطويل، عن بكر بن عبد الله المزني، قال: " صليت

خلف عبد الله بن الزبير فكان يجهر ب (بسم الله الرحمن الرحيم) وقال:

ما يمنع أمراءكم أن يجهروا بها إلا الكبر ".

قال ابن عبد الهادي: إسناده صحيح، لكنه يحمل على الإعلام بأن

قراءتها سُنَة، فإن الخلفاء الراشدين كانوا (1) يسرونها، فظن كثير من

الناس أن قراءتها بدعة، فجهر بها من جهر بالصحابة ليُعْلموا الناس أن

قراءتها سُنَة، لا أنه فعدها دائما، وقد ذكر ابن المنذر، لن ابن الزبير

ترك الجهر، والله تعالى أعلم /، وأما أقوال التابعين في ذلك فليست [1/267-أ] بحجة، مع أنها اختلفت، فروي عن غير واحد منهم الجهر، وروي عن

غير واحد منهم تركه، وفي بعض الأسانيد إليهم الضعف والاضطراب،

ويمكن حمل جهر من جهر منهم على أحد الوجوه المتقدمة، والواجب في

مثل هذا الرجوع إلى الدليل لا إلى الأقوال، وقد نقل الجهر عن غير

واحد من الصحابة، والتابعين، والمشهور عنهم غيره، كما نقل الخطيب

الجهر عن الخلفاء الراشدين الأربعة، ونقله البيهقي، وابن عبد البر، عن

عمر، وعلي، والمشهور عنهم تركه، كما ثبت ذلك عنهم. قال

الترمذي في ترك الجهر: والعمل على هذا عند أهل العلم من الصحابة، منهم: أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وغيرهم ومَن

بعدهم من التابعين، وبه يقول سفيان الثوري، وابن المبارك، وأحمد،

وكذلك قال ابن عبد البر: لم يختلف في الجهر بها عن ابن عمر، وهو الصحيح عن ابن عباس، قال: ولا أعلم أنه اختلف في الجهر بها

عن ابن عمر، وشداد بن أوس، وابن الزبير، وقد ذكر الدارقطني، والخطيب، عن ابن عمر عدم الجهر، وكذلك روى الطحاوي، والخطيب، وغيرهما، عن ابن عباس عدم الجهر، وكذلك ذكر ابن

(1) في الأصل: " كان ".

ص: 429

المنذر، عن ابن الزبير عدم الجهر، وذكر ابن عبد البر، والخطيب، عن عمار بن ياسر الجهر، وذكر ابن المنذر عنه عدمه، وذكر البيهقي، وابن عبد البر، والخطيب، عن عكرمة الجهر، وذكر الأثرم عنه عدمه، وذكر الخطيب وغيره عن ابن المبارك وإسحاق: الجهر، وذكر الترمذي عنهما تركه كما ذكرناه، وذكر الأثرم، عن إبراهيم النخعي، أنه قال:" ما أدركت أحداً يجهر ب (بسم الله الرحمن الرحيم) والجهر بها بدعة "، وذكر الطحاوي، عن عروة قال:" أدركت الأئمة وما يستفتحون القراءة إلا ب (الحمد لله رب العالمين) . قال وكيع: كان الأعمش، وابن أبي خالد، وابن أبي ليلى، وسفيان، والحسن بن صالح، وعلي بن صالح، ومن أدركنا من مشايخنا: " لا يجهرون ب (بسم الله الرحمن الرحيم)". وروى سعيد بن منصور في " سننه ": حدَّثنا خالد، عن حصين،

عن أبي وائل، قال:" كانوا يسرون البسملة، والتعوذ في الصلاة ". حدَّثنا حماد بن زيد، عن كثير بن شنظير، أن الحسن سئل عن الجهر بالبسملة؟ فقال:" إنما يفعل ذلك الأعراب ".

حدَّثنا عتاب بن بشير، أنا حصين، عن سعيد بن جبير، قال:" إذا صليت فلا تجهر ب (بسم الله الرحمن الرحيم) ، واجهر ب (الحمد لله رب العالمين) ".

