الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
وبه أستعين وعليه توكلي وهو حسبي
باب الحدث في الصلاة
ومن سبقه الحدث في الصلاة انصرف
ــ
[البناية]
[باب الحدث في الصلاة]
بسم الله الرحمن الرحيم
وبه أستعين وعليه توكلي وهو حسبي
م: (باب الحدث في الصلاة) ش: أي هذا باب في بيان أحكام الحدث الواقع في الصلاة، وجه المناسبة بين البابين أن الباب الأول في بيان أحكام الإمامة والإمام، ومن جملة الأحكام المتعلقة بالإمام سبق الحدث إياه فنحتاج إلى بيان أحكامه، وأما وجه المناسبة بينه وبين الفصول السابقة، هي أن المذكور فيها أحكام السلامة عن العوارض في الصلاة في حق الإمام والمنفرد والجماعة، والمذكور هاهنا بيان أحكام العوارض العارضة المانعة من المضي في الصلاة والسلامة هي الأصل فلذلك أخر هذا الباب.
م: (ومن سبقه الحدث) ش: كلمة من موصولة تضمنت معنى الشرط والمعنى سبقه بدون اختياره، ويسمى ذلك حدثا سماويا، والحاصل أن الشرط سبق الحدث الخارج من بدنه الموجب للوضوء دون الغسل، ومن غير قصد منه للحدث أو بسببه أو من غيره، ولم يأت بعده بما ينافي الصلاة من توقف في موضع الصلاة أو كلام أو كشف عورة من غير ضرورة أو فعل فعل ينافي الصلاة مما له منه بد، فعلى هذا لا يجوز له البناء فيما إذا انتضح البول عن بدنه أو ثوبه أكثر من قدر الدرهم؛ لأنه ليس من الأحداث، وكذا إذا انتقض وضوءه بالإغماء أو الجنون أو القهقهة؛ لأنها ليست خارجة من البدن، وكذا في الاحتلام، وإن كان خارجا من البدن؛ لأنه موجب للغسل والنص ورد في موجب الوضوء، وكذا في الحدث العمد؛ لأنه قصده والشرط المسبق كما ذكرنا، وكذا إذا كانت به جراحة أو فعل فغمزها بيده فسال منها الدم؛ لأنه وجد منه القصد بسبب الحدث، وكذا فيما إذا رماه إنسان ببندقة أو حجر من السقف فأصابه فسال الدم؛ لأن الحدث منه بسبب غيره.
وعن أبي يوسف يبني في البندقة كالسماوي لعدم صبغه، ولو عثر بحشيش المسجد فأدماه
أو تنحنح فخرجت ريح بقوته في الصلاة انصرف
فإن كان إماما استخلف وتوضأ.
ــ
[البناية]
قيل يبني، وقيل على الاختلاف بينهما وبين أبي يوسف فعنده يبني، ولو عطس فسبقه الحدث من عطاسه.
م: (أو تنحنح فخرجت ريح بقوته) ش: قيل: يبني وقيل لا ولو سقط منها الكرسف بغير فعلها مبلولا بنت في قولهم وبتحريكها بنت عند أبي يوسف وعندهما لا تبني م: (في الصلاة) ش: في محل النصب على الحال م: (انصرف) ش: جواب من، والمعنى من غير توقف بعد سبق الحدث؛ لأنه إذا توقف يصير مؤديا جزء الصلاة مع الحدث فتنقطع صلاته فلا يبني حينئذ وأشار إليه بقوله: انصرف وهو جزاء الشرط والجزاء لا يتراخى عن الشرط، ولو مكث في مكانه قدر ما يؤدي ركنا فسدت صلاته.
وفي (المنتقى) : إن لم ينو بمقامه الصلاة لا يفسد؛ لأنه لم يؤد جزءا من الصلاة بالحدث، وفي جوامع الفقه: إلا إذا أحدث في نومه ومكث حتى انتبه وذهب يبني. وعن محمد: لو ركع وسجد في حال نومه ثم انتبه وذهب جاز له البناء؛ لأن ما أتى به في حال نومه كالعدم، وعن أبي يوسف: لو أحدث في سجوده فرفع رأسه وكبر يريد به إتمام سجوده أو لم ينو شيئا فسدت، وإن أراد الانصراف لا تفسد ولو قرأ ذاهبا إلى الوضوء تفسد وإتيانه لا تفسد، وقيل على العكس والصحيح الفساد فيهما؛ لأن في الأول أدى ركنا مع الحدث، وفي الثاني مع المشي والتسبيح والتهليل لا يمنع البناء في الأصح. وقيل: لو رفع رأسه من الكوع وقال: سمع الله لمن حمده وهو محدث لا يبني.
