الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال: ويرفع يديه مع التكبير وهو سنة، لأن النبي عليه الصلاة والسلام واظب عليه،
ــ
[البناية]
كذا في " الجنازية "، قال صاحب " الدراية ": وهذا منقوض بالنية فإنها شرط بالإجماع، ويشترط لها ما يشترط لسائر الأركان.
قلت: النية أمر باطني فلا يورد لها على الأمور الظاهرة.
[رفع اليدين عند تكبيرة الإحرام]
م: (قال) ش: أي القدوري م: (ويرفع يديه مع التكبير) ش: أي يرفع المصلي يديه مصاحبا للتكبير، وقال في " المحيط ": يجعل باطن يديه مستقبل القبلة ناشرا أصابع يديه؛ لحديث أبي هريرة رضي الله عنه «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كبر للصلاة نشر أصابعه» ، ورواه الترمذي وابن خزيمة في " صحيحه " وفي " المبسوط ": لا يكلف بتفريج الأصابع عند الرفع، ومعنى الحديث المذكور ناشر إلى الكف، وقال شيخ الإسلام: فمن الناس من ظن أنه أراد بنشر الأصابع أن يفرج بين الأصابع تفريجا، وهو غلط، ولكن أراد به [......] كما يكون في الثوب أي لا يرفع يديه مضمومتين بل يرفعهما منصوبتين حتى تكون الأصابع مستقبل القبلة بالكفين، ونشر الأصابع فيه سنة ، وإخراج اليدين عن الكمين سنة [
…
] وفي " الحاوي " للماوردي: يجعل بطن كل كف إلى القبلة. وقيل: يجعل بطن كل كف إلى الأخرى.
م: (وهو سنة) ش: أي رفع اليدين سنة في أول الصلاة عنه وهو الصحيح، روي ذلك عن أبي حنيفة نصا، فإن تركه قيل: يأثم، وروي عن أبي حنيفة ما يدل على هذا القول فإنه قال: إن تركه جاز وإن رفع كان أفضل، وقال الصفار: إن اعتاد تركه أثم. ونقل القدوري عن الزيدية أنه لا يرفع يديه عند الإحرام، ولا نقل بخلافهم.
ونقل عن الحسن المروزي أن ترك رفع اليد في تكبيرة الإحرام تبطل الصلاة، وهو مردود بالإجماع. وذكر في " القواعد " لابن رشد من المالكية رضي الله عنهم أن رفع اليدين فرض. وعند داود وجماعة من أصحابه الظاهرية، فمنهم من أوجبه في تكبيرة الافتتاح فقط، ومنهم من أوجبه فيه وعند الانحطاط للركوع والارتفاع منه، ومنهم من أضاف إلى ذلك السجود، أيضا يجب اختلافهم في المواضع التي يرفع فيها.
م: (لأن النبي عليه الصلاة والسلام واظب عليه) ش: أي رفع اليدين في أول الصلاة، ومواظبته صلى الله عليه وسلم معروفة في أحاديث صفة صلاته صلى الله عليه وسلم منها حديث ابن عمر، أخرج حديثه الأئمة الستة في كتبهم عن سالم عن أبيه عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال:«رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا استفتح الصلاة رفع يديه» . الحديث، ومنها حديث أبي حميد الساعدي قال: «كان
وهذا اللفظ يشير إلى اشتراط المقارنة، وهو المروي عن أبي يوسف رحمه الله والمحكي عن الطحاوي،
ــ
[البناية]
رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة رفع يديه» وسيأتي قريبا، أخرجه الجماعة إلا مسلما، ومنها ما أخرجه الطحاوي في " شرح الآثار " عن علي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم «كان إذا قام إلى الصلاة كبر ورفع يديه حذو منكبيه» ، والعجب من الأكمل يقول: رفع اليدين في أول الصلاة سنة بلا خلاف؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم واظب عليه مع الترك، وهو علامة السنة، بخلاف ما إذا كان بلا ترك، فإن ذلك دليل الوجوب.
قلت: كيف يقول: واظب عليه مع الترك، فمن أين أخذ هذا وجميع الأحاديث التي رويت في صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم يدل صريحا على رفع اليدين في أول الصلاة، حتى قال ابن المنذر: لم يختلف أهل العلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه إذا افتتح، فلذلك ذهب قوم إلى وجوبه كما ذكرنا. وقال قوم: بلا خلاف، يدل على عدم اطلاعه؛ فإن فيه خلافا، وإن كان الجمهور على خلافه، والعجب من الأترازي أيضا أنه يقول: رفع اليدين سنة لأن النبي صلى الله عليه وسلم علم الأعرابي واجبات الصلاة، ولم يذكر رفع اليدين.
قلت: كيف يدل هذه على سنية رفع اليدين؟ بل يدل هذا صريحا على كونه غير سنة، ولا يلزم من عدم ذكره الرفع فيه عدم كونه سنة، ومع هذا شارح الكتاب وصاحب الكتاب في واد وهو في واد.
قال السغناقي: فإن قلت: المواظبة دليل الوجوب، فكيف استدل بها على السنية؟ ثم أجاب بما حاصله: أن المصنف قال في آخر باب إدراك الفريضة: لا سنية دون المواظبة، ثم قال: المواظبة إنما تكون دليل الوجوب إذا كانت من غير ترك، وثبت الترك ههنا، فإن شمس الأئمة السرخسي قال في تعليل هذه المسألة: لأن النبي صلى الله عليه وسلم علم الأعرابي الصلاة ولم يذكر رفع اليدين، لأنه ذكر الواجبات وواظب على رفع اليدين عند التكبير، فدل على أنه سنة.
قلت: هذا أعجب مما ذكر الأكمل والأترازي، فإنه يقول: وثبت، ففي أي موضع ثبت ذلك؟ ومن رواه من الصحابة؟ وقد قلنا أيضا ما في قصة الأعرابي.
