الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولا يصلي المفترض خلف المتنفل؛ لأن الاقتداء بناء، ووصف الفرضية معدوم في حق الإمام، فلا يتحقق البناء على المعدوم، قال: ولا من يصلي فرضا خلف من يصلي فرضا آخر؛ لأن الاقتداء شركة وموافقة
ــ
[البناية]
قلنا: في جواب زفر لا نسلم أن الإيماء كالخلف، ولئن سلمنا لكن لا نسلم أنه كان في الحقيقة كالمتيمم؛ لأن التيمم خلف يؤدي به أركان الصلاة، كما شرعت وهذا لا يؤدي به كما شرعت.
[صلاة المفترض خلف المتنفل والعكس]
م: (ولا يصلي المفترض خلف المتنفل) ش: وبه قال مالك في رواية وأحمد في رواية أبي الحارث عنه، وقال ابن قدامة: اختار هذه الرواية أكثر أصحابنا وهو قول الزهري والحسن وسعيد بن المسيب والنخعي وأبي قلابة ويحيى بن سعيد الأنصاري. قال الطحاوي: وبه قال مجاهد وطاوس.
م: (لأن الاقتداء بناء) ش: أي بناء أمر وجودي لأنه عبارة عن متابعة الشخص لآخر في أفعاله بصفاتها وهو مفهوم وجودي لا سلب فيه، وبناء الأمر الوجودي على المعدوم بصفاتها غير متحقق م:(ووصف الفرضية معدوم في حق الإمام) ش: فلا يمكن بناء الموجود على المعدوم م: (فلا يتحقق البناء على المعدوم) ش: لاستحالة ذلك.
م: (قال) ش: أي القدوري م: (ولا من يصلي فرضا خلف من يصلي فرضا آخر) ش: أي ولا يصلي من يريد صلاة فرض مثلا صلاة الظهر خلف من يصلي فرضا آخر نحو من يصلي عصرا أو عشاء م: (لأن الاقتداء شركة) ش: يعني في التحريمة م: (وموافقة) ش: يعني في الأفعال فلا بد من الاتحاد في الشركة والموافقة؛ لأنهما لا يوجدان إلا عند اتحاد ما يحرما له وفعلاه.
فإن قلت: الشركة تقتضي المعية في الاشتراك، والبناء يقتضي التعاقب وبينهما منافاة.
قلت: الاشتراك بالنسبة إلى التحريمة، والبناء بالنسبة إلى الأفعال، فلا منافاة بينهما، وحاصل الأمر أن اتحاد الصلاتين شرط لصحة الاقتداء فلا يصح اقتداء مصلي الظهر بمصلي العصر، وعلى العكس ولا اقتداء من يصلي ظهرا بمن يصلي ظهر يوم آخر، ويجوز اقتداء القاضي بالقاضي إذا فاتتهما صلاة واحدة من يوم واحد كالأداء، ولا يجوز أداء الناذر بالناذر إلا إذا نذر الثاني عين ما نذر الأول لاتحادهما، ولو أفسد كل واحد تطوعه ثم اقتدى أحدهما بالآخر صح كما قبل الإفساد.
ويجوز اقتداء الحالف بالحالف؛ لأن وجوبها عارض لتحقيق البرء فبقيت نفلا، ولا يجوز اقتداء الناذر بالحالف لقوة النذر، ويجوز اقتداء الحالف بالناذر، ولو اقتدى مقلد أبي حنيفة في الوتر مقلد أبي يوسف ومحمد جاز لاتحاد الصلاة.
فلا بد من الاتحاد. وعند الشافعي رحمه الله يصح في جميع ذلك؛ لأن الاقتداء عنه أداء على سبيل الموافقة، وعندنا معنى التضمن مراعى.
ــ
[البناية]
قال المرغيناني: وعندي نظيره من صلى ركعتين من العصر فغربت الشمس فاقتدى به إنسان في الأخيرتين يجوز، وإن كان هذا قضاء في حق المتقدي؛ لأن الصلاة واحدة ثم إذا لم يصح الاقتداء في هذه المسائل عندنا يصير شارعا في التطوع أم لا؟ فيه روايتان.
وقال الصدر الشهيد: الاعتماد على أنه لا يصير شارعا، ولو كان اقتداء المفترض بالمتنفل في فعل واحد. قيل: لا يجوز كما لو كان في جميع الأفعال لأنه بناء الموجود على المعدوم.