قال المرغيناني: نص عليه في المنتقى واعلم أن صورة ذهابه إلى الوضوء به يتأخر محدودا بالخفض كذا قاله في مختصر البحر المحيط. وقال صاحب الطراز: يضع يده على أنفه يوهم أنه قد رعف فينقطع عنه الظنون. قال: هو مروي عن النبي عليه السلام.
قلت: ذكره المصنف على ما يأتي عن قريب إن شاء الله تعالى.
م: (فإن كان إماما) ش: تفصيل حكم الذي سبقه الحدث في الصلاة فلذلك ذكره بالفاء، أي فإن كان الذي سبقه الحدث إماما م:(استخلف) ش: خليفة في موضعه، وتفسير الاستخلاف هو أن يأخذه بثوبه ويجره إلى المحراب كذا في الخلاصة ويكون استخلافه بالإشارة، وفي جوامع الفقه يشير لركعة واحدة بإصبع واحدة والسجدة يضع إصبعه على جبهته إن كان واحدا بإصبع واحدة وفي اثنين بأصبعين، وفي سجدة التلاوة يضع أصبعه على جبهته ولسانه، وفي السهو يشير بذلك بعد السلام وبتحويل رأسه يمينا وشمالا، ولو استخلف بالكلام فسدت صلاته وصلاتهم سواء كان عامدا أو ساهيا أو جاهلا، وذكر في الذخيرة للمالكية أن عند مالك إذا استخلف بالكلام يجوز، وقال ابن حبيب: إن استخلف [بالكلام جاهلا أو عمدا تبطل، وإن كان ساهيا
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[البناية]
فعليه فقط ويقدم من الصف] الذي يليه لقربه ولهذا قال عليه السلام: «ليليني منكم أولو الأحلام والنهى» . وفي (المفيد) : لو قدم امرأة فسدت صلاته وصلاة القوم. وقال زفر: لا تفسد صلاة المقدمة والنساء، وتفسد صلاة الرجال.
وفي (مختصر البحر) : استخلف محدثا فسدت صلاتهم وفي الجمعة يجوز ويقدم غيره فيصلي بهم. وفي " الأجناس ": لو قدم جنبا أو محدثا أو امرأة فسدت صلاة الكل، ولو استخلف صبيا أو مجنونا أو أخرس أو امرأة أو كافرا فاستخلف أهله غيره لم يجز، ولو استخلف رجلا جاثيا حينئذ وكان كبر قبل سبق حدث الإمام صح وكذا بعده ونوى الاقتداء به، وعند بشر المريسي لا يصح اقتداؤه، ولو قدم الإمام رجلا وتقدم آخر بنفسه أو بتقديم القوم وأتم بكل طائفة فهو والأول سواء، ولو قدم الإمام رجلا والقوم رجلا فالإمام من قدمه الإمام إلا أن ينوي القوم أن يأتموا بالآخر قبل أن ينوي ذلك.
وقال إمام الحرمين: ليس عندي نقل في هذه المسألة، ولعل الأظهر أن المتبع من قدمه القوم [إلا أن ينوي القوم أن يؤموا بآخر قبل أن ينوي ذلك] . وفي " جوامع الفقه ": لو تقدم واحد بنفسه تشترط نية القوم الاقتداء به.
ولو قدمه الإمام أو القوم لا يشترط بذلك. قال المرغيناني: هذا خلاف ما ذكره في الأصل، وفي " الذخيرة ": الإمام المحدث على إمامته ولم يخرج من المسجد فإن استخلف وأقام خليفته مقامه في مكانه ونوى أن يؤم الناس فيها، أو استخلف القوم غيره خرج من إمامته، وفي " جوامع الفقه ": لا يخرج من إمامته، إلا بالخروج من المسجد أو بقيام الخليفة مقامه إن نوى أن يؤم في ذلك المكان أو باستخلاف الناس غيره.