م: (وهذا اللفظ) ش: أي لفظ القدوري في قوله: ويرفع يديه مع التكبير م: (يشير إلى اشتراط المقارنة) ش: أي مقارنة الرفع مع التكبير لأن كلمة مع للقران، وقال الصفار وشيخ الإسلام خواهر زادة: ويرفع مقارنا للتكبير.
م: (وهو المروي عن أبي يوسف) ش: أي الرفع مع التكبير مروي عن أبي يوسف، أي كان يقول ذلك فيما روي عنه م:(والمحكي عن الطحاوي) ش: أي عن الإمام أبي جعفر أحمد بن محمد بن سلامة الأزدي الطحاوي، المحكي عبارة عن الفعل يعني أنه كان يفعل كذلك فيما حكي
والأصح أنه يرفع أولا ثم يكبر، لأن فعله نفي الكبرياء عن غير الله تعالى، والنفي مقدم على الإثبات. ويرفع يديه حتى يحاذي بإبهاميه شحمتي أذنيه، وعند الشافعي رحمه الله يرفع إلى منكبيه،
ــ
[البناية]
عنه، وبه قال أحمد، وهو المشهور عن مذهب مالك.
م: (والأصح أنه يرفع أولا ثم يكبر) ش: أي الأصح في المذهب أن المصلي يرفع يديه أولا ثم يكبر، قال في " المبسوط ": وعليه أكثر مشايخنا. وللشافعي فيه ثلاثة أوجه: أحدها: أنه يبتدئ بالتكبير هذا الدال، الثاني: أن يرفع التكبير، والثالث: يكبر ويداه قارنتان حذو منكبيه.
م: (لأن فعله نفي الكبرياء عن غير الله تعالى) ش: لأن في تقلب الرفع نفي الكبرياء عما سوى الله تعالى، وبالتكبير يثبت لله تعالى. م:(والنفي مقدم على الإثبات) ش: كما في كلمة التوحيد، ولقائل أن يقول: ثبت التقدم في كلمة التوحيد ضرورة، لأنه لا يمكن التكلم بالنفي والإثبات معا بخلاف ما نحن فيه، فإن النفي بالفعل والإثبات بالقول يمكن القران، ثم الحكم في رفع اليدين الإشارة إلى نقل ما سوى الله وراء ظهره، كأنه يشير بيده اليمنى إلى الآخرة، وباليسرى إلى الدنيا، قائلا بلسان حاله: نبذت ما سوى الله، الدنيا والآخرة، وراء ظهري، وأعرضت عنهما، وأقبلت إلى عبادة الله عز وجل، والله أكبر، أبي وهو أعظم من أن يؤدى حقه بهذا المقدار.
وقال محمد بن أبي جمرة المالكي: حكم رفع اليدين أن يراه الأصم فيعلم دخوله في الصلاة، وقال ابن بطال: رفعهما تعبد، وقيل: إشارة إلى التوحيد، وقيل: هو انقياد في خبر مطلوب، يكبر بعد استقرار اليدين ويكبر للافتتاح مرة واحدة. وقالت الرافضة: يكبر ثلاث مرات، وهو باطل، وقال الوبري: يأتي بالتكبير بنية تعظيم الله تعالى، قيل: يحصل بنية التعظيم باختصاص ذكر الله تعالى عند الافتتاح، ويكون ذلك بنية لوجود نية التعظيم.
م: (ويرفع يديه حتى يحاذي بإبهاميه شحمتي أذنيه) ش: شحمة الأذن معلق القرط، وفي " المحيط ": ويرفع يديه حذاء أذنيه حتى يحاذي بإبهاميه شحمة أذنيه، ويروى: أصابعه فروع أذنيه.
م: (وعند الشافعي يرفع إلى منكبيه) ش: وعنه يحاذي أطراف أصابعه أذنيه وكفيه ومنكبيه، وإبهاماه شحمة أذنيه، وقال أبو محمد من المالكية: يرفعهما إلى المنكبين. واختار المتأخرون منهم: أن يحاذي بكوعه صدره، وبطرف كفه المنكب وأطراف أصابعه أذنيه، وهذا إنما يتهيأ إذا كانت يداه قائمتين ورؤوس أصابعهما مما يلي السماء، وهي صفة التائب، وقال سحنون: يكونان مبسوطين، بطونهما مما يلي الأرض وظهورهما مما يلي السماء، وهي صفة الخائف، وعند أحمد: يخير بين الرفع إلى الأذنين والمنكب لصحة الحديث فيهما، وعنده يضم الأصابع بعضها إلى بعض مع المد. وعند الشافعي ينشرها، وعن طاوس: أنه يرفع حتى يحاذيهما رأسه،
وعلى هذا تكبيرات القنوت والأعياد والجنازة. له حديث أبي حميد الساعدي رضي الله عنه قال: «كان النبي عليه السلام إذا كبر رفع يديه إلى منكبيه» . ولنا ما رواه وائل بن حجر والبراء بن عازب وأنس بن مالك رضي الله عنهم «أن النبي عيه السلام كان إذا كبر رفع يديه حذاء أذنيه» .
ــ
[البناية]
قال النووي: ولا أصل له.
م: (وعلى هذا) ش: يعني وعلى هذا الخلاف م (تكبيرات الأعياد وتكبيرة القنوت وتكبيرة الجنازة) ش: فعندنا يرفع يديه إلى شحمتي أذنيه في هذه التكبيرات، وعند الشافعي: إلى المنكبين كما في تكبيرة الافتتاح، وكان ينبغي أن يقول: تكبيرة الجنازة، بلا جمع لأن عندنا لا يعرف اليد في الجنازة إلا في تكبيرة الأولى.
