الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هو الصحيح؛ لأن التكليف بحسب الوسع ومن كان خائفا يصلي إلى أي جهة قدر؛ لتحقق العجز والعذر، فلا يكلف إلى التوجه، فأشبه حالة الاشتباه،
وإن اشتبهت عليه القبلة وليس بحضرته من يسأله عنها اجتهد وصلى،
ــ
[البناية]
والمختار أنه لا يشترط، وفي " البدائع ": هو الصحيح. ولا تجزئه نية بناء الكعبة ولا نية الحجر الأسود لأن القبلة العرصة إلى عنان السماء لا البناء، لأن البناء لو وضع في مكان آخر فصلى إليه لا يجزئه وإلى العرصة يجزئه. وكذا لو صلى على أبي قبيس يجوز وإن لم يقابل البناء، ولو نوى مقام إبراهيم أو الحجر وقد أتى مكة لا يجزئه، وإن كان لم يأتها وعنده المقام والحجر والبيت واحد، أجزأه، قاله أبو أحمد العياضي. وقال أبو نصر: لا يجزئه.
وفي " الجامع الأصغر ": لو نوى أن يصلي إلى المقام أو البيت لا يجزئه، وكذا لو نوى أن قبلته محراب مسجده لم يجزئه لأنه علامة القبلة. قال خواهر زادة: لو نوى بالمقام الجهة دون عينه لا يجزئه.
قلت: يشترط مسامتة القبلة.
م: (هو الصحيح) ش: يعني كون فرض الغائب إصابة جهة القبلة هو الصحيح، واحترز به عن قول الشيخ أبي عبد الله الجرجاني أن فرضه إصابة عينها، ويريد بذلك اشتراط عين الكعبة، وقد تقدم.
م: (لأن التكليف بحسب الوسع) ش: وليس في وسع الغائب إصابة عينها م: (ومن كان خائفا) ش: من عدو أو سبع، أو الغرق بأن بقي على لوح م:(يصلي إلى أي جهة قدر لتحقق العجز والعذر، فلا يكلف إلى التوجه، فأشبه حالة الاشتباه) ش: أي فأشبه حكم هذا الخائف
حكم من اشتبهت عليه القبلة
في تحقيق العذر، فيتوجه إلى أي جهة قدر، لأن الكعبة تعتبر بعينها ليتحقق المقصود بالتوجه إلى أي جهة قدر.
[حكم من اشتبهت عليه القبلة]
م: (وإن اشتبهت عليه القبلة وليس بحضرته من يسأله عنها، اجتهد وصلى) ش: الواو في وليس للحال، وقوله: من، في محل الرفع لأنها اسم ليس، والضمير المنصوب في يسأله يرجع إلى من، وفي عنها إلى القبلة. وقوله: اجتهد، جواب إنما قيد بالاشتباه لأنه لو لم يشتبه لا تجوز صلاته إلى جهة التحري بل يجب التوجه إلى جهة الكعبة، وقد يعدم من يسأله لأنه إذا كان عنده من يسأله لا تجوز صلاته بالتحري، ويجب عليه الاستخبار.
وإنما قيد بالحضرة إشارة إلى أنه لا يجب عليه أن يطلب من يسأله. وقيد بقوله: اجتهد وصلى؛ لأنه إذا صلى بدون الاجتهاد لا تجوز صلاته، حتى روي عن أبي حنيفة أنه يكفر لاستخفافه بالدين. وفي " النوازل ": رجل صلى إلى غير القبلة متعمدا فوافق ذلك الكعبة، قال أبو حنيفة: هو كافر، وقال أبو يوسف: جازت صلاته، قال الفقيه أبو الليث: القول ما قاله أبو حنيفة إن كان
لأن الصحابة - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ - تحروا وصلوا، ولم ينكر عليهم النبي عليه الصلاة والسلام
ــ
[البناية]
فعل ذلك على وجه الاعتقاد.