وفي " التحفة ": وإن لم يستخلف وخرج من المسجد تفسد صلاة القوم إذا لم يكن خارج المسجد صفوف متصلة، فإن كانت وخرج ولم يجاوز الصفوف تبطل صلاتهم عند أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله -. وقال محمد: لا تبطل، قال: والصحيح قولهما وكذا لو استخلف من الصفوف المتصلة الخارجة من المسجد لم يجز عندهما ويجوز عند محمد. وفي " مختصر البحر المحيط ": وفي المسجد يستخلف والكبير والصغير فيه سواء إلا إذا كان مثل جامع المنصور وجامع البيت المقدس، وإذا لم يوجد شيء من ذلك فتوضأ في جانب المسجد والقوم ينتظرون ورجع إلى مكانه وأتم صلاته أجزأهم، وإن لم يستخلفوا حتى خرج الإمام من المسجد بطلت صلاتهم والإمام يتوضأ ويبني؛ لأنه منفرد في حق نفسه. ذكر الطحاوي أن صلاته تفسد أيضا. وفي " جوامع الفقه " في فساد صلاة الإمام روايتان. وفي " المفيد ": في المشهور من الرواية أنها لا تفسد. وذكر أبو عصمت من أصحابنا أنها تفسد والصحيح الأول، ولو لم يكن مع الإمام إلا رجل واحد فهو إمام قدمه أولا.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[البناية]
وقال في " الوبري ": تقدم بنفسه أو لم يتقدم وقام مقام الأول أو لم يقم حتى لو فسدت صلاة الثاني فسدت صلاته لنفسه. قال في " المفيد ": كالإمامة الكبرى إذا لم يكن في العالم من يصلح غيره، ولو اقتدى إنسان بالإمام المحدث قبل خروجه من المسجد صح، وإن كان بعد انصرافه، ثم ينظر إن قدم المحدث خليفة جازت صلاة الداخل ولا تفسد، وإن كان خلفه من لا يصلح للإمامة كالصبي والمرأة والأمي والأخرس إن استخلفه تفسد بلا خلاف كما ذكرنا.
وإن لم يستخلف وخرج من المسجد اختلف المشايخ فيه، ففيل: تفسد، وقيل لا تفسد، وتفسد صلاة المقتدي، وهذا أصح، ولو قدم المحدث واحدا من آخر ثاني الصفوف وخرج من المسجد قبل أن يقوم الثاني مقام الأول، نظر إن نوى الثاني الإمامة من ساعته لا تفسد ويحول الإمام إلى الثاني، وإن لم ينو من ساعته وإنما نوى أن يكون إماما مقام الأول [وخرج الأول من المسجد قبل أن يصلي إلى مقام الأول فسدت صلاة القوم] ؛ لأن الإمامة لم تحول إليه بعد، والأول يبني على صلاته بكل حال، فإن تقدم رجلان [فالسابق إلى مكان الأول متعين] ، فإن بقي إلى مكان الإمام وإن استويا في التقدم واقتدى بعضهم بهذا وبعضهم بذاك فصلاة الذي ائتم به الأكثر صحيحة وصلاة الأقل فاسدة، وعند الاستواء لا يمكن الترجيح وإتمامها بإمامين غير ممكن فتفسد صلاتهم كذا في " الذخيرة ".
وفي " جوامع الفقه ": يقدم كل طائفة رجلا فالعبرة للأكثر وعند الاستواء تفسد. وفي " المبسوط ": يقدم كل فريق رجلا فاقتدوا بأحدهما إلا رجلا أو رجلين اقتديا بالآخر فصلاة الجماعة صحيحة وصلاة الآخرين فاسدة، وإن كانت إحدى الجماعتين أكثر فقد قال بعض أصحابنا: وصلاة الأكثرين صحيحة ويتعين الفساد في حق الآخرين في الواحد والمثنى.