وقال بعضهم: لا يجوز في فعل واحد ألا ترى أن محمدا ذكر في الأصل أن الإمام إذا رفع رأسه من الركوع فجاء إنسان واقتدى به فقبل أن يسجد السجدتين سبق الإمام الحدث فاستخلف هذا المسبوق صح الاستخلاف ويأتي الخليفة بالسجدتين ويكونان له نفلا حتى يعتد بهما فرضا في حق من أدرك أولا الصلاة ومع هذا صح الاقتداء به، وكذا يجوز اقتداء المتنفل بالمفترض في الركعتين الأخيرتين وهو اقتداء المفترض بالمتنفل في حق القراءة، والصحيح الأول الذي عليه عامة الأصحاب.
والجواب عن الأول: بأن السجدتين فرض في حق الخليفة حتى لو لم يأت بهما حتى خرج من صلاته فسدت صلاته وإن لم يعتد له بهما.
وعن الثانية: أن صلاة المقتدي المتنفل أخذت حكم صلاة المفترض بسبب الاقتداء؛ ولهذا لزمه قضاء ما لم يدرك مع الإمام من الشفع الأول، ولذا لو أفسد صلاته يلزم قضاء الأربع فتكون القراءة نفلا في حقه في الركعتين الأخيرتين كما كانت نفلا في حق إمامه، فكان اقتداء المتنفل بالمتنفل في حق القراءة في الأخيرتين.
م: (وعند الشافعي يصح في جميع ذلك) ش: يعني يصح عنده اقتداء الذي يركع ويسجد بالمومئ والمفترض بالمتنفل، واقتداء من يصلي فرضا آخر وبه قال أحمد في رواية، واختاره ابن المنذر وهو قول عطاء وطاووس وسليمان بن حرب وداود م:(لأن الاقتداء عنده) ش: أي عند الشافعي رحمه الله م: (أداء على سبيل الموافقة) ش: وقد حصل التوافق في الأفعال فجاز.
م: (وعندنا معنى التضمن مراعى) ش: يعني التضمن الذي دل عليه قوله صلى الله عليه وسلم: «الإمام ضامن» مراعى عندنا وهو الصحة والفساد، وإنما تصير صلاتهم في ضمن صلاته صحة وفسادا إذ تبنى صلاتهم على صلاته، والابتناء لا يصح ما لم يكن أصل الفرض بحيث يمكن الإمام أداء ما على المقتدي بتحريمه أداء صلاته صح أداء المقتدي بناء على صلاته فيراعى الاتحاد بين صلاتهم وصلاته، فلا يحصل مراعاة الاتحاد مع تغاير الفرضين؛ ولهذا لا يجوز اقتداء مصلي الظهر خلف من يصلي الجمعة أو على العكس.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[البناية]
فإن قلت: روى البخاري ومسلم عن جابر رضي الله عنه «أن معاذا كان يصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم العشاء الآخرة ثم يرجع إلى قومه فيصلي بهم تلك الصلاة» هذا لفظ مسلم ولفظ البخاري فيصلي بهم الصلاة المكتوبة.
قلت: الجواب عنه من وجوه:
الأول: أن الاحتجاج من باب ترك الإنكار من النبي صلى الله عليه وسلم وشرط ذلك علمه بالواقعة وجاز أن لا يكون علم بها، ويدل عليه ما رواه أحمد في "مسنده " عن معاذ بن رفاعة «عن سليم رجل من بني سلمة أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إن معاذ بن جبل يأتينا بعدما ننام ونكون في أعمالنا بالنهار فينادي بالصلاة فنخرج عليه فيطول علينا فقال له عليه السلام: "يا معاذ لا تكن فتانا إما أن تصلي معي وإما أن تخفف على قومك» "، فدل على أنه كان يفعل أحد الأمرين، ولم يكن يجمعهما بأنه قال:«إما أن تصلي معي» أي ولا تصلي بقومك، «وإما أن تخفف على قومك» ولا تصلي معنا.
الثاني: أن النية أمر مبطن لا يطلع عليه إلا بإخبار الباري، ومن الجائز أن يكون معاذ كان يجعل صلاته معه عليه السلام بنية النفل ليتعلم سنة القراءة منه وأفعال الصلاة، ثم يأتي قومه فيصلي بهم الفرض ويؤيده أيضا حديث أحمد المذكور.
فإن قلت: معاذ إن ترك فضيلة الفرض خلف النبي عليه السلام ويأتي به مع قومه وكيف يظن معاذ بعد سماعه قول النبي عليه السلام «إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة» ولعل الصلاة الواحدة مع النبي صلى الله عليه وسلم خير من كل صلاة صلاها في عمره، وأيضا وقع في رواية الشافعي، ومن طريقه روى الدارقطني ثم البيهقي «هي له تطوع ولهم فريضة» رواه الشافعي في "مسنده ".