فإن قيل: أحاديث الجهر تُقدمُ على أحاديث الإخفاء بأشياء، منها: كثرة الرواة، فان أحاديث الإخفاء رواها اثنان من الصحابة: أنس بن مالك، وعبد الله بن مغفل، وأحاديث الجهر رواها أربعة عشر صحابيا. ومنها: أن أحاديث الإخفاء شهادة على نفي، وأحاديث الجهر شهادة على إثبات، والإثبات مقدم على النفي.

ومنها: أن أنسأ قد روي عنه إنكار ذلك في الجملة، فروى أحمد، والدارقطني من حديث سعيد بن يزيد (1) أبي مسلمة، قال: سألت أنساً

(1) في الأصل: " سعيد بن زيد " خطأ، وانظر: تهذيب الكمال (11 / 2381) .

ص: 430

" أكان رسول الله يقرأ: (بسم الله الرحمن الرحيم) أو (الحمد لله رب

العالمين) ؟ قال: إنك لتسألني عن شيء ما أحفظه، أو ما سألني أحد قبلك ". قال الدارقطني: إسناده صحيح (1) .

قلنا: الجواب عن الأول: إن الاعتماد على كثرة الرواة إنما يكون بعد

صحة الدليلين، وأحاديث الجهر ليس فيها صحيح صريح، بخلاف

حديث الإخفاء، فإنه صحيح صريح، ثابت، مخرج في الصحيح،

والمسانيد المعروفة، والسنن المشهورة، مع أن جماعة من الحنفية لا يرون

الترجيح بكثرة الرواة، وأحاديث الجهر- دان كثرت رواتها- لكنها كلها ضعيفة، وكم من حديث كثرت رواته، وتعددت طرقه وهو ضعيف؟

كحديث " الطير "، وحديث " الحاجم، والمحجوم "، وحديث:" من

كنت مولاه فعلي مولاه "، بل قد لا يزيد الحديث كثرة الطرق إلا ضعفا، وأحاديث الجهر لم يروها إلا الحاكم، والدارقطني، فالحاكم عرف

تساهله، وتصحيحه للأحاديث الضعيفة، بل الموضوعة، والدارقطني قد

ملأ كتابه من الأحاديث الضعيفة، والغريبة، والشاذة، / والمعللة، وكم [1/267-ب] فيه من حديث لا يوجد في غيره، وقد حكي: أن الدارقطني " دخل

مصر سأله بعض أهلها تصنيف شيء في الجهر بالبسملة، فصنف فيه جزءا

فأتاه بعض ا"لكية، فأقسم علي أن يخبره بالصحيح من ذلك، فقال:

" كل ما روي عن النبي- عليه السلام في الجهر فليس بصحيح، وأما

عن الصحابة فمنه صحيح ومنه ضعيف ".

وعن الثاني: إن هذه الشهادة- وإن ظهرت في صورة النفي- فمعناها

الإثبات، على أن هذا مختلف فيه، فالأكثرون على تقديم الإثبات،

وعند البعض هما سواء، وعند البعض النافي مقدم على المثبِت، وإليه

ذهب الآمدي، وغيره.

وعن الثالث: إن ما روي من إنكار أنس لا يقاوم ما ثبت عنه خلافه

(1) أحمد (3 / 66 1، 0 9 1) ، والدارقطني (1 / 6 31) ، وأخرجه كذلك أحمد (3 / 273) من طريق قتادة، عن أنس به.

-

ص: 431

في الصحيح، ويحتمل أن يكون أنس نسي في تلك الحال لكبره، وقد وقع مثل ذلك كثيرا، كما سئل يوماً عن مسألة، فقال: عليكم بالحسن فاسألوه، فإنه حفظ ونسينا، وكم ممن حدث ونسي، ويحتمل أنه إنما سأله عن ذكرها في الصلاة أصلَا، لا عن الجهر بها وإخفائها.