قال: والأصح أنه تفسد صلاة الفريقين، وفي متعرقات الفقيه أبي جعفر إذا ظن الحدث فاستخلف ثم تبين أنه لم يحدث قبل خروجه، وإن كان الخليفة لم يأت بالركوع جازت وإلا فسدت. قال الفقيه: وفي رواية ابن سماعة عن محمد إن قام الخليفة مقام الإمام فسدت صلاتهم، وفي " جوامع الفقه " كبر الخليفة ينوي الاستقبال جازت صلاة من استقبل وفسدت صلاة من لم يستقبل، وتفسد صلاة المتخلف أن يبني على صلاة نفسه.
وسئل أبو نصر عمن استخلف فقدم الخليفة غيره من غير أن يحدث؟ إن قدمه قبل أن يقوم في موضع الإمام الأول في المسجد جاز، ولو اقتدى المقيم بالمسافر خارج الوقت أو المتنفل بالمفترض فأحدث المسافر أو المفترض تفسد صلاتهما؛ لأنهما لا يصلحان لإقامتها، ولو أحدث الإمام والقوم فخرجوا معا تفسد صلاة القوم دون الإمام لخلو مكان الإمام وتفرد الإمام.
ثم أعلم أن الذي سبقه الحدث يتوضأ ثلاثا ثلاثا، قال في " التحفة ": ويستوعب رأسه
وبنى
ــ
[البناية]
وبنى
بالمسح ويتمضمض ويستنشق ويأتي بسائر سنن الوضوء وهو الصحيح. وفي " الحاوي ": عن أبي القاسم أنه يتوضأ مرة مرة ولا يزيد على ذلك وإن زاد فسدت صلاته. وفي " الجوامع " المتيمم للجنابة إذا أحدث فذهب فوجد ما يكفي لوضوئه يبني بخلاف ما إذا وجد ما يكفيه لجنابته. وفي " الذخيرة ": المرأة كالرجل في الوضوء والبناء؛ لأن كلمة "من" تتناول الرجل والمرأة.
وعن أبي يوسف في غير رواية الأصول: إن أمكنها الوضوء من غير كشف عورتها بأن يمكنها غسل ذراعيها في الكمين ومسح مع الخمار بأن كان ذلك رقيقا يصل الماء إلى ما تحت ذلك فكشفتها لا شيء، وإن لم يمكنها بأن كان عليها جبة وخمار ثخينين لا يصل إلى ما تحت ذلك جاز وهو نظر الرجل إذا كشف عورته في الاستنجاء عند مجاوزة النجاسة مخرجها أكثر من قدر الدرهم. وعن إبراهيم بن رستم: لا يجوز للمرأة البناء؛ لأنها عورة. وفي " مختصر البحر المحيط ": لو سبقه الحدث من صلاة الجنازة ينبغي له أن ينبي وفي الاستخلاف خلاف.
م: (وبنى) ش: أي على صلاته ما لم يوجد منه ما ينافي صلاته مما له منه بد كالكلام، والأكل، والشرب، والبول، والتغوط ونحو ذلك. وفي السغناقي يمنع البناء الحدث العمد والإغماء والجنون والقهقهة عمدا أو لا والاحتلام والإمناء، والنظر بشهوة أو تفكر أو النحة أو عضة زنبور أو ظهرت عورته عند الاستنجاء ولو لم يظهر بنى. وروى أبو سليمان أنه يبني مطلقا، وفي " شرح القدوري " لأبي نصير: لا يبني في ظاهر المذهب.
وذكر في " المحيط " عن محمد أنه يستنجي من تحت ثيابه، وروى أبو سليمان أن الاستيفاء من البئر لا يمنع البناء، ولو جاوز الماء فذهب إلى غيره فسدت صلاته. وفي " مختصر عن المحيط ": يبني ولو استفاء بوضوء أو حزز دبره فسدت صلاته.
وفي " المرغيناني ": ما يسقي من البئر ويبني. وقال الكرخي والقدوري: لا يبني. وفي " التحفة ": أنه يبني، ولم يجد خلافا ولو طلب الماء بإشارة أو اشتراه بالتعاطي أو نسي ثوبه في موضع الوضوء فرجع واحدة لا يبني، ولو تذكر أنه لم يمسح برأسه فرجع ومسح يجزئه؛ لأنه لا بد منه. ولو أحدث فأصاب منه ثوبه أو بدنه يغسل ويبني، ولو انتضح عليه من البول أكثر من قدر الدرهم وهو في الصلاة فذهب وغسله لا يبني عندهما، وعند أبي يوسف يبني، وإن كان له ثوبان نزع النجس منهما من ساعته وصلى، وكذا لو وقع ثوبه فأخذه من ساعته فستر عورته تفسد صلاته، وإن سكت عريانا إن عجز عن رفع ثوبه لا تفسد ما لم يؤد ركنا مع الكشف، وإن قدر على رفعه تفسد عندهما خلافا لأبي يوسف.