م: (لأن الصحابة رضي الله عنهم تحروا وصلوا ولم ينكر عليهم النبي صلى الله عليه وسلم) ش: فيه حديثان، أحدهما عن عامر بن ربيعة قال:«كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر. زاد الترمذي: في "ليلة مظلمة" قال: "قال: فتغيمت السماء وأشكلت علينا القبلة، فصلينا وأعلمنا، فلما طلعت الشمس إذا نحن قد صلينا لغير القبلة، فذكرنا ذلك للنبي عليه السلام فأنزل الله عز وجل {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} [البقرة: 115] » (البقرة: الآية 115) .
قال الترمذي: هذا حديث ليس إسناده بذاك ولا نعرفه إلا من حديث أشعث السمان وهو يضعف في الحديث. ورواه أبو داود الطيالسي في "مسنده " وزاد فيه: " فقال: قد مضت صلاتكم، وأنزل الله الآية ".
وقال ابن القطان في "كتابه": الحديث معلول بأشعث وعاصم، فأشعث مضطرب الحديث ينكر عليه أحاديث، وأشعث السمان سيئ الحفظ يروي المنكرات عن الثقات، وقال: فيه عمرو بن على وهو متروك.
والحديث الثاني عن جابر: فروي من ثلاثة طرق:
أحدها: أخرجه الحاكم في " المستدرك " عن محمد بن سالم عن عطاء بن أبي رباح عن جابر قال: «كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سرية فأظل لنا غيم، فتحيرنا فاختلفنا في القبلة، فصلى كل واحد منا على حدة فجعل كل واحد منا يخط بين يديه ليعلم مكانه، فذكرنا للنبي صلى الله عليه وسلم فلم يأمرنا بالإعادة وقال لنا: "قد أجزأت صلاتكم» .
قال الحاكم: هذا حديث صحيح، ومحمد بن سالم لا أعرفه بعدالة ولا جرح. وقال الذهبي: محمد بن سالم يكنى أبا سهيل وهو واه، ورواه الدارقطني، ثم البيهقي في "سننهما"، فقال: محمد بن سالم ضعيف.
الطريق الثاني: أخرجه الدارقطني ثم البيهقي ولفظهما: قال: «بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية كنت فيها، فأصابتنا ظلمة، فلم نعرف القبلة، فصلوا وخطوا خطوطا، فلما أصبحوا وطلعت الشمس أصبحت تلك الخطوط لغير القبلة، فلما قفلنا من سفرنا سألنا النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك فسكت فأنزل
ولأن العمل بالدليل الظاهر واجب عند انعدام دليل فوقه،
ــ
[البناية]
الله تعالى {وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} [البقرة: 115] » (البقرة: الآية 115) . قال ابن القطان: فيه انقطاع ومجهول الحال.
والطريق الثالث: عن محمد بن عبيد الله العرزمي عن عطاء عن جابر نحوه. فإن قلت: في حديث جابر اختلاف؛ لأن في أحد الطريقين: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سرية، وفي الآخر: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية كنت فيها.
قلت: التوفيق بينهما أن السرية كانت جريدة جردها رسول الله صلى الله عليه وسلم من العسكر فمر فيها جابر واعتراهم ما ذكر، ولما قفلوا منها إلى عسكر النبي صلى الله عليه وسلم سألوه، أو تكون الجريدة لم تجتمع مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا في المدينة، حتى يكون قوله: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وقوله: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية، صادقين.