م: (له) ش: أي للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - م: (حديث أبي حميد الساعدى رضي الله عنه عنه قال: «كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا كبر رفع يديه إلى منكبيه» ش: حديث أبي حميد رواه الجماعة إلا مسلما من حديث محمد بن عمرو بن عطاء قال: سمعت أبا حميد الساعدي في عشرة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم أبو قتادة، «قال أبو حميد: أنا أعلمكم بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا: ولم فوالله ما كنت بأكثرنا له تبعة ولا أقدمنا له صحبة. قال: بلى، قالوا: فأعرض، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة رفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه. الحديث. وفي آخره: "قالوا: صدقت هكذا كان يصلي» ، أخرجوه مطولا ومختصرا.
وأبو حميد اسمه عبد الرحمن بن عمرو بن سعيد، وقيل: ابن المنذر بن سعد الخزرجي، توفي في آخر خلافة معاوية، وأبو قتادة، واسمه الحارث بن ربعي، قوله: عشرة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أي بين عشرة، وكلمة في تجيء بمعنى بين، كما في قَوْله تَعَالَى:{فَادْخُلِي فِي عِبَادِي} [الفجر: 29][الفجر: الآية 29] أي بين عبادي، ومحلها النصب على الحال، أي سمعه حال كونه جالسا بين عشرة أنفس من الصحابة رضي الله عنهم، قوله: تبعة، أي اتباعا وهي بضم التاء المثناة من فوق، وسكون الباء الموحدة، وكذلك التبعة بفتح التاء وكسر الباء بمعناه، والتباعة أيضا بالفتح، وانتصابها على التمييز، وكذلك صحبة.
م: (ولهنا ما رواه وائل بن حجر والبراء بن عازب وأنس بن مالك رضي الله عنهم «أن النبي عليه السلام كان إذا كبر رفع يديه حذاء أذنيه» ش: أما حديث وائل فأخرجه مسلم في " صحيحه " عن عبد الجبار عن وائل عن علقمة عن وائل ومولى لهم أنهما حدثاه «عن أبيه وائل بن حجر أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم رفع يديه حتى دخل في الصلاة كبر وصفهما حيال أذنيه» الحديث. وهذا الحديث رواه أيضا أبو داود، والنسائي، والطبراني، والدارقطني، وحجر بضم الحاء وسكون الجيم.
ولأن رفع اليد لإعلام الأصم
ــ
[البناية]
وأما حديث البراء فأخرجه أحمد، وإسحاق بن راهويه في " مسنديهما " والدارقطني في " سننه " والطحاوي في " شرح الآثار " كلهم من حديث يزيد بن أبي زياد عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن البراء بن عازب قال:«كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلي رفع يديه حتى تكون إبهاماه حذاء أذنيه» . وزاد الدارقطني فيه: «ثم لم يعد» ويجيء الكلام فيه مستقصى.
وأما حديث أنس بن مالك رضي الله عنه فأخرجه الحاكم في " المستدرك " والدارقطني ثم البيهقي في " سننيهما " من حديث العلاء بن إسماعيل العطار، حدثنا حفص بن غياث عن عاصم الأحول عن أنس قال:«رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم كبر فحاذى بإبهاميه أذنيه ثم ركع» الحديث. وقال الحاكم: إسناده صحيح على شرط الشيخين ولا أعلم له علة ولم يخرجاه. وفي هذا الباب حديث مالك به الحويرث وأبي هريرة أيضا.
وأما حديث مالك بن الحويرث فأخرجه أبو داود عنه قال: «رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يرفع يديه إذا كبر وإذا ركع وإذا رفع رأسه من الركوع حتى بلغ بهما فروع أذنيه» وأخرجه مسلم والنسائي وابن ماجه والدارقطني.
وأما حديث أبي هريرة فأخرجه النسائي وأبو داود من حديث بشر بن سعد، قال: قال أبو هريرة: «لو كنت قدام النبي صلى الله عليه وسلم لرأيت إبطه، يعني إذا كبر فرفع يديه» . ووجه الاستدلال به أن من رفع يديه إلى منكبيه لا يرى إبطه، ولا يرى إلا ممن يرفع يديه إلى أذنيه.
م: (ولأن رفع اليد لإعلام الأصم) ش: يعني الأصم لا يسمع تكبير الإمام، ولا يعرف شروعه، فيكون رفع اليد لإعلامه، وهذا هو الحكم في الرفع.
وقال السغناقي: قلت: كان يجب عليه أن يقول: ورفع اليد لإعلام الأصم أيضا، بزيادة قوله: أيضا؛ لرفع التناقض صورة، لأنه ذكر أولا أن معنى رفع اليد نفي الكبرياء عن غير الله تعالى فلا يكون لغيره، حتى يكون لتخصيصه فائدة، وإنما يكون هو لغيره معه إذا كان له معنيان وهو التقى والإعلام، وهو يحصل بذكر قوله: أيضا، إلا أن المصنف اتبع شمس الأئمة السرخسي، كذلك ذكره، فإن دأبهم ترك التكلف لتفهم المعاني، والمعنيان يحصلان بما ذكروا، فلا حاجة بعد ذلك إلى زيادة
وهو بما قلناه، وما رواه يحمل على حاله العذر،
والمرأة ترفع يديها حذاء منكبيها،
ــ
[البناية]
التكليف. ونقل الأكمل هذا الكلام منه ثم قال: فكأنه يحوم حول أن المعلول الواحد لا يكون له علتان مستقلتان.