فإن قلت: ما وجه تخصيص الإمام بالبناء مع جوازه للمقتدي والمنفرد.
قلت: لأنه أعلم بشرائط البناء غالبا من غيره.
والقياس أن يستقبل وهو قول الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لأن الحدث ينافيهما
والمشي والانحراف يفسدها فأشبه الحدث العمد.
ــ
[البناية]
م: (والقياس أن يستقبل) ش: أي صلاته هذه م: (وهو قول الشافعي) ش: أي استقبال الصلاة في هذه الحالة قول الشافعي في الجديد وبه قال مالك في قول وأحمد في رواية، وعن أحمد: أن صلاة المأمومين تبطل، وعنه: لا يستخلف ويتيممون وحدانا، والمسبوق تبطل صلاته، وعنه يتوضأ ويبني.
وفي " المبسوط " كان مالك رحمه الله يقول أولا: يبني ثم رجع وعاب عليه محمد في كتاب الحج لرجوعه من الآثار إلى القياس، وفي " الجواهر " من كتب المالكية أنه يستخلف سواء شرع طاهرأ أو محدثا أو جنبا، وإن صلوا وحدانا بطلت في المشهور.
وقال الزهري في إمام بثوبه دم أو رعف أو سجد للسهو] بالتصرف وليقل أتموا صلاتكم. وروي أن معاوية لما طعن أتم الصلاة وحدانا، وذكر في " النهاية " لإمام الحرمين في باب الجمعة لو أحدث الإمام عامدا أو أخرج نفسه من الصلاة [تفسد أو سبقه] الحدث فالاستخلاف يجزئ في هذه الصورة عندهم مع بطلان صلاة الإمام.
م: (لأن الحدث ينافيهما) ش: أي ينافي الصلاة، والطهارة شرط لبقاء الصلاة كما هي شرط لابتدائها فلا تبقى مع وجود الحدث المنافي لشرطها.
م: (والمشي) ش: إلى الوضوء م: (والانحراف) ش: عن القبلة م: (يفسدها) ش: أي الصلاة لأنهما متنافيان م: (فأشبه الحدث العمد) ش: أي أشبه الحدث السابق وهو الحدث السماوي الحدث العمد، فكما أن في الحدث العمد تبطل الصلاة فكذلك في الحدث السماوي، وهو الذي ذكره وجه القياس الذي أخذ به الشافعي ومن اتبعه، ولم يذكر المصنف له دليلا من الآثار واحتجوا في ذلك بالأحاديث:
منها: ما رواه الأثرم بإسناده عن علي رضي الله عنه «عن النبي عليه السلام أنه كان قائما يصلي بهم فانصرف ثم أتى ورأسه تقطر ماء، فقال: "إني قمت بكم ثم تذكرت أني جنب ولم أغتسل فانصرفت واغتسلت، فمن أصابه منكم مثل الذي أصابني فلينصرف وليغتسل وليستقبل صلاته» .
ومنها: ما رواه مالك في " الموطأ «أنه عليه السلام صلى بأصحابه فلما أحرم بالصلاة وذكر أنه جنب فقال لأصحابه: "كما أنتم" ومضى ورجع ورأسه تقطر ماء ولم يستخلف» فدل أن تقدم الجنابة لم تمنع الاقتداء فإنه قال: كما أنتم.
ومنها: ما رواه علي بن طلق عن رسول الله عليه السلام أنه قال: «إذا نسي أحدكم في
ولنا قوله عليه الصلاة والسلام: «من قاء أو رعف أو أمذى في صلاته فلينصرف وليتوضأ وليبن على صلاته ما لم يتكلم» .