فإن قيل: يجمع بين الأحاديث بأن يكون أنس لم يسمعه لبعده، وأنه كان صبيا يومئذ. قلت: هذا مردود، لأنه- عليه السلام هاجر إلى المدينة، ولأنس يومئذ عشر سنين، ومات وله عشرون سنة، فكيف يتصور أن يصلي خلفه عشر سنين فلا يسمعه يوماً من الدهر يجهر؟ هذا بعيد، بل مستحيل، ثم قد روي هذا في زمن رسول الله، فكيف وهو رجل في زمن أبي بكر، وعمر، وكهل في زمن عثمان مع تقدمه في زمانهم، وروايته للحديث؟ وقد روى أنس، قال:" كان رسول الله يحب أن يليه المهاجرون، والأنصار، ليأخذوا عنه".

ورواه النسائْي، وابن ماجه (1) . وقال النووي في " الخلاصة ": إسناده على شرط البخاري، ومسلم " (2) . وقد ذهب البعض إلى أن أحاديث الجهر منسوخة " نبينه عن قريب، إن شاء الله تعالى.

761-

ص- نا مسدد، نا عبد الوارث بن سعيد، عن حسين المعلم، عن بديل بن ميسرة، عن أبي الجوزاء، عن عائشة، قالت: " كان رسول الله يفتتحُ الصلاةَ بالتكبيرِ، والقراءةَ ب (الحمدُ لله ربَّ العَالمينَ) ، وكان إذاَ ركعَ لم يُشخصْ رأسَه، ولم يُصوِبْهُ، ولكن بين ذلك، وكان إذا رفعَ رأسَه من الركوع لم يسجدْ حتى يستوي قائماً وكان إذا رفِعَ رأسَه من السجودِ لم يسجدْ حتى يستويَ قاعداً، وكان (3) إذا جَلَسَ يفرِشُ رِجلَه اليُسرَى،

(1) النسائي في الكبرى، كتاب المناقب، باب: مناقب المهاجرين والأنصار (5 / 8311)، ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: من يستحب أن يلي

" لإمام (977) .

(2)

إلى هنا انتهى النقل من نصب الراية.

(3)

في سنن أبي داود أتى قوله:" وكان إذا جلس

اليمنى، بعد قوله:" وكان يقول في كل ركعتين: " التحيات ".

ص: 432

ويَنصبُ رجلَه اليُمْنى، وكان يقولُ في كُلِّ رَكعتينِ:" التحياتُ "، وكان يَنهَى عنَ عَقب الشيطانِ، وعن فرشة السبع، وكان يختمُ الصلاةَ بالتسليم " (1) .

ش " - أبو الجوزاء بالجيم والزاي: أوس بن عبد الله البصري، وقد ذكر ناه.

قوله: " كان يفتتح الصلاة بالتكبير والقراءة ب (الحمد لله رب العالمين)

فيه حجة لأبي حنيفة، ومالك أن البسملة ليست من الفاتحة، وفيه حجة لأبي حنيفة أن البسملة لا يجهر بها، لأنه صرح أنه- عليه السلام كان يفتتح الصلاة بالتكبير، ثم بفاتحة الكتاب، وقد ثبت أنه- عليه السلام كان له سكتتان: سكتة بعد التكبير، وكان فيها البسملة، ودعاء الاستفتاح على ما ذكرناه مفصلاً، وفيه إثبات التكبير في أول الصلاة. وقال الشيخ محيي الدين (2) :" وفيه إثبات التكبير، وأنه يتعين لفظ التكبير، لأنه ثبت أنه- عليه السلام كان يفعله، وأنه- عليه السلام قال: " صلوا كما رأيتموني أصلي " (3) ، وهذا الذي ذكرناه من تعيين التكبير هو قول مالك، والشافعي، وأحمد، وجمهور العلماء من السلف والخلف ". قلت: اشتراط التعيين أمر زائد، لأن المراد من التكبير التعظيم، وبكل لفظ حصل التعظيم يجوز الافتتاح به، وقد مر الخلاف في قوله- عليه السلام:" تحريمها التكبير "، ثم إن تكبيرة الافتتاح من أركان الصلاة، أو من شروطها؟ فيه خلاف، فقال أصحابنا: هي من الشروط. وقال مالك، والشافعي، وأحمد: من الأركان، وثمرة الاختلاف تظهر في

(1) مسلم: كتاب الصلاة، باب: ما يجمع صفة الصلاة (240 / 98 4)، ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: افتتاح القراءة (812)، وباب: الركوع

في الصلاة (862) .