قلت: لا حاجة إلى ما ذكره لأن الكلام إن كان في العلة فالحكم يثبت بعلل شتى، وإن كان في الحكم فيجوز أن تكون واحدة وثنتين وما فوقهما. قال الأكمل: وقيل: لو كان لإعلام الأصم لما أتى به المنفرد، وأجيب بأن الأصل هو الأداء بالجماعة، قال الله تعالى:{وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ} [البقرة: 43](البقرة: الآية 43) فيكون الانفراد نادرا، على أن حكمة الحكم لا تراعى في كل فرد. فإن قيل: فعلى هذا يجب أن لا يأتي به المقتدي، أجيب بأن الأصم يجوز أن يكون في آخر الصفوف. قلت: هذان السؤالان مع جوابهما لتاج الشريعة. م: (وهو بما قلناه) ش: من رفع اليدين إلى أصل الأذين.
م: (وما رواه يحمل على حالة العذر) ش: أي ما رواه الشافعي من حديث أبي حميد محمول على العذر وهو عند البرد. وقال الطحاوي رحمه الله: الرفع إلى المنكبين كان لعذر لأن وائلا قال: «ثم أتيته من العام المقبل وعليهم الأكسية والبرانس، فكانوا يرفعون أيديهم فيها» وأشار شريك إلى صلاة فأخبر وائل بن حجر في حديثه هذا أن رفعهم إلى مناكبهم إنما كان لأن أيديهم كانت حينئذ في ثيابهم، وأخبر أنهم كانوا يرفعون إذا كانت أيديهم ليست في ثيابهم إلى حذو آذانهم، فأعلمنا روايتيه كلتيهما، فجعلنا الرفع إذا كانت اليدان في الثياب لعلة البرد إلى ما انتهى ما استطاع إليه وهو المكان.
وإذا كانتا باديتين رفعهما إلى الأذنين، كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم. قلت: لا حاجة إلى هذه التكلفات، وقد صح الخبر فيما قلنا وما قاله الشافعي، فاختار الشافعي حديث أبي حميد واختار أصحابنا حديث وائل في غيره، وقد قال أبو عمر بن عبد البر: اختلفت الآثار عن النبي عليه الصلاة والسلام وعن الصحابة ومن بعدهم في كيفية رفع اليدين في الصلاة، فروي عنه عليه السلام هذا فوق الأذنين مع الرأس، وروي عنه أنه كان يرفع يديه حذاء أذنيه، وروي عنه أنه كان يرفعهما حذو منكبيه، وروي عنه أن كان يرفعهما إلى صدره، وكلها آثار محفوظة مشهورة، انتهى. وهذا يدل على التوسعة في ذلك، وقال الأترازي بعد أن ذكر حديث البراء بن عازب: ولهذا ثبت قول الشافعي في رفع اليدين إلى المنكبين.
قلت: هذا كلام غير موجه، وكيف ثبت هذا الضعف؟ وقد يثبت ذلك في الحديث وشبه هذا الضعف في الحقيقة إلى الحديث، والحديث صحيح كما ذكرناه.
م: (والمرأة ترفع يديها حذاء منكبيها) ش: وفي " التحفة " لم يذكر في ظاهر الرواية حكم المرأة، وروى الحسن عن أبي حنيفة أنها كالرجل؛ لأن كفيها ليسا بعورة، وروى محمد بن مقاتل عن
وهو الصحيح لأنه أستر لها.
فإن قال بدل التكبير: الله أجل أو عظم، أو الرحمن أكبر أو لا إله إلا الله، أو غيره من أسماء الله تعالى، أجزأه عند أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: إن كان يحسن التكبير لم يجزئه إلا قوله: الله أكبر، أو الله الأكبر، أو الله الكبير، وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: لا يجوز إلا بالأولين.
ــ
[البناية]
أصحابنا: أنها ترفع يديها حذاء منكبيها كالرجل عند الشافعي، وقال في " الروضة ": لأنها لا تفتح إبطيها في السجود، فكذا في الافتتاح، وعن أم الدرداء وعطاء والزهري وحماد وغيرهم: أن المرأة ترفع يديها إلى ثدييها، ويبقى حال المرأة على القبض، ويبقى حال الرجل على البسط والتفرج، وعن أحمد في رواية: ترفع المرأة دون رفع الرجل، وفي أخرى لا ترفع عنده.
م: (وهو الصحيح) ش: يعني رفع يديها حذاء منكبيها هو الصحيح، واحترز به عن رواية الحسن عن أبي حنيفة أنها كالرجل م:(لأنه أستر لها) ش: أي لأن رفع يديها حذو منكبيها أستر للمرأة لأن مبنى أمرها على الستر.
م: (فإن قال بدل التكبير) ش: يعني إن قال المصلي عوض قوله: الله أكبر، وفيه إشارة إلى أن الأصل فيه التكبير م:(الله أجل وأعظم) ش: كلاهما أفعل التفضيل من الجليل والعظيم ومعناهما واحد (أو الرحمن أكبر) أي قال: الرحمن أكبر، موضع الله أكبر؛ أي أو قال بدل الله أكبر: لا إله إلا الله م: (أو غيره من أسماء الله تعالى) ش: أي أو قال غير ما ذكر من الألفاظ المذكورة بأن قال: لا إله غيره، أو قال: تبارك الله، أو قال: سبحان الله، أو ذكر اسما من أسماء الله التسعة والتسعين.
م: (أجزأه عند أبي حنيفة ومحمد) ش: وهذا جواب قوله: الله أكبر م: (وقال أبو يوسف رحمه الله: إن كان يحسن التكبير لم يجزئه إلا الله أكبر أو الله الأكبر أو الله الكبير) ش: يعني لم يجز إلا أن يأتي بأحد من هذه الألفاظ الثلاثة، وإن لم يحسن جاز.