ــ
[البناية]
صلاته فلينصرف وليتوضأ وليعد صلاته» أخرجه الترمذي وأبو داود، وقال الترمذي:[هذا] حديث حسن ورواه ابن حبان في "صحيحه ". ومنها: ما رواه ابن عباس قال: قال رسول الله عليه السلام: «إذا رعف أحدكم في الصلاة فلينصرف وليغسل عنه الدم ثم ليعد وضوءه وليستقبل صلاته» وأخرجه الطبراني في "معجمه " والدارقطنى في "سننه " وابن عدي في " الكامل ".
والجواب عن هذه الأحاديث: أن حديث علي رضي الله عنه هو مذهبنا فإنه أمر بالاستقبال فدل أن شروعه فيها لم يصح، ونحن إنما قلنا بالاستخلاف والبناء في الحدث الطارئ السابق دون العمد القارن والجنابة، وأن حديث " الموطأ " يخالفه الصحيح الذي اتفق عليه الشيخان البخاري ومسلم فإنهما رويا بإسنادهما «عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: أقيمت الصلاة وعدلت الصفوف قياما، فخرج إلينا رسول الله عليه السلام، فلما قام في مصلاه ولم يشرع في الصلاة وقد تكلم ثم جاء وكبر للشروع في الصلاة» . ومعنى قوله: كما أنتم أي لا تتفرقوا حتى أجيء، ولهذا استقبل وأمرهم بالاستقبال، ويدل عليه ما رواه أبو داود «أنه عليه السلام قام في مصلاه فانتظرنا أن يكبر فانصرف، فقال: "كما أنتم» فمن المحال أن يصلوا بصلاة رسول الله عليه السلام قبل شروعه عليه السلام، ومن المعلوم بالضرورة أنهم لم يكونوا شرعوا في الصلاة قبل شروعه عليه السلام.
وأن حديث علي بن طلق محمول على العمد أو على الأفضلية توفيقا بين الأحاديث على أن ابن القطان [كان يقول] في كتابه: هذا حديث لا يصح فإن فيه مسلم بن سلام الحنفي أبا عبد الملك وهو مجهول الحال. وأن حديث ابن عباس فيه سليمان بن أرقم، وقال أحمد وأبو داود والنسائي وابن معين والبخاري: إنه متروك.
م: (ولنا قوله صلى الله عليه وسلم: «من قاء أو رعف أو أمذى في صلاته فلينصرف وليتوضأ وليبن على صلاته ما لم يتكلم» ش: هذا الحديث رواه ابن ماجه في "سننه " عن إسماعيل عن [ابن جريج] عن ابن أبي مليكة عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أصابه قيء أو رعاف أو قلس أو مذي فلينصرف وليتوضأ ثم ليبن على صلاته وهو في ذلك لا يتكلم» ، وأخرجه الدارقطني في "سننه ".
وقال عليه الصلاة والسلام: «إذا صلى أحدكم فقاء أو رعف فليضع يده على فمه، وليقدم من لم يسبق بشيء» .
ــ
[البناية]
وقال: الحفاظ يروونه عن ابن جريج عن ابن أبي مليكة عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا، ثم أخرجه عن عبد الرزاق عن ابن جريج به مرسلا وقال: هذا هو الصحيح.
وقال إمام الحرمين في " النهاية " والغزالي في " الوسيط ": إن هذا الحديث مروي في الكتب الصحاح وهو وهم منهما، وإنما لم يقل به الشافعي؛ لأنه مرسل وابن أبي مليكة لم يلق عائشة رضي الله عنها م: (وقال صلى الله عليه وسلم: «إذا صلى أحدكم فقاء أو رعف فليضع يده على فمه وليقدم من لم يسبق بشيء» ش: هذا بهذا اللفظ غريب، ولكن أخرج أبو داود وابن ماجه عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا صلى أحدكم فأحدث فليأخذ بأنفه ثم لينصرف» .
وأخرج الدارقطني في "سننه " عن عاصم بن ضمرة والحارث عن علي رضي الله عنه موقوفا: [إذا أم القوم فوجد في بطنه رزءا أو رعافا أو قيئا فليضع ثوبه على أنفه وليأخذ بيد رجل من القوم فليقدم] . قوله: رعف، قال المطرزي: رعف أنفه سال رعافه.