(2)

شرح صحيح مسلم (4 / 214) .

(3)

البخاري: كتاب الأذان، باب: الأذان للمسافرين إذا كانوا جماعة والإقامة

(631) من حديث مالك بن الحويرث.

28.

شرح سنن أبي داوود 3

ص: 433

جواز بناء النفل على تحريمة الفرض، فعندنا يجوز خلافا لهم، وكذا على

[1/268-أ] الخلاف لو بنى التطوع بلا تحريمة جديدة يصير / شارعا في الثاني، وكذا على الخلاف إذا كبر مقاربا لزوال الشمس. وقال ابن المنذر: قال

الزهري: تنعقد الصلاة بمجرد النية بلا تكبير. قال أبو بكر: ولم يقل به

غيره. وقال ابن بطال: ذهب جمهور العلماء إلى وجوب تكبيرة الإحرام، وذهبت طائفة إلى أنها سُنَّة، رُوي ذلك عن سعيد بن المسيب، والحسن، والحكم، والزهري، والأوزاعي، وقالوا: إن تكبير الركوع

يجزئه من تكبير الإحرام، ورُوي عن مالك في ا"موم ما يدل على أنه

سُنَّة، ولم يختلف قوله في المنفرد والإمام أنها واجبة على كل واحد

منهما، وأن من نسيها يستأنف الصلاة، وفي " المغني " لابن قدامة:

التكبير ركن لا تنعقد الصلاة إلا به، سواء تركه سهوا، أو عمدا، قال:

وهذا قول ربيعة، والثوري، ومالك، والشافعي، وإسحاق، وأبي ثور

وحكى أبو الحسن الكرخي الحنفي، عن ابن علية والأصم كقول الزهري

في انعقاد الصلاة بمجرد النية بغير تكبير. وقال عبد العزيز بن إبراهيم بن

بزيزة: قالت طائفة بوجوب تكبير الصلاة كله، وعكس آخرون فقالوا:

كل تكبيرة في الصلاة ليست بواجبة مطلقا، منهم: ابن شهاب وابن المسيب، وغيرهما، ثم تكبيرة الافتتاح مرة واحدة عند جمهور العلماء،

وعند الرافضة ثلاث مرات، وقد ورد ذلك في بعض الأحاديث، من

حديث أبي أمامة: " كان- عليه السلام إذا قام إلى الصلاة كبر ثلاث

مرات " رواه أبو نعيم الدكيني، عن شريك، عن يعلى بن عطاء، عن

رجل، عنه، وفي " العلل " لابن أبي حاتم: قال أبي: هذا حديث

كذب، لا أصل له.

قوله: " بالحمدُ لله " برفع الدال على الحكاية، والحكاية أن تجيء بالقول

بعد نقله على استبقاء صورته الأولى، كقولك:" دعني من تمرتان " في

جواب من قال: " تكفيك تمرتان "، وبدأت " بالحمدُ لله " وبدأت

ب " سورة أنزلناها "، ويقول أهل الحجاز في استعلام من يقول: رأيت

زيدا: من زيدا؟

ص: 434

قوله: " وكان إذا ركع لم يشخص رأسه " من أشخص رأسه إذا رفعها، وأشخص الرامي إذا جاوز سهمه الغرض من أعلاه.

قوله: " ولم يصوبه " أي: لم يخفضه، مِن " صوَب " بالتشديد، وفيه من السُنَة للراكع أن يسوي ظهره، بحيث يستوي رأسه مع مؤخره. قوله:" ولكن بين ذلك " أي: بين الإشخاص والتصويب، والمعنى: استواء رأسه مع ظهره- كما ذكرنا-.