م: (ولأن العمل بالدليل الظاهر واجب) ش: هو الدليل الراجح وهو غلبة الظن م: (عند انعدام دليل فوقه) ش: أي فوق الدليل الظاهر. اعلم أن المجتهد في القبلة هو العالم بأدلتها وإن كان عاميا. قال تاج الشريعة: ومن الأدلة المحاريب القديمة المنصوبة في كل موضع؛ لأن نصبها كان باتفاق من الصحابة رضي الله عنهم والتابعين رحمهم الله فإن الصحابة فتحوا العراق وجعلوا القبلة لأهلها بين المشرق والمغرب، ثم فتحوا خراسان وجعلوا قبلة أهلها بين مسوى الصيف والشتاء، ومنهم من توفي فجعل قبره إليها من غير إنكار من أحدهم، وكفى باجتماعهم حجة، فيلزمنا اتباعهم في ذلك.
ومن الأدلة السؤال في كل موضع عن أهله عنها لأنهم أعرف بقبلتهم عادة من غيرهم، قال الله تعالى:{فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [النحل: 43](النحل: الآية 43) . ومن الأدلة عند فقد هذه النجوم على ما حكي عن عبد الله بن المبارك رضي الله عنه أنه قال: أهل الكوفة يجعلون الجدي خلف القضاء استقبال القبلة، وهو نجم إلى جنب القطب يعرف القبلة. قال: ونحن نجعل الجدي خلف الأذن اليمنى. وكان الشيخ أبو منصور الماتريدي رحمه الله يقول: انظر إلى مغرب الشمس في أطول أيام السنة وإلى مغربها في أقصر أيام السنة، ثم دع الثلثين عن يمينك والثلث عن يسارك، فتكون مستقبل القبلة، فذلك الوضع، انتهى.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[البناية]
ويقال: أدلة معرفة القبلة كثير، منها الشمس من مطلعها ومغربها، والقمر في سيره ومنازله والنجوم في طلوعها وأفولها، والرياح في مهابها، والأنهار في مجاريها، والجبال في وجوهها، والمجرة.
أما الشمس: فمن أشكلت عليه القبلة وكان بالمشرق يجعل الشمس خلفه في أول النهار وتلقاء وجهه في آخره، وإن كان في المغرب فعلى العكس، وإن كان بالشام يجعلها في أول النهار على جانبه الأيسر، وفي آخر النهار على جانبه الأيمن، وإن كان باليمن فعلى العكس يجعلها.
وأما القمر: فإنه يطلع في أول الشهر على يمنة المصلي، ويختلف مطلعه في اليمنة، فربما كان مع قرب شقه اليسرى، وربما كان إلى مدائرها أقرب، ويطلع في ليلة ثمان وعشرين رفيعا لحظة ثم يغيب على يسرة المصلي. وقيل: في الليلة السابعة يكون في القبلة، ويغيب الهلال في الليلة الأولى على مضي ستة [......] .
وأما النجوم: فأقوى الدلائل وأقواها القطب الشمالي، وهو نجم صغير في بنات النعش الصغرى بين الفرقدين في مهب الشمالي على مرتفع لا يغيب شتاء ولا صيفا. وأكثر استدلال الناس على الجهات في البر والبحر لكونه غير "زائل" عن مكانه، وحوله كواكب جلبة وخفيفة تسمى السمكة، وفاس الرحى تدور حول القطب أبدا لقطب الرحى، والفرقدان يكونان أعلاه في أول الليل ثم ينزلان عنه كلما تصرم الليل، وإذا قوي نور القمر خفي، ويعرف بوضعه في الفرقدين.
وأما سهيل اليماني فإنه لا يرى بالأندلس ولا بخراسان لانخفاضه، ويرى مع الفجر في آخر السماء في السادس والعشرين بين سوى بمصر ويطلع فيه ظهوره [كان يصلي النبي صلى الله عليه وسلم قبل هجرته إلى المدينة، وهو ما بين الركنين اليماني والعراقي] ويقال القطب الشمالي في داخل السفينة عند رجل الفرقدين عند رتبة الجدي، وهو مقابل القطب الجنوبي والقطب الذي بين الجدي والفرقدين يكون خلف أذن المصلي اليمنى إذا كان بالمشرق، وخلف أذنه اليسرى إذا كان بالمغرب، وبين كتفيه إذا كان بالشام، وخلف كتفه اليسرى إذا كان بأرض جصة، وغروب بنات النعش خلف ظهره. ومطلع العقرب تلقاء وجهه.