قلت: الرعاف هو الدم يخرج من الأنف، ورعف من باب نصر ينصر، وجاء رعف بالضم وهي لغة ضعيفة، وجاء رعف يرعف بالفتح فيهما، ويقال: رعف الفرس يرعف ويرعف بالفتح والضم أي سبق وتقدم واسترعف مثله.
قوله: أو أمذى: أي صار ذا مذي، قوله: وليبن: أمر وأدنى درجاته الإباحة فيثبت شرعية البناء.
فإن قلت" وليتوضأ أمر أيضا، وهو للوجوب فينبغي أن يكون وليبن كذلك.
قلت: لا يضرنا ذلك، لأنه حينئذ يكون أثبت للمدعي.
قوله: من لم يسبق بشيء مفعول وليقدم وأراد به من لم يسبقه حدث مثله، وقد فسره بعضهم بقوله: المراد المسبوق بالصلاة وليس كذلك لأن المسبوق يجوز أن [يكون] يجعل خليفة لمن سبقه الحدث، وقال تاج الشريعة: قوله: من لم يسبق بشيء لبيان الأفضل؛ لأنه أقدر على إتمام الصلاة من المسبوق. قوله: رزءا بكسر الراء وتشديد الزاء وهو في الأصل الصوت الخفي ويريد به القرقرة وقيل: هي غمز الحدث وحركته للخروج.
والبلوى فيما سبق، دون ما يتعمده، فلا يلحق به،
والاستئناف أفضل تحرزا عن شبهة الخلاف
ــ
[البناية]
وأخرج الطبراني عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم: «من وجد في بطنه رزءا فلينصرف وليتوضأ» وأمره بالوضوء لئلا يدافع أحد الأخبثين وإلا فليس بواجب إن لم يخرج الحدث.
فإن قلتم: استدللتم بحديثين أحدهما مرسل والآخر ضعيف.
قلت: لا يضرنا إرساله؛ لأن المرسل عندنا حجة ويقوي الضعيف بما نقل عن الصحابة رضي الله عنهم وهو ما أخرجه ابن أبي شيبه في "مصنفه" عن علي بن أبي طالب وأبي بكر الصديق وسلمان وابن عمرو ابن مسعود.
وروي من التابعين عن علقمة، وطاوس، وسالم بن عبد الله، وسعيد بن جبير، والشعبي، وإبراهيم النخعي، وعطاء، مكحول، وسعيد بن المسيب، وكيف يذهب إلى القياس بترك قول هؤلاء وقولهم فيما لا يدرك بالقياس كالنص في كونه راجحا على القياس حتى قال بعضهم في المسألة إجماع الصحابة، فإنه روي عن أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، والعبادلة الثلاثة، وأنس، وسلمان رضي الله عنهم أجمعين - جواز البناء، والمراد إجماع فقهائهم وبقولهم يترك القياس، هذا والنووي اجتهد في هذا وقال: منع البناء المسور بن مخرمة من الصحابة وهو لا يقاوي هؤلاء الأجلاء من الصحابة، والأئمة الكبار من التابعين والرجوع إلى الحق واجب، وروي أيضا مثلما قلنا عن الأوزاعي وابن أبي ليلى وسلمان بن يسار والحسن البصري، وسفيان الثوري، وأبي سلمة بن عبد الرحمن رضي الله عنهم.
م: (والبلوى فيما سبق) ش: هذا جواب عن قول الشافعي فأشبه الحدث العمد، تقريره أن البلوى أي البلية في الحدث يقال: لحصوله بغير فعله فيجعل فيه مقدورا م: (دون ما يتعمده) ش: أي يقصده ويفعله باختياره وليس فيه بلوى فلا يجعل معذورا فلا يجوز القياس لوجود الفارق وهو معنى قوله م: (فلا يلحق به) ش: أي لا يلحق بما يسبق مما يتعمد وهذا في نفس الأمر منع المشابهة ومن قوله: فأشبه الحدث العمد، وكيف يشابه الذي بلا اختيار بالذي باختيار.