قوله: " حتى يستوي قائماً " أي: حال كونه قائماً، وفيه سُنَة الاعتدال في الانتصاب، وكذلك سُنَّة الاعتدال في ما إذا رفع رأسه من السجدة يعتدل قاعدا، ثم يسجد، ومن هذا أخذ الشافعي وجوب الطمأنينة في الركوع والسجود، وهو قول مالك، وأحمد، وأبي يوسف، وهو خلاف مشهور، وفيه وجوب الجلوس بين السجدتين.

قوله: " وكان إذا جلس يفرش رجله اليسرى، وينصب رجله اليمنى "

فيه حجة لأبي حنيفة، سواء كان في القعدة الأولى، أو الثانية، وهو حجة على مالك في رؤيته التورك سُنَة فيهما، وعلى الشافعي في روْيته التورك في القعدة الثانية.

قوله: " وكان يقول في كل ركعتين التحيات " فيه: أن قراءة التشهد في كل ركعتين سُنة. وقال أحمد: هما واجبان. وقال الشافعي: الأول سُنة، والثاني: واجب، وقول مالك كقول أبي حنيفة. وقال الشيخ محيى الدين: فيه حجة لأحمد بن حنبل، ومَن وافقه مِن فقهاء أصحاب الحديث أن التشهد الأول والأخير واجبان.

قلت: الوجوب لا يستفاد من هذا الحديث، فافهم.

قوله: " وكان ينهى عن عقب الشيطان " بفتح العين، وكسر القاف، وفي رواية:" عن عقبة الشيطَان "، وهو أن يضع أليتيه على عقبيه بين السجدتين، وهو الذي يجعله بعض الناس الإقعاء، وقيل: هو أن يترك عقبيه غير مغسولين في الوضوء.

ص: 435

قوله: " وعن فرشة السبُع " وهو أن يبسط ذراعيه في السجود، ولا يرفعهما عن الأرض، كما يبسط السبع، والكلب، والذئب ذراعيه. قوله:" وكان يختم الصلاة بالتسليم " فيه دليل على أن السلام سنة. وقال الخطابي (1) : " وفي قولها: " كان يفتتح الصلاة بالتكبير،

[1/268-ب] ويختمها بالتسليم " دليل على / أنهما ركنان من أركان الصلاة، ولا تجزئ إلا بهما".

قلت: لا نسلم ذلك، لأن ما فيه شيء يدل على الفرضية، وفرضية التكبير في أول الصلاة ليس بهذا الحديث، بل بقوله:(ورَبكَ فكَبِّرْ)(2) ولئن سلمنا ذلك، فلا يلزم من كون التكبير فرضاً أن يكون التسليم فرضاً مثله، بدليل حديث الأعرابي، حيث لم يعلمه- عليه السلام حين علمه الواجبات، غاية ما في الباب يكون إصابة لفظ السلام واجبا، وقد مر ما يشابهه في قوله- عليه السلام:" تحريمها التكبير، وتحليلها التسليم "، والحديث أخرجه: مسلم، وابن ماجه بنحوه.

762-

ص- نا هناد بن السري، نا ابن فضيل، عن المختار بن فُلفُل، قال: سمعت أنس بن مالك، يقول: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم " أنزِلَتْ علي آنفا سُورةٌ فقرأ: (بسم الله الرحمنِ الرحيم إنا أعْطَيْنَاكً الكَوْثَرَ) حتى خَتمَهَاَ، قال: هل تدرُونَ ما الَكوثرُ؟ قالوا: الله ورسولُه أعلمُ، قال: فإنه نَهرٌ وَعَدَنِيهِ ربي في الجنةِ "(3) .

ش- ابن فضيل هو: محمد بن فضيل الكوفي.

قوله: " آنفا " أي: قريبا، وهو بالمد، ويجوز القصر، وهو لغة قليلة وأصله من الائتناف، وهو الاستئناف، ومعناه: الابتداء. وقال ابن

(1) معالم السنن (1 / 172) .