ويصلي أهل ديار مصر على حد أسوان مشرق الشتاء، إلا أهل أسوان فإنها أشد سريعا من البلاد الشمالية، تقرب من الجنوب والقطب قبالة وجهه إذا كان باليمين.
وأما الرياح الأربعة: ريح الشمال، والجنوب، والصبا، والدبور، فيقابل أركان الكعبة، فالصبا شرقية تقابل الركن العراقي الذي به الحجر الأسود، سميت الصبا لأنها تصير إلى وجه
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[البناية]
الكعبة، ومهبها ما بين الركن اليماني والركن العراقي إلى مصلى آدم عليه السلام وهو وسط الكعبة.
والشمال شامية تقابل الركن الشامي والركن الغربي، والدبور غربية لأنها تقابل الركن العراقي، ومهبها جبال الميزاب إلى ما بين الركن اليماني والغربي، سميت بالدبور لأنها تأتي من دبر الكعبة. والجنوب جبالية لأنها تقابل الركن اليماني ومهبها حيال الركن الغربي والركن اليماني إلى مصلى النبي عليه الصلاة والسلام قبل الهجرة، وسميت الجنوب لأنها تستقبل الجانب الأيمن من الكعبة، فالصبا تقابل الدبور والشمال تقابل الجنوب وكل ريح بين ريحين من هذه الأرياح الأربعة تسمى ريحا.
وأما الأنهار والمياه: فإنها تحل جارية من يمنة المصلي إلى يسرته على انحراف قليل يقرب من كتفه اليمنى، وتنفذ من الماء في اليسرى، كدجلة والفرات، والنهرين وغيرها من الأنهار، أحدها بخراسان، والأخرى: بالشام يسمى العاصي، ويقال لهما العارض لأنهما يخالفان لجريان الماء لأنهما يجريان عن يسرة المصلي إلى يمينه، ولا اعتبار بالأنهار المحدثة والسواقي لأنها بحسب الحاجات، ونيل مصر أيضا يجري إلى الشمال على خلاف الأنهار.
وأما الجبال فوجوهها مستقبل البيت.
وأما المجرة فإنها تكون ممتدة على كتف المصلي اليسرى إلى القبلة، ثم تلتوي رأسها حتى يصير آخر الليل على كتفه اليمنى.
وقال المرغيناني: قيل: قبلة البشر الكعبة، وقبلة أهل السماء البيت المعمور، وقبلة الكروبيين: الكرسي، وقبلة حملة العرش العرش، ومطلوب الكل وجه الله تعالى.
م: (والاستخبار فوق التحري) ش: أي طلب خبر القبلة من غيره فوق التحري إذا كان المخبر من ذلك الموضع، وأما إذا كان مسافرا لا يلتفت إلى الخبر، وفي " التحفة ": إذا كان في المفازة والسماء مضحية وله علم بالاستدلال بالنجوم على القبلة، لا يجوز له التحري، والتحري في اللغة طلب أحد الأمرين وهو أولاهما، وفي الشرع يقع على أخف الأمرين وأولاهما بغالب الرأي عند تعذر الوقوف على حقيقته.
قلت: الخبر قد يكون حجة [......]، فلذلك قلنا: إن الاستخبار فوق التحري، كما في خبر رواية الهلال ورواية الحديث، والتحري حجة حقة لا في غيره، ولا يجوز التحري مع المحاريب، وقال النووي: أحب اعتمادها ولا يجوز معها الاجتهاد، وقال: ونقل صاحب " الشمائل " إجماع المسلمين على هذا.