م: (والاستئناف أفضل) ش: أي استقبال الصلاة أفضل من البناء م: (تحرزا عن شبهة الخلاف) ش: لأنه أقرب إلى الاحتياط؛ لأن البناء عمل بخبر الواحد والاستئناف بالإجماع، والإجماع أقوى من خبر الواحد كذا قاله بعض الشراح وفيه نظر؛ لأنه قيل: إن البناء إجماع الصحابة، فإن روي عن جماعة كثيرين كما ذكرنا، وبه يترك القياس؛ لأن قولهم فيما لا يدرك بالقياس، كالنص في كونه راجحا على القياس مع أنه مؤيد بالأمر في الحديث المذكور.
وقيل: إن المنفرد يستقبل، والإمام والمقتدي يبني صيانة لفضيلة الجماعة، والمنفرد إن شاء أتم في منزله، وإن شاء عاد إلى مكانه،
والمقتدي يعود إلى مكانه، إلا أن يكون إمامه قد فرغ أو لا يكون بينهما حائل.
ــ
[البناية]
م: (وقيل: إن المنفرد يستقبل) ش: أي الأفضل له ذلك للاحتياط م: (والإمام والمقتدي يبني) ش: يعني الإمام إذا سبقه الحدث يبني على صلاته، والمقتدي أيضا إذا سبقه الحدث يبني م:(صيانة لفضيلة الجماعة) ش: أي حفظا لفضيلة الجماعة، وانتصاب صيانة على التعليل.
م: (والمنفرد إن شاء أتم في منزله) ش: يعني الذي يصلي وحده إذا سبقه الحدث فذهب وتوضأ إن شاء أتم صلاته في منزله وهو الموضع الذي توضأ فيه بعد الانصراف م: [ (وإن شاء عاد إلى مكانه) ] ش: وإنما صار مخيرا بين الأمرين لأنه إذا أتم في منزله صار مؤديا صلاته في مكانه مع قلة المشي، وإن عاد إلى مكانه صار مؤديا لها في مكان واحد مع كثرة المشي فوجد في كل واحد من الأمرين جهة الكراهة وجهة الفضيلة فصار مخيرا.
م: (والمقتدي يعود إلى مكانه) ش: وهو الموضع الذي سبقه الحدث فيه، ولا يجوز له أن يبني في منزله الذي توضأ فيه لوجوب متابعة الإمام. وقال المرغيناني: المقتدي يعود لا محالة إذا لم يفرغ إمامه. وقال الأسبيجاني: يعود إلى موضع يجوز له الاقتداء بإمامه، وقال في " المفيد ": وكذا إذا لم يعلم بفراغ إمامه وإن فرغ يتخير بين العود والإتمام في مسجد آخر.
م: (إلا أن يكون إمامه قد فرغ) ش: هذا مبينا من قوله يعود إلى مكانه أراد أن إمامه إذا فرغ عن الصلاة يجوز له أن يبني في منزله لزوال الداعي. وإذا عاد بعد فراغ الإمام، فعن ابن سماعة: أنه يفسد صلاته بحصول المشي بلا حاجة. واختيار السرخسي وشيخ الإسلام خواهر زاده: لا يفسد صلاته.
فإن قلت: اللاحق في حكم المقتدي فيما يتم من صلاته، فإذا كان بينه وبين الإمام ما يمنع صحة الاقتداء من طريق أو نهر فينبغي أن لا يجوز في بيته.
قلت: هم بمنزلة المقتدي، ولكن الإمام قد خرج من حرمة الصلاة، فلا يراعى ترتيب القيام بينه وبين إمامه، وربما خرج أو أحدث أو نام.
م: (أو لا يكون بينهما حائل) ش: عطف على المستثنى؛ يعني أن المقتدي يعود إلى مكانه إلا إذا فرغ إمامه فحينئذ لا يعود، وإلا إذا لم يكن بين الإمام والمقتدي حائل؛ أي مانع لجواز الاقتداء كالطريق والنهر الكبير فحينئذ لا يعود إلى مكانه، وإن لم يفرغ الإمام عن الصلاة لجواز المتابعة من حيث هو.
فإن قلت: المقتدي إذا عاد إلى مكانه قبل فراغ الإمام كيف يصنع؟ قلت: قال في " شرح الطحاوي ": يشتغل أولا بقضاء ما سبقه الإمام في حالة اشتغاله بالوضوء بغير قراءة؛ لأنه لاحق،