ولم يذكر المصنف إلا هذه الألفاظ الثلاثة، وهكذا ذكره في " البدائع " و" المفيد "" والأسبيجابي "" والتحفة "" والينابيع "، وذكر في " المبسوط " أربعة ألفاظ: هذه الثلاثة، والرابع: الله كبير، بدون الألف واللام، والحق ما ذكره فيه، وفي " قاضي خان " روى الحسن عن أبي حنيفة: إن كان يحسن التكبير يكره، وقال السرخسي: الأصح أنه لا يكره، وذكر القدوري أيضا أنه كره الافتتاح إلا بقوله: الله أكبر، وفي " الذخيرة ": لو افتتح الصلاة بالتهليل أو التحميد أو التسبيح، يصير شارعا في الصلاة عندهما ويكره، قال: وهو الأصح لترك السنة المتواترة، وقيل: لا يكره، ذكره المرغيناني.
م: (وقال الشافعي: لا يجوز إلا بالأولين) ش: وهما الله أكبر، والله الأكبر، وهو الصحيح من مذهبه، ولو قال: الله أكبر وأجل وأعظم، جاز عند الشافعي، وكذا الله أكبر كبيرا، والله أكبر من كل شيء، ولو قال: الله الجليل أكبر، أجزأه في أصح الوجهين، ولو قال: الله الذي لا إله إلا هو
وقال الإمام مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: لا يجوز إلا بالأول، لأنه هو المنقول، والأصل فيه التوقيف. وقال الشافعي رحمه الله: إدخال الألف واللام فيه أبلغ في الثناء، فقام مقامه. وأبو يوسف رحمه الله يقول: إن أفعل وفعيلا في صفات الله تعالى سواء، بخلاف ما إذا كان لا يحسن أن يقول: الله أكبر؛ لأنه لا يقدر إلا على المعنى، ولهم أن التكبير هو التعظيم لغة
ــ
[البناية]
الملك القدوس الأكبر، لا يجوز بلا خلاف عندهم، وحكى الرافعي وغيره وجها أنه يتعذر بقوله: الرحمن أكبر أو الرحيم أكبر، ولو قال: الأكبر الله، منكوسا بغير ترتيب، جاز عندهم، وعند أحمد لا يجوز، وذكر في " وسيط الشافعية " أنه لا يجوز كما قال أحمد.
م: (وقال الإمام مالك: لا يجوز إلا بالأول) ش: وهو قوله: الله أكبر، وبه قال أحمد وداود م:(لأنه) ش: أي لأن لفظ الله أكبر م: (هو المنقول) ش: أي عن النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة والتابعين م: (والأصل فيه التوقيف) ش: أي الأصل في المنقول التوقيف على الفعل، ولم ينقل غير لفظ الله أكبر.
فإن قلت: أخرج الطبراني ما يؤيد ما ذهب إليه مالك من حديث رفاعة بن رافع " أن رجلا دخل المسجد فصلى "، الحديث. وفيه: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تتم صلاة لأحد من الناس حتى يتوضأ، فيضع الوضوء مواضعه، ثم يستقبل القبلة ثم يقول: الله أكبر» ، قلت: قد ثبتها صلى الله عليه وسلم صلاة ونفى قبولها، وتجوز أن تكون الصلاة جائزة ولا تكون مقبولة إذ لا يلزم من الجواز القبول، وعندهم لا تكون صلاة، ولا حجة في هذا.
م: وقال الشافعي: إدخال الألف واللام فيه) ش: يعني في لفظ أكبر الذي هو الخبر م: (أبلغ في الثناء) ش: لأنه يفيد الحصر م: (فقام مقامه) ش: أي فقام المعرف مقام المنكر م: (وأبو يوسف يقول: إن أفعل) ش: أي صيغة أفعل التي للتفضيل م: (وفعيلا) ش: أي وإن صيغة فعيلا. م: (في صفات الله سواء) ش: لأنه لا يراد بالأفعل إثبات الزيادة بعد الاشتراك في أصل المعنى، كما يراد ذلك في قولك: زيد أفضل من عمرو، ولما كان حكمه الأفعل في صفاته كذلك وهو جائز، جاز الفعيل أيضا ش:(بخلاف ما إذا كان لا يحسن أن يقول: الله أكبر؛ لأنه لا يقدر إلا على المعنى) ش: يعني الله أكبر.
م: (ولهما) ش: أي ولأبي حنيفة ومحمد. م: (أن التكبير هو التعظيم لغة) ش: أي من حيث اللغة، كما في قَوْله تَعَالَى:{فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ} [يوسف: 31](يوسف: الآية 31) أي عظمنه {وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ} [المدثر: 3](المدثر: الآية 3) أي فعظم، فكل لفظ دل على التعظيم وجب أن يجوز الشروع به، ولأن التكبير ما وجب بعينه حتى يقتصر على لغة أكبر، بل الواجب تعظيم الله تعالى بجميع البدن واللسان، فصرفناه إلى جميع الألفاظ الدالة على الثناء والتعظيم لله تعالى، والأصل في خطاب الشرع أن يكون مفهوما معلوما مقبولا، والبقية على خلاف الأصل على ما عرف في الأصول، وقال تعالى:{وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى} [الأعلى: 15]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[البناية]
(الأعلى: الآية 15) وذكر اسم، أعم من أن يكون باسم الله أو باسم الرحمن، فجاز الرحمن أعظم، كما جاز الله أكبر لأنهما في كونهما ذكرا سواء، قال تعالى:{وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} [الأعراف: 180](الأعراف: الآية 180) فأي اسم من أسمائه افتتح الصلاة به جاز.
وقال عليه الصلاة والسلام: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله» ، ثم لو قال: لا إله إلا الرحمن أو العزيز، كان مسلما، فإذا جاز في الإيمان الذي هو أصل، ففي فروعه أولى، وفي " سنن" أبي بكر بن أبي شيبة عن أبي العالية أنه سئل بأي شيء كان الأنبياء يفتتحون الصلاة؟ قال: بالتوحيد والتسبيح والتهليل، وعن الشعبي قال: بأي اسم من أسماء الله تعالى فتحت الصلاة أجزأك، ومثله عن النخعي، وعن إبراهيم: إذا سبح أو كبر أو هلل أجزأ في الافتتاح، ولو افتتحها بقوله: سبحانك اللهم، يصير شارعا، كما إذا قال: سبحان الله، ذكره في فتاوى النسفي ".