والاستخبار فوق التحري، فإن علم أنه أخطأ بعدما صلى لا يعيدها، وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: يعيدها إذا استدبر لتيقنه بالخطأ، ونحن نقول: ليس في وسعه إلا التوجه إلى جهة التحري والتكليف مقيد بالوسع.
ــ
[البناية]
م: (فإن علم أنه أخطأ بعدما صلى لا يعيدها) ش: أي الصلاة التي صلاها، وبه قال مالك وأحمد والمزني م:(وقال الشافعي: يعيدها إذا استدبر) ش: وهو ظاهر مذهبه وقوله الآخر كمذهبنا. وفي " الحلية ": هو المختار، وقيد بالاستدبار لأن في التيامن والقياس لا يعيد اتفاقا.
م: (لتيقنه بالخطأ) ش: وتمكنه من أداء الفرض بيقين، فيعيدها كما لو تحرى في ثوبين، أحدهما نجس، ثم ظهر بعد الصلاة في أحدهما بالتحري أنه نجس فيها أنه يعيد الصلاة إجماعا، وكذا التحري في الأواني.
قلنا: الاجتهاد يقوم مقام إصابة الكعبة عند العجز عن التوجه إلى عينها، بخلاف الثوب النجس والماء النجس إذا تنجس ما أقيم مقامه الظاهر فظاهر. ولأن الحاجة إلى الاجتهاد في القبلة أمس إذ لولاه صحت الصلاة أصلا، بخلاف الثوب والماء فإنه يمكنه أن يصلي عاريا وبالتيمم، فللصلاة وجود بدونها.
م: (ونحن نقول: ليس في وسعه إلا التوجه إلى جهة التحري) ش: إذ ليس في وسع هذا المجتهد إلا التوجه إلى جهة التحري لأن المقصود من طلب الجهة رضاء الله عنه لا عين الجهة، إلا إذا أمر بالطلب تحقق معنى الابتداء، والابتداء قد تم بالتحري فسقط عنه ما لزمه من الفرض.
م: (والتكليف مقيد بالوسع) ش: قال الله تعالى {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة: 286](البقرة: الآية 286) . قال الأكمل: قيل هذا لا يصح جوابا للشافعي اه.
قلت: هذا هو كلام السغناقي، فإنه قال: فإن قلت: هذا التعليل لا يكون جوابا كما ذكره الشافعي، فإن له أن يقول: سلمنا أن التكليف مقيد بالوسع، لكن هذا حال العمل، فإن له أن يعمل حال توجه الخطاب بالعقل لما في وسعه، ولا يأثم بما فعل عند ظهور الخطأ، فأما إذا ظهر خطؤه يقينا فكان فعله كلا فعل في حق وجوب الإعادة، كما في التحري في ثوبين أحدهما نجس، فإنه يعيد الصلاة هنا.
وملخص جوابه بأن القبلة من قبيل ما يحتمل الانتقال لأنها انتقلت من بيت المقدس إلى الكعبة ومن الكعبة إلى الجهة ومنها إلى سائر الجهات إذا كان راكبا، فإن فعل حيثما توجهت إليه راحلته فيعيد ما صلى إلى الجهة بالتحري إذا تحرك رأسه، فينتقل فرض التوجه إلى تلك الجهة، فكما يبدل الرأي فيه بمنزلة الفسخ فيعمل به في المستقبل، ولا يعمل به بطلان ما مضى، كما في النسخ الحقيقي، بخلاف النجاسة ونحوها مما لا يحتمل الانتقال من محل إلى محل، فلم يحركه العمل إلا بظاهر ما أدى إليه تحريه، فإذا ظهر ما هو أقوى منه أبطله لأنه غير قابل للانتقال.
فإن علم ذلك وهو في الصلاة استدار إلى القبلة وبنى عليه؛ لأن أهل قباء لما سمعوا بتحول القبلة استداروا كهيأتهم في الصلاة، واستحسنه النبي عليه الصلاة والسلام، وكذا إذا تحول رأيه إلى جهة أخرى توجه إليها؛ لوجوب العمل بالاجتهاد فيما يستقبل من غير نقض المؤدى قبله.