قلت: قال الشيخ تقي الدين: يمكن أن يقال في الحديث المذكور: إن مفهومه أن لا يصلي نافلة غير الصلاة التي تقام؛ لأن المحذور وقوع الخلاف على الأئمة، وهذا المحذور سبق مع الاتفاق في الصلاة المقامة، ويؤيد هذا اتفاقهم على جواز اقتداء المتنفل بالمفترض، ولو تناوله النهي لما جاز مطلقا.
وقولهم: وكيف يظن بمعاذ إلخ غير موجه؛ لأنه ليس تفوته الفضيلة معه صلى الله عليه وسلم في سائر أئمة مساجد المدينة وفضيلة النافلة خلفه مع أداء الفرض مع قومه تقوم مقام أداء الفريضة خلفه وامتثال أمر النبي صلى الله عليه وسلم في إمامة قومه زيادة طاعة.
ويصلي المتنفل خلف المفترض؛ لأن الحاجة في حقه إلى أصل الصلاة، وهو موجود في حق الإمام، فيتحقق البناء
ــ
[البناية]
وأما الزيادة في رواية الشافعي فليس من كلام النبي صلى الله عليه وسلم وإنما هي من الرواة، ولعلها من الشافعي فإنها دائرة عليه، ولا يعرف إلا من جهته فيكون منه ظنا واجتهادا.
وعن ابن قدامة وابن تيمية الحراني من الحنابلة: أن أحمد قد ضعف هذه الزيادة، فقال: وقد سئل عن حديث معاذ: أخشى أن لا يكون محفوظا؛ لأن ابن عيينة زاد فيه كلاما لا يقوله أحد. قال في " المغني " عنه: وقد روى الحديث منصور بن زاذان وشعبة، ولم يقولا ما قال ابن عيينة يعني زيادته هي له تطوع ولهم فريضة.
الثالث: أنه منسوخ، قال الطحاوي: يحتمل أن يكون ذلك وقت كانت الفريضة تصلى مرتين، فإن ذلك كان يفعل في أول الإسلام، ثم ذكر حديث ابن عمر رضي الله عنه «لا تصلى صلاة في يوم مرتين» وقال ابن دقيق العيد: هذا مدخول من وجهين:
أحدهما: أنه أثبت النسخ بالاحتمال.
الثاني: أنه لم يقم دليل على أن ذكره كان واقعا أعني صلاة الفريضة في يوم مرتين.
قلت: الاحتمال إذا كان ثابتا عن الدليل يعمل به، وقد ذكر الطحاوي بإسناده أنهم كانوا يصلون الفريضة الواحدة في اليوم مرتين حتى نهوا عنه وكذا ذكره المهلب، والنهي لا يكون إلا بعد الإباحة، والدليل عليه أن إسلام معاذ متقدم، وقد صلى النبي صلى الله عليه وسلم بعد سنين من الهجرة صلاة الخوف مرة فلو جاز ما ذكروه لما يحملها مع المعدات، فلو جاز اقتداء المفترض بالمتنفل يصلي بهم الصلاة مرتين فيصلي بالطائفة الأولى صلاة كاملة فلما لم يصل دل على عدم جواز اقتداء المفترض بالمتنفل.
الرابع: يحتمل أنه يكون كان يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم صلاة النهار ومع قومه صلاة الليل؛ لأنهم كانوا أهل خدمة لا يحضرون صلاة النهار في إسناد لهم، فأخبر الراوي بحال معاذ في وقتين لا في وقت واحد.
م: (ويصلي المتنفل خلف المفترض) ش: وهذا بالاتفاق، وفي شرح " العمدة " وفيهم من لا يجوز ذلك لاختلاف النية م:(لأن الحاجة في حقه إلى أصل الصلاة) ش: أي في حق المتنفل المقتدي، وذلك أن المفترض يشتمل على أصل الصلاة والصفة، والمتنفل مشتمل على أصل الصلاة، ففي هذه الصورة تشتمل صلاة الإمام على صلاة المقتدي وزيادة فيصح اقتداؤه به.
م: (وهو موجود) ش: أي أصل الصلاة موجود م: (في حق الإمام) ش: لأنه مفترض م: (فيتحقق البناء) ش: أي بناء صلاة المتنفل على صلاة المفترض، وتفسير البناء أن تجعل التحريمتان