ولو قال: يا ألله، يصير شارعا، وكذا لو قال: لا إله غيره، ولا يصح شارعا بقوله: اللهم اغفر لي، وأستغفر الله، أو لا حول ولا قوة إلا بالله، أو ما شاء الله كان، أو أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، أو باسم الله الرحمن الرحيم، لأن التعوذ في نفي الداء، والمسألة للتبرك، فكأنه قال: اللهم بارك لي في هذا، وفي " المرغيناني ": قيل: يجوز، وعن محمد بن الفضل: يجوز بقوله بسم الله الرحمن، عند أبي حنيفة، والصحيح الأول، ولو قال: الله أو الرب أو الرحمن، ولم يرد، يصير شارعا عند أبي حنيفة، خلافا لمحمد. وفي " المرغيناني ": وعلى هذا الكبير والأكبر أو أكبر عند أبي حنيفة، وفي " فتاوى الفضلي " بالرحمن يصير شارعا وبالرحيم لا، لأن الرحيم مشترك، وذكر في " الذخيرة " و " البدائع " أن صحة الشروع بالاسم وحده رواية الحسن عن أبي حنيفة، وقيل: عن أبي يوسف عن أبي حنيفة، وفي ظاهر الرواية يصير شارعا.
قلت: لأن الحكم بشيء على شيء إنما يتم بالخبر، والتعظيم حكم على التعظيم، فلا بد من لفظ يدل عليه، وفائدة الاختلاف تظهر في حائض طهرت في آخر الوقت، فإن اتسع للاسم فقط تجب الصلاة عليها عنده، خلافا لأبي يوسف ومحمد، ولو قال: الله الكابر، يصح شارعا لأنه لغة في الكبير.
ولو افتتحها باللهم اختلف أهل الحق فيه على قولين:
قال البصريون: يصير شارعا لأن الميم بدل من حرف النداء، قال في " الذخيرة ": وفي " المحيط ": وهو الأصح. وقال الكوفيون: لا يصير شارعا. قال في " الأسبيجابي " و " الينابيع ": وهو الأظهر، ولو كبر متعجبا ولم يرد به التعظيم لم يجز، ولو كبر في الركوع لا يصير شارعا،
وهو حاصل. فإن افتتح الصلاة بالفارسية
أو قرأ فيها بالفارسية، أو ذبح وسمى بالفارسية، وهو يحسن العربية، أجزأه عند أبي حنيفة رحمه الله وقالا: لا يجزئه إلا في الذبيحة خاصة، وإن لم يحسن أجزأه،
ــ
[البناية]
وقيل: عند أبي حنيفة يجوز إذا كان إلى القيام أقرب، ولو وقع (الله) قبل ركوعه، و (أكبر) في ركوعه، لا يصير شارعا، قال في " المرغيناني ": يصير شارعا على قياس قول أبي حنيفة ومحمد، وفي " العيون ": لو مد الإمام التكبير وجزم رجل خلفه، ووقع قبله يجوز عند أبي حنيفة ومحمد، لأنه لو قال: الله، ولم يزد، يجوز، فكذا هذا، وفي " المحيط ": لو أدرك الإمام في الركوع فكبر قائما ويريد به تكبيرة الركوع جاز لأن نيته تلغو.
وإن لم يحسن العربية كبر بلغته عندنا، وبه قال الشافعي وأحمد في " المجرد "، وقال في " الجامع ": لا يكبر بغير العربية، بل يكون حكمه حكم الأخرس، والأخرس لا يلزمه تحريك لسانه وشفتيه عنده خلافا للشافعي، وفي وجه: السريانية والعربية يتعين؛ لنزول الكتب بهما، وبعدهما الفارسية أولى من التركية والهندية. وفي " الجواهر ": الأبكم يدخل بالنية والعاجز بمثله باللغة ليس عليه نطق آخر يفتح الصلاة به عوضا عن التكبير، قاله أبو بكر من المالكية، وقال أبو الفرج: يدخل بالحرف الذي دخل به الإسلام، وقيل: يدخل بلسانه.
م: (وهو حاصل) ش: أي التعظيم حاصل بما ذكر من الألفاظ م: (فإن افتتح الصلاة بالفارسية) ش: أي اللغة الفارسية وهي اللغة التي تسمى في ألسن الناس بالعجمية بأن قال موضع الله أكبر حذاي برزك
م: (أو قرأ فيها) ش: أي في الصلاة م: (بالفارسية) ش: بأن قرأ تنكا موضع ضنكا، وسزا موضع جزاء، وسك أطل موضع عند، ونحو ذلك م:(أو ذبح وسمى بالفارسية) ش: بأن قال بنام حذاي برزك م: (وهو يحسن العربية) ش: أي والحال أن المصلي المكبر أو القارئ في الصلاة أو الذابح للشاة متمكن من التلفظ باللغة العربية م: (أجزأه عند أبي حنيفة، وقالا: لا يجزئه إلا في الذبيحة خاصة) ش: يعني عندهما لا يجزئه في الافتتاح والقراءة عند القدرة إلا في الذبيحة وأنها تجوز.