ــ
[البناية]
م: (فإن علم ذلك) ش: يعني خطأه م: (وهو في الصلاة) ش: أي والحال أنه في نفس الصلاة م: (استدار إلى القبلة) ش: بلا استئناف.
م: (لأن أهل قباء لما سمعوا بتحول القبلة استداروا كهيأتهم، واستحسنه النبي عليه الصلاة والسلام) ش: هذا الحدث أخرجه البخاري ومسلم عن مالك عن عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر قال: «بينما الناس في صلاة الصبح بقباء إذ جاءهم آت فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أنزل عليه الليلة قرآنا، وقد أمرنا أن نستقبل القبلة فاستقبلوها، وكانت وجوههم إلى الشام فاستداروا إلى الكعبة» وأخرجه مسلم عن أنس وفيه: " وهم ركوع في صلاة الفجر ".
وأخرج البخاري عن البراء قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعجبه أن تكون قبلته قبل البيت، فإنه صلى أول صلاة صلاها العصر ومعه قوم» . الحديث. وفي لفظ آخر له: «وهم ركوع في صلاة العصر» . وروى ابن سعد عن الواقدي: ثنا عمر بن صالح مولى التوأمة قال: سمعت محمد بن عبد الله بن سعد يقول: «صليت القبلتين مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فصرفت القبلة إلى البيت ونحن في صلاة الظهر فاستدار رسول الله صلى الله عليه وسلم واستدرنا معه» .
قوله: بقباء بصم القاف والمد: قرية من قرى المدينة، قال أبو حاتم: من العرب من يصرفه ويجعله مذكرا، ومنهم من يؤنثه فلا يصرفه.
قوله: استداروا؛ أي داروا من الدوران. وفي " الكافي " كيفية الاستدارة أن يبدأ من الجانب الأيمن لا من الجانب الأيسر.
م: (وكذا إذا تحول رأيه إلى جهة أخرى توجه إليها) ش: صورته: صلى بالتحري ركعة إلى جهة ثم تبين خطؤه في الصلاة، حول وجهه إلى تلك الناحية وبقي على الأول، ولا يجب عليه شيء فيها، وبه قال ابن أبي موسى والأسدلي من الحنابلة.
م: (لوجوب العمل بالاجتهاد فيما يستقبل من غير نقص المؤدى قبله) ش: المؤدى بفتح الدال. قوله: قبله؛ أي قبل تحريه إلى جهة أخرى وهو في الصلاة، لأن تبدل الرأي بمنزلة النسخ فيعمل في المستقبل لا في الماضي، كما في النسخ.
وكذلك الأمة إذا] أعتقت في الصلاة أنها تأخذ قناعا وتبني، ولو شك وصلى من غير تحر فهو على الفساد ما لم يتبين الصواب بعد الفراغ. ولو علم في الصلاة أنه أصاب القبلة فعليه أن يستقبل صلاته لأن حاله قويت بالعلم، وبناء القوي على الضعيف لا يجوز، ذكر ذلك الأسبيجابي والمرغيناني.
ومن أم قوما في ليلة مظلمة فتحرى القبلة وصلى إلى المشرق، وتحرى من خلفه فصلى كل واحد منهم إلى جهة، وكلهم خلفه، لا يعلمون ما صنع الإمام، أجزأهم؛ لوجود التوجه إلى جهة التحري، وهذه المخالفة غير مانعة كما في جوف الكعبة بالجماعة، ومن علم منهم بحال الإمام تفسد صلاته؛
ــ
[البناية]
وروي عن أبي يوسف جواز البناء، ولو كان في الزاوية إلى جهة فتركها وصلى إلى غيرها، فإنه لا تجوز صلاته وإن أصاب القبلة، لأنه تولى القبلة المتعينة عليه، وكذا لو أصاب في أثنائها يستقبل. وفي رواية أبي سليمان عن أبي يوسف أنه يجزئه لأنه أدرك المطلوب من الاجتهاد.