(2)

سورة المدثر: (3) .

(3)

مسلم: كتاب الصلاة، باب: حجة من قال: البسملة آية من أول كل سورة سوى براءة (0 0 4 / 53) ، وكتاب الفضائل (4 0 23 / 0 4)، النسائي: كتاب الافتتاح، باب: قراءة بسم الله الرحمن الرحيم (2 / 133) .

ص: 436

الأثير (1) :" وفعلت الشيء آنفا، أي: في أول وقت يقرب مني ". وقال في " الصحاح ": وقلت كذا آنفا، وسالفا.

قلت: انتصابه على الظرفية، لأنه بمعنى: الآن، وهو من الظروف

الزمانية.

قوله: " الكوثر" وزنه فوعل من الكثرة، كنوفل من النفل، وجوهر من الجهر بمعنى: الخير الكثير، وقد فسره- عليه السلام بقوله:" فإنه نهر وعدنيه ربي في الجنة ". وقد اختلف المفسرون في تفسيره، فقال أبو بكر بن عياش: كثرة الأمة. وقال الحسن: القرآن. وقال عكرمة: النبوة. وقال المغيرة مرفوعا: الإسلام. وقال ابن عمر، وأنس مرفوعا: نهر في الجنة، ترده طير خضر، قيل: ما أنعم هذا الطائر! قال- عليه السلام: " الا أخبركم بأنعم منه؟ من أكل الطائر، وشرب الماء، وفاز برضوان الله ".

وعن عائشة: من أراد أن يسمع خريره فليدخل إصبعيه في أذنيه. وقال عطاء: هو حوضه لكثرة وارديه. وقال الفضل: الشفاعة في أكثر الأمة. وقيل: الصلاة وكثر المصلين، وقيل: الذكر وكثرة الذاكرين، وقيل: معجزاته- عليه السلام وقيل: الفقه، وكثرة الفقهاء، وقيل: نور في قلبك قطعك عما سوى ربك، وقيل: قول: لا إله إلا الله، محمد رسول الله، فَصَل الفجر والمزدلفة، وانحر الهدي. وقال عطاء: صَل العيد وانحر الأضحية. وعن ابن عباس: ضع يمينك على شمالك عند نحرك في الصلاة. وقال سليمان التيمي: ارفع يديك بالدعاء لا تحرك. وقال ذو النون: اذبح هواك في قلبك، إن شانئك مبغضك. قال ابن عباس: عدوك الأبتر الحقير الذليل، ويقال: المنقطع عن بلوغ أمله فيك. واستدل به بعض من يقول بالجهر بالبسملة، واستدلاله غير صحيح، لأنه

(1) النهاية (1 / 76) .

ص: 437

ليس فيه ذكر الصلاة، واستدل به أيضاً من يقول: إن البسملة [آية] من أول كل سورة سوى براءة.

والجواب: إن قراءته- عليه السلام تدل على أنها آية مفردة بذاتها، ولا يدل على أنها من أول كل سورة، والدليل على ذلك ما ورد في حديث بدء الوحي: فجاءه الملك، فقال له: اقرأ، فقال: ما أنا بقارئ ثلاث مرات، ثم قال له:(اقْرَأ باسْم ربكَ الذي خَلَقَ)(1)، فلو كانت البسملة من أول كل سورة لقالَ: اقرأ (بسمَ الله الرحمن الرحيم)(اقرأ باسم ربك) ويدل على ذلك أيضاً ما رواه أصحاب السنن الأربعة، عن شعبة، عن قتادة، عن عباس الجشمي (2) ، عن أبي هريرة، عن النبي- عليه السلام قال:" إن سورة من القرآن شفعت لرجل حتى غفر له، وهي (تَبَارَكَ الَذي بيَده المُلكُ) . وقال الترمذي: حديث حسن، ورواه أحمد في " مسَندهَ " (3) ، وابن حبان في "صحيحه " والحاكم في " مستدركه " (4) وصححه، وعباس الجشمي (2) ، يقال: إنه عباس (5) بن عبد الله، ذكره ابن حبان في " الثقات "، ولم يتكلم فيه أحد- فيما علمنا- ولو كانت البسملة في أول كل سورة لافتتحها- عليه [1/269-أ] السلام- بها، وقد قلنا: إن مذهب المحققين / أنها من القرآن حيث كتبت، وأنها مع ذلك ليست من السور، بل كتبت آية في كل سورة، وكذلك تتلى آية مفردة في أول كل سورة كما تلاها النبي- عليه السلام حين أنزلت عليه:(إنا أعْطَيْنَاكَ الكَوْثَرَ) ، وهذا قول ابن