م: (وإن لم يحسن) ش: أي وإن لم يحسن العربية م: (أجزأه) ش: لعجزه، وقيل: الخلاف في الاعتداد بها، ولا تفسد صلاته بالاتفاق، ولو لم يكن ذلك تلاوة القرآن لما جاز عند العجز كالتفسير وإنشاد الشعر، قال في " المحيط ": ولهذا لا يجوز للجنب والحائض قراءة القرآن على نظم القرآن بالفارسية. وقال أبو سعيد البراذعي: إنما جوز أبو حنيفة القراءة بالفارسية لا بغيرها من الألسن لقرب الفارسية بالعربية لأنه ورد أنهما لسان أهل الجنة، والصحيح أن الخلاف في الكل، وقال بعض مشايخنا: إنما يجوز إذا كان على نظم القرآن، وقيل: يجوز كيف ما كان نقله الصفار، وقيل: إنما يجوز إذا كان ثناء، كسورة الإخلاص، أما إذا كان ممن ينقص لا يجوز
أما الكلام في الافتتاح، فمحمد مع أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - في العربية، ومع أبي يوسف في الفارسية؛ لأن لغة العرب لها من المزية ما ليس لغيرها.
ــ
[البناية]
كقوله: {اقْتُلُوا يُوسُفَ} [يوسف: 9](يوسف: الآية 9) فقرأ يكشت يوسفرا تفسد صلاته، والأصح أنه يجوز في الكل.
وفي " المستصفى ": الشرط أن لا يحذف منها حرفا وتيقن أنه معنى العربية، قال فخر الإسلام: الشأن فيمن لا يتهم في دينه، وقال محمد بن الفضل البخاري: هذا الخلاف فيما إذا جرى على لسانه من غير قصد، فمن تعمد ذلك فهو زنديق أو مجنون، فالمجنون يداوى والزنديق يقتل، لأن الإخلال بالنظم يخل بالقرآن كالإخلال بالمعنى، حتى لو لم يضم معناه شعرا أو قراءة فسدت صلاته لأنه من كلام الناس، وعلى هذا لو خطب يوم الجمعة أو كبر أو تشهد أو قنت.
ولو أذن أو أقام بالفارسية، قيل: على الخلاف، وقيل: لا يجوز بلا خلاف، إلا أن يكونوا قد اعتادوا ذلك، وأجمعوا جواز الأيمان والذبح، والسلام ورده بأي لسان كان، ذكره في " الينابيع ".
وفي " المبسوط ": روى الحسن عن أبي حنيفة أن من أذن بالفارسية والناس يعلمون أنه أذان جاز، وإلا فلا.
وفي " المحيط ": وفي التشهد روايتان عن أبي حنيفة، وبتفسير القرآن لا يجوز لأنه غير مقطوع به، ولو قرأ مثل قوله صلى الله عليه وسلم عن ربه «الصوم لي وأنا أجزي به» ، ومثل قوله:«ما تقرب المتقربون إلي بشيء أحب إلي مما افترضته عليهم» لا يجوز، ولو قرأ من التوراة والإنجيل والزبور لم يجز، سواء كان يحسن العربية أو لا لأنه ليس بقرآن، هكذا علل محمد، وقالوا: هذا يشير إلى أنه لا بأس للجنب أن يقرأها، وفي " النوادر ": لا يكره، وقيل: إن كان معناه معنى القرآن يجوز عنده، وإن كان معناه معنى التسبيح لا يجوز ولو بعد صلاته، وإن كان يعلم معناه فسدت صلاته، وفي " الروضة ": لو قرأ من التوراة والإنجيل والزبور ما كان تسبيحا وتحميدا وتهليلا أجزأه، ومن غيره لا يجزئه. وعند الشافعي يبدأ بالقراءة بالفارسية وعند العجز وعدمه، وبه قال مالك وأحمد. وفي " الكافي ": لو قرأ بقراءة شاذة لا تفسد صلاته بالاتفاق، ولو قرأ بقراءة ليست في مصحف العامة كقراءة ابن مسعود وأبي بن كعب رضي الله عنهما تفسد صلاته عند أبي يوسف، والأصح أنه لا يفسد ولكن لا يعتد به من القراءة.
م: (أما الكلام في الافتتاح) ش: أي في افتتاح الصلاة م: (فمحمد مع أبي حنيفة في العربية ومع أبي يوسف في الفارسية) ش: يعني يجوز عند محمد لكل اسم من أسمائه تعالى، ومع أبي يوسف في الفارسية، يعني لا يجوز عند أبي يوسف إلا إذا كان عاجزا عن العربية م:(لأن لغة العرب لها من المزية) ش: أي من الفضيلة، يقال: له عليه مزية، ولا ينهى منه فعل، والميم أصلية م:(ما ليس لغيرها)
وأما الكلام في القراءة فوجه قولهما أن القرآن اسم لمنظوم عربي كما نطق به النص، إلا أن عند العجز عن القراءة بالعربية يكتفى بالمعنى كالإيماء، بخلاف التسمية؛ لأن الذكر يحصل بكل لسان.
ولأبي حنيفة رحمه الله قَوْله تَعَالَى: {وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ} [الشعراء: 196] ولم يكن فيها بهذه اللغة،
ــ
[البناية]
ش: أي لغة العرب، كقوله صلى الله عليه وسلم:«أنا عربي والقرآن عربي ولسان أهل الجنة عربي» ، ذكره السغناقي ثم قال: ذكره عليه السلام في معرض الأثر وتفضيل لسان العرب على سائر الألسنة.
م: (وأما الكلام في القراءة فوجه قولهما) ش: أي قول أبي يوسف ومحمد م: (أن القرآن اسم لمنظوم عربي) ش: والعربي اسم لشيء مخصوص بلسان العرب، لأن المعنى لا اختصاص له بلسان دون لسان، فكما كان مخصوصا بلسان العرب، لم تجز القراءة بالفارسي م:(كما نطق به النص) ش: وهو قَوْله تَعَالَى: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا} [يوسف: 2](يوسف: الآية 2) والمراد بالعربي نظمه م: (إلا أن عند العجز عن القراءة بالعربية يكتفى بالمعنى) ش: للضرورة كيلا يلزم تكليف بالشيء في الوسع، وصار كمن عجز عن الركوع والسجود فإنه جاز له الإيماء.