وفي " المحيط ": لو كان بحضرته من يسأله عنها فصلى بالتحري، لا يجزئه إلا إذا أصاب القبلة، لحصول المقصود، ولو قام إلى الصلاة إلى جهة من غير شك ثم شك بعد ذلك، فهو على الجواز حتى يعلم يقينا فساده، فتجب عليه الإعادة، وإن علم فيها استقبل صلاته، ولو صلى بالتحري في أحد ثوبين ثم تحول تحريه إلى الثوب الآخر، فكل صلاة صلاها في الثوب الأول تجزئه، وإن علم النجاسة في الثوب الأول أعاد.
وفي " المرغيناني ": صلى بالتحري في المفازة والسماء مصحية وهو لا يعرف النجوم، فتبين أنه أخطأ القبلة، قال ظهير الدين: يجوز، وقال غيره: لا يجوز. وفي " فتاوى السغناقي ": يجزئه ولم يقع تحريه على شيء، قيل: يؤخر الصلاة، وقيل: يصلي إلى أربع جهات، وقيل: يخير. وفي " المحيط ": دخل مصرا وعاين المحاريب لا يتحرى، وبه قال الشافعي، ولو دخل مسجدا لا محراب له وبحضرته أهله، لا يجزئه التحري إلا إن أصاب، ولو سألهم ولم يخبروه فتحرى وصلى جاز.
م: (ومن أم قوما في ليلة مظلمة فتحرى القبلة وصلى إلى المشرق، وتحرى من خلفه فصلى كل واحد منهم إلى جهة وكلهم خلفه لا يعلمون ما صنع الإمام أجزأهم) ش: أي الصلاة.
فإن قلت: قوله: لا يعلمون ما صنع الإمام، مشكل، لأنه يجوز أن يعلموا حال الإمام بصوته لأنهم في صلاة الليل بدليل قوله: في ليلة مظلمة.
قلت: يحتمل أن تكون الصلاة قضاء، أو يترك الإمام الجهر ناسيا، أو يكونوا قد عرفوا الإمام بصوته أنه قدامهم ولكن لم يميزوا من صوته إلى أي جهة توجه.
م: (لوجود التوجه إلى جهة التحري) ش: وجهة التحري هي المتعينة، وقد وجدت م:(وهذه المخالفة غير مانعة) ش: لأن جهة تحري كل واحد قبلة له، فلا بأس بالاختلاف.
م: (كما في جوف الكعبة بالجماعة) ش: فإنه لا يضر، فكذا ذاك، وبه قال الشافعي. وقال بعض أصحابه: عليهم الإعادة، كذا قال الأترازي وأخذ عنه الأكمل م:(ومن علم منهم) ش: أي من القوم المقتدين م: (بحال الإمام تفسد صلاته) ش: قال السغناقي: وهذا القيد وهو علم المقتدي حال
فكذا لو كان متقدما على الإمام؛ لتركه فرض المقام.
ــ
[البناية]
كونهم مأمومين ليس بلازم في سبق فساد صلاتهم، فإنه لو علم حال الإمام قبل الاقتداء فالحكم كذلك، وإن كان الإمام في وقت الاقتداء على الصحة، قال الأكمل: فيه نظر لأن قوله: ومن علم منهم حال إمامه، أعم من أن يكون علم قبل الاقتداء به أو بعده.
قلت: في نظره مخالفة إمامه في الكعبة، لأن صلاة الكل إلى القبلة. م:(فكذا لو كان متقدما عليه) ش: أي فكذا الحكم لو كان المأموم متقدما على الإمام م: (لتركه فرض المقام) ش: أي لترك المأموم فرض مقامه، وهو تأخره عن الإمام.