(1) البخاري: كتاب بدء الوحي، باب: كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم (3)،مسلم: كتاب الإيمان، باب: بدء الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم (160/252)

(2)

في الأصل: " عياش الجهني " خطأ.

(3)

(2 / 299، 321) .

(4)

(2 / 497- 98 4) .

(5)

في الأصل: " عياش " خطأ.

ص: 438

ابن المبارك، وداود، وهو المنصوص عن أحمد، وبه قالت جماعة من الحنفية، وذكر أبو بكر الرازي أنه مقتضى مذهب أبي حنيفة.

قلت: ولذلك قال الشيخ حافظ الدين النسفي: وهي آية من القرآن، أنزلت للفصل بين السور، وهذا القول فيه الجمع بين الأدلة، وعن ابن عباس:" كان النبي- عليه السلام لا يعرف فصل السورة حتى نزل عليه: (بسم الله الرحمن الرحيم) ، وفي رواية: " لا يعرف انقضاء السورة " رواه أبو داود، والحاكم، وقال: إنه على شرط الشيخين (1)، وحديث أنس: أخرجه مسلم، والنسائي.

763-

ص- نا قَطَنُ بنُ نُسَيرٍ، نا جعفر، ثنا حميد الأعرج المكي، عن ابن شهاب، عن عروة، عن عائشة، وذكر الإفك، قالت:" جَلسَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وكشفَ عن وجهِهِ، وقال: أعوذُ بالسميع العليم من الشيطانِ الرجيم: (إِن الذين جَاءُوا بِالإِفْكِ) الآية (2) "(3) .

ش- قَطَن- بالقاف والنون-: ابن نُسَير- بالنون في أوله- الغُبَري- بالغين المعجمة، والباء الموحدة- أبو عباد البصري، يعرف بالذارع. روى عن بشر بن منصور، وعدي بن أبي عمارة، وجعفر. روى عنه: مسلم، وأبو داود، والبغوي. وروى الترمذي عن رجل عنه (4) . وجعفر ابن سليمان الضبعي.

وحميد بن قيس الأعرج أبو صفوان الأسدي، مولاهم المكي. سمع: عطاء بن أبي رباح، ومجاهدا، والزهري، وغيرهم. روى عنه: جعفر ابن سليمان، وجعفر الصادق، ومالك، والثوري، وابن عيينة،

(1) يأتي بعد ثلاثة أحاديث.

(2)

سورة النور: (11) .

(3)

تفرد به أبو داود.

(4)

انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (23 / 6 88 4) .

ص: 439

وغيرهم. وقال أحمد: ثقة، وكذا قال يحيى بن معين. روى له الجماعة (1) .

قوله: " وذكر الإفك " أي: قضية الإفك، والإفك: الكذب، والافتراء، والمراد به: ما أفك به على عائشة- رضي الله عنها حين استصحبها- عليه السلام في بعض الغزوات وهي قصة مشهورة، فأنزل الله تعالى ثماني عشرة آية في براءتها، وتعظيم شأنها، وتهويل الوعيد لمن تكلم فيها، والثناء على من ظن بها خيرا، وقد اختلف العلماء كيف التعوذ قبل القراءة، فعند الجمهور:" أعوذ بالله من الشيطان الرجيم " دون غيره، وذلك لموافقته الكتاب والسنة. أما الكتاب: فقوله- عز وجل: (فَإِذَا، قَرَأتَ القُرآنَ فَاسْتَعِدْ بِالله مِنَ الشَّيْطَانِ الرجيم)(2) . وأما السُّنَّة: فما رواه نافع بن جبير بن مَطعم، عن أبيه، عن النبي عليه السلام أنه استعاذ قبل القراءة بهذا اللفظ بعينه (3) ، وهو قول عاصم وأبي عمرو ويعقوب، وعند أهل المدينة والشام يقول:" أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، إن الله هو السميع العليم "، وهو قول علي، وعند أهل مكة:" أعوذ بالله العظيم من الشيطان الرجيم،، وعند حمزة: " استعيذ بالله من الشيطان الرجيم، إن الله هو السميع العليم "، وعند سهل:" أعوذ بالسميع العليم من الشيطان الرجيم "، وعن الصديق:" استعذت بالله من الشيطان الرجيم "، وعند ابن الحنفية:

(1) المصدر السابق (7 / 1535) .

(2)

سورة النحل: (8 9) .

(3)

قال الشيخ الألباني في " الإرواء"(2 / 53) : صحيح لكن بزيادتين، وأما بدونهما فلا أعلم له أصلَا

وقد ورد بلفظ: " أعوذ بالله السميع العليم

من الشيطان الرجيم، من همزه، ونفخه، ونفثه،، وقد روي من حديث جبير ابن مطعم، وأبي سعيد الخدري، وابن مسعود، وعمر بن الخطاب، وأبي أسامة: فأما حديث جبير فرواه أبو داود (947) ، وابن ماجه (764)، وغيرهما" 10 هـ بتصرف. وانظر: الإرواء لباقي التخريجات.

ص: 440

" أعوذ بالله القوي من الشيطان الغوي ". وقال صاحب " التيسير": ولا أعلم خلافا بين أهل الأداء في الجهر بها عند افتتاح القرآن وعند الإبتداء برءوس الأجزاء، وغيرها في مذهب الجماعة اتباعا للنص، واقتداء بالسُّنَة. وروى إسحاق المسيبي، عن نافع أنه كان يخفيها في جميع القرآن. وروى سليم، عن حمزة أنه كان يجهر بها في أول أم القرآن خاصة، ويخفيها بعد ذلك في سائر القراَن، كذلك قال خلف عنه، وقال خلاد عنه: إنه كان يجيز الجهر والإخفاء جميعا، ولا ينكر على من جهر، ولا على من أخفى، والباقون لم يأت عنهم في ذلك شيء منصوص، ثم حكم الاستعاذة في الصلاة فهي سُنَة عند عامة العلماء خلافا "لك، وأما وقته بعد الفراغ من الثناء قبل القراءة عند الجمهور. وقالت الظاهرية: وقته بعد الفراغ من القراءة، وأما من يسن في حقه التعوذ: الإمام، والمنفرد، دون المقتدي عند أبي حنيفة، ومحمد، وعند أبي يوسف هو سُنَة أيضاً في حقه، وهو قول الشافعي، وأحمد، وقد عرف / بتفصيله في الفروع. [1/269-ب]

ص- قال أبو داود: هذا الحديث منكر، قد روى هذا الحديث، عن الزهري جماعة لم يذكروا هذا الكلام على هذا الشرح، وأخاف أن يكون أمر الاستعاذة منه (1) كلامَ حميد.

ش- أشار به إلى أن حميدا اَلأعرج انفرد به مخالفا " رواه الثقات عن الزهري، أو يكون ذلك وهما منه.

قوله: " أمر الاستعاذة منه " أي: من الشيطان، وفي بعض النسخ:

" فيه " أي: أمر الاستعاذة في هذا الحديث.

قوله: " كلام حميد " منصوب على أنه خبر " أن يكون"، وهذا الحديث ليس له مناسبة في هذا الباب أصلاً، وإنما وقع هذا هاهنا اتفاقا.

***

(1) في سنن أبي داود: " من ".

ص: 441