م: (كالإيماء بخلاف التسمية) ش: عند الذبيحة وهذا في الحقيقة جواب عن إيراد يرد على قوليهما، وهو أن القرآن لما كان اسما لمنظوم عربي كان الأمر يقتضي أن لا تجوز التسمية أيضا عند الذبح بغير العربية، وتقرير الجواب أن المراد بالتسمية الذكر، قال الله تعالى:{وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} [الأنعام: 121](الأنعام: الآية 121) فلا يتوقف على العربية.
م: (لأن الذكر يحصل بكل لسان) ش: سواء كان يحسن العربية أو لم يحسن، في قولهم جميعا، وكذلك الشهادة عند الحكام، واللعان والعقود تصح بالإجماع م:(ولأبي حنيفة قَوْله تَعَالَى: {وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ} [الشعراء: 196] [الشعراء: الآية 196] ولم يكن فيها بهذه اللغة) ش: العربية، فتعين أن يكون بمعناه فيها، والمقروء بالفارسية على سبيل الترجمة يشتمل على معناه، فكان جائزا إلحاقا به.
فإن قلت: قَوْله تَعَالَى: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا} [يوسف: 2](يوسف: الآية 2) محكم لا يقبل التأويل، وقَوْله تَعَالَى:{وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ} [الشعراء: 196][الشعراء: الآية 196] محتمل لأن بعض المفسرين ذهب إلى أن الضمير للنبي صلى الله عليه وسلم، فكيف يترك المحكم به؟
قلت: هذا بعيد يفضي إلى التعقيد اللفظي بتفكيك الضمائر في قَوْله تَعَالَى: {وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الشعراء: 192](الشعراء: الآية 192) والكلام المعجز مصون عن ذلك.
فإن قلت: سلمنا تساويهما في الأحكام لكي يكونا متعارضين، فمن أين تقوم الحجة.
قلت: إعمال الدليلين ولو كان بوجه أولى من إعمال أحدهما، فيحتمل قوله:{وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ} [الشعراء: 196](الشعراء: الآية 196) على حالة الصلاة لأنها حالة المناجاة والاشتغال بنظم خاص
ولهذا تجوز عند العجز، إلا أنه يصير مسيئا لمخالفته السنة المتواترة،
ويجوز القراءة بأي لسان كان سوى الفارسية، هو الصحيح لما تلونا. والمعنى لا يختلف باختلاف اللغات، والخلاف في الاعتداد، ولا خلاف بينهم أنه لا فساد، ويروى رجوعه في أصل المسألة إلى قولهما وعليه الاعتماد، والخطبة والتشهد على هذا
ــ
[البناية]
يذهب بالرقة ويحمل قوله: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا} [يوسف: 2](يوسف: الآية 2) على غير حالة الصلاة.
م: (ولهذا) ش: أي ولكون القرآن لم يكن في الزبر بهذا النظم م: (تجوز) ش: القراءة بالفارسية م: (عند العجز) ش: عن العربية، ولا شك أن العجز لا يجعل غير القرآن قرآنا م:(إلا أنه) ش: استثناء من قوله: أجزأه عند أبي حنيفة، أي إلا أن المصلي بالقراءة الفارسية م:(يصير مسيئا لمخالفته السنة المتواترة) ش: وهي القراءة بالعربية.
م: (ويجوز القراءة بأي لسان كان) ش: بالتركية أو الهندية وغيرهما من أي لسان كان، على قوله الأول م:(سوى الفارسية) ش: يعني غير اللغة الفارسية، وهذا ليس باستثناء، بل معناه: كما يجوز عنده بالفارسية يجوز بغيرها أيضا من أي لسان كان، لكن هذا على قوله الأول م:(وهو الصحيح) ش: أي جواز القراءة بأي لغة كانت، واحترز به عن قول أبي سعيد البرذعي فإنه قال: إنما يجوز أبو حنيفة القراءة بالفارسية دون غيرها من الألسنة لقرب الفارسية من العربية.
م: (لما تلونا) ش: وهو قَوْله تَعَالَى: {وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ} [الشعراء: 196](الشعراء: الآية 196) فإنه لما لم يكن فيها بلغة العرب كذلك لم يكن بالفارسية م: (والمعنى لا يختلف باختلاف اللغات) ش: ولأن الاعتماد على المعنى عند النقل م: (والخلاف في الاعتداد) ش: أي أن الخلاف المذكور في أن القرآن بالفارسية هل يعتد عن القراءة بالعربية أم لا؟ فعند أبي حنيفة على قوله الأول يعتد عنها، وعندهما لا م:(ولا خلاف بينهم أنه لا فساد) ش: للصلاة. قال الأترازي: ولي فيه نظر لأن القراءة بالفارسي ليست بقراءة القرآن عندهما، فإذا لم يكن قراءة القرآن كانت من كلام الناس وهو مفسد للصلاة.
قلت: هذا نظر غير صحيح؛ لأن كون القراءة بالفارسية غير قراءة القرآن، ليس على إطلاقه، ولهذا يجوز عند العجز عندهما أيضا، فلم يكن من كلام الناس من كل وجه.
م: (ويروى رجوعه) ش: أي رجوع أبي حنيفة م: (في أصل المسألة) ش: يعني القراءة بالفارسية م: (إلى قولهما) ش: أي إلى قول أبي يوسف ومحمد، رواه أبو بكر الرازي وغيره م:(وعليه الاعتماد) ش: أي على القول بالرجوع الاعتماد، ولتنزيله منزلة الإجماع، فإن القرآن اسم للنظم والمعنى جميعا بالإجماع.
م: (والخطبة) ش: يوم الجمعة م: (والتشهد) ش: أي قراءة التحيات في القعدات م: (